حاشية فرائد الأصول - ج ١

آية الله الشيخ محمّد إبراهيم اليزدي النجفي

حاشية فرائد الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد إبراهيم اليزدي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ١
ISBN: 964-497-015-2
الصفحات: ٦٩٤

قوله : وإن لم يكن بين أبعاض ذلك الغير مرجح فافهم (١).

(١) لكن يجب الحكم بالتعميم بين تلك الأبعاض حينئذ ، لفرض عدم الترجيح بينها وبطلان التخيير بالإجماع كما ذكر في التعميم للجميع ، وفي الاستناد إلى الإجماع في بطلان التخيير في المقامين ما لا يخفى كما مرّ غير مرّة في نظائره.

قوله : إلّا أن يؤخذ بعد الحاجة إلى التعدي منها بما هو متيقن بالإضافة إلى ما بقي فتأمل (٢).

(٢) لعل وجهه أنّ الرجوع إلى المتيقن فالمتيقن وإن كان يدفع إشكال عدم الكفاية لأجل الندرة إلّا أنّه فرع وجود المتيقن بالإضافة فالمتيقّن ، وليس إذ بعد القدر المتيقن الأول يكون الوجوه المرجحة الموجودة في كل من أبعاض الظنون متكافئة ، فيكون كل منها متيقنا من جهة فيقع التعارض بينها ويبقى الإجمال والإهمال.

قوله : ففيه مع أن الوجه الثاني لا يفيد لزوم التقديم بل أولويته (٣).

(٣) الظاهر أنّه أراد الأولوية الشأنية لا الفعلية ، لأنّ الأولوية الفعلية إنّما تتصور لو كان الأمر دائرا بين التخيير بين الأخذ بأبعاض الظنون وترجيح الظن المظنون الحجية ، إذ لا ريب حينئذ في أولوية الأخذ بهذا البعض المظنون الحجية ، بل تفيد هذه الأولوية لزوم التقديم بناء على لزوم الأخذ بالمعين في مسألة دوران الأمر بين التخيير والتعيين.

وأما إذا قلنا إنّ التخيير بين أبعاض الظنون خلاف الإجماع كما هو

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٤٧٤.

(٢) فرائد الأصول ١ : ٤٧٥.

(٣) فرائد الأصول ١ : ٤٧٦.

٦٢١

مفروض المتن ، فالأمر يدور في مسألتنا بين الأخذ بالظنون المظنون الحجية فقط أو الأخذ بالجميع ، والمفروض أنّه على تقدير عدم ثبوت الترجيح يحكم بالتعميم جزما وأنّ الظن القائم على الحجية لم يثبت اعتباره ، فلا بدّ من الحكم بالتعميم ، فأين الأولوية الفعلية ، هذا.

ثم لا يخفى أنّ العبارة المذكورة لا تخلو عن حزازة وكان المناسب أن يقول : ففيه أنّ الوجه الثاني مع أنه لا يفيد لزوم التقديم بل أولويته أن الترجيح إلى آخره ، فتدبر.

قوله : وحينئذ إذا فرضنا كون الظن الذي لم يظن بحجيته أقوى ظنا بمراتب ، إلى آخره (١).

(١) الظاهر عدم ورود هذا الإيراد لأنّ من يذكر الظن بالحجية مرجحا لا يريد قصر المرجح فيه ، بل يريد أنّ ذلك من المرجحات نوعا ، ولا ينافي ذلك أن يكون هناك مرجح آخر أقوى منه ، وحينئذ يرجع إلى ما مر بيانه في السابق من الأخذ بكليهما إن لم يكن كل واحد منهما بمقدار واف يرفع العلم الإجمالي بالتكاليف ، وإلّا يؤخذ بالأرجح منهما ، وبهذا البيان يظهر ما في قوله في المتن «فيرجع الأمر إلى لزوم ملاحظة الموارد الخاصة وعدم وجود ضابطة كلية» وكذا قوله : «مع أنّ اللازم على هذا ألا يعمل بكل مظنون الحجية بل بما ظن حجيته بظن قد ظن حجيته» إلى آخره ، إذ للقائل أن يلتزم بالأخير ولا قدح على كلامه ، ولا يلزم ملاحظة الموارد الخاصة بل ملاحظة المرجحين الكليين نوعا والعمل على ما مر من الترجيح أو الأخذ بكليهما.

نعم يرد على هذا الوجه ما أورده على وجه الترجيح بالقوة والضعف من

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٤٧٦.

٦٢٢

منع كون القوة معينة للقضية المهملة بناء على الكشف ، لإمكان جعل الشارع في حال الانسداد نوعا من الظن معتبرا يكون أضعف من غيره.

قوله : فقال بعضهم في توضيح لزوم الأخذ بمظنون الاعتبار (١).

(١) هذا البعض الشيخ محمد تقي في حاشية المعالم (٢) وقد أشرنا إلى كلامه هذا في السابق وأنّه أراد أنّ نتيجة دليل الانسداد معيّنة لا مهملة ، والقول بأنّها مهملة إنما هو في بادي النظر قبل الدقة وملاحظة أنّ بعض الظنون مما قام الدليل الظني على اعتباره. وبالجملة يريد أنّ العقل بملاحظة مقدمات الانسداد وملاحظة كون بعض الظنون مظنون الاعتبار يحكم بحجية هذه الطائفة من الظن من بين الظنون.

قوله : أقول قد عرفت سابقا أنّ مقدمات دليل الانسداد (٣).

(٢) ما أورده على صاحب الحاشية على تقدير إرادته تقرير الكشف وارد عليه ، إلّا أنّ المظنون بل المقطوع كما يظهر ذلك لمن تأمّل مجامع كلماته أنه يريد وجه الحكومة لا الكشف ، وأما ما أورده على وجه الحكومة من أنّه ربما يكون الظن المشكوك الاعتبار أقوى فيجب ترجيحه على الظن المظنون الاعتبار فإنّما يتم لو أراد حصر المرجح في كون الظن مظنون الاعتبار ، ولعله بصدد بيان نوع مطلق المرجح في مقابل عدم الترجيح وإثبات التعميم ، فلا ينكر الأخذ بالأقوى لو وجد بالبيان الذي تقدّم شرحه قبيل ذلك فتدبر.

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٤٧٨.

(٢) هداية المسترشدين ٣ : ٣٦٢.

(٣) فرائد الأصول ١ : ٤٧٩.

٦٢٣

قوله : كما يشعر به قوله كان بعض الظنون أقرب إلى الحجية من الباقي (١).

(١) دلالة هذا الكلام على إرادة تقرير الكشف محل تأمّل ، ولعله فهم من قوله أقرب إلى الحجية دون أن يقول أقرب إلى الواقع ذلك ، والظاهر عدم منافاة هذا التعبير لتقرير وجه الحكومة ، كما أنّ قوله نظرا إلى حصول القوة لتلك الجملة إلى آخره لا ينافي تقرير وجه الكشف ، فتأمل جيدا والأمر سهل.

قوله : لا على تعيين الثابت حجيته بدليل الانسداد فتأمل (٢).

(٢) لعله إشارة إلى حصول الانطباق القهري بين هذا الظن المظنون الحجية وما ثبت حجيته بدليل الانسداد كما مرّ نظيره في مسألة حجية ظواهر الكتاب في قبال من أنكرها للعلم الإجمالي بورود منافيات الظواهر ، فقد أجيب عن هذا بارتفاع العلم الإجمالي بعد وجدان المنافيات بمقدار المعلوم بالإجمال ، وأورد بأنّ ما وجد من المنافيات لعله غير المعلوم بالإجمال ، وأجيب بالانطباق القهري بينهما فراجع ما هناك يتضح ما هنا فإنهما من واد واحد إشكالا وجوابا.

قوله : وربما التزم بالأوّل بعض من أنكر حجية مطلق الظن ، إلى آخره (٣).

(٣) هو الفاضل النراقي في عوائده (٤) وقد نقل المصنف عنه ما نقل على خلاف ترتيب ما في العوائد وأخذ الاعتراض والجواب الذي نقل عنه في ذيل

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٤٨٠.

(٢) فرائد الأصول ١ : ٤٨٠.

(٣) فرائد الأصول ١ : ٤٨١.

(٤) عوائد الأيام : ٣٩٧ ـ ٣٩٨.

٦٢٤

كلامه الأول من موضع آخر بعد هذا الكلام ، والأمر في ذلك كله سهل ، إلّا أنّ حمل كلامه على وجه الكشف على ما هو ظاهر كلام المصنف غير ظاهر إن لم نقل بظهور كلامه في وجه الحكومة كما هو الظاهر كما لا يخفى على من راجع كلامه.

ثم إنّ كلامه يحتمل وجهين :

أحدهما : أن يريد بترجيح الظن المظنون الاعتبار على غيره بملاك أصل اعتبار الظن أنه كما أن باب العلم بالأحكام الفرعية منسد يرجع فيها إلى الظن كذلك مسألة تعيين الحجة من الظنون بعد العلم بالحجية في الجملة مسألة انسد فيها باب العلم بها ، فيجري فيها مقدمات الانسداد مستقلا ويثبت حجية الظن فيها بالخصوص.

ثانيهما : أن يريد ذلك أيضا لكن بنفس دليل الانسداد المتعلّق بالأحكام الفرعية لا انسداد آخر على حدة.

ولا يبعد دعوى ظهور كلامه في الوجه الأول ، وعليه لا وجه لما أورد عليه المصنف أصلا لأنّه يلتزم بإهمال نتيجة دليل الانسداد الأول ويحكم بالترجيح والتعيين بالانسداد الثاني الجاري في خصوص مسألة تعيين الحجة من الظنون ، بل يرجع كلامه هذا إلى عين ما سيذكره المصنف في بعض وجوه تعيين المتبع بعد الفراغ عن تعرض كلام النراقي وما أورد عليه.

وأما على الوجه الثاني فالظاهر أنّ ما أورد عليه المصنف وارد بعد حمل كلامه على وجه الكشف بل مطلقا ، لكنّا مع ذلك نقول :

٦٢٥

قوله : وبعبارة أخرى إما أن يكون مطلق الظن حجة وإما لا (١).

(١) هذا الحصر غير حاصر ، لأنّ مراده من قوله في الشق الثاني «إما لا» كون النتيجة مهملة ، فنقول هنا شق ثالث وهو أن تكون النتيجة معينة في الظن المظنون الحجية من الأول ، ولا ينافي ذلك فرض كون النتيجة مهملة أوّلا والتماس المعين ، لأنّ ذلك كان بالنظر البدوي ولكن بعد دقة النظر يتعين في المعين ، وهذا المعنى على وجه تقرير الحكومة في غاية الوضوح ، وأما على وجه تقرير الكشف أيضا فقد عرفت سابقا أن للعقل أن يستكشف أنّ الشارع جعل الظن بالحجية مرجحا ومعينا بعين ملاك ما استكشف من أنّه جعل الظن في الأحكام حجة دون غيره وهو الأقربية ، فتدبر.

ولا بد لكل من يحكم بعموم النتيجة بالاخرة أو تعينها في خصوص ظن أن يقول بمثل ما قلنا من أنّ الإهمال بدوي مع قطع النظر عن جهة التعميم أو التخصيص فليتأمل جيدا.

قوله : إنّ هذا القائل خلط بين ترجيح الشيء وتعيينه ولم يعرف الفرق بينهما (٢).

(٢) قد ذكرنا في بيان شرح كلام المصنف في المرجح الأول فرقا بين المرجح والمعين حيث ردد المصنف الأمر بين المرجح والمعين ، ولعل هذا المعنى أيضا مراد النراقي (رحمه‌الله) وحاصله : أنّ المراد بالمعين ما يعين الحجة الواقعية التي جعلها الشارع طريقا لأحكامه ، وبالمرجح ما يعين وجوب الأخذ بحسب الظاهر بحكم العقل بعد العجز عن تعيين الحجة الواقعية ، وحينئذ يكون مراده أنّ

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٤٨٢.

(٢) فرائد الأصول ١ : ٤٨٣.

٦٢٦

الظن المظنون الحجية وإن لم يدل دليل على تعيينه واقعا بمعنى الحكم بأنّ مجعول الشارع هو هذا لا غيره ، لكن العقل يحكم بوجوب الأخذ بالأرجح الكذائي ظاهرا فإنّه مقدم على التخيير الذي كان مقتضى القاعدة لو لا هذا المرجح ، إلّا أنّ ما يبعّد حمل كلامه على هذا المعنى الأمثلة التي ذكرها تقريبا لمرامه ، فإنّه يبعد أن يكون مراده بترجيح الألذ مثلا في المثال الثاني وجوب ترجيح الألذ بحكم العقل ولو ظاهرا ، وهكذا في باقي أمثلته التي ذكرها المصنف أو لم يذكرها (١).

قوله : أقول لا يخفى أنّه ليس المراد من أصل دليل الانسداد إلّا وجوب العمل بالظن ، إلى آخره (٢).

(١) لأنّ القائل يقول بالوجوب الظاهري وإن لم يعين به نفس المجعول الشرعي الواقعي ، بل قد عرفت سابقا أنّ الصحيح من تصوير وجه الكشف يقتضي هذا الوجوب الظاهري بحكم العقل ، ولذا قلنا إن تقرير الكشف لا بدّ أن يرجع إلى الحكومة بالاخرة فراجع.

قوله : ثم إنّ ما ذكره الأخير في مقدمته من أنّ الترجيح بلا مرجّح قبيح بل محال (٣).

(٢) التحقيق أنّه إن أريد من الترجيح بلا مرجح الترجيح بلا مصلحة مقتضية للترجيح فإنّه قبيح لا محال سواء كان في التكوينيات أو في التشريعيات ، إذ كما

__________________

(١) أقول : نمنع البعد في ذلك ، وإن منعنا حكم العقل المذكور فهو أمر آخر لا ينافي ما نحن بصدده من توجيه كلامه ، وعلى الحمل على هذا المعنى لا يرد ما أورد عليه المصنف في قوله أقول.

(٢) فرائد الأصول ١ : ٤٨٤.

(٣) فرائد الأصول ١ : ٤٨٦.

٦٢٧

أن إيجاب شيء بلا مصلحة مقتضية لوجوبه قبيح كذلك خلق شيء أو إيجاد فعل بلا مصلحة داعية إليه أيضا قبيح ولذا لا يصدر عن الحكيم خلافا للأشاعرة.

وإن أريد منه الترجيح بلا علة مقتضية للترجيح في نظر المرجح فإنّه محال على مذهب العدلية والمعتزلة سواء كان في التكوينيات أو في التشريعيات ، لأنّ اختيار أحد المتساويين دون الآخر من الفاعل المختار ممتنع مرجعه إلى الترجيح بلا مرجح المحال بالاتفاق على ما بيّن في محله خلافا للأشاعرة متمسكا بمثل قدحي عطشان ورغيفي الجائع وطريقي الهارب على ما هو مذكور مع جوابه في محله.

وبالجملة قوله : إنّ الترجيح بلا مرجح فإنّه مما يحكم بقبحه العقل والعرف والعادة بل يقولون بامتناعه الذاتي إلى آخره ، خلط كما ذكره المصنف ، لكن لا على الوجه الذي ذكره المصنف من الفرق بين التكوينيات والتشريعيات بل على ما حررناه من الفرق بين مقام الترجيح عن مصلحة والترجيح عن علة.

ولا يخفى أنّ ما جعله الفاضل النراقي تفسيرا للترجيح بلا مرجح من سكون النفس إلى أحد الطرفين والميل إليه من غير مرجح ، راجع إلى الترجيح عن علة مقتضية لاختيار الراجح بلا مرجح وهو من القسم المحال لا القبيح ولم يقل أحد بالقبح في هذا المقام.

ثم إنّ قوله : مما يحكم بقبحه العقل والعرف والعادة ، لا يخلو عن شيء من جهة ضم حكم العرف والعادة إلى حكم العقل ، فإنّ حكم العرف والعادة أجنبي عن المقام إن لم يرجع إلى حكم العقل ، فليتأمل.

قوله : فثبت مما ذكرنا أنّ تعيين الظن في الجملة من بين الظنون

٦٢٨

بالظن غير مستقيم (١).

(١) فثبت على ما قرره عدم المرجح لبعض الظنون بحيث يتعين النتيجة فيه ويخرج عن الإهمال ، وبضميمة الإجماع على عدم التخيير وعدم سقوط الرجوع إلى ما ثبتت حجيته من الظنون في الجملة يثبت التعميم ، هذا مراده.

وفيه نظر :

أما أوّلا : فلوضوح فساد دعوى الإجماع على بطلان التخيير ، ومن أين يمكن تحصيل الإجماع على عدم التخيير بين الظنون التي ثبتت حجيتها في الجملة بدليل الانسداد على تقدير الكشف الذي لم نعرف له بعد قائلا واحدا ممن تقدم ، بل القول بحجية الظن بدليل الانسداد أيضا نشأ من بعض متأخري المتأخرين وتبعه جمع معدودون ، فدون إثبات كشف قولهم لرأي الإمام (عليه‌السلام) خرط القتاد.

وأما ثانيا : فلأنّه إن أريد إثبات التعميم بعدم الترجيح وبطلان التخيير بمعنى إسناد التعميم إلى جعل الشارع والكشف عن أنّ الشارع نصب لنا الظن حجة مطلقا من أي سبب بأي مرتبة من القوة والضعف فهو فاسد بالبديهة ، لأنّ دليل الانسداد على تقرير وجه الكشف وإهمال النتيجة يكون بمنزلة نص مجمل مردد بين العموم والخصوص ، وعلى تقدير الخصوص مردد بين أبعاض الخاص ، ومعلوم أنّ عدم المرجح لا يقتضي إسناد العموم إلى الشارع.

وإن أريد إثبات التعميم بمعنى وجوب الأخذ بجميع الظنون من باب الاحتياط بحكم العقل مقدمة لتحصيل العلم بأخذ ما هو الحجة من الظنون فيرد

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٤٨٦.

٦٢٩

عليه :

أوّلا : ما أورده المصنف على صاحب الفصول في رابع اعتراضاته عليه ومحصله : وجوب الاحتياط الفرعي في كل مورد ظن بعدم التكليف وكان مخالفا للأصل في المسألة الفرعية ، فإنّه مقدم على الاحتياط بالعمل بكل ظن سواء كان مثبتا للتكليف أو نافيا له موافقا للأصل الجاري في خصوص المسألة أو مخالفا ، بيانه : أنّه يعمل بالظنون المثبتة للتكليف بجميعها فإنها موافقة للاحتياط في المسألة الفرعية ، وكذا يعمل بالظنون النافية للتكليف إذا كانت موافقة للأصول الجارية في نفس المسائل الفرعية فإنّها أيضا موافقة للاحتياط ، أما الظنون النافية المخالفة للأصول فيعمل في مواردها بالاحتياط أي بالأصول الجارية في مواردها. والحاصل : أنّ هذه المرتبة من الاحتياط مقدمة في حكم العقل على العمل بالظن مطلقا.

وثانيا : أنّ هذا المعنى يرجع بالاخرة إلى الحكومة كما عرفت سابقا ، وحينئذ يشارك وجه الكشف تقرير الحكومة في وجه التعميم بأحد الوجوه السابقة ، وسيأتي لهذا المطلب مزيد بيان إن شاء الله تعالى.

قوله : أحدها أن يكون الظن القائم على حجية بعض الظنون من المتيقن اعتباره (١).

(١) لا يخفى أنّ الوجوه الثلاثة التي ذكرها هنا في تعيين المتبع راجعة إلى ثالث المرجحات التي ذكرها سابقا ثم أبطلها ، لكن يريد توجيهه على وجه لا يرد عليه ما أورده عليه هناك ، إلّا أنّه يرد عليه على الوجه الأول أنّ هذا مجرد فرض غير واقع وأين لنا أمارة وافية في الفقه كله قام عليها المتيقن اعتباره ، فإن

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٤٨٨.

٦٣٠

كان يكتفي بمجرد الفرض فلم لم يكتف في المرجح الأول السابق ، وردّه بأنّ القدر المتيقن الوافي غير موجود.

قوله : كالشهرة إذا كانت متيقنة الاعتبار بالنسبة إلى الاستقراء (١).

(١) يعني كما إذا قامت الشهرة على حجية أمارة كافية في الفقه وكانت نفس الشهرة متيقنة بالإضافة إلى الاستقراء الذي قام المتيقن اعتباره مطلقا على اعتباره ، والعبارة لا تخلو عن قصور عن هذا المعنى فافهم. واعلم أنّه لو قام القدر المتيقن على أمارة وافية غير مظنونة في نفسها وغير موجبة للظن بمتعلقها فإنّ ذلك أيضا يحصل به المقصود لو تم هذا الوجه الأول.

قوله : لكن هذا مبني على عدم الفرق في حجية الظن (٢).

(٢) كان المناسب أن يؤخر هذا الكلام عن قوله وأما بالإضافة إلى ما قام على اعتباره إلى آخره ليكون إيرادا على الشقين وقد وجد في بعض النسخ رمز التقديم والتأخير على الكلامين ، فإن كان ذلك من المصنف (رحمه‌الله) فلا بحث.

وكيف كان ، يمكن أن يورد على كلامه هذا برجوع هذا القدر المتيقن الأصولي إلى القدر المتيقن الفرعي بأن يقال إذا كان بعض الظنون الفرعية مما قام على حجيته مثل هذا الظن بخلاف الباقي كان هذا البعض متيقنا بالنسبة إلى الباقي فيجب الأخذ به ويسقط الباقي (٣).

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٤٨٨ ـ ٤٨٩.

(٢) فرائد الأصول ١ : ٤٨٩.

(٣) أقول : وفيه : أن هذا يرجع إلى المرجح الثالث بعينه من غير تفاوت أصلا ، ويرد عليه ما أورده المصنف (رحمه‌الله) عليه هناك.

٦٣١

قوله : وما ذكرنا سابقا من عدم الفرق بين تعلق الظن ، إلى آخره (١).

(١) فيه : أنّه لا ينافي الترجيح بهذا الوجه تقرير دليل الانسداد على وجه الكشف دون الحكومة ، لأنّ مسألة تعيين المتبع من الظنون التي ثبت جعل الشارع لها في الجملة مسألة انسد فيها باب العلم ، فلا بدّ فيها من العمل بالظن بحكومة العقل ، وليس هذا الانسداد الثاني مبنيا على تقرير الكشف بل الانسداد الأول بالنسبة إلى التكاليف الفرعية.

قوله : الثاني أن يكون الظن القائم على حجية ظن متحدا لا تعدّد فيه (٢).

(٢) يرد عليه :

أوّلا : ما مرّ من أنّ هذا الوجه لو تم كان مصححا للوجه الأول أيضا ، واندفع ما أورد عليه.

وثانيا : أنّه مبني على جريان مقدمات الانسداد بأسرها في مسألة تعيين المتبع ، وهو ممنوع بل الرجوع إلى الاحتياط والعمل بكل ظن لا محذور فيه البتة كما هو مختار المعمم.

وثالثا : منع ترجيح ما قام الظن على حجيته على غيره إذا كان الغير أقوى ظنا مما قام عليه الظن بمراتب ، فإنّ العقل يحكم بترجيح الثاني على الأول ، وقد صرّح المصنف بهذا الإيراد في رد المرجح الثالث في السابق.

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٤٨٩.

(٢) فرائد الأصول ١ : ٤٩٠.

٦٣٢

قوله : الثالث أن يتعدد الظنون في مسألة تعيين المتبع بعد الانسداد (١).

(١) وكذا إذا تعدد الظنون في تعيين المتبع ولم يكن كل واحد كافيا في الفقه بل احتيج إلى الكل ، وإن كان بعضها أرجح من الباقي فلا بد أن يؤخذ بالجميع.

قوله : ووجود ما يظن منه ذلك في الظنون المشكوكة الاعتبار (٢).

(٢) الأولى قصر المسافة واختصار البيان بدعوى وجود المعلوم الإجمالي من المخصصات والمقيدات وقرائن المجازات في كلتا الطائفتين من مشكوكات الاعتبار وموهومات الاعتبار ، فيؤخذ بها في الطائفتين ويتم في الباقي بعدم القول بالفصل والأولوية.

قوله : وثانيا أنّ العلم الإجمالي الذي ادّعاه يرجع حاصله ، إلى آخره (٣).

(٣) اعلم أنّ العلم الإجمالي المدعى يتصور على وجهين :

أحدهما : أن يدعى ابتداء العلم بوجود الواقعيات الكثيرة من بين الظنون المشكوكة الاعتبار والموهومة الاعتبار ، ولما كان جملة منها قرائن ما أريد من مظنونات الاعتبار فقد علم بوجود ما يكشف عن مرادات مظنونات الاعتبار في الطائفتين.

وثانيهما : أن يدعى العلم الإجمالي ابتداء بأنّ جملة من العمومات الواقعة في مظنونات الاعتبار مخصصة وجملة من مطلقاتها مقيدة وهكذا ، ولما وجدنا

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٤٩٠.

(٢) فرائد الأصول ١ : ٤٩٤.

(٣) فرائد الأصول ١ : ٤٩٦.

٦٣٣

في مشكوكات الاعتبار وموهوماته مخصصات ومقيدات وقرائن علمنا أنّ الأمور المذكورة موجودة في الطائفتين.

إذا عرفت ذلك فنقول : إن كان مراد المصنف توجيه هذا الإيراد الثاني على التصوير الثاني فهو متوجّه ، وإن أراد توجيه الإيراد على التصوير الأول كما قد يستشعر من صدر كلامه في هذا الإيراد فلا يتوجّه الإيراد ، لأنّ العلم الإجمالي على هذا التصوير يسري في جميع أفراد الظنون المشكوكة الاعتبار والموهومة في عرض واحد ، فمن أجل الخروج عن عهدة العلم الإجمالي يجب أخذ الجميع كما أراده المعمم ، وهذا التصوير هو الأظهر فاندفع الإيراد (١).

قوله : الثالث من طرق التعميم ما ذكره بعض مشايخنا (طاب ثراه) من قاعدة الاشتغال (٢).

(١) لم نعرف الفرق بين هذا والمعمم الأول ، إذ لا ريب في احتياج هذا الوجه إلى انضمام مقدمتي عدم الترجيح وبطلان التخيير ، كما أنّ في الوجه الأول يحتاج إلى انضمام قاعدة الاشتغال بعد بطلان التخيير وعدم الترجيح.

__________________

(١) أقول : الظاهر بل المعلوم أنّ مراد المصنف والمعمم هو التصوير الثاني فالإيراد متوجه ، بل لا يمكن توجيه كلام المعمم والمصنف على التصوير الأول ، إذ وجوب الأخذ بجميع مشكوكات الاعتبار وموهومات الاعتبار بملاحظة العلم الإجمالي بوجود الواقعيات فيها لو صح لا يحتاج إلى الإجماع المركب والأولوية في التعميم لكي يدعيه المعمم ويمنعه المصنف وهذا واضح ، مضافا إلى أنّ أصل التصوير المذكور لا ينطبق على ما ادعاه المعمم من العلم الإجمالي بالمخصص والمقيد لأنّ العلم الإجمالي بوجود الواقعيات في مشكوكات الاعتبار لا يلازم العلم الإجمالي بوجود المخصصات والمقيدات فيها بالنسبة إلى مظنونات الاعتبار ، فلعل الواقعيات الموجودة في المشكوكات غير ذلك ، فلا بدّ من دعوى علم إجمالي آخر بالنسبة إلى المخصص والمقيد فيرجع إلى التصوير الثاني ، فتدبر.

(٢) فرائد الأصول ١ : ٤٩٧.

٦٣٤

وكيف كان ، يرد على الوجهين : أنّ الحكم بالتعميم على هذا الوجه بناء على تقرير الكشف إنّما يتم لو قلنا بأنّ تقرير الحكومة غير معقول وإلّا فلقائل أن يقول لمّا كان نتيجة دليل الانسداد على تقرير الكشف قضية مهملة ولم نقدر بالفرض على تعيين الظن المجعول حجة سقط عنا وجوب الأخذ بنفس ذلك المجعول الواقعي بخصوصه ، ثم نرجع إلى تقرير الحكومة ونعمل بمقتضاه (١).

قوله : ولكن فيه أنّ قاعدة الاشتغال في مسألة العمل بالظن معارضة في بعض الموارد (٢).

(١) الظاهر عدم توجه هذا الإيراد ، لأنّ الاحتياط في المسائل الفرعية قد فرغنا عن عدم كونه مرجعا في مقدمات دليل الانسداد ، فإن كان فيه كلام فهو وارد في ذلك المقام ويكون مناقشة على أصل دليل الانسداد لا على المقام بعد فرض تمامية مقدمات الانسداد.

قوله : ولا ينافيه الاحتياط في المسألة الأصولية (٣).

(٢) ظاهر هذا الكلام أنّه يجمع بين وجوب الاحتياط في المسألة الفرعية والأصولية لإمكان الجمع وعدم المنافاة مع أنّ صدر كلامه صريح في معارضة الاحتياط في المسألة الفرعية للاحتياط في المسألة الأصولية ، فبين العبارتين تهافت.

__________________

(١) أقول : مجرد معقولية تقرير الحكومة لا يفيد لو فرضنا أنّ المقدمات الموجودة بالفعل منتجة لتقرير الكشف ، فلا بدّ بعد العلم بالجعل بكشف هذه المقدمات من العمل بمقتضى هذا العلم وليس إلّا التعميم بعد عدم الترجيح وبطلان التخيير.

(٢) فرائد الأصول ١ : ٤٩٧.

(٣) فرائد الأصول ١ : ٤٩٨.

٦٣٥

وأيضا نقول : إنّ هذا البيان لا يرفع المنافاة بين الاحتياطين في مثال المتن ، لأنّ وجوب الاحتياط في المسألة الفرعية يقتضي عدم جواز ترك السورة في المثال ، ووجوب الاحتياط في المسألة الأصولية يعني الأخذ بالأمارة القائمة على عدم وجوبها يقتضي جواز ترك السورة فتنافيا (١).

وأيضا نقول : ما ذكره في وجه الجمع بين الاحتياطين إنّما يتم في المثال الذي ذكره مما كان الاحتياط الفرعي مقتضيا لوجوب الاتيان والاحتياط الأصولي مقتضيا لعدم وجوب الاتيان ، وأما إذا كان أحد الاحتياطين مقتضيا للوجوب والآخر مقتضيا للحرمة كما لو فرض في المثال المذكور أنّ الأمارة قامت على حرمة السورة فلا يمكن الجمع بين الاحتياطين البتة.

وأيضا نقول : إنّه لا وجه للاحتياط في المسألة الأصولية في المثال المذكور الذي فرض قيام الأمارة على عدم وجوب السورة ، لأنّ الاحتياط في المسألة الأصولية أعني أخذ الأمارة لاحتمال كونها حجة لا معنى له إلّا تطبيق العمل عليها برجاء أنها الحجة المجعولة واقعا ، فإن كانت الأمارة مثبتة للتكليف فمعنى الاحتياط بالنسبة إليها متحقق ويفيد ما يراد من الاحتياط ، وأما إذا كانت الأمارة نافية للتكليف فالأخذ بالأمارة مساوق لعدم الأخذ بها بالنسبة إلى العمل ، إذ لا عمل أخذ بالأمارة أو ترك الأخذ بها. نعم في صورة عدم الأخذ يلزم ترك الالتزام بالأمارة ، وهو غير محذور في ترك الأمارة المعلومة الحجية فضلا عن الأمارة المحتملة الحجية ، فهذه إيرادات أربعة والله الهادي إلى سواء السبيل.

__________________

(١) أقول : مراعاة احتياط المسألة الفرعية يعني الاتيان بالسورة لا يخالف الاحتياط في المسألة الأصولية يعني مراعاة مؤدى الأمارة ، إذ عدم الوجوب يجمع جواز الاتيان ولا ينافي نفس الإتيان ، ولعل هذا مراد المتن فاندفع الإيراد.

٦٣٦

قوله : فيصير نظير ما نحن فيه (١).

(١) بل عين ما نحن فيه لا نظيره كما لا يخفى.

قوله : ومقتضى ذاك ترك الجميع فافهم (٢).

(٢) لعله إشارة إلى أنّ رعاية الاحتياط في المسألة الفرعية أولى من رعاية الاحتياط في المسألة الأصولية ، لأنّ ترك الاحتياط في المسألة الفرعية مستلزم للمخالفة القطعية للحكم الواقعي لو كان بإتيان جميع محتملات المحرم المعلوم بالإجمال ، وللمخالفة الاحتمالية للحكم الواقعي لو كان بإتيان بعض محتملاته ، وأما ترك الاحتياط في المسألة الأصولية لا يستلزم المخالفة القطعية للحكم الواقعي أصلا ، ولو ترك العمل بكل الأمارات القائمة على أطراف الشبهة لجواز عدم مصادفة واحد منها للواقع ، وإنّما يلزم المخالفة الاحتمالية لاحتمال المصادفة ، وعلى تقدير ترك الاحتياط فيها بترك العمل ببعض الأمارات يصير احتمال المخالفة أبعد ، إذ يجوز أن يكون الحجة الواقعية غيره من بعض الأمارات المأخوذة ، وعلى تقدير كون الأمارة المتروكة حجة في الواقع يجوز ألا تكون مصادفة للحكم الواقعي.

نعم يلزم على تقدير ترك جميع الأمارات المفروضة في المثال مخالفة الحجة الموجودة فيما بينها قطعا وإن لم تكن مصادفة للحكم الواقعي ، ولا ريب أنها أهون من المخالفة القطعية للحكم الواقعي ، لأنّ أصل حجية الأمارة ليست إلّا لأجل أنها مقدمة للوصول إلى الحكم الواقعي كما هو ظاهر.

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٥٠٠.

(٢) فرائد الأصول ١ : ٥٠٠.

٦٣٧

قوله : فقد عرفت شناعته (١).

(١) يمكن أن يكون إشارة إلى ما ذكره سابقا من أنّ دعوى الإجماع في مثل هذه المسألة المستحدثة بحيث يكون كاشفا عن رأي الإمام (عليه‌السلام) مقطوعة العدم ، ويمكن أن يكون إشارة إلى ما ذكره قبيل ذلك في آخر المعمم الثاني من أنّ ثبوت الحكم في مورد لعلة غير مطردة في مورد آخر لا يمكن إثباته في ذلك المورد لعدم جريان علة الحكم ، فالعمل بالظن فيما نحن فيه في غير ما كان الاحتياط الفرعي مخالفا له لعلة الاحتياط الأصولي ، وهذه العلة غير موجودة فيما كان الظن مخالفا للاحتياط الفرعي ، فلا معنى لتسرية الحكم إليه بالإجماع المركب.

قوله : قلت : دفع العسر يمكن بالعمل ببعضها (٢).

(٢) الأولى الجواب بمنع لزوم العسر بالعمل بالاحتياطات الفرعية المخالفة للظن بعدم التكليف منضما إلى العمل بالظن في غيرها ، لأنّ موارد الاحتياط الفرعي المخالف للاحتياط الأصولي أعني موارد الظن بعدم التكليف قليلة ، وإن كان موارد الظن بعدم التكليف في نفسها كثيرة إلّا أنّه لا يعارضها الاحتياط الفرعي في أغلب أفراده.

قوله : لأنّ التسري إليها كان للزوم العسر فافهم (٣).

(٣) قد يتوهم أنّ هذا تعليل لقوله لا يثبت وجوب التسري إليها كما هو مقتضى سوق التعبير ، لكنه فاسد لأنّ عدم التسري إلى الظنون المخالفة قد كان لمعارضة

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٥٠٠.

(٢) فرائد الأصول ١ : ٥٠١.

(٣) فرائد الأصول ١ : ٥٠١.

٦٣٨

الاحتياط الفرعي ، بل التعليل راجع إلى عدم عموم التسري فكأنّه قال : عموم التسري إلى الظنون المخالفة غير ثابت ، لأنّ التسري إليها كان للزوم العسر وهو يتقدر بقدره فلا يعم ، ولعل قوله فافهم إشارة إلى منع العسر كما ذكرنا أولا في دفع الإيراد.

قوله : فضلا عن لزومه من الاحتياط في المشكوكات فقط بعد الموهومات (١).

(١) الظاهر زيادة لفظ بعد الموهومات وإلّا كان المناسب في مقام الترقي قلب العبارة كأن يقول لا نسلّم لزوم الحرج من مراعاة الاحتياط في الموهومات منضمة إلى المشكوكات فضلا عن الموهومات فقط في مقابل المظنونات بالظن غير الاطمئناني ، وقد وجد في بعض النسخ بدل قوله «بعد الموهومات» بعد المظنونات ، وعليه لا إشكال.

ويمكن توجيه العبارة على النسخ الموجودة عندنا بأنّ المراد من قوله :

«بعد الموهومات» بعد رفع اليد عن الاحتياط في الموهومات أعني الموهومات التي تقابل المظنونات بالظن الاطمئناني.

قوله : وأما الأخبار فلأنّ الظن المبحوث عنه في هذا المقام هو الظن بصدور المتن (٢).

(٢) هذا مخالف لما هو المعروف من المصنف وغيره من أنّ الظن الثابت حجيته من دليل الانسداد هو الظن الفعلي بالواقع أو بطريق الواقع أو كليهما ، وأما استنتاج حجية الظن بالصدور فلم يعهد من أحد من أهل دليل الانسداد ،

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٥٠٧.

(٢) فرائد الأصول ١ : ٥٠٧.

٦٣٩

وقد سبق احتماله منّا في ذيل الأمر الأول بل ترجيحه أيضا ، فراجع وتأمل.

قوله : فتأمل فيه فإنّ ادعاء ذلك ليس كل البعيد (١).

(١) لأنّ منشأ هذا العلم الإجمالي ملاحظة الأمارات من الأخبار والآثار والشهرات والإجماعات المنقولة ونحوها ، ولا ينافي ذلك ثبوت العلم الإجمالي قبل استقصاء الأمارات وكون المشكوكات حينئذ من أطراف العلم الإجمالي ، فإنّه بعد المراجعة إلى الأمارات يتبين أنّ أطراف علمه غير المشكوكات ، هذا غاية التوجيه.

أقول : وفيه : أنّ منشأ هذا العلم الإجمالي الإجماع بل الضرورة الحاصلة لكل أحد حتى النساء والصبيان ممن نشأ في بلاد الإسلام وإن كان يتقوى ذلك بملاحظة الأمارات ، ثم لو سلّمنا صحة هذه الدعوى لم يتم خروج المشكوكات من أطراف العلم الإجمالي ، لأنّ وجه الشك في جملة من المشكوكات إجمال النص أو تعارض الأمارتين فإنها حينئذ من موارد الأمارات ، نعم لو كان الشك في مورد فقدان النص بل مطلق الأمارة يتم على تقدير صدق الدعوى ، وذلك أيضا في مورد العلم بعدم الأمارة لا عدم وجدان الأمارة لعلّه لو تفحص أزيد من ذلك أو تأمل فيما وجدها تمام التأمل وجدها على هذه المشكوكات أيضا ، فتدبر.

قوله : وقد تقدم سابقا أنّ المعيار (٢).

(٢) لا يخفى ما في هذا المعيار وكأنه من سهو القلم ، بل المعيار تفاوت العلم الإجمالي وعدمه بضم المشكوك دخولها في الأطراف وعدمه فافهم.

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٥١٠.

(٢) فرائد الأصول ١ : ٥١٢.

٦٤٠