حاشية فرائد الأصول - ج ١

آية الله الشيخ محمّد إبراهيم اليزدي النجفي

حاشية فرائد الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد إبراهيم اليزدي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ١
ISBN: 964-497-015-2
الصفحات: ٦٩٤

وكتبه في الطومار إلّا أنه عرض عليه المحو ومع ذلك لم يأت بذلك الشيء ، فلا يلام المولى على عقابه ومؤاخذته على الترك عند العقلاء.

ولا ريب أنّ حالنا بالنسبة إلى الأحكام الشرعية هكذا فإنّ المانع من البيان من التقية وغيرها محتمل ، وكذا اختفاء جملة من الأحكام الصادرة بيانها عن أهل العصمة (عليهم‌السلام) بظلم الظالمين وإخفاء المبطلين محتمل بل مظنون ، ومع ذلك لا يحكم العقل بقبح العقاب على ما لا نجد بيانه الآن فيما بأيدينا من الأدلة.

قوله : ويرد عليه أنّ الظن بثبوت مقتضي المفسدة مع الشك في وجود المانع كاف (١).

(١) هذا في محل المنع ، فإنا نعلم أنّ مناط حكم العقل ليس إلّا التحرز عن الضرر ، فإن قلنا إنّ الضرر إذا كان مشكوكا من جهة الشك في المقتضي لا يحكم العقل بوجوب دفعه ، فكذلك نقول بعدم حكم العقل بوجوب الدفع إذا كان مشكوكا من جهة وجود المانع وعدمه بعد إحراز المقتضي علما أو ظنا ، والقول بأنّ بناء العقلاء في صورة الشك في وجود المانع على العدم فيترتب أثر المقتضي بعد إجراء هذا الأصل العقلائي كلام ظاهري ، فإنّا ننكر الأصل العقلائي والتعبد العقلائي بالمرة وليس هاهنا مقام بيانه. نعم قد يقال إنّ الغالب فيما إذا أحرز المقتضي وشك في المانع هو ترتب المقتضى والأثر في الخارج فالضرر مظنون نوعا ، والغالب فيما شك في أصل المقتضى هو عدم الترتب فلا يظن الضرر نوعا ، فلهذا يحكم العقل بوجوب الدفع في الأول دون الثاني ، ولا بأس به إلّا أنّ الشأن في تحقّق هذه الغلبة بل المنع منها جلي واضح.

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٣٧٥.

٥٠١

فالأولى في ردّ هذا الجواب ـ كما قيل ـ أن يقال إنّه لو ظنّ مقتضي المفسدة فاحتمال وجود المانع عن أثر المقتضي أي التدارك المذكور موهوم لا ينافي الظن بالضرر ، ولا بأس به في الجملة لا مطلقا ، إذ قد يكون احتمال وجود المانع قويا بل ربما يكون مظنونا فلا وجه لعدم اعتناء العقلاء به ، فالأولى أن يجاب عن هذا الشق بما مرّ في صدر وجه الاستدلال من أنّ المفاسد النفس الأمرية التي لا نعلم وجودها ولا عدمها إلّا ببيان من الشارع حالها حال العقاب ، فلو قلنا في الشق الأول إنّ العقاب مأمون عليه لأنّ ترتّبه مشروط بالعلم نقول هنا أيضا إنّ ترتب المفسدة مأمون عليه بعد عدم بيان من الشارع ، فنستكشف أنه لا مفسدة في الفعل أو يكون مفسدته متداركة.

نعم فرق بينهما من جهة أنه لا مقتضي للعقاب مع الجهل بالحكم ، بخلاف المفاسد النفس الأمرية في الأفعال فإنها مقتضية للمفاسد إلّا أن الجهل مانع من ترتبها ، وهذا الفرق غير فارق فيما نحن فيه ، إذ ترتب الضرر مأمون على التقديرين ، هذا مع أنا نمنع عدم المقتضي للعقاب مع الجهل ، بل نقول نفس مخالفة المولى بالنسبة إلى الحكم الواقعي مقتض للعقاب والجهل به عذر مانع عن فعليته (١).

قوله : وأضعف من هذا الجواب ما يقال (٢).

(١) ظاهر العبارة أنّ هذا الجواب جواب عن الشق الثاني ، والظاهر توجه الجواب على الشقّين كليهما ، إذ يقال على الشق الأول أيضا إنّ ترخيص الشارع

__________________

(١) أقول : الانصاف أنّ المقتضي للعقاب هو العصيان والتمرد المفقود في حال الجهل ، وبعبارة أخرى المقتضي فعل القبيح من حيث قبحه الفاعلي لا الفعلي ، وليس ذلك إلّا حال العلم بالحكم كما لا يخفى.

(٢) فرائد الأصول ١ : ٣٧٥.

٥٠٢

ترك العمل بالظن كاشف عن عدم العقاب على المخالفة لو اتفقت.

وكيف كان يحتاج هذا الجواب إلى مقدمة أخرى لعلها مطويّة ، وهو أنّ في ترخيص ترك مراعاة الظن دلالة على تدارك الضرر المظنون لو اتفقت مصادفته ان كان المراد من الضرر غير العقاب كما هو ظاهر الجواب.

قوله : ووجه الضعف ما ثبت سابقا من أنّ عمومات حرمة العمل بالظن (١).

(١) ما تقدم منه سابقا غير مرة هو أنّ عمومات حرمة العمل بالظن ناظرة إلى عدم جواز التدين بالظن لأنه

تشريع محرّم ، والمصنف هنا جاء بالحق الذي قويناه سابقا من أنّ عمومات حرمة العمل بالظن ناظرة إلى عدم جواز أخذ الظن طريقا إلى الواقع وأخذه حجة ، ومن المعلوم أنه لا ينافي ذلك العمل بالظن من باب الاحتياط الثابت بحكم العقل بوجوب دفع الضرر المظنون ، اللهم إلّا أن يدّعى أنّه يستفاد منها عدم جواز الاعتماد على الظن والعمل عليه بوجه من الوجوه حتى من باب الاحتياط كما في القياس على ما قرّرنا ، لكنه خلاف ظاهرها بعيد عنها فتدبّر.

قوله : فالأولى أن يقال : إنّ الضرر وإن كان مظنونا إلّا أنّ حكم الشارع قطعا أو ظنا (٢).

(٢) يعني فالأولى في الجواب عن الشق الثاني في الجواب ، ويحتمل أن يريد الأولى في الجواب عن أصل الدليل باعتبار كلا الشقّين ، ووجه الأولوية مع ارتضائه للجواب السابق بالنسبة إلى الشق الأول أنّ هذا الجواب صحيح في كلا

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٣٧٥.

(٢) فرائد الأصول ١ : ٣٧٦.

٥٠٣

الشقين.

فإن قلت : قد ذكر المصنف في الجواب عن الشق الثاني في الجواب السابق أنّ بناء العقلاء في صورة الظنّ بمقتضى الضرر مع الشك في وجود المانع هو العمل على المقتضي ، ولا يعتدون باحتمال وجود المانع ، مع أنّ الضرر بملاحظة هذا الاحتمال يصير مشكوكا ، فكيف سلّم في هذا الجواب عدم الاعتداد بالظن بمقتضى الضرر باعتبار ملاحظة الظن بالتدارك الموجب لكون الضرر مشكوكا.

قلت : له أن يدعي الفرق بين ما كان المانع مشكوكا فلا يعتد العقلاء به وما كان المانع مظنونا فيعتنون به ، وسرّه أنّ الظن بالمانع يجعل حصول الضرر موهوما ، بخلاف الشك فيه فإنّه يكون الضرر بالاخرة مشكوكا فافهم. ولعله إلى هذه الدقيقة أشار المصنف بقوله فافهم (١).

ولكن يمكن أن يقرر أصل الاستدلال على وجه لا يندفع بهذا الجواب بأحد وجهين :

أحدهما : أن يقال إنّ العقل مستقل بوجوب دفع الضرر المظنون الذي يصير بالاخرة مشكوكا بسبب الشك في التدارك ، ولا يقاس ذلك بالضرر المشكوك ابتداء لأنّه مقطوع التدارك بالقدر المتيقن من أدلة البراءة على ما صرّح به المصنف هنا في قوله : لأنّ العمدة في دليل البراءة الإجماع والعقل

__________________

(١) أقول : ويمكن أن يكون إشارة إلى أنّ النظير الذي أشار إليه بقوله كما في الظن الذي ظن كونه منهيا عنه عند الشارع ليس نظيرا لما نحن فيه ، لما عرفت من أنّ الأدلة الناهية عن العمل بالظن ناظرة إلى منع كونه طريقا إلى الحكم الشرعي ، فلا تنافي ما يدل على وجوب الأخذ بالظن من باب الاحتياط ، وهذا بخلاف ما نحن فيه فإنّ ترخيص ترك العمل بالظن ينافي وجوب الأخذ بالظن مطلقا حتى من باب الاحتياط أيضا.

٥٠٤

المختصان بصورة عدم الظن بالتكليف انتهى. ففي صورة الظن بالتكليف الذي لا تجري أدلة البراءة فيه يحكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل لعدم العلم بالتدارك.

ثانيهما : أن يدعى على ما مرّ سابقا أنّ الضرر إذا كان عظيم الخطر كالعقاب بل مطلق المفاسد الاخروية وجملة من المضار الدنيوية يحكم العقل بوجوب دفع احتماله الموهوم فضلا عن المشكوك والمظنون منه ، فيلزم بحكم العقل الاحتياط التام في كل ما يحتمل فيه الحكم إلّا إذا قطع بالأمن من التضرر وتداركه على تقدير ارتكاب ما يقتضيه.

ويمكن أن يجاب عن الوجهين : بأنّ إطلاق أدلة البراءة والاستصحاب بناء على ثبوت حجية أخبار الآحاد التي تدل على الأصلين من غير جهة هذا الدليل وثبوت حجية ظواهرها بمثل بناء العقلاء يحكم بالأمن من الضرر في ارتكاب المحتمل ولو في صورة الظن بالحكم ، إلّا أن من لم تثبت عنده حجية الأخبار التي هي سند الأصلين ولا حكم العقل بهما أو لم تثبت عنده حجية الظواهر على تقدير حجية سند الأخبار ، فهو مأخوذ بالدليل بلزوم الاحتياط كما عرفت.

قوله : ثم إنّ مفاد هذا الدليل هو وجوب العمل بالظن إذا طابق الاحتياط (١).

(١) يعني إذا كان المظنون عدم الوجوب أو الحرمة أو كان المظنون خصوص الاستحباب أو الكراهة أو الإباحة مثلا فلا يدل الدليل المذكور على اعتبار الظن ، إذ لا ضرر في ترك العمل به لا العقاب ولا المفسدة فيترتّب عليه.

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٣٧٩.

٥٠٥

قوله : وحينئذ فإذا كان الظن مخالفا للاحتياط الواجب ، إلى آخره (١).

(١) وكذا لو كان الظن مخالفا لاستصحاب الوجوب والحرمة ، ولعل اقتصاره على الأول مسامحة أو ذكره من باب المثال ، وبالجملة نتيجة الدليل أعم مما يستفاد من ظاهر العبارة ، كما أنّ في :

قوله : فحاصل ذلك العمل بالاحتياط كلية (٢).

(٢) إنّه أعم من نتيجة الدليل كما عرفت من أن الدليل في موارد الظن بعدم الوجوب والحرمة ، وفي موارد الظن بالاستحباب أو الكراهة أو الإباحة لا يدل على الاحتياط كما لا يدل على وجوب متابعة الظن ، نعم لو قيل كما قلنا بوجوب دفع الضرر المحتمل لزم منه الاحتياط التام كلية كما سبق.

قوله : وفيه أنّ المرجوح المطابق للاحتياط ليس العمل به ترجيحا للمرجوح (٣).

(٣) يمكن أن يقرر بوجه آخر وهو أنّ المرجوح المطابق للاحتياط راجح بملاحظة المصالح النفس الأمرية ومراعاة التكاليف الواقعية ، فترجيحه ليس ترجيحا للمرجوح واقعا وإن كان ترجيحا للمرجوح بحسب الاعتقاد.

قوله : وإن أريد الاتيان بقصد الوجوب المنافي لعدم الوجوب ، ففيه (٤).

(٤) لا نسلّم كون الاتيان بقصد الوجوب منافيا لعدم الوجوب غاية الأمر كونه

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٣٧٩.

(٢) فرائد الأصول ١ : ٣٧٩.

(٣) فرائد الأصول ١ : ٣٨٠.

(٤) فرائد الأصول ١ : ٣٨١.

٥٠٦

على تقدير عدم الوجوب لغوا ، وأما على تقدير كونه في الواقع واجبا فقد أتى بما وجب عليه ، كما لا نسلّم أنّ الاتيان بقصد الوجوب مناف للاحتياط أيضا فتدبّر.

قوله : وفيه : أنّ التوقف عن ترجيح الراجح أيضا قبيح (١).

(١) نمنع قبح التوقف عن ترجيح الراجح لو لم يثبت وجوب الترجيح ، ويمكن أن يجاب عن الجواب الثاني بوجه آخر وهو أنّ التوقّف عن الترجيح إنّما يتصور في مقام الإفتاء لا العمل ، إذ لا يخلو المكلف في مقام العمل من موافقة الراجح أو المرجوح إلّا على فرض نادر وهو ما إذا دار الأمر بين كون الفعل واجبا تعبديا أو حراما توصليا وكان مظنون الوجوب موهوم الحرمة ، فإن أتى بالفعل لا بقصد التعبد فإنّه ترك الراجح والمرجوح جميعا.

قوله : فإثبات القبح موقوف على إبطال الرجوع إلى البراءة (٢).

(٢) لا نسلّم أنّ إثبات القبح موقوف على إبطال البراءة ، بل على عدم ثبوت البراءة ولو من جهة الشك في شمول دليلها لما كان المظنون فيه هو الاشتغال كما فيما نحن فيه.

قوله : ومعلوم أنّ العقل قاض حينئذ بقبح ترجيح المرجوح (٣).

(٣) يعني حين إبطال الرجوع إلى البراءة والرجوع إلى الاحتياط ، لكن لا يخفى أنّ إبطال الرجوع إلى البراءة إنما يكون على تقدير عدم تعلّق التكليف بالواقع ، فبعد إبطال الرجوع إلى البراءة يتم الدليل على هذا التقدير ولا يحتاج

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٣٨١.

(٢) فرائد الأصول ١ : ٣٨١.

(٣) فرائد الأصول ١ : ٣٨١.

٥٠٧

إلى إبطال الاحتياط ، وإبطال الاحتياط إنما يكون على تقدير تعلق التكليف بالواقع وأمكن الاحتياط ، فبعد إبطال الاحتياط يتم الدليل على هذا التقدير ولا يحتاج إلى ضمّ إبطال البراءة ، فإبطال البراءة والاحتياط لم يجتمع في واحد من التقديرين وفي دليل واحد كما اجتمعا في دليل الانسداد فظهر بهذا ما في :

قوله : فلا بدّ من إرجاع هذا الدليل إلى دليل الانسداد الآتي (١).

(١) لأنّ إبطال البراءة وإبطال الاحتياط كلاهما مأخوذ في مقدمات الانسداد. وأيضا يرد على هذا الإرجاع أنه لم يؤخذ في هذا الدليل العلم الإجمالي بالتكاليف وكذا الانسداد الأغلبي كما أخذ في دليل الانسداد ، هذا.

ويمكن أن يجاب عن أصل الدليل بوجه آخر : وهو أنا قد علمنا في جملة من موارد الظن أن الشارع رخص في ترك العمل بالظن بجعل أصل أو أمارة مؤدية إلى ما يخالف المظنون ، ونحتمل أن يكون مورد ما نحن فيه من هذا القبيل أيضا ، فلا يحكم العقل والحال هذه بقبح ترجيح المرجوح عندنا ووجوب الأخذ بالراجح أي المظنون ، فلعل الشارع هنا حكم بالرجوع إلى الأصل المخالف له وإن كنا لا نعلمه ، اللهمّ إلّا أن يقال إنّ ترك العمل بالمظنون مقتض للقبح إلّا إذا ثبتت الرخصة على خلافه ، فما لم تثبت نعمل بالمقتضي على مذاق المصنف كما مرّ عن قريب في ضمن الدليل الثاني (٢) وقد مرّ ضعفه أيضا فتأمّل.

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٣٨١.

(٢) [لعل الصحيح : الدليل الأوّل].

٥٠٨

الكلام في دليل الانسداد

قوله : الأولى : انسداد باب العلم والظن الخاص في معظم المسائل الفقهية (١).

(١) يراد بمعظم المسائل ما وصل في الكثرة حدا لا يجوز إهمالها بالرجوع إلى البراءة مطلقا ، ولا يجب فيها الاحتياط أو غيره من الطرق الشرعية المقررة للجاهل على ما سيأتي في المقدمات الباقية لما سيأتي هناك ، لكن اعتبار هذا القيد في أصل الاستدلال محل تأمل ، لأنّ لنا أن نقول لو لم ينسد باب العلم والعلمي في معظم المسائل بالمعنى المذكور بل انسد في بعض المسائل ولو كان واحدا ، وانضم إليه باقي المقدمات بأن لم يجز لنا إهمال الحكم في ذلك البعض لوجود العلم الإجمالي ، ولم يجب الاحتياط لفرض عدم إمكانه مثلا يكون الظن حجة هنا بحكم العقل ، لكن لمّا كان المقصود حجية الظن مطلقا في الأحكام الشرعية مطلقا قيد انسداد باب العلم بمعظم المسائل الفقهية.

ثم اعلم أنه يجب أخذ قيد آخر في هذه المقدمة وهو أن يكون الانسداد الأغلبي بالنسبة إلى جميع تكاليف المكلفين أو أغلبهم حتى ينتج هذه المقدمات حجية الظن مطلقا ، وإلّا فإن كان باب العلم بأحكام الرجال منسدا في مسائل معدودة وبأحكام النساء المختصّة بهنّ منسدا في مسائل وبأحكام الخناثى

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٣٨٤.

٥٠٩

منسدا في مسائل أخر وهكذا في سائر فرق المكلفين من المسافر والحاضر والصحيح والمريض ونحوها بالنسبة إلى ما يتعلق بهم من التكاليف ، فإنّه وإن كان يصدق انسداد باب أغلب الأحكام بالنسبة إلى أحكام مجموع المكلفين إلّا أنّ هذا لا يكفي في المقام ، إذ لو أفتى المفتي في الفرض المذكور بوجوب الاحتياط لا يلزم حرج على واحد من المكلفين ، لأنّ كل فرقة مكلف ببعض تلك الأحكام التي انسد فيها باب العلم ، والمفروض أنّ هذا البعض مسائل معدودة يسهل الاحتياط فيها فلا تجري المقدمات المنتجة لحجية الظن.

نعم لو كان بعض المكلفين ممن انسد باب العلم بأغلب الأحكام المتعلقة به بالخصوص يثبت حجية الظن بالنسبة إليه بالخصوص بضميمة باقي المقدمات ، وهذه الدقيقة مما يقصم ظهر هذا الدليل القويم فلا تغافل.

قوله : الثانية : أنّه لا يجوز لنا إهمال الأحكام المشتبهة (١).

(١) يعني أن نحكم بعدم كوننا مكلفين واقعا كالأطفال والمجانين أو ظاهرا كالجاهلين المعذورين ، وهل يعتبر العلم بهذه المقدمة كما هو ظاهر المتن أم يكفي الظن بها؟ الأظهر أنه يكفي الظن بعدم جواز الإهمال ، إذ على تقدير الظن أيضا لا تجري أدلة البراءة من عقلها ونقلها حتى يحكم بالبراءة على ما مرّ بيانه في ضمن الدليل الأول من هذه الأدلة الأربعة ، وإجماله أنّ حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان مخصوص بغير ما بيّن واختفى البيان من جهة العوارض ، والأدلة النقلية منصرفة إلى غير صورة قيام الظن على خلافه ، وبعد عدم جريان أدلة البراءة يجب دفع الضرر المظنون بحكم العقل المستقل.

فإن قلت : فعلى هذا البيان يرجع هذا الدليل إلى الدليل الأول.

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٣٨٤.

٥١٠

قلت : ليس كذلك ، لأنّ إثبات مقدمة من مقدمات هذا الدليل بالدليل الأول لا يوجب رجوعه إليه ، ومن هاهنا يعلم أنّ أخذ العلم الإجمالي بالتكاليف الفعلية غير لازم في مقدمات هذا الدليل ، بل أخذ العلم الإجمالي بالتكاليف الواقعية أيضا غير لازم ، إذ قد عرفت أنّ الظن بثبوت التكليف واقعا وظاهرا يكفي في الحكم بعدم إهمال المكلف بحكم العقل المستقل بوجوب دفع الضرر المظنون بعد فرض عدم جريان أدلة البراءة.

وكيف كان فقد علم أنّ هذه المقدمة الثانية محتاج إليها في الاستدلال بهذا الدليل ، وإن شئت فقل إنّها عبارة أخرى عن العلم ببقاء التكليف كما عبّر به غير واحد ممن تعرّض لتقرير دليل الانسداد.

وقد يقال : إنهما متغايران وكلا الأمرين محتاج إليه في تقرير دليل الانسداد ، فتكون المقدمات على هذا خمسة : بقاء التكاليف الواقعية واقعا ، وانسداد باب العلم إليها ، وعدم جواز إهمالها بالمرة ، إلى آخر المقدمات ، فالمقدمة الأولى ناظرة إلى ثبوت التكاليف الواقعية بواقعيتها في مقابل عدم ثبوت التكليف لنا رأسا كالبهائم والصبيان ، والمقدمة الثالثة ناظرة إلى مرحلة التنجّز وأنه يجب التعرّض لامتثال التكاليف الواقعية المعلومة بنحو من الأنحاء في مقابل أن يقال سلّمنا ثبوت التكاليف الواقعية لكنها شأنية ليست بفعلية ولا يلزمنا التعرّض لها كالجاهل القاصر.

وجوابه : أنّ هذا يتمّ على القول بأنّ التنجّز أيضا مما يجب إثباته لأنه مرتبة من مراتب الإنشاء في التكليف ولا يتحقق التكليف الفعلي إلّا به. وأما على ما هو التحقيق من أنّ حقيقة الحكم المنجّز وغير المنجّز شيء واحد بالنسبة إلى المنشئ وبالنسبة إلى المكلف أيضا ، فإن كان بحيث يصح العقاب على

٥١١

مخالفته بأن لا يكون المكلف معذورا في المخالفة نسمّيه حكما منجّزا ، وإن كان بحيث لم يصح العقاب على المخالفة لأجل كون المكلف معذورا بالجهل أو غيره نسمّيه غير منجّز ، فالمقدمة الثالثة على ما قرر غير محتاج إليها.

وعلى هذا البيان كلّ خطاب مقتض للتنجيز إلّا أن يمنع مانع يكون ذلك عذرا للمكلف ، فإثبات وجود التكاليف الواقعية يكفي في تنجزها على المكلف إلى أن يحصل العلم بأنّ الشيء الفلاني كالجهل مثلا عذر للمكلف في عدم الامتثال فلا يصحّ عقابه.

قوله : أو ممن حكمه فيها الرجوع إلى أصالة العدم (١).

(١) قد عرفت أنّ هذا الكلام ناظر إلى عدم رفع الأحكام ظاهرا الذي يعبر عنه بالتنجّز ، لكن في الجملة بمعنى لزوم تعرضها بوجه من الوجوه المحتملة الآتية ، كما أنّ قوله قبيل ذلك : ونجعل أنفسنا في تلك الموارد ممن لا حكم عليه فيها كالأطفال والبهائم ، ناظر إلى عدم ارتفاع الأحكام الواقعية واقعا حال الانسداد بحيث يكون موضوع الأحكام الواقعية مقيدا بمن انفتح عنده باب العلم بها.

فإن قلت : ما الفرق بين أصالة العدم التي جعل المصنف عدم جواز الرجوع إليها في خلال المقدمة الثانية وبين سائر الأصول المقررة للجاهل ، وقد جعل عدم جواز الرجوع إليها مقدمة ثالثة ، مع أنّ أصل البراءة وأصل العدم أيضا من الأصول المقررة في مواردهما.

قلت : الفرق أنّ أصل العدم الذي أخذ عدم جواز الرجوع إليه في المقدمة

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٣٨٤.

٥١٢

الثانية أصالة العدم الكلي في جميع موارد شبهة التكليف حتى في الموارد التي يقتضي الأصل الخاص في المسألة خلافه من الاحتياط واستصحاب التكليف ، وأما أصالة البراءة وأصالة العدم المأخوذ عدم جواز الرجوع إليهما في المقدمة الثالثة ، فيراد بها ما يجري في المسألة باعتبار مورده الخاص الجزئي بالنظر إلى كون الشك في أصل التكليف مع عدم سبق العلم الإجمالي بالنسبة إلى المورد الخاص.

ولكنّ التحقيق أن يقال : إنّ أصالة العدم من الأصول المقررة للجاهل ، فلا وجه لإفرازه عن سائر الأصول وجعل عدم جواز الرجوع إليها مقدمة أخرى ، وإن كان ما ذكر من الفرق بين أصل العدم الكلي والجزئي حقا لكنه غير موجب لهذا التفكيك.

قوله : الثالثة : أنّه إذا وجب التعرض لامتثالها فليس امتثالها بالطرق الشرعية المقررة للجاهل (١).

(١) وينبغي أن ينضم إليه : ولا بطريق خاص مجعول لخصوص ما نحن فيه.

واعلم أنه يمكن ترتيب مقدمات دليل الانسداد بوجه أحسن وأولى وأوضح مما في المتن ، ولنقدّم مقدمة ، وهي أنّ الاحتمالات المتصورة بعد فرض انسداد باب العلم بالأحكام عشرة :

الأول : سقوط التكاليف الواقعية رأسا وكون المكلف في زمان الانسداد مرفوع القلم كالصبيان والمجانين.

الثاني : سقوطها ظاهرا لأجل الجهل التفصيلي بخصوصياتها وإن كانت

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٣٨٤.

٥١٣

معلومة بالإجمال كالجاهل القاصر.

الثالث : وجوب الرجوع إلى الاحتياط الكلي الموجب للقطع بالبراءة من جميع التكاليف الواقعية.

الرابع : وجوب الرجوع في كل مسألة إلى الأصل المقرر في تلك المسألة للجاهل.

الخامس : وجوب الرجوع إلى الظن الفعلي بالواقع أو بالطريق أو هما معا على الخلاف المذكور في محلّه.

السادس : الرجوع إلى الموهوم.

السابع : الرجوع إلى الامتثال الاحتمالي بأخذ أحد طرفي الشك في المشكوكات ، أو الأخذ بالاحتمال الموهوم أو المظنون لا من جهة كونه مظنونا بل من جهة أنّه أحد الاحتمالات ، ويحتمل أن يصادف الواقع وبه يحصل الفرار عن المخالفة القطعية في المظنونات.

الثامن : وجوب الرجوع إلى ما يحتمل كونه طريقا تعبديا إلى الأحكام الواقعية.

التاسع : وجوب التقليد والأخذ بفتوى العالم ولو كان من الأموات.

العاشر : الرجوع إلى القرعة بأن يعيّن المقدار المعلوم من الواجبات في محتملاتها بالقرعة ، وكذا المحرمات وهكذا.

إذا عرفت هذا فنقول :

المقدمة الأولى : العلم ببقاء التكاليف الواقعية ، وقد عرفت سابقا أنه يكفي الظن بالبقاء بل احتماله في هذه المقدمة ، إذ بضميمة باقي المقدمات يحصل ما

٥١٤

يراد من النتيجة. ولا يخفى أنّ اعتبار هذه المقدمة أسقط الاحتمال الأول من الاحتمالات العشرة.

المقدمة الثانية : انسداد باب العلم والعلمي على ما مرّ بيانه وميزانه.

المقدمة الثالثة : عدم جواز الرجوع إلى الأصول المقررة للجاهل أو عدم وجوبه ، ولم يقرر أصل لخصوص مورد الانسداد. وبهذه المقدمة يسقط الاحتمال الثاني والثالث والرابع والتاسع ويبقى الباقي.

المقدمة الرابعة : أنّ العمل بالظن أرجح من سائر الاحتمالات الباقية فيتعين بحكم العقل بقبح ترجيح المرجوح على الراجح.

ثم اعلم أنّ شيخ المحققين في حاشية المعالم (١) زاد في مقدمات دليل الانسداد مقدمة أخرى حيث جعل الدليل مبنيا على مقدمات أربع :

الأولى : ثبوت التكاليف الواقعية وبقاؤها.

الثانية : أن الطريق إلى معرفة تلك الأحكام هو العلم مع إمكان تحصيله.

الثالثة : انسداد طريق العلم بها إلّا نادرا.

الرابعة : عدم ترجيح بعض الظنون على بعض في حكم العقل.

إلى أن قال : إذا تمهدت هذه المقدمات فنقول : قضية المقدمة الأولى والثالثة انتقال التكليف إلى العمل بغير العلم وإلّا لزم التكليف بغير المقدور ، وقضية المقدمة الثانية كون المرجع حينئذ هو الظن إذ هو الأقرب إلى العلم في تحصيل الواقع ، انتهى موضع الحاجة.

__________________

(١) هداية المسترشدين ٣ : ٣٨٩ ـ ٣٩٠.

٥١٥

ويرد عليه : أنّ قضية المقدمة الثانية على ما استنتج منها حجية الظن بالواقع فقط دون الظن بالطريق على ما هو مختاره كما سيأتي بيانه في المتن ، وسيأتي هناك أيضا أنّ نتيجة دليل الانسداد حجية الظنّ بالواقع والظن بالطريق كليهما ، وسرّه منع المقدمة الثانية لعدم انحصار طريق معرفة الأحكام الواقعية بالعلم بها بل الطريق المجعول شرعا أيضا طريق إليها. نعم الطريق الأصلي المنجعل منحصر فيه لكن سلوكه بالخصوص غير لازم حتى مع الإمكان لو فرض وجود الطريق المجعول أيضا.

قوله : أما المقدمة الأولى فهي بالنسبة إلى انسداد باب العلم في الأغلب غير محتاجة إلى الإثبات (١).

(١) يعني أنّ ثبوت هذه المقدمة وجداني ، فإنّ من راجع وجدانه في أمثال زماننا يجد قلة معلوماته التفصيلية في الأحكام الشرعية ، وكذا المظنونات بالظن الخاص عند من لم تثبت عنده حجية مقدار منها يكفيه في الأحكام بحسب الميزان السابق ذكره ، لكن التصديق بذلك يتوقف على استفراغ الفقيه وسعه في جميع أبواب الفقه وبذل جهده في تحصيل العلم بالمسائل والظن الثابت الحجية عنده بها ، ثم ملاحظة مجموع ما حصل له من العلم والظن الخاص بالمسائل ومقايسته مع العلم الإجمالي بالتكاليف ، فيجد حينئذ عدم حصول المقدار الكافي أو حصوله ، وربما يجد الفقيه هذا المعنى من نفسه قبل سيره في الفقه على ما ذكرنا بالحدس لقلة أسباب العلم والعلمي عنده نوعا ، وهذا أيضا كاف لو حصل والناس يختلفون في ذلك اختلافا كثيرا ، فليتأمل الفقيه حتى لا يلتبس عليه الأمر.

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٣٨٦.

٥١٦

وأيضا يختلف ثبوت انسداد باب العلم عند الفقهاء باعتبار اختلاف مذاهبهم في الأصول المقررة في الشرع للجاهل ، فرب فقيه يرى حجية الاستصحاب في الشك في المقتضي والأصل المثبت ، ويرى أنّ الأصل في الشك في الأقل والأكثر الارتباطي هو الاحتياط ونحوها ، وبملاحظة إجراء هذه الأصول المثبتة للتكاليف ربما لا يتحقق عنده ميزان الانسداد الأغلبي ويتحقق عند من يخالفه في الأصول المذكورة ، وأيضا قد مرّ سابقا أنّه لا بدّ من ملاحظة انسداد باب العلم بالنسبة إلى معظم الأحكام المتعلّقة بشخص واحد فلا يجدي انسداد باب العلم في معظم الفقه على الفقيه باعتبار أحكام جميع أنواع المكلفين ، فلا تغافل.

قوله : وأما بالنسبة إلى انسداد باب الظن الخاص فهي مبنية (١).

(١) قد مرّ منّا سابقا ثبوت حجية أخبار الآحاد لتمامية دلالة آية النبأ والإجماع بل الأخبار ، فنحن بحمد الله لم ينسد علينا باب الظنّ الخاص ، لأنّ الخبر الموثوق الصدور الذي نقول بحجيته يكفينا في جميع الفقه ، وما يبقى من المشتبهات نرجع فيها إلى الأصول المقررة للجاهل من البراءة والاحتياط والاستصحاب والتخيير ولا يلزم من ذلك محذور ، فالمقدمة الأولى غير ثابتة في حقنا.

قوله : الأول الإجماع القطعي على أنّ المرجع على تقدير انسداد باب العلم (٢).

(٢) وادعى الإجماع على ذلك صريحا بعض المتأخرين على ما حكاه

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٣٨٦.

(٢) فرائد الأصول ١ : ٣٨٨.

٥١٧

المحقق النراقي في عوائده (١) بحيث يظهر منه دعوى الإجماع القولي أو العملي ، وأنّ الفقهاء لم يزالوا يستندون إلى الظنّ من صدر الإسلام إلى يومنا هذا ولم يقتصروا على المعلومات ، لا كما في المتن من الإجماع الاستنباطي من طريقة الأصحاب والعلماء ، وبالغ في العوائد في الطعن على هذا الإجماع في الغاية ، وكان مما أورد عليه بعد نقل قول جماعة بالرجوع إلى البراءة في غير المعلومات المنافي لهذا الإجماع ما ملخّصه : أنّ العاملين بالظن من العلماء إمّا أنّهم كانوا يأخذون بالظن من غير دليل يدل على حجيته ، أو كانوا يأخذونه بدليل دلّهم على حجية نوع منه أو أنواع كخبر الواحد والإجماع المنقول والأولوية ونحوها ، فإن قيل بالأول فهو بديهي الفساد ، وإن قيل بالثاني فلا ننكره لكن لا ينفعنا في المقام ، إذ لو كان لنا أيضا دليل على حجية ظن من الظنون أخذنا به إلّا أنّ مفروضنا انسداد باب الظن الخاص.

وكيف كان ، نقول إنّ دعوى الإجماع المحصّل القولي أو العملي كما ترى ، كيف وجملة من أعاظم علمائنا يدّعون انفتاح باب العلم ، وأما الإجماع التقديري الذي استنبطه المصنف على تقدير تسليمه لا حجية فيه لعدم كشف الإجماع التقديري عن قول المعصوم (عليه‌السلام) ، وإن أراد حصول القطع له من تتبّع طريقة الأصحاب والعلماء لا الإجماع المصطلح فلا كلام على القاطع ، إلّا أنّنا لم نقطع بذلك وبعد نلتمس الدليل على ذلك.

__________________

(١) عوائد الأيام : ٣٦٤.

٥١٨

قوله : الثاني : أنّ الرجوع في جميع تلك الوقائع إلى نفي الحكم مستلزم للمخالفة القطعية الكثيرة (١).

(١) يعني ولو لم نقل بحرمة مطلق المخالفة القطعية إلّا أنّ هذا المقدار من المخالفة التي يستلزم الخروج عن الدين مقطوع الفساد مفروغ عنه ، والمراد من الخروج عن الدين ليس هو الكفر بل المراد أنّه لو اقتصر المكلف بالعمل بالمعلومات وترك ما سواه تمسّكا بأصالة البراءة وأصل العدم يعد ممن لا يعمل بأحكام الإسلام تاركا لآداب الشريعة.

لكن الإنصاف عدم تمامية هذا الوجه أيضا ، لأنّ أمهات التكاليف الشرعية التي تعدّ كالأركان من الدين من الواجبات والمحرمات معلومة بالضرورة والإجماع كالصلاة والصوم والزكاة والخمس والحج وأمثالها من الواجبات ، والزنا والسرقة والغيبة والظلم والخيانة وأمثالها من المحرمات ، والأحكام المجهولة وإن كانت أضعاف المعلومات عددا إلّا أنّها في الفروع الخفية والجزئيات غير الركنية ، فهل ترى أنّ أحدا لو أتى بالصلاة بمقدارها المعلوم من التكبير والقراءة والركوع والسجود والتشهد وترك السورة والسلام والطمأنينة ونحوها من المشتبهات يعد تاركا للصلاة ، وهكذا في سائر الواجبات والمحرمات يقتصر على المعلومات يعد تاركا لآداب الشريعة حاشا ثم حاشا عن ذلك.

قوله : والحاصل أنّ ظاهر السؤال والجواب المذكورين (٢).

(٢) الإنصاف عدم دلالة كلام السيد على ما ذكره ، فإنّ ظاهر السؤال أنّه إذا

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٣٨٨ ـ ٣٨٩.

(٢) فرائد الأصول ١ : ٣٩١.

٥١٩

سددتم طريق العمل بأخبار الآحاد فعلى أي شيء تعولون في هذه الفتاوى الموجودة عنكم في الفقه كله ، فأجاب بأنا نعتمد على الضرورة والإجماع والأخبار المتواترة أو المحفوفة بالقرائن القطعية ، ولا مفهوم لهذا الكلام بأنّه لو لم يكن لنا هذه الأدلة القطعية كنّا نرجع إلى الخبر الواحد الظني ، وعلى تقدير صحة دلالة كلامه على عدم الرجوع إلى البراءة الكلية وكذا سائر الكلمات التي ذكرها بعد كلام السيد لا ينفع فيما نحن بصدده ما لم ينته إلى حد الإجماع ، ولا إجماع كما عرفت في ردّ الوجه الأول من الوجوه الثلاثة.

قوله : فإن قلت إذا فرضنا أنّ ظن المجتهد أدّى في جميع الوقائع إلى ما يوافق البراءة (١).

(١) يمكن تقرير السؤال بوجه أحسن قريب الوقوع ، وهو أنّه لو أدّى ظن المجتهد إلى ما يوافق البراءة في موارد يعلم إجمالا بوجود واجب أو حرام فيها على نحو الشبهة المحصورة فما يصنع ، ولا يخفى أنّ هذا غير ممتنع الوقوع لا عقلا ولا عادة ، ولا يجري الجواب الثاني الآتي عليه ، فلا بدّ أن يجاب بالوجه الأول إن تم أو الوجه الثالث.

قوله : لأنّ الظن بالسالبة الكلية يناقض العلم بالموجبة الجزئية (٢).

(٢) وكذا يناقض الظن بالموجبة الجزئية ، كما أنّ العلم بالسالبة الكلية يناقض العلم بالموجبة الجزئية.

ويمكن أن يجاب عن هذا الوجه : بأنّ حصول الظن بالبراءة في جميع الوقائع تدريجا لا ينافي العلم الإجمالي بالتكليف في بعض مواردها ، بل

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٣٩٦.

(٢) فرائد الأصول ١ : ٣٩٧.

٥٢٠