حاشية فرائد الأصول - ج ١

آية الله الشيخ محمّد إبراهيم اليزدي النجفي

حاشية فرائد الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد إبراهيم اليزدي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ١
ISBN: 964-497-015-2
الصفحات: ٦٩٤

قوله : الثاني قاعدة اللطف على ما ذكره الشيخ في العدة (١).

(١) محصل مراده : أنّ قاعدة اللطف تقتضي عدم استتار الحق بالمرّة في عصر من الأعصار ، فلو اتّفقت آراء الفقهاء في عصر ولم يكن هناك دليل على خلافهم من كتاب أو سنّة مقطوع بها يكشف عن رضاء الإمام (عليه‌السلام) بأقوالهم وأنّها موافقة لرأيه (عليه‌السلام) ، وكذا لو انحصر أقوالهم في قولين أو ثلاثة ، وهكذا يكشف عن عدم كون الحق مخالفا لجميع الأقوال وإلّا لظهر وأظهر الحق ولو بنصب دلالة تكفي في إزاحة التكليف.

ولازم دعوى الشيخ أنّه لو كان هناك فرع لم يتفطّن له سوى واحد أو اثنين من العلماء وأفتى هذا الواحد أو الاثنان فيه بشيء ، كان ذلك حجة بعين التقريب المذكور وإلّا لظهر الإمام (عليه‌السلام) وأظهر الحق لئلّا يلزم استتار الحق بالمرّة بين الأمة ، ويلزمها أيضا أنّه لو اتفقت آراء العلماء في عصر من الأعصار على حكم مستندين إلى دليل ظنّي أو قطعي ثم ظهر لهم فساد المستند ، كان هذا الاتفاق حجة بعين التقريب المذكور ، والالتزام بمثل هذه اللوازم كما ترى مستبعد جدا.

لكن حكى في الفصول (٢) أنّ الشيخ (رحمه‌الله) تفطّن للازم الأول والتزم به.

وكيف كان استدل على حجية الإجماع على هذه الطريقة بوجوه عقلية ونقلية :

منها : أنّ التكليف بما يقتضيه الواقع لطف والإخلال باللطف قبيح ، أما

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ١٩٢.

(٢) الفصول الغروية : ٢٤٦.

٣٨١

الصغرى فلأنّه مقرّب إلى الطاعة ومبعّد عن المعصية على ما عرّفوا به ، وأما الكبرى فلأنّه نقض الغرض وخلاف الحكمة.

ومنها : أنّ اتفاق الأمة على الباطل قبيح ، والإمام (عليه‌السلام) متمكّن من ردعهم إلى الحق كلا أو بعضا ، فيجب عليه الظهور وردعهم ولو من باب النهي عن المنكر.

ومنها : أنّ الحكمة الباعثة على تشريع الأحكام وعلى بعثة الأنبياء ونصب الأوصياء داعية إلى تشريع الحكم الخاص أيضا ، كما يجب تبليغها لينقطع عذر الخلق على الحق في أمر التكاليف ولا يكون للناس على الله حجة فيها.

ومنها : أنّ الغرض الداعي إلى نصب الإمام (عليه‌السلام) إنما هو تبليغ الأحكام ، فإذا قدّر عدم إمكان التبليغ في حقه أو عدم مساعدة الحكمة عليه لم تكن فائدة في نصبه ووجوده ، فيبطل ما اتفقت الإمامية عليه ونطقت به الأخبار من عدم خلوّ عصر عن الحجة.

ومنها : الأخبار (١) الواردة في هذا المعنى أظهرها دلالة ما ورد في جملة من الأخبار من أنّ الزمان لا يخلو عن حجة كي إن زاد المؤمنون شيئا ردّهم وإن نقصوا أتمّ لهم ، ولو لا ذلك لاختلط على الناس أمورهم.

قوله : ولا يخفى أنّ الاستناد إليه غير صحيح على ما ذكر في محله (٢).

(١) لأنّ الوجوه المذكورة مدفوعة :

__________________

(١) بصائر الدرجات ٤٨٦ / ١٠.

(٢) فرائد الأصول ١ : ١٩٣.

٣٨٢

أمّا أوّلا : فبالنقض بالمسائل الخلافية بين أصحابنا ، ولا ريب أنّ ما سوى واحد من الأقوال خلاف الحق بناء على بطلان التصويب ، ومقتضى الوجوه المذكورة وجوب ردعهم ، ومجرّد وجود الحق بين الأقوال لا يوجب السكوت عن خطأ الباقين كما لا يخفى.

وأما ثانيا : فلمنع وجوب جميع الألطاف بجميع مراتبها ، والقدر المسلّم منه هو تبليغ الأحكام على النحو المتعارف وبقدر الإمكان ، فلو منع من ذلك مانع من ظلم الظالمين وتغلّب المتغلّبين لم يقدح في أصل وجوبه ، كما أنّ استتار إمامنا الثاني عشر (صلوات الله عليه) لأجل المانع المذكور غير مناف لوجوب نصب الإمام (عليه‌السلام) من باب اللطف ، ولا يجب ظهوره وتصرفه بالمعجزة ودفع الظالمين بالقهر والغلبة بغير الأسباب المتعارفة ، وإليه أشار المحقق الطوسي (قدس‌سره) في التجريد (١) من أنّ وجوده لطف وتصرّفه لطف آخر وعدمه منّا ، وكذا ما سيأتي في المتن من كلام المرتضى (قدس‌سره) في جواب الشيخ (قدس‌سره) إذا كنّا نحن السبب في استتاره ... ، هذا مع أنّ المحقق النراقي (قدس‌سره) أورد في كتاب العوائد (٢) وجوها في ردّ قاعدة اللطف وجواز التمسك بها في الشرعيات ، كلها أو جلّها واردة لا يمكن التفصّي عنها فراجع.

وبالجملة فساد هذه الطريقة في حجية الإجماع من الواضحات والغرض إشارة إجمالية إليها ، ولو ذكر مفاسدها وما يرد على أدلتهم مفصّلا لطال الكلام بلا طائل والاشتغال بغيره أهمّ.

__________________

(١) تجريد الاعتقاد : ٢٢١.

(٢) عوائد الأيام ٧٠٥ ـ ٧١٠.

٣٨٣

قوله : فدعوى مشاركته للسيد في استكشاف قول الإمام (عليه‌السلام) من تتبّع أقوال الأمة ، إلى آخره (١).

(١) هذه الدعوى ليست ببعيدة كما حكى عن المناهج وغيره ، وما استظهر المصنف هنا مما نقله من كلمات الشيخ (قدس‌سره) في العدة على انحصار طريقته في الإجماع اللطفي في محلّه ، لكن ما حكاه المصنف أيضا عن العدة في مسألة حجية خبر الواحد عند ذكر الإجماع من أدلته نصّ في هذه الدعوى بل قيل إنه يستفاد منه انحصار طريقته في الإجماع التضمّني وإن كان فيه تأمّل ، لأنّه ذكر في غير موضع من كلامه المحكي أنّ خروج معلوم النسب لا يقدح في حجية الإجماع للعلم بأنّه غير إمام ، فالإمام (عليه‌السلام) داخل في الباقي ، ومن الواضح أنّ خروج معلوم النسب قادح في الإجماع اللطفي وأنّ الإمام غير داخل في المجمعين ، وحينئذ كلماته متدافعة لا يمكن إرجاع بعضها إلى بعض ، فتأمل تجدها كما ذكرنا.

قوله : قال في الإيضاح في مسألة ما يدخل في المبيع إنّ من عادة المجتهد ـ إلى قوله ـ وعدم انعقاد إجماع أهل العصر الثاني على كلّ واحد منهما (٢).

(٢) هذه العبارة مما أشكل على أقوام ، لأنّه كان المناسب أن يقول وعدم انعقاد إجماع أهل العصر الثاني على خلاف اجتهاده الثاني ، لأنّ اجتهاده الثاني لا يؤثر على هذه الطريقة في انعقاد الإجماع في العصر الأول موافقا أو مخالفا ، لأنّه عبارة عن اتفاق أهل العصر الواحد ، فافهم.

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ١٩٣.

(٢) فرائد الأصول ١ : ١٩٦.

٣٨٤

قوله : الثالث من طرق انكشاف قول الإمام (عليه‌السلام) لمدعي الإجماع : الحدس (١).

(١) الأظهر أن يقال انكشاف الحجة أعمّ من قول الإمام (عليه‌السلام) ، بيان ذلك : أنّ المدعي للإجماع إما أن يستكشف بحدسه الحكم الواقعي الذي هو رأي الإمام (عليه‌السلام) ، وإما أن يستكشف أنّ الإمام (عليه‌السلام) قال ذلك الكلام الظاهر في أنّ الحكم كذا ولكن احتمل إرادة خلاف ظاهره أو صدوره تقية ، وإما أن يستكشف بالحدس وجود دليل معتبر على الحكم كخبر العادل مثلا بحيث لو ظفرنا بذلك الدليل عملنا به ولو لم نعلم بصدور الخبر مثلا فضلا عن أصل الحكم ، ولا ريب أنّ استكشاف أحد الأمور المذكورة كاف في المقصود.

ثم إنّ مورد الحدس المذكور ما إذا كان الحكم المستكشف تعبديا لا مسرح للعقل إليه وعلمنا بعدم استناد المجمعين كلا أو بعضا إلى ما ليس بحجة عندنا ، وإلّا لم يحصل العلم بأحد الأمور الثلاثة المتقدمة كما لا يخفى ، وبالجملة كان بحيث نقطع بأنّ اتفاقهم على هذا القول لا يكون إلّا من جهة ما وصل إليهم من إمامهم ورئيسهم ولو كان ذلك دليلا معتبرا عندنا ، ولا يخفى أنّ الحدس المذكور في مثل المورد قلّما يتّفق بل لا يتّفق.

قوله : أحدهما أن يحصل له الحدس الضروري من مبادي محسوسة (٢).

(٢) أما الحدس الضروري فإنّه يحصل من العلم بأقوال جميع العلماء حيّهم

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ١٩٧.

(٢) فرائد الأصول ١ : ١٩٨.

٣٨٥

وميّتهم ، أو معظم العلماء كذلك في مثل المورد الذي ذكرنا في الحاشية السابقة ، وأما المبادي المحسوسة مثل السماع عنهم أنّ رأيهم في المسألة كذا ، أو وجدان ذلك في كتبهم وتصانيفهم المتواترة عنهم المصونة عن التصحيف والغلط ، أو نقل بعض أهل العصر أنّ باقي علماء عصره متفقون معه في الفتوى ولو بأن أرسله إرسال المسلّم مع كون ديدنه على ذكر المخالف لو ظفر به وأشباه ذلك ، ولا يخفى أنّ الحدس الضروري المذكور من المبادي المحسوسة المزبورة أعزّ من الكبريت الأحمر.

قوله : فلا يسمع دعوى من استند إليه (١).

(١) وكذا لو تردد بين أن يكون مستنده ذلك أو إحدى الطريقتين الاخريين.

قوله : وحيث لا دليل على قبول خبر العادل المستند إلى القسم الأخير (٢).

(٢) يريد بذلك أنّ خبر العادل المستند إلى القسمين الأخيرين ليس بحجة لما مرّ في أوّل المسألة من عدم شمول دليله لغير الاخبار عن حسّ ، وأما خبر العادل المستند إلى القسم الأول وإن كان حجة إلّا أنا لم نعلم أنّ المدّعي للإجماع مستند إلى أيّ الأقسام الثلاثة المرددة بين الحجة واللاحجّة فلا بدّ من التوقف.

وفيه نظر :

أما أوّلا : فلما مرّ منّا أيضا في صدر المسألة من أنّ دليل حجية الخبر لا يفرق بين الخبر الحسّي والحدسي ، بل وجه عدم حجية الإجماع المنقول عمّن

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ١٩٨.

(٢) فرائد الأصول ١ : ١٩٩.

٣٨٦

يستند إلى أحد القسمين الأخيرين أنّه لم يخبر بملزوم الحجة من قول الإمام (عليه‌السلام) أو دليل معتبر حتى نأخذ بلازمه وقد سبق بيانه.

وأما ثانيا : فلأنّ من استند إلى القسم الأول أيضا لا حجية في نقله الإجماع على مذهب المصنف من عدم شمول مثل آية النبأ للاخبار عن الموضوعات ، فمن حيث نقله الإجماع الكاشف لا حجية في خبره ، ومن حيث الحكم المنكشف لم يخبر بشيء ، لما مرّ في أول المسألة من أنّ لوازم الكلام ليست بمخبر به ، لكن بناء على المختار من حجية الخبر في الموضوع يصح الاستناد إلى مثل هذا الإجماع المحكي والأخذ بلازمه من وجود الحجة على الحكم ، فتأمل وراجع ما علّقناه على أوّل المسألة كي يتّضح المقصود.

قوله : فإن قلت ظاهر لفظ الإجماع اتفاق الكل (١).

(١) كون الظاهر من لفظ الإجماع هو اتفاق الكل في نفسه من الواضحات ، لكن القرائن الصارفة عن هذا الظاهر كما سيجيء ومرّ بعضها في الإجماعات المنقولة التي بأيدينا مانعة عن إرادة هذا الظاهر في كلها أو جلّها ، فلا وقع لهذا السؤال بعد هذا المطلب ، ولو كان وجه السؤال على فرض الإغماض عن هذا المطلب كان المناسب أن يجيب بالقرائن الصارفة عن الظاهر ، فتأمّل.

قوله : قلت : إنّ الظاهر من الإجماع اتفاق أهل عصر واحد لا جميع الأعصار (٢).

(٢) هذا أيضا في محل المنع بالنسبة إلى الإجماعات التي يدّعيه واحد من الشيعة ، إذ كثيرا ما يدّعي أحدهم إجماع من عدا فلان ممن تقدم عصره ، فلو كان

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ١٩٩.

(٢) فرائد الأصول ١ : ٢٠١.

٣٨٧

المراد من الإجماع اتفاق أهل عصر واحد كان اللازم أن يدّعي الإجماع المطلق ، نعم من يدعي الإجماع المطلق معتذرا بانقضاء عصر المخالف كلامه ظاهر في أنّ الإجماع اتفاق أهل عصر واحد كما أنّ الإجماع عند العامة أيضا كذلك ، ولعل قول المصنف كما يظهر من تعاريفهم إلى آخره ، ناظر إلى تعاريف العامة فافهم.

قوله : أحدها أن يراد به اتفاق المعروفين بالفتوى دون كل قابل للفتوى (١).

(١) لا شكّ أنّ دعوى اتفاق كل قابل للفتوى في عصر واحد أو مطلقا من المجازفات البيّنة ، لأنّا نرى بالعيان أنّه لا يمكننا الإحاطة بأقوال كل قابل للفتوى في بلدة واحدة ونحن ساكنون في تلك البلدة منذ سنين فكيف بالبلاد الأخر ، وكيف بالنسبة إلى الأزمنة السالفة التي لا يمكن الاطلاع على أقوال علمائها إلّا بالرجوع إلى كتب أصحاب تصانيفهم ، ومن المعلوم أنّ جميع من كان قابلا للفتوى في الأزمنة السابقة لم يكن صاحب تصنيف ، ومن كان منهم من أرباب التصنيف أيضا لم تبق كتبه معروفة مشهورة بحيث يصل إلينا ما فيه رأيه مودع ، بل حصل لأغلب كتب المعاريف من العلماء المبرّزين مثل العماني والاسكافي والقاضي بل مثل السيد المرتضى والحلبي الاندراس حتى أنّا لا نعلم بآراء أمثال هؤلاء إلّا بطريق نقل من تأخّر عنهم في بعض المسائل دون الكل ، فإذا كان حال أقوال هؤلاء فكيف الظنّ بتحصيل أقوال من سواهم من أهل الفتوى ، فإذن نحن نتيقّن بأنّ المدّعي للإجماع لم يرد إلّا إجماع المعروفين بالفتوى الذين أمكنه معرفة أقوالهم وآرائهم من كتبهم أو كتب من حكاها عنهم.

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٢٠٢.

٣٨٨

وأما قضية تحصيل آراء أهل عصر واحد فهو أمر صعب بعيد الوقوع جدا ، ففي أيّ زمان كان لأهل الفتوى في ذلك العصر مجمع يمكن تحصيل العلم بآراء الكل عن حسّ ولو بالسؤال عن كل واحد واحد عن رأيه ، أو العلم به من طريق نقل غيره عنه.

وبالجملة : ليس نقل الإجماع في ألسنة العلماء السابقين إلّا كدعوى أحدنا الإجماع في مسألة في زماننا هذا ، فلو اطلعنا على أقوال جمهور العلماء المعروفين كالسيد والشيخ والعلامة والشهيدين وأضرابهم من كتبهم أو من كتب غيرهم ، ولم نر مخالفا لهم في المسألة في الكتب التي بأيدينا ندّعي الإجماع في المسألة ، وهكذا كان حالهم قطعا بل أسوأ من ذلك ، لأنّ الكتب المشتملة على جميع الفتاوى في زماننا أكثر وأسهل وصولا من الأزمنة السالفة البتّة كما لا يخفى.

قوله : الثاني أن يريد إجماع الكل ويستفيد ذلك من اتفاق المعروفين من أهل عصره (١).

(١) استفادة إجماع الكل من اتفاق أهل عصره لا يكون إلّا من قبيل تخرص من ليس من أهل الخبرة ، والخرص إن كان ولا بدّ فلينضمّ إليه عدم نقل خلاف ممن شأنه نقل كل خلاف ، فقد يحصل من ذلك الاتفاق وتلك الضميمة العلم بإجماع الكل أعني اتفاق جميع المعاريف على ما مرّ بيانه ، وهذا أيضا بعيد في الإجماعات المتداولة في ألسنة أكثر علمائنا المتقدّمين مع ما نرى التخلّف في أكثر ما ادّعوا فيها الإجماع وسيشير إلى جملة منها في المتن.

قوله : الثالث أن يستفيد اتفاق الكل على الفتوى من اتفاقهم على

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٢٠٢.

٣٨٩

العمل بالأصل عند عدم الدليل (١).

(١) هذه الاستفادة أوهن من السابق ، إلّا أنّا نرى أنّهم سلكوا هذا المسلك كثيرا على ما يظهر من بعض عبائرهم التي حكاه في المتن ، والأظهر في توجيه كلمات مدّعي الإجماع من السلف هو هذا الوجه ، ويشهد له شواهد موجودة في كلماتهم ، وظنّي أنّ الاعتراف بمسامحتهم في دعوى الإجماع أولى من هذه الاعتذارات ، وحيثما قطعوا بالمطلب بطريق معتبر عندهم ادّعوا الإجماع مسامحة ومساهلة ، وربما كان ذلك لأجل محافظتهم على عناوين الأدلة الأربعة المعروفة كما مرّ سابقا.

قوله : فمن ذلك ما وجّه المحقق به دعوى المرتضى والمفيد أنّ من مذهبنا جواز إزالة النجاسة بغير الماء من المائعات (٢).

(٢) قد مرّ سابقا أنّ لفظة من مذهبنا ليس مفادها الإجماع كلفظ ممّا انفردت به الإمامية ونحوه ، بل غاية ما يظهر من أمثال هذه التعابير أنّ هذا المذهب مخالف لمذاهب العامة لا أنّ جميع الخاصة مطبقون على ذلك ، ولم يرد المحقّق أيضا توجيه الاتفاق لمكان هذا التعبير ، بل أراد توجيه أصل القول بالتماس دليل له كما يرشد إلى ذلك قوله : وأما قول السائل كيف أضاف المفيد والسيد ذلك إلى مذهبنا ولا نصّ فيه انتهى ، فلو حمل كلامه على إرادة دعوى الإجماع لم يناسب إيراد السؤال بعدم النصّ فيما اختاره من المذهب.

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٢٠٣.

(٢) فرائد الأصول ١ : ٢٠٤.

٣٩٠

قوله : قال دليلنا إجماع الفرقة فإنّهم رووا أنّ ما أخطأت القضاة ففي بيت مال المسلمين (١).

(١) الظاهر أنّه أراد الإجماع في الرواية لا الفتوى ، ومثل هذا الإطلاق كان شائعا في الصدر الأول ، وعليه يحمل ما في مقبولة عمر بن حنظلة الآتية قال (عليه‌السلام) : «ينظر إلى ما كان من روايتهم عنا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه بين أصحابك فيؤخذ به ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه» (٢) فلمّا أطلق لفظ المجمع عليه في هذه الرواية وغيرها على ما كان مطابقا للرواية المشهورة شاع هذا الإطلاق فيما بينهم على عادتهم المعروفة من تعبيرهم لما عندهم من الآراء بما يوافق ألفاظ الكتاب والسنة ، ولكن مع ذلك كلّه لا يخلو عن مسامحة وشائبة تلبيس الأمر على الخصم بعد استقرار الاصطلاح في كتب الأصول على خلاف هذا الإطلاق.

قوله : ومن الثاني ما عن المفيد في فصوله (٣).

(٢) قيل : أراد من الثاني الاتفاق على مسألة أصولية يستلزم القول بها الحكم في المسألة المفروضة على ما صدّر في عنوان هذا القسم ، ولا يخلو عن حزازة إذ المناسب لهذا التعبير هنا أن يسبق منه في أول ذكر الموارد قوله فمن الأول ، مع أنّ أقسام العنوان يزيد عن اثنين بل عن أربعة ، فتأمل.

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٢٠٥.

(٢) الوسائل ٢٧ : ١٠٦ / أبواب صفاة القاضي ب ٩ ح ١ (باختلاف يسير).

(٣) فرائد الأصول ١ : ٢٠٦.

٣٩١

قوله : وحفظتهم الصدوق (١).

(١) قيل : إنّ الحفظة بالضم مفرد كهمزة ولمزة لكنّا لم نجده في كتب اللغة (٢) ولا غيرها ، وعلى تقدير كونه بالفتح جمع حافظ يحتمل أنّه أراد من حفظتهم الصدوق ، فتأمّل.

قوله : لما عرفت من أنّ الخبر الحدسي المستند إلى إحساس ما هو ملزوم للمخبر به عادة كالخبر الحسّي في وجوب القبول (٣).

(٢) قد عرفت فيما سبق أنّ لازم الخبر ليس بمخبر به حتى يدخل في عموم آية النبأ وغيره إلّا إذا كان المقصود من ذكر الملزوم الانتقال إلى اللازم كما في الكناية ، وعرفت أنّ ما نحن فيه ليس كذلك.

قوله : نعم يبقى هنا شيء وهو أنّ هذا المقدار من النسبة المحتمل استناد الناقل فيها إلى الحسّ يكون خبره حجّة فيها (٤).

(٣) هذا يؤكّد ما سبق منا من أنّ ناقل الإجماع ينقل فتاوى المعروفين الذين هم أرباب التصانيف ، إلّا أنّ ما ذكره واختاره لا يخلو من نظر وتأمّل.

أما أوّلا : فلأنّ ظاهر كلام المدعي للإجماع وإن كان ما ذكره من وجدان فتاوى المعروفين بالحسّ لكن بعد ما علمنا أنّه ربّما يدّعي الإجماع مستندا إلى أصل مجمع عليه أو رواية مجمع على روايتها أو نحو ذلك ، لا يبقى لنا مجال التمسك بهذا الظهور خصوصا في كلام من وجدنا خلاف هذا الظاهر كثيرا ، فإنّ

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٢٠٧.

(٢) [ذكره تاج العروس ٥ : ٢٥١].

(٣) فرائد الأصول ١ : ٢١٣.

(٤) فرائد الأصول ١ : ٢١٤.

٣٩٢

ذلك موجب للإجمال في مثل الإطلاق المذكور سيّما مع ما عرفت من أنّ دأبهم في دعوى الإجماع استقرّ على المسامحة والمساهلة.

وأما ثانيا : فلأنّ المصنف لا يرى تكفّل آية النبأ للاخبار عن غير الأحكام كالموضوعات ، ومن المعلوم أنّ إخبار الجماعة المنقول عنهم الحكم لا يستلزم الاخبار عن قول الإمام (عليه‌السلام) ولذا احتاج إلى ضم القرائن الأخر وأقوال باقي العلماء كي يستكشف من مجموعها رأي الإمام (عليه‌السلام). نعم على ما اخترنا من حجية الأخبار عن الموضوع أيضا من آية النبأ أو غيره تثبت صحّة الاسناد إلى الجماعة وأنّ ذلك قولهم تعبّدا.

وأما ثالثا : فلأنّه بعد تسليم جميع ذلك لا ينتج شيئا ، لأنّ القطع الوجداني بقول الإمام (عليه‌السلام) لا يحصل بمثل هذا الاتفاق الذي ثبت أقوال المجمعين بالتعبّد بتصديق العادل الناقل لأقوال الجماعة ، والقطع الشأني لا دليل على حجيّته ، وليس تحقق الإجماع الكاشف حكما شرعيا لازما لما أخبر به الناقل حتى يقال إنّ لازم حجية قول الناقل الأخذ بلوازمه الشرعية ، ولو كان تحقق الإجماع الكاشف لازما شرعيا لم يكن لازما لقول هذه الجماعة فقط بل كان لازما لقول الجماعة وغيرهم مما أدركناه بالحسّ وضممناه إلى قولهم.

قوله : وما تقدّم من المحقق السبزواري ـ إلى قوله ـ فليس عليه شاهد (١).

(١) نحن ندّعي القطع على كونه كذلك لا يحتاج إلى شاهد آخر ، وهل كان يمكنهم التتبع أكثر من ذلك إلّا على خلاف العادة المستمرّة خصوصا في الأزمنة السابقة التي كانت التقية فيها شائعة في أكثر البلاد ، وقلّة بضاعة العلماء في تلك

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٢١٤.

٣٩٣

الأزمنة لا يمكنهم المهاجرة إلى جميع بلاد الشيعة وتحصيل أقوال علمائها بالسماع عنهم أو الوجدان في كتبهم.

قوله : بل يجري في لفظ الاتفاق وشبهه ويجري في نقل الشهرة ونقل الفتاوى من أربابها تفصيلا (١).

(١) لفظ الاتفاق والشهرة أوضح في الدلالة على قول الجماعة ، لعدم ما يوهن ظهور اللفظ بالنسبة إلى غير لفظ الإجماع الذي عرفت وهن ظهوره وكونه من المجملات في كلام من نتكلّم على حجية إجماعاته المحكية ، وأما نقل الفتاوى عن أربابها تفصيلا فهو صريح لا شكّ فيه.

قوله : ولا على الوجه الأخير الذي إن وجد في الأحكام ففي غاية الندرة (٢).

(٢) قيل : إنّ الوجه الأخير الذي أشار إليه هنا وقد ذكره في سابق كلامه الذي لم ينقله المصنف هو أنّ السلف من أصحاب الأئمة (عليهم‌السلام) وغيرهم ربما يعرفون حكم الواقعة بنصّ الإمام (عليه‌السلام) لكن لم يمكنهم الاحتجاج به على المخالفين لأنّهم لا يرون كلام الإمام (عليه‌السلام) حجة ، فالتجأ العالم بالحكم إلى دعوى الإجماع ليحتجّ بذلك على خصمه هذا ، ولعمري أنّ المصنف قد أطال الكلام في هذا المبحث زائدا على عادته المألوفة ولكنه أعلم بما أراد والله العالم.

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٢١٦.

(٢) فرائد الأصول ١ : ٢١٩.

٣٩٤

قوله : ومن جميع ما ذكرنا يظهر الكلام في المتواتر المنقول (١).

(١) لا يخفى أنّ ناقل تواتر الخبر يحكي مضمونه عن الإمام (عليه‌السلام) بطريق القطع ، فإن قيل بحجية هذه الحكاية باعتبار شمول دليل حجية خبر الواحد للخبر الحدسي كان حجة من هذه الجهة ولزم الحكم بصدقه والعمل عليه ، سواء كان التواتر المدّعى مما يستلزم عادة تحقق المخبر به أم لا ، ولكن لازم ذلك حجية قول العادل إذا قطع بالحكم من قول واحد ولو فاسقا بل من أيّ سبب كان حتى الرؤيا والاستخارة مثلا.

وأيضا لازم هذا البيان حجية الخبر المرسل بمثل أن يقول العادل : قال الصادق (عليه‌السلام) كذا ، لظهور إسناد القول في أنّه قطع بقوله ثم أخبر ، بل يكون أقوى من إسناده بالسند الصحيح المتّصل ، فافهم.

ولا يخفى أيضا أنّ إثبات تواتر الخبر بقول العادل إنّما يثمر فيما لم يكن في الجماعة التي أخبر عنهم عادل في كل طبقة ، وإلّا كان حجة مطلقا بالنسبة إلى ثبوت المخبر به لا بالنسبة إلى ثبوت وصف التواتر.

قوله : ويختلف عدده باختلاف خصوصيات المقامات (٢).

(٢) إن أراد أنّه يختلف عدده باختلاف الأشخاص فربّ شخص يحصل له القطع من قول عشرة لأجل أنّه سهل الاعتقاد ، وربّ من لا يحصل له القطع بقول خمسين.

ففيه : أنّه يلزم ألا يكون للتواتر حدّ مضبوط مع أنّهم عرّفوا المتواتر بأنه خبر جماعة يحصل بنفسه العلم عادة ، قالوا : ولا يضر عدم حصول العلم لشخص

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٢٢٧.

(٢) فرائد الأصول ١ : ٢٢٧.

٣٩٥

لكونه مسبوقا بالشبهة بعد حصول العلم عادة للنوع ، ولمّا كان للتواتر حدّ مضبوط واقعا كان ما فرّع على الاختلاف المزبور من التفصيل فاسدا ، لأنّ إخبار جماعة لا يستلزم تحقّق المخبر به عادة ليس بتواتر واقعا.

وإن أراد أنه يختلف باختلاف المقامات من جهة الاقتران بالقرائن الداخلية التي لا تنافي تحقق التواتر الموجب للقطع بملاحظة انضمام تلك القرائن ، فقد يحصل القطع لشخص من جهة إدراكه لتلك القرائن مثل كون المخبرين عدولا باعتقاده ، ولا يحصل لشخص آخر أو له في مقام آخر من جهة عدم القرائن مثل كون المخبرين فسّاقا عنده ، فكلامه حينئذ منتظم بالنسبة إلى التفصيل الذي ذكره ولا يضرّ عدم انضباط التواتر من هذه الجهة (١).

قوله : إلّا أنّ لازم من يعتمد على الإجماع المنقول ، إلى آخره (٢).

(١) لو حمل الكلام السابق على الاحتمال الأول يرد عليه : أنّ نقل الإجماع المستند إلى الحدس يستلزم قول الإمام (عليه‌السلام) بعد تصديقه في حدسه ، بخلاف نقل المتواتر فيما نحن فيه فإنّه لا يستلزم ثبوت المخبر به على تقدير صدقه في نقله ، إذ لعله قطع من قول جماعة لا يوجب القطع عادة ، أما لو حمل كلامه السابق على الاحتمال الثاني صحّت الملازمة التي ادّعاها وهو من شواهد صحّة هذا الاحتمال.

__________________

(١) والسيد الأستاذ (دام بقاه) استظهر الوجه الأول من الاحتمالين وأورد عليه بما ذكر ، والأظهر عندي هو الوجه الثاني ، ولذا عبّر باختلاف خصوصيات المقام لا اختلاف الأشخاص.

(٢) فرائد الأصول ١ : ٢٢٧.

٣٩٦

قوله : إن كان منوطا بكون المقروّ قرانا واقعيا قرأه النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فلا إشكال (١).

(١) ولو كان منوطا بكون المقروّ متواتر القرآنية واقعا فكذلك لا إشكال في صحة الاعتماد عليه لفرض حجية قول العادل الذي أخبر بأنه متواتر واقعا ، والأظهر إناطة وجوب القراءة بكون المقروّ قرانا واقعيا فيترتب الحكم ولو ثبت الحكم بخبر الواحد ، ومن أناط الحكم بالقرآن الثابت بالتواتر ادّعى ثبوت الحكم بالقرآن المعلوم ، وقيد التواتر لتحصيل صفة العلم ، ولازمه إناطة الحكم بالمتواتر عند القارئ.

ومما ذكر يظهر قوّة ما اختاره صاحب المدارك (رحمه‌الله) (٢) والمقدّس الأردبيلي (رحمه‌الله) (٣) فتدبّر.

قوله : وكذا لا إشكال في الاعتماد من دون الشرط إن كان الحكم منوطا بالقرآن المتواتر في الجملة (٤).

(٢) فيه نظر ، لما مرّ في توجيه دلالة آية النبأ على حجية الإجماع المنقول من أنّ لوازم المخبر به ولوازم الاخبار ليست بمخبر به ، والناقل للتواتر ينقل التواتر الواقعي لا التواتر عنده ، غاية الأمر أنّ ظاهر حال الناقل أنّه معتقد لما نقله ، وهذا المعنى غير مخبر به فلا يشمله دليل حجية نبأ العادل.

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٢٢٨.

(٢) المدارك ٣ : ٣٣٨.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٢١٧ ـ ٢١٨.

(٤) فرائد الأصول ١ : ٢٢٨.

٣٩٧

حجية الشهرة

قوله : ومن جملة الظنون التي توهّم حجيتها بالخصوص الشهرة (١).

(١) لا يخفى أنّه لا إشكال في حجية الشهرة لو استكشفنا منها وجود دليل معتبر استند إليه المشهور ، بل هذا يرجع إلى الإجماع بطريق المتأخرين المستندين إلى الحدس ، وكذا لو استكشفنا وجود دليل غير معتبر عندنا قد استندوا إليه فإنّ استنادهم إليه جابر له على القول به ، وكذا لو كان هناك خبر ضعيف مروي وقد علمنا استنادهم إليه فإنّه جابر له أيضا ، وكذا لو قيل بأنّ الشهرة الفتوائية من المرجّحات في الأخبار المتعارضة ، والغرض أنّ المذكورات ليست محلا للنزاع الذي نحن بصدده في هذا المقام ، بل النزاع هنا في أنّ الشهرة المجردة هل هي حجة بالخصوص كظاهر الكتاب وخبر الواحد أم لا؟

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٢٣١.

٣٩٨

قوله : وإلّا فالقول بحجيتها من حيث إفادة المظنّة (١).

(١) ولعله إلى ذلك ينظر ما حكاه في المعالم (٢) في وجه حجية المشهور من أنّ عدالتهم تمنع من اقتحامهم على ما لا يفيد العلم ، ولقوّة الظن في جانب الشهرة ، ويحتمل أنّهم أرادوا بالوجه الأول الاستناد إلى اعتبار قول العادل وأنّ فتواه كاشفة عن وجود دليل استند إليه فيؤخذ به من باب اعتبار قول العادل تعبّدا ، فتكون حجية الشهرة من باب الظنّ الخاصّ.

وكيف كان فالوجهان ضعيفان في الغاية ، وسيظهر وجه الضعف في بيان وجه الجواب عن الدليلين المذكورين في المتن.

قوله : من أنّ أدلة حجية خبر الواحد تدلّ على حجيتها بمفهوم الموافقة (٣).

(٢) وقد يستدلّ بأدلة حجية خبر الواحد بوجه آخر وهو أنّه يستفاد من عموم تعليل آية النبأ أنّ مناط حجية قول العادل عدم كون العمل بقوله إصابة بجهالة كالعمل بقول الفاسق.

وبعبارة أخرى : أنّ العمل بقول العادل أخذ بالطريق العقلائي الذي لا يلام سالكه ، فكلّ طريق كان بهذه المثابة عند العقل والعقلاء ولا يعدّ سالكه مصيبا بجهالة حجة يجوز الأخذ به.

وفيه : أوّلا : أنّ لازم هذا البيان حجية كل ظنّ كان بهذه المثابة بمدلول آية النبأ ولا نقول به فتأمل.

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٢٣١.

(٢) معالم الأصول : ١٧٦.

(٣) فرائد الأصول ١ : ٢٣١.

٣٩٩

وثانيا : منع كون ذيل الآية تعليلا حقيقيا يدور الحكم مداره ، بل الغرض تقريب المدّعى إلى الأذهان وهو حكمة الحكم لا العلة ، فتأمل.

وثالثا : منع إفادة الشهرة ما يكون سببا للاعتماد من الظن أو غيره حتى يكون مساويا لخبر العادل في مناط الحجية ، مثلا لو أفتى المشهور بفتوى استند كل منهم إلى سند فاسد عندنا لا يفيد فتاواهم لنا شيئا يوجب الركون إليها بوجه ، وأغلب الشهرات التي نتكلّم عليها من هذا القبيل كما يظهر بالتتبع في مواردها ولا تفيد ظنّا ولو نوعيا بالحكم ، وهذا بخلاف خبر العادل فإنّه يفيد الظنّ النوعي ويحسن الركون إليه عند العقل والعقلاء وهو الفارق بين خبر العادل والشهرة.

وبهذا الوجه يجاب عن هذا الاستدلال بالتقريب المذكور في المتن.

مضافا إلى ما ذكر في المتن وحاصله : بعد تسليم أنّ مناط حجية خبر العادل هو الظن ، أنّا نمنع حصول الظنّ في جانب الشهرة التي عرفت حالها ، بخلاف الخبر فإنّه مفيد للظنّ النوعي لو لم يفيد الظنّ الشخصي.

قوله : ووجه الضعف أنّ الأولوية الظنّية أوهن بمراتب من الشهرة (١).

(١) الأولوية الظنية ترجع إلى القياس المستنبط العلة الذي تواتر أخبار أهل البيت (عليهم‌السلام) بعدم جواز الاستناد إليه ، وإلّا فهو مفيد للظن الغالب وأقوى من الظن الحاصل من الشهرة ، بل قد عرفت عدم حصول الظن في جانب الشهرة.

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٢٣٢.

٤٠٠