حاشية فرائد الأصول - ج ١

آية الله الشيخ محمّد إبراهيم اليزدي النجفي

حاشية فرائد الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد إبراهيم اليزدي النجفي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ١
ISBN: 964-497-015-2
الصفحات: ٦٩٤

قوله : وإن جعلنا كلا منهما عنوانا مستقلا دخل في المخالفة للخطاب المعلوم بالإجمال (١).

(١) وحيث قد عرفت أنّ المختار في المعلوم بالإجمال جواز المخالفة القطعية لمكان أخبار البراءة فالمختار هنا أيضا جواز الدخول ، وليس ذلك إلّا كارتكاب أطراف الشبهة المحصورة دفعة وقد جوّزناه ، فلا إشكال هنا.

قوله : وكذا من جهة دخول المحمول واستيجاره الحامل (٢).

(٢) هذا بناء على ما مرّ من أنّ استيجار الجنب للحمل إدخال له بالتسبيب ، فيدور الأمر بين الدخول المحرم أو الإدخال المحرم ، فيكون من قبيل الاحتمال الثالث في الفرض السابق أي دخول الحامل.

وأما الاحتمال الأول ، فلا مسرح له هنا ولو قلنا به في الفرض السابق ، لأنّ دخول المحمول فعل محسوس له قائم به ، وأما إدخاله للحامل ليس فعلا محسوسا له وإنّما يستند إليه لأنّه متولّد عن استيجاره له سابقا ومترتّب عليه ، فلا وجه لدعوى اتّحادهما في مصداق واحد ، إذ الدخول ليس من سنخ الإدخال هنا ضرورة كون الدخول فعلا أصليا والإدخال فعلا توليديا والدخول عنوان أوّلي للحركة الخاصة والإدخال عنوان ثانوي للاستيجار ، فمغايرة الفعلين هنا في غاية الوضوح.

وأما الاحتمال الثاني ، وهو إرجاع الخطابين إلى خطاب واحد متعلّق بالقدر المشترك بين الدخول والإدخال فهو مجرّد احتمال خال عن الشاهد كما كان كذلك في الفرض السابق أيضا ، ولم يحتمله المصنف هنا مع أنّ مجيء

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٩٧.

(٢) فرائد الأصول ١ : ٩٧.

٢٢١

الاحتمال في الفرضين سواء.

واحترز بقوله : واستيجاره الحامل ، عما لو كان الحامل متبرّعا بالحمل فيكون الشك بالنسبة إلى المحمول شبهة بدوية ، لأنّ فعل الحامل حينئذ لا يستند إلى المحمول بوجه.

قوله : مع قطع النظر عن حرمة الدخول والإدخال عليه أو فرض عدمها (١).

(١) هذه العبارة موجودة في بعض النسخ ، ولعل وجه قطع النظر عن حكم الحامل في نفسه رفع احتمال كون فعل المحمول حراما من جهة إعانته على المحرّم ليتمحّض الكلام إلى ملاحظة مراعاة العلم الإجمالي ، ويكون مراده من فرض عدم الحرمة ما إذا كان العلم الإجمالي مختصا بالمحمول ويكون الحامل قاطعا بعدم جنابته فإنّ فرضه ممكن.

قوله : إلّا أن يقال بأنّ الاستيجار تابع لحكم الأجير (٢).

(٢) ذكر هذا الوجه هنا بضرب من التردد وفيما سيأتي بنحو الجزم في قوله : ولا إشكال في استيجارهما لكنس المسجد ، لأنّ صحة الاستيجار تابع لإباحة الدخول لهما لا للطهارة الواقعية انتهى ، مع أنّه لا وجه له بعد فرض العلم الإجمالي بجنابة أحدهما وفرض حرمة كلّ واحد من دخول الجنب وإدخاله في المسجد ، لأنّ المحرّم إدخال الجنب الواقعي في المسجد لا إدخال الجنب الذي يعلم بجنابة نفسه.

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٩٧.

(٢) فرائد الأصول ١ : ٩٨.

٢٢٢

قوله : ومنها اقتداء الغير بهما في صلاة أو صلاتين (١).

(١) أمّا اقتداء أحدهما بالآخر فقد مرّ شطر من الكلام فيه في فروع العلم التفصيلي الناشئ عن العلم الإجمالي ، ومقتضى ما اختاره هنا وهناك أيضا بضرب من التردد من كون طهارة الإمام شرطا واقعيا لصحّة صلاة المأموم عدم صحة الاقتداء ، لكنّ المشهور أنّ طهارته شرط علمي وبه نصوص كثيرة ، فما لم يعلم بجنابة الإمام فالصلاة صحيحة وإن كان الإمام جنبا في الواقع وتبين بعد ذلك ، فعلى هذا اقتداء الغير بهما في صلاتين لا بدّ أن يكون صحيحا لعدم العلم بجنابة الإمام في كل صلاة ، وأمّا الاقتداء بهما في صلاة واحدة فالظاهر البطلان لعلم المأموم بجنابة إمامه في شخص هذه الصلاة.

ويمكن توجيه ما اختاره المصنف بتقريب أنّ إحراز طهارة الإمام ولو بالأصل شرط في صحة صلاة المأموم وجواز الاقتداء ، وبعد العلم الإجمالي بجنابة أحد الإمامين لم يحصل الشرط المذكور ، لأنّ إجراء الأصل بالنسبة إليهما مخالف للعلم الإجمالي وبالنسبة إلى أحدهما متعارض ، فلا جرم يكون الاقتداء بهما أو بأحدهما محظورا.

ثم لا يبعد دعوى كون الطهارة شرطا واقعيا أيضا ، إذ غاية ما يستفاد مما ورد من عدم إعادة من صلى خلف المحدث جهلا أنّ ما فعله مجز عن الواقع لو علم بعد الفعل ، ولعلّ ذلك من جهة أنّ الأمر الظاهري مقتض للإجزاء ، فتدبّر.

قوله : والاقتداء بأحدهما في صلاة واحدة كارتكاب أحد الإناءين (٢).

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٩٨.

(٢) فرائد الأصول ١ : ٩٨.

٢٢٣

(١) هذا إذا كانا عادلين عند المأموم ، وأما إذا كان من لا يقتدى به فاسقا عند المأموم فلا إشكال في صحة صلاة المأموم لخروجه عن محل ابتلائه ، وقد تقرر في محله أنّ حكم الاحتياط في الشبهة المحصورة مختص بما إذا كان جميع أطراف العلم محلا للابتلاء ، فتفطّن.

قوله : نعم لا إشكال في استيجارهما لكنس المسجد فضلا عن استيجار أحدهما (١).

(٢) قد مرّ أنّ استيجارهما لكنس المسجد إدخال لهما في المسجد بالتسبيب ، وحينئذ لو كان متعلّق الإجارة كنسهما بهذه الحالة فقد تسبب المستأجر لدخول الجنب الواقعي في المسجد ، وقد أثبتنا أنّ الإدخال بهذا المعنى أيضا محرم فهو كارتكاب كلا الإناءين في الشبهة المحصورة ، كما أنّ استيجار أحدهما كارتكاب أحد الإناءين فيها ، هذا مضافا إلى أنّ هذه الإجارة باطلة ، إذ يشترط أن يكون العمل المقابل بالأجرة سائغا غير محرّم واقعا حتى يصح العقد عليه ، وبعد فرض العلم بجنابة أحد الأجيرين والعلم بحرمة دخوله في المسجد واقعا وإن كان معذورا لو فعل يعلم بأنّ كنس الجنب منهما عمل محرّم في الواقع فلا تصح الإجارة عليه ، ولمّا كان هذا الجنب مرددا بين الأجيرين فلا تصح الإجارة بالنسبة إلى كل منهما لعدم إحراز شرطه أي كون كنسه عملا سائغا.

نعم ، لو استأجرهما لكنس المسجد مطلقا لا في خصوص هذه الحالة يعني كونهما واجدي المني وعلمهما بجنابة واحد منهما بل مطلقا صحّت الإجارة ، لأن موردها الكنس الكلي الذي له فرد محرّم وفرد محلل وبه تصح الإجارة ، إلّا أنّهما لو فعلا العمل المستأجر عليه في الحالة المذكورة لم يستحق

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٩٨.

٢٢٤

الجنب منهما الأجرة واقعا ، لأنّ عمله كان محرما في الواقع غير متعلّق للاجارة ، إذ مورد الإجارة هو كلي الكنس المحلل لا المحرم ، فلو فرض أنه استأجرهما لصلاة والديه مثلا وصلّيا كذلك لم تبرأ ذمة المستأجر لعلمه ببطلان صلاة أحدهما في الواقع ، نعم لو استأجر أحدهما مطلقا لا في خصوص هذه الحالة لا يجري ما ذكر فيه ولو عمل في الحالة المزبورة ، لعدم العلم بحرمة فعله لا إجمالا ولا تفصيلا ويستحق الأجرة.

الكلام في الخنثى

قوله : وأما الكلام في الخنثى (١).

(١) وكذا في الممسوح وإن ورد النص بأنّه يتعين بالقرعة في خصوص الميراث إلّا أنّه في غيره من الأحكام كالخنثى ، ولا يخفى أنّ المراد من الخنثى المبحوث عنها هي الخنثى المشكل ، ضرورة أنّه لو علم بكونها ذكرا أو أنثى بالأمارات الدالة بأصالة أحد الفرجين وزيادة الآخر فلا إشكال ، وكذا لو خرجت عن الإشكال بالأمارات المنصوصة كعدّ الأضلاع ، وحيث تبول وحيث يسبق البول وحيث ينبعث لو عملنا بها حتى في غير الميراث من الأحكام ، بل وكذا لو عملنا بالأمارات الظنّية غير المنصوصة كالحيض والحمل وظهور الثدي أو إنبات اللحية والإحبال وألحقناها بواحد من الذكر والأنثى فلا إشكال أيضا وإلّا فيكون محلّ البحث.

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٩٨.

٢٢٥

ثم لا يخفى أنّ الكلام مبني على عدم كون الخنثى طبيعة ثالثة غير الذكر والأنثى ، وأما لو قلنا بأنّها طبيعة ثالثة فنقول بشمول الأحكام العامة التي لا تختص بذكر ولا أنثى لها لعموم أدلتها.

وأما الأحكام المختصة بأحدهما فإن كان دليل ذلك الحكم علّقه بأحد العنوانين فلا يشمل الخنثى والأصل براءتها منه ، وإن كان الدليل عاما لجميع الناس قد خرج منه أحد العنوانين فتبقى الخنثى تحت عموم العام ، هذا كلّه لو لم ندّع انصراف الأدلة العامة لغير الخنثى ، ولو لا ظهور الإجماع على كونها مكلّفة بالأحكام قويت دعوى الانصراف المذكور غاية القوة ويقال بعدم شمول أدلة الأحكام طرا لها ، ثم لو شك في كونها طبيعة ثالثة أو داخلة في عنوان الذكر أو الأنثى فالظاهر أنّ حكمها ما مرّ في صورة العلم من التفصيل بعينه.

فإن قلت : مرجع الشك في الصورة الثالثة وهو الشك في خروج الخنثى عن حكم العام بعد فرض عموم الدليل لجميع الناس ، وخروج عنوان الرجل أو المرأة إلى الشك في مصداق المخصص ، ولا يجوز التمسك بالعام في مثله عند المحققين.

قلت : إنّ أمر الخنثى على هذا الفرض مردد بين كونها طبيعة ثالثة أو كونها داخلة في طبيعة الذكر أو الأنثى ، وعلى تقدير عدم كونها طبيعة ثالثة أمرها دائر بين الذكر والأنثى ، ولمّا كان الشك باعتبار احتمال كونها طبيعة ثالثة شكّا في أصل التخصيص الزائد فيرجع إلى أصالة العموم وعدم المخصّص ويشملها حكم العام.

فإن قلت : إنّ أصالة عدم المخصص الآخر وإن كان رافعا للشبهة بالنسبة إلى احتمال كونها طبيعة ثالثة إلّا أنّ الشك بعد باق بالنسبة إلى احتمال عدم

٢٢٦

كونها طبيعة ثالثة ، لأنها مرددة حينئذ بين الذكر والأنثى ، فيرجع الشك بالاخرة إلى الشكّ في مصداق المخصص فلا يرجع إلى العام.

قلت : بعد ملاحظة جميع أطراف الشك وانضمام الاحتمالات الحاصلة في الفرض بعضها مع بعض يرجع الشك إلى الشبهة الحكمية لا الموضوعية ، لأنّ ميزان الشبهة الموضوعية أن يكون الشكّ من جهة الجهل ببعض حالات المشكوك وخصوصياته الخارجية ، وفيما نحن فيه جميع خصوصيات الخنثى معلوم لنا ومع ذلك نشكّ في حكمها ، فمنشأ الشك ليس إلّا الشك في أصل التخصيص ينفيه أصالة عدم التخصيص ، والسرّ في ذلك أنّ مفهوم الرجل وكذا المرأة ليس مفهوما مبيّنا بجميع حدوده لأنّه مردد بين كونه ذا فرج واحد بشرط عدم الآخر أو لا بشرطه ، والقدر المتيقّن من له فرج واحد وهو القدر المتيقن من التخصيص فيبقى الباقي تحت عموم العام ، ونظير ما نحن فيه ما إذا ورد أكرم العلماء ولا تكرم فسّاقهم وشككنا في أنّ المصرّ على الصغيرة فاسق أو عادل أو واسطة بينهما لا هذا ولا ذاك ، ولا إشكال هنا في التمسك بعموم العام ، إذ الشك في زيادة التخصيص والأصل عدمها ، ويجري السرّ المذكور فيه أيضا لأنّ مرجع الشك إلى الشك في مفهوم المخصّص وإلّا فالمصداق مبيّن الحال أنه مرتكب الصغائر (١).

__________________

(١) أقول : لا يخفى أنّ لازم هذا البيان أن تكون الشبهة حكمية في الخنثى حتى مع العلم بعدم كونها طبيعة ثالثة في الصورة المفروضة للجهل بمفهوم المخصّص كما ذكر والمرجع أصالة العموم ، وقد أوردت ذلك على السيد الأستاذ (دام بقاه) والتزم به من غير إنكار ، لكن يمكن أن يقال لو فرض عدم كونها طبيعة ثالثة فالشبهة موضوعية قطعا ، لأنّ مرجع العام المخصص بإحدى الطائفتين إلى تعليق الحكم على عنوان الذكر والانثى أحدهما مستثنى والآخر مستثنى منه وأمر الخنثى مردّد بين اندراجه في عنوان الذكر أو في عنوان الأنثى ولا ينفعه أصالة عدم التخصيص.

٢٢٧

بقي الكلام في تحقيق أنّ الخنثى طبيعة ثالثة أم داخلة في الذكر أو الأنثى ، الأقوى الأوّل لقضاء العرف بذلك وصحّة سلب كلّ من مفهومي الذكر والأنثى عنها ، وهو المحكّم في تشخيص الموضوعات التي قد علّق الأحكام عليها في لسان الأدلّة ، وما استدلّ به للأوّل من الحصر المستفاد من قوله تعالى : (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ)(١) وغيره ممّا ذكره السيد المراغي في كتاب العناوين (٢) وغيره في غيره ، مدفوع بأنها محمولة على الغالب ، وكذا الاستدلال بما ورد في تشخيص الخنثى بعدّ الأضلاع ومن حيث يبول ومن حيث يسبق البول ومن حيث ينبعث في حكم الميراث يحمل على الإلحاق الحكمي ، ولعل المتأمّل المتتبع يجد ما ذكرنا بعد سبر سائر أدلتهم ، قد طوينا عن ذكرها والجواب عنها مخافة التطويل وأنّ محلّ المسألة في المباحث الفقهية لا الأصولية.

قوله : وحكم الكل يرجع إلى ما ذكرنا في الاشتباه المتعلّق بالمكلّف به (٣).

(١) وقد أضاف (قدس‌سره) في بعض النسخ قوله في اشتباه متعلق التكليف أو الاشتباه المتعلق بالمكلف به ، وهذا أوضح.

وتوضيح مراده : أنّه لا بد أن ينظر في خصوصيات موارد الأحكام المشكوكة ، فإن رجع إلى الشك في أصل التكليف يحكم بالبراءة ، وإن رجع إلى الشك في المكلف به يحكم بالاحتياط إن كان جميع الأطراف محلا للابتلاء وإلّا

__________________

(١) الشورى ٤٢ : ٤٩.

(٢) العناوين ١ : ٣٨.

(٣) فرائد الأصول ١ : ٩٩.

٢٢٨

فالبراءة أيضا ، وهكذا يكون في مسألة واجدي المني السابق حكمها.

قوله : أما معاملتها مع الغير (١).

(١) الوجوه المحتملة هنا أربعة بناء على أنّها ليست طبيعة ثالثة :

الأول : إجراء أصالة البراءة عن جميع التكاليف المختصّة بإحدى الطائفتين بل التكاليف العامة أيضا ، بدعوى انصراف أدلة التكاليف إلى غير الخنثى ، وليست الدعوى بعيدة كل البعد ، لكن حكي ظهور الإجماع على خلافه ، وفيه تأمل.

الثاني : الحكم بالاحتياط التام بمعنى وجوب العلم بالموافقة القطعية بالنسبة إلى التكاليف المتعلّقة بكل واحد من الذكر والأنثى ، بدعوى أنّ الخنثى تعلم إجمالا في كل زمان بأنّها إمّا مكلّفة بتكاليف الرجال وإمّا مكلفة بتكاليف المرأة مع كون الخطاب منجّزا في ذلك الزمان ولو لم يكن رابطة بين أطراف المعلوم بالإجمال ، مثل أنها تعلم كونها مكلّفة إما بالجهاد والجمعة والجهر بالقراءة في الصلاة وإما بوجوب الغضّ عن الرجال ووجوب ستر جميع ما عدا الوجه والكفين عنهم وحرمة حلق الرأس ، ولا يخفى أنّ مثل هذا العلم الإجمالي حاصل لها دائما ، ومقتضاه الاحتياط المذكور بناء على عدم الفرق في حرمة المخالفة القطعية بل وجوب الموافقة القطعية بين كونها مخالفة لخطاب تفصيلي أو خطاب إجمالي مردّد كما اختاره المصنف واخترناه سابقا أيضا بحسب القاعدة لو لا أخبار البراءة.

الثالث : الحكم بالقرعة لأنّها موضوع مشتبه والقرعة لكل أمر مشتبه ،

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٩٩.

٢٢٩

فيقرع في أول زمان تكليفها قرعة واحدة بأنّها ذكر أو أنثى ، ويعمل بمقتضى ما يخرج من القرعة دائما في تمام عمره ، لا القرعة بالنسبة إلى كل حكم حكم حتى يفضي إلى المخالفة القطعية ، لكنّ العمل بأخبار القرعة يحتاج إلى جابر من عمل الأصحاب في كل مورد مورد من موارده على ما تقرّر في محلّه ، وقد أعرض الأصحاب عن الفتوى بها فيما نحن فيه ولو لا ذلك لكان وجها وجيها.

الرابع : ملاحظة كل مورد مورد من موارد الشك ، فإن رجع إلى الشك في التكليف يحكم بالبراءة ، وإن رجع إلى الشك في المكلّف به مع العلم بالتكليف يحكم بالاحتياط ، ولا يضمّ بعض التكاليف غير المرتبطة بغيره إلى بعض كما في الوجه الثاني ليحصل العلم الإجمالي دائما ويرجع إلى الشك في المكلّف به كلية ، وعليه يتفرّع جميع الفروع المذكورة في المتن ما سوى ما سيأتي في حكم ستارة الخنثى في الصلاة من أنّها تجتنب الحرير وتستر جميع بدنها فإنّه موافق للوجه الثاني كما لا يخفى.

قوله : وقد يتوهّم أنّ ذلك من باب الخطاب الإجمالي (١).

(١) وجه الاختلاف بين مختار المصنف وهذا المتوهّم أنّ المتوهّم جعل غضّ الرجل عن الأنثى طبيعة وغضّ الأنثى عن الرجل طبيعة أخرى إحداهما تكليف الرجل والاخرى تكليف المرأة ، فيكون حكم الخنثى على هذا من باب الخطاب الإجمالي كالعلم بحرمة هذا المائع أو حرمة هذه المرأة وتجري فيها الوجوه الأربعة الماضية ، والمصنف جعل مطلق الغضّ طبيعة واحدة قد كلّف بها عامة المكلّفين ، إلّا أنّ متعلق الغضّ هو المرأة بالنسبة إلى الرجل والرجل بالنسبة إلى المرأة ، فيكون الخنثى مكلّفا بالغض وذلك معلوم بالتفصيل ومتعلّقه معلوم

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٩٩.

٢٣٠

بالإجمال كما في قوله : اجتنب عن النجس المردد بين الإناءين.

والأظهر في النظر أنّ الحق مع المتوهّم فلا توهّم ، لأنّ انضمام كل قيد إلى الكلي يجعله نوعا مغايرا لما قيّد بقيد مغاير للأول ، فالغض عن المرأة نوع كلف به الرجال في قوله تعالى : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا)(١) والغض عن الرجال نوع آخر كلّفت به النساء في قوله تعالى : (وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ) إلى آخره (٢) كما أنّ الغض عن الأجنبية نوع والغض عن عورة الأخ المؤمن نوع آخر ، ولا يمكن أن يقال : إنّ الواجب مطلق الغض الجامع بينهما ، ولا يخفى أن تسمية المصنف العلم بحرمة نظر الخنثى إلى إحدى الطائفتين علما إجماليا تارة وعلما تفصيليا أخرى لا تخلو من حزازة ، فافهم.

قوله : مع أنّه يمكن إرجاع الخطابين إلى خطاب واحد وهو تحريم نظر كل إنسان إلى كلّ بالغ لا يماثله (٣).

(١) قد يورد عليه بأنّ عنوان المكلّف به الذي أخذ في لسان الدليل هو الذي يدور الحكم مداره لا ما ينتزع منه ويمكن إرجاع الخطاب إليه.

ويمكن أن يجاب بأنّ مراده انفهام ذلك العنوان العام من نفس الخطابين بعد ملاحظتهما جميعا بالدلالة اللفظية ويكون كل خطاب منهما ناظرا إلى بعض مدلول ذلك العنوان العام ولا إشكال حينئذ ، لكن الخطب في الانفهام المذكور على الوجه المزبور وعهدته على مدّعيه.

__________________

(١) النور ٢٤ : ٣٠.

(٢) النور ٢٤ : ٣١.

(٣) فرائد الأصول ١ : ٩٩.

٢٣١

قوله : أو يقال : إنّ رجوع الخطابين إلى خطاب واحد في حرمة المخالفة القطعية (١).

(١) ونحن لم نجد بعد لهذا التفكيك وجها صحيحا ولا سقيما ، والقائل أعرف بمقالته ، ولعل قوله فافهم إشارة إلى ذلك ، فافهم.

قوله : وهكذا حكم لباس الخنثى (٢).

(٢) ما قوّاه هنا قد استشكل فيه في كتاب المكاسب (٣) بعد نقله عن جماعة بأنّ حرمة لبس كلّ من الرجل والمرأة ما يختص بالآخر ليس إلّا من باب صدق عنوان تشبّه الرجال بالنساء وبالعكس الذي دلّ الدليل على تحريمه ، ونمنع صدق التشبه إلّا مع علم المتشبّه بأنه مخالف للمشبّه به في الذكورة والأنوثة ، وذلك نظير عنوان الإثم والمعصية لا يصدق إلّا مع العلم.

قوله : أمّا حكم ستارته في الصلاة فيجتنب الحرير ويستر جميع بدنه (٤).

(٣) قد يقال : إنّ مقتضى القاعدة جواز لبس الحرير لها وعدم وجوب ستر جميع البدن لأن حكم حرمة لبس الحرير مختصّ بالرجال والخنثى شاكّ في تعلق هذا التكليف بها والأصل البراءة ، وكذا ستر جميع البدن في الصلاة حكم مختصّ بالنساء والخنثى شاك في تعلّقه بها فالأصل فيه أيضا البراءة. وبالجملة يرجع الشك في كلّ منهما إلى الشكّ في التكليف لا في المكلّف به.

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٩٩.

(٢) فرائد الأصول ١ : ١٠٠.

(٣) المكاسب ٢ : ١٧٥ ـ ١٧٦.

(٤) فرائد الأصول ١ : ١٠٠.

٢٣٢

فإن قلت : بعد فرض أنّ الخنثى ليست بطبيعة ثالثة كما هو المفروض وأنّها إما ذكر أو أنثى نعلم إجمالا إما بحرمة لبس الحرير أو بوجوب ستر جميع البدن في الصلاة وحكمها حينئذ الاحتياط بترك الأول وفعل الثاني على ما اختاره المصنف واخترناه من حرمة مخالفة العلم الإجمالي مطلقا سواء كان مخالفة لخطاب تفصيلي أو كان مخالفة لأحد الخطابين كما مرّ مشروحا.

قلت : لو بنينا على مراعاة مثل هذا العلم الإجمالي بأحد الخطابين غير المرتبط أحدهما بالآخر لزم أن يكون الخنثى مكلّفا بالاحتياط التام في جميع المسائل كما هو أحد الوجوه الذي ذكرنا احتمالها في صدر المسألة ، وقد عرفت أنّ فروع المتن ليست مبنية عليه بل بملاحظة كل مسألة مسألة بالخصوص.

والتحقيق في الجواب أنّه يلاحظ في هذا الفرع حكم خصوص لبس الحرير في الصلاة وستر البدن في الصلاة ، وكلاهما من كيفيات الستر الواجب في الصلاة قطعا ، وليسا حكمين مختلفي المورد كدوران الأمر بين وجوب الجهر بالبسملة أو حرمة النبيذ (١).

قوله : وأما حكم الجهر والإخفات ـ إلى قوله ـ جهر الخنثى بها (٢).

(١) لو قيل بكون الإخفات في العشاءين والصبح رخصة للمرأة فاللازم هو

__________________

(١) أقول : وفيه نظر بيّن ، لأنّ حرمة لبس الحرير حكم ثابت للرجل في الصلاة وغيرها ولا حكم للمرأة في هذا الموضوع ، وكذا وجوب ستر جميع البدن في الصلاة حكم ثابت للمرأة ولا حكم للرجل هنا ، ولا جامع بين التكليفين مردّدا بين مختلفين أحدهما حكم المرأة والآخر حكم الرجل حتى يلزم من مخالفتهما مخالفة الخطاب التفصيلي ، لكن لو لوحظ أحد التكليفين منضما إلى الآخر يحصل العلم الإجمالي ، وهذا مراد المتوهّم وهو الصواب.

(٢) فرائد الأصول ١ : ١٠٠.

٢٣٣

الحكم بتخيير الخنثى بين الجهر والإخفات لا وجوب الجهر كما هو ظاهر المتن ، لأنّ المرأة حينئذ ليست

مكلّفة بجهر ولا إخفات والخنثى شاكّ في أصل التكليف بالجهر الذي للرجل والأصل براءتها منه فيجوز لها الجهر والإخفات.

قوله : وإن قلنا إنه عزيمة لها فالتخيير إن قام الإجماع على عدم وجوب تكرار الصلاة في حقها (١).

(١) قيام الإجماع على عدم وجوب التكرر في مسألتنا بعيد في الغاية بل لم نجد فيها فتوى واحد فضلا عن الإجماع ، فإذن الأقوى وجوب التكرار لكن وجوب التكرار مبنيّ على عدم جواز القران مطلقا في الصلاة ، وأما لو جوّزنا القران بين السورتين في الصلاة مطلقا أو خصصنا مورد عدم الجواز بغير صورة تكرار السورة الواحدة فيتم الاحتياط بالجهر والإخفات في صلاة واحدة بتكرار القراءة مرتين ولا يحتاج إلى تكرار الصلاة.

هذا كلّه على تقدير القول بوجوب السورة وإلّا يحصل الاحتياط بتكرار الحمد وترك السورة لمكان شبهة القران ، إلّا أنّ يقال بتعميم موضوع القرآن للفاتحة أيضا فتكراره قران ممنوع منه ، لكنّ هذا الاحتمال ضعيف في محلّه فلا إشكال.

قوله : وقد يقال بالتخيير مطلقا (٢).

(٢) القائل هو صاحب الفصول (رحمه‌الله) (٣) في مقام الرد على المحقّق القمّي (رحمه‌الله) حيث اعترض على الشهيد بأنّه قال في لباس الخنثى بوجوب

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ١٠٠.

(٢) فرائد الأصول ١ : ١٠٠.

(٣) الفصول الغروية : ٣٦٣.

٢٣٤

الاحتياط ، وفي الجهر والإخفات بالتخيير ، وهذا كالجمع بين المتنافيين ، أجاب صاحب الفصول (رحمه‌الله) بأنّ حكمه بالتخيير في مسألة الجهر والإخفات من جهة ما ورد أنّ الجاهل بالجهر والإخفات معذور فيه.

قوله : أنّ الظاهر من الجهل في الأخبار غير هذا الجهل (١).

(١) لعلّ مراده أنّ الظاهر من الجهل في الأخبار هو الجهل بالحكم الكلي الذي يمكن فيه الرجوع إلى العلم أو العالم لا مثل هذا الجهل الذي منشؤه الجهل بعنوان المكلّف مع العلم بحكم العنوان الكلّي.

ثم اعلم أنّ الفروع المذكورة في المتن إنّما هي بالنسبة إلى الحكم التكليفي ، أما الحكم الوضعي المتعلّق بالخنثى فنذكر له أيضا فروعا :

منها : أنّه لو اشترى الخنثى أخته أو عمّته أو خالته مثلا فهل يحكم بانعتاقها بحكم تغليب جانب الحرية لاحتمال ذكوريته ، والرجل لا يملك نساءه المحارم ، أم لا لاحتمال أنوثيتها ، والأنثى لا ينعتق عليها غير عموديها؟

فالتحقيق أن يقال : إن قلنا بأنّ من يشتري من ينعتق عليه يملكه انا ما ثم يعتق فاللازم هنا القول بعدم الانعتاق للشك فيه ومقتضى الاستصحاب بقاء الملكية الثابتة بالشراء ، وإن قلنا بعدم ملك المشتري لمن ينعتق عليه وإنما يؤثر شراؤه الانعتاق فلا ريب حينئذ أنّ المبيع قد خرج عن ملك البائع وملك الثمن ، والشك في أنّ الخنثى تملك الجارية بالشراء أو تنعتق عليها ، فالظاهر أنّه لا أصل هناك يتعين به أحد الأمرين ، لأنّ أصالة عدم حصول الملك معارض بأصالة عدم حصول الحرية فيتساقطان ويرجع إلى الأصول الجارية في كلّ مسألة

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ١٠٠.

٢٣٥

مسألة ، فلا يجوز للخنثى استخدام الأمة وغيره مما يترتب على الملك كما لا يجوز ترتيب الأحكام المترتبة على عنوان الحرّ ، ومن هنا يعلم حكم ما لو كانت الخنثى مملوكا واشتراها أخوها أو عمّها مثلا فإنّه يبنى أيضا على الوجهين اللذين ذكرنا في عكسه.

وأما حكاية تغليب جانب الحرية فمما لم يثبت كونها قاعدة كلية بنص أو إجماع ، فإن ثبت فلا ريب أنّها مقدمة على الأصول.

ومنها : الدية دية النفس أو الأطراف فيما تكون مختلفا بالنسبة إلى الذكر والأنثى ، فالظاهر الأخذ بالقدر المتيقن وهو دية الأنثى والزائد منفيّ بالأصل.

ومنها : حكم الربا المستثنى بين الوالد والولد من عموم التحريم بناء على أنّ المراد من الولد خصوص الذكر لا الأعم منه ومن الأنثى ، فلو كان الولد خنثى يشك في حليّته وحرمته فقد يقال بالأخذ بعموم التحريم للشك في خروج الخنثى عن العموم ، وقد يجاب بأنّ هذا الشك شك في مصداق المخصص وفيه لا يجوز التمسك بالعام ، إلّا أنّ التحقيق عندنا جواز التمسك بالعمومات في الشبهات المصداقية ، ولعلنا نتعرّض لبيانه عند تعرّض المصنف له فانتظر.

قوله : وفيه أنّ عموم وجوب الغضّ على المؤمنات ، إلى آخره (١).

(١) قد يناقش في عموم وجوب الغضّ من وجهين :

أحدهما : من جهة أنّ متعلق الغض غير مذكور في الآيتين فيؤخذ بالقدر المتيقن فيهما ويحكم بالإجمال في الباقي.

والثاني : أنّ العام في كل من الآيتين مخصص بمن يماثل الناظر ، ويرجع

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ١٠١.

٢٣٦

شك الخنثى إلى الشك في مصداق المخصص فلا يجوز التمسك بعموم العام.

ويمكن أن يجاب عن الأول بأنّ حذف المتعلّق مما يفيد العموم بمقدمات الحكمة بعد فرض كون المقام مقام البيان لا مقام الإهمال والإجمال.

وعن الثاني تارة بأن الحقّ كما أشرنا إليه آنفا جواز التمسك بالعمومات في الشبهات المصداقية ، وأخرى بأنّ الشك فيما نحن فيه يرجع إلى الشبهة في مفهوم لفظ الذكر والأنثى كما مرّ بيانه سابقا ، وإلّا فالمصداق معلوم الحال بكل وجه بالفرض ، فإن كان الذكر اسما لمن كان له آلة الرجولية بدون آلة الأنوثية فلا يشمل الخنثى وإن كان أعمّ أمكن شمولاه لها ، وكذا الانثى.

قوله : إلّا عن نسائهن أو الرجال المذكورين (١).

(١) الظاهر أنّ المصنف استفاد عموم الغضّ الذي ذكره من الاستثناء المذكور في الآية بالنسبة إلى المذكورين فيها.

وفيه : مضافا إلى أنّ ذلك أيضا لا ينتج المدّعى لأنّه قد خصص بالنساء واقعا ويحتمل أن يكون الخنثى من مصاديقها ، ولا يجوز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية على مذاقه ، أنّه قد أخطأ في إرجاع الاستثناء إلى عموم وجوب الغض ، لأنّ الاستثناء في الآية منفصل عنه بجمل متعددة وأصل الآية واقعة في سورة النور هكذا (وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَ) إلى آخره (٢) ومن الواضح أنّ الاستثناء راجع إلى قوله ولا يبدين زينتهنّ ، ولا ربط له بصدر الآية.

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ١٠١.

(٢) النور ٢٤ : ٣١.

٢٣٧

وبالجملة قوله : وفيه أنّ عموم وجوب الغض على المؤمنات إلّا عن نسائهن أو الرجال المذكورين في الآية ، خطأ وإن قيل إنه لم يستفد عموم وجوب الغض من الاستثناء.

والحاصل أنّ الحكم بوجوب الغضّ عن الخنثى على كل من الرجال والنساء تمسكا بذيل الآية لا وجه له ، إما من جهة عدم انفهام العموم أو من جهة كون الشبهة مصداقية.

نعم ، يمكن الاستدلال بالآية على عكس المسألة وهو حرمة نظر الخنثى إلى النساء بتقريب ادّعاء الملازمة بين حرمة إبداء الزينة للنساء إلّا لبعولتهنّ وبين حرمة نظر غير المستثنيات إلى النساء ، وتدخل الخنثى في هذا العموم ، لكن هذا الاستدلال مستغنى عنه بعد ما مرّ من القاعدة في القسم الأول من التكلّم في أحكام الخنثى.

قوله : فتأمّل جدا (١).

(١) قد ألحق الأمر بالتأمل في بعض النسخ المتأخّرة وكتب وجهه في هامش الكتاب هكذا : أنّ الشك في مصداق المخصص فلا يجوز التمسك بالعموم ، ويمكن أن يقال : إنّ ما نحن فيه من قبيل ما تعلّق غرض الشارع بعدم وقوع الفعل في الخارج ولو بين شخصين ، فترخيص كل منهما للمخالطة مع الخنثى مخالف لغرضه المقصود من عدم مخالطة الأجنبي مع الأجنبية ، ولا يرد النقض بترخيص الشارع ذلك في الشبهة الابتدائية ، فما نحن فيه من قبيل ترخيص الشارع لرجلين تزوّج كل منهما باحدى المرأتين اللتين يعلم إجمالا أنّهما اختان لأحد الرجلين فافهم منه ، انتهى.

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ١٠١.

٢٣٨

قوله : وأما التناكح فيحرم بينه وبين غيره قطعا (١).

(١) يمكن الاستدلال له بوجهين :

أحدهما : ما أشار إليه المصنف في رسالة أصل البراءة وهو أنّ الأصل عدم تأثير العقد الواقع بين الخنثى وكل من الرجل والمرأة في حلية الاستمتاع وسائر أحكام الزوجية ، وهذا الأصل وارد على أصالة البراءة عن حرمة التناكح ، فلا يقاس ما نحن فيه بمسألة حرمة نظر كل من الرجل والمرأة إلى الخنثى فإنّه لا مانع هناك من إجراء أصالة البراءة ، وذلك نظير أصالة عدم التذكية فيما يشك أنّه قابل لها أم لا ، بمعنى أصالة عدم تأثير التذكية في حليّة لحم ذلك الحيوان وغيرها من الأحكام الثابتة للمذكى.

الثاني : أنا نعلم بالنص والإجماع أنّه يشترط في جواز التناكح كون الزوج رجلا وكون الزوجة امرأة ، فلا بد في الحكم بصحة النكاح من إحراز هذا الشرط فما لم يعلم بوجود الشرط فالأصل عدم صحة التناكح ، ومن هنا يعلم أنّ ما استدل به المصنف من أصالة عدم الذكورية لو تزوجت الخنثى بامرأة وأصالة عدم الأنوثية لو زوجت برجل غير محتاج إليها ، لأنّ عدم العلم بالذكورية والأنوثية يكفي في عدم الجواز لوجوب إحراز شرط الجواز ، ولا يحتاج إلى العلم بعدم الذكورية والأنوثية في الحكم بعدم جواز التناكح كما يشعر به كلام المصنف.

قوله : لأصالة عدم ذكوريته (٢).

(٢) قد ألحق المصنف في بعض النسخ المتأخّرة بعد قوله : لأصالة عدم

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ١٠١.

(٢) فرائد الأصول ١ : ١٠١.

٢٣٩

ذكوريته قوله بمعنى عدم (١) ترتب الأثر المذكور من جهة النكاح ووجوب حفظ الفرج إلّا عن الزوجة وملك اليمين انتهى ، الظاهر أنّه أشار بالعبارة الملحوقة إلى ما هو التحقيق عنده من أنّه لا معنى لإجراء الأصل في الموضوعات إلّا ترتيب آثارها الشرعية ، لا ما توهّم من أنه يريد إجراء الأصول في نفس الآثار الشرعية ، فتدبّر.

قوله : لكن ذكر الشيخ (قدس‌سره) مسألة فرض الوارث الخنثى المشكل (٢).

(١) يمكن فرض كون الخنثى زوجا أو زوجة في غير شريعة الإسلام لو ترافعوا إلينا وقلنا بأنّهم يرثون بالنسب والسبب الصحيحين والفاسدين ، فحينئذ يكون الخنثى وارثا بالزوجية وموروثا بها أيضا ، ولعلّ الشيخ (قدس‌سره) ناظر إلى هذا الفرض وإلّا ففي شريعة الإسلام غير متصوّر حتى على فرض القول بالبراءة الأصلية بالنسبة إلى جميع تكاليف الخنثى ، لأنّ أصالة عدم تأثير العقد في حلّية استمتاعات الخنثى وارد عليها ، فافهم.

هذا آخر ما علّقناه على رسالة القطع ويتلوه ما علّقناه على رسالة الظنّ ، وقّفنا الله لإتمامه وصلى الله على محمد وآله الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين أبد الآبدين ودهر الداهرين امين يا رب العالمين.

__________________

(١) وفي بعض النسخ «عدم ترتّب أثر الذكورية».

(٢) فرائد الأصول ١ : ١٠٢.

٢٤٠