آراؤنا في أصول الفقه - ج ٣

السيّد تقي الطباطبائي القمّي

آراؤنا في أصول الفقه - ج ٣

المؤلف:

السيّد تقي الطباطبائي القمّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات المحلّاتي ( المفيد )
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٣٩

١
٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

المقصد العاشر : فى الاستصحاب

والكلام يقع فيه من جهات : الجهة الاولى : في تعريفه قال الشيخ قدس‌سره أسد التعاريف وأخصرها ابقاء ما كان والمراد بالابقاء الحكم بالبقاء الخ.

وقال في الكفاية ان عباراتهم في تعريفه ، وان كانت شتى ولكن تشير الى مفهوم واحد ومعنى فارد وهو الحكم ببقاء حكم أو موضوع ذي حكم شك في بقائه. واما من جهة بناء العقلاء الخ.

وقال سيدنا الاستاد «ان ما أفاده في الكفاية من كان التعاريف مشيرة الى معنى واحد غير سديد لاختلاف المباني في الاستصحاب. فانه كيف يصدق التعريف المذكور على القول بأن الاستصحاب من الأمارات فان الامارة ما ينكشف به الحكم الشرعي فكيف يكون مصداقا لنفس الحكم الشرعي.

وعليه نقول ان كان الاستصحاب من الامارات فلا بد من أن يعرف باليقين السابق والشك اللاحق اذ اليقين السابق والشك اللاحق يوجب الظن النوعي وانكشاف المتعلق ، فيكون الاستصحاب كبقية الامارات ويكون مثبتا للوازمه ، وان كان فيه اشكال نتعرض له وان قلنا باعتباره من باب الظن الشخصي يكون كبقية الظنون الشخصية كالظن بالقبلة.

٣

والصحيح في تعريفه أن يقال : ان الاستصحاب عبارة عن الظن بالبقاء وان قلنا انه من الاصول العملية فلا بد في تعريفه من أن يقال ان الاستصحاب عبارة عن الحكم ببقاء اليقين في ظرف الشك من حيث الجري العملى». والذي يختلج ببالي القاصر أن يقال : ان الاستصحاب المستفاد من النصوص الخاصة الواردة في المقام عبارة عن الحكم ببقاء حكم شرعي أو بقاء موضوع ذي حكم شرعي فان المستفاد من النصوص ان الشارع الأقدس حكم ببقاء حكم شرعي كان معلوما سابقا والآن صار مشكوكا فيه كوجوب صلاة الجمعة فانها كانت واجبة في زمان الحضور وصار وجوبها مشكوكا فيه بعد زمان الغيبة أو الحكم ببقاء موضوع ذي حكم شرعي كما لو كان ماء مسبوقا بالكرية وبعد مدة شك في بقاء كريته وعدم بقائها فيحكم ببقاء الكرية وتترتب عليه احكامها.

ولقائل أن يقول : لا يستفاد من قوله عليه‌السلام لا ينقض اليقين بالشك ، الحكم بالبقاء ، بل المستفاد من الجملة جعل اليقين السابق امارة على البقاء ، والدليل على هذا ان نقض اليقين بالشك لا يكون من المحرمات الشرعية مثلا لو كانت يد احد طاهرة ثم شك في بقاء طهارتها لا يحرم غسلها احتياطا وهكذا. فقوله عليه‌السلام : لا ينقض اليقين بالشك ارشاد الى بقاء اليقين.

وعلى هذا يكون الاستصحاب امارة.

ان قلت : فما الوجه في تقدم الامارات عليه؟ قلت : لا مناص عن ذلك وإلّا يلزم لغوية بقية الامارات مثلا قاعدة الفراغ أو التجاوز أو الصحة أو اليد وايضا بقية القواعد مفادها مخالف مع مفاد الاستصحاب. فاذا لم تقدم على الاستصحاب تكون لغوا.

وايضا لو دلت رواية على حكم من الأحكام يكون مقتضى

٤

الاستصحاب عدمه. وهل يمكن الالتزام به كلا.

فالحق أن يقال : الاستصحاب امارة حيث لا امارة وان شئت قلت : ان المستفاد من دليل الاستصحاب اعتبار اليقين السابق امارة مع لحاظ الشك وأما في بقية الامارات فالشك يعتبر معدوما فلاحظ.

الجهة الثانية :

في أن بحث الاستصحاب من المباحث الاصولية أو من القواعد الفقهية. أفاد سيدنا الاستاد قدس‌سره : ان قلنا ان الاستصحاب لا يجري إلّا في الشبهات الموضوعية التي لا تختص بخصوص المجتهد ، يكون بحث الاستصحاب بحثا فقهيا ، وان قلنا بجريان الاستصحاب في الاحكام الكلية كما هو المشهور يكون البحث اصوليا.

ويرد عليه اولا : انه لا اشكال في جريان الاستصحاب في الشبهة الحكمية وان قلنا بالتعارض بين استصحاب الجعل والمجعول وذلك لأن التعارض انما يتصور فيما يجري الاستصحاب في الحكم الوجودي مثلا جريان الاستصحاب في بقاء وجوب صلاة الجمعة حال الغيبة يعارضه استصحاب عدم الجعل الزائد بالنسبة الى زمان الحضور وبعد التعارض يسقط الاستصحاب عن الاعتبار.

وأما الشبهة لو كانت في بقاء عدم الجعل كاستصحاب عدم الحجية فيما يشك فيها وكاستصحاب عدم حرمة شرب التتن وأمثاله فلا اشكال في جريان الاستصحاب اذ لا موضوع للمعارضة فالاستصحاب يجري في الشبهة الحكمية في الجملة على جميع المسالك.

وثانيا : ان الحق ان بحث الاستصحاب بحث فقهي ولو على القول بجريانه في الأحكام الكلية وذلك لأن البحث الاصولي عبارة عن

٥

بحث يقع نتيجة ذلك البحث في طريق استنباط الحكم الفرعي الالهي وأما القاعدة التي تكون متعرضة لنفس الحكم الشرعي كقاعدة الطهارة والحل وأمثالهما فلا يكون البحث فيها بحثا اصوليا ولذا قد تقدم منا ان البحث في اصالة البراءة لا يكون اصوليا والاستصحاب كذلك فانه لا فرق بين الاستصحاب والبراءة فان البراءة متعرضة لعدم الوجوب والحرمة وقاعدة الحل متعرضة للحلية والاستصحاب متعرض لبقاء الوجوب أو بقاء الحرمة وهكذا.

نعم يمكن أن يقال : ان استصحاب الحجية أو عدمه يترتب عليه اثر فقهي وبعبارة اخرى : استصحاب الحجية أو عدمه كالبحث في كون الخبر الواحد حجة أم لا فكما ان البحث في اعتبار الخبر بحثا اصوليا كذلك البحث عن بقائه اصوليا.

وبعبارة اخرى : لا فرق بين البحث عن اصل الحدوث وبين البحث عن بقائه بعد حدوثه كما انه يترتب على استصحاب عدم الحجية اثر فقهي.

هذا كله لو قلنا : الاستصحاب عبارة عن حكم الشارع ببقاء الحكم أو الموضوع ، وأما لو قلنا ان المستفاد من دليل الاستصحاب كون اليقين السابق والشك اللاحق امارة على تحقق متعلق اليقين فيكون بحث الاستصحاب كبحث حجية الخبر الواحد فلاحظ.

الجهة الثالثة :

في بيان الفرق بين قاعدة المقتضي والمانع وقاعدة اليقين والاستصحاب فنقول : تارة يتعلق اليقين بما يقتضي وجود أمر كما لو تعلق اليقين بوجود النار وشك في وجود الرطوبة المانعة عن احراقها فهل القاعدة تقتضي الحكم بتحقق الاحراق بأن يقال :

٦

المفروض تحقق المقتضي له وهو وجود النار والرطوبة المانعة عنه مشكوك فيها ومحكومة بالعدم فالاحراق محقق ، وهذه القاعدة تسمي بقاعدة المقتضي والمانع.

ولا بد أن يقع البحث فيها وانه هل يكون دليل على تماميتها أم لا؟ ففي هذه القاعدة متعلق اليقين أمر ومتعلق الشك أمر آخر ، واخرى يتعلق اليقين بأمر كما لو تعلق بعدالة زيد يوم الجمعة في يوم السبت أي يكون ظرف اليقين بالعدالة يوم السبت وفي يوم الأحد يشك في عدالته على نحو الشك الساري أي يكون عدالته في يوم الجمعة متعلقة لليقين والشك كليهما غاية الأمر زمان اليقين بالعدالة مغاير مع زمان الشك فيها.

وبعبارة اخرى : يكون أمر واحد متعلقا للشك واليقين والشك يكون ساريا وتسمى هذه القاعدة بقاعدة اليقين ولا بد من البحث في أنه هل يكون دليل على تمامية هذه القاعدة ام لا؟

وثالثة يتعلق اليقين بشيء كما لو تعلق اليقين بعدالة زيد ويشك في بقائها ويسمى بالشك الطاري فلو تعلق اليقين بأن زيدا كان عادلا يوم الجمعة وشك في بقاء عدالته الى يوم السبت فلو استصحب عدالته الى يوم السبت وحكم ببقائها يسمى هذا الابقاء بالاستصحاب المشهور عند القوم.

هذا فيما لو شك في بقاء ما تعلق به اليقين وأما لو شك في ثبوت ما تعلق به قبل ذلك كما لو علم بأن لفظ الغناء مثلا موضوع في زماننا في معنى فلاني وشك في أنه هل كان كذلك فى عصر الائمة عليهم‌السلام أم لا ، يكون جره الى ذلك الزمان استصحابا قهقريا وهذا خارج عن الاستصحاب الذي محل الكلام فان الاستصحاب القهقري من الاصول اللفظية التي عليها بناء العقلاء ولو لا هذا

٧

الاصل اللفظي لانسد باب استنباط الأحكام الشرعية في كثير من الموارد.

وعلى الجملة الاستصحاب القهقري لا اشكال في اعتباره.

الجهة الرابعة :

في تقسيم الاستصحاب من جهات مختلفة وانحاء متعددة فان المستصحب قد يكون حكما شرعيا واخرى يكون أمرا خارجيا وعلى الاول قد يكون حكما كليا واخرى يكون جزئيا وايضا قد يكون وضعيّاً واخرى يكون تكليفيا ومنشأ اليقين قد يكون هو العقل وقد يكون غيره من الكتاب أو السنة أو الرواية والسماع.

وايضا يقسم من حيث منشأ الشك فانه قد يكون الشك ناشيا عن احتمال انقضاء المقتضي للبقاء ويسمى بالشك في المقتضي وقد يكون الشك في البقاء ناشيا عن احتمال وجود الرافع ويسمّى بالشك في الرافع.

وقد وقع الكلام بين القوم فلعلّ بعضهم ذهب الى القول بالحجية على الاطلاق وبعضهم الى عدمه كذلك وفصّل الفرقة الثالثة. والعمدة النظر في الادلة التي يمكن قيامها لاثبات حجية الاستصحاب واستفادة المقصود منها.

فنقول : قد استدل على اعتبار الاستصحاب بوجوه :

الوجه الاول : السيرة الجارية بين العقلاء على العمل بالمعلوم السابق ما دام لم يقم على عدمه دليل بل ربما يقال ، بأن الحيوان مجبول على العمل على طبق الحالة السابقة ولذا يرجع الطائر بعد طيرانه الى قفصه أو الى عشه وهكذا بقية أنواع الحيوانات.

٨

ويقع الكلام تارة في تحقق السيرة وعدمه واخرى في أنه على فرض تحققها تكون حجة أم لا.

فيقع الكلام في موضعين : أما الموضع الاول فنقول : الظاهر انه لا سيرة على العمل على طبق الحالة السابقة وبعبارة اخرى : مجرد كون شيء سابقا متعلقا لليقين لا يقتضي عند العقلاء العمل به الى أن يحصل اليقين بخلافه ، فان العمل على طبق الحالة السابقة على أقسام :

فانه تارة يكون ناشيا عن العلم بالبقاء ، أو الاطمينان به وهو كثير مثلا الطالب في كل يوم يروح الى المدرسة الفلانية أو الكلية الفلانية حيث يطمئن ببقاء المكان المعد للدراسة على حاله وعدم خرابه وتغيره.

واخرى يكون العمل على طبق الحالة السابقة من باب الاحتياط والاخذ بالحائطة كمن يرسل في كل شهر أو كل سنة مقدارا من المال الى ولده الساكن في البلدة الكذائية لرفع حوائجه واصلاح اموره حتى مع احتمال عدمه لموته أو انتقاله الى مكان آخر ، وثالثة يكون العمل على طبق الحالة السابقة لأجل الغفلة وعدم الالتفات الى امكان زوال تلك الحالة.

وان شئت فقل : يكون القسم المذكور عملا على طبق العادة ولا يبعد أن يكون عمل الحيوان على طبق الحالة السابقة ناشيا عن العادة.

والذي يدل على عدم السيرة : ان اعتبار الاستصحاب وقع محل الكلام بين القوم وانه معتبر أم لا واذا كانت السيرة قائمة عليه لم يكن مجال للبحث.

وايضا يدل على عدمها انه لو كانت لكنا نعمل به فانا من العقلاء

وبعبارة اخرى : السيرة ناشية عن سبب عقلائى ولا نجد في

٩

أنفسنا سببا للعمل على طبق الحالة السابقة.

وعن الميرزا النائيني قدس‌سره ان السيرة العقلائية بالهام من الله تعالى لحفظ النظام.

ويرد عليه اولا : ان المنكرين للاستصحاب لم يختل نظامهم.

وثانيا : ان الالهام المذكور ان كان موجودا فلا جرم يكون كل انسان ملهما بهذا الالهام ونحن لا نجد الالهام المذكور وعلى تقدير الالهام المذكور لم يكن مجال للقيل والقال فان الامور الارتكازية وجدانية لكل احد فالنتيجة انه لا سيرة هذا تمام الكلام في الموضع الاول.

واما الموضع الثاني : فعن صاحب الكفاية انها مردوعة بالدليل الناهي عن العمل بغير العلم.

ويرد عليه اولا : انه لو كان الدليل الدال على النهي عن العمل بغير العلم قابلا للمنع عن العمل بالسيرة فلا بد من كونه رادعا ومانعا عن العمل بالسيرة في بقية الموارد كالعمل بالظواهر مثلا والحال انه بنفسه لا يلتزم بهذا اللازم.

وثانيا : ان الشارع الأقدس لم يجعل لنفسه طريقا خاصا لفهم المرادات في المحاورات الجارية بين ابناء المحاورة والمفروض ان السيرة العقلائية جارية على العمل على طبق الحالة السابقة كما ان سيرتهم جارية على العمل بالظواهر.

وبعبارة اخرى : لا فرق بين الموردين فلا وجه للتفريق.

وثالثا : ان الشارع لو كان رادعا عن السيرة لم يكن أمرا مجهولا بل كان ظاهرا. وبعبارة اخرى : لو كان لبان.

الوجه الثاني : ان كون شيء معلوما سابقا ومشكوكا فيه لا حقا يقتضي الظن ببقائه وكلما يكون كذلك يجب العمل به.

ويرد عليه اولا وثانيا ، أما اولا ، فلعدم الاقتضاء المذكور

١٠

ومجرد كون شيء معلوما سابقا وكونه مشكوكا فيه لا حقا لا يقتضي الظن بالبقاء لا شخصا ولا نوعا.

وأما ثانيا فلا دليل على اعتبار الظن المذكور بل الدليل قائم على عدم اعتباره فان الظن لا يغني عن الحق شيئا ونفس الشك في اعتبار أمر يساوق القطع بعدم اعتباره. والسّر فيه ان الحجة ما يكون قابلا لأن يحتجّ به وما يكون مشكوك الاعتبار لا يكون قابلا للاحتجاج به مضافا الى أن مقتضى الاصل عدم اعتباره.

الوجه الثالث : الاجماع ، وفيه اولا : ان اعتبار الاستصحاب محل الكلام والاشكال فلا اجماع.

وثانيا ان القائلين باعتباره مستندون الى الوجوه المذكورة في المقام فلا يكون اجماعا تعبديا كاشفا عن رأى المعصوم عليه‌السلام.

الوجه الرابع : الأخبار والنصوص الواردة في المقام ومن تلك النصوص ما رواه زرارة قال : قلت له : الرجل ينام وهو على وضوء أتوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء؟ فقال : يا زرارة قد تنام العين ولا ينام القلب والأذن فاذا نامت العين والاذن والقلب وجب الوضوء قلت : فان حرّك الى جنبه شيء ولم يعلم به؟ قال : لا حتى يستيقن انه قد نام حتى يجيء من ذلك أمر بيّن ، وإلّا فانه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين ابدا بالشك وانما ينقضه بيقين آخر (١).

وهذه الرواية يقع الكلام فيها تارة من حيث السند ، واخرى من حيث الدلالة. أما من حيث السند فربما يقال انها مضمرة ولا دليل على كون المسئول المعصوم عليه‌السلام بل يحتمل ان السؤال غير

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من أبواب نواقض الوضوء الحديث ١.

١١

متوجه الى المعصوم ، واذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال.

وقد اجيب عن الاشكال المذكور بأجوبة : الجواب الاول : ان ذكر الرواية في كتب الحديث واثبات الحسين بن سعيد وحريز وحماد لها في اصولهم شاهد على كون الرواية مروية عن المعصوم وإلّا فلا مقتضي لاثباتها في الكتب والاصول كما هو ظاهر.

ويرد على هذا الوجه ان اثبات هؤلاء الرواية في كتبهم واصولهم يمكن أن يكون الوجه فيه انهم يرون زرارة اجل شأنا من أن ينقل الحديث عن غير المعصوم فلا يكون الاثبات في الاصول والكتب شهادة على أن الضمير يرجع الى المعصوم.

الجواب الثاني : ان الرواية وان كانت مضمرة في التهذيب إلّا انها مسندة الى الباقر عليه‌السلام في جملة من كتب الاصحاب الاجلة كالقوانين والفصول ومحكي فوائد العلامة الطباطبائي وفوائد الوحيد البهبهاني ومفاتيح الاصول والوافية والفاضل النراقي وحيث يحتمل عثورهم على الاصل الذي ذكر فيه المسئول بعنوان المعصوم يحمل شهادتهم على الحس ويكون معتبرا ولولاه لم يكن وجه لذكر خصوص الباقر عليه‌السلام فانه كيف يمكن ان هؤلاء الاعلام الاتقياء ينقلون الحديث بالنحو المذكور مع عدم اطلاعهم على الأمر وعدم عثورهم على المدرك.

الجواب الثالث : ان الاضمار انما يضر اذا كان الخبر خبرا واحد وأما اذا كان متواترا معنويا أو اجماليا فلا يضر الاضمار في اعتباره ونقل عن الضوابط والمفاتيح كون أخبار الاستصحاب متواترة.

ويرد على هذا الوجه ان التواتر لا يتحقق بهذا المقدار مضافا

١٢

الى أنا لم نفهم انه كيف لا يضر الاضمار في صورة التواتر ، فلاحظ.

الجواب الرابع : ان زرارة أجل شأنا من أن يسأل غير المعصوم مع نقل الخصوصيات والاهتمام بها.

وان شئت قلت : ان زرارة مشار اليه بالبنان وبأنه باب الاحكام وواسطة في ايصالها عن المعصوم الى الناس وانما يعتبر نقله لأنه ناقل عن مخزن الوحي ومع هذه الخصوصية يكون عدم الاشعار بأن المسئول غير المعصوم خيانة في النقل وهل يمكن ان زرارة يخون فان خيانته تسقط اعتبار نقله وتكون النتيجة عدم اعتبار الرواية ، فتحصل ان الرواية تامة سندا.

وأما من حيث الدلالة فنقول قد سئل الراوي سؤالين السؤال الاول : عن أنّ الخفقة والخفقتين هل توجب الوضوء وهذا سؤال عن الشبهة الحكمية حيث انه يمكن ان المقرر في الشريعة المقدسة كون الخفقة من النواقض وأجابه عليه‌السلام بأن الناقض نوم القلب وهذا السؤال والجواب لا يرتبطان بما نحن بصدده أي لا يرتبطان بالاستصحاب.

السؤال الثاني عن الشبهة الموضوعية فانه بعد ما علم بأن الناقض للوضوء نوم القلب بالاضافة الى نوم العين والاذن يسأله عن مورد الشك في تحقق الناقض فأجابه عليه‌السلام بعدم انتقاض الوضوء بالشك في الناقض بل يتوقف الانتقاض بحصول العلم واليقين بتحقق الناقض وهذا عبارة عن الاستصحاب الذي نحن بصدده.

وبعبارة اخرى : لا اشكال في أن السؤال الثاني للراوي عن الشبهة الموضوعية فانه يستفاد من السؤال انه بعد ما علم ان الناقض النوم الكامل الشامل للقلب قام في مقام السؤال عن الشك في تحقق النوم

١٣

الناقض فأجاب عليه‌السلام بعدم وجوب الوضوء الى زمان اليقين بتحقق النوم الناقض فلا اشكال في أن المستفاد من الحديث اعتبار الاستصحاب في الوضوء ، انما الكلام في أنه هل يستفاد من الرواية القاعدة الكلية السارية في جميع الموارد أم لا.

فنقول : يمكن الاستدلال على المدعى بتقريبين : التقريب الاول : أن يقال : ان الشرطية المذكورة في كلامه عليه‌السلام أي قوله «وإلا» جوابها محذوف وقد اقيم مقام الجواب قوله عليه‌السلام «فانه على يقين من وضوئه» والجواب المحذوف عدم وجوب الوضوء وعدم وجوب الوضوء الذي يكون جوابا للشرط يفهم من الكلام السابق واقامة العلة مقام الجواب امر متعارف في الكلام.

لاحظ قوله تعالى (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ)(١) فانه من الظاهر ان الله غني عن العالمين مطلقا وليس معلقا على كفر الناس ، فالجواب للشرط محذوف أي فلن يضر الله شيء. وقد اقيم مقام الجواب العلة وهو غناء الله تعالى عن المخلوقين ونقل الفاء الجوابية من الجواب المحذوف الى ما قام مقامه. وما نحن فيه كذلك فان الجواب محذوف أي وإلا لا يجب الوضوء وعلته اليقين بالوضوء ولا ينقض اليقين بالشك.

والاحتمالات الموجودة في الجملة الاخيرة ثلاثة.

الاحتمال الاول : أن يكون المراد باليقين ، اليقين المتعلق بالوضوء ويكون المراد بالشك ، الشك المتعلق بالنوم وعلى هذا يلزم التكرار اذ الجواب المحذوف عبارة عن عدم وجوب الوضوء على من تيقن بالوضوء وشك في النوم.

__________________

(١) آل عمران / ٩٧.

١٤

وأيضا قال عليه‌السلام «لانه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين بالوضوء بالشك في النوم». وعدم النقض عبارة عن وجوب الوضوء وهذا هو التكرار الذي يبعد صدوره عن الحكيم البليغ.

الاحتمال الثاني : أن يكون المراد من اليقين خصوص اليقين بالوضوء ويكون المراد بالشك ، الشك في مطلق الناقض ولا دليل على تعين الاحتمال المذكور.

الاحتمال الثالث : أن يكون المراد من اليقين مطلق اليقين والمراد من الشك أيضا مطلق الشك في ارتفاع ما تعلق به اليقين فيكون المستفاد من الحديث الميزان الكلي وضابط جامع بين جميع الموارد وهو اعتبار الاستصحاب في جميع المصاديق.

ولا يبعد أن يكون الأرجح الاحتمال الاخير اذ لا دليل على كون اللام للعهد الذكري ورجوع اللام الى اليقين بالوضوء ، بل الظاهر التعليل بالقاعدة الكلية وحمل اللام على الجنس على طبق القاعدة الاولية وحمله على العهد الذكري يحتاج الى قرينة.

مثلا لو قال احد رأيت انسانا في السوق يشرب الخمر ويسب الناس علانية ، فان الانسان مغرور فهل يفهم من كلامه انه في مقام بيان ان جنس الانسان مغرور أو يفهم من كلامه انه بصدد بيان غرور الانسان الذي رآه في السوق ، الظاهر انه لا شك في أنه يفهم الكلي من كلامه.

وصفوة الكلام : انا ندعي ان العرف يفهم الجنس من اللام في هذه المقامات والذي يؤيد المدعى بل يدل عليه ان التعليل الحقيقي يقتضي ان تذكر الكبرى الكلية فتكون اللام للجنس فلاحظ.

التقريب الثاني : للاستدلال على الكلية الجارية في جميع الموارد أن لا يكون جواب الشرط محذوفا بل الجواب مذكور بأن نقول :

١٥

الجواب للشرطية اما عبارة عن قوله عليه‌السلام «ولا ينقض اليقين بالشك» وقوله عليه‌السلام «فانه على يقين من وضوئه» توطئة للجواب واما يكون قوله عليه‌السلام «فانه على يقين» بنفسه جوابا للشرط.

ولا بد من أن يتكلم أولا في امكان كون أحد الامرين جوابا بحسب القواعد وثانيا : في أنه على تقدير الامكان هل تستفاد الكلية السارية في جميع الموارد أم لا؟

فنقول : أما كون الجواب قوله عليه‌السلام «ولا ينقض» فلا يمكن ، فان لفظ الواو مانع وبعبارة اخرى : الجواب للشرط يصدّر بالفاء لا بالواو. وأما قوله عليه‌السلام «فانه على يقين من وضوئه» فلا يمكن جعله جوابا للشرط لأنه اما يبقى على ظاهره من كونه جملة خبرية واما يحمل على الانشاء أما على الاول فلا يترتب على الشرط ولا يرتبط به فان اليقين بالوضوء السابق محفوظ بلا فرق بين حصول العلم بالنوم أو ناقض آخر وبين عدم الحصول.

وبعبارة واضحة : العلم بالوضوء أجنبي عن العلم بالناقض للوضوء. وأما على الثاني فقد أفاد سيدنا الاستاد قدس‌سره بأنه لا يمكن مساعدته اذ لم يعهد استعمال الجملة الاسمية في مقام الانشاء والطلب فلا يقال زيد قائم في مقام ايجاب القيام بخلاف الجملة الفعلية فانهما تستعمل كثيرا في مقام الانشاء كقوله يعيد ويتوضأ ويقضي ويصوم.

مضافا الى أنه لو فرض حمله على الانشاء لا يستفاد وجوب جري العمل على طبق الحالة السابقة بل المستفاد منه وجوب تحصيل اليقين بالوضوء. ولا معنى له لأن المفروض انه على يقين من وضوئه فلا مجال لوجوب تحصيل اليقين بالوضوء.

ويرد على ما أفاده ان استعمال الجملة الاسمية في مقام الانشاء

١٦

والطلب كثير وذكرنا جملة من موارده الموجودة في النصوص في قاعدة لا ضرر. ويكفي لا ثبات المدعى قوله تعالى (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ)(١) فلاحظ.

نعم اشكاله الثاني على الظاهر وارد اذ لا يكون المولى في مقام ايجاب تحصيل اليقين والذي يهون الامر انه لا يتوقف الاستدلال بالصحيحة على التقريب المذكور. هذا تمام الكلام في الجهة الاولى من البحث.

وأما الجهة الثانية وهي انه على فرض صحة الاستعمال هل تستفاد الكلية أم لا؟ الظاهر انه تستفاد فان قوله ولا ينقض اليقين بالشك قاعدة كلية سارية وجارية في جميع الموارد بلا فرق بين كون الشبهة حكمية أو موضوعية وبلا فرق بين كون الحكم كليا أو جزئيا تكليفيا أو وضعيا ولا يلزم استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد فان المستفاد من الحديث ان اليقين لا ترفع اليد عنه بالشك على الاطلاق أي بلا فرق بين متعلقات الشك واليقين كما أن قوله عليه‌السلام «كل شيء حلال» شامل للشبهة الحكمية والموضوعية بالاطلاق فلاحظ.

ثم انه تقع في ذيل الحديث تنبيهات : التنبيه الاول : ان الشيخ قدس‌سره أفاد بأن جريان الاستصحاب يختص بمورد يكون الشك في الرافع وأما اذا كان الشك في المقتضي فلا يجري الاستصحاب.

وقال سيدنا الاستاد : «يقع الكلام في مقامين : المقام الاول : في بيان مراد الشيخ من الشك في المقتضي. المقام الثاني فى صحة ما أفاده من التفصيل.

__________________

(١) البقرة / ١٩٧.

١٧

أما المقام الاول فنقول : في كلام الشيخ قدس‌سره احتمالات : الاحتمال الاول : أن يكون المراد من المقتضي السبب التكويني الذي يكون جزء للعلة التامة. وهذا الاحتمال منفي في كلامه اذ هو قدس‌سره قائل بجريان الاستصحاب في العدميات ولا معنى للاقتضاء في العدميات وأيضا هو قدس‌سره قائل بجريان الاستصحاب في الاحكام الشرعية ، والاحكام الشرعية لا مقتضي لها بل أمرها وضعا ورفعا بيد الشارع الاقدس.

الاحتمال الثاني : أن يكون مراده بالمقتضي الموضوع فانه ثبت اصطلاح من الفقهاء بأن يعبّروا عن الموضوع في الاحكام التكليفية بالمقتضي وفي الأحكام الوضعية بالسبب وهذا الاحتمال أيضا منفي اذ لا بد في جريان الاستصحاب من وجود الموضوع وإلّا أي مع العلم بعدم الموضوع يكون أخذا بالقياس ومع احتمال عدم الموضوع يكون الاخذ بالقياس احتمالا والامامية غير قائلين بالقياس.

وبعبارة واضحة : التحفظ على الموضوع وان كان شرطا في جريان الاستصحاب لكن لا مجال لاحتمال كون نظره الى هذا الامر فانه من الواضحات.

الاحتمال الثالث : أن يكون المراد من المقتضي ملاكات الاحكام ففي كل مورد يكون الشك في الملاك لا يجري الاستصحاب وفي كل مورد يكون الشك فيما يزاحم الملاك يجري.

وهذا الاحتمال لا يجري في كلام الشيخ قدس‌سره أيضا فانه يجري الاستصحاب في الموضوعات الخارجية ولا ملاك فيها.

مضافا الى أن العلم بوجود الملاك يختص بعلّام الغيوب وكيف يمكن لنا أن نعلم بوجوده.

ونرى انه قدس‌سره قائل بجريان الاستصحاب في بقاء الملكية

١٨

في المعاطاة بعد رجوع أحد المتعاقدين ويصرح بأن الشك فيه شكا في الرافع وينكر الاستصحاب في بقاء الخيار في خيار الغبن لكون الشك في المقتضي ومن أين علم بوجود الملاك في الاول وعدمه في الثاني.

والظاهر ان القوم تصوروا ان مراد الشيخ من المقتضي المقتضي لمتعلق اليقين فحملوا كلامه تارة على السبب واخرى على الموضوع وثالثة على الملاك ومراد الشيخ ظاهرا من المقتضي نفس متعلق اليقين من حيث الجري العملي فحق التعبير أن يقال : اذا كان الشك من جهة المقتضي لا يجري الاستصحاب واذا كان الشك في البقاء من جهة الشك في الرافع يجري.

وببيان أوضح : ان الاشياء التي توجد في الخارج على نحوين : أحدهما : انه اذا وجد يكون موجودا في مقدار من الزمان وبانتهاء زمانه ينعدم بنفسه وثانيهما انه بعد ما وجد في الخارج يبقى في عمود الزمان الى أن يرفعه رافع ، ولو لا الرافع يبقى.

مثلا خيار الغبن اذا شك في بقائه بعد الزمان الاول لا يجري استصحاب بقائه لأنه يحتمل أن يكون باقيا في الزمان الثاني ، ويمكن فيه اقتضاء البقاء.

وأما في مورد بقاء الملكية في المعاطاة بعد رجوع أحد المتعاملين فيجري الاستصحاب لان الشك في وجود الرافع ولو لا الرافع تكون الملكية باقية في عمود الزمان.

ولتوضيح المقام نذكر الاقسام في ضمن امثلة فنقول : الاحكام المجعولة على ثلاثة أقسام : القسم الاول : أن يكون باقيا في حد نفسه ولا يرتفع إلّا برافع كالملكية الحاصلة بالبيع فانها باقية الى أن يحصل ناقل وإلّا فهي باقية في عمود الزمان.

١٩

القسم الثاني : أن يكون الحكم مغيا بغاية كالزوجية الانقطاعية فانها تزول بنفسها بحصول غايتها ولا يحتاج ارتفاعها الى رافع.

القسم الثالث : أن يشك في ان ما تحقق في الخارج من أي القسمين كما لو شك في زوجية امرأة بأنها دائمية أو انقطاعية. أما القسم الاول فلا اشكال في جريان الاستصحاب فيه.

وأما القسم الثاني فتارة يشك في البقاء من جهة وجود الرافع واخرى من جهة الشك في تحقق الغاية فان كان الشك في الرافع يجري الاستصحاب.

وأما ان كان الشك في تحقق الغاية فتارة يكون من جهة الشبهة الحكمية واخرى من جهة الشبهة المفهومية وثالثة من جهة الشبهة الموضوعية فان كان من جهة الشبهة الحكمية فكما لو شك في أن الغاية لصلاة المغرب والعشاء للغافل نصف الليل أو الفجر فلا يجري الاستصحاب ، للشك في المقتضي.

وأما اذا كانت الشبهة مفهومية فكما لو شك في أن المغرب بماله من المفهوم عبارة عن غروب الشمس أو عبارة عن ذهاب الحمرة فأيضا لا يجري الاستصحاب.

وأما اذا كانت الشبهة موضوعية فكما لو شك في أن الشمس غابت أو بعد لم تغب فان الاستصحاب يجري في بقاء اليوم فانه في نظر العرف من الشك في الرافع وان كان في الحقيقة الشك فى المقتضي فان الرافع لا يكون نفس الزمان بل الرافع أمر زماني.

وأما القسم الثالث فلا يجري فيه الاستصحاب لان الشك فيه شكا من جهة المقتضي فانقدح ان المراد من الشك في المقتضي ان ما تعلق به اليقين لا يكون فيه استعداد البقاء ولا يبقى في عمود

٢٠