آراؤنا في أصول الفقه - ج ٣

السيّد تقي الطباطبائي القمّي

آراؤنا في أصول الفقه - ج ٣

المؤلف:

السيّد تقي الطباطبائي القمّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات المحلّاتي ( المفيد )
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٣٩

الزمان الا في مقدار معين والمراد من الشك في الرافع ان متعلق اليقين يبقى في نفسه ويرتفع برافع يرفعه. هذا تمام الكلام في المقام الاول.

وأما المقام الثاني فنقول : المستفاد من كلام الشيخ قدس‌سره انه اريد من قوله لا ينقض اليقين بالشك عدم نقض المتيقن.

وبعبارة اخرى : اريد من اليقين متعلقه وعليه لا بد من التفصيل لان النقض يرد على الامر المستحكم فان كان متعلق اليقين أمرا قابلا للبقاء لو لا وجود الرافع يصدق عنوان النقض لانه مستحكم وأما لو لم يكن كذلك فلا يصح اسناد النقض اليه لانه لا يكون مستحكما.

وأورد عليه في الكفاية بأنه لا دليل على أن المراد من اليقين متعلقه كي يتم البيان المذكور ومع عدم الدليل يبقى لفظ اليقين بحاله ويراد من اللفظ نفس اليقين ويصح اسناد النقض اليه فانه أمر مستحكم.

ويمكن أن يجاب عن الاشكال المذكور بأنه نفرض ان النقض متعلق بنفس اليقين ولم يرد من لفظ اليقين متعلقه إلّا ان اسناد النقض اليه ليس تماما ولا يسند اليه باعتبار نفسه اي لا يسند اليه باعتبار كونه صفة قائمة بالنفس ولا باعتبار الآثار المترتبة على نفس اليقين.

أما الاول فلأن اليقين باعتبار نفسه وباعتبار كونه صفة قائمة بالنفس ينتقض بالشك ان اخذ متعلقه مطلقا ، ولا ينقض ان اخذ متعلقه مقيدا وعلى كلا التقديرين لا مجال لأن ينهى الشارع عن نقضه.

بيان ذلك : انه لو تيقن زيد بعدالة احد يوم الجمعة ثم شك في عدالته وبقائها الى يوم السبت فان اخذ متعلقه مطلقا يكون يقينه

٢١

بالعدالة منتقضا كما هو المفروض فان يقينه تبدل بالشك وان قيد متعلقه بخصوص العدالة في يوم الجمعة فلم ينتقض فما معنى النهي عن نقضه.

وأما الثاني فلعدم ترتب حكم شرعي على نفس اليقين وعلى فرض ترتبه يكون يقينا موضوعيا خارجا عن اطار البحث فان الكلام في اليقين الطريقي فلا بد من أن يكون المراد من عدم نقض اليقين عدم نقض آثار المتيقن وترتيب آثاره.

وعليه نقول : اذا كان ما تعلق به اليقين له الدوام في عمود الزمان ولا يرتفع الّا برافع يجري الاستصحاب وإلّا فلا يجري.

وربما يقال في الرد على الشيخ : بأن دليل الاستصحاب غير منحصر في حديث زرارة كي يتم هذا التقريب بل هناك حديثان آخران ولا يشتملان على لفظ النقض ويكفي وجودهما للاطلاق وعدم التفصيل.

الحديث الاول ما رواه عبد الله بن سنان قال : سأل أبي أبا عبد الله عليه‌السلام وانا حاضر : اني اعير الذمي ثوبي وانا اعلم انه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير فيرده عليّ فأغسله قبل ان اصلّي فيه؟ فقال ابو عبد الله عليه‌السلام : صل فيه ولا تغسله من أجل ذلك فانك أعرته اياه وهو طاهر ولم تستيقن انه نجسه فلا بأس أن تصلّي فيه حتى تستيقن انه نجسه (١).

الحديث الثاني : ما روي عن علي عليه‌السلام في حديث الأربعمائة قال : من كان على يقين ثم شك فليمض على يقينه فانّ الشك لا ينقض اليقين الوضوء بعد الطهور عشر حسنات فتطهروا واياكم والكسل فان من كسل لم يؤدّ حق الله عزوجل تنظفوا بالماء من نتن

__________________

(١) الوسائل الباب ٧٤ من أبواب النجاسات الحديث ١.

٢٢

الريح الذي يتأذى به تعهّدوا انفسكم فان الله يبغض من عباده القاذورة الذي يتأنّف به من جلس اليه اذا خالط النوم القلب وجب الوضوء اذا غلبتك عينك وانت في الصلاة فاقطع الصلاة ونم فانك لا تدري لعلّك أن تدعو على نفسك (١).

ويجاب عن الحديث الاول بأن مورده الشك في الرافع اذ مورد جريان الاستصحاب الطهارة ومن الظاهر ان الطهارة تبقى الى أن ترفع برافع وأما الحديث الثاني فعبر فيه بالامضاء وامر به والامضاء مساوق للنهي عن النقض.

اقول : ـ مضافا الى كون الحديث ضعيفا سندا على ما يظهر من الشيخ الحر في الوسائل «فان اسناد الصدوق الى حديث الاربعمائة ضعيف بالعبيدي وقاسم بن يحيى» ـ : انه قد علل الحكم في الذيل بقوله عليه‌السلام «فان الشك لا ينقض اليقين» فمفاد هذه الرواية عين مفاد رواية زرارة هذا تمام الكلام في بيان كلام الشيخ.

ويرد عليه نقضا وحلا أما الاول فبموارد : منها : استصحاب عدم النسخ فانه لا اشكال في جريانه بل المحدث الاسترآبادي ادعى انه من ضروريات الدين والحال ان استصحابه من الشك في المقتضي اذ الشك في النسخ وعدمه الشك في مقدار الجعل وإلّا يلزم البداء في حق تعالى.

وبعبارة اخرى : الشك في النسخ عبارة عن الشك في أن الجعل الشرعي مستمر أو محدود فيكون شكا في المقتضي.

ومنها : الاستصحاب في الموضوعات الخارجية كاستصحاب وجود زيد وعمرو فانّه لا شك في جريان الاستصحاب في الموضوعات مع

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من أبواب نواقض الوضوء الحديث ٦.

٢٣

ان الشك في بقاء زيد مثلا شك في المقتضي اذ لا يعلم ان زيدا بأي مقدار يكون مستعدا للبقاء ولا يكون له مقدار منضبط فانه اذا جعل الميزان بالجنس فانواعه مختلفة وان جعل النوع فاصنافه مختلفة وان جعل الصنف فأفراده مختلفة لاختلاف الأمزجة.

ومنها : استصحاب عدم تحقق الغاية من جهة الشبهة الموضوعية كالشك في تحقق الغروب مثلا أو الشك في دخول هلال الشهر الفلاني فان الاستصحاب جار في هذه الموارد. بل قوله عليه‌السلام : «افطر للرؤية وصم للرؤية» صريح في استصحاب عدم تحقق الغاية فان الشك في تحقق الغاية من أقسام الشك في المقتضي اذ الشك في تحققها ناش عن الشك في مقدار استعداد البقاء في الزمان. مثلا ان الشك في الظهر يكون مرجعه الى الشك في أن ما قبل الظهر أي مقدار مستعد للبقاء ، والحال ان جريان الاستصحاب في عدم تحقق الغاية ظاهر واضح ، والشيخ قائل بجريانه فيه.

وأما الحل فنقول مقتضى الدقة عدم تحقق عنوان نقض اليقين بالشك لأن متعلق اليقين غير متعلق الشك فان عدالة زيد متعلق اليقين لكن عدالته في يوم الجمعة مورد اليقين وعدالته في يوم السبت مورد الشك ومتعلقه فلا يصدق نقض اليقين بل اليقين بنفسه انتقض وارتفع.

وأما بالنظر العرفي المسامحي فكأن متعلق اليقين بعينه متعلق الشك ولا يجوز رفع اليد عن الأمر المستحكم بغيره فلا يجوز نقضه ورفع اليد عنه.

وان ابيت عن ذلك نقول : الشارع يعبدنا ببقاء اليقين وعليه لا فرق بين كون الشك من ناحية الاستعداد وبين كون الشك من ناحية احتمال الرافع ، فالاستصحاب حجة على الاطلاق».

٢٤

هذا ملخص ما أفاده ويضاف الى ما ذكره ان قوله عليه‌السلام في ذيل الحديث «ولكنه ينقضه بيقين آخر» يستفاد منه بالفهم العرفي انه يجب على المكلف أن يرتب آثار متعلق اليقين الى زمان تبدل شكه بيقين بخلاف اليقين الاول.

وصفوة القول : انا نسأل بأن زرارة ما ذا فهم من كلام الامام وجوابه عليه‌السلام؟ ونقول هل فهم من الجواب انه يجب عليه ترتيب الآثار على اليقين السابق وعدم رفع اليد عنه وكأنه في حال الشك ايضا يقينه باق على حاله ام لم يفهم؟

أما على الاول فيتم المدعى ويثبت المطلوب. وأما على الثاني فهل فهم شيئا وقنع بالجواب ام لم يفهم شيئا.

أما على الاول فما ذا هو وأما على الثاني فكيف سكت مع عدم قناعته بجواب الامام وكيف نقل وروى كلام المعصوم ولم يذكر عدم قناعته بالجواب وكون الجواب مجملا وهل يمكن احتمال هذا الأمر بالنسبة الى مثل زرارة مع جلالته.

ان قلت : ان النقض عبارة عن رفع الهيئة الاتصالية كما في نقض الحبل والأقرب الى المعنى الحقيقي رفع اليد عن أمر فيه اقتضاء البقاء وان كان يستعمل ايضا في مطلق رفع اليد عن أمر ، وان لم يكن فيه اقتضاء البقاء فيدور الأمر بين أن يراد من المتعلق خصوص ما فيه الاقتضاء وبين مطلق الأمر ولو لم يكن فيه اقتضاء للبقاء. وحيث ان الاول أقرب الى المعنى الحقيقي يحمل اللفظ عليه فيختص الاستصحاب بما يكون الشك في البقاء ناشيا عن ناحية احتمال الرافع فيتم مدعى الشيخ قدس‌سره.

وبعبارة واضحة يكون المقام ، أي قوله «لا ينقض اليقين» كقول القائل «لا تضرب احدا» فان لفظ احد اعم من الميت والحي ولكن

٢٥

الضرب ظاهر في الضرب المولم فيكون قرينة لكون المراد من لفظ احد خصوص الحي.

قلت : اسناد النقض الى اليقين لا يكون باعتبار متعلقه كي يتم البيان المذكور بل صحة الاستعمال باعتبار نفس اليقين فكأن اليقين أمر مستحكم بلا فرق بين كون متعلقه فيه الاستعداد للبقاء وكون متعلقه غير مستعد له.

وبعبارة واضحة : حسن الاسناد باعتبار اليقين. ان قلت اذا لم يكن الاستعمال باعتبار المتعلق فلا انتقاض لليقين. نعم في قاعدة اليقين ينقض اليقين ولكن الكلام ليس في تلك القاعدة بل الكلام في الاستصحاب.

قلت مع الغاء الخصوصية عن المتعلق يصح الاسناد. وبعبارة واضحة : مع الغاء الخصوصية ينتقض اليقين بلا فرق بين كون المتعلق من هذا القسم أو من ذلك القسم ، وأما مع عدم الغاء الخصوصية فاليقين باق بلا فرق بين أقسام المتعلق.

وصفوة القول : ان اسناد النقض الى اليقين مع الدقة العقلية غير حسن وأما مع التسامح العرفي يكون حسنا ، نعم اذا كان المتعلق فيه استعداد البقاء يكون الاستعمال اقرب الى المعنى الحقيقي اعتبارا وذوقا ، ولكن الظواهر لا تكون تابعة للاعتبارات والأذواق ، فالنتيجة انه لا فرق فيما هو المهم بين كون الشك من جهة المقتضى وكونه من جهة الرافع فلاحظ.

التنبيه الثانى :

التفصيل الذي اختاره النراقي وهو جريان الاستصحاب في الأحكام الجزئية والموضوعات الخارجية وعدم جريانه في الأحكام

٢٦

الكلية الالهية : فنقول تارة يشك في بقاء الموضوع الخارجي وعدمه كحياة زيد وعدالة عمرو الى غيرهما من الموضوعات الخارجية. واخرى يشك في بقاء الحكم الشرعي.

أما على الاول فلا اشكال في جريان الاستصحاب وأما على الثاني ، فتارة عموم الحكم معلوم في عمود الزمان ، ونشك في نسخه فلا اشكال في جريان استصحاب عدم النسخ.

بل عن المحدث الاسترابادي ان جريان استصحاب عدم النسخ من الضروريات ، مضافا الى قوله عليه‌السلام : «فحلاله حلال الى يوم القيامة وحرامه حرام الى يوم القيامة» ـ الحديث (١).

واخرى لا يكون مقدار الجعل معلوما ويشك في بقاء الحكم ، وفي هذه الصورة تارة يكون الشك في الحكم ناشيا عن الشبهة الحكمية واخرى ناشيا عن الشبهة الموضوعية فان كان الشك ناشيا عن الشبهة الموضوعية كما لو شك في بقاء الطهارة من جهة الشك في تحقق الحدث وعدمه فلا اشكال في جريان الاستصحاب.

وأما ان كان الشك في البقاء ناشيا عن الشبهة الحكمية فتارة يكون لكل موضوع حكم غير ما ثبت للفرد الآخر واخرى يكون المجعول حكما مستمرا لموضوع واحد فان كان من قبيل الاول كحرمة وطء الحائض بعد انقطاع الدم لا يجري الاستصحاب اذ كل وطء له حكم غير الحكم الثابت للوطء الآخر ، فاذا انقطع الدم وشك في حرمة الوطء بعد الانقطاع لا يجري استصحاب الحرمة حتى على القول بجريان الاستصحاب في الاحكام الكلية اذ المفروض ان الوطء بعد الانقطاع موضوع مغاير مع الموضوع الآخر.

__________________

(١) الاصول من الكافى ج ٢ ص ١٧ ـ الحديث ٢.

٢٧

وبعبارة واضحة : الحرام الوطء الواقع على المرأة ذات الدم وأما بعد الانقطاع ، فلا علم بالحرمة من أول الامر ، واستصحاب الحرمة بالنسبة اليه يكون من اجراء حكم موضوع في موضوع آخر ، ومن اسراء الحكم من مورد الى غيره من الموارد وهذا داخل في القياس.

وأما ان كان من القبيل الثاني كالنجاسة العارضة على الماء القليل فلو تمم كرا وشك في بقاء نجاسته من جهة احتمال ان تتميمه كرا يوجب زوال النجاسة وصيرورته طاهرا فمثله محل الكلام اذ مقتضى استصحاب المجعول أي النجاسة بقائها ، ومن ناحية اخرى لا ندري ان جعل المولى بأى مقدار وانه مغني بالتتميم أو مطلق. ومقتضى استصحاب عدم الجعل الزائد عدم نجاسته.

وببيان واضح : قبل الشرع بل في أول الشريعة لم تجعل النجاسة للماء القليل الملاقي مع النجس وبعد الجعل لا ندري مقداره ومقتضى الاستصحاب عدم الجعل الزائد.

وان شئت قلت : الامر دائر بين الاقل والاكثر ولا بد من الاخذ بالاقل والزائد محكوم بالعدم ببركة الاستصحاب فيقع التعارض بين استصحابي الجعل والمجعول فتصل النوبة الى جريان قاعدة الطهارة.

هذا ما أفاده النراقي في المقام ، أقول : بل التعارض المذكور جار في بعض الشبهات الموضوعية مثلا اذا زوج زيد امرأة ولا ندري ان تزويجه دائمي أو انقطاعي ونفرض انه على تقدير كونه انقطاعيا مقداره ومدته سنة فبعد مضي سنة من الزواج نشك في بقاء الزوجية وعدمه ومقتضى استصحاب بقاء المجعول بقاء

٢٨

الزوجية ومقتضى استصحاب عدم الجعل الزائد عدمها وله نظائر كثيرة فلاحظ.

ان قلت : في التزويج المردد بين الموقت والدائم بعد التعارض والتساقط هل يجوز نكاح المرأة ام لا يجوز؟ أما على الاول فيشكل بأنها يحتمل كونها ذات البعل وفي الشبهة المصداقية لا مجال للاخذ بالعموم.

وأما على الثاني فما الحيلة وما الوسيلة للخروج عن هذه العويصة؟ قلت : الذي يختلج ببالي في هذه العجالة أن يقال : بعد تعارض الاصلين الموضوعيين تصل النوبة الى التوسل بقاعدة اخرى ولا يبعد أن يكون المرجع القرعة ولكن الاشكال في عموم دليل القرعة وشمولها لمثل المقام فلا بد من الاحتياط والله العالم بالاحكام.

فتحصل ان استصحاب المجعول في الشبهات الحكمية يعارضه استصحاب عدم الجعل الزائد. اذا عرفت ما تقدم ، فاعلم انه قد اوردت إيرادات على كلام النراقي.

الايراد الاول : ما ذكره صاحب الكفاية ، وهو ان الفاضل النراقي تارة نظر نظرا مسامحيا عرفيا ، فأجرى استصحاب الوجود ، واخرى نظر نظرا دقيا عقليا فاجرى استصحاب العدم. فان الماء المتمم غير الماء الذي لم يتمم بالدقة العقلية وعينه بالنظر العرفي والحال ان الميزان في وحدة الموضوع النظر العرفي وعليه لا بد من جريان الوجود ولا مجال لاستصحاب العدم.

وهذا الايراد غير وارد على النراقي. فانا نسلم ان وحدة الموضوع عرفية ، ولكن مع ذلك التعارض موجود ، فان الماء المتمم كرا مع انه وجود واحد ، نعلم بنجاسته قبل التتميم ، وبعده نشك في بقاء النجاسة. وأيضا نشك في مقدار الجعل.

٢٩

وبعبارة واضحة : لا ندري ان الموضوع الواحد أى الماء بعد اتمامه كرا هل يكون نجسا أم لا؟ وكل من المجهول والجعل مسبوق باليقين. فان اركان الاستصحاب في كل من الجعل والمجعول تامة ، فيقع التعارض بين الاستصحابين.

الايراد الثاني : هو الذي أورده الشيخ قدس‌سره على الفاضل وهو ان الزمان ان كان مفردا ويكون موجبا لتعدد الموضوع فلا يجري استصحاب الوجود بل يجرى استصحاب العدم فقط. وذلك لانه مع تعدد الموضوع لا يمكن اسراء حكم موضوع الى موضوع آخر.

وبعبارة اخرى : يشترط في جريان الاستصحاب وحدة الموضوع وان لم يكن الزمان مفردا يجري استصحاب الوجود ولا يجرى استصحاب العدم فان المفروض ان الحالة السابقة عبارة عن وجود الحكم.

ويرد عليه ان الزمان لا يكون مفردا ولكن مع ذلك يكون التعارض موجودا والحالة السابقة وجود باعتبار وعدم باعتبار آخر. فان المجعول له حالة سابقة وجودية والجعل له حالة سابقة عدمية مثلا صلاة الجمعة في زمان الحضور كانت واجبة فوجوبها له حالة سابقة وجودية والاستصحاب يقتضي بقائه فتكون واجبة في زمان الغيبة أيضا. وعدم جعل وجوبها أزيد من زمان الحضور له حالة سابقة عدمية ومقتضى الاستصحاب بقائه على عدم الجعل الزائد فهو يقتضي عدم الالزام بقاء فالتعارض موجود بين استصحابي عدم الجعل ووجود المجعول فلا اشكال.

الايراد الثالث : انه يشترط في جريان الاستصحاب اتصال زمان الشك باليقين واليقين بالحكم متصل بالشك فيه وأما اليقين

٣٠

بعدم الحكم فلا يكون متصلا بالشك فيه مثلا العلم بحرمة وطء الحائض في أيام الدم متصل بالشك في بقاء الحرمة بعد انقطاع الدم قبل الاغتسال فيجري الاستصحاب. وأما العلم بعدم الحرمة فقد انتقض بالعلم بالحرمة فلا يجري الاستصحاب.

والجواب عن هذا الاشكال ان العلم بعدم الحرمة قد انتقض بالعلم بها بالنسبة الى زمان الدم فيجري استصحاب الحرمة بعد الانقطاع ، وأما بالنسبة الى زمان الانقطاع فلم يحصل يقين بالحرمة بل عدم الجعل كان معلوما ويشك في جعل الحرمة بالنسبة اليه ومقتضى الاستصحاب عدم جعل الزائد فالشك في الحرمة متصل بالعلم بالحرمة والشك في جعل الزائد متصل بالعلم بعدم الجعل فأركان الاستصحاب تامة بالنسبة الى الطرفين فيقع التعارض. وحيث لا ترجيح لاحدهما على الآخر يتساقطان.

ان قلت : انه لا يشترط في الاستصحاب اتصال الشك باليقين ولذا يمكن ان الانسان يتيقن بأمر ثم يغفل عنه وبعد التوجه والتذكر يشك في بقائه فيجري الاستصحاب بلا اشكال ، بل الشرط في الاستصحاب اتصال المشكوك فيه بالمتيقن ، وفي المقام لا يكون كذلك.

مثلا المكلف يعلم بعدم جعل الحرمة لوطء المرأة الحائض قبل الشريعة ويتيقن انه جعلت الحرمة بعد الشرع والشريعة وبعده يشك في بقاء الحرمة فعدم الجعل تبدل بالجعل فالمتيقن الحرمة والمشكوك فيه بقائها فاركان الاستصحاب بالنسبة الى الحرمة تامة وأما بالنسبة الى عدم جعلها فلا فان اليقين بعدم الجعل قد انتقض باليقين بالجعل.

قلت : أركان الاستصحاب بالنسبة الى كلا الامرين تامة فان لنا شكا ويقينين لأنا نعلم بعدم الجعل قبل الشريعة ونعلم بالحرمة

٣١

بعد الشرع للوطء الواقع في زمان الدم ، وأما بعد الانقطاع فنشك في الحرمة ونشك في سعة الجعل. فكما ان الحرمة مشكوك فيها متصلة بالمتيقن كذلك الجعل المشكوك فيه متصل بعدم الجعل المتيقن فاركان الاستصحاب بالنسبة الى كلا الامرين تامة فلا تغفل.

الايراد الرابع : ان استصحاب عدم الجعل في رتبته معارض باستصحاب عدم جعل الحلية وبعد التعارض يجري استصحاب الحرمة بلا معارض.

ويمكن أن يجاب عن هذا الايراد باجوبة : الجواب الاول : ان استصحاب جعل الحلية لا مجال له اذ الاشياء كلها في صدر الشريعة كانت مرخصا فيها والتكاليف قد جعلت بالتدريج فلا حالة سابقة لعدم الحلية.

الجواب الثاني : انه لا تعارض بين استصحاب عدم جعل الحرمة واستصحاب عدم جعل الحلية فان التعارض بين الاصلين يحصل باحد وجهين :

احدهما : التنافي بين الاصلين في حد نفسهما كاستصحاب الحرمة واستصحاب الوجوب فان الاصلين في أمثال المقام متعارضان في حد نفسهما فتأمل ، لانّ التنافي بين الاحكام لا أصل له ولا تنافي بين الاحكام حتى بين وجوب شيء وحرمته فان الاحكام من الاعتباريات والاعتبار خفيف المئونة.

ثانيهما : ان يلزم مخالفة عملية قطعية كما لو علم بنجاسة احد الإناءين فجريان اصالة الطهارة في كليهما يوجب المخالفة العملية القطعية ، وأما في المقام فلا محذور فان استصحاب عدم جعل الالزام لا ينافي عدم جعل الاباحة كما انه لا يلزم من جريانهما خلاف عملي.

٣٢

الجواب الثالث : انه فرضنا التعارض المدعى لكن نقول : يقع التعارض بين الاصول الثلاثة دفعة وتساقطت أيضا دفعة ولا وجه للترتب المذكور بأن يقال : يتعارض استصحاب عدم جعل الحرمة مع استصحاب عدم جعل الترخيص فتصل النوبة الى استصحاب الحرمة بل يجري الاستصحاب من نواح ثلاث وبعد التعارض والتساقط تصل النوبة الى البراءة.

الايراد الخامس : ان استصحاب عدم الجعل لا أثر له لا شرعا ولا عقلا ففي حد نفسه لا يجري فلا مجال لان يعارض استصحاب المجعول.

وبعبارة اخرى : الاحكام الانشائية لا اثر لها مثلا جعل وجوب الحج للمستطيع لا يترتب عليه اثر حتى مع العلم.

وصفوة القول : مجرد الجعل لا يكون موضوعا لا للاثر الشرعي ولا للاثر العقلي.

وفيه ان الاشكال المذكور في غاية الضعف والوهن. فان الاحكام الشرعية على سبيل القضايا الحقيقية ويكون الفعلية فيها متوقفا على الجعل وعلى تحقق الموضوع في الخارج ، مثلا حرمة الخمر تتوقف على جعل الحرمة من قبل الشارع وعلى وجود الخمر خارجا بل توجه التكليف بعدم الشرب لا يتوقف على الخمر خارجا فان المكلف لو امكنه الشرب ينهى عنه ولو لم يتحقق الخمر في الخارج. فظهر ان الايرادات كلها غير واردة وما أفاده النراقي تام.

وربما يقال : بأنه لا تعارض بين استصحاب الجعل والمجعول بل يجري استصحاب عدم الجعل فقط ، وذلك لأن الشك في بقاء المجعول مسبب عن الشك في مقدار الجعل وقد قرر في محله ان

٣٣

الاصل السببي حاكم على الاصل المسببي فلا مجال لاستصحاب الحرمة.

ويرد عليه ان الميزان في تقدم الاصل السببي على الاصل المسببي ان المسبب يكون من الآثار الشرعية للسبب مثلا لو شككنا في اللباس النجس المغسول بالماء المستصحب طهارته انه طهر أم لم يطهر نقول استصحاب الطهارة في الماء لا يبقى مجالا لاستصحاب النجاسة لأن الماء الطاهر يترتب عليه شرعا انه اذا غسل به ثوبا نجسا يطهر وبهذا التقريب يتم الامر. وتفصيل الكلام موكول الى مجال آخر.

وفي المقام لا يكون كذلك فان عدم الحرمة ليس اثرا شرعيا لعدم الجعل بل اثر تكويني بل يصح أن يقال : ان عدم الحرمة عين عدم الجعل فان عدم الحرمة عبارة عن عدم تعلق الجعل بحرمته فالتقريب المذكور غير تام.

ثم انه لا يخفى ان عدم الاستصحاب في الشبهات الحكمية يختص بالاحكام الوجودية ، وأما اذا شك في أصل الالزام كما لو شك في حرمة شرب التتن فلا مانع عن جريان الاستصحاب ولا يعارضه استصحاب عدم جعل الترخيص والاباحة اذ الاشياء على الاباحة الى أن يرد فيها أمر أو نهي عن الشارع الاقدس. مضافا الى أنا نفرض التعارض والتساقط ولكن بعد التساقط تصل النوبة الى البراءة.

ثم ان سيدنا الاستاد قدس‌سره أفاد في المقام بأنه لا مانع عن جريان الاستصحاب في الاحكام الوضعية ، مثلا اذا شك في طهارة شيء بقاء لا مانع عن استصحاب الطهارة. فان الطهارة لا تحتاج الى الجعل بل الاشياء طاهرة. وايضا الطهارة الحدثية كذلك

٣٤

والناقضية تحتاج الى الجعل فالنتيجة ان الحكم الوضعي لا يكون مورد تعارض الاصلين.

وعليه لا بد من التفصيل بأن يقال : الاستصحاب لا يجري في الشبهة الحكمية التكليفية ويجري في الشبهة الحكمية الوضعية فهذا قول ثالث في قبال القول بالجريان على الاطلاق كما هو المشهور ، والقول بعدم الجريان كذلك كما عليه النراقي. هذا حاصل ما أفاده في هذا المقام على ما في التقرير. (١)

ويرد عليه اولا : ان الطهارة التي تكون موضوعة للاحكام الشرعية هل هي من الامور التكوينية أو من الامور الاعتبارية أما على الاول فهو خلاف ما بنوا عليه من أن الطهارة والنجاسة أمران اعتباريان وبنى عليه ايضا سيدنا الاستاد. وأما على الثاني ، فيحتاج الى الجعل.

وثانيا : انه فرضنا تمامية ما أفاده بالنسبة الى الطهارة الخبثية لكن كيف يتم بالنسبة الى الطهارة الحدثية فانه لا اشكال في أن الطهارة الحدثية مجعولة بالجعل الشرعي الاعتباري وتنعدم بوجود الناقض الشرعي ، وعليه نقول : لو تحققت الطهارة الحدثية في وعاء الاعتبار يكون بقائها بمقدار بقاء الاعتبار.

ولا مجال لأن يقال بأن بقائها لا يحتاج الى الجعل بل النقض يحتاج الى الجعل فاذا شك في الناقض يكفي استصحاب عدم الناقض وذلك لأن الناقضية كالشرطية والمانعية والقاطعية والجزئية امور واقعية لا تنالها يد الجعل فبقاء الطهارة الحدثية بمقدار جعلها في وعاء الاعتبار فاذا شك في بقائها يقع التعارض بين استصحاب بقائها واستصحاب عدم الجعل الزائد فالتعارض فيها كالتعارض

__________________

(١) ـ مصباح الاصول ج ٣ ص ٤٧.

٣٥

في الاحكام التكليفية طابق النعل بالنعل.

وثالثا انه سلمنا ما أفاده في الطهارة الحدثية ايضا لكن لا اشكال ولا كلام في أن الملكية الشرعية من الامور الاعتبارية وتحتاج الى الجعل وكذلك الزوجية وكذلك بقية الاحكام الوضعية فالتعارض فيها واقع بلا كلام.

وببيان واضح : هل يمكن أن يقال : ان زوجية امرأة لرجل امر واقعي غير محتاجة الى الجعل وكذلك رقية انسان لغيره؟ كلا ثم كلا فعلى تقدير تمامية كلامه فانما يتم في الجملة لا بالجملة وقد ظهر بما ذكرنا عدم تماميته حتى في مورد واحد فالحق ما أفاده النراقي طيب الله رمسه وما أفاده قدس‌سره تترتب عليه آثار مهمة في أبواب الفقه فلله درّه وعليه اجره.

ايقاظ وتتميم :

ربما يقال : ان النفي اذا ورد على العموم تكون نتيجته سلب العموم لا عموم السلب مثلا اذا قال زيد : «ليس كل عالم عادلا» معناه سلب العدالة عن بعض العلماء لا أن كل عالم فاسق ، وعليه نقول : النفي الوارد في هذه الرواية وبقية الروايات على اليقين كقوله عليه‌السلام «لا ينقض اليقين» لا يستفاد منه العموم بل المستفاد منه ان اليقين في الجملة لا ينقض فلا دليل على اعتبار الاستصحاب في جميع الموارد.

ويرد على الايراد المذكور ان ما ادعى في الاشكال من أن المستفاد من الجملة سلب العموم على فرض تماميته يختص بمورد يكون العموم مستفادا من المدخول فالسلب الوارد عليه يفيد سلب العموم ، كما لو قال احد : «لا احب كل عالم» فان المدخول دال على العموم

٣٦

والسلب يرد عليه فيكون النتيجة سلب العموم.

وأما اذا لم يكن كذلك كما لو كان المدخول دالا على الجنس فدخول السلب عليه يفيد عموم السلب كقول القائل لا رجال في الدار والمقام كذلك فان لفظ اليقين المحلّى بلام الجنس غير دال على العموم بل العموم مستفاد من النفي والاطلاق.

وثانيا : ان استفادة سلب العموم لا عموم السلب يتوقف على القرينة.

وبعبارة اخرى : الكلمة الدالة على العموم تدل على العموم الاستغراقي وحملها على العام المجموعي يحتاج الى قرينة فلو قال المولى : لا تهن العلماء يستفاد منه حرمة اهانة كل عالم على نحو العموم الاستغراقي.

وبعبارة واضحة : المدخول ان كان دالا على العموم في حد نفسه فيرد عليه النفي أو النهى لا يستفاد منه العام المجموعي بل المستفاد العموم الاستغراقي.

وثالثا : انّا سلمنا الكبرى لكن لا يمكن انطباقها على المقام لاجل القرينة القائمة على العموم. فانه عليه‌السلام بعد ما حكم بعدم انتقاض الوضوء بالشك في النوم علّل الحكم بأن اليقين لا ينقض بالشك ابدا ، فاذا لم يكن كلام الامام عليه‌السلام دالا على العموم الاستغراقي وكان دالا على عدم نقض بعض افراد اليقين لم يكن مجال لأن يقنع زرارة بالجواب اذ يمكن أن لا يكون اليقين بالوضوء من ذلك البعض والحال انه نرى ان زرارة قنع بالجواب فالنتيجة هو العموم المدعى.

ولا يخفى ان الجواب الاخير غير تام اذ لا اشكال في أن اليقين بالوضوء مشمول للحكم على كل حال اذ حكم عليه‌السلام بالصراحة

٣٧

بعدم انتقاض اليقين بالوضوء بالشك في الانتقاض.

مضافا الى أنه يلزم عدم جوابه عن السؤال والحال انه لاوجه لامساكه عن الجواب وعدم تعرضه فلاحظ.

تذكرة :

اعلم ان جريان الاستصحاب في الامور الوجودية يختص بالشبهات الموضوعية كاستصحاب وجود زيد وعدالة عمرو وشجاعة بكر وخباثة خالد الى غيرها من الموارد وأما في الحكم فلا يجري الاستصحاب اذا شك في بقائه بلا فرق بين الحكم التكليفي والوضعي وبلا فرق بين كون الشبهة حكمية أو موضوعية. والوجه فيه انه لو شك في حكم من الاحكام الشرعية فان كان الشك في بقاء الحكم الكلي وبعبارة اخرى ان كانت الشبهة حكمية يكون استصحاب بقاء الحكم المشكوك فيه معارضا باستصحاب عدم الجعل الزائد كما مر قريبا وان كانت الشبهة موضوعية فلأجل ان الشك في بقاء الحكم الجزئي الخارجي دائما يكون ناشيا عن الشك في الرافع ويكون الاصل الجاري في السبب حاكما على الاصل الجاري في المسبب.

مثلا اذا كان الشخص متوضئا ثم شك في ارتفاعه ويكون الشك في البقاء ناشيا ومسببا عن الشك في وجود الناقض ومقتضي الاصل عدم تحقق الناقض فيكون الوضوء محكوما بالبقاء.

وايضا اذا شك في بقاء الطهارة الخبثية وقس عليهما كل مورد يشك في بقاء الحكم تكليفيا كان أم وضعيا فلا تغفل هذا تمام الكلام في الحديث الاول الذي استدل به على اعتبار الاستصحاب في الجملة أو بالجملة.

ومن تلك النصوص ما رواه زرارة ايضا قال قلت أصاب ثوبي

٣٨

دم رعاف أو غيره أو شيء من مني فعلّمت اثره الى أن اصيب له من الماء فأصبت وحضرت الصلاة ونسيت ان بثوبي شيئا وصليت ثم اني ذكرت بعد ذلك.

قال تعيد الصلاة وتغسله. قلت : فاني لم اكن رأيت موضعه وعلمت انه قد أصابه فطلبته فلم اقدر عليه فلما صليت وجدته قال تغسله وتعيد.

قلت : فان ظننت انه قد اصابه ولم أتيقن ذلك فنظرت فلم ار شيئا ثم صليت فرأيت فيه قال : تغسله ولا تعيد الصلاة. قلت : لم ذلك؟ قال : لأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك ابدا.

قلت : فاني قد علمت انه قد أصابه ولم ادر اين هو فاغسله؟ قال : تغسل من ثوبك الناحية التي ترى انه قد اصابها حتى تكون على يقين من طهارتك. قلت : فهل علىّ ان شككت في أنه اصابه شيء ان انظر فيه؟ قال : لا ولكنك انما تريد أن تذهب الشك الذي وقع في نفسك.

قلت : ان رأيته في ثوبي وانا في الصلاة. قال : تنقض الصلاة وتعيد اذا شككت في موضع منه ثم رايته وأن لم تشك ثم رايته رطبا قطعت الصلاة وغسلته ثم بنيت على الصلاة لأنك لا تدري لعله شيء اوقع عليك فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك (١).

وهذه الرواية تارة يبحث فيها من حيث السند واخرى من حيث الدلالة ، أما من حيث السند فالظاهر ان السند تام فان اسناد الشيخ الى حسين بن سعيد لا اشكال فيه وهو ينقل عن حماد عن حريز عن

__________________

(١) ـ التهذيب ج ١ ص ٤٢١ الحديث ٨.

٣٩

زرارة فلا اشكال في السند. وأما الاضمار فقد تقدم ان اضمار مثل زرارة لا يضر ، فان زرارة اجل شأنا من أن ينقل عن غير المعصوم عليه‌السلام فالسند لا اشكال فيه.

وأما من حيث الدلالة فمورد الاستشهاد على المدعى موردان. المورد الاول : قوله عليه‌السلام ـ بعد السؤال الثالث ـ «لأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك ابدا» فان عموم العلة يقتضي سراية الحكم الى كل مورد يكون فيه الملاك المذكور.

وبعبارة اخرى : العلة تعمّم وتخصص مضافا الى أن مقتضى اطلاق اليقين الذي نهى عن نقضه عدم الفرق بين الموارد.

واشكال كون اللام للعهد الذكري قد ظهر الجواب عنه في الحديث السابق ، وقلنا الظهور الاولي يقتضي كون اللام للجنس.

وقد ورد في المقام اشكال وهو ان الكبرى الكلية وهي عدم نقض اليقين بالشك لا تنطبق على المورد ، اذ الاعادة لو كانت واجبة لا تكون نقضا لليقين بالشك بل نقض اليقين باليقين بوجوب الاعادة فلا تنطبق على الاستصحاب. ولذا حمل الحديث على قاعدة اليقين.

وقال سيدنا الاستاد قدس‌سره «وحمل الحديث على قاعدة اليقين عجيب اذ قاعدة اليقين متقومة بأمرين. احدهما : اليقين السابق ثانيهما الشك الساري كما لو علم زيد بعدالة بكر في يوم الجمعة ثم شك في عدالته في يوم الجمعة فى يوم السبت وشيء من الأمرين لا يكون متحققا في مورد الحديث.

أما الشك فعدمه واضح اذ المفروض ان المكلف يعلم بوقوع الصلاة في النجس ، وأما اليقين فان كان المراد به اليقين بالطهارة قبل الظن بالنجاسة فهو باق بحاله ولم يتبدل بالشك وان كان المراد

٤٠