آراؤنا في أصول الفقه - ج ٣

السيّد تقي الطباطبائي القمّي

آراؤنا في أصول الفقه - ج ٣

المؤلف:

السيّد تقي الطباطبائي القمّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات المحلّاتي ( المفيد )
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٣٩

وهذا الذي افاده على طبق المسلك المشهور وأما على مسلكنا فلو فرض كون العام أحدث فلا اشكال في أخذه فيقع التعارض بالعرض بين الخاصين فان ميز الاحدث منهما يؤخذ به وإلّا يدخل في باب اشتباه الحجة بغيرها ويختلف الحكم باختلاف الموارد واختلاف المسالك في كون العلم الاجمالي منجزا ـ كما هو المشهور وعدم كونه منجزا كما هو المختار.

الصورة الثانية : أن يكون العام مرجوحا بالنسبة الى كلا الخاصين وفي هذه الصورة لا اشكال في طرح العام والاخذ بكلا الخاصين.

الصورة الثالثة : أن يكون العام مساويا لكلا الخاصين فعلى تقدير عدم الدليل على التخيير تتساقط وعلى القول بالتخيير يتخير بين الاخذ بالعام واحد الخاصين وطرح الخاص الآخر وبين الاخذ بكلا الخاصين وطرح العام واما على مسلكنا فلا يتصور فيه التساوي اذ كيف يمكن صدور الادلة المتعارضة في زمان واحد نعم لو تحقق يلزم سقوط الكل عن الاعتبار ووصول النوبة الى الاخذ بالدليل الفوقاني ان كان وإلّا فبالاصل العملي.

الصورة الرابعة : أن يكون العام مساويا مع احد الخاصين وراجحا على الآخر وفي هذه الصورة يؤخذ بالعام والخاص المساوي له ويطرح الخاص الآخر.

الصورة الخامسة : أن يكون العام مرجوحا بالنسبة الى أحدهما ومساويا مع الآخر وفي هذه الصورة يلزم الاخذ بالخاص الراجح والتخيير بين العام والخاص الآخر أو التساقط.

الصورة السادسة : أن يكون العام مرجوحا بالنسبة الى احد الخاصين وراجحا على الآخر وفي هذه الصورة يؤخذ بالخاص

٢٠١

الراجح على العام والعام الراجح على الخاص الآخر.

القسم الثاني : من النوع الاول من التعارض الواقع بين أكثر من دليلين ما لو ورد عام وخاصان وكانت النسبة بين الخاصين العموم من وجه كما لو قال المولى في دليل اكرم العلماء وفي دليل آخر قال لا تكرم العالم الفاسق وفي دليل ثالث قال لا تكرم العالم الشاعر.

وفي هذا النوع الكلام هو الكلام الذي مرّ في النوع الاول بأن نقول يخصص العام بكلا الخاصين لو لم يكن محذور وإلّا يقع التعارض بين الادلة ويتصور كل واحدة من تلك الصور وقد عرفت احكامها.

وأفاده بانه ربما يتوهم انه لا يخصص العام بكلا الخاصين ولو مع عدم المحذور بل النسبة تنقلب في بعض الاحيان وذلك فيما يكون احد الخاصين مقدما على الآخر زمانا كما لو ورد العام عن علي عليه‌السلام وأحد الخاصين عن الباقر عليه‌السلام والخاص الآخر عن الصادق عليه‌السلام.

فان العام يخصص اولا بالخاص الوارد عن الباقر عليه‌السلام وبعد تخصيصه به يلاحظ مع الخاص الآخر ففي المثال يخصص العام أولا بقوله لا تكرم العالم الفاسق وبعد تخصيصه به يلاحظ مع قوله لا تكرم العالم الشاعر فتنقلب النسبة من العموم والخصوص المطلقين الى العموم من وجه.

وأجاب بأن التوهم المذكور غير صحيح وذلك لأنه لا فرق بين ما يصدر عن الائمة وكان الصادر عن المتأخر هو الصادر عن المتقدم وذكرنا ان الظاهر ان كل حكم صادر عن كل واحد منهم بيان لحكم من أحكام اصل الشريعة فلا مجال لأن يقال ان العام يخصص اولا بالخاص المتقدم اذ لا فرق بين المتقدم والمتأخر هذا على ما سلكه.

وأما على ما سلكناه من الترجيح بالاحدث فنقول اذا وصلت

٢٠٢

النوبة الى التعارض يكون الاحدث هو الراجح فاذا ميز الحادث عن القديم والمتأخر عن المتقدم فهو وإلّا لا بد من العمل على طبق القواعد الأخر وهي تختلف بحسب اختلاف الموارد واختلاف المسالك.

القسم الثالث من النوع الاول : أن يرد عام وخاصان ويكون احد الخاصين اخص من الخاص الآخر كما لو ورد دليل يدل على وجوب اكرام العلماء وورد دليل آخر دال على حرمة اكرام العالم العاصي وورد دليل ثالث دال على حرمة اكرام العالم المرتكب للكبيرة.

وفي هذا القسم تارة يكون الخاصان منفصلين عن العام واخرى يكون أخص الخاصين متصلا بالعام أما المورد الاول فمقتضى القاعدة تخصيص العام بكلا الخاصين ولا وجه لانقلاب النسبة.

وبعبارة اخرى : لا تنافي بين التخصيصين ولا يكون للاخص مفهوم على ما ثبت في محله من المفاهيم من عدم المفهوم للوصف فيخصص العام بكلا الخاصين.

وأما المورد الثاني فلا بد من الالتزام بانقلاب النسبة اذ مع فرض اتصال الاخص بالعام لا ينعقد للعام ظهور في العموم بل ينعقد ظهوره في غير العموم ففي المثال ينعقد ظهور العام في العالم غير المرتكب للكبيرة أي يستفاد من الدليل وجوب اكرام العالم الذي لا يكون مرتكبا للكبيرة فتكون النسبة بين العام المخصص بالاخص والخاص الآخر العموم من وجه.

فان العالم العادل ما به الافتراق من ناحية العام المخصص ومرتكب الكبيرة ما به الافتراق من ناحية الخاص الآخر وفي مرتكب الصغيرة يقع التعارض بين الجانبين ولا بد من اجراء حكم المتعارضين هذا ما يرجع الى كلامه.

٢٠٣

اقول أما ما افاده في القسم الثاني فهو على طبق القاعدة اذ المفروض ان العام مع اتصال الخاص به لا ينعقد له ظهور في العموم فما أفاده تام كما هو المأمول منه طيب الله مثواه.

وأما ما أفاده في المورد الاول فهادم لمبناه ومناقض لمسلكه الذي سلكه وما أفاده مؤيد قوي لما سلكناه من بطلان انقلاب النسبة.

اذ يرد عليه انه على القول بالانقلاب الباطل من أصله واساسه نقول لا اشكال في أن العام بعد تخصيصه بالاخص يسقط ظهوره عن الحجية بهذا المقدار ومع عدم ظهوره بحاله وسقوط ظهوره عن الاعتبار تلاحظ نسبته مع الخاص الآخر والمفروض ان النسبة بهذا الاعتبار تكون عموما من وجه فلا بد من اعمال قانون التعارض فظهر ان ما افاده في المقام يناقض مسلك الانقلاب فافهم واغتنم.

النوع الثاني من التعارض الواقع بين اكثر من دليلين ما لو ورد عامان بينهما عموم من وجه وورد مخصص وهذا النوع ايضا يتصور باقسام :

القسم الاول : ما لو ورد عامان تكون النسبة بينهما عموما من وجه وورد خاص في مورد الاجتماع كما لو دل دليل على وجوب اكرام العلماء ودليل على حرمة اكرام الفساق ودل دليل ثالث على استحباب اكرام العالم الفاسق فان كلا العامين يخصصان بالدليل الثالث اذ المفروض ان نسبته الى كلا العالمين نسبة الخاص الى العام فيرتفع التعارض.

القسم الثاني : أن يرد عامان بينهما عموم من وجه وورد خاص يخرج مورد الافتراق من تحت احد العامين كما لو ورد قوله يستحب اكرام العلماء وقوله يحرم اكرام الفساق وقوله يجب اكرام العلماء العدول فيقع التعارض بين العامين بالعموم من وجه ومورد التعارض

٢٠٤

العالم الفاسق.

ولكن حيث ان نسبة قوله يجب اكرام العلماء العدول بالنسبة الى دليل استحباب اكرام العلماء نسبة الخاص الى العام يخصص العام بالخاص وبعد تخصيصه تصير نسبة الى العام الآخر نسبة الخاص الى العام ولا بد أن يخصص العام الآخر بهذا العام بعد تخصيصه هذا فيما يكون الخاص الوارد على العام مخرجا لجميع أفراد ما به الافتراق.

واما اذا اخرج مقدارا منه بحيث يبقى مقدار وبقيت النسبة بالعموم من وجه مع العام الآخر يكون التعارض بحاله اذ المفروض ان النسبة بعد التخصيص هي النسبة السابقة ولم تنقلب.

مثلا لو ورد دليل على وجوب اكرام العلماء ودليل دال على حرمة اكرام الفساق ودليل ثالث على عدم وجوب اكرام العالم النحوى يبقى التعارض بحاله اذ النسبة بعد تخصيص العام بالخاص بين العام المخصص والعام الآخر بالعموم من وجه.

فان ما به الافتراق العالم العادل غير النحوي والفاسق غير العالم ويقع التعارض بين العامين في العالم الفاسق غير النحوي فلاحظ. هذا ما يرجع الى كلام سيدنا الاستاد قدس‌سره.

ويرد عليه اولا : النقض بمورد ورود عام وخاصين احدهما أخص من الآخر كما لو ورد دليل على وجوب اكرام العلماء وورد دليل على عدم وجوب اكرام عالم مرتكب للكبيرة وورد دليل على عدم وجوب اكرام عالم مرتكب لمطلق الذنب.

فان العالم بعد خروج المرتكب للكبيرة عن تحته يتعنون بعنوان العالم الذي لا يرتكب الكبيرة وبعد التخصيص بأخص الخاصين تصير نسبته مع الخاص الآخر العموم من وجه لافتراقهما في العادل

٢٠٥

ومرتكب الكبيرة ويتعارضان في مرتكب الصغيرة.

وثانيا : انه يرد عليه بالحل وهو انه لا وجه لتخصيص العام بالخاص ثم ملاحظته مع العام الآخر بل مقتضى القاعدة ملاحظة العام ابتداء مع العام الآخر والنسبة تكون بالعموم من وجه فلا يسقط التعارض ولا وجه لانقلاب النسبة.

القسم الثالث : أن يرد عامان بينهما عموم من وجه كما لو قال المولى في دليل اكرم العلماء وقال في دليل آخر لا تكرم الفساق وورد مخصصان يخصصان موردي الافتراق كما لو قال المولى في دليل يستحب اكرام العالم العادل وقال في دليل آخر يكره اكرام الجاهل الفاسق.

فيخصص كل واحد من العامين بواحد من الخاصين وبعد تخصيص العامين تصير النسبة بين العامين التباين أي يقع التعارض بينهما في العالم الفاسق فان مقتضى احدهما وجوب اكرام العالم الفاسق ومقتضى الآخر حرمة اكرامه فهل يلتزم بانقلاب النسبة واعمال قانون التعارض بين العامين أو ملاحظة التعارض بين الادلة الاربعة.

ذهب الميرزا النائيني الى القول الاول أي الانقلاب واختار سيدنا الاستاد عدم الانقلاب.

بتقريب : انه لا وجه للقول الاول فان منشأ التعارض وجود الدليل الرابع ومع فرض انتفاء احد الاربعة يرتفع التعارض فلا بد من اعمال قانون التعارض بين الاربعة اما بالترجيح واما بالتخيير هذا ما افاده سيدنا الاستاد على ما في التقرير.

والحق أن يقال : انه لو لم نقل بالانقلاب كما هو الحق يلزم ملاحظة الادلة الاربعة واعمال قانون باب التعادل والترجيح وأما على القول بالانقلاب كما عليه سيدنا الاستاد فالحق ما أفاده الميرزا.

٢٠٦

اذ المفروض تخصيص كل واحد من العامين بالخاص كما هو القانون الكلي وبعده التخصيص تنقلب النسبة على الفرض فلا وجه لما أفاده سيدنا الاستاد وما أفاده مؤيد لما سلكناه من عدم صحة الانقلاب.

النوع الثالث : من التعارض الواقع بين اكثر من دليلين ما اذا ورد دليلان بينهما التباين وورد دليل ثالث يكون نسبته الى العموم نسبة الخاص المطلق الى العام كذلك وهذا النوع ايضا له أقسام :

القسم الاول : ما يكون الخاص مخصصا لاحد العامين كما لو قال المولى في دليل اكرم العلماء وفي دليل آخر قال لا تكرم العلماء وفي دليل ثالث قال لا تكرم العالم الفاسق فان دليل وجوب اكرام العلماء يخصص بدليل عدم وجوب اكرام العالم الفاسق فتنقلب نسبته الى العام الآخر من التباين الى العموم المطلق فيخصص العام الآخر بهذا العام بعد تخصيصه بالخاص هذا ما افاده سيدنا الاستاد.

ويرد عليه انه لا وجه لهذا التقريب بل تلاحظ النسبة بين العامين وتعامل معهما معاملة المتعارضين ويعمل بالخاص الوارد في الادلة لعدم معارض له.

القسم الثاني : ما لو ورد دليلان تكون النسبة بينهما بالتباين وورد على كل دليل مخصص ولا يكون بين الخاصين تناف كما لو دل دليل على كون الغسل بالماء مطهرا على الاطلاق وورد دليل آخر يدل على عدمه كذلك ودل دليل ثالث على كون الغسل بالماء الجاري مطهرا على الاطلاق ودليل رابع على اشتراط التعدد في القليل.

فالنسبة بين العامين تنقلب من التباين الى العموم من وجه ويقع التعارض بينهما في مورد الاجتماع وهو الغسل بالكر هذا ما افاده سيدنا الاستاد.

٢٠٧

ويرد عليه انه لا وجه للانقلاب بل النسبة بحالها باقية بين العامين ولا بد من اعمال قانون التعارض غاية الامر مقتضى القاعدة العمل بالخاصين في مدلوليهما.

القسم الثالث : ما تكون النسبة بين العامين التباين وورد خاصان تكون النسبة بينهما بالعموم من وجه كما لو دل دليل على وجوب اكرام العلماء ودل دليل على عدم وجوب اكرام العلماء ودل دليل ثالث على وجوب اكرام العالم العادل ودل دليل رابع على عدم وجوب اكرام العالم النحوي.

فانه لا فرق في هذا القسم بين القول بالانقلاب وعدمه اذ بعد تخصيص العامين بالعالم العادل وبالعالم النحوي تصير النسبة بين العامين على القول بالانقلاب العموم من وجه اذ يفترقان في العالم العادل غير النحوي وفي العالم النحوي غير العادل ويتعارضان في العالم العادل النحوي.

وعلى القول بعدم الانقلاب يقع التعارض بين الخاصين بالعموم من وجه بأن يقع التعارض بينهما في العالم الفاسق النحوي فالكلام هو الكلام.

فان مادة الافتراق من احد الطرفين العالم العادل غير النحوي ومن الطرف الآخر العالم النحوي الفاسق فلا فرق في النتيجة هذا تمام الكلام في انقلاب النسبة وعدمها وظهر مما تقدم ان الصحيح عدم الانقلاب.

الفصل الثالث :

في الفرق بين التعارض والتزاحم فنقول : التعارض عبارة عن تنافي الدليلين وبعبارة اخرى : التعارض راجع الى مقام الجعل

٢٠٨

والتزاحم راجع الى مقام الامتثال والتنافي في مقام الجعل تارة يكون بالذات واخرى يكون بالعرض.

أما التعارض الذاتي فكما لو قام دليل على وجوب شيء أو حرمته وقام دليل آخر على نفي وجوبه أو حرمته فلا اشكال في تحقق التعارض والتنافي بين الدليلين اذ لا يعقل اجتماع النقيضين كما لا يعقل ارتفاعهما.

وأما التعارض بالعرض فكما لو قام دليل على وجوب صلاة الجمعة وقام دليل آخر على وجوب صلاة الظهر وعلمنا من الخارج عدم وجوب صلاتين في يوم واحد فيقع التعارض بالعرض بين الدليلين ، فانه لا تنافي بين الدليلين المذكورين بالذات لا مكان وجوب كلتا الصلاتين ولكن بالنظر الى العلم بعدم وجوب كلتيهما ينفي كل من الدليلين مدلول الآخر فيقع التعارض بين الدليلين ولا بد من رفع التعارض بوجه من الوجوه.

ووجه الجمع اما اعتباري واما عرفي. اما الجمع الاعتبارى فلا يعتد به ولا اعتبار به فلا بد من الجمع العرفي ان كان ، وإلّا فعلى تقدير مرجح معتبر في احد الطرفين أو الاطراف يرجح الدليل به وإلّا تصل النوبة الى التساقط كما هو الميزان الكلي.

وأما التزاحم فلا تعارض بين الدليلين ولذا يكون كلا الحكمين مجعولين من قبل المولى وانما التزاحم والتمانع في مقام الامتثال ، مثلا المولى يجعل وجوب انقاذ المؤمن على كل مكلف قادر على الانقاذ فلو فرض غرق فردين من المؤمن فان كان انقاذ كليهما ممكنا يجب انقاذهما وان لم يكن قادرا على الانقاذ حتى بالنسبة الى واحد منهما لا يجب عليه الانقاذ وان تمكن من انقاذ احدهما دون الآخر يجب انقاذه فقط فالجعل متحقق من قبل المولى على

٢٠٩

نحو القضية الحقيقية على كل قادر.

فالمتحصل ان التعارض مرتبط بمقام جعل المولى والتزاحم راجع الى مقام الامتثال بعد تمامية الجعل من قبل المولى.

ولا يخفى ان التزاحم المبحوث عنه في المقام لا يختص بالقول بتعبية الاحكام للمصالح والمفاسد في المتعلقات أو في نفس الاحكام ، بل يجري حتى على القول بعدم كون الحكم تابعا للملاك ، فان العجز عن الامتثال للتزاحم بين متعلقي الحكمين يوجب كون المورد موردا للتزاحم.

اذا عرفت ما تقدم فاعلم انه قد ذكرت لترجيح أحد المتزاحمين على الآخر مرجحات ، فلا بد من ملاحظة كل واحد منها على حياله واستقلاله. فنقول المرجح الاول : أن يكون لاحد الطرفين بدل طولي أو عرضي ولا يكون الطرف الآخر كذلك.

اما البدل الطولي فكما لو دار امر الكلف بين ازالة النجاسة عن المسجد والاتيان بصلاة الظهر ، فان الصلاة لها بدل طولي بخلاف الازالة فانها واجبة فورا فيلزم ترجيحها على الصلاة.

وبعبارة اخرى : يجب تقديم الواجب المضيق على الواجب الموسع.

وأما البدل العرضي فكما لو دار أمر المكلف بين اداء دينه واطعام ستين مسكينا مثلا وكان الاطعام له بدل وهو الصوم مثلا فلا اشكال في تقديم اداء الدين فلا تزاحم بين الواجب التعييني وهو اداء الدين والواجب التخييري وهو الصوم أو الاطعام.

وهذا الذي افيد لا اشكال فيه والامر كما افيد من وجوب الترجيح ولكن ليس من مصاديق التزاحم فان الامر لا يتعلق بالفرد بل يتعلق بالجامع بين المبدا والمنتهى كما ان الامر يتعلق

٢١٠

بالجامع بين الافراد العرضية ومن الظاهر انه لا تزاحم بين الجامع والفرد فلا موضوع للتزاحم ولذا تقدم الازالة على الصلاة مع ان الصلاة اهم من الازالة بمراتب ولا مجال للمقايسة بين الامرين وقس عليه التزاحم في تقديم التعييني على التخييري.

المرجح الثاني : أن يكون أحد الواجبين مقيدا بالقدرة دون الآخر بمعنى ان الملاك في أحدهما يختص بصورة القدرة وأما الواجب الآخر فيكون الملاك فيه غير مختص بصورة القدرة بل يعم كلتا الصورتين.

ففي مثله يتقدم الواجب الذي يكون الملاك فيه غير مشروط فلو دار الامر بين صرف الماء في حفظ النفس المحترمة من الهلاك وبين صرفه في الوضوء يجب صرفه في حفظ النفس وتصل النوبة الى التيمم.

اذ المستفاد من الدليل اشتراط وجوب الوضوء بالقدرة والمستفاد من النصوص ان المراد بالقدرة أعم من القدرة التكوينية فمع وجوب صرف الماء في حفظ النفس لا يبقى موضوع لوجوب الوضوء.

ويرد عليه ان ما ذكر وان كان تاما ولكن لا يرتبط بباب التزاحم اذ لو كان المستفاد من الدليلين اشتراط احد الواجبين بعدم واجب في ذمة المكلف كما فرض في التقريب لا موضوع لتزاحم الواجبين فان تزاحم واجبين فرع تعدد الواجب والحال ان الواجب في مفروض الكلام واجب واحد فالمرجح الثاني ملحق بالمرجح الاول.

المرجح الثالث : أن يكون احد الواجبين اهم ملاكا من الواجب الآخر كما لو دار الامر بين انقاذ ولي من أولياء الله من الغرق وانقاذ فرد سوقي فانه لا اشكال في حكم العقل بتقديم الاهم

٢١١

ولا مجال لان يزاحمه انقاذ الفرد السوقي.

وان شئت قلت : وجوب انقاذ ذلك الولي وتعيّنه من الامور الواضحة التي لا تحتاج الى قيام دليل عليها ومن القضايا التي قياساتها معها.

مضافا الى أن الصناعة تقتضي هكذا فان الامر بالاهم مطلق وغير مقيد بترك المهم وأما الامر بالمهم فلا اشكال في كونه مقيدا بترك الاهم اذ اطلاق كلا الدليلين يستلزم الامر بالمحال فلا يبقى الاطلاقان بحالهما فلا بد من سقوط الاطلاقين أو أحدهما وحيث انه لا وجه لسقوط اطلاق دليل الواجب الاهم يختص سقوط الاطلاق وتقيده بالواجب المهم.

المرجح الرابع : كون احد الواجبين مقدما على الواجب الآخر زمانا مع فعلية الوجوب بالنسبة الى كليهما كما لو دار الامر بين أن يصوم المكلف اليوم الحاضر ويتركه في اليوم المستقبل وأن يعكس الامر فان القاعدة تقتضي أن يصوم اليوم الحاضر ويتركه في المستقبل.

والوجه فيه ان الاتيان بالمتأخر الزماني لا يوجب سلب القدرة على الاتيان بالمتقدم فانه قادر عليه وجدانا فلا وجه لتركه وأما الاتيان بالمتقدم الزماني فيوجب عجزه عن الاتيان بالمتأخر ومع العجز عن الاتيان لا يتوجه التكليف فيكون المكلف في ترك المتأخر معذورا عقلا بخلاف المتقدم حيث لا يكون معذورا في تركه.

ويمكن اثبات المدعى بتقريب آخر وهو ان مقتضى اطلاق الدليل وجوب الاتيان بالمتقدم حتى مع الاتيان بالمتأخر وأما بالنسبة الى المتأخر فلا اطلاق في الدليل اذ لا يعقل الاطلاق فان من أتى بالمتقدم لا يكون قادرا على الاتيان بالمتأخر فلا وجه للاطلاق

٢١٢

الا على مسلك من يجوز التكليف بغير المقدور.

فالنتيجة ان التكليف بالنسبة الى المتقدم الزماني تام وغير مقيد فلا وجه لتركه وأما بالنسبة الى المتأخر الزماني فهو معلق على عدم الاتيان بالواجب المتقدم.

نعم اذا كان الواجب المتأخر أهم ملاكا بمقدار ملزم يجب حفظ القدرة لتحصيل ذلك الملاك والاتيان بالواجب المتأخر بحكم العقل حيث انه حاكم بوجوب ترجيح الاهم.

مضافا الى أنه قد مرّ منا ان القاعدة والصناعة هكذا تقتضي فان اطلاق الامر بالنسبة الى المتأخر يقتضي الاخذ به بخلاف الواجب المتقدم فان دليله غير مطلق ، فلاحظ.

فصل :

اذا وقع التعارض بين دليلين فاما تكون النسبة بينهما بالتباين الكلي وأما تكون بالتباين الجزئي واما تكون بالعموم والخصوص ، وعلى جميع التقادير اما يكون كلا الدليلين من الكتاب واما يكون كلاهما من السنة واما يكون احدهما من الكتاب والآخر من السنة.

فنقول : اما التعارض بالعموم والخصوص فلا يكون تعارضا مستقرا بل التعارض بدوي ويجمع بين الدليلين بالجمع العرفي بأن يكون يخصّص العام بالخاص.

وأما القسمان الآخران فان كان كلاهما من الكتاب فمقتضى القاعدة التساقط اذ المفروض ان الجمع بينهما غير ممكن وترجيح احدهما على الآخر بلا مرجح والتخيير بينهما لا دليل عليه.

ويبقى القسمان الآخران أعني كون احدهما من الكتاب والثاني

٢١٣

من السنة وكونهما من السنة أما القسم الاول فلا يكون الخبر المخالف حجة لجملة من الاخبار :

منها ما رواه السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ان على كل حق حقيقة وعلى كل صواب نورا فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه (١).

ومنها ما رواه ايوب بن راشد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف (٢).

ومنها ما رواه ايوب بن الحر قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : كل شيء مردود الى الكتاب والسنة وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف (٣).

ومنها ما رواه هشام بن الحكم وغيره عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : خطب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بمنى فقال : ايها الناس ما جاءكم عنّي يوافق كتاب الله فأنا قلته وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله (٤).

ومنها ما رواه جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة ان على كل حق حقيقة وعلى كل صواب نورا فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه (٥).

فلا موضوع للتعارض وليعلم ان التعارض اذا كان بالعموم من وجه

__________________

(١) ـ الوسائل الباب ٩ من أبواب صفات القاضى الحديث ١٠.

(٢) ـ عين المصدر الحديث ١٢.

(٣) عين المصدر الحديث ١٤.

(٤) ـ الوسائل الباب ٩ من ابواب صفات القاضى الحديث ١٥.

(٥) نفس المصدر الحديث ٣٥.

٢١٤

وكان عموم احد الدليلين بالوضع والآخر بمقدمات الحكمة يمكن أن يقال : انه لا تعارض بل يجمع بين الطرفين بتقديم العموم الوضعي على الاطلاقي فان ما بالوضع قابل لان يكون قرينة على الآخر.

مثلا قوله تعالى : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)(١) يدل باطلاقه على صحة بيع الغرر فلو ورد في حديث انه نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن كل عقد غرري يمكن القول بتقديم الحديث على الكتاب ويلتزم ببطلان بيع الغرر لما ذكرنا وهكذا الامر في كل دليلين يكون العموم في احدهما بالوضع وفي الآخر بالاطلاق.

وأما القسم الثاني وهو ما لو وقع التعارض بين الحديثين بالتباين الكلي أو الجزئي ولا يكون احدهما قابلا لرفع اليد به عن الآخر فمقتضى القاعدة الاولية التساقط اذ المفروض عدم امكان الجمع بينهما وعدم جواز ترجيح أحدهما على الآخر بلا مرجح فالقاعدة تقتضي تساقطهما فهل يكون مقتضى الدليل الثانوي التوقف أو التخيير أو الترجيح بالمرجح الموجود في احد الطرفين أو الاحتياط أو غير ذلك؟

والروايات الواردة في هذا المقام مختلفة. الطائفة الاولى : ما يدل على وجوب التوقف.

منها ما رواه عمر بن حنظلة قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما ـ الى أن قال : فان كان كل واحد اختار رجلا من اصحابنا فرضيا أن أن يكونا الناظرين في حقهما واختلفا فيما حكما وكلاهما اختلفا في حديثكم (حديثنا خ) فقال : الحكم ما حكم به اعدلهما وافقههما

__________________

(١) ـ البقرة / ١٧٥.

٢١٥

واصدقهما في الحديث واورعهما ولا يلتفت الى ما يحكم به الآخر.

قال : فقلت فانهما عدلان مرضيان عند أصحابنا لا يفضل (ليس يتفاضل) واحد منهما على صاحبه قال : فقال : ينظر الى ما كان رواياتهما عنّا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه عند اصحابك فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك فان المجمع عليه لا ريب فيه ـ الى ان قال :

فان كان الخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقات عنكم قال ينظر فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة وخالف العامة فيؤخذ به ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنة ووافق العامة.

قلت : جعلت فداك ان رأيت ان كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنة ووجدنا احد الخبرين موافقا للعامة والآخر مخالفا لهم بايّ الخبرين يؤخذ.

فقال : ما خالف العامة ففيه الرشاد فقلت : جعلت فداك فان وافقهما الخبران جميعا قال : ينظر الى ما هم اليه أميل حكّامهم وقضاتهم فيترك ويؤخذ بالآخر.

قلت : فان وافق حكّامهم الخبرين جميعا قال اذا كان ذلك فارجئه حتى تلقى امامك فان الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات (١).

والراوي الاول في الحديث غير معتبر فان عمر بن حنظلة لم يوثق مضافا الى كون الحديث مختصا بزمان امكان الوصول الى الامام عليه‌السلام.

ومنها مرسل الطبرسي : روى سماعة بن مهران قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام قلت : يرد علينا حديثان واحد يأمرنا الاخذ

__________________

(١) ـ الوسائل الباب ٩ من ابواب صفات القاضى الحديث ١.

٢١٦

به والآخر ينهانا عنه قال : لا تعمل بواحد منهما حتى تلقى صاحبك فتسأله عنه قال قلت : لا بد من أن نعمل بأحدهما قال خذ بما فيه خلاف العامة (١).

والمرسل لا اعتبار به مضافا الى اختصاصه بزمان امكان الوصول الى الامام عليه‌السلام.

ومنها ما رواه في السرائر نقلا من كتاب مسائل الرجال لعلي ابن محمد انّ محمد بن علي بن عيسى كتب اليه يسأله عن العلم المنقول الينا عن آبائك واجدادك صلوات الله عليهم قد اختلف علينا فيه كيف العمل به على اختلافه أو الرد اليك فيما اختلف فيه فكتب عليه‌السلام ما علمتم انه قولنا فالزموه وما لم تعلموا فردوه الينا (٢).

وغاية ما يستفاد منه التوقف فيكون قابلا لان يقيد بما يدل على ترجيح احد الطرفين بالمرجح الخارجي.

وبعبارة اخرى علم انه على فرض تمامية الدليل على التوقف لا بد من تقييده بما يدل على الترجيح بالمرجح.

اضف الى ذلك كله ان غاية ما يستفاد من الطائفة المشار اليها انه لا يجوز الاخذ باحد الطرفين والحكم به لكن لا تنافي بين عدم الاخذ بأحدهما والاخذ بالدليل اللفظي الآخر من عموم أو طلاق ان كان وإلّا فبالاصل العملي والعمل بمقتضاه فلاحظ.

الطائفة الثانية : ما يدل على التخيير منها ما أرسله في الاحتجاج روي عن الحسن بن الجهم عن الرضا عليه‌السلام انه قال : قلت : للرضا عليه‌السلام تجيئنا الاحاديث عنكم مختلفة قال : ما

__________________

(١) ـ جامع الاحاديث ج ١ ص ٢٦٦ الحديث ٣٢.

(٢) ـ الوسائل الباب ٩ من ابواب صفات القاضى الحديث ٣٦.

٢١٧

جاءك عنه (عناظ) فقسه على كتاب الله عزوجل وأحاديثنا فان كان يشبهها فهو منا وان لم يشبهها فليس منا.

قلت : يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين فلا نعلم ايهما الحق فقال : اذا لم تعلم فموسع عليك بايهما اخذت (١) والمرسل لا اعتبار به.

ومنها ما رواه ابن المغيرة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : اذا سمعت من أصحابك الحديث وكلهم ثقة فموسع عليك حتى ترى القائم فترده عليه (٢).

وفيه ان الرواية لا ترتبط بالمقام فان المستفاد منها اعتبار قول الثقة ولا تعرض فيها للتعارض فلاحظ.

ومنها مرفوعة العلامة الى زرارة بن اعين قال : سألت الباقر عليه‌السلام فقلت : جعلت فداك يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان فبأيهما آخذ قال عليه‌السلام : يا زرارة خذ بما اشتهر بين اصحابك ودع الشاذ النادر.

فقلت : يا سيدي انهما معا مشهوران مرويان مأثوران عنكم فقال عليه‌السلام : خذ بقول اعدلهما عندك واوثقهما في نفسك.

فقلت : انهما معا عدلان مرضيان موثقان فقال عليه‌السلام : انظر ما وافق منهما مذهب العامة فاتركه وخذ بما خالفهم قلت : ربما كانا معا موافقين لهم أو مخالفين فكيف اصنع فقال عليه‌السلام : اذا فخذ بما فيه الحائطة لدينك واترك ما خالف الاحتياط.

فقلت : انهما معا موافقان للاحتياط أو مخالفان له فكيف اصنع

__________________

(١) جامع الاحاديث ج ١ ص ٢٦٠ الحديث ٢٠.

(٢) نفس المصدر الحديث ٢١.

٢١٨

فقال عليه‌السلام : اذا فتخير احدهما فتأخذ به وتدع الآخر (١). والمرفوعة لا اعتبار بها.

ومنها ما ارسله الكليني في ديباجة الكتاب : فاعلم يا أخي ارشدك الله انه لا يسع احدا تمييز شيء مما اختلف الرواية فيه عن العلماء عليهم‌السلام برأيه الا على ما أطلقه (اطلعه خ ل) العالم عليه‌السلام بقوله : اعرضوها على كتاب الله فما وافق كتاب الله جل وعزّ اقبلوه (فخذوه خ ل) وما خالف كتاب الله عزوجل فردوه.

وقوله عليه‌السلام : دعوا ما وافق القوم فان الرشد في خلافهم وقوله عليه‌السلام : خذوا بالمجمع عليه فان المجمع عليه لا ريب فيه ونحن لا نعرف من جميع ذلك الا اقله ولا نجد شيئا أحوط ولا اوسع من رد علم ذلك كله الى العالم عليه‌السلام وقبول ما وسع من الامر فيه بقوله بأيّهما اخذتم من باب التسليم وسعكم (٢). والمرسل لا اعتبار به.

ومنها ما رواه ابن مهزيار قوله : فروى بعضهم ان صلّهما في المحمل وروى بعضهم لا تصلهما الا على الارض فاعلمني كيف تصنع انت لاقتدي بك في ذلك فوقع عليه‌السلام موسع عليك بايّة عملت (٣).

وهذه الرواية لا يستفاد منها المدعى بل المستفاد منها التخيير في الاتيان بالنافلة بين الامرين فلا ترتبط بما نحن فيه.

ومنها ما رواه سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن رجل اختلف عليه رجلان من أهل دينه في امر كلاهما يرويه

__________________

(١) ـ جامع الاحاديث ج ١ ص ٢٥٥ الحديث ٢.

(٢) ـ نفس المصدر الحديث ٣.

(٣) ـ جامع الاحاديث ج ١ ص ٢٦٩.

٢١٩

احدهما يأمر بأخذه والآخر ينهاه عنه كيف يصنع قال : يرجئه حتى يلقى من يخبره فهو في سعة حتى يلقاه (١).

والمستفاد من الرواية عدم الجزم بأحد الطرفين وتأخير الامر الى أن يصل الى من يخبره بواقع الامر والى ذلك الزمان في سعة اي لا يكون الزام لا بطرف الفعل ولا بطرف الترك فلا ترتبط الرواية بالمقام.

ومنها جواب مكاتبة الحميري الى صاحب الزمان عليه‌السلام الى أن قال عليه‌السلام في الجواب عن ذلك : حديثان اما احدهما فاذا انتقل من حالة الى اخرى فعليه التكبير واما الآخر فانه روى انه اذا رفع رأسه من السجدة الثانية وكبّر ثم جلس ثم قام فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير وكذلك التشهد الاول يجري هذا المجرى وبايّهما أخذت من باب التسليم كان صوابا (٢).

وفيه انه حكم خاص وارد في مورد مخصوص ولا وجه لاسرائه الى غير مورده لعدم المقتضي للاسراء مضافا الى ان مقتضى القاعدة في مورد الرواية تخصيص العموم بالخصوص وعدم ملاحظة النسبة واجراء التعارض على خلاف القاعدة.

فكيف يمكن التعدي عن المورد فان مقتضى الجمع بين الحديثين أن يقيد الحديث الاول بالحديث الثاني ولكن الامام عليه‌السلام امر بغير النحو المذكور وامره مطاع ولكن لا يتعدى عن المورد.

ومنها ما عن الفقه الرضوي عليه‌السلام والنفساء تدع الصلاة اكثره مثل ايام حيضها الى أن قال : وقد روي ثمانية عشر يوما وروي

__________________

(١) ـ الوسائل الباب ٩ من ابواب صفات القاضى الحديث ٥.

(٢) ـ الوسائل باب ٩ من ابواب صفات القاضى الحديث ٣٩.

٢٢٠