آراؤنا في أصول الفقه - ج ٣

السيّد تقي الطباطبائي القمّي

آراؤنا في أصول الفقه - ج ٣

المؤلف:

السيّد تقي الطباطبائي القمّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات المحلّاتي ( المفيد )
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٣٩

بالوجدان يكون المخصص واردا وان كان تعبديا يكون حاكما.

مثلا اذا قال المولى اكرم العلماء فتارة نعلم وجدانا ان العالم الفاسق لا يجوز اكرامه فيكون واردا واخرى يقوم دليل معتبر على عدم وجوب اكرامه وفي هذه الصورة يكون المخصص حاكما.

توضيح المدعى : ان الاخذ بالعموم يتوقف على جريان اصالة العموم وموضوع الاصل المذكور الشك في شمول العام لافراده فاذا علمنا بعدم شموله وجدانا يكون العلم واردا واذا كان الخروج تعبديا يكون الدليل المخصص حاكما فانا ذكرنا الحكم لا يتعرض لموضوعه وموضوع اصالة العموم الشك في شمول العام للفرد الفلاني فاذا دل الدليل على خروج الفرد يكون الفرد الفلاني معلوم الخروج عن تحت العام فلا تصل النوبة الى الاخذ بعموم العام.

الفصل الثانى :

انه اذا تعارض دليلان فما هو مقتضى التعارض مع قطع النظر عن الدليل الخارجي فنقول تارة يكون التعارض بين الدليلين اللذين يكون اعتبارهما ببناء العقلاء كظواهر الكتاب والاخبار المتواترة واخرى في غيرهما.

أما على الاول فلا بد من الالتزام بالسقوط اذ بناء العقلاء عند معارضة الدليلين رفع اليد عن كليهما ومعاملة الاجمال مع كل واحد منهما.

وأما على الثاني فان كان اعتبار الدليلين ببناء العقلاء ايضا كما في خبر الثقة ايضا كذلك طابق النعل بالنعل.

وأما ان كان بغيره كما لو ثبت اعتبار الدليل بالاجماع فحيث ان الاجماع دليل لبي يكون القدر المعلوم منه صورة عدم المعارضة فالنتيجة ان مقتضى التعارض الواقع بين دليلين سقوط كليهما عن

١٨١

درجة الاعتبار هذا بالنسبة الى مدلوليهما مطابقة.

وأما بالنسبة الى نفي الثالث فهل يمكن القول بأنهما لا يكونان متعارضين أم لا؟ ولا يخفى ان النزاع المذكور فيما لا يكون احدهما غير المعين قطعيا وإلّا فلا اشكال في نفي الثالث.

فنقول : ربما يتوهم كما عن صاحب الكفاية ان احد المتعارضين لا يشمله دليل الاعتبار اذ معلوم الكذب ولكن الطرف الآخر فهو محتمل الصدق والكذب فلا مانع عن شمول دليل الاعتبار اياه فيصير احدهما غير المعين حجة وبعد فرض كونه حجة ينفى به الثالث.

وفيه : ان عنوان احدهما امر انتزاعي ولا يشمله دليل الاعتبار وبعبارة واضحة : ان كل واحد من الطرفين أو الاطراف بخصوصه لا يشمله دليل الاعتبار لعدم مرجّح فيه وأما عنوان احدهما فانتزاعي لا واقع له فلا يتم التقريب المذكور.

وفي المقام تقريب آخر عن الميرزا ، لنفي الثالث وهو ان كل خبر له دلالتان الاولى : مطابقية والاخرى التزامية وبدليل الاعتبار كلتا الدلالتين معتبرتان فلو دل دليل على وجوب الظهر ودليل آخر على وجوب الجمعة يكون مقتضى كل واحد وجوب مدلولة فتجب كلتا الصلاتين.

ولكن قد علم من الخارج عدم وجوب صلاتين في يوم واحد فكل من الدليلين يدل على وجوب مدلوله ونفي الوجوب عن صلاة اخرى فيقع التعارض بين الدليلين في كل واحدة من الصلاتين بالنفي والاثبات وأما بالنسبة الى نفى الثالثة فلا تعارض بين الدليلين والتلازم بين الدلالة المطابقية والالتزامية في أصل الدلالة لا في الحجّية فاذا ثبتت الدلالة الالتزامية ولم يكن تعاند بين

١٨٢

المتعارضين بالنسبة اليها لا مانع من الالتزام بها فالدلالة الالتزامية المقتضي لها موجود ولا مانع عن الاخذ بها.

ويرد على التقريب المذكور : اولا بالنقض وثانيا بالحل أما الاول فبموارد منها : ان البينة لو قامت على تنجس الثوب بالبول ونحن نقطع بعدم تنجسه بالبول ولكن نحتمل تنجسه بنجاسة اخرى هل يكون الثوب محكوما بالنجاسة أو يجري فيه استصحاب الطهارة فان مقتضى التقريب المذكور لزوم الحكم بالنجاسة لتمامية البينة القائمة من حيث الدلالة الالتزامية.

ومنها : انه لو كانت عين في يد زيد وقامت بينة على كونها لبكر وقامت بينة اخرى على كونها لخالد فكلتا البينتين متفقتان على عدم كونها لزيد وأما بالنسبة الى المدلول المطابقي فيتعارضان ويتساقطان فيلزم على مقتضى التقريب المذكور أن نحكم بعدم كونها لزيد ويكون من مصاديق مجهول المالك وهل يلتزم الميرزا باللازم المذكور في الموردين المذكورين وبقية الموارد التي من قبيل الموردين المذكورين؟ وهل يمكن الالتزام بهذه اللوازم كلا ثم كلا.

وأما الحل فان الدلالة على اللازم من الناحية الخاصة مثلا الاخبار بالنجاسة في مثال الاخبار عن النجاسة البولية ناش ومسبب عن الاخبار بالبول ولو لاه لا يكون اخبارا بالنجاسة فاذا سقط اعتبار الاخبار بالملزوم بالمعارضة أو من جهة اخرى لا يبقى اخبار بالنسبة الى اللازم كى نلتزم باعتباره.

وبعبارة واضحة : انه لا اخبار باللازم كي يشمله دليل الاعتبار فان الاخبار باللازم من ناحية الاخبار بالملزوم ساقط على الفرض

١٨٣

ولا اخبار باللازم من ناحية اخرى فلا مقتضى للالتزام بتحقق اللازم.

فالنتيجة ان المتعارضين لا يترتب عليهما اثر لا بالنسبة الى الدلالة المطابقية ولا بالنسبة الى الدلالة الالتزامية.

وبعبارة اخرى : ان الدلالة المطابقية مفروضة العدم بالمعارضة ووجودها كعدمها والمفروض انه لا دليل على اللازم غير هذه الدلالة الساقطة عن الاعتبار بالمعارضة فالنتيجة سقوط المتعارضين عن الاعتبار بالنسبة الى كلتا الدلالتين.

فتحصل انه لو لم يكن دليل من الخارج على ترجيح احد المتعارضين على الآخر أو على التخيير كان مقتضى التعارض التساقط الا فيما يكون احد الدليلين قابلا لان يتصرف به في الآخر بالورود أو الحكومة.

وبعبارة واضحة : التعارض يتوقف على عدم كون احدهما قرينة على الآخر وأما لو كان احدهما قابلا للقرينة في نظر العرف لا يتحقق التعارض ولذا نرى انه لو قال احد رأيت اسدا يرمي يحمل لفظ الاسد في كلامه على الرجل الشجاع لاجل ان قوله يرمي قابلا للقرينية مع ان ظهور لفظ الاسد بالوضع وظهور لفظا يرمي في الرمي بالنبال بالاطلاق.

ومن هنا يظهر المناط في التقديم الظهور العرفي وكون أحدهما قرينة عرفا فلا أثر لأقوائية الظهور بل المناط بكون أحدهما قرينة على الآخر.

اذا عرفت ما تقدم وقع الكلام بينهم في عدة موارد الاول : انه لو كان ظهور احد الدليلين في العموم بالوضع وظهور الدليل الآخر في العموم بالاطلاق فهل يقع التعارض بين الدليلين أو يقدم

١٨٤

ما بالوضع على ما بالاطلاق؟

مثلا لو قال المولى في دليل اكرم العلماء يكون كلامه ظاهرا بالظهور الوضعي في وجوب جميع أفراد العلماء فلو قال في دليل آخر لا تكرم الفاسق يكون كلامه ظاهرا بالظهور الاطلاقي في حرمة اكرام الفاسق ولو كان عالما فيقع التعارض بين الدليلين في العالم الفاسق فهل يتقدم العموم الوضعي على العموم الاطلاقي أو يسقط كلا الظهورين بالتعارض؟

ذهب الشيخ قدس‌سره الى الاول واختار تقدم العموم الوضعي على الاطلاقي بدعوى ان المطلق معلق على عدم البيان وحيث ان العام الوضعي قابل لان يكون بيانا للعام الاطلاقي يؤخذ بالعموم الوضعي وترفع اليد عن الاطلاقي ويقيد حرمة اكرام الفاسق بالفاسق غير العالم.

وأورد عليه صاحب الكفاية بأن الاطلاق بعد تحققه لا ينقلب عما هو عليه ولا يزول اطلاقه فلا وجه لترجيح ما بالوضع على ما بالاطلاق.

والذي يختلج بالبال أن يقال : تارة نقول : اذا قارن كلا الدليلين في الكلام واتصلا كما لو قال المولى العلماء ، وأوفوا بالعقود ولا تكرموا الفاسق يكون كلا الدليلين مجملا لمقارنة كل منهما الآخر وقابلية كل منهما قرينة للمراد من الآخر.

واخرى نقول : في صورة التقارن يتقدم العام الوضعي على العام الاطلاقي ويكون العموم الوضعي قرينة للآخر.

وثالثة لا نجزم بأحد الطرفين ونقول : لا يمكننا الجزم باحد الطرفين أما على الاول فالحق ما أفاده صاحب الكفاية اذ لا وجه لترجيح احد الطرفين على الآخر بل لا بد من معاملة المجمل مع

١٨٥

كلا الدليلين بلا فرق بين كون الدليلين متصلين أو منفصلين.

كما ان الامر كذلك على التقدير الثالث اذ مع الشك وعدم الجزم لا يمكن الحكم باحد الطرفين فالنتيجة هي الاجمال كالصورة الاولى.

وأما على التقدير الثاني فالحق ما أفاده الشيخ قدس‌سره اذ لو قلنا بأن التقارن يقتضي سقوط الاطلاق وعدم تحققه يكون معناه ان العام الوضعي قابل للتصرف في الاطلاق ومنعه عن انعقاده فاذا كان كذلك يكون مقدما عليه ولو في صورة الانفصال لا من باب الكشف عن عدم الاطلاق ولا من باب انقلاب المطلق عما هو عليه فان هذا التوهم بكلا وجهيه باطل فان المقدمات لو تمت ينعقد الاطلاق والشيء لا ينقلب عما هو عليه بل لان ما يصلح للقرينة اذا كان متصلا بذي القرينة يكون مانعا عن انعقاد الظهور واذا كان منفصلا يكون رافعا لحجية ذلك الظهور فما أفاده الشيخ في الفرض المذكور تام لا غبار عليه.

ولا يبعد أن يكون العموم الوضعي مقدما على العموم الاطلاقي ويكون قرينة لما اريد من الاطلاق فيكون في صورة الاتصال مانعا عن انعقاد الاطلاق ومع الانفصال يكون موجبا لسقوط الاطلاق عن الاعتبار.

فلو قال المولى لعبده أو وكيله بع الكتب كلها وقال أيضا في جملة من كلامه ما وهب لي لا يباع لا يشك العبد أو الوكيل ان الكتب كلها تباع ولو كان بعضها موهوبا فلاحظ.

المورد الثاني : ما لو وقع التعارض بين العموم الاستغراقي الاطلاقي والعموم الاطلاقي البدلي كما لو ورد في دليل اكرم العالم وورد في دليل آخر لا تكرم الفاسق فانه يقع التعارض بينهما بالتعارض بالعموم

١٨٦

من وجه ويتعاندان في العالم الفاسق فبمقتضى حرمة اكرام الفاسق يحرم اكرامه وبمقتضى وجوب اكرام العالم يجوز اكرامه فهل يتقدم العموم الاستغراقي على العموم البدلي ويلتزم بعدم جواز اكرام العالم الفاسق أم لا؟

ذهب الميرزا النائيني الى الترجيح وبين المدعى بوجوه : الوجه الاول : ان الاطلاق الاستغراقي يقتضى شمول الحكم لجميع الافراد فكل فرد من أفراد الطبيعة محكوم بذلك الحكم مثلا كل فاسق محكوم بحرمة الاكرام في المثال الذي ذكرنا.

وأما الاطلاق البدلي فلا عموم في مقتضاه اذ الحكم متعلق بالطبيعة وغايته تضييق دائرة الطبيعة فرفع اليد عن الاطلاق الاستغراقي رفع اليد عن جملة من أفراد الطبيعة وأما رفع اليد عن الاطلاق البدلي فليس كذلك فيكون الاطلاق الاستغراقي مقدما وحاكما على الاطلاق البدلي.

وأورد عليه سيدنا الاستاد قدس‌سره بايرادين الايراد الاول : ان الوجه المذكور مجرد استحسان ولا يقتضي التقديم.

الايراد الثاني : ان المدعى باطل من أصله وذلك لان الاطلاق البدلي أيضا يستلزم الاستغراق كالاطلاق الشمولي.

بيان ذلك : ان الوجوب اذا تعلق بطبيعة كما لو قال المولى اكرم العالم ينحل حكمه الى حكمين احدهما : وجوب اكرام طبيعة العالم ، ثانيهما : ترخيص تطبيق تلك الطبيعة على كل فرد من الافراد فالحكم الايجابي وان لم يكن استغراقيا لكن الحكم الترخيصي استغراقي ويشمل كل فرد من الافراد فلا فرق بين الاطلاقين من هذه الجهة غاية الامر ان الاستغراق في احد الدليلين بالنسبة الى الحكم الالزامي وفي الآخر بالنسبة الى الحكم الترخيصي

١٨٧

فلا فارق بين المقامين.

أقول : نتعرض اولا لما أفاده سيدنا الاستاد وثانيا لما أفاده الميرزا فنقول : الظاهر ان ما أفاده سيدنا الاستاد ليس تاما اذ نسأل ان تطبيق الطبيعة عين وجود الطبيعة أو غيره.

وبعبارة اخرى : وجود الطبيعة في الخارج متحد مع الوجود المرخص فيه أو ليس متحدا وببيان واضح : ان التركيب بين الطبيعة والفرد اتحادي أو انضمامي أما على الاول فلا يعقل اذ يلزم اجتماع الضدين فان الاحكام باسرها متضادة من حيث المبدا ولا يمكن اجتماع المحبوبية وعدمها.

توضيح المدعى : ان الطبيعة الواجبة اذا تحققت في الخارج تكون محبوبة للمولى فكيف يمكن أن لا تكون محبوبة ولا مبغوضة.

وان شئت قلت : ان الحلال بالمعنى الاخص لا يمكن ولا يعقل أن يكون مصداقا للواجب.

وأما على الثاني فيلزم جواز اجتماع الامر والنهي فيجوز ايجاد الطبيعة الواجبة في ضمن الفرد المحرم اذ قد فرض ان وجود الفرد غير وجود الطبيعة أي فرض كون التركيب انضماميا ومع كون التركيب انضماميا لا مانع عن الامتثال ويجوز اجتماع الامر والنهي وهل يلتزم سيدنا الاستاد بهذا اللازم الباطل.

فالحق أن يقال : كما حقق في محله ـ ان وجود الفرد عين وجود الكلي أي وجود واحد مصداق للشخص والصنف والنوع والجنس القريب والمتوسط وجنس الاجناس فلا مجال للقول بالترخيص في الطبائع الواجبة فما أفاده غير تام.

ولذا قلنا ان الكراهة في العبادة معناها قلة الثواب لا الكراهة بمعناها الاصطلاحي فاذا أوجب المولى طبيعة كالصلاة مثلا يكون

١٨٨

الواجب ايجاد الطبيعة فقط.

ان قلت : اذا لم يكن ترخيص من قبل المولى بالنسبة الى تطبيق الطبيعة على أفرادها فما الوجه في كون المكلف مطلق العنان بالنسبة الى التطبيق.

قلت : الوجه فيه ان المولى رفض القيود ومرجع رفض القيود عدم ترجيحه احد الاطراف على الافراد الأخر.

وببيان أوضح : ان المولى لا مجال له أن يرخص اذ كل فعل له حكم واحد ولا يعقل أن يجتمع فيه حكمان.

وببيان آخر : انه لا اشكال في كون مصداق الواجب محبوبا للمولى ومع كونه محبوبا له هل يمكن أن لا يكون محبوبا ولا مبغوضا كلا. وأما الترخيص فبحكم العقل بعد عدم ترجيح المولى بعض الافراد على الافراد الأخر هذا ما يرجع الى كلام سيدنا الاستاد.

وأما ما افاده الميرزا فغير تام أيضا اذ هو قدس‌سره قد اعترف بأن الاخذ بالاطلاق الشمولي يوجب تضييق دائرة الاطلاق البدلي فنسأل أي وجه في ترجيح أحد الطرفين على الآخر مع ان الاخذ بكل من الطرفين يوجب رفع اليد عن ظاهر الآخر.

والفارق الذي ذكره غير قابل للفارقية فالحق انه لا ترجيح فيوجب اقترانهما اجمال كلا الدليلين وافتراقهما يوجب سقوط ظهور كليهما عن الاعتبار والحجية فلاحظ.

الوجه الثاني : ان انعقاد الاطلاق في الاطلاق البدلي يتوقف على مقدمة زائدة على مقدمات الاطلاق وهي تساوي الافراد في الوفاء بالغرض اذ مع عدم احراز التساوي لا يتحقق الاطلاق.

وأما في الاطلاق الشمولي فلا يتوقف الاطلاق على المقدمة

١٨٩

المذكورة فان الافراد في العام الشمولي لا تكون متساوية في الغرض مثلا اذا قال المولى لا تزن أو لا تقتل أحدا أو لا تهن المؤمن وهكذا يكون الحكم شاملا لجميع الافراد ولا تكون الافراد متساوية في الملاك فان حرمة الزنا لها مراتب وكذا القتل وكذا الاهانة وهكذا.

مثلا حرمة الزنا بذات البعل لا تساوي حرمة الزنا بالخلية وقس عليها بقية الموارد ومع وجود الاطلاق الشمولي لا يحرز تساوي الافراد في الاطلاق البدلي فيكون الاطلاق الشمولي قابلا لبيان المراد من الاطلاق البدلي وأما في عكسه فلا وهذا وجه الترجيح.

ويرد عليه أولا النقض وثانيا الحل أما النقض : فان الاطلاق الشمولي أيضا يحتاج الى مقدمة وهي احراز أن لا يكون بعض أفراد العام مزاحما بجهة مانعة عن شمول الحكم.

مثلا ربما يكون العلم مانعا عن حرمة اكرام الفاسق والاطلاق البدلي قابل لان يكون مانعا عن تحقق المقدمة المذكورة.

وبعبارة اخرى : يكون قابلا للمنع عن انعقاد الاطلاق في الاطلاق الشمولي فلا ترجيح في البين.

وأما الحل : فنفس الاطلاق ومقدماته كافية لتحقق المقدمة المذكورة فان المولى لو كان في مقام البيان ورتب الحكم على الطبيعة وقال اكرم العالم ولم يقيده بالعادل يكشف عن تسوية الحكم وتسوية الافراد في الوفاء بالغرض كما ان المولى لو كان في مقام البيان ونهى عن طبيعة ولم يخرج فردا أو نوعا خاصا يكشف عن الحكم شامل لجميع افراد الموضوع فلا ترجيح لاحدهما على الآخر من هذه الجهة.

١٩٠

الوجه الثالث : ان الاطلاق البدلي يتوقف على عدم الاطلاق الشمولي فاذا توقف عدم الاطلاق الشمولي على عدم الاطلاق البدلي يلزم الدور والدور محال.

ويرد عليه اولا : بالنقض وثانيا بالحل أما النقض فنقول : انعقاد الاطلاق في الشمولي يتوقف على عدم الاطلاق البدلي فاذا توقف عدم الاطلاق البدلي على الاطلاق الشمولي يلزم الدور والدور محال.

وأما الحل : فهو عدم توقف الاطلاق في كل من الموردين على عدم الاطلاق في الآخر بل الاطلاق في كلا الموردين متوقف على مقدماته غاية الامر كل من الاطلاقين مانع عن العمل بالآخر للمعارضة وهذا عبارة عن التعارض.

وبعبارة واضحة : التعارض بين الدليلين عبارة عن تمامية المقتضي في كل من الدليلين وانما المانع عن العمل بالمقتضى وجود المانع أي المعارض فانقدح عدم تمامية ما أفاده الميرزا فلاحظ.

المورد الثالث : ما لو دار الامر بين التخصيص والنسخ والمشهور بينهم تقديم التخصيص ثم ان الدوران المذكور تارة يكون بالنسبة الى شيء واحد أي دليل واحد واخرى يكون بالنسبة الى دليلين.

فلمورد الكلام صورتان الصورة الاولى : ما لو تردد الامر بالنسبة الى دليل واحد كما لو ورد عام سابقا كقوله اكرم العلماء ثم ورد بعده خاص كقوله لا تكرم الفساق من العلماء ودار أمر الخاص بين كونه ناسخا لحكم العام بالنسبة الى مورد التخصيص وكونه مخصصا له من اول الامر.

وبعبارة اخرى : يدور أمره بين كونه مخصصا زمانيا وكونه مخصصا افراديا.

١٩١

أفاد سيدنا الاستاد بأن الاولى عدم التعرض لهذا القسم اذ لا يترتب على البحث حوله اثر عملى فان الوظيفة بالنسبة الى زمان ورود المخصص وما بعده رفع اليد عن العموم اما للتخصيص واما للنسخ فالنتيجة واحدة وانما تظهر النتيجة لمن كان مدركا لكلا الزمانين.

وبعبارة اخرى : بعد ورود المخصص ترفع اليد عن العموم اما لاجل النسخ واما لاجل التخصيص.

الصورة الثانية : ما لو دار الامر بين كون احد الدليلين مخصصا وكون الآخر ناسخا كما لو ورد خاص أولا كقوله لا تكرم الفساق من العلماء ثم ورد قوله اكرم العلماء فيدور الامر بين كون العام المتأخر ناسخا للخاص المتقدم وبين كون الخاص المتقدم مخصصا للعام المتأخر.

وقبل الخوض في البحث نقول : النسخ بمعناه الحقيقي أي البداء لا يعقل في الحكم الشرعي اذ البداء ناش من الجهل تعالى عن ذلك وتقدس فيكون النسخ عبارة عن الابداء في وعاء الشرع وبيان امد الحكم.

وبعبارة اخرى : النسخ في الحكم الشرعى عبارة عن التخصيص الازماني.

ثم ان النسخ بالمعني الذي ذكرناه يمكن تحققه بعد زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله اذ يمكن أن يكون للحكم الفلاني بحسب الوقع امد وبينه الرسول الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله لخلفائه وهم بينوه للناس في الوقت المقرر من قبل الشارع الاقدس.

اذا عرفت ما تقدم نقول : قد ذكرت لتقديم التخصيص على النسخ وجوه الوجه الاول : كثرة التخصيص بحيث اشتهر «انه ما من عام إلّا وقد خصص».

١٩٢

ويرد عليه ان الوجه المذكور غير صالح للترجيح وغايته أن يحصل منه الظن بالتخصيص والظن لا يغني من الحق شيئا.

الوجه الثاني : ما أفاده صاحب الكفاية وهو ان كثرة التخصيص توجب كون الخاص أقوى في استمرار الحكم.

وبعبارة اخرى : دلالة الخاص في استمرار حكمه أقوى من دلالة العام في أفراده فيقدم على العام ويخصصه.

واورد عليه الميرزا النائيني بأن الحكم لا يمكن أن يكون متعرضا لاستمرار وعدمه بل الاستمرار يتحقق بدليل خارجي والدليل الخارجي عبارة عن استصحاب عدم النسخ فالامر دائر بين الاخذ بالاستصحاب وبعموم العام ولا ريب ان الاستصحاب الذي يكون اصلا عمليا لا يعارض عموم العام الذي يكون دليلا اجتهاديا.

وهذا الايراد غير وارد على صاحب الكفاية اذ تارة يقع الكلام في أن الحكم الفلاني مستمر أم لا واخرى في أن الحكم الفلانى نسخ أم لا اما استمرار الحكم فهو مستفاد من نفس الاطلاق.

وبعبارة اخرى : لو كان المولى في مقام البيان وتمت مقدمات الحكمة ينعقد لدليل الحكم اطلاق بالنسبة الى الازمنة المتأخرة وهذا الاستمرار يفهم من الاطلاق ولا يرتبط بعدم النسخ فان النسخ رفع الحكم بعد ثبوته والكلام في أصل الثبوت فلا مجال لما اورده الميرزا على صاحب الكفاية.

لكن يرد على صاحب الكفاية ان مجرد الاقوائية لا يوجب التقديم بل لا بد في تقديم احد الدليلين على الآخر من كونه قرينة في نظر العرف بأن يكون واردا أو حاكما على الآخر مضافا الى أنه لا وجه للاقوائية فان غاية ما يترتب على كثرة التخصيص حصول الظن به

١٩٣

واقوائية احتماله من احتمال النسخ وقد تقدم ان الظن لا يغني من الحق شيئا.

الوجه الثالث : ما أفاده الميرزا النائيني وهو ان تحقق العموم يتوقف على جريان مقدمات الحكمة في مدخول أداة العموم وحيث ان الخاص يصلح لأن يكون بيانا يمنع عن انعقاد الاطلاق في مدخول أداة العام.

ويرد عليه ان افادة الفاظ العموم كلفظ كل لا تتوقف على جريان مقدمات الحكمة في المدخول بل الفاظ العموم كلفظ كل مثلا بنفسها متكفلة لافادة العموم مثلا اذا قال المولى اكرم كل عالم لا يتوقف العموم على جريان مقدمات الحكمة في لفظ عالم.

وببيان واضح : لفظ كل لم يوضع بازاء افادة عموم ما يراد من المدخول بل لفظ كل وأمثاله بنفسها تفيد السعة والعموم فعموم المدخول تابع للفظ كل لا ان لفظ كل تابع لما اريد من المدخول فلاحظ.

الوجه الرابع : ما أفاده سيدنا الاستاد قدس‌سره وهو ان الخاص المتقدم على العام كما في المثال المذكور مانع عن انعقاد الظهور في العموم المتأخر مثلا لو قال المولى لا تكرم زيدا العالم ثم قال اكرم العلماء يكون قوله السابق قرينة على أنه لا يكون العموم مرادا له بل العموم مخصص بزيد فان تقديم البيان عن وقت الحاجة لا يكون قبيحا بل القبيح تأخير البيان عن وقت الحاجة وعليه يكون الخاص المتقدم مخصصا ومانعا عن انعقاد الظهور في العموم.

ولذا اختلفوا في الخاص الوارد بعد العام بين كونه مخصصا للعام أو ناسخا فذهب بعضهم الى كونه مخصصا على الاطلاق وقال

١٩٤

آخرون بالتفصيل بأنه ان كان وروده قبل وقت العمل بالعام يكون مخصصا وان كان بعده يكون ناسخا.

ويرد عليه ان الخاص اذا قارن العموم يكون مانعا عن انعقاد الظهور فيه وأما لو لم يقارنه كما هو المفروض ينعقد الظهور للعام غاية الامر يكون ظهوره حاكما عليه.

وببيان واضح : تارة لا يكون مجال لتحقق النسخ كما لو ورد كل من العام والخاص قبل وقت العمل واخرى يرد العام بعد وقت العمل بالخاص فانه يتردد الامر بين الامرين أي يتردد بين كون الخاص مخصصا وبين كون العام ناسخا فما افاده ايضا غير تام.

الوجه الخامس : ما أفاده سيدنا الاستاد ايضا وحاصل ما أفاده بتوضيح منا ان كل امام من المعصومين عليهم‌السلام اذا بين حكما بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يكون الظاهر منه ان الحكم المذكور حكم من أحكام اصل الشريعة وحكم لزمان النبي وما بعده لا انه حكم من ذلك الزمان الذي بين فلا يكون الحكم المبين من الباقر أو الصادق عليهما‌السلام حكما من زمان صدوره كي يكون ناسخا لما قبله.

وبعبارة واضحة : يتوقف النسخ على كون الناسخ متأخرا عن المنسوخ وأما مع التقارن فلا مجال لتحقق النسخ.

ان قلت : اذا كان كذلك فما الوجه في تأخير بيانه ولما ذا لم يبيّنه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في زمانه.

قلت : يمكن أن تكون مصلحة في التأخير وببيان واضح : كان الحكم المذكور متأخرا مجعولا من قبل الله من أول الامر وفي الواقع كان محفوظا غاية الامر بيانه متأخر واظهاره تأخر لنكتة.

نعم اذا بيّن خاصا شخص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم بعد زمان بيّن عاما ودار الامر بين كونه ناسخا للخاص المتقدم ومخصصا به

١٩٥

لا يمكن ترجيح احد الطرفين لا مكان النسخ.

وأما الحكم الذى بيّن من قبل خلفائه عليهم‌السلام فلا يحتمل فيه النسخ فيكون التخصيص متعينا فكأن الاحكام المذكورة كلها كانت صادرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن الظاهر ان العام والخاص الصادرين عن المولى اذا كانا متقارنين يكون الخاص مانعا عن انعقاد ظهور العام في العموم وان كانا منفصلين يكون الخاص مخصصا للعام فلاحظ والظاهر ان ما افاده لا بأس به.

المورد الرابع : ما لو وقع التعارض بين الدليلين المثبت كل منهما تكليفا ولكن نعلم بكذب احدهما كما لو دل دليل على وجوب صلاة الجمعة والدليل الآخر دل على وجوب صلاة الظهر وحيث انا نعلم من الخارج انه لا يجب في اليوم الواحد الا صلاة واحدة يقع التعارض بين الدليلين المذكورين.

وقالوا يمكن الجمع بين الدليلين المذكورين بأن نقول كل منهما صريح في كون مدلوله مجزيا وظاهر في تعينه فبصراحة كل منهما ترفع اليد عن ظهور الآخر ونلتزم بالتخيير.

والظاهر ان ما افيد مردود نقضا وحلا أما النقض فبما وقع التعارض بين الدليلين على نحو التباين كما لو قال المولى في دليل اكرم العلماء وقال في دليل آخر لا تكرم العلماء فانه يمكن الجمع بين الدليلين المذكورين بحمل العلماء في الدليل الاول على العدول والثاني على الفساق وهل يمكن الالتزام به؟

وأما الحل فلأن مجرد الصراحة في مورد لا يوجب ولا يقتضي التقديم بل التقدم يتوقف على كون المقدم قرينة عرفية على الآخر.

والظاهر ان ما فرضناه في المقام يعد من التعارض في العرف ومقتضاه التساقط ومما ذكرنا ظهر فساد ما جمع به بين قوله «لا

١٩٦

بأس ببيع العذرة» وقوله «ثمن العذرة سحت» بأن تحمل العذرة في الجملة الاولى على عذرة غير الانسان وفي الجملة الثانية على عذرة الانسان.

بتقريب : ان العذرة في الجملة الاولى صريحة في عذرة غير الانسان وظاهرة في غيرها وفي الجملة الثانية صريحة في عذرة الانسان وظاهرة في غيرها فبصراحة كل من الدليلين ترفع اليد عن ظاهر الآخر ويجمع بين الدليلين ، فانه جمع تبرعي لا جمع عرفي ولا اعتبار بالجمع التبرعي وإلّا فأين يوجد التعارض.

ويمكن ان توجد موارد أخر لتردد الامر ولا بد للخبير العارف بالصناعة أن يشخص صورة التعارض عن غيرها.

هذا تمام الكلام في التعارض الواقع بين الدليلين ، وأما لو كان التعارض بين أزيد من الدليلين فهل القاعدة تقتضي ان تلاحظ الادلة وانها اي شيء تقتضي أو يلزم ملاحظة نسبة بعضها مع بعض ثم ملاحظة النسبة مع البعض الآخر مثلا اذا ورد قول المولى اكرم العلماء وورد قوله لا تكرم الفساق وورد قوله لا تكرم الفساق من العلماء فهل تلاحظ نسبة الدليلين الاولين في حد نفسهما وتكون النتيجة التساقط لاجل كون النسبة التباين الجزئي.

أو القاعدة تقتضي تخصيص قوله اكرم العلماء بقوله لا تكرم الفساق من العلماء وبعد تخصيص العام الاول بهذا النحو تكون النسبة الى العام الثاني نسبة الخاص الى العام ولذا يخصص العام الثاني بالعام الاول بعد انقلاب النسبة من التباين الى العموم والخصوص المطلقين؟

ذهب جملة من الاساطين الى عدم الانقلاب وذهب سيدنا الاستاد الى الانقلاب وابتنى ما ذهب اليه على مقدمتين :

١٩٧

المقدمة الاولى : ان لكل لفظ ثلاث دلالات الدلالة الاولى : الدلالة الانسية التي تتحقق من كثرة استعمال اللفظ الفلاني في المعنى الكذائي والمراد من هذه الدلالة انتقال الذهن من سماع اللفظ الى معناه كانتقال الذهن من سماع لفظ الماء الى الجسم السيال وهذه الدلالة ناشية من كثرة استعمال اللفظ في معناه.

الدلالة الثانية : دلالة اللفظ على كون المتكلم مريدا للمعنى الفلاني وتسمى هذه الدلالة بالدلالة الوضعية وتحقق هذه الدلالة يتوقف على عدم قيام قرينة على أن المتكلم لم يرد المعنى الفلاني كما ان الامر كذلك في قول القائل رأيت اسدا يرمي فان لفظ يرمي قرينة على عدم ارادة المتكلم من لفظ الاسد الحيوان المفترس.

الدلالة الثالثة : الدلالة التصديقية أي التصديق بأن المتكلم اراد بالارادة الجدية المعنى الفلاني وبعبارة اخرى : تطابق الارادة الوضعية مع الارادة الجدية وهذه الدلالة متوقفة على عدم قيام دليل وقرينة على الخلاف.

المقدمة الثانية : ان التعارض لا يتحقق إلّا بعد فرض كون كلا المتعارضين في حد نفسهما حجة وأما مع سقوط واحد منهما عن الحجية أو كليهما فلا يبقى مجال للتعارض.

وبعبارة اخرى : التعارض فرع التكافؤ واما مع عدمه فلا تعارض اذا عرفت المقدمتين تعرف وضوح انقلاب النسبة.

وببيان واضح : ان التصديق بانقلاب النسبة لا يحتاج الى أزيد من تصورها.

ويرد عليه اولا : ان الامر لو كان بهذا المقدار من الموضوع فما الوجه في وقوعه مورد البحث والقيل والقال وكيف يكون كذلك والحال ان مثل الشيخ وصاحب الكفاية ذهبا الى خلافه والحال ان

١٩٨

لهما اليد البيضاء في هذه المسائل.

وثانيا : انه لا يكون في لحاظ النسبة بين أطراف التعارض ترتب ترتب وفصل زماني أو رتبي كى يتم البيان المذكور بل التعارض يقع بين الادلة الثلاثة أو الاربعة في زمان واحد ورتبة واحدة.

فلو قال المولى في دليل لا تكرم العلماء وفي دليل آخر قال لا يجب اكرام العلماء وفي دليل ثالث قال لا تكرم الفساق من العلماء يكون قوله اكرم العلماء معارضا بمعارضين هما قوله لا تكرم الفساق من العلماء وقوله لا يجب اكرام العلماء فلا وجه لملاحظة النسبة اولا بين احد العامين والخاص المعارض له ثم ملاحظة النسبة بين العام المخصص مع العام الآخر كي تنقلب النسبة من التباين الى العموم والخصوص بل في الرتبة الاولى يسقط ظهور العام بمعارضه.

وان شئت قلت : في زمان واحد قوله اكرم العلماء معارض بدليلين آخرين ومقتضى معارضته بالدليلين سقوطه عن الاعتبار في جميع مدلوله غاية الامر سقوطه عن الاعتبار بالنسبة الى بعض مدلوله بمعارضين وبالنسبة الى بعض مدلوله بمعارض واحد.

ثم ان سيدنا الاستاد تعرض لانواع التعارض الواقع بين اكثر من دليلين وقال «النوع الاول» ما لو كان هناك عام وخاصان وهذا النوع يتصور باقسام :

القسم الاول : ما لو كانت النسبة بين الخاصين التباين كما لو قال المولى اكرم العلماء ثم قال في دليل آخر : لا تكرم العلماء الذين لم يبلغ عمرهم ثلاثين سنة وقال في في دليل ثالث لا يجب اكرام العماء الذين يكون عمرهم فوق تسعين سنة فانه لا اشكال في

١٩٩

تخصيص العام في هذه الصورة بكلا الخاصين بلا فرق بين القول بانقلاب النسبة وعدمه اذ المفروض ان نسبة كل واحد من الخاصين الى العام بالخصوص والعموم ولازمه التخصيص.

نعم يشكل الامر فيما لو خصّص العموم بكلا الخاصين ولا يبقى مورد للعام كما لو قال المولى يستحب اكرام العلماء وقال في دليل آخر يجب اكرام العدول من العلماء وقال في دليل ثالث يحرم اكرام الفساق من العلماء فانه لو خصص العام بكلا الخاصين لا يبقى مورد للعام ففي هذه الصورة يقع التعارض بين الادلة الثلاثة فلا بد من الرجوع الى المرجحات السندية ومع عدم المرجح تصل النوبة الى التخيير على القول به وإلّا يلزم التساقط.

وليعلم ان ما أفاده مبني على المسلك المشهور من تقديم احد المتعارضين على معارضه بموافقة الكتاب ان كانت وبمخالفة العامة في الرتبة الثانية وأما على ما سلكناه من كون المرجح منحصرا في الاحدثية فالمقدم هو الاحدث ونتعرض لهذه الجهة عن قريب إن شاء الله تعالى.

وقال لا يخلو الامر في هذا القسم من ست صور الصورة الاولى : أن يكون العام راجحا على كلا الخاصين فلا اشكال في تقديم العام على كلا الخاصين وبعد تقديم العام هل يطرح كلا الخاصين كما هو المعروف بينهم أو يطرح واحد منهما؟

الحق ان يقال : لا وجه لطرحهما معا اذ التعارض يرتفع برفع اليد عن أحدهما وعليه نقول بعد تقديم العام يقع التعارض بين الخاصين بالعرض فان كان ترجيح لاحدهما على الآخر يؤخذ بالراجح ويطرح المرجوح وان لم يكن ترجيح لاحدهما فان قلنا بالتخيير يلزم التخيير وإلّا يلزم سقوطهما.

٢٠٠