آراؤنا في أصول الفقه - ج ٣

السيّد تقي الطباطبائي القمّي

آراؤنا في أصول الفقه - ج ٣

المؤلف:

السيّد تقي الطباطبائي القمّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات المحلّاتي ( المفيد )
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٣٩

واما استصحاب الموضوع بوصف كونه موضوعا فيرجع الى استصحاب الحكم ومر انه غير جار فتصل النوبة الى الرجوع الى أصل آخر.

اذا عرفت ما ذكرنا فاعلم انه لا مانع عن جريان الاصل في الموضوع بأن نقول المغرب على ما هو عليه من المفهوم قبل ربع ساعة مثلا لم يكن متحققا والآن نشك في تحققه والاستصحاب يقتضي عدم تحققه ايضا.

ولا نرى مانعا عن جريان الاصل بهذا التقريب وبعد جريان الاصل بالتقريب المذكور نحكم بعدم جواز الدخول في صلاة المغرب وغيره من الاحكام المترتبة على تحقق المغرب فلاحظ.

التنبيه التاسع عشر :

انه هل يجوز جريان الاستصحاب في الامور الاعتقادية أم لا الظاهر انه لا مانع منه ومقتضى اطلاق دليل الاستصحاب عدم الفرق فلو فرض وجوب البناء القلبي على أمر من الامور الراجعة الى الآخرة أو البرزخ او غيرهما ثم شك في بقاء الوجوب يجري استصحاب الوجوب بناء على مسلك المشهور من جريان الاستصحاب في الحكم الكلي وأما على ما سلكنا تبعا لسيدنا الاستاد فيقع التعارض بين استصحاب وجوبه واستصحاب عدم الجعل الزائد.

كما انه لو شك في موضوع وجوب البناء وبقائه يحكم ببقائه ببركة الاستصحاب لكن الكلام في مصداقه وانه هل يكون مورد يكون صغرى لهذه الكبرى أو يكون مجرد بحث علمي.

وكيف كان يختص جريان الاستصحاب بمورد لا يكون المطلوب من المكلف الاعتقاد والعلم اذ من الظاهر ان الاستصحاب لا يترتب

١٢١

عليه الاعتقاد فلا مجال لجريانه. نعم لا أرى مانعا عن جريان استصحاب وجوب الاعتقاد فالاستصحاب يقتضي وجوب الاعتقاد بقاء فلا بد من تحصيل الاعتقاد.

فكما ان استصحاب وجوب صلاة الجمعة يقتضي الاتيان بها كذلك استصحاب بقاء وجوب الاعتقاد يقضي تحصيل الاعتقاد فلاحظ ولا تغفل.

ثم انه هل يمكن للكتابي اثبات نبوة موسى أو عيسى أو هل يمكن اثبات بقاء أحكام الشريعة السابقة بالاستصحاب أم لا؟ الظاهر هو الثاني فان اليهودي مثلا اما معتقد ببقاء شريعة موسى وانه النبي أو عالم بزوالها أو شاك في بقائها وبقاء نبوة موسى.

أما في الصورة الاولى والثانية فلا مجال للاستصحاب كما هو ظاهر وأما في الصورة الثالثة فاما يتمسك بالاستصحاب الثابت في هذه الشريعة واما يتمسك به على تقدير تحققه في شريعته أيضا.

أما على الاول فيلزم الخلف اذ التمسك بالاستصحاب الثابت في هذه الشريعة ينافي احتمال بقاء الشريعة السابقة. وبعبارة اخرى : جريان الاستصحاب يتوقف على الالتزام بهذه الشريعة والالتزام بها يستلزم زوال الشريعة السابقة.

وأما التمسك بالاستصحاب الثابت في تلك الشريعة فالاخذ به لا ثبات بقاء تلك النبوة وأحكامها استدلال دوري اذ يتوقف اعتبار الاستصحاب على بقاء الشريعة وبقاء النبوة والحال ان اثبات بقائها بالاستصحاب والدور باطل بالضرورة.

مضافا الى أن استصحاب بقاء النبوة السابقة لا أثر له فان النبوة أمر اعتقادي وبالاستصحاب لا يحصل الاعتقاد الذى هو المطلوب في اصول الدين.

١٢٢

ومما ذكرنا ظهر عدم امكان اثبات الشريعة السابقة وأحكامها بالاستصحاب لمن يكون معتقدا بهذه الشريعة أو لمن يكون شاكا ولا يدري ان الشريعة السابقة نسخت ام لا؟

أما بالنسبة الى من يكون معتقدا بالشريعة المحمدية صلى‌الله‌عليه‌وآله فلا يشك في زوال النبوة السابقة وأحكامها فانه لا يمكن الاعتقاد بكون نبي الاسلام نبيا مع احتمال بقاء نبوة موسى فانه جمع بين الضدين فلا يحتمل كى يجري فيه الاستصحاب.

وأما بقاء أحكامها بالاستصحاب فائضا لا يمكن اذ أحكام كل شريعة تزول بزوال نبوة تلك الشريعة فانه كيف يمكن زوال النبوة وبقاء أحكام شريعتها والحال ان قوام كل حكم ببقاء الشريعة وقد فرض زوالها مضافا الى أن استصحاب بقائها يعارضها استصحاب عدم الجعل الزائد.

وأما بالنسبة الى الشاك فائضا أمر غير ممكن اذ الاستصحاب من الاحكام ومع عدم التزامه بالشريعة السابقة ولا اللاحقة كيف يمكنه الاخذ بالاستصحاب مضافا الى أنه يجب عليه الفحص ومع الفحص يتضح له الامر ويعلم ان الشريعة الحقة الشريعة المحمدية صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

التنبيه العشرون :

انه لا اشكال ولا كلام في أنه لو وقع التعارض بين الاستصحاب والامارة تكون الامارة مقدمة على الاستصحاب انما الكلام في أنه ما الوجه في التقديم وان وجهه التخصيص أو الحكومة أو الورود.

وينبغى اولا بيان الاقسام المذكورة والمائز بينها ثم بيان ان المقام داخل في أي قسم من الاقسام المذكورة.

١٢٣

فنقول : التخصيص عبارة عن رفع الحكم عن موضوع بلا تصرف في ذلك الموضوع كقول المولى لا تكرم الفساق من العلماء بعد قوله أكرم العلماء فان وجوب الاكرام مرتفع عن فساق العلماء مع فرض كونهم علماء والتخصّص عبارة عن الخروج الموضوعي التكويني بلا تعبد شرعي كخروج لجاهل عن تحت قول المولى أكرم العلماء والورود عبارة عن الخروج الموضوعي بالتعبد كورود الامارة على الاصل العقلي.

مثلا موضوع أصل البراءة عقلا عدم البيان ومع قيام الامارة على الحكم الواقعي يرتفع عدم البيان فموضوع قبح العقاب بلا بيان مرتفع تكوينا لكن بالتعبد.

وأما الحكومة فهي انتفاء الموضوع تعبدا كحكومة الامارة على الاصل الشرعي مثلا موضوع الاستصحاب عبارة عن الشك في البقاء وبعد قيام الامارة على عدم البقاء لا يبقى موضوع الاستصحاب فلو علمنا بنجاسة شيء ثم شككنا في بقاء تلك النجاسة يجري استصحاب النجاسة لكن اذا قام امارة على طهارته لا يجري الاستصحاب لارتفاع موضوعه تعبدا لا وجدانا فالحكومة عبارة عن انتفاء الموضوع في وعاء التعبد.

اذا عرفت ما تقدم فاعلم ان الحق ان تقدم الامارة على الاستصحاب بالحكومة وذلك لان الميزان الكلي في القضايا الحقيقية ، اخبارية كانت أم انشائية شرعية كانت ام عرفية عقلائية لا يكون الحكم المذكور في القضية متعرضة لموضوع ذلك الحكم بل القضية متعرضة للحكم على تقدير وجود الموضوع.

مثلا اذا قال المتكلم الكل اعظم من الجزء تكون القضية متعرضة لكون كل ما يكون كلا أعظم من جزئه وأما تشخيص الكل عن الجزء

١٢٤

وأي شيء مصداق لهذا المفهوم فلا تكون القضية متكفلة له.

وأيضا لو قال المولى اكرم كل عالم تكون القضية متكفلة لوجوب اكرام العالم وأما العالم أي فرد من أفراد الانسان أو ان الفلان عالم أو غير عالم فلا تعرض له ولا بد في احرازه من طريق آخر.

وعلى هذا الاساس نقول قوله عليه‌السلام «لا ربا بين الوالد والولد» أو قوله عليه‌السلام «لا ربا بين الزوج والزوجة» حاكم على دليل حرمة الربا اذ دليل الحرمة متعرض لحرمة الربا وأما بالنسبة الى موضوع الربا فلا تعرض له فبمقتضى القاعدة نلتزم بجواز الربابين الوالد والولد وكذا بين الزوج والزوجة اذ من دليل لحاكم فهمنا ان الشارع لا يرى الربا الجاري بين المذكورين داخلا في موضوع الحرمة.

وعليه يكون دليل الامارة حاكما على الاستصحاب اذ قد اخذ في موضوع الاستصحاب الشك في البقاء فلو علمنا بنجاسة الشيء الفلاني ثم شككنا في بقائها وقامت امارة على طهارته لا يجري استصحاب النجاسة لان الشارع يرى الامارة علما ومعها لا شك.

وأيضا لو قامت امارة على نجاسة شيء لا يجري استصحاب النجاسة لعين الملاك الذي ذكرناه فالحق ان تقدم الامارة على الاستصحاب بالحكومة بالبيان الذي تقدم.

فانقدح ان خروج مورد الامارة عن تحت دليل الاستصحاب ليس بالتخصّص اذ المفروض ان الشك في بقاء الحالة السابقة موجود وأيضا ليس بالتخصيص اذ دليل الامارة كما تقدم ناظر الى موضوع الاستصحاب لا الى اخراج الفرد من حيث الحكم وأيضا علم انه ليس بالورود اذ الشك في البقاء موجود حتى مع لحاظ الامارة.

١٢٥

التنبيه الواحد والعشرون

انه لا كلام في تقدم الاستصحاب على جميع الاصول العملية عقلية كانت أو شرعية ولذا يقال الاستصحاب فرش الامارات وعرش الاصول انما الكلام في وجه التقدم ، فنقول : ان تقدم دليل الاستصحاب على الاصول العقلية بالورود فانه بعد جريان الاستصحاب يتم البيان فلا موضوع لقاعدة القبح وقس عليه بقية الاصول العملية العقلية.

وأما وجه تقدمه على الاصل الشرعي فبالحكومة فان الحق ان الاستصحاب امارة حيث لا امارة فكما ان الامارة تقدم على الاستصحاب كذلك الاستصحاب يقدم على الاصول الشرعية.

هذا على تقدير القول بكون الاستصحاب امارة وأما على تقدير عدم القول بذلك فيمكن أن يقال ان الوجه في تقدم الاستصحاب كون الاصل السببي مقدم على الاصل المسببي بأن نقول مثلا الشك في وجوب صلاة الجمعة ناش من الشك في سعة الجعل وضيقه والاستصحاب متعرض لسعته فمع جريان الاستصحاب في وجوبها لا تصل النوبة الى جريان اصالة البراءة عن وجوبها ، فلاحظ.

التنبيه الثانى والعشرون :

فى حكم تعارض الاستصحابين وتعارضهما على نحوين.

الاول : فيما يكون أحدهما مسببا عن الآخر وبعبارة اخرى : يكون أحدهما في طول الآخر.

الثاني : ما يكون كل واحد منهما في عرض الآخر فيقع الكلام في مقامين أما المقام الاول فكما لو غسلنا ثوبا نجسا بماء مستصحب الطهارة يقع التعارض بين استصحاب الطهارة في الماء المغسول به

١٢٦

الثوب واستصحاب نجاسة الثوب المغسول.

والوجه في التعارض انه لا يمكن الجمع بين الامرين فان الماء اذا كان طاهرا يترتب عليه طهارة الثوب وبعبارة اخرى : طهارة الماء يستلزم طهارة الثوب وأيضا نجاسة الثوب بعد الغسل تستلزم نجاسة الماء المغسول به والشك في بقاء النجاسة في الثوب مسبب عن الشك في طهارة الماء.

وبعبارة واضحة : من أحكام طهارة الماء شرعا طهارة الثوب النجس المغسول به ولا اشكال عندهم في جريان الاستصحاب في السبب وعدم جريانه في المسبّب.

ويمكن الاستدلال على المدعى بوجوه : الوجه الاول : انا قد ذكرنا قريبا ان القضية الحقيقية لا تعرض فيها لموضوعها بل لا بد من احراز الموضوع وعدمه من طريق آخر ودليل الاستصحاب يدل على انه لو شك في بقاء ما علم به يحكم عليه بالبقاء وأما ما علم به سابقا مشكوك البقاء أم لا؟ فلا تعرض للاستصحاب فيه.

والمفروض ان الاستصحاب يجري في السبب أى الماء في المثال المذكور ويترتب عليه طهارة الثوب وقلنا ان الاستصحاب امارة فيكون الاستصحاب الجاري في الماء حاكما على الاستصحاب الجارى في الثوب.

وببيان واضح الاستصحاب الجاري في الماء ينقح الموضوع ويبين ان الثوب طاهر فلا يشك في طهارته ونجاسته فلا مجال لاستصحاب النجاسة.

الوجه الثاني : ان جريان الاستصحاب في السبب على طبق القاعدة اذ أركانه تامة فيجري ويترتب عليه كون الثوب طاهرا وأما جريان استصحاب النجاسة اما بلا وجه أو بوجه دائر.

١٢٧

بيان ذلك : ان استصحاب النجاسة في الثوب اما مع لحاظ جريان استصحاب الطهارة في الماء واما على تقدير عدم جريان الاستصحاب في الماء.

أما جريانه على التقدير الاول فبلا وجه اذ مع فرض جريان استصحاب الطهارة في الماء لا مجال لجريان استصحاب النجاسة في الثوب.

وأما على الثاني فيدور اذ جريان استصحاب النجاسة في الثوب يتوقف على عدم جريان استصحاب الطهارة في الماء وعدم جريانه يتوقف على جريان استصحاب النجاسة في الثوب والدور باطل كما ان الجريان بلا وجه ممنوع. فالنتيجة ان الاستصحاب يجري في الماء ولا يجري في الثوب.

الوجه الثالث : ان عمدة نصوص الاستصحاب واردة في باب الوضوء وان المتوضي لو شك في بقاء وضوئه يجري الاستصحاب في بقاء الوضوء فيفهم من النصوص المذكورة ان الاصل الجاري في السبب مقدم على الاصل الجاري في المسبب وإلّا كان اللازم أن يعارض استصحاب الوضوء باستصحاب عدم تحقق الصلاة مع الطهارة.

فلو صلى الشاك في الوضوء لا تكون صلاته صحيحة فان مقتضى الاستصحاب عدم تحقق الصلاة مع الطهارة هذا تمام الكلام في المقام الاول.

وأما المقام الثاني وهو مورد تعارض الاستصحابين الجاريين عرضا فهذا على قسمين : القسم الاول : ما اذا يلزم من جريانهما مخالفة عملية كما لو كان هناك اناء ان طاهران فوقع بول في أحدهما ونجسه فان استصحاب الطهارة في كليهما يوجب الوقوع في خلاف

١٢٨

الواقع ويكون العلم الاجمالي منجزا ومقتضى العلم الاجتناب عن كلا الطرفين كما هو المقرر في مورد العلم الاجمالي بالتكليف.

ولكن ذكرنا في بحث العلم الاجمالي انه يمكن جريان الاصل في بعض الاطراف بشرط الامساك عن ارتكاب الطرف الآخر فراجع ما ذكرناه هناك.

وأما القسم الثاني وهو ما لا يلزم من جريان الاصل في كلا الطرفين مخالفة عملية بل يلزم مجرد مخالفة التزامية كما لو كان هناك اناء ان نجسان فوقع المطر في أحدهما وطهّره فذهب صاحب الكفاية الى جريان الاستصحاب في كل واحد من الإناءين.

بتقريب ان المقتضي للجريان في كليهما موجود والمانع مفقود فيجري استصحاب النجاسة في كل واحد من الإناءين ويجب الاجتناب عن كليهما.

وذهب الشيخ قدس‌سره الى عدم جريان الاستصحاب بتقريب ان مقتضى اطلاق الشك الوارد في دليل الاستصحاب جريانه في كلا الطرفين ومقتضى اطلاق اليقين الوارد في دليله وهو قوله «ولكن ينقضه بيقين آخر» عدم جريانه في أحدهما ولا يمكن الجمع بين الاطلاقين لان السالبة الجزئية تناقض الايجاب الكلي فلا يجري الاستصحاب للمحذور المذكور اذ جريانه في كلا الطرفين مرجعه الى التناقض وجريانه في أحدهما المعين بلا مرجح وفي أحدهما المخيّر بلا دليل فلا يجري على الاطلاق.

ويرد عليه اولا : ان الذيل المذكور لا يكون في جميع نصوص الباب فلا مانع عن الجريان استنادا الى ما لا يكون فيه الذيل المذكور.

وثانيا : ان أصل الاشكال غير وارد اذ الشك في كل واحد من الطرفين محفوظ ولم يتبدل بالعلم فلا محذور في جريان الاستصحاب

١٢٩

في كل واحد من الطرفين أو الاطراف ولا تناقض.

وثالثا : انه نسأل الشيخ بأن المكلف ما وظيفته فهل يجب عليه الاجتناب أم لا؟ أما على الاول فبأي وجه؟ ان قال للعلم الاجمالي قلنا يمكن ارتفاع النجاسة وتبدلها بالطهارة فلا علم بقاء فيجوز جريان قاعدة الطهارة في كلا الطرفين اذ بعد عدم جريان الاستصحاب لا مانع عن جريان قاعدة الطهارة وهل يلتزم الشيخ بهذا اللازم هذا ما يرجع الى كلام الشيخ قدس‌سره.

وعن الميرزا قدس‌سره انه لا يمكن جريان الاستصحاب في الطرفين بتقريب ان الاستصحاب من الاصول المحرزة وكيف يمكن للشارع التعبد بالاصل المحرز للواقع في الطرفين مع القطع بالخلاف.

وبعبارة واضحة اذا كان الاصل غير محرز للواقع كاصالة الاحتياط فانه لا مانع عن جريانها في الطرفين مع العلم بعدم وجوبه في بعض الاطراف اجمالا كما لو علم بكون احدى المرأتين اجنبية فانه لا مانع عن جريان اصالة الاحتياط في كلا الطرفين والالتزام بحرمة النظر.

وأما الاصل اذا كان محرزا للواقع فلا يمكن التعبد به مع العلم بالخلاف اجمالا كما هو المفروض.

وأورد عليه سيدنا الاستاد قدس‌سره بالنقض والحل أما النقض ففيما لو أجنب احد ثم صلّى صلاة الظهر مثلا وبعد الصلاة شك في الاغتسال وعدمه يجري قاعدة الفراغ في صلاته ويجرى استصحاب عدم الاغتسال ووجوبه بالنسبة الى الصلوات الآتية والحال ان قاعدة الفراغ من الاصول المحرزة ان لم تكن من الامارات.

واما الحل فهو ان كل واحد من الطرفين يلاحظ بحياله واستقلاله

١٣٠

وبهذا اللحاظ يصدق الشك في الحالة السابقة فيجري الاستصحاب بلا اشكال ولا يلاحظ المجموع من حيث المجموع كى يقال المجموع قد قطع بانتفاض الحالة السابقة فيه فلا يرد ما أورده.

ويضاف الى ما أورده سيدنا الاستاد عليه ما أوردناه على الشيخ قدس‌سره وهو انا نسأل الميرزا بأنه بعد فرض عدم جريان الاستصحاب على ما رامه فهل تجري قاعدة الطهارة في كلا الطرفين أم لا؟

أما على الثاني فلا وجه لعدم الجريان وأما على الاول فهل يلتزم بهذا اللازم ، فتحصل ان الحق جريان الاستصحاب في كلا الطرفين بلا محذور ، والوجه فيه انه لا تعارض بين الاصلين الجاريين في الطرفين.

وأما في الامارتين فلا يمكن الالتزام بقيامهما مثلا اذا فرض العلم بنجاسة أحد الإناءين وطهارة الآخر فقامت بينة على نجاسة أحدهما وقامت بينة اخرى على نجاسة الآخر لا يمكن الالتزام بهما لان كل امارة يدل على أن الآخر طاهر فيقع التعارض بينهما ولا يكون مفادهما قابلا للالتزام به والتعارض يقتضي التساقط.

التنبيه الثالث والعشرون

ملاحظة النسبة بين الاستصحاب وجملة من القواعد. وحيث انجر الكلام الى هنا يناسب اولا تحقيق كل واحدة من هذه القواعد على نحو الاستقلال ثم ملاحظة الاستصحاب مع تلك القاعدة الملحوظة.

فنقول القاعدة الاولى : قاعدة الفراغ والتجاوز ويقع البحث في هذه القاعدة من جهات :

الجهة الاولى : في أن البحث في هذه القاعدة بحث اصولي أو فقهي والحق ان البحث فيها بحث فقهي فان البحث الاصولي هو

١٣١

الذي تقع نتيجة ذلك البحث في طريق استنباط الحكم الكلي ، وهذا التعريف لا ينطبق على القاعدة فان البحث في القاعدة عن نفس الحكم الشرعي لا عن طريق الاستنباط الحكم الشرعي.

وبعبارة اخرى : البحث في القاعدة كالبحث عن بقية القواعد الفقهية مثلا في بحث البراءة يبحث في أن المكلف اذا شك في حرمة شيء وحليته هل يكون مقتضى القاعدة اجراء البراءة عن الحرمة أم لا؟

وفي المقام يبحث في أنه اذا شك في صحة العمل وفساده هل يكون مقتضى الادلة الحكم بالصحة أم لا؟

وصفوة القول : ان البحث في القواعد الفقهية عن أحوال فعل المكلف من حيث الحكم التكليفي أو الوضعي وهذا بحث فقهي.

الجهة الثانية : في أن القاعدة هل هي من الامارات أو من الاصول العملية؟ الظاهر انها من الامارات فان الامارة ما يكون كاشفا عن الواقع بالتعبد والقاعدة كذلك اذ احتمال الاشتباه والاخلال بالعمل خلاف الاصل الاولي العقلائي.

وبعبارة اخرى : العقلاء لا يعتنون باحتمال الاخلال في العمل الصادر منهم والشارع الاقدس أمضى هذه السيرة العقلائية فيكون الفراغ عن العمل في وعاء الشريعة كاشفا عن الاتيان به هذا بالنسبة الى احتمال الاشتباه.

وأما احتمال تعمد الاخلال بالعمل فهو مدفوع باستصحاب عدم الاتيان بالمبطل ولا يكون مرتفعا بالقاعدة إلّا أن يقال احتمال تعمد الاخلال ايضا مخالف للاصل العقلائي فان احتمال الاخلال العمدي خلاف كون المكلف في مقام الامتثال فمقتضى القاعدة المقررة عند

١٣٢

العقلاء الممضاة عند الشارع عدم الاخلال لا عمدا ولا اشتباها فتكون القاعدة امارة من الامارات.

ان قلت : احتمال العمد ينافي الجزم بكونه في مقام الامتثال.

قلت اذا فرضنا ان المكلف جاهلا بكون القهقهة مثلا مبطلة للصلاة ولكن يحتمل كونها مبطلة فلو كان بحسب الطبع في مقام الامتثال وجزم بأنه صلى صلاة الظهر مثلا واتمها ولكن يحتمل انه أتى بالقهقهة عمدا فما المانع عن الاخذ بالقاعدة والحكم بالصحة.

ولو اغمض عن التقريب المذكور فالظاهر انه لا مانع عن الاخذ باستصحاب عدم الاتيان بالمبطل بل لقائل أن يقول : انه لو احتمل المكلف رفع اليد عن المركب في أثنائه يجوز الاخذ بالاستصحاب والالتزام بالاتمام فان مقتضى استصحاب كونه مشغولا بالعمل وعدم رفع اليد عنه الاتيان بالواجب.

وان شئت قلت : الاتصال يساوق الوحدة والمفروض انه شرع في العمل فاذا شك في الاتمام وعدمه يكون مقتضى استصحاب بقاء الاشتغال ، الاتيان والاتمام ويترتب عليه فراغ الذمة فلاحظ.

والظاهر انه لا فرق بين القول بكونها من الامارات وبين القول بكونها من الاصول فانه لا اشكال في تأخرها عن الامارات وتقدمها على الاستصحاب.

فلو شك في صلاته بعد الفراغ من جهة كونها واجدة للطهارة ام لا؟ يحكم بصحة الصلاة بمقتضى القاعدة ولا يجري استصحاب عدم تحقق الصلاة الصحيحة في الخارج كما انه لا اشكال في أنه لو قامت امارة على عدم تحقق الوضوء يحكم بالبطلان فلا فرق بين القولين.

ان قلت : تظهر النتيجة بين القولين فيما يكون المكلف جنبا

١٣٣

فصلى ثم شك في الاغتسال وعدمه فتجري قاعدة الفراغ بالنسبة الى صلاته فعلى القول بكون القاعدة من الاصول يجب الاغتسال للاعمال الآتية حيث يشك في الغسل ومقتضى الاستصحاب عدمه.

وعلى القول بكونها من الامارات يترتب عليه الغسل فان لوازم الامارات تترتب عليها وهذه نتيجة مهمة.

قلت : لا دليل على ترتب اللوازم العقلية على الامارة على الاطلاق بل الترتب يحتاج الى الدليل وانما نلتزم بترتبها في باب الاخبار للسيرة العقلائية على ترتبها وإلّا فمجرد كون شيء امارة لا يقتضي ترتب اللوازم العقلية.

ثم انه بعد ما ثبت ان القاعدة من الامارات فلا اشكال في تقدمها على الاستصحاب لحكومة القاعدة عليها فان موضوع الاستصحاب الشك في البقاء ومفاد القاعدة الغاء الشك وجعل المكلف عالما فلو شك في صحة وضوئه وفساده تجري قاعدة الفراغ ولا مجال لاستصحاب عدم تحقق الوضوء اذ مع القاعدة لا يشك المكلف في تحقق الوضوء ومع عدم الشك لا موضوع للاستصحاب هذا على تقدير كونها من الامارات.

وأما على القول بكون القاعدة من الاصول فائضا تقدم على الاستصحاب والوجه فيه : انه لو لم تتقدم على الاستصحاب يكون جعلها لغوا اذ ما من مورد يشك في الصحة وعدمها إلّا وفي ذلك المورد يجري استصحاب عدم الاتيان بما هو شرط أو جزء.

نعم اذا فرض في مورد يكون استصحاب العدم معارضا بمثله ويسقط الاستصحاب بالتعارض تجري القاعدة لكن فرض تحقق التعارض بين الاصلين وسقوط الاستصحاب عن الاعتبار بالمعارضة يكون نادرا ملحقا بالعدم فلا اشكال في تقدم القاعدة على الاستصحاب.

١٣٤

وفي المقام اشكال وهو ان من رام كون القاعدة من الامارات يستدل بخبرين : الاول ما رواه بكير بن اعين قال : قلت له : الرجل يشك بعد ما يتوضأ قال : هو حين يتوضأ اذكر منه حين يشك (١).

الثاني : ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام انه قال : اذا شك الرجل بعد ما صلى فلم يدر أثلاثا صلى أم اربعا وكان يقينه حين انصرف انه كان قد أتم لم يعد الصلاة وكان حين انصرف أقرب الى الحق منه بعد ذلك (٢).

بتقريب ان قوله في كلا الحديثين في مقام تعليل الحكم والعلة تعمم الحكم وتخصّصه فلا تجري القاعدة مع القطع بالغفلة فلا تكون اصلا بل تكون امارة.

ويرد على التقريب المذكور اولا : ان الحديثين مخدوشان سندا أما الحديث الاول فمخدوش من ناحية بكير اذ لم يوثق صريحا نعم نقل بأنه لما وصل نبأ وفاته الى الامام عليه‌السلام قال عليه‌السلام : «لقد انزله الله بين رسول الله وامير المؤمنين».

فيلزم ان يكون الرجل مقربا عند الله وعند رسوله وعند الامام فيكون صدوقا وإلّا فكيف يمكن ان تكون له هذه المرتبة العليا.

وهذا البيان والاستدلال غير صحيح نقضا وحلا. أما نقضا فبالسيد الحميرى فانه حين وفاته حلف وقال والله دخلت الجنة وابيض لونه بعد اسوداده مع ان المعروف انه كان متجاهرا بالفسق.

وايضا الحر الشهيد الرياحي هو الذي صار سببا لابتلاء أبي عبد الله الحسين الى ان قتل ولكن مع ذلك صار في زمرة الشهداء ووضع الحسين عليه‌السلام رأسه في حجره وصار مدفنه مزارا للشيعة.

__________________

(١) ـ الوسائل الباب ٤٢ من أبواب الوضوء الحديث ٧.

(٢) ـ الوسائل الباب ٢٧ من أبواب الخلل الحديث ٣.

١٣٥

وأما حلا فلأنه يمكن أن تكون للشخص خصوصية وتلك الخصوصية توجب القرب من مقام القدس الربوبي. فتحصل ان القضية المذكورة لا توجب وثاقة الرجل في قوله وصدقه في كلامه ومقاله.

وأما الحديث الثاني فمخدوش لضعف اسناد الصدوق الى محمد ابن مسلم وللحديث سند آخر وذلك السند لا بأس به.

وثانيا ان المراد من كون العلة معممة ومخصصة ان الحكم المستفاد من القضية دائر مدار تلك العلة وهذا المقدار لا يوجب رفع اليد عن الدليل الآخر الدال على ثبوت ذلك الحكم في مورد آخر كما ان الأمر كذلك في المقام.

لاحظ حديث محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : كلما شككت فيه ممّا قد مضى فأمضه كما هو (١). فانه بالعموم الوضعي يدل على جريان القاعدة في كل مورد يشك في الصحة والفساد.

وبعبارة اخرى : لا مفهوم للقضية المعللة فلو قال المولى لا تأكل الرمان لأنه حامض يفهم من كلامه ان الحرام اكل الحامض فيختص الحكم بمقتضى هذا القول بأكل الحامض فلو قال في دليل آخر لا تأكل الحلو لا يقع التعارض بين الدليلين لعدم التنافي بين الاثباتين. وثالثا : ان اي دليل دل على كون المذكور في الحديثين علة بل يمكن أن يكون حكمة للجعل كما اختاره المحقق النائيني على ما في التقرير ، فانه لو لم تكن الجملة ظاهرة في الحكمة فلا اقل من عدم الظهور في العلة.

ورابعا : انه ما المراد من كون الأذكرية علة للحكم فان المراد اما الاذكرية النوعية أو الشخصية أما الأذكرية النوعية فلا تنافي

__________________

(١) ـ الوسائل الباب ٢٣ من أبواب الخلل الحديث ٣.

١٣٦

العلم بعدمها في المورد الشخصى كما هو ظاهر.

وان كان المراد الاذكرية الشخصية فلا بد من العلم بكونه أذكر حين العمل والحال انه مع العلم بالذكر لا يحتمل الفساد الا من ناحية احتمال العمد.

وخامسا : ان الظاهر من الجملة في الحديثين جعل الشاك عالما أي يحكم المولى على نحو الحكومة ان الذي فرغ من العمل ويحتمل فساد ما صدر عنه كان عالما وذاكرا حين العمل ومن المعلوم ان الذاكر ياتي بالوظيفة فلا تختص القاعدة بصورة احتمال الذكر بل تجرى حتى مع العلم بعدم الالتفات.

ان قلت : كيف يمكن جعل المولى غير الملتفت ملتفتا؟

قلت : يرد على الايراد المذكور نقضا وحلا ، أما نقضا فكما لو قال المولى ولد العالم عالم والطواف بالبيت صلاة وهذا ان المثالان مشهوران في باب الحكومة.

وثانيا : انه لا مانع عن الحكومة مع القطع بالخلاف اذ الحكومة خفيفة المئونة حيث انها من باب الاعتبار والاعتبار بيد المولى نعم يلزم أن يكون لها اثر ويدل عليها دليل وكلا الامرين موجودان في المقام.

فالنتيجة انه لا مجال للقول بأن القاعدة من الامارات ونتيجة ما ذكرنا جريانها حتى مع العلم بالغفلة بل حتى مع احتمال الاخلال العمدي.

وسادسا : انه مع الاغماض عن جميع ما ذكرنا نقول غاية ما في الباب ان الحديثين يدلان على عدم جريان القاعدة مع الجزم بالغفلة حين العمل لكن نقول دلالتها على عدم الجريان في صورة الغفلة مع التجاوز والفراغ عن العمل بالاطلاق ويقيد الاطلاق بحديث محمد

١٣٧

ابن مسلم (١) الدال بالعموم الوضعي على جريان القاعدة في مورد الفراغ والعلم بالغفلة حين العمل والشك في الصحة والفساد.

ان قلت : ان النسبة بين الدليلين عموم من وجه فان ما به الافتراق من قبل التعليل مورد عدم صدق التجاوز وما به الافتراق من ناحية حديث ابن مسلم مورد احتمال التذكر ويقع التعارض بين الجانبين فيما يصدق عنوان التجاوز ولا يحتمل التذكر فما الوجه في تقديم الحديث والحال ان مقتضى التعارض التساقط؟

قلت : الوجه فيه ان عموم العلة بالاطلاق وعموم الحديث بالوضع وما بالوضع قابل للتصرف فيما بالاطلاق فالنتيجة انه على جميع التقادير تجري القاعدة حتى مع الغفلة وانقدح بما ذكرنا كما تقدم ان القاعدة لا تكون من الامارات بل حكم مجعول من قبل الشارع للشاك في الصحة والفساد.

الجهة الثالثة : في أنه قد عرفت قاعدة التجاوز بالشك في وجود شيء بعد التجاوز عنه كما لو شك المكلف في الاتيان بالفاتحة بعد الدخول في السورة مثلا وأما قاعدة الفراغ فقد عرفت بالشك في صحة ما اتى به وفساده وبعد بيان مورد القاعدتين وتميز إحداهما عن الاخرى لا بد من النظر في نصوص الباب كي نرى أي مقدار يمكن أن يستفاد منها وهل يمكن الاستدلال بها على كلتا القاعدتين أو يختص الدليل بإحداهما؟

فنقول : من النصوص الواردة في المقام ما رواه زرارة قلت لابي عبد الله عليه‌السلام : رجل شك في الاذان وقد دخل في الاقامة؟ قال : يمضي ، قلت : رجل شك في الاذان والاقامة وقد كبّر؟ قال : يمضي :

__________________

(١) ـ قد تقدم ذكر الحديث فى ص ١٣٥.

١٣٨

قلت : رجل شك في التكبير وقد قرأ؟ قال : يمضي ، قلت : شك في القراءة وقد ركع؟ قال : يمضي ، قلت : شك في الركوع وقد سجد؟ قال : يمضي على صلاته ، ثم قال : يا زرارة اذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشيء (١).

وهذه الرواية تامة سندا ، وأما من حيث الدلالة فالمستفاد منها ان المكلف اذا شك في صحة شيء وفساده بعد دخوله في غير ذلك الشيء فلا أثر لشكه.

ولا يشمل الحديث صورة الشك في أصل الوجود بل الظاهر من الحديث لو لم يكن صريحه انه لو شك في شيء بعد خروجه عن عين ذلك الشيء لا يعتنى بشكه ولا يدل على بيان حكم الخروج عن محله والحمل على الخروج عن المحل خلاف الظاهر.

فلو شك المكلف في أن البسملة التي اتى بها هل تحققت صحيحة أم لا؟ يحكم بصحتها وأما اذا شك في أصل وجودها فلا تكون الرواية المذكورة متكفلة للحكم باتيانها بل مقتضى الاستصحاب عدم الاتيان بها فهذه الرواية يختص بقاعدة الفراغ ولا تشمل قاعدة التجاوز.

ان قلت : الخروج عن الشيء لا يجتمع مع الشك فيه اذ كيف يمكن أن يكون الخروج مفروضا ومع ذلك يكون ما خرج منه مشكوكا فيه.

قلت : اذا كان الشك في صحة ما خرج منه يتم الأمر فان المكلف يدخل في الغسل ويعلم بعد ذلك انه اغتسل وخرج منه وأتى به ولكن يشك في أنه أتى به على ما هو المقرر أم لا فالحق ما ذكرنا.

ومن تلك النصوص ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : اذا كنت قاعدا على وضوئك فلم تدر أغسلت ذراعيك أم لا؟ فاعد عليهما وعلى جميع ما شككت فيه انّك لم تغسله أو تمسحه

__________________

(١) ـ الوسائل الباب ٢٣ من أبواب الخلل الحديث ١.

١٣٩

ممّا سمّى الله ما دمت في حال الوضوء.

فاذا قمت من الوضوء وفرغت منه وقد صرت في حال أخرى في الصلاة ، أو في غيرها ، فشككت في بعض ما سمّى الله ممّا أوجب الله عليك فيه وضوئه لا شيء عليك فيه فان شككت في مسح رأسك فأصبت في لحيتك بللا فامسح بها عليه وعلى ظهر قديمك فان لم تصب بللا فلا تنقض الوضوء بالشك وامض في صلاتك وان تيقنت أنك لم تتم وضوئك فأعد على ما تركت يقينا حتى تأتي على الوضوء (١) الحديث. والمستفاد من هذه الرواية انه لو شك المكلف في الوضوء ودخل في حالة اخرى يكون وضوئه صحيحا ولا يعتني بشكه فيكون الحديث دالا على قاعدة الفراغ بالنسبة الى مورد خاص. ومن تلك النصوص ما رواه عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : اذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فليس شكك بشيء انما الشك اذا كنت في شيء لم تجزه (٢).

والمراد من الضمير الذي اضيف اليه لفظ غير اما الوضوء واما الجزء الذي شك فيه أما على الاول فيكون مفاد الحديث عين الحديث الاول.

وأما على الثاني فيكون مفاده خلاف الاجماع والتسالم على عدم جريان القاعدة في أثناء الوضوء بل خلاف ما يستفاد من الرواية الاولى من الباب وعلى كلا التقديرين يكون ذيل الحديث دالا على كبرى كلية سارية في جميع الابواب فان المستفاد من الذيل ان المكلف اذا تجاوز عن شيء وشك فيه لا يعتني به وحمل التجاوز على التجاوز عن المحل خلاف الظاهر.

__________________

(١) ـ الوسائل الباب ٤٢ من أبواب الوضوء الحديث ١.

(٢) ـ الوسائل الباب ٤٢ من أبواب الوضوء الحديث ٢.

١٤٠