آراؤنا في أصول الفقه - ج ٢

السيّد تقي الطباطبائي القمّي

آراؤنا في أصول الفقه - ج ٢

المؤلف:

السيّد تقي الطباطبائي القمّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات المحلّاتي ( المفيد )
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥١

بالوضع كما لو علم بأن لفظ الماء موضوع للجسم السيال اذا سمع لفظ الماء او رآه ينتقل الى معناه ويخطر الجسم السيال بباله وهذه الدلالة ناشئة عن انس الذهن ولذا لا فرق في هذه الجهة بين سماع اللفظ من عاقل شاعر أو يسمعه من ضرب حجر بآخر والمناسب ان تسمى هذه الدلالة بالدلالة الانسية.

الدلالة الثانية : الدلالة الوضعية اي دلالة اللفظ على كون المتكلم في مقام تفهيم المعنى الخاص ولذا يتوقف على كون المتكلم شاعرا متوجها ويكون في مقام التفهيم والتفهم وأما لو لم يكن كذلك بأن كان نائما مثلا أو سكرانا أو علم من الخارج أو من القرينة متصلة كانت أو منفصلة انه ليس في مقام تفهيم معنى اللفظ الذي تلفظ به لا تتحقق الدلالة الوضعية كما هو ظاهر.

الدلالة الثالثة : الدلالة على التطابق بين الارادة الاستعمالية والارادة الجدية وهي الدلالة التصديقية فان بناء العقلاء مستقر على كون الارادة الاستعمالية مطابقة مع الارادة الجدية إلّا أن يقوم دليل على خلافه فاذا تكلم المتكلم بكلام ولم ينصب قرينة متصلة أو منفصلة على خلاف الظهور يؤخذ بظهور كلامه غاية الامر الاتيان بالقرينة المتصلة مانع عن انعقاد اصل الظهور وأما القرينة المنفصلة فهي تمنع عن الحجية ولا يكون الظهور المنعقد اولا للكلام باقيا على اعتباره وبعد هذه المقدمة نقول اذا علم بعدم قيام قرينة لا متصلة ولا منفصلة واحرز مراد المتكلم من كلامه يؤخذ بكلامه اذ المفروض تحقق الظهور وعدم قيام قرينة لا متصلة ولا منفصلة وأما اذا شك في المراد وكان سبب الشك عدم العلم بالوضع فيكون الكلام مجملا وتصل النوبة الى الاصل العملي وأما اذا كان الشك ناشيا من الشك في قرينية الموجود فائضا يكون الكلام مجملا ،

٨١

نعم لو كان منشأ الاشكال احتمال الاستعمال المجازي فان قلنا بمقالة السيد القائل بجريان اصالة الحقيقة تعبدا يحمل اللفظ على معناه الحقيقي لاصالة الحقيقة وان لم نقل بتلك المقالة كما لا نقول فيكون الكلام مجملا ، وببيان واضح مع الشك في قرينية الموجود لا مجال لاجراء اصالة الحقيقة وأما مجرد احتمال المجاز فلا اشكال في دفعه باصالة الحقيقة فلا تغفل.

وأما ان كان منشأ الشك الشك في وجود القرينة بأن احتمل وجود القرينة لكن السامع غفل عنها فمقتضى الاصل العقلائي الاخذ بالظهور وعدم الاعتناء باحتمال وجود القرينة وان شئت قلت احتمال وجود القرينة مدفوع بالاصل كما ان احتمال غفلة المتكلم عن الاتيان بها مدفوع بالاصل العقلائي وبعبارة اخرى : مع انعقاد الظهور يؤخذ به ولا يعتنى باحتمال غفلة المتكلم أو المخاطب كما ان احتمال التعمد في ارادة خلاف الظاهر وعدم نصب القرينة خلاف الاصل العقلائي.

وصفوة القول : انه لو تحقق الظهور وشك في كونه مرادا واقعيا يؤخذ به ببناء العقلاء ولو شك في الظهور لاحتمال وجود القرينة تجري اصالة عدمها ولو شك في قرينية الموجود يصير الكلام مجملا هذا بالنسبة الى القرينة المتصلة وأما القرينة المنفصلة المنافية للظهور المنعقد لذي القرينة فلا توجب رفع ظهوره فان الشيء لا ينقلب عما هو عليه بل توجب عدم حجية الظهور وعلى الجملة الفرق بين القرينة المتصلة والمنفصلة ان القرينة المتصلة مانعة عن انعقاد الظهور لذي القرينة وأما القرينة المنفصلة فهي تعارض الحجية ، ويترتب عليه انه لو شك في قرينية ما يوجده منفصلا لا يؤثر

٨٢

في حجية الظهور فان المفروض تحقق الظهور بلا معارض وتمامية الحجة فلا يرفع اليد عنها بمجرد احتمال وجود المعارض.

الفصل الرابع : في حجّية قول اللغوي : وقع الكلام بين القوم في اعتبار قول اللغوي وعدمه ، والذى يمكن أن يذكر في تقريب الاستدلال على اعتبار قوله وجوه : الوجه الاول : الاجماع بتقريب ان ديدن الاصحاب في جميع الاعصار على مراجعة قول اللغوي والعمل على طبق قوله واجماع الاصحاب كاشف عن رأي المعصوم.

وفيه : اولا انه لم يتحقق اجماع من الاصحاب لا اجماع عملي ولا قولي بل مراجعة قول اللغوي من باب احد طرق حصول العلم باللغة من قوله لا ان قوله بنفسه امارة معتبرة وان ابيت فلا اقل من احتمال ما ذكرنا. وثانيا : سلمنا تحقق الاجماع لكن لا أثر له اذ يحتمل استناد المجمعين الى الوجوه المذكورة في المقام فلا يكون اجماعا تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم عليه‌السلام.

الوجه الثاني : دليل الانسداد الصغير وله تقريبان : احدهما : ان معاني الالفاظ مجهولة غالبا اما اصلا واما من حيث السعة والضيق فيكون قول اللغوي حجة.

وفيه : ان باب العلم بالاحكام اما تكون مفتوحة واما تكون منسدة أما على الاول فلا اثر لانسداد باب العلم باللغات ، وأما على الثاني وتمامية بقية المقدمات يكون الظن بالحكم الشرعي حجة اما كشفا واما حكومة بلا فرق بين العلم باللغات وعدمه فانسداد باب العلم باللغات مما لا يترتب عليه اثر ثانيهما : ان عدم جواز الرجوع الى البراءة عند انسداد العلم لوجهين : احد الوجهين : انه لو اجري البراءة في كل مورد يحتمل فيه حكم الزامي يلزم الخروج عن الدين. ثاني الوجهين : العلم الاجمالى بتكاليف الزامية والوجه الاول

٨٣

يمكن الالتزام بعدم تحققه اذ لا يلزم من البراءة الخروج عن الدين فلا مانع عن جريانها ولكن الوجه الثاني موجود للعلم الاجمالي بوجود تكاليف في موارد الجهل باللغة فيلزم اعتبار قول اللغوي.

وفيه اولا : ان لزوم المخالفة القطعية بجريان البراءة في موارد الجهل باللغة اول الكلام والاشكال. وثانيا : سلمنا المدعى لكن لا يترتب عليه ما افيد اذ يمكن الالتزام بوجوب الاحتياط لا العمل بقول اللغوي فان الاحتياط اذا لم يمكن أو اذا كان مخلا بالنظام أو اذا كان حرجيا لا يجب وإلّا فمقتضى القاعدة في موارد العلم الاجمالي بالتكليف الالزامي الاحتياط هذا على مسلك المشهور وأما على ما سلكناه من جواز جريان الاصل في بعض الاطراف فالامر أسهل فتحصل ان هذا الوجه ايضا لا يصلح لاثبات المدعى.

الوجه الثالث : ان اللغوي من اهل الخبرة والنظر والرجوع الى اهل الخبرة والنظر امر على طبق القاعدة العقلائية فان رجوع الجاهل الى العالم أمر عقلائي وأمضاه الشارع الاقدس فالرجوع الى القول اللغوي امر على طبق القاعدة.

ويرد عليه اولا : ان اللغوي ليس من اهل النظر والاجتهاد بل يخبر عن أمر حسي خارجي فيدخل اخباره تحت عنوان الخبر الحسي فلا بد من رعاية الشرائط المعتبرة في الاخبار الحسي من التعدد والعدالة أو الوثاقة وكيف كان ليس اللغوي من أهل الخبرة والاجتهاد فلا يجوز مراجعته بهذا العنوان.

وثانيا : سلمنا كون اللغوي من أهل الخبرة لكن نقول اللغوي ليس شأنه بيان الموضوع له بل اللغوي يعيّن موارد الاستعمال فاذا كان اللغوي معينا للمعنى يلزم أن تكون الالفاظ مشتركة بين المعاني

٨٤

العديدة حيث ان اللغوي يذكر للفظ المتعدد من المعاني وهو كما ترى.

وثالثا : اغمضنا عن الوجهين المتقدمين لكن الاشكال الاهم انه لا يجوز رجوع المجتهد الى مجتهد آخر وإلا جاز أن يكون مجتهد مقلدا لمجتهد آخر في الاصول ويكون مجتهدا في الفقه وهل يمكن الالتزام به وبعبارة واضحة : المجتهد المطلق يلزم أن يكون مجتهدا في جميع المراحل وإلّا تكون النتيجة تابعة لاخس المقدمات ولا يكون مثله مجتهدا مطلقا وغير قابل لان يقلد نعم يختلج بالبال أن يقال انه لا بأس ان يقلد شخص في الاصول أو في غيره من المقدمات ويكون مجتهدا في الفقه في عمل نفسه فانا لا نرى محذورا فيه في هذه العجالة فلاحظ.

الفصل الخامس في حجية الاجماع المنقول :

وقع الكلام بين الاعلام في حجية الاجماع المنقول بالخبر الواحد والقاعدة الاولية تقتضي تأخر هذا البحث عن بحث حجية الخبر الواحد اذ لو لم يتم الدليل على حجيّة الخبر الواحد لا تصل النوبة الى البحث عن حجية الاجماع المنقول بالخبر الواحد كما هو ظاهر لكن الامر سهل والكلام يقع تارة في حجيّة الاجماع المحصل واخرى في حجية الاجماع المنقول فيقع الكلام في مقامين والبحث في المقام الثاني متأخر عن البحث في المقام الاول اذ لو لم يكن الاجماع المحصل حجة لا تصل النوبة الى البحث عن الاجماع المنقول كما هو ظاهر.

أما المقام الاول فنقول : استدل على حجية الاجماع بوجوه :

الوجه الاول : ما هو المعروف من شيخ الطائفة الطوسي وهو ان

٨٥

قاعدة اللطف تقتضي انه لو اجتمعت الامة على الخطاء يلقي الامام عليه‌السلام الخلاف بينهم ومع عدم تحقق الخلاف يكشف ان اجماعهم على الحق فان اللطف يقتضي ان الله يرشد عباده الى الخير والصلاح ويبعدهم عن الخطاء والخلاف فيجب عليه القاء الخلاف بينهم بوسيلة المعصوم عليه‌السلام.

ويمكن ان يجاب عن الاستدلال المذكور باجوبة : الجواب الاول : انه اي دليل دل على وجوب اللطف بهذا التقريب وبعبارة اخرى اي دليل دل على الوجوب المذكور بحيث يكون تركه قبيحا على الله سبحانه وان شئت قلت : ان عقولنا لا تكون قابلة لدرك هذه الامور وتشخيص ما يكون لازما لساحة قدسه بل ربما يقال انه اذا هدانا الله الى الصراط المستقيم واوصلنا الى الفوز الدائم والنعيم الخالد كان فعله تفضلا علينا ومنة منه على عباده تعالى وتقدس.

وثانيا : ان الله تعالى بين الطريق وأرسل الرسل وانزل الكتب واوضح طرق الهداية والسعادة وعدم الوصول الى المعصوم منا وعدمه منا وان شئت قلت جميع البلايا والمحن ناشئة من غصب الخلافة وجعل ولي الله معزولا والمشتكى الى الله.

وثالثا : انه ما المراد بما ذكر فان كان المراد ان الامام عليه‌السلام يلقي الخلاف بحيث يعرف انه امام فهو مقطوع الفساد ، وان كان الملقي شخصا مجهولا فلا يترتب على خلافه اثر اذ لا ينكشف بقوله واقع الامر وان شئت قلت : اما يمكن الاحتياط واما لا يمكن ، أما على الاول فطريق الوصول الى الواقع مفتوح والنيل الى السعادة ممكن وأما على الثاني فلا اثر لقول واحد من العلماء.

ورابعا : ان الاشكال تمام الاشكال في تحقق الصغرى فانه كيف يمكن الاطلاع على آراء جميع الفقهاء الموجودين في اقطار العالم.

٨٦

وخامسا : ان مقتضى هذا التقريب انه لو انحصر الفقيه في واحد يكون قوله مطابقا مع قول الامام وهل يمكن الالتزام به ، فهذا الوجه غير سديد.

الوجه الثاني : ان اتفاق العلماء بأجمعهم يوجب القطع بقول الامام عليه‌السلام بتقريب ان قول بعض الفقهاء يوجب الظن بالواقع ويشتد الظن المذكور بقول بعض آخر ويحصل القطع باتفاق جميعهم.

وفيه : ان هذا التقريب انما يتم في الخبر الحسي ولذا اشتهر ان الخبر المتواتر يوجب حصول القطع بالمخبر به والسرّ فيه انه لا يحتمل الاشتباه في كل واحد من المخبرين كما انه لا يحتمل تعمد الكذب في حق جميعهم وأما في الخبر الحدسي والامور المربوطة بالاجتهاد والنظر فلا يتم هذا البيان اذ يمكن الاشتباه في كل واحد منهم ولذا نرى ان بعض المسائل النظرية مورد اتفاق علماء الفن سنين ولكن بعد سنين تبين خلافه كحركة الارض مثلا فان اهل النظر كانوا متفقين على انها لا حركة لها لا وضعا ولا انتقالا وبعد الزمن الطويل تغيّر هذا النظر.

ان قلت : الامة لا تجتمع على الخطاء بمقتضى الخبر المروي عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قلت : اولا ان الرواية ضعيفة سندا ولا جابر لها. وثانيا : هذا العنوان لا يتحقق باجماع علماء الامامية بل اللازم اتفاق جميع الامة بلا خروج واحد منهم ولذا قلنا في كتابنا «امير المؤمنين» ان الاجماع المزعوم على خلافة أبي بكر لا يترتب عليه اثر والدعوى المدعاة باطلة.

الوجه الثالث : ان اتفاق المرءوسين يكشف عن رأي الرئيس. وفيه : ان التقريب المذكور انما يتم فيما يكون المرءوسون حاضرين عند رئيسهم ويكون الرئيس فيهم وأما في زمان الغيبة فلا يتم

٨٧

البيان المذكور كما هو ظاهر ، نعم ربما يحصل لفقيه العلم برأى المعصوم من اتفاق جماعة من العلماء على أمر ولكن حصول العلم المذكور انما يكون نافعا لمن حصل له العلم ولا يصير دليلا كليا على حجية الاجماع ويمكن أن لا يحصل العلم المذكور لغيره من اتفاق جميع الفقهاء في جميع الاعصار.

الوجه الرابع : ان اتفاق العلماء على حكم يكشف عن وجدانهم دليلا معتبرا على ذلك الحكم بحيث لو كنا واجدين له لالتزمنا بذلك الحكم كما التزموا.

وفيه : انه ربما يكون اتفاقهم ناشيا عن تمامية قاعدة عندهم ولا تكون تلك القاعدة تامة عندنا كما انه يمكن أن يكون الوجه في نظرهم حديثا لا يكون ذلك الحديث تاما عندنا ، نعم لو اتفق الفقهاء بأجمعهم على حكم وعلمنا انهم وجدوا دليلا تام السند والدلالة لالتزمنا بمقالتهم بلا اشكال ولكن أنّى لنا بذلك ، فتحصل مما ذكرنا انه لا دليل على حجية الاجماع المحصل بل ظهر مما ذكرنا ان اجماع جميع العلماء في جميع الاعصار لا يكون من الادلة الشرعية ، اللهم إلّا أن يقال لو اتفق مثله يحصل للفقيه العلم بالحكم الشرعي لكن تحقق مثله مجرد فرض لا واقع له فلاحظ هذا تمام الكلام في المقام الاول.

وأما المقام الثاني فنقول : وقع الكلام بين الاصحاب في حجية الاجماع المنقول بالخبر الواحد والسر في التعبير المذكور ان الاجماع اذا كان منقولا بالخبر المتواتر يكون اجماعا محصلا ويدخل في المقام الاول وقد قلنا سابقا انه بعد عدم حجية الاجماع المحصل لا تصل النوبة الى البحث في المقام الثاني ولكن تبعا للقوم نبحث فنقول : لا يخفى ان البحث في هذا المقام في أن دليل حجية قول

٨٨

العادل أو الثقة اذا أخبر عن حكم شرعي هل يشمل نقل قول الامام عليه‌السلام بنقل الاجماع أم لا فعلى هذا الاساس نقول تارة يخبر العادل أو الثقة عن أمر محسوس ويصرح بأن خبره ناش عن الحس كما لو قال الثقة رأيت زيدا في السوق ، فان دليل حجية الخبر يشمل مثله لان احتمال الكذب مدفوع بوثاقته واحتمال الغفلة مدفوع باصالة عدم غفلته وبناء العقلاء على العمل بقوله ومثله ان يقول سمعت من المعصوم ان الشيء الفلاني حرام ، واخرى يخبر عن الامر المحسوس ونحن نحتمل أن يكون منشأ خبره الحس كما انه نحتمل ان منشأه الحدس كما لو أخبر عن موت زيد مع احتمال الامرين المذكورين يكون خبره حجة ايضا اذ بناء العقلاء على كون بناء الاخبار عن الحس ولا يعتنون باحتمال كون اخباره حدسيا وأما احتمال الغفلة أو تعمد الكذب فهو مدفوع بما تقدم ومثله ان يقول قال الصادق عليه‌السلام هكذا. وثالثة : يخبر العادل أو الثقة عن أمر حدسي قريب من الحس وهذا القسم من الاخبار ايضا حجة عند العقلاء لان المفروض كونه كالمحسوس وأما احتمال الغفلة كاحتمال الكذب فهو مدفوع كما سبق.

ورابعة : يخبر عن أمر حسي يحصل منه الحدس والعلم بأمر كما لو أخبر العادل أو الثقة بأن الاسواق والشوارع معطلة والدكاكين مغلقة والسامع يرى ملازمة بين المخبر به وحدوث حادثة كذائية في البلد فيكون اخباره ايضا حجة لان الحجة قائمة على الملزوم واللازم يترتب عليه بنظر السامع كما لو أخبر العادل عن اتفاق اصحاب الصادق كزرارة وابن مسلم وأضرابهما على حكم فلاني.

اذا عرفت ما تقدم فلا وجه لاعتبار الاجماع المنقول اذ غاية ما يمكن أن يقال ان العادل أو الثقة يخبر باتفاق العلماء على امر وحكم

٨٩

والحال ان السامع لا يرى ملازمة بين اتفاق العلماء وقول الامام عليه‌السلام فلا أثر لاخباره وبعبارة واضحة المخبر عن الاجماع والناقل له لا ينقل الحكم عن الامام بل يمكن أن لا يرى ملازمة بين الاجماع ورأى الامام عليه‌السلام وانما ينقل الاجماع واتفاق الفقهاء فان كان السامع معتقدا بالملازمة يرتب عليه الاثر وإلّا فلا وقد انقدح في المقام الاول عدم تمامية الوجوه المذكورة لحجية الاجماع فلا أثر لنقله نعم اذا كان الناقل معاصرا للامام ونقل الحكم عن الامام واحتملنا كون اخباره عن حس يترتب عليه الاثر ولكنه مجرد فرض وخيال فان الناقل للاجماع في زمن الغيبة لا يصل الى زيارة الامام عليه‌السلام وعلى فرض دعواه الوصول لا يؤخذ بقوله.

ان قلت : اذا نقل واحد من القدماء كالشيخ الطوسي مثلا الاجماع يؤخذ به لان عصره قريب من الامام عليه‌السلام ومن المحتمل انه ينقل الحكم من الامام عليه‌السلام ولو بالواسطة ونقل الحكم المسموع من الامام بصورة الاجماع ومع احتمال الحس يؤخذ بقوله ويحمل اخباره على الاخبار الحسي.

قلت : هذا التقريب فاسد اولا ، بأن الاحتمال المذكور احتمال موهوم وغير عقلائي ولا يعتد به وان شئت قلت نطمئنّ بعدمه وذلك لعدم وجه معقول فان الناقل اذا كان سامعا من الامام عليه‌السلام فلا وجه لنقل قول الامام عليه‌السلام بصورة نقل الاجماع مضافا الى أن الشيخ يرى كون الاجماع حجة من باب اللطف وغيره من باب آخر فهؤلاء الاعلام يرون الاجماع بنفسه حجة.

وثانيا : ان الاخبار المذكور بالتقريب المزبور يدخل في الاخبار المرسلة والمرسلات لا اعتبار بها اذ نقل قول الامام بالواسطة وعدم ذكرها يكون داخلا في الارسال ، فتحصل ان الاجماع المحصل لا حاصل

٩٠

له فلا حاصل ايضا لما يتفرع عليه من الاجماع المنقول والله الهادي الى سواء السبيل وعليه التكلان.

الفصل السادس فى حجية الشهرة الفتوائية

وقع الكلام بين الاصحاب في حجية الشهرة الفتوائية وعدمها وما يمكن أن يذكر في تقريب الاستدلال على اعتبارها وجوه :

الوجه الاول ما رواه زرارة بن اعين : قال الامام عليه‌السلام : يا زرارة خذ بما اشتهر بين اصحابك ودع الشاذ النادر (١).

بتقريب ان المستفاد من الحديث اعتبار الشهرة ومقتضى الاطلاق شمول الحكم للشهرة الفتوائية وبعبارة اخرى الموصول من المبهمات ومعرّفه الصلة الواقعة بعده وقريب منه في المفاد الحديث الاول من الباب فالميزان هي الشهرة واطلاقها يقتضي عدم الفرق بين الشهرة الروائية والفتوائية.

ويرد على الاستدلال اولا : ان الحديثين غير معتبرين سندا فان ابن حنظلة لم يوثق والمرفوعة لا اعتبار بها كما هو ظاهر. وثانيا : ان الميزان في المحاورات الظهورات العرفية ومن الواضح ان المستفاد من الخبرين انه عليه‌السلام في مقام بيان اعتبار المشهور من الخبرين لا في مقام بيان اعتبار مطلق الشهرة وإلّا يلزم اعتبار كل شهرة في جميع الموارد ولا خصوصية للشهرة الفتوائية وهل يمكن الالتزام بهذا اللازم وايضا يلزم كون الاجماع حجة بالاولوية والحال ان الاصحاب لا يستدلون بهما على كون الاجماع حجة ، فهذا الوجه غير قابل لاثبات المدعى.

الوجه الثاني : ان الظن الحاصل عن الشهرة الفتوائية أقوى من الظن الحاصل من الخبر الواحد وحيث ان الخبر الواحد حجة فتكون

__________________

(١) جامع الاحاديث ج ١ ص ٢٥٤ باب ٦ باب معالجة تعارض الروايات الحديث ٢.

٩١

الشهرة الفتوائية حجة بالاولوية. ويرد عليه : انه على هذا الاساس يلزم العمل بقول فقيه واحد اذا حصل من فتواه الظن القوي وهل يمكن الالتزام به وعلى الجملة لا يمكن الجزم بأن الملاك هناك حصول الظن بل يمكن أن يكون الملاك كون المخبر مأمونا عن الكذب بلحاظ كونه ثقة واما احتمال غفلته فهو مدفوع بالاصل العقلائي واحتماله موهون وأما احتمال الخطاء في الاجتهاد والحدس فهو لا يكون موهونا واذا كان التقريب المذكور تاما يلزم ان يكون الظن القوي الحاصل في كل مورد حجة والحال ان الظن لا يغني عن الحق شيئا بصريح الكتاب.

الوجه الثالث : آية النبأ (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا)(١) بتقريب ان المستفاد من الآية الشريفة عدم لزوم التبين في كل مورد لا يكون العمل سفهائيا وحيث ان العمل بالشهرة ليس من السفاهة يتم الاستدلال وبعبارة واضحة العمل بالشهرة بلا تبين لا يكون بسفاهة ومن ناحية اخرى يستفاد من الآية الشريفة الكبرى الكلية وهي جواز العمل بلا تبين اذا لم يكن سفهائيا وبعد ضم الكبرى الى الصغرى يتم الاستدلال.

ويمكن النقاش في كلا الامرين أما في الصغرى فلان العمل بالشهرة كيف لا يكون سفهائيا وبعبارة واضحة المراد من كلمة الجهالة في الآية الشريفة اما السفاهة اي العمل بلا روية وحكمة بحيث يعد المقدم سفيها واما يكون المراد عدم العلم كما هو الظاهر من الكلمة أما على الاول فلا اشكال في أن العمل بالشهرة بلا دليل على اعتبارها سفهي ولا يتم الحجة عند العبد بل الحجة له تعالى وتقدس بأن يعترض ويقول لما ذا عملت بالشهرة بلا دليل على

__________________

(١) الحجرات / ٦.

٩٢

الاعتبار وأما على الثاني فلا اشكال في كون العامل بالشهرة جاهل هذا بالنسبة الى الصغرى وأما الكبرى فنقول لا يستفاد من الآية جواز العمل بلا تبين في كل مورد لا يكون سفهيا فان القضية لا مفهوم لها مثلا لو قال المولى لا تأكل الرمان لانه حامض ، يدل كلام المولى بعموم التعليل على حرمة كل حامض ولكن لا يدل على جواز اكل كل ما لا يكون حامضا إلّا ان يعلم من الخارج انحصار علة الحرمة في خصوص الحموضة وفي المقام يستفاد من الآية الشريفة ان العمل بقول الفاسق سفاهة أو جهالة وبعموم العلة نفهم ان كل عمل سفهي منهي عنه لكن لا يستفاد من الآية ان العمل اذا لم يكن سفهيا يجوز ارتكابه وترتيب الاثر عليه بلا تبين اذ ليس للقضية مفهوم.

وبعبارة واضحة : يستفاد من الآية حرمة العمل بلا تبين في مورد الجهل أو كون العمل سفهيا فيمكن ان العمل بلا تبين يكون منهيا عنه ولو مع عدم كونه سفهيا بملاك آخر فلاحظ. فتحصل انه لا دليل على حجية الشهرة الفتوائية والعجب ممن يرى الاستدلال على حجية الاجماع مخدوشا وغير تام ومع ذلك يروم ان الشهرة الفتوائية حجة هذا من ناحية ومن ناحية اخرى ان الاصل الاولي كما تقدم يقتضي عدم حجية ما يشك فى كونه حجة بل قلنا ان الشك في الحجية يساوق العلم بعدمها.

الفصل السابع فى حجية الخبر الواحد وعدمها.

فنقول : لا اشكال ولا كلام في أن هذا البحث من أهم المسائل الاصولية اذ لا طريق الى الوصول الى الاحكام الشرعية إلّا بمقدار لا يفي بما نعلم به اجمالا فلا بد من التوسل الى الخبر الواحد وان شئت قلت : اذا ثبت اعتبار الخبر الواحد ينفتح باب العلمي وينسد باب الانسداد واذا لم يثبت اعتباره ينفتح باب الانسداد اعاذنا الله

٩٣

من ذلك ويقع الكلام في هذا المقام في مواضع :

الموضع الاول : في الوجوه المذكورة لاثبات عدم اعتبار الخبر الواحد : الوجه الاول : الاجماع المنقول على عدم اعتباره وفيه : اولا انه ثبت قريبا عدم حجية الاجماع المنقول والمحصل فلا يكون قابلا للاستدلال به وثانيا : الاستدلال المذكور يستلزم الخلف اذ الكلام في اعتبار الخبر الواحد فكيف يمكن اثبات عدم اعتباره بالاجماع المنقول بالخبر الواحد فالاستدلال المذكور غير تام.

الوجه الثاني : استصحاب عدم كونه حجة فان اعتبار الخبر مسبوق بالعدم ومقتضى الاستصحاب عدم جعل الشارع الخبر الواحد حجة.

ويرد عليه : اولا انه ان تم الدليل على اعتباره فلا تصل النوبة الى الاستصحاب كما هو ظاهر وان لم يتم يكفي لاثبات عدم الاعتبار مجرد الشك فيه فانه قلنا سابقا ان الشك في الحجية مساوق مع القطع بعدمها وثانيا : كيف يمكن الاستدلال بالاستصحاب والحال ان اعتبار الاستصحاب يتوقف على اعتبار الخبر الواحد فانه لو لا الخبر الواحد لا يكون دليل على اعتبار الاستصحاب.

الوجه الثالث : الآيات الدالة على المنع عن العمل بالظن كقوله تعالى (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)(١) وقوله تعالى (وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً)(٢) فان الآيات الدالة على النهي عن العمل بالظن تدل على عدم اعتبار الخبر الواحد.

وفيه : اولا ان هذه الآيات ظاهرة بحسب الفهم العرفي في الارشاد الى أن اللازم تحصيل المؤمن والحجة ولا بد من الاعتماد بركن وثيق في دفع الضرر المحتمل وامكان الابتلاء بالعذاب الالهي فلا يكون مفادها حكما مولويا ونهيا عن العمل بالظن كى يقال انها

__________________

(١) الاسراء / ٣٦.

(٢) النجم / ٢٨.

٩٤

دالة على عدم اعتبار الخبر الواحد وببيان واضح ان الآيات المذكورة لا تدل على عدم اعتبار الظن على نحو المولوية بل ليس مفادها إلّا ما يستفاد من العقل من انه يلزم على المكلف الاعتماد بحجة في مقابل احتمال الضرر.

وثانيا : سلمنا دلالتها على المدعى لكن نقول اذا تم الدليل على اعتبار الخبر الواحد فاما يكون النتيجة كون الخبر علما تعبديا وطريقا جعليا واما يكون مفاده جعل الحكم ، أما على الاول فيلزم كون دليل الامارة والخبر الواحد حاكما على الآيات اذ المفروض ان الآيات نهت عن العمل بالظن ومفاد دليل الامارة التصرف في الموضوع وجعل الظن الحاصل من الخبر علما تعبديا فطبعا يكون دليل الاعتبار مقدما على الآيات حيث ان دليل الحاكم يقدم عرفا على دليل المحكوم.

وأما على الثاني ، فائضا يقدم دليل اعتبار الخبر على الآيات فان المقرر أن الخاص يقدم على العام وبعبارة واضحة : مقتضى الآيات الناهية المنع عن العمل بكل ظن في كل مورد ودليل اعتبار الخبر يقتضي العمل بالظن الحاصل من الخبر الواحد فنسبة دليل الاعتبار الى دليل المنع نسبة الخاص الى العام ولا بد من تخصيص العام بالخاص.

ولما انجر الكلام الى هنا فلا بأس الى الاشارة الى ما هو الحق من أن مقتضى دليل الاعتبار الطريقية والكاشفية أو مقتضاه جعل الحكم فنقول في مقام الثبوت لا نرى مانعا عن تعلق الجعل بالطريقية وبعبارة اخرى العلم الوجداني اذا صادف الواقع يكون منجزا بحكم العقل اذا كان متعلق العلم حكما الزاميا وان كان مخالفا مع الواقع يكون العلم معذرا ولا مانع عن جعل المولى امارة على الواقع ويكون نتيجة الجعل المذكور ترتب الاثر المترتب على العلم الوجداني

٩٥

على الطريق الجعلي التعبدي وبعد امكان الجعل المذكور ثبوتا تصل النوبة الى مقام الاثبات والظاهر ان عمل العقلاء بخبر الثقة أو العادل من باب كونهم يرون الاخبار الكذائي طريقا الى الواقع والشارع الاقدس أمضى ما عليه العقلاء فليكن هذا بذكرك كى ينفعك عند الاستدلال على حجية الخبر الواحد.

الوجه الرابع : النصوص الدالة على عدم اعتبار الخبر الذي لا يكون عليه شاهد أو شاهدان من الكتاب :

منها : ما عن ابن أبي يعفور قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به ، ومنهم من لا نثق به ، قال : اذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهدا من كتاب الله أو من قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإلّا فالذي جاءكم به أولى به (١). الى غيره مما ذكر في الباب المذكور من الوسائل وجامع الاحاديث ج ١ ص : ٢٥٨ و ٢٥٩.

فان الخبر ان كان عليه شاهد من الكتاب يكون وجوده كعدمه فان الكتاب بنفسه يكفي للاستناد وان لم يكن فيه شاهد على الخبر لا يكون ذلك الخبر حجة ، فالنتيجة عدم حجية الخبر الواحد.

والجواب عن الاستدلال المذكور : انه لا اشكال ولا كلام في صدور أخبار منهم عليهم‌السلام خالية عن الشاهد عليها في كتاب الله بل لا اشكال في صدور أخبار واحكام مخالفة مع العام الكتابي أو مطلقه فان أهل البيت عدل القرآن وبيان التفاصيل المربوطة بالآيات القرآنية يؤخذ منهم.

ان قلت : فعلى اي معنى تحمل هذه الطائفة قلت اولا : انا لا نعلم بصدور هذه الطائفة منهم عليهم‌السلام ولا يقطع بصدورها عن

__________________

(١) الوسائل الباب ٩ من أبواب صفات القاضى الحديث : ١١.

٩٦

مخازن الوحى ارواحنا فداهم فلا ملزم لحملها على محمل.

وثانيا : ان هذه الطائفة مطلقة من حيث كون الراوي ثقة أم لا وادلة اعتبار خبر الثقة تخصصها وبعبارة واضحة تخصيص العام وتقييد المطلق أمر ان على طبق الصناعة العلمية.

وثالثا : ان الاستدلال بالروايات على عدم اعتبار الخبر الواحد دوري وعهدة دعوى تواتر النصوص المشار اليها على مدعيها.

الوجه الخامس : النصوص الدالة على ان ما خالف الكتاب زخرف منها ما رواه ايوب بن الحر قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : كل شيء مردود الى الكتاب والسنة وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف (١).

فكل خبر يكون مخالفا للاطلاق الكتابي أو عمومه فهو زخرف لانه مخالف مع الكتاب. والجواب عن الوجه المذكور اولا : انه لا شبهة في صدور كثير من الاحكام منهم عليهم‌السلام المخالفة بالعموم والخصوص أو بالاطلاق والتقييد أو بوجه آخر فلا يكون المراد من هذه النصوص هذا النحو من المخالفة بل المراد منها المخالفة بالتباين أو بالعموم من وجه.

وثانيا : انما يرد الاشكال المذكور على فرض تمامية الاخبار المذكورة من حيث السند والدلالة وبعبارة اخرى يتم على تقدير تسليم اطلاق الاخبار المذكورة وشمولها لما يكون مخالفا بالعموم والخصوص لكن نقول لا دليل على اعتبار نفس هذه الاخبار فان اثبات كونها متواترة صادرة عنهم مشكل.

وثالثا : سلمنا واغمضنا عن هذه الجهة ايضا لكن نقول هذه النصوص المشار اليها مطلق من حيث كون الراوي عنهم ثقة أو

__________________

(١) نفس المصدر الحديث : ١٤.

٩٧

غير ثقة وادلة حجية الخبر الواحد تقيد اطلاقات هذه النصوص.

ان قلت : لسان هذه الاخبار غير قابل للتخصيص اذ كيف يمكن تخصيص قوله ما خالف الكتاب زخرف وأمثال هذا المضمون. قلت : هذا التقريب يدفع اصل الاشكال أي الاخبار المشار اليها لا تشمل المخالف بالعموم والخصوص اذا المخالفة بهذا النحو لا يكون مخالفا عرفا مضافا الى أنه لا شبهة في صدوره عنهم كثيرا كما سبق منا فالمتحصل انه لا دليل على عدم اعتبار الخبر الواحد ، هذا تمام الكلام في الموضع الاول.

الموضع الثاني : في بيان الوجوه القابلة للاستدلال بها على حجية الخبر الواحد. الوجه الاول : قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ)(١).

وشأن نزول الآية على ما يظهر من التفسير ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ارسل وليدا لاخذ صدقات بني المصطلق فخرجوا يتلقونه فرحا به وكانت بينهم عداوة في الجاهلية فظن انهم هموا بقتله فرجع الى رسول الله وقال انهم منعوا صدقاتهم فغضب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهم ان يغزوهم فنزلت الآية وللاستدلال بها على المدعى تقريبات :

التقريب الاول : للاستدلال بها على المدعى ان وجوب التبين تعلق بعنوان نبأ الفاسق فيفهم اختصاص الحكم به وبعبارة اخرى التبين في حد نفسه لا يكون واجبا بل التبين مقدمة للعمل فخبر الفاسق لا يكون امارة على المخبر به بل لا بد من التبين فالآية بمفهوم الوصف تدل على نفي التبين فيما لا يكون المخبر فاسقا.

__________________

(١) الحجرات / ٦.

٩٨

ويرد على هذا التقريب : ان ذكر الوصف وان كان موجبا لاختصاص الحكم بمورد يكون المخبر فاسقا لكن لا مفهوم للقضية وعلى الجملة قد ثبت في بحث المفاهيم ان الوصف لا مفهوم له سيما اذا لم يكن معتمدا كما انه كذلك في الآية الشريفة وان شئت قلت : ان الوصف وان كان مشعرا بالعلية لكن يمكن أن يكون شيء آخر ايضا علة وببيان واضح لا دليل على العلية المنحصرة مثلا اذا قال المولى اكرم العالم يستفاد من كلامه ان العلم مناط الاكرام لكن لا يستفاد من كلامه الانحصار بحيث لو قام دليل على وجوب اكرام العادل يقع التعارض بين الدليلين.

ان قلت : فما وجه ذكر الفاسق وتعليق الحكم عليه.

قلت : يفهم من هذا التعليق ان الفاسق ساقط عن درجة الاعتبار ولا يعتد بخبره مضافا الى أنه اعلام بكون الوليد فاسقا غير لائق لان يرتب اثر على اخباره وعلى الجملة لا اشكال في أن ذكر عنوان الفاسق لا يكون لغوا بل فيه عناية ولكن مجرّد العناية في ذكر الوصف لا يستلزم المفهوم.

التقريب الثاني : ان لخبر الفاسق جهتين احداهما ذاتية والاخرى عرضية أما الذاتية فكونه خبرا واحدا وأما العرضية فكونه خبر الفاسق وعلل التبين بالجهة العرضية فيعلم ان العلة للحكم هي الجهة العرضية اي كون المخبر فاسقا اذ لو كان الملاك الجهة الذاتية لما عدل عنها الى العرضية فانه خلاف طريق المحاورة العرفية فتكون النتيجة ان العلة للحكم فسق المخبر فان لم يكن فاسقا لا يجب التبين وبعبارة واضحة ان مقتضى هذا التقريب ان المستفاد من الآية الشريفة ان علة وجوب التبين كون الخبر صادرا من الفاسق لا أنه خبر واحد ، فالمتحصل ان الخبر على قسمين احدهما ما يكون

٩٩

مخبره فاسقا ، ثانيهما ما لا يكون مخبره فاسقا والقسم الاول لا يكون معتبرا ولا يعتد به وأما القسم الثاني فهو معتبر ويعتد به.

ويرد عليه اولا : ان ما ذكر في التقريب ليس تاما فانه يمكن العدول في مقام التعليل عن الجهة الذاتية الى الجهة العرضية لنكتة ، مثلا في المقام يمكن أن يكون الوجه في التعليل بالفسق الاعلام بأن الوليد فاسق غير قابل للاعتماد على قوله ويمكن أن تكون الجهة العرضية أشدّ تأثيرا من العلة الذاتية فان الانسان اذا كان فاسقا ولا يكون على الطريق المستقيم فاحتمال كون خبره كذبا أقوى وعلى الجملة التقريب المذكور لا يكون تاما فلا يترتب عليه الاثر المرغوب فيه.

وثانيا : انه لو قلنا والتزمنا بمفهوم الوصف في المقام يلزم أن يكون خبر غير الفاسق حجة ولو لم يكن عادلا كما لو كان المخبر في اول بلوغه ولم يرتكب ذنبا كى يصدق عليه عنوان الفاسق وكما لو كان المخبر مجنونا أو صبيا وهل يمكن الالتزام به؟ اللهم إلّا أن يقال على فرض الالتزام بالمفهوم يمكن تقييد اطلاق المفهوم فهذا الايراد غير وارد على التقريب المذكور.

وثالثا : ان التقريب المذكور غايته أن يستفاد من الآية ان العلة لوجوب التبين فسق المخبر ولكن لا يتم المدعى الا بكون العلة منحصرة ولا يكون شيء آخر علة والانحصار لا يستفاد من الآية فلاحظ.

التقريب الثالث : للاستدلال بالآية على المدعى بمفهوم الشرط وهو ان وجوب التبين قد علق على مجيء الفاسق بالخبر وقد حقق في بحث المفاهيم ان الشرط ظاهر في المفهوم فبمقتضى مفهوم الشرط يستفاد من الآية الشريفة اختصاص التبين بخبر الفاسق.

وقد وردت على الاستدلال بالآية على المدعى وجوه من الاشكال :

١٠٠