آراؤنا في أصول الفقه - ج ٢

السيّد تقي الطباطبائي القمّي

آراؤنا في أصول الفقه - ج ٢

المؤلف:

السيّد تقي الطباطبائي القمّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات المحلّاتي ( المفيد )
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥١

بجعله الطريقية للامارة صار سببا لفوت الملاك الواقعي والوقوع في المفسدة الواقعية.

وأما على القول الآخر وهو ان المستفاد من دليل حجية الامارة جعل الحكم ، فائضا لا يتوجه اشكال اذ قد ذكرنا قريبا انه لا تنافي بين الحكم الواقعي والظاهري فان المولى يرى ان المصلحة تقتضي أن يجعل على طبق الامارة حكما ظاهرا مطابقا لمفاد الامارة ولا يلزم تحريم الحلال أو ايجابه بحسب المصلحة الواقعية ، وان شئت قلت : المصلحة في نفس الجعل لا في المتعلق ، نعم يلزم في المقام اشكال ولا دافع له وهو انه بعد قيام الامارة على وجوب شيء حلال واقعي نسأل هل الحلية الواقعية باقية بحالها أولا ، أما على الاول فيلزم اللغو اذ لا اثر لهذه الحلية الواقعية وأما على الثاني فيلزم أن لا يكون الحكم الواقعي مشتركا بين العالم والجاهل وبعبارة اخرى يلزم ان يكون الشيء الفلاني حلالا واقعيا للعالم بالحلية ولمن لم تقم الامارة عنده وحراما واقعيا أو واجبا واقعيا لمن قامت عنده الامارة على الوجوب أو على الحرمة ولكن ليس محذورا غير قابل للدفع وبعبارة اخرى نلتزم به ولا يترتب عليه محذور وان شئت قلت : نلتزم بعدم الاشتراك في الحكم الواقعي في الفرض المذكور.

الصورة الثانية : ان تقوم الامارة على اباحة ما كان واجبا في الواقع أو تقوم الامارة على اباحة ما كان حراما في الواقع فاجاب عن الاشكال سيدنا الاستاد بأن المفروض انسداد باب العلم فلو كان المكلف ونفسه يجري البراءة ولا يدرك مصلحة الواقع فالاولى ان تكون الامارة حجة فان التحفظ على الواقع يحصل بمقدار لا يحصل اذا لم تكن حجة.

ويرد عليه : انه يمكن التحفظ على الواقع بايجاب المولى

٦١

الاحتياط فيكون الواقع محفوظا بتمام معنى الكلمة ان قلت : لا يمكن الاحتياط ، قلت : عدم امكان الاحتياط منحصر في صورة احتمال الوجوب واحتمال الحرمة كليهما وهذه الصورة قليلة التحقق فان الغالب احتمال الوجوب مع القطع بعدم الحرمة أو احتمال الحرمة مع القطع بعدم الوجوب.

فالحق في الجواب أن يقال : ان الشارع الاقدس يرى المصلحة في جعل الامارة حجة وان كان ربما توجب الوقوع في خلاف الواقع وان شئت قلت : المصلحة في نفس الجعل والشارع الاقدس خبير بما يفعل ويشاء وهو يسأل ولا يسأل وبعبارة اخرى : يكفى لدفع الاشكال احتمال كون الجعل ناشيا عن مصلحة وكيف لا يكون كذلك ولا ريب في أن أفعال الحكيم على الاطلاق ناشية عن حكم ومصالح لا يعلمها إلّا هو.

الصورة الثالثة : أن يكون مفاد الامارة وجوب ما يكون حراما في الواقع أو يكون مفادها حرمة ما كان واجبا في الواقع فتوجب حجية الامارة وقوع العبد احيانا في المفسدة أو تفويت المصلحة عنه لكن بعد ما ذكرنا من أن الجعل اذا كان ذا مصلحة فلا مانع عن جعل الامارة حجة فان الشارع الاقدس العالم بتمام الجهات يرى ان جعله الامارة فيه الملاك والمصلحة بحيث لا يمنع عن جعله المحذور المذكور لكن في الصورة المذكورة اشكال نظير الاشكال الذي سبق وهو ان مفاد الامارة اذا كان وجوب شيء وكان ذلك الشيء حراما في الواقع أو اذا كان مفاد الامارة حرمة شيء وكان ذلك الشيء واجبا في الواقع نسأل بأنه ما فائدة المجعول الواقعي اذ بمقتضى اعتبار الامارة يكون المكلف ملزما بالفعل أو الترك ويكون معذورا في

٦٢

ترك الواجب وفعل الحرام فيلزم انتفاء الحكم الواقعي لكن الذي يهون الخطب انه لا مانع من الالتزام بهذا اللازم اذ غاية ما يلزم أن لا يكون الحكم الواقعي محفوظا بالنسبة الى المكلف الذي فرض قيام الامارة عنده على خلاف الواقع ولا مناص عن الالتزام بهذا اللازم اذ وجود الحكم الواقعي في الصورة المفروضة لغو ولا يصدر اللغو عن الحكيم فلاحظ.

ولا فرق فيما ذكرنا بين القول بانسداد باب العلم وبين القول بانفتاحه فان الشارع الاقدس العالم بجميع الجهات اذا لاحظ ان جعل الامارة حجة ذا مصلحة فلا مانع من جعله ولا يترتب على جعله محذور حتى على فرض انفتاح باب العلم وتبعا للقوم نتعرض للاقوال الواردة في المقام فنقول الاقوال الواردة في الامارات مختلفة متعددة :

القول الاول : ما نسب الى الاشاعرة وهو ان الحكم الواقعي تابع لقيام الامارة ولا حكم في الواقع الا ما قام عليه الامارة وهذا نوع من السببية وعلى هذا القول لا يتوجه الاشكال المذكور في المقام اذ ليس حكم في الواقع كى يلزم الوقوع في خلافه على تقدير العمل بالامارة فان المفروض ان الحكم الواقعي تابع للامارة وهذا القول باطل لاستلزامه الدور اذ قيام الامارة على الحكم متوقف على وجود حكم في الواقع والحال ان الواقع متوقف على قيام الامارة مضافا الى أنه يرد على هذا القول الاجماع المدعى في المقام على اشتراك جميع المكلفين في الاحكام الواقعية بلا فرق بين من قامت عنده الامارة ومن علم بالواقع ومن لم يقم عنده الامارة ولم يعلم ايضا بالواقع.

القول الثاني : وهو القول المنسوب الى المعتزلة وهو ان الحكم

٦٣

الواقعي وان كان محفوظا لكن اذا قامت الامارة على الخلاف يتغير الواقع بتغير الموضوع كالعناوين العارضة الموجبة لتغيّر الحكم وعلى هذا القول ايضا لا يتوجه الاشكال المذكور على جعل حجية الامارة اذ عليه لا موضوع ولا مجال للوقوع في خلاف الواقع لكن هذا القول ايضا مردود بالاجماع القائم على اشتراك الحكم الواقعي بين جميع المكلفين ولازم هذا القول عدم توجه ذلك الحكم الى من قامت عنده الامارة.

القول الثالث : الالتزام بالمصلحة السلوكية وهو ان الملاك الفائت الثابت في الواقع يتدارك بالمصلحة القائمة بالعمل بالامارة والسلوك على طبقها ولا يترتب الاشكال المذكور في التعبد بالامارة اذ على هذا لا يفوت شيء.

وقد اورد على هذا المسلك : انه نوع من التصويب لانه اذا كان الملاك الفائت يتدارك بالعمل بالامارة فالعمل الجامع بين الواقع والمنطبق على الامارة ذو ملاك ومقتضى القاعدة ترتب الحكم على الجامع وأما ايجاب خصوص الواجب الواقعي فهو ترجيح بلا مرجح ولازمه اختلاف المكلفين في الحكم الواقعي وعدم اشتراكهم فيه مضافا الى أن القول المذكور لا دليل عليه فان الشارع الأقدس العالم بجميع الامور اذا جعل الطريقية للامارة أو جعل العمل بها واجبا لمصلحة في نظره لا يكون فيه اشكال.

الوجه الثاني : من الوجهين اللذين ذكرا لاستحالة التعبد بالظن ان الامارة المجعولة اما مطابقة مع الحكم الواقعي واما مخالفة معه أما على الاول فيلزم اجتماع المثلين وأما على الثاني فيلزم اجتماع الضدين وكلاهما محالان فالنتيجة انه على تقدير المطابقة يلزم

٦٤

اجتماع المثلين وعلى تقدير المخالفة يلزم اجتماع الضدين فيقع الكلام في موردين :

المورد الاول : مورد مطابقة الامارة مع الواقع واجيب عن اشكال اجتماع المثلين بأنه تارة نبني على أن مفاد الامارة الطريقية أو ان المجعول الحكم الطريقي واخرى نبني على الموضوعية والسببية أما على الاول فلا تعدد في الحكم كى يلزم اجتماع المثلين بل التعدد في الانشاء.

وأما على الثاني ، فيلزم التعدد في الحكم كما هو الشأن في كل عامين من وجه فلو قال المولى «اكرم العلماء» وفي دليل آخر قال «اكرم الهاشميين» يتأكد وجوب الاكرام في مورد الاجتماع وهو العالم الهاشمي فأين لزم اجتماع المثلين.

وأما المورد الثاني ، وهو لزوم اجتماع الضدين فقد اجيب عن الاشكال باجوبة. الجواب الاول : ما أفاده الشيخ قدس‌سره وهو ان مرتبة الحكم الظاهري تغاير مرتبة الحكم الواقعي وبعبارة اخرى : يعتبر في تحقق التضاد الوحدات الثمانية المعتبرة في التناقض ومن تلك الوحدات وحدة الموضوع ولا اتحاد بين موضوعي الحكم الواقعي والظاهري فان موضوع الحكم الواقعي الشيء بما هو وموضوع الحكم الظاهري الشيء الذى يشك في حكمه مثلا شرب الخمر حرام وهذا حكم واقعي مترتب على شرب الخمر بلا كونه مقيدا بقيد وأما اذا كان خمر مجهولا للمكلف يحل شربه بما أنه مجهول الخمرية فلا تضاد ولا تناقض.

ويرد عليه : ان الحكم الواقعي اما مقيد بالعلم بكونه حراما واما مطلق واما مهمل أما تقيده بالعلم فلا يمكن لا عقلا ولا شرعا ، أما عقلا

٦٥

فللزوم الدور ، وأما شرعا فلقيام الاجماع على اشتراك جميع المكلفين في الاحكام الواقعية وأما الاهمال فائضا غير معقول كما ذكرنا مرارا ، فالمتعين أن يكون مطلقا وعلى هذا نقول ان الحكم الظاهري وان لم يكن في مرتبة الحكم الواقعي وأما الحكم الواقعي فهو موجود في عرض الحكم الظاهري ، وان شئت فقل الحكم الظاهري لا تصل يده الى الحكم الواقعي وأما الحكم الواقعي فتصل يده الى الحكم الظاهري فهذا الجواب غير تام.

الجواب الثاني : ما أفاده صاحب الكفاية وهو انه ان قلنا بأن المجعول في باب الامارات والطرق المنجزية والمعذرية ولا يكون حكم الا الحكم الواقعي فلا مجال للاشكال اذ التضاد فرع تعدد الحكم ومع فرض عدمه لا تصل النوبة الى ايراد اشكال التضاد ، وأما ان قلنا بأن المجعول الحكم الشرعي فتعبيراته مختلفة والجامع بين جميع التعبيرات عدم اتحاد موضوعي الحكمين.

ويرد عليه : اولا انه فرضنا ان المجعول في باب الطرق والامارات المنجزية والمعذرية لكن لا اشكال في أن مفاد الاصول العملية كقاعدة الحل والطهارة وامثالهما احكام ظاهرية فان قوله عليهم‌السلام «كل شيء حلال» يدل على حلية الاشياء وهل يمكن الالتزام بعدم جعل الحكم الظاهري حتى في هذه الموارد. وثانيا : انه يرد عليه ما أوردناه على الشيخ الانصاري قدس‌سره وهو انه مع عدم وجود الحكم الواقعي في عرض الحكم الظاهري يلزم التصويب المجمع على بطلانه مضافا الى اشكال الدور ومن ناحية اخرى ان الاهمال محال فيلزم التحفظ به في هذه المرتبة فيلزم اجتماع الضدين اضف الى ذلك ان التنجيز والتعذير غير قابلين للجعل بل

٦٦

انهما بحكم العقل وبعبارة واضحة : لا بد أن يكون الحاكم بالتعذير والتنجيز العقل ولو كان الحاكم بهما الشارع يلزم التسلسل فلاحظ.

الجواب الثالث : ما ذكره المحقق النائيني وهو ان المجعول في باب الطرق والامارات الطريقية وليس من قبل الشارع حكم الا الحكم الواقعي وبعبارة اخرى الطرق والامارات كالقطع فكما انه مع القطع أعم من أن يكون مطابقا مع الواقع أو عدمه لا حكم شرعي الا ذلك الحكم الواقعي كذلك الامر في مورد الطرق والامارات وقس على الامارات والطرق الاصول المحرزة كقاعدة الفراغ والاستصحاب وأمثالهما فان المجعول فيها الطريقية لكن لا من جميع الجهات بل من حيث الجري العملى ولذا تقوم مقام القطع الطريقى أو الموضوعي على نحو الطريقية فلا يلزم اجتماع الضدين لعدم تعدد الحكم ، وأما الاصول غير المحرزة التي لا تكون ناظرة الى الواقع كالاحتياط والبراءة ، فالجواب فيها يتوقف على تنبيه أمر وهو ان الاحكام بوجوداتها الواقعية لا تكون محركة للعبد وان بلغت ما بلغت من التأكد بل لا بد من الوصول الى المكلف واذا لم يصل الحكم الى المكلف وشك فيه فان كان الحكم الواقعي ذا أهمية بحيث لا يرض الشارع بتركه حتى في ظرف الشك كالدماء والفروج والاموال الخطيرة فيوجب عليه الاحتياط ويكون الحكم الواقعي واصلا في الفرض المزبور الى المكلف بطريقه وان لم يكن مهما بهذا المقدار فيرخصه في الترك فالمجعول البراءة المرخصة في الفعل والترك وعلى كلا التقديرين لا يلزم التضاد لان الحكم الواقعي ليس في مرتبة الحكم الظاهري كى يلزم التضاد مضافا الى أن الاحتياط ان صادف الواقع فلا تعدد في الحكم بل التعدد في الانشاء وان لم يصادف الواقع لا يكون الاحتياط واجبا بل وجوبه تخيلي ولا واقعية له وأما

٦٧

البراءة فان كانت مطابقة مع الواقع فالكلام فيها هو الكلام وان لم تكن مطابقة مع الواقع فلا مضادة لاختلاف المرتبة مضافا الى أن الشك له اعتباران : احدهما كونه حالة نفسانية للنفس ، ثانيهما انه موجب لتحير المكلف ويمكن أن يقال ان الحكم الواقعي لا يشمل حالة التحيّر وبعبارة واضحة الحكم الظاهري موضوعه الشك بلحاظ تحير المكلف وفي هذه المرتبة الحكم الواقعي غير ثابت فلا تعدد كى يلزم التضاد.

ويرد عليه اولا : ان احتمال الحكم في الواقع يقتضي التحريك فلا يصح ما أفاده من ان الحكم الواقعي ما دام لم يصل الى المكلف لا يكون محركا بل يكون محركا ولو لم يصل ولذا يكون الاحتياط حسنا نعم قبل الوصول لا يكون الحكم الواقعي منجزا.

وثانيا : ان اختصاص الاحتياط بصورة المصادفة غير معقول اذ مع احراز المصادفة لا يبقى مجال للاحتياط ومع عدم الاحراز لا يكون الاحتياط واجبا للشك في تحقق شرطه فيلزم أن يكون الاحتياط مجعولا على الاطلاق.

وثالثا : ان عدم شمول الحكم الواقعي لصورة التحير يستلزم الدور والتصويب والدور محال عقلا والتصويب باطل اجماعا.

ورابعا : ان اختلاف المرتبة لا يصحح الامر ولا يرفع اشكال التضاد لما مر من أنه يكفي شمول الحكم الواقعي لمرتبة الحكم الظاهري فالنتيجة عدم تمامية الاجوبة المذكورة باجمعها.

فنقول يقع الكلام تارة في الاصول العملية غير المحرزة ، واخرى في الامارات والطرق والاصول المحرزة فيقع الكلام في مقامين :

اما المقام الاول ، فنقول : الحق انه لا تضاد بين الاحكام كما

٦٨

ذكرنا سابقا فان الحكم من عالم الاعتبار ولا تضاد في الاعتباريات ، نعم يتحقق الاشكال تارة في المبدا واخرى في المنتهى أي في مقام الامتثال توضيح المدعى : ان الوجوب مثلا ناش من المصلحة والاباحة ناشئة من عدم الاقتضاء فاذا اجتمع الوجوب والاباحة يلزم التناقض في مقام المقتضي وعدم الاقتضاء وايضا مع وجود المصلحة يتحقق الشوق للمولى ومع عدمها لا شوق في نفس المولى فيلزم التناقض ، هذا في ناحية المبدا وأما من ناحية المنتهى فمع وصول الحكم الواقعي الى المكلف كوجوب فعل عليه يلزمه العقل بالامتثال ومع جعل الاباحة يرخصه العقل ويجعله معذورا ولا يعقل أن يجمع بين الالزام والترخيص وحل الاشكال ان الحكم الواقعي تابع للملاك الموجود في المتعلق وأما الحكم الظاهري فهو تابع للملاك في نفس الجعل وايضا الحكم الظاهري مجعول ومتحقق في زمان الشك في الحكم الواقعي وأما فى ظرف وصول الحكم الواقعي الى المكلف فلا يكون الحكم الظاهري مجعولا لانتفاء موضوعه وعلى هذا الاساس لا يبقى اشكال لا في ناحية المولى ولا في ناحية العبد أما في ناحية المولى فلان الحكم الظاهري الذى يجعله يكون ملاكه في نفس الجعل لا في المتعلق فلا يلزم التناقض لا من ناحية الملاك ولا من ناحية الشوق ، أما من ناحية الملاك فلعدم التنافي فان ملاك الوجوب مثلا موجود ولا ينافيه جعل الاباحة الظاهرية اذ قلنا ان الاباحة تابعة للمصلحة في نفس جعلها ، وأما من ناحية الشوق فمع وجود الملاك ، المولى يشتاق الى الفعل كمال الاشتياق ولا يرضى بتركه ولكن المصلحة في الترخيص تقتضي جعله ، وأما في ناحية العبد فاذا وصل اليه الحكم الواقعي كالوجوب مثلا يلزمه العقل بالامتثال وليس مرخصا في الترك من قبل الشارع لان موضوع

٦٩

الحكم الظاهري الشك في الحكم الواقعي وأما مع عدم وصوله اليه فلا يكون ملزما بالفعل من قبل العقل بل يكون معذورا للترخيص فمع العلم بالواقع لا يرخصه العقل ومع عدم العلم بالواقع لا يلزمه بالفعل فلا تناقض لا في مرحلة الجعل ولا في مرحلة الامتثال هذا تمام الكلام في المقام الاول.

وأما المقام الثاني اى الامارات والطرق والاصول العملية المحرزة فان قلنا بأن المجعول في مواردها الطريقية كما هو مذهب بعضهم فلا موضوع لاشكال التضاد اذ لا حكم الا الحكم الواقعي وهذا ظاهر.

وأما على القول بكون المجعول في مواردها احكاما ظاهرية فالجواب عن اشكال التضاد ما تقدم في الجواب عن التضاد في موارد الاصول غير المحرزة بلا فرق فان ذلك الجواب بعينه يجاب به في المقام ايضا بلا فرق فلاحظ

الفصل الثالث : في تأسيس الاصل عند الشك في الحجية وعدمها.

فنقول : مقتضى الاصل الاولي انه لو شك في اعتبار شيء وعدمه يقطع بعدم اعتباره وبعبارة اخرى الشك في الحجية مساوق للقطع بعدمها ولا يتصور ان المراد من هذه الجملة ان الشك في الحجية مساوق للقطع بعدم جعل الحجية فانه غير معقول وببيان اوضح : لا يعقل ان يكون شيء واحد متعلقا للشك والقطع بل المراد من هذه الجملة انه لا يمكن الاستناد اليه لا قولا ولا عملا لانه تشريع محرم ، مضافا الى أن الحجية عبارة عما يمكن أن يحتج به ومع الشك في الاعتبار لا مجال للاحتجاج وبعبارة واضحة : لو فرض عدم حرمة التشريع لا يمكن الحكم باعتبار مشكوك الاعتبار مثلا لو شك العبد

٧٠

في حرمة شرب التتن وقام دليل على جوازه ولكن لم يقم دليل على اعتبار الدليل المجوز وشك في اعتباره وعدمه لا يمكن للمكلف أن يستند الى الدليل المجوز ويشرب التتن اذ مع الشك في الاعتبار لا يجوز العقل الارتكاب لاحتمال كونه حراما وعدم قيام دليل لجواز الشرب نعم لو فحص عن الدليل ولم يجد دليلا يدل على حرمته يكون مقتضى الاصل البراءة شرعا وعقلا اي مقتضى الاصل جواز الشرب.

ولا يخفى ان التنجز لا يستلزم الحجية ولذا نرى ان الشبهة البدوية قبل الفحص توجب التنجز كما ان العلم الاجمالي يوجب التنجز على ما هو المقرر عندهم ، وربما يقال بأن الاثر المترتب على الحجية التنجيز عند المطابقة والتعذير عند المخالفة وأما الاستناد فعلا أو قولا فلا يكون من آثار الحجية ولذا نرى ان الظن الانسدادي على الحكومة حجة ولا يصلح للاستناد الى الشارع ومن جانب آخر يمكن أن يكون شيء حجة ويجوز اسناد الحكم الى الشارع اذا قام على جوازه دليل.

ويرد عليه : ان ما افيد غير تام أما كون الظن الانسدادي حجة على الحكومة ففيه ان نتيجة الانسداد على الحكومة التبعيض في الاحتياط ولا يكون الظن حجة وطريقا وأما جواز الاسناد مع عدم حجية الطريق ففيه انه لا يمكن إلّا مع الالتزام بجواز التشريع نعم لو قام دليل على جواز الاسناد يكون مرجعه الى قيام الدليل على جواز التشريع وكل محرم دل على جوازه دليل معتبر نلتزم به ، وأما الحجية فالاثر المترتب عليها عبارة عن التعذير والتنجيز فقد تقدم ان التنجيز مترتب على الشك البدوي وعلى العلم الاجمالي فالحق ان يقال ان الحجية تستلزم صحة الاستناد.

ثم ان الشيخ قدس‌سره بعد تأسيس الاصل المذكور تمسك

٧١

لعدم اعتبار الظن بالآيات الناهية عن العمل بغير العلم وان الآيات الناهية مرجع عند الشك في التخصيص ففي كل مورد قام دليل على اعتبار ظن خاص نلتزم بالتخصيص ومع عدم الدليل يكون المرجع عمومات تلك الآيات فان الميزان الرجوع الى العام عند الشك في أصل التخصيص أو الشك في التخصيص الزائد.

وأورد عليه الميرزا النائيني قدس‌سره على ما نقل عنه بأن لسان ادلة الاعتبار لسان الحكومة واخراج الظنون الخاصة عن موضوع عدم العلم وعليه لو شك في التخصيص لم يكن التمسك بالعموم جائزا لكون الشبهة مصداقية.

اذا عرفت ما تقدم نقول : الظاهر من الآيات التى يستفاد منها حرمة العمل بالظن الارشاد الى حكم العقل بأنه لا اعتبار بغير العلم ولا تكون تلك الآيات متعرضة للحكم التكليفي لاحظ قوله تعالى (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً)(١) ولاحظ قوله تعالى (وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً)(٢) فان اللسان لسان الارشاد الى أن الاستناد يلزم أن يكون بركن وثيق وهو العلم وأما الظن فلا أثر له فعلى هذا لا مجال للتخصيص اذ حكم الامثال واحد وبعبارة اخرى مثل هذه العمومات أو الاطلاقات غير قابلة للتخصيص والتقييد.

ان قلت : اذا قام الدليل على اعتبار ظن خاص في مورد خاص يكون مخصصا للعموم فكيف لا يكون قابلا للتخصيص.

قلت : الاعتماد لا يكون بالظن بل الاعتماد بالعلم وهو العلم بأن الشارع جعل الظن الفلاني علما فالنتيجة انه لا موضوع للتخصيص

__________________

(١) الاسراء / ٣٦.

(٢) النجم / ٢٨.

٧٢

كي يرد كلام الشيخ مورد ايراد المحقق النائيني لكن لو فرض انه قابل للتخصيص فهل يكون ايراد الميرزا واردا على الشيخ بأن يقال التمسك بالعموم في الشبهة المصداقية غير جائز ام لا يكون واردا.

الحق هو الثاني اذ كون الشيء حجة في الواقع ما دام لم يصل الى المكلف لا اثر له ، وبعبارة اخرى لو صار ظن خاص حجة في اعتبار الشارع وخرج عن كونه ظنا بالحكومة وصار من أفراد العلم بالجعل لكن لم يصل الى المكلف لا يكون ذلك الظن علما بل يكون باقيا على حالته السابقة من عدم كونه علما فيدخل تحت عموم النهي مضافا الى أنه نفرض تعنونه بعنوان العلم ولو لم يصل بعد الى المكلف لكن نقول غايته الشك في تعنونه بهذا العنوان وهذا يكفي للاخذ بالعموم وليس من قبيل الاخذ بالعموم في الشبهة المصداقية مثلا لو أمر المولى باكرام العلماء ونحتمل ان زيدا العالم اخرج عن تحت العموم بنحو الحكومة بأن المولى اعتبره غير عالم فهل نترك اكرامه بمجرد هذا الاحتمال أو نقول بأن مقتضى العموم وجوب اكرام كل عالم ومقتضى القاعدة الاولية مع الشك في التخصيص أو الحكومة كون عموم العام مرجعا.

وبعبارة واضحة : انه لو شك في الاخراج ولو على نحو الحكومة يكون المرجع عموم العام وانما لا يؤخذ بالعموم فيما احرز التخصيص وشك في فرد خارجي انه من أفراد العام أو من الافراد الخارجة بالتخصيص والذى يدل على تمامية المدعى انه لا اشكال في كون المرجع اطلاق دليل البراءة مع ان احتمال قيام دليل معتبر على الوجوب أو الحرمة في الواقع موجود.

بقي امر ، وهو انه ربما يقال انه لو شك في حجية شيء كقول

٧٣

اللغوي مثلا لا يمكن الاخذ بالاستصحاب بأن يؤخذ باستصحاب عدمها وذلك لوجهين :

الوجه الاول : انه يكفي لترتب أثر عدم الحجية الشك فيها فان اثر عدم الحجية عدم جواز الاستناد في مقام العمل وعدم جواز اسناد المؤدى الى الشارع والاثران مترتبان على نفس الشك فالتعبد بالاستصحاب من أردأ انحاء التعبد اذ الاثر مترتب على الامر الوجداني فلا مجال للتوصل الى الاصل في ترتيب الاثر المذكور.

الوجه الثاني : ان الاثر المذكور مترتب على نفس الشك بحكم العقل فالتوسل بالاصل لغو محض.

ويرد على الوجه الاول من الوجهين : ان الاثر بدون الاصل مترتب على الشك وبالاصل يحرز العدم اي يحرز ان الشارع الاقدس لم يجعل الامر الفلاني طريقا وامارة.

ويرد على الوجه الثاني من الوجهين : النقض بالبراءة الشرعية وأمثالها فان البراءة الشرعية تقتضي الترخيص في مقام العمل في مورد الشك في الامر أو النهي والحال ان البراءة العقلية تكفي لترتب الاثر المذكور ونجيب عن الاشكال بالحل أيضا وهو ان موضوع حكم العقل يرتفع بعد قيام الدليل على عدم الاعتبار وبعبارة اخرى : اذا حكم الشارع بواسطة الاستصحاب على عدم الاعتبار في المورد الفلاني لا يبقى مجال للحكم العقلي بعدم الاعتبار مضافا الى أن تعدد الدليل على أمر واحد لا يكون لغوا ولذا نرى ان العقل حاكم بالبراءة والحال ان الشرع ايضا يحكم بها بادلتها فلاحظ.

فالمتحصل من البحث ان الشك في حجية شيء واعتباره محكوم بعدم الاعتبار عقلا وشرعا ، أما عقلا فلما تقدم من أن الشك في الاعتبار مساوق لعدمه وقد تقدم بيانه بالتفصيل عند تأسيس الاصل

٧٤

فراجع وأما شرعا فلاستصحاب عدم اعتباره واصالة عدم جعل الشارع اياه معتبرا فلا بد في الخروج من الاصل الاولي من قيام دليل معتبر على الاعتبار وما وقع الكلام في اعتباره امور :

الامر الاول : الظواهر قال في الكفاية : لا شبهة في لزوم اتباع ظاهر كلام الشارع في تعيين مراده في الجملة ، لاستقرار طريقة العقلاء على اتباع الظهورات في تعيين المرادات مع القطع بعدم الردع عنها لوضوح عدم اختراع طريقة اخرى في مقام الافادة لمرامه من كلامه كما هو واضح انتهى موضع الحاجة من كلامه.

والامر كما افاده وان شئت قلت : انه لا كلام ولا اشكال في اعتبار الظهور انما الكلام في بعض الجهات التي وقعت محل الكلام بين الاعلام.

فنقول الجهة الاولى : في أن اعتبار الظهور هل يكون مشروطا بحصول الظن بالوفاق أم يكون مشروطا بعدم حصول الظن بالخلاف أم لا يكون مشروطا بشيء الحق انه لا يشترط بشيء من الامرين المذكورين والشاهد عليه ان العقلاء لا يعذرون من لا يعمل بالظاهر ولم يقم بوظيفته معتذرا بأنه لم يحصل له الظن بالوفاق أو حصل له الظن بالخلاف فامارية الظهور عندهم على الاطلاق فالنتيجة اعتبار الظهور بلا قيد من القيدين المذكورين.

الجهة الثانية : في أن اعتبار الظهور هل يختص بمن قصد افهامه أو يعم غيره ذهب المحقق القمي قدس‌سره الى اختصاص اعتبار الظهور بمن قصد افهامه وأما من لم يقصد افهامه فلا يكون الظهور حجة له ولذا التزم بكون باب العلم والعلمي منسدا في معظم الاحكام الالهية وذكر في تقريب الاستدلال على المدعى وجهين :

الوجه الاول : ان اصالة الظهور تتوقف على اصالة عدم الغفلة

٧٥

بالنسبة الى المتكلم اذ القصور في البيان اما ينشأ من العمد واما من الغفلة ، أما احتمال العمد فهو مدفوع بكون المتكلم في مقام البيان والعمد في القصور ينافي كونه في مقام الافادة ، وأما احتمال الغفلة فهو مدفوع باصالة عدمها فيكون اللفظ الظاهر في افادة المعنى وافيا بالمقصود وهذا الاصل لا يجري في المقام اذ يحتمل اعتماد المتكلم على قرينة حالية أو مقالية معهودة بينه وبين المخاطب فلا ينحصر الامر في احتمال الغفلة كى يدفع بالاصل بل يحتمل الاعتماد على القرينة المعهودة فلا مجال لاصالة عدم الغفلة واصالة الظهور ولو سلمنا وقلنا تجرى اصالة الظهور وان لم تحتمل الغفلة لكن مع ذلك لا مجال لها في المقام اذ علم ان ديدن المتكلم أي الامام عليه‌السلام على الاتكال بقرائن منفصلة قد خفيت علينا فعلى اي حال لا يكون الظهور حجة لنا ومرجع هذا الوجه الى منع الكبرى اي يسلم الظهور ولكن لا يكون حجة.

الوجه الثاني يرجع الى منع الصغرى وهو ان الاخبار الصادرة عن الائمة عليهم‌السلام صارت مقطعة ويمكن قيام قرينة في بعض القطعات وقد انفصلت تلك القطعة عن المنقول لنا فالشك في قرينية الموجود لا في وجود القرينة كى تدفع بالاصل وببيان واضح : انه لا ينعقد الظهور لغير من قصد افهامه فمرجع هذا الوجه الى منع الصغرى. والجواب عن الوجه الاول : ان اصالة الظهور اصل برأسه في مقابل اصالة الغفلة ولا يرتبط احدهما بالآخر وبينهما عموم من وجه اذ يمكن تحقق اصالة عدم الغفلة ولم يكن مجال لاصالة الظهور كما لو صدر فعل من عاقل مختار مثلا لو غسل زيد الثوب الفلانى واحتملنا انه غفل ولم يغسل الثوب غسلا شرعيا تجري اصالة عدم الغفلة ويحكم بأنه راعى القيود الشرعية ولا موضوع للظهور حيث

٧٦

فرض الكلام في العمل الخارجي لا في اللفظ الصادر عن المتكلم ويمكن تحقق اصالة الظهور ولم تجر اصالة عدم الغفلة كما في الكلمات الصادرة عن المعصومين عليهم‌السلام فانه لا يحتمل في حقهم الغفلة ، ويمكن اجتماعهما كما في كلمات غير المعصومين فالنتيجة ان اصالة الظهور اصل برأسها وتجري في باب الالفاظ ولا اختصاص لها بمن قصد افهامه ولذا نرى انه يؤخذ بظواهر الاقارير والوصايا والاوقاف الى غيرها.

وبعبارة اخرى ديدن العقلاء على العمل بالظواهر ولو لم يكونوا مقصودين بالافهام فكل كلام صادر عن المتكلم اذا لم تقم قرينة على خلاف الظاهر من كلامه متصلة كانت أو منفصلة يؤخذ بظاهر الكلام وهذا سيرة العقلاء في امورهم فانه هل يشك احد في ان الميزان الاخذ بظواهر الكلمات ولا يتوقفون مستندين بعدم كونهم مقصودين بالافهام فلاحظ.

اضف الى ذلك ان الاحكام الصادرة عن الائمة عليهم‌السلام احكام لجميع المكلفين ولا تختص بخصوص المشافه فلا مجال للتقريب المذكور ولا موضوع له ويضاف الى ذلك ان المقصود بالافهام السامع من الامام عليه‌السلام وسلمنا الدعوى والمقصود بالافهام للراوي الاول الراوي الثاني وللثاني الثالث وللثالث الرابع وهكذا الى أن يصل الامر الى اصحاب الجوامع كالكليني قدس‌سره فان المقصود بالافهام للكليني كل من يراجع كتابه وقس على الكافى بقية كتب الحديث ، وبما ذكرنا ظهر الجواب عما ذكر في تقريب الاستدلال من أن ديدن الائمة عليهم‌السلام على بيان القرائن منفصلة اذ لو فرض عدم الظفر بالقرينة بعد الفحص تكون اصالة الظهور محكمة مضافا الى عدم انحصار المقصود بالافهام في المشافه كما سبق قريبا.

٧٧

وأما اشكال التقطيع فيندفع بأن المقطع مثل الكليني والطوسي واضرابهما ممن هو عارف باسلوب الكلام فعدم التفاتهم الى الاخلال ينافي مقامهم العلمي كما ان الخيانة تنافي مقامهم القدسي فلا اشكال.

الجهة الثالثة : في عدم حجية ظواهر الكتاب وفي تقريب الاستدلال على المدعى ذكرت وجوه :

الوجه الاول : ان القرآن كله رموز ولا ظهور لكلماته ، وبعبارة اخرى يكون القرآن كله كفواتح السور وبتعبير آخر القرآن كله رموز لا يعرفها إلّا الراسخون في العلم.

وفيه : انه خلاف الضرورة فان القرآن نزل بلسان عربي وفيه تعاليم اصولية وفروعية وقصص ومواعظ وكتاب نزل للتبليغ والارشاد مضافا الى أن اهل البيت عليهم‌السلام كانوا يستشهدون بآياته وكلماته ويرجعون الناس اليه فكيف يكون كله رموزا واشارات وغير قابل للدرك وفي نفس القرآن امر بالتدبر فيه فقال تعالى (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها)(١) وقوله تعالى (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً)(٢) وقوله تعالى (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ)(٣) وقوله تعالى (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ)(٤) ومن الشواهد على تمامية المدعى احتجاج الصديقة عليها‌السلام على رءوس الاشهاد مع أبي بكر بآية الارث.

__________________

(١) محمد / ٢٤.

(٢) النساء / ٨٢.

(٣) المؤمنون / ٦٨.

(٤) ص / ٢٩.

٧٨

الوجه الثاني : ان القرآن فيه مطالب غامضة ومطالب عالية وورد في النص انما يفهم القرآن من خوطب به.

وفيه : ان الكلام في ظواهر القرآن ولا تنافي بين الظهور وكون المراد الواقعي غير مراد من الظاهر وأهل البيت عليهم‌السلام عارفون بقيودها ومخصصاتها.

الوجه الثالث : انه لا اشكال في أنا نعلم اجمالا بورود تخصيصات وتقييدات للآيات القرآنية ومع العلم الاجمالي بها لا يبقى ظهوره حجة فلا يمكن الاخذ بظاهره.

وفيه : ان العلم الاجمالي المذكور موجود بالنسبة الى الاخبار الصادرة عنهم وهل يمكن القول بعدم حجية ظواهر كلماتهم هذا اولا.

وثانيا : نقول العلم الاجمالي المشار اليه يوجب الفحص عن المقيد والمخصص والقرينة ولا يوجب سقوط الظواهر عن الاعتبار رأسا.

الوجه الرابع : انه قد دلت جملة من النصوص على وقوع التحريف في القرآن ومع وجود التحريف لا يمكن العمل بظواهره اذ من الممكن انه كانت قرينة على خلاف الظاهر واسقطت تلك القرينة.

وفيه : اولا انه كيف يمكن الالتزام بتحقق التحريف في القرآن وتنقيصه والحال ان الدواعي كانت متوفرة على حفظ القرآن. وثانيا : سلمنا التحريف بالنقص لكن نقول هذا القرآن الموجود عندنا حجة وكانوا عليهم‌السلام يرجعون الناس اليه وبعبارة اخرى القرآن الموجود بأيدينا حجة بين الخلق والخالق مضافا الى أنه قد أثبتنا في بحث التفسير عدم تحريف الكتاب فلا مجال للتقريب المذكور.

الوجه الخامس : ان الله تعالى منع عن العمل بالمتشابه بقوله

٧٩

(فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ) فلا يجوز العمل بالمتشابه والظاهر داخل تحت عنوان المتشابه فلا يكون حجة بمقتضى الآية المشار اليها.

وفيه : ان الظاهر لا يكون متشابها بل مضاد معه ويعانده والدليل عليه ان المستشكل يستدل بالآية المشار اليها ، وعلى الجملة المتشابه عبارة عما لا ظاهر له ومجرد احتمال كون المراد من المتشابه الظواهر لا أثر له فانه خلاف الظاهر وإلّا يلزم أن لا يعمل بظواهر السنة ايضا فان النهي الوارد في الكتاب عن اتباع المتشابه غير قابل للتقييد والتخصيص فتأمل.

الوجه السادس : انه قد ورد في جملة من النصوص النهي عن التفسير بالرأى فلا يجوز العمل بظواهر الكتاب.

وفيه : ان التفسير كشف القناع والعمل بالظهور أمر عرفي عقلائي وبعبارة اخرى العمل بالظهور يضاد كشف القناع فانه تحصيل للحاصل وعلى الجملة المراد من تلك النصوص اما النهي عن تفسير ما لا ظاهر له بلا مراجعة اهل البيت عليهم‌السلام الذين هم أدرى بما في البيت واما المراد من النصوص الاكتفاء بالكتاب وعدم مراجعة عدله فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال «اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي» فاللازم في كل مورد مراجعتهم اذ يمكن أن يكون العام الكتابي مخصصا أو يكون اطلاقه مقيدا أو يكون عند اهل البيت ما يوجب رفع اليد عن الظهور وهذا أمر لا ريب فيه ، ولكن لا يكون معناه عدم حجية الظهور وان شئت قلت : ما قال اهل الباطل من انه يكفينا كتاب الله باطل ولكن مع ذلك نقول الظاهر حجة.

ايقاظ : لكل لفظ ثلاث دلالات :

الدلالة الاولى : الدلالة التصورية فان كل شخص يكون عالما

٨٠