آراؤنا في أصول الفقه - ج ٢

السيّد تقي الطباطبائي القمّي

آراؤنا في أصول الفقه - ج ٢

المؤلف:

السيّد تقي الطباطبائي القمّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات المحلّاتي ( المفيد )
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥١

الإطلاق أيضا غير ممكن فالحكم بالنسبة الى العلم به وعدمه لا مقيد ولا مطلق ولكن الاهمال ايضا أمر غير جائز فلا بد من متمم الجعل فاما يقيد الحكم بدليل آخر فيسمّى بنتيجة التقييد واما يطلق فيسمّى بنتيجة الإطلاق فعلى هذا الاساس لو استفيد من الدليل المتمم ان الحكم مقيد بالعلم نلتزم بالتقييد كما ان الامر كذلك في باب الجهر والاخفات فان المستفاد من الدليل ان وجوب الجهر والاخفات مشروط بالعلم وأما في بقية الموارد فببركة قاعدة الاشتراك في التكليف نفهم ان الحكم مطلق وغير مقيد بخصوص العالم به فلاحظ.

اذا عرفت ما تقدم نقول : أما المقدمة الاولى التي ذكرها في كلامه فتامة ولا نقاش فيها. وأما المقدمة الثانية فقد تعرضنا لجوابها في بحث التعبدي والتوصلي وقلنا ان الامر ليس كما ذكره فان التقابل بالعدم والملكة مشروط بالقابلية لكن يكفي القابلية النوعية وأما القابلية الشخصية فغير لازم ، مثلا الانسان ليس قابلا لان يحيط على الله علما ولكن قابل للتعلم والعلم فيجوز أن يتصف بكونه جاهلا بذاته تعالى. وعلى هذا الاساس نقول اذا استحال التقييد يجب الإطلاق لاستحالة الاهمال في الواقع وايضا يستحيل جهل الباري بالمخلوقات لكن يجب علمه بها ويستحيل علم المخلوق بذاته تعالى ، لكن يجب جهله بذاته وقس عليه بقية الموارد فالمقدمة الثانية المذكورة في كلامه مخدوشة وباطلة وبعد بطلان المقدمة الثانية تبطل المقدمة الثالثة اذ بعد ما علم ان التقييد غير قابل والاهمال ايضا غير قابل يجب جعل الحكم على نحو الاطلاق ولا تصل النوبة الى متمم الجعل ، فعلم مما ذكرنا انه لا يمكن النهي عن العمل بالقطع بلا فرق بين الموارد وبعبارة واضحة : انه اذا حصل القطع بحكم من

٤١

الاحكام الشرعية لا يمكن أن ينهى عنه على الاطلاق لرجوعه الى التناقض فلاحظ.

واما ما ورد في مسألة الجاهل بالجهر والخفت فنقول المستفاد من الدليل ليس ان الموضوع لوجوب الجهر أو الاخفات العلم بالحكم بل المستفاد من الدليل الاجزاء والاجزاء اعم من كون الحكم مختصا بالعلم به واذا اخذ في الموضوع عنوان العالم بالحكم فيمكن أن يكون الوجه للاجزاء عدم امكان تحقق المطلوب وبعبارة اخرى يمكن ان يكون الجهر في حال وجوب الخفت وبالعكس مشتملا على مقدار من المصلحة ومع تحقق تلك المصلحة لا يمكن درك المصلحة الباقية فلا مجال الا للاجزاء ومثلنا سابقا بأن شخصا لو صار عطشانا وفي عين الحال عرضه وجع الرأس والصداع فيلزم أن يشرب السكنجبين كى يرتفع عطشه وصداعه كلاهما فاذا شرب الماء لا يمكنه بعد رفع العطش شرب السكنجبين حيث فرض امتلاءه وعدم مجال لشرب ما يزيل صداعه فتحصل ان الاجزاء لا يقتضي تحقق المدعى مضافا الى أنه ادعى التسالم بين الاصحاب على استحقاق عقاب الجاهل بالحكم اذا كان مقصرا فلولا اطلاق الحكم وعدم اختصاصه بالعالم لم يكن وجه للعقاب ولا لان يقال العقاب على تجريه فتحصل مما ذكرنا ان الحكم لا يعقل أن يختص بالعالم فما أفاده الميرزا غير تام وبعبارة اخرى قد ظهر مما ذكرنا انه لا يمكن المنع عن العمل بالقطع وقد نهى عن الفلسفة والخوض في المطالب العقلية فلو خاض احد فيها وحصل له العلم بخلاف الواقع لا يكون معذورا لانه كان مقصرا حيث خاض فيما نهي عنه ويستفاد من بعض النصوص ان القياس لا يوجب العلم بالحكم. منها ما رواه سماعة عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام قال : قلت أصلحك الله الى أن قال : فينظر بعضنا الى بعض وعندنا ما يشبهه

٤٢

فنقيس على أحسنه فقال : وما لكم وللقياس انما هلك من هلك من قبلكم بالقياس الرواية (١). هذا تمام الكلام في الموضع الاول.

واما الموضع الثاني وهو انه هل نهي عن العمل بالقطع الحاصل عن غير الكتاب والسنة فلا موضوع له ولا مجال للبحث اذ المفروض ان النهي غير ممكن ثبوتا فلا تصل النوبة الى مقام الاثبات والدلالة وعلى فرض دلالة دليل عليه لا بد من تأويله وحمله على غير ظاهره اذ المفروض عدم امكانه اذا عرفت ما تقدم نقول قد ذكرت في المقام فروع توهم انه قد نهي عن العمل بالقطع :

الفرع الاول : انه لو أودع شخص درهما عند الودعي وأودع شخص آخر درهمين فتلف احد الدراهم قالوا يعطى درهما ونصف درهم لصاحب الدرهمين ويعطى نصف درهم لصاحب الدرهم الواحد ثم اذا وقع المجموع في ملك شخص واشترى به جارية يقطع تفصيلا بعدم كون الجارية مملوكة له لانه لا اشكال في كون نصف الدرهم وقع ثمنا لها بلا اذن من مالكه والحال ان بناء الفقهاء على الصحة وعدم الاشكال في معاملة المشتري معاملة الملك مع الجارية ومعناه المنع عن العمل بالقطع التفصيلي فما الحيلة؟.

والجواب : عن الاشكال انه اما نقول بأن الدليل قائم على الحكم المذكور واما نلتزم بعدم قيام الدليل عليه أما على الاول فلا اشكال فان الشارع الاقدس ولي الكل في الكل وهو قادر على كل شيء تكوينا وتشريعا والمفروض انه حكم بهذا النحو فلا مجال لان يقال ان المالك لم يجز فان المفروض انه خرج عن ملكه بحكم الشارع ، وأما على الثاني فائضا لا اشكال اذ عليه يلزم ان يعمل بمقتضى القرعة وتعيين المالك فعلى كلا التقديرين لا يبقى اشكال

__________________

(١) الاصول من الكافى ج ١ ، ص : ٥٧ ، حديث ١٣ ، كتاب فضل العلم.

٤٣

كما انه ظهر بما ذكرنا انه لم يمنع عن العمل بالقطع كما هو ظاهر.

الفرع الثاني : انه نقل عن بعض جواز الارتكاب في بعض اطراف الشبهة المحصورة والحال انه فرض العلم الاجمالي بالتكليف.

والجواب : عن هذه الشبهة ان الكلام في جواز رفع اليد عن العلم ومن الظاهر ان العلم الاجمالي بالتكليف يجامع مع الشك فيه بالنسبة الى بعض الاطراف فاذا قلنا ان دليل الاصل يشمل بعض الاطراف فقط كما التزمنا به في محله وقلنا ان دليل الاصل يشمل كل واحد من الاطراف بشرط الاجتناب عن بعض الاطراف الأخر يترتب عليه جواز الاقتحام في بعض الاطراف ولا يكون العلم منجزا بالنسبة الى جميع الاطراف فلا يكون المقام نقضا للكبرى فلاحظ.

الفرع الثالث : انه لو علم احد بجنابة نفسه أو جنابة زيد قالوا يجوز أن يقتدي بزيد مع انه يعلم تفصيلا ببطلان صلاته اما لجنابة نفسه أو لجنابة امامه وكذا قالوا انه لو علم بجنابة احد شخصين يجوز له أن يقتدي بهما في صلاة واحدة أو صلاتين مترتبتين والحال انه يعلم تفصيلا ببطلان صلاته.

والجواب : انه ان قلنا بأن الحكم الظاهري للامام نفسه يوجب جواز الاقتداء به فلا مجال للاشكال لان الشارع بنفسه جوز الاقتداء في الصلاة المفروضة وان لم نقل بالجواز فلا بد من الحكم بالبطلان فعلى كلا التقديرين لا مجال للنقض.

الفرع الرابع : انه لو اقر احد بعين لاحد ثم اقر بها للآخر فيؤخذ المبدل والبدل منه فلو اجتمعا عند ثالث فاشترى بهما جارية مثلا يعلم تفصيلا بأن الجارية غير داخلة في ملكه لان بعض ثمنها غصب والحال انهم قائلون بصحة المعاملة وهذا من موارد النقض.

والجواب : عنه انه ليس في المقام نص وانما قالوا به من باب

٤٤

قاعدة الاتلاف بتقريب ان المقر باقراره الاول أثبت ان العين لزيد مثلا وباقراره الثاني أثبت انها لبكر وحيث انه أتلف العين بالاقرار الاول فهو ضامن للمقر له الثاني بالبدل فان قلنا بأن هذا التقريب فاسد حيث ان الاقرار الاول يوجب كون العين للمقر له الاول فلا مجال للاقرار الثاني لوقوع الاقرار في مال الغير والاقرار المتعلق بمال الغير لا أثر له فلا موقع لهذا الفرع وأما ان قلنا بتمامية التقريب فنقول بعد اجتماع البدل والمبدل منه في يد الثالث ان قلنا بأن الحكم الظاهري في كل منهما يوجب جواز التصرف واقعا للثالث فائضا لا مجال للنقض وان لم نقل به كما لا نقول حيث لا دليل عليه فلا مجال ايضا للاشكال اذ عليه نلتزم بعدم الجواز فلا يرد النقض.

الفرع الخامس : انه لو اختلف المتداعيان في السبب بأن ادعى المالك انه باعها الدابة وادعى الآخر انه وهبها اياه ترد الدابة بعد التحالف الى مالكها الاول ، قال سيدنا الاستاد في هذا المقام ان كانت الهبة المدعاة جائزة ترد بانكارها فان انكارها فسخ ولا يرد النقض اذ عليه لا يعلم تفصيلا بعدم كونها للمالك الاول.

ويرد عليه : ان الفسخ من الامور الانشائية القصدية والمفروض انه لم يقصد الفسخ ، فالحق في الجواب أن يقال ان الانفساخ ان كان واقعيا فلا مجال للاشكال كما هو ظاهر اذ المفروض رجوع الدابة الى مالكها الاول وان كان ظاهريا لا يجوز التصرف فيها الّا ان يقوم عليه دليل وعلى فرض قيام الدليل نلتزم بكون الجواز بامر الشارع وهو ولي الكل في الكل فلا مجال للاشكال على كل تقدير.

الفرع السادس : انه لو اختلف البائع والمشتري في المبيع وتداعيا بأن قال البائع المبيع جارية وادعى المشتري انه دار فان لم تكن لاحدهما بينة وتحالفا يحكم بالانفساخ ورجوع كل من المالين

٤٥

الى صاحبه ، ثم انه انتقل الدار والجارية الى ثالث افتوا بجواز التصرف في كليهما مع القطع بان احدهما غصب.

والجواب عن هذه الشبهة انه ان قلنا بتحقق التفاسخ واقعا بحكم الشارع فلا اشكال ولا موضوع للعلم بكون المال غصبا وان قلنا بأن التفاسخ ظاهري لحسم مادة النزاع فان قام دليل على جواز التصرف من قبل شخص ثالث فيعمل بذلك الدليل ولا اشكال ايضا اذ الشارع الاقدس له الولاية على الكل في الكل وان لم يقم دليل على الجواز نلتزم بعدم جواز التصرف فلا اشكال أيضا فلاحظ.

فصل : في العلم الاجمالي : ويقع الكلام في مقامين :

المقام الاول : في ثبوت التكليف بالعلم الاجمالي كثبوته بالعلم التفصيلي.

المقام الثاني : في تحقق الامتثال بالعلم الاجمالي كما يتحقق بالعلم التفصيلي وعلى القول به يجوز الاحتياط بتكرار العمل ولو كان قريبا.

أما المقام الاول : فيقع الكلام فيه تارة من حيث تنجز العلم الاجمالي بالنسبة الى حرمة المخالفة القطعية ، واخرى في تأثير العلم الاجمالي بالنسبة الى وجوب الموافقة القطعية. فيقع الكلام في موضعين : والموضع الثاني يبحث فيه في بحث الاشتغال للتناسب بين البحثين فان البراءة تجري في الشبهة البدوية مع احتمال وجود الحكم في الواقع وجريان الاصل في بعض الاطراف دون البعض يشبه جريان البراءة في الشبهة البدوية حيث لا علم بالخلاف في كلا الموردين ، فالبحث في المقام في الموضع الاول والبحث في

٤٦

هذا الموضع يقع في جهات ثلاث :

الجهة الاولى : في أن العقل الحاكم في باب الاطاعة والعصيان هل يفرق بين العلم الاجمالي والتفصيلي وبعبارة اخرى العقل الحاكم بقبح المعصية هل موضوع حكمه وصول حكم المولى اليه بالعلم التفصيلي او لا فرق في نظر العقل بينهما؟ ربما يقال بأن حكم العقل بالقبح يختص بما يكون التكليف معلوما تفصيلا وحين العصيان يميز العصيان عن غيره ولذا نرى انه لو أجرى المكلف اصالة البراءة وارتكب محرما أو ترك واجبا ثم علم بأنه كان حراما أو واجبا لا يؤخذ بعصيانه بتركه الواجب أو ارتكابه المحرّم فاذا كان العلم اجماليا ولم يكن الحرام مميزا عن غيره لا يحكم العقل بقبح الترك أو الفعل وهذا التقريب غير تام فان الميزان في حكم العقل وصول التكليف الى العبد باي نحو كان وتميز المكلف به لا دخل له في حكم العقل ولذا لا اشكال في ان لو حرم عليه النظر الى فلان وعلم انه في جملة العشرة يكون النظر الى العشرة دفعة واحدة عصيانا عقلا وقبيحا وعلى الجملة لا اشكال في قبح المخالفة بلا فرق بين كون المكلف به متميزا عن غيره وبين أن لا يكون فالمتحصل انه لا فرق بين العلم الاجمالي والتفصيلي في كون كل واحد منهما يوجب الوصول وان الحكم غير مشروط بكونه معلوما بالتفصيل بل ولا بالاجمال لاستلزامه الدور.

الجهة الثانية : في أنه وقع الكلام في أنه هل يمكن للشارع الاقدس الترخيص في المخالفة القطعية أم لا؟ ربما يقال انه يمكن بتقريب ان مرتبة الحكم الظاهري مع الشك في الحكم الواقعي محفوظة ولا مضادة بين الحكم الظاهري والواقعي ولذا نرى انه

٤٧

جوز الشارع الاقدس اجراء الاصل في أطراف الشبهة غير المحصورة والحال انه لا فرق بين المقامين فان احتمال اجتماع الضدين كالقطع به محال وعليه لا مانع من جريان الاصل في جميع الاطراف في المعلوم بالاجمال بل لو كان جعل الحكم الظاهري مضادا مع الحكم الواقعي لما كان جريان الاصل في الشبهة البدوية جائزا لعين الملاك المذكور فان احتمال التضاد غير معقول.

والتقريب المذكور فاسد فان اساس هذا التقريب مبني على الالتزام بتعدد المرتبة للحكم والحال ان الامر ليس كذلك فان الحكم بعد تمامية مقدماته من وجود المقتضي وتحقق الشوق من قبل المولى يجعل من قبله على نحو القضية الحقيقية كما في قوله تعالى (لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) ونسمى هذه المرتبة بالفعلية من قبل المولى فاذا استطاع العبد يتم الحكم بالنسبة الى فعليته من قبل العبد واذا علم العبد به يصير منجزا بلا فرق بين العلم الاجمالي والتفصيلي وعلى الجملة فعلية الحكم لا تتوقف على العلم به وإلّا يلزم الدور كما تقدم وقياس مورد العلم الاجمالي بالشك البدوي والشبهة غير المحصورة قياس مع الفارق توضيح الفارق انه لا مضادة بين الاحكام فان التضاد يتصور بين الامور الواقعية المتأصلة كالسواد والبياض وامثالهما والحكم امر اعتباري ولا يتصور التضاد في الاعتباريات وعلى هذا نقول في الشبهة البدوية لا يحتمل التضاد كما انه لا تضاد في مورد العلم الاجمالي فاذا لم يكن الالزام الواقعي معلوما لا محذور في الترخيص اذ المحذور يحصل بعد فرض تنجز التكليف وأما اذا لم يكن منجزا فلا تنافي بين الالزام الواقعي والترخيص الظاهري وبعبارة واضحة : انه لا يتصور التنافي بين الحكمين لما ذكرنا من ان الحكم من عالم الاعتبار والاعتباريات

٤٨

لا يتصور التضاد بينها بل التنافي والاشكال اما يحصل في المبدا واما يحصل في المنتهى بأن نقول الحكم الوجوبي الواقعي ناش عن المصلحة في الفعل والمولى مشتاق الى ذلك الفعل وهذا لا ينافي مع الترخيص الظاهري فان الترخيص الظاهرى تابع للملاك في نفس الجعل ولا ينشأ عن عدم الاقتضاء في الفعل كى يقال يلزم التناقض في الواقع وايضا الشوق الواقعى للمولى لا ينافي الترخيص الظاهري فان الشوق المولوي محفوظ مع وجود الترخيص فلا ينافيه ، فالنتيجة انه لا اشكال من ناحية المبدا وأما في المنتهى فائضا لا يتوجه اشكال اذ مع الشك في الحكم الواقعي الترخيص الظاهري موجود والحكم الواقعي لا يكون منجزا على المكلف ومع عدم تنجزه يكون العبد في السعة بلحاظ الترخيص الظاهري المولوى واذا علم بالتكليف لا موضوع للترخيص الظاهري اذ مع العلم بالتكليف لا مجال للترخيص هذا من ناحية ومن ناحية اخرى لا فرق من هذه الجهة بين العلم التفصيلي والعلم الاجمالي ، فالنتيجة انه مع العلم الاجمالي بالحكم لا مجال للترخيص لحصول التنافي في المبدأ أو المنتهى فلاحظ.

فتحصل مما ذكرنا انه لا يمكن الترخيص في ارتكاب ما علم كونه حراما ولو بالعلم الاجمالي.

الجهة الثالثة : في أنه لو تنزلنا وقلنا انه لا مانع عن الترخيص في المخالفة القطعية فهل يمكن الاخذ بدليل البراءة لاثبات المدعى في جوازه ثبوتا على الفرض.

ربما يقال كما عن الشيخ قدس‌سره : انه لا مجال للاخذ بدليل البراءة لاثبات المدعى لان الاخذ به يستلزم التناقض لاحظ ما رواه مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : كل شيء هو لك حلال حتى تعلم انه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك ،

٤٩

وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة ، والمملوك عندك لعلّه حر قد باع نفسه ، أو خدع فبيع قهرا ، أو امرأة تحتك وهي اختك أو رضيعتك ، والاشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة. (١)

فان مقتضى الصدر جريان البراءة في كل من أطراف العلم الاجمالي اذ المفروض ان كل واحد مجهول الحرمة ومقتضى الذيل عدم الجريان اذ قد قيدت البراءة المفهومة من الصدر بعدم العلم بالحرمة والمفروض ان المكلف يعلم بالحرمة فمقتضى الصدر الجريان ومقتضى الذيل عدم الجريان فتكون الرواية مجملة وغير قابلة للاستدلال بها وبعبارة واضحة : ان مقتضى اطلاق الصدر شمول الدليل لاطراف العلم الاجمالي ومقتضى اطلاق الذيل عدم الفرق بين العلم التفصيلي والاجمالي فلا بد من رفع اليد عن احد الاطلاقين وحيث لا مرجح لرفع اليد عن احدهما دون الآخر يكون الحديث مجملا وغير قابل للاستدلال به.

ان قلت : قوله عليه‌السلام ، «بعينه» في الحديث يدل على أن المراد بالعلم العلم التفصيلي فيكون العلم الاجمالي خارجا عن دائرة الذيل قلت : يمكن أن يكون قوله عليه‌السلام «بعينه» لتأكيد العلم لا لتميز المعلوم عن غيره هذا ملخص ما افيد في المقام.

ويرد عليه اولا : انه فرضنا ان الرواية المشار اليها وامثالها مجملة لكن يكفي لاثبات المدعى ما لا يكون مذيلا بهذا الذيل لاحظ قوله عليه‌السلام «الناس في سعة ما لم يعلموا» (٢) فان اجمال

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من ابواب ما يكتسب به الحديث ٤.

(٢) جامع الاحاديث ج ١ ، ص ٨٨ ، الحديث ٦.

٥٠

حديث بلحاظ ذيله لا يسرى الى حديث آخر لا يكون مذيلا بهذا الذيل.

وثانيا : ان الظاهر من ادلة البراءة المذيلة بقوله حتى تعلم تعلق العلم بعين ما تعلق به الشك ومن الظاهر ان العلم الاجمالي لا يتعلق بما تعلق به الشك وإلّا يلزم اجتماع الضدين فتحصل انه لا مانع عن شمول الادلة في مقام الاثبات بل الاشكال ثبوتي فلا تصل النوبة في مقام الاثبات والدلالة هذا تمام الكلام في المقام الاول.

وأما المقام الثاني : فتارة يقع الكلام في التوصليات واخرى في الوضعيات وثالثة في التعبديات فيقع الكلام في ثلاثة مواضع :

الموضع الاول : في التوصليات وقبل الخوض في البحث ، نقول هذا البحث انما يطرح فيما يمكن الامتثال التفصيلي وإلّا فلا مجال للقول بعدم كفاية الاحتياط اذ المفروض ان غاية العبودية مع عدم امكان الامتثال التفصيلي الامتثال الاجمالي فكيف لا يكون مجزيا وبعد ذلك نقول : أما الامور التوصلية فلا اشكال في تحقق الامتثال باتيانها ولو مع امكان الامتثال التفصيلي فان الامتثال الاجمالي كاف فيها لان المفروض ان المطلوب فيها تحققها في الخارج والمفروض تحققها بلا اشكال.

وأما الموضع الثاني : وهي الوضعيات كالتطهير وأمثاله فائضا كذلك بعين البيان ويدخل في هذا القسم العقود والايقاعات وربما يقال لا يجوز فيها الاحتياط اذ يشترط فيها الجزم ولذا اجمعوا على أن التعليق يفسد العقد.

وفيه انه لا ربط بين المقام ومسألة التعليق المفسد للعقد اذ الجزم في العقود والايقاعات لا ينافيه الاحتياط فان الترديد ليس في الانشاء بل الترديد في الحكم الشرعى مثلا لو شك في أن السبب الموجب للملك في البيع قول البائع بعتك او قوله ابيعك ينشئ

٥١

البائع ويعتبر الملكية بلا ترديد وبلا تعليق ويبرزه تارة بقوله بعتك واخرى بقوله ابيعك وقس عليه جميع موارد الاحتياط في الانشائيات من العقود والايقاعات.

وأما الموضع الثالث وهي التعبديات فتارة يقع الكلام فيما لا يكون التكليف منجزا كالشبهة الحكمية بعد الفحص وكالشبهة الموضوعية مطلقا واخرى في مورد تنجز التكليف أما على الاول فالظاهر عدم الاشكال عندهم في جوازه والحال انه يتوجه الاشكال بأنه ما الوجه في التفرقة فان الاحتياط اذا كان مجزيا فلا فرق بين تنجز التكليف وعدمه وان لم يكن مجزيا مع القدرة على التميز فلا وجه للتفرقة بين الموارد.

وأما على الثاني ، فتارة يقع الكلام في مورد عدم استلزام الاحتياط تكرار العمل واخرى في مورد استلزامه تكراره. أما المورد الاول فيقع الكلام فيه في فروع ثلاثة :

الفرع الاول : ما لا يستلزم الاحتياط التكرار مع كون التكليف استقلاليا وكون التكليف معلوما في الجملة كما لو علم بتعلق الامر بالدعاء عند رؤية الهلال لكن لا يدري ان الدعاء عند رؤيته واجب أو مستحب ، ربما يقال بعدم جواز الاحتياط للزوم قصد الوجه اي الوجوب أو الاستحباب والتميز اي تميز الواجب عن المستحب.

ويرد عليه : ان مقتضى الاطلاق اللفظى عدم وجوبهما كما ان مقتضى الاصل العملي كذلك.

ان قلت : ما يترشح من قبل الامر لا يمكن أخذه في متعلقه. قلت : قد مر الكلام فيه في بحث التعبدي والتوصلي وقلنا لا مانع من اخذ القربة وما يشابهها في متعلق الامر مضافا الى أنه يكفي لدفع الشبهة

٥٢

الاطلاق المقامي وتفصيل الكلام موكول الى ذلك البحث فراجع.

وربما يقال : ان لزوم قصد الوجه والتميز بحكم العقل حيث يشك في حصول الغرض من الامر ومقتضى الاشتغال لزوم الاحتياط. يدفع التقريب المذكور : بان العقل يلزم المكلف باتيان ما تعلق به الامر لا ازيد من هذا المقدار هذا من ناحية ومن ناحية اخرى يمكن للمولى أن يبين للعبد بأن غرضه لا يحصل إلّا مع قصد الوجه والتميز وعلى الجملة لا موقع للاشكال فلاحظ.

ان قلت : لا بد في امتثال الواجب قصد العنوان اذ مع عدم قصد العنوان لا يكون الفعل حسنا مثلا ضرب اليتيم انما يكون حسنا اذا كان بقصد التأديب لا مطلقا فلا بد من تميز الواجب عن غيره كى يمكن قصد الواجب بالعنوان المميّز كعنوان ما يكون واجبا أو مستحبا. قلت : اولا ان الواجب بحكم العقل الاتيان بما تعلق به الوجوب لا الازيد من هذا المقدار والزائد عليه يدفع بالاصل اللفظي والعملي.

وثانيا : تحقق الاشارة وقصد الواجب بالعنوان المشير لا ينحصر في خصوص الوجوب والاستحباب بل يحصل بقصد ما تعلق به الامر والمفروض ان تعلق الامر بالفعل محرز فلا اشكال.

وأما الاستدلال على الوجوب بالاجماع ففيه ان الاجماع المنقول لا يكون حجة والمحصل منه على تقدير حصوله محتمل المدرك فلا يكون حجة ايضا فلاحظ.

الفرع الثاني : أن يكون التكليف المحتمل ضمنيا كما لو شك في وجوب السورة في الصلاة واستحبابها والكلام في هذا الفرع هو الكلام بل الامر هنا أهون اذ على ما قيل لا يكون اجماع على لزوم التميز بل يحصل الامتثال بالاحتياط مضافا الى أنه يمكن في المقام

٥٣

قصد الوجه اذ المركب يكون واجبا على كلا التقديرين.

الفرع الثالث : أن يشك في وجوب شيء واباحته ولا يكون أصل الطلب معلوما ومما يمكن أن يذكر في وجه عدم جواز الاحتياط امران : الامر الاول : لزوم قصد العنوان وحيث ان أصل التكليف غير معلوم لا يمكن الاشارة اليه بالعنوان المميز. وفيه اولا : انه لا يلزم قصد العنوان بل اللازم الاتيان بما امر به.

وثانيا : كيف لا يمكن فانه مشار اليه بالاشارة الاجمالية وهو العنوان الذي يصدق على الفعل على تقدير وجوبه نعم التميز والجزم لا يمكنان ولا دليل عليهما.

الامر الثاني : ما عن الميرزا النائيني من أن العقل يحكم بلزوم الانبعاث عن أمر المولى لا عن احتمال امره فلا بد من تميز الواجب والعلم به.

وفيه : ان العقل يحكم بلزوم الاتيان بالعمل المأمور به لا ازيد من هذا المقدار ولا مجال للعقل ان يقيد المأمور به بقيد بل الامر في الاطلاق والتقييد بيد المولى وهو منفي بالاطلاق اللفظى ان كان وبالاصل العملي ان لم يكن. وصفوة القول : ان الشك في التقييد يرجع الى التقييد المولوي وهو مورد الاصل ، وأما العقل فلا يشك في حكمه فلاحظ. ويمكن أن يقال : ان التقييد الناشئ من قبل الامر لا يكون شرعيا للزوم الدور بل يكون عقليا فلا بد من رعايته لعدم حصول الغرض بدونه.

ويرد عليه : ان اللازم رعاية ما أمر به المولى وأما رعاية الغرض فلا دليل على لزومها ويمكن للمولى أن يخبر العبد بواقع الامر ومع عدم اخباره به يكشف عدم لزوم رعايته وإلّا يلزم نقض الغرض ودليل قبح العقاب بلا بيان يقتضي عدم لزوم رعايته. ان قلت : مع

٥٤

الشك في السقوط مقتضى الاستصحاب بقاء الحكم. قلت : استصحاب بقائه معارض باستصحاب عدم جعل الزائد فلا يلزم رعاية هذه الجهة.

الفرع الرابع : انه لو استلزم الاحتياط التكرار ، كما لو دار الامر بين وجوب القصر والاتمام وقد ذكر في المنع عن الاحتياط بالتكرار أمران : الاول : ان التكرار مع امكان عدمه لعب بامر المولى والعبادية تنافي اللعبية ولا يصدق الامتثال.

ويرد عليه : اولا ان الامتثال يحصل بموافقة المأتي به مع المأمور به فبأيهما حصل يتم المطلوب بلا اشكال. وثانيا : انه لا اساس للاشكال المذكور فان كل واحد من الفعلين يؤتى به بقصد القربة واحتمال كونه هو الواجب ولا يصدق اللعب.

الثاني : ما تقدم من أن العقل يحكم بأن الانبعاث لا بد أن يكون بامر المولى فلا يتحقق الامتثال بالاحتمال.

ويرد عليه اولا : ان العقل يحكم بلزوم الاتيان بما امر به المولى لا أزيد وليس للعقل ان يعين وظيفة للعبد والمفروض حصول ما تعلق به الامر. وثانيا : فرضنا تمامية الاستدلال لكن نقول انه لا شبهة في انبعاث العبد عن امر المولى في كلا الفعلين فان الباعث لاتيانهما احتمال الوجوب في كل واحد منهما فلاحظ.

هذا تمام الكلام في مقام دوران الامر بين الاحتياط والامتثال العلمى بالعلم الوجداني. وأما لو دار الامر بين الاحتياط والامتثال الظني ، فتارة يقع الكلام في الظن الخاص ، واخرى في الظن الانسدادي.

أما الظن الخاص فيترتب عليه كل ما يترتب على القطع الوجداني بلا فرق بين العلم والظن الا في نقطة وهي انه مع العلم الوجداني لا يبقى مجال للاحتياط فانه مع القطع لا يحتمل بقاء حكم في الواقع

٥٥

فلا مجال للاحتياط ، وأما مع الظن فليس الامر كذلك اى يحتمل بقاء الحكم في الواقع فمحل الاحتياط باق وفي صورة الاحتياط وقع الكلام بينهم في جواز تقديم المحتمل على المظنون وعدمه فكل من يرى لزوم تقديم الامتثال اليقيني على الاحتمالي كالمحقق النائيني يلتزم بعدم جواز تقديم المحتمل وأما من يجوز الاحتياط حتى مع امكان الامتثال التفصيلي فهو يجوز تقديم الاحتمال على الظن.

ويمكن أن يقال بجواز تقديم المحتمل على المظنون وان قلنا ان الامتثال لا بد أن كون ناشيا عن الامر الجزمي مع التمكن والوجه في الجواز ان الاتيان بالمظنون يكون عن الامر الجزمي بلا فرق بين تقدمه عن الفرد الاحتمالي وتأخره عنه فالشرط حاصل على كلا التقديرين فلا وجه للالزام بتقديمه فلاحظ.

واما لو دار الامر بين الاحتياط والعمل بالظن ، فتارة نقول بجواز الاحتياط مع امكان الامتثال العلمي واخرى لا نقول. أما على الاول ، فلا اشكال في جوازه مع كون الظن انسداديا اذ لا يكون الظن الانسدادي أقوى من العلم والظن الخاص ، وأما على الثاني فلا بد من التفصيل بأن نقول اذا قلنا باعتبار الظن المطلق من باب الكشف فلا يجوز وان قلنا به من باب الحكومة فيجوز وذلك لان الالتزام بالكشف مترتب على بطلان الاحتياط اما من باب الاجماع واما من باب عدم تحقق الامتثال بالاحتياط ، اي ان الاحتياط باطل عند الشارع الاقدس اما للاجماع واما لاعتبار قصد التميز فلا اثر للاحتياط وبالنتيجة لا تصل النوبة الى الاحتياط بل لا بد من العمل بالظن فلا مجال لان يحتاط العبد.

ولقائل أن يقول : ان بطلان الاحتياط من باب احد الوجهين المذكورين يتم بالنسبة الى الاحتياط التام وأما الاتيان بالفرد

٥٦

الذى يحتمل وجوبه اذا لم نقل بلزوم قصد التميز فلا نرى مانعا فيه فاذا أتى بالفرد المحتمل وطابق الواقع يلزم أن يكون صحيحا.

ان قلت : على فرض كون مدرك المنع الاجماع يمكن تحقق الاجماع على عدم جواز الاتيان بالفرد المحتمل ، قلت : معناه لزوم قصد التميز.

وأما القول بالحكومة فهو متفرع على عدم وجوب الاحتياط من باب عدم امكانه او من باب كونه حرجيا فيجوز تقديم الامتثال الاجمالي على التفصيلى الحاصل بالظن الانسدادي المعتبر بحكم العقل هذا تمام الكلام في أحكام القطع وله الحمد وعليه التكلان.

المقصد السابع فى الظن.

والكلام فيه يقع في فصول :

الفصل الاول : في أن الظن في حد نفسه لا يكون حجة اذ المفروض انه مع الظن لا يكون متعلقه منكشفا لدى الظان وبعبارة اخرى الظان جاهل كغيره فلا حجة له ، نعم الظن قابل لعروض الحجية عليه من قبل الشارع بالكتاب او السنة او الاجماع او العقل ، فالظن الانسدادي حجة شرعا بحكم العقل.

ان قلت : هذا على القول بالكشف وأما على القول بالحكومة فيكون الحاكم بكونه حجة هو العقل لا الشرع فلا بد من التفصيل.

قلت : على القول بالحكومة العقل يدرك الاكتفاء بالامتثال الظني وبعبارة واضحة : بعد عدم امكان الاحتياط أو عدم وجوبه يحكم العقل بأن الشارع يكتفى بالطريق الظني وببيان واضح : في مقام دوران الامر بين العمل بالظن والوهم العقل يدرك اولوية الظن فلا يكون العقل حاكما بالاعتبار في مورد من الموارد ويكون الحاكم

٥٧

بالاعتبار منحصرا في الشارع ولا فرق فيما نقول من عدم كون الظن حجة بين الثبوت والسقوط اي كما ان التكليف لا يثبت بالظن كذلك لا يسقط به بعد ثبوته.

وربما يقال انه يكفي الامتثال الظني وبعبارة اخرى يكفى في سقوط التكليف الظن بسقوطه بتقريب انه لا يجب دفع الضرر المحتمل.

وفيه : انه تارة يقع الكلام في الضرر الدنيوي واخرى في الضرر الاخروي ، أما على الاول فالحق أن يقال ان وجوب الدفع وعدم وجوبه متفرع على مقدار اهمية الضرر المحتمل فان كان مهما كما لو احتمل ان سبعا وراء الباب يجب دفعه ولا يجوز في حكم العقل الخروج وفتح الباب وأما الضرر اذا لم يكن مهما فربما لا يجب دفعه وان كان مظنونا هذا بالنسبة الى الضرر الدنيوي ، وأما الضرر الاخروي فحيث لا تفصيل فيه من هذه الجهة فيجب دفعه على الاطلاق وبلا تفصيل مضافا الى أنه لو تم الادعاء المذكور لما يجب دفعه في مورد من الموارد اذ كل مورد حتى في مورد ارتكاب الذنب العظيم لا يحصل القطع بالضرر ولا يحصل الظن به بل يكون محتملا لاحتمال تحقق الشفاعة أو تعلق عنايته تعالى أو غير ذلك وهل يمكن الالتزام به وان هذا المسلك يوجب بطلان تشريع الاحكام وارسال الرسل وانزال الكتب لان الملزم للمكلف على ترك العصيان احتمال توجه الضرر وحكم العقل بلزوم دفعه ، نعم في جملة من الناس يمكن أن يكون الموجب بالنسبة اليه النيل الى الثواب كما انه ربما يكون في بعض الاوحدي كمولى الموحّدين كفاية استحقاق المولى العبادة فلاحظ.

٥٨

الفصل الثانى : في أنه هل يمكن التعبد بالظن ام لا يمكن اي هل يمكن وقوع التعبد بالظن ولا يلزم منه محذور ام لا ربما يقال : انه يمكن التعبد به امكانا وقوعيا ولا يترتب عليه محذور والدليل عليه حكم العقلاء عليه بالامكان ما دام لم تثبت الاستحالة.

واورد في هذا الاستدلال بايرادات :

الايراد الاول : انه لم يثبت من العقلاء البناء المذكور.

الايراد الثاني : انه لا دليل على اعتبار بناء العقلاء فان غاية ما في الباب حصول الظن باعتباره والكلام الآن في امكان العمل بالظن ولا يمكن اثباته بالظن.

الايراد الثالث : انه لا اثر لهذا البحث اصلا اذ اما يقوم دليل على الاعتبار أو لا يقوم ، أما على الاول ، فلا تصل النوبة الى البحث عن الامكان إذ أدلّ الدلائل على امكان الشيء وقوعه.

وأما على الثاني فالبحث لا أثر فيه ولا يترتب عليه شيء وبعبارة اخرى البحث الاصولي لا بد أن يترتب عليه الاثر وما لا اثر له لا يكون بحثا اصوليا.

الايراد الرابع : ان الكلام في الامكان الشرعي وحكم العقلاء متعلق بالامكان التكويني.

وأجاب عن الايرادات المذكورة سيدنا الاستاد بأن الشيخ قدس‌سره الذي استدل ببناء العقلاء على الامكان ناظر الى الامكان بعد ورود دليل معتبر على التعبد بالظن ولا اقل من أنه يحتمل هذا المعنى في كلامه وعليه لا مجال للايرادات الواردة عليه أما الايراد الاول فغير وارد اذ لا اشكال في أن العقلاء بنائهم على العمل بالدليل المعتبر ما لم يقم على خلافه دليل.

وأما الايراد الثاني فغير وارد اذ لا اشكال في اعتبار السيرة

٥٩

العقلائية وعملهم على طبق الدليل المعتبر كالعمل بالظهور ونحوه.

وأما الايراد الثالث ، فغير وارد اذ ليس الكلام في الامكان قبل ورود الدليل بل الكلام فيه بعد الوقوع فيترتب على البحث الاثر العملي وليس مجرد بحث علمي. وأما الايراد الرابع ، فهو غير وارد ايضا اذ الامكان ليس على نحوين بل الامكان قسم واحد وهو الامكان العقلي غاية الامر يختلف متعلق الامكان فانه تارة يتعلق الامكان بالامور الخارجية كما لو قيل نزول المطر من السماء امر ممكن ، واخرى متعلقه أمر تشريعي كما لو قيل التعبد بالظن امر ممكن شرعا.

اذا عرفت ما تقدم نقول الحق ان يقال ان التعبد بالظن امر ممكن في حد نفسه ودليله العقل فان العقل يدرك عدم محذور في التعبد بالظن فلاحظ.

وربما يقال : يستحيل التعبد بالظن لوجهين : الوجه الاول : ان الامارة ربما تقوم على وجوب ما هو مباح واقعا أو على حرمة شيء كذلك والحال ان الامامية قائلون بتبعية الاحكام للمصالح والمفاسد وبعبارة اخرى يلزم تحريم الحلال أو ايجابه واذا قامت الامارة على حلية ما هو حرام واقعا أو واجب كذلك يلزم تحليل الحرام أو الواجب ويلزم تفويت المصلحة الواقعية.

والجواب عن هذا الوجه : انه تتصور في المقام صور : الصورة الاولى : ان يلزم المولى ويوجب ما هو ليس بواجب واقعا أو يحرم ما هو ليس بحرام كذلك وقد عبّر عنه بايجاب الحلال أو تحريمه فنقول أما على القول بان المجعول في باب الامارة الطريقية فلا ايجاب من المولى بل الايجاب والتحريم من العقل اذ بعد ان المولى جعل الطريقية للامارة لمصالح موجودة في نظره المقدس يلزم العقل المكلف بالفعل أو الترك ، إلّا ان يقال ان الشارع الاقدس

٦٠