آراؤنا في أصول الفقه - ج ٢

السيّد تقي الطباطبائي القمّي

آراؤنا في أصول الفقه - ج ٢

المؤلف:

السيّد تقي الطباطبائي القمّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات المحلّاتي ( المفيد )
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥١

أفاد على ما في التقرير بأنه ربما يستدل على حرمة التجري بالنصوص الدالة على العقاب على قصد المعصية لاحظ الوسائل الباب السادس من أبواب مقدمة العبادات الحديث ٣ و ٤ و ٥ و ١١ و ٢٢ والباب السابع من هذه الابواب الحديث ١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ وفي قبال هذه الروايات نصوص تدل على عدم العقاب على مجرد القصد وقد جمعوا بين الطائفتين بوجهين :

الوجه الاول : ان الطائفة الاولى حملت على القصد مع الاشتغال ببعض المقدمات والثانية على القصد المجرّد.

الوجه الثاني : حمل الطائفة الاولى على ما اذا لم يرتدع من قبل نفسه حتى مانعة مانع قهري والطائفة الثانية على الارتداع من قبل نفسه ، والحق عدم تمامية ما افيد في المقام وعدم قابليته للاستدلال على المدعى مع قطع النظر عن المعارض وذلك لوجوه : الوجه الاول : ان ما يدل على ترتب العقاب على القصد قاصر سندا فلا يكون قابلا للاستناد. الوجه الثاني : ان المستفاد من تلك الطائفة ان العقاب على قصد ارتكاب الحرام الواقعي فلا يرتبط بقصد ارتكاب الحرام الخيالي.

الوجه الثالث : انه على فرض غمض العين عما ذكرنا لا تدل تلك الطائفة على حرمة العمل المتجرى به بل تدل على ترتب العقاب على القصد فلا يكون الاستدلال تاما وبعبارة اخرى : لا يستفاد من تلك الاخبار الا استحقاق العبد للعقاب اذا كان قاصدا للعصيان والعقل حاكم بهذا المقدار فلا تزيد الاخبار على ما يحكم به العقل وما أفاده تام.

وصفوة القول : انه لا دليل على حرمة التجري والظاهر ان العقل

٢١

حاكم باستحقاق المتجري للعقاب وهل يمكن القول بعدم عقابه ببركة ما وردت من النصوص التي تدل على عدم المؤاخذة بالعزم والنية؟ الانصاف ان الجزم بكونه مستفادا من تلك النصوص مشكل إلّا ان يستفاد الملاك والجزم به ايضا مشكل اذ لا يبعد ان المستفاد من تلك النصوص ان العازم على العصيان لو انصرف لا يكتب عليه والله العالم بحقائق الامور.

فصل :

قد مرّ ان طريقية القطع لا تقبل الجعل بل هي ذاتي له كما انه لا يمكن ازالة الطريقية عنه لكن لا مانع من جعل القطع موضوعا لحكم من الاحكام فنقول قد يؤخذ القطع بحكم موضوعا لحكم آخر لا يضاده ولا يماثله بلا فرق بين كونه من جنسه أو من غير جنسه كما لو قال المولى «اذا قطعت بوجوب الدعاء عند رؤية الهلال يجب عليك التصدق» أو يقول «اذا قطعت بحرمة شرب التتن وجب عليك الصوم» وقد يؤخذ القطع بشيء موضوعا لحكمه كما لو قال المولى «اذا قطعت بخمرية مائع يحرم عليك شربه» أو قال «اذا قطعت بدخول الشهر يجب عليك التصدق» وهكذا.

وقد قسم القطع الموضوعي الى قسمين : اذ تارة يؤخذ القطع في الموضوع بما انه طريق واخرى يؤخذ بما انه صفة فان القطع من الامور الاضافيّة فكما انه لا يتحقق إلّا بالقاطع كذلك لا يتحقق إلّا بالمقطوع به ، وبعبارة واضحة : ان العلم نور بنفسه ومنور لغيره فلا يتحقق الا بالقاطع والعالم والمعلوم ويقوم بهما وعليه يمكن أن يؤخذ في الموضوع بما انه صفة للنفس ويمكن أن يؤخذ في

٢٢

الموضوع بما انه منور للغير.

وربما يقال : انه ينقسم الى أربعة اقسام اذ كل قسم ينقسم الى تمام الموضوع والى جزء الموضوع فطبعا يكون الاقسام أربعة ، وتوضيح المدعى ان القطع المأخوذ في الموضوع تارة هو القطع وهو تمام الموضوع بلا فرق بين اصابته مع الواقع وعدمه واخرى يؤخذ في الموضوع بعنوان كونه جزءا ويكون الجزء الآخر هو الواقع فالاقسام اربعة. ذهب اليه صاحب الكفاية ، وايضا ذهب الى ان القطع المأخوذ في الموضوع صفة قد يؤخذ بعنوان كونه صفة للقاطع واخرى يؤخذ بعنوان كونه صفة للمقطوع به.

وأورد عليه سيدنا الاستاد اولا ، بأن القطع المأخوذ في الموضوع صفة يتصور فيه أخذه تمام الموضوع وأخذه جزء الموضوع اذ ربما يكون تمام الموضوع تلك الصفة بلا دخل للواقع في الموضوع كما انه يمكن أخذه جزء الموضوع بأن يكون الموضوع مركبا من الامرين وأما أخذ القطع بعنوان الطريقية في الموضوع فلا يمكن إلّا بنحو جزء الموضوع. والوجه فيه : ان كونه تمام الموضوع ، انه لا دخل للواقع وتمام الموضوع هو القطع ولو لم يكن مطابقا للواقع ومعنى القطع طريقا الى الواقع معناه دخل الواقع في الموضوع فالجمع بين الطريقية وكون القطع تمام الموضوع جمع بين المتناقضين فالحق أن يقال ان الاقسام ثلاثة بأن نقول القطع المأخوذ في الموضوع صفة قد يكون تمام الموضوع واخرى يكون جزء الموضوع وقد يؤخذ في الموضوع طريقا وهذه ثلاثة اقسام.

وأورد عليه ثانيا : بأنه ما المراد من كون القطع صفة للمقطوع به فان كان المراد بالمقطوع به المعلوم بالذات وهي الصورة الحاصلة في النفس فهو عبارة اخرى عن كونه صفة للقاطع وبعبارة

٢٣

اخرى : تلك الصورة عين القطع ، وان كان المراد المعلوم بالعرض فلحاظه يرجع الى كون القطع ملحوظا على نحو الطريقية فالجمع بين الامرين جمع بين المتنافيين.

والذي يختلج بالبال أن يقال لا اشكال في أن كل قطع له ثلاث جهات :

الجهة الاولى : كونه صفة للقاطع ، الجهة الثانية كونه طريقا الى المقطوع به ، الجهة الثالثة ان المقطوع به ينكشف به فاي مانع في جعل الجهة الثانية موضوعا للحكم بلا دخل المصادفة وعدمها ان قلت : لا ينفك القطع الطريقى عن المقطوع به ، قلت : القطع بعنوان كونه صفة أيضا كذلك لكن المولى ربما ينظر الى الجهة الاولى وقد ينظر الى الجهة الثانية وفي كلا المقامين ربما يجعلها تمام الموضوع واخرى جزءا له فلاحظ.

وأما ايراده الثاني فنقول : لا نرى مانعا من جعل الجهة الثالثة موضوعة للحكم وبعبارة اخرى : لا اشكال في كون القطع أمرا اضافيا وله ارتباط بالمقطوع به كما ان له ارتباطا بالقاطع فكما انه يمكن جعل القطع موضوعا بما انه صفة للقاطع كذلك يمكن جعله موضوعا بما انه صفة للمقطوع به مع قطع النظر عن حيثية الطريقية ولا نرى مانعا عما ذكر فلاحظ.

ثم انه أفاد سيدنا الاستاد انه لا اشكال في قيام الامارات والطرق مقام القطع الطريقي بنفس ادلة اعتبارها فتترتب عليها الآثار المترتبة عليه من التعذير والتنجيز عند المخالفة والمطابقة ولا ريب في عدم قيامها مقام القطع الموضوعي صفة بنفس ادلة اعتبارها وذلك لان القطع من الصفات النفسانية كبقية صفاتها والمأخوذ صفة لم يلحظ فيه جهة طريقيته وادلة اعتبار الامارات لم تجعل الامارات صفة كالقطع.

٢٤

واما قيام الامارات مقام القطع المأخوذ في الموضوع على نحو الطريقية فقد اخلفت كلماتهم فيه فذهب الشيخ الانصاري قدس‌سره الى قيامها مقامه وتبعه المحقق النائيني ، وخالفهما صاحب الكفاية واستدل على مدعاه بأن الالتزام بذلك يستلزم الجمع بين اللحاظ الآلي والاستقلالي بيان ذلك : ان التنزيل يستدعى لحاظ المنزل والمنزل عليه ولحاظ الامارة والقطع في تنزيل الامارة طريقا آلي اذ الاثر مترتب على الواقع ولحاظ الامارة والقطع في جعل الامارة منزلة القطع المأخوذ في الموضوع استقلالي ولا يمكن الجمع بين اللحاظين في لحاظ واحد وحيث ان الظاهر من دليل الاعتبار جعل المؤدى منزلة الواقع لا يمكن جعل الامارة منزلة القطع.

ويرد عليه : ان تنزيل المؤدى منزلة الواقع مبني على القول بالسببية وهذا القول على خلاف مسلك صاحب الكفاية اذ هو قائل بأن المجعول في باب الامارات المنجزية والمعذرية مضافا الى أن القول المذكور فاسد ثبوتا واثباتا اي لا دليل عليه في مقام الاثبات أما فساده ثبوتا فلانه يستلزم التصويب وأما فساده اثباتا فلانه لا يستفاد من الادلة وعمدتها السيرة العقلائية جعل الحكم مطابقا للمؤدّى فنقول : أما على مسلك صاحب الكفاية فلا يلزم محذور اذ على هذا لا يلاحظ الواقع بل يلاحظ الامارة ويجعل الامارة منزلة القطع فتارة يلاحظ الاثر العقلي واخرى الاثر الشرعي وثالثة يلاحظ كليهما ومقتضى اطلاق التنزيل أن يجعل الامارة منزلة القطع على الاطلاق والسريان وأما على القول بأن المجعول في باب الامارات الطريقية فنقول مقتضى اطلاق الدليل جعله بكلا الاعتبارين فلاحظ.

٢٥

والذي يختلج ببالي القاصر أن يقال ان القطع المأخوذ في الموضوع على نحو الطريقية لو كان جزءا للموضوع والجزء الآخر منه هو الواقع فقيام الطريق مقامه متقوم بأن يعتبر الامارة طريقا ويجعل مؤدى الطريق هو الواقع فيلزم محذور الجمع بين اللحاظين المذكور في كلام صاحب الكفاية مضافا الى المحذور الثبوتي وهو التصويب المذكور في كلام سيدنا الاستاد ، والذي يمكن أن يقال ان محذور اجتماع اللحاظين مدفوع من أصله اذ يمكن للمولى أن يلاحظ كل واحد من الامرين ويرى الجعل بكلا الاعتبارين ويجعل مجعوله مطلقا مثلا اذا لاحظ المرآة بما هي مرآة بالاستقلال ولاحظ الصورة المنطبعة فيها ايضا بالاستقلال وحكم عليهما بحكم بأن قال جعلت المرآة وما فيها محترما هل يلزم من هذا الجعل اجتماع اللحاظين والمقام كذلك ، نعم الاشكال الثبوتي وهو لزوم التصويب بحاله فلاحظ.

ثم قال : مقتضى مذهب صاحب الكفاية وهو ان المجعول في باب الامارات والطرق المنجزية والمعذرية التخصيص في حكم العقل والتخصيص في الحكم العقلي غير معقول بيان ذلك : ان العقل حاكم بقبح العقاب بلا بيان فتارة يتصرف الشارع في موضوع حكم العقل ويجعل الطريقية للامارة فينتفى حكم العقل ويحكم بالتنجز اذ المفروض بعد جعل الشارع الامارة طريقا الى الواقع يتبدل عدم البيان بالبيان ولذا نقول دليل الامارة يكون واردا على الدليل العقلي اي ينعدم موضوعه وأما اذا لم نقل بذلك بل قلنا ان المجعول هو التنجز فمعناه ان العقاب بلا بيان قبيح الا مع قيام الامارة وبعبارة واضحة : ان لم يكن المجعول في باب الامارات الطريقية لا يتبدل عدم البيان بالبيان ومع عدم البيان يكون العقاب قبيحا الا مع الامارة

٢٦

وتخصيص الحكم العقلي أمر غير معقول هذا ما أفاده سيدنا الاستاد في هذا المقام.

ولنا أن نقول : لا مجال لهذا الاشكال فان العقل يلزم المكلف بدفع الضرر المحتمل فاذا قال المولى جعلت الامارة منجزة معناه التوعيد بالعذاب والمؤاخذة في صورة المخالفة وعلى ما ذكرنا لا يشكل بأن التنجيز والتعذير لا يكونان قابلين للجعل فان التنجيز معناه التوعيد فلا يلزم التخصيص في حكم العقل وببيان واضح ان العقل لا يحكم بقبح العقاب مع توعيد المولى به والمفروض ان المولى أوعد به فهذا الاشكال غير وارد على صاحب الكفاية ، وعليه نقول ما أفاده صاحب الكفاية قابل في مقام الثبوت ولكن غير تام اثباتا اذ ليس المجعول المعذرية والمنجزية بل المجعول في باب الطرق والامارة اما الحكم الطريقي الظاهري وأما الطريقية كما عليها سيدنا الاستاد.

ثم ان سيدنا الاستاد صرح بأنه لو كان دليل اعتبار الامارة السيرة العقلائية يترتب عليه قيام الامارة مقام القطع الطريقي ومقام القطع الذي اخذ في الموضوع على نحو الطريقية.

ويرد عليه : ان السيرة دليل لبّي لا لسان لها ولا اطلاق فيها فلا مجال لهذه الدعوى بل تختص الامارة بالقيام مقام القطع الطريقي المحض نعم لو كان دليل الاعتبار النص يمكن أن يفرض فيه الاطلاق وتفصيل هذه الجهات موكول الى مجال آخر.

وأما الاصول المحرزة كالاستصحاب فمقتضى القاعدة قيامها مقام القطع الطريقي والقطع المأخوذ في الموضوع على نحو الطريقية ، والوجه فيه ان الشارع الأقدس اعتبرها علما فعلى تقدير كون الاصول المحرزة امارات مجعولة لا مانع عن قيامها مقام القطع الطريقي

٢٧

والموضوعي على نحو الطريقية.

ان قلت : كيف يمكن اعتبار مواردها علما مع أخذ الشك في موضوعها لاحظ قوله عليه‌السلام «لا تنقض اليقين بالشك» وبعبارة اخرى لا يمكن الجمع بين الشك واليقين. قلت : التنافي بين اليقين الوجداني والشك الوجداني واما بين الشك الوجداني والعلم التعبدي فلا تنافي وان فتح باب الاشكال المذكور ينسد باب الحكومة الظاهرية فان قوام الحكومة الظاهرية بالشك وجعل موردها علما مضافا الى أنه لو تم هذا الاشكال لا يمكن قيام الامارات مقام القطع اذ الامارة متقومة بالشك غاية الامران الشك مأخوذ في لسان الدليل في الاصول والشك مأخوذ بحكم العقل في الامارات توضيح المدعى ان الاهمال غير معقول في الواقع وعليه نقول الامارة كقول العادل مثلا اما طريق وعلم للعالم بمفادها واما حجة للعالم بالخلاف واما حجة للشاك لا سبيل الى الاول والثاني فيكون الامر منحصرا في الثالث

ان قلت : على هذا فلا فرق بين الاصول والامارات ولا وجه لتقدم الامارات على الاصول والحال ان المسلم عندهم تقدم الامارات على الاصول.

قلت : الوجه في التقدم ان ادلة الامارات حاكمة على ادلة الاصول وناظرة الى موضوعها ، وبعبارة واضحة : ان المأخوذ في موضوع الاستصحاب الشك ومع وجود الامارة لا مجال للشك وان شئت قلت مفاد الامارة يتصرف في موضوع الاصل ويرفعه مضافا الى أنه لو لم يقدم دليل الامارة على الاصل يلزم أن يكون جعل الامارة لغوا مثلا لو لم تكن الامارة مقدمة على الاستصحاب لا يبقى مجال لقول العادل فان العادل لو اخبر بوجوب صلاة الجمعة يكون مفاد الاستصحاب عدمه وايضا لو كان مفاد الامارة حرمة شرب التتن يكون مقتضى

٢٨

الاستصحاب عدم الحرمة وهكذا ، فلا اشكال في تقدم الامارة على الاصل ، فالنتيجة انه لا مانع عن قيام الاصول المحرزة مقام القطع الطريقي والموضوعي المأخوذ على نحو الطريقية ثبوتا فلو تم الدليل في مقام الاثبات نلتزم بقيامها مقامه ، فتحصل ان مقتضى القاعدة الاولية قيام الاصول المحرزة مقام القطع الطريقي والمأخوذ في الموضوع على نحو الطريقية ، نعم لو استلزم قيامها مقام القطع الطريقي المأخوذ في الموضوع محذورا نلتزم بعدم قيامها مقامه مثلا لو قلنا ان المستفاد من ادلة احكام الشكوك في ركعات الصلاة ان القطع بالركعتين الاولتين في الصلوات الرباعية والقطع بركعات المغرب والصبح مأخوذ في الموضوع على نحو الطريقية لا يمكن الالتزام بقيام الاستصحاب مقامه وإلّا يلزم كون اخذ القطع مأخوذا في الموضوع لغوا لان مقتضى استصحاب عدم الركعة المشكوك فيها احراز ان المأتي به متيقنا مثلا لو شك المصلي في أن ما بيده الاولى أو الثانية يكون مقتضى الاستصحاب عدم الاتيان بالثانية فيكون المأتي به ركعة واحدة فلا تصل النوبة الى القطع فاخذه في الموضوع لغو.

وأما الاصول غير المحرزة اي البراءة والاشتغال عقلا وشرعا فلا مجال لقيامها مقام القطع فانها وظائف للجاهل وبعبارة اخرى قد فرض في موضوعها كون المكلف جاهلا بالواقع فلا يحتاج المدعى الى تطويل البحث ، ويمكن أن يستدل عليه بأن كل تنزيل يحتاج الى امور ثلاثة : المنزل والمنزل عليه ووجه التنزيل مثلا جعل في الشريعة الفقاع منزلة الخمر فنقول الفقاع منزّل والخمر منزل عليه ووجه التنزيل الحرمة ، وأما في المقام فالاركان غير تامة اذ الاحتياط

٢٩

العقلي عبارة عن تنجز الواقع كالشبهة قبل الفحص والبراءة العقلية عبارة عن التعذير وقس عليهما البراءة الشرعية والاشتغال الشرعي فالبراءة عبارة عن التعذير والاشتغال عبارة عن التنجيز والمفروض ان أثر القطع التنجز أو التعذر فلا بد في التنزيل أن يكون بلحاظهما وأما نفس التنجز والتعذر فلا مجال لقيامهما ، وعلى الجملة احد الاركان الثلاثة مفقود في المقام فلا يتحقق ما يتقوم بالاركان فلاحظ.

ايقاظ : ان صاحب الكفاية بعد ما بنى على عدم امكان قيام الامارة والاصول مقام القطع الموضوعي لاستلزامه الجمع بين اللحاظ الآلي والاستقلالى ، أفاد ان الدليل الدال على قيام الامارة مقام القطع الطريقى يدل بالملازمة العرفية على قيامها مقام القطع الموضوعي فان الدليل المتعرض لقيام الامارة والاصول مقام القطع الطريقى متعرض لجعل المؤدّى منزلة الواقع وبالملازمة العرفية يدل على ان القطع بالمؤدّى يكون بمنزلة القطع بالواقع وعليه نقول اذا كان الموضوع مركبا من الواقع والقطع به تقوم الامارة والاصول المحرزة مقامه ، بالتقريب المذكور ولكن عدل عن هذا الرأي وقال هذا التقريب دوري فلا يمكن الالتزام به بيانه : ان كل موضوع مركب لا بد في ترتيب الاثر عليه من احراز الجزءين الدخيلين في الموضوع اما بالوجدان أو احدهما بالوجدان والآخر بالتعبد واما كليهما بالتعبد بأن يشمل الدليل كلا الجزءين في عرض واحد ، وأما اذا لم يشمل الدليل كلا الجزءين في عرض واحد كما في المقام لما مرّ من لزوم محذور الجمع بين اللحاظ الآلي والاستقلالى فلا يكون الدليل شاملا لتنزيل كلا الجزءين اذ يلزم الدور فان المفروض ان احد التنزيلين في طول التنزيل الآخر فشمول الدليل للتنزيل الاول متوقف على شموله للتنزيل الثاني اذ بدونه لا يتم الامر والحال ان التنزيل الثاني يتوقف

٣٠

على شمول الدليل للتنزيل الاول وهذا دور صريح.

نعم اذا ورد دليل في خصوص مقام بحيث لو لم يشمل كلا التنزيلين تلزم اللغوية نلتزم بشمول الدليل لكلا التنزيلين بدليل الاقتضاء وأما لو لم يكن الامر كذلك بل كان الدليل عاما أو مطلقا لها مصاديق كما ان الامر كذلك في المقام فلا وجه للالتزام بشمول الدليل لتنزيل كلا الجزءين الا بالتقريب الدوري وبعبارة واضحة : التنزيل بلحاظ قيام الامارات والاصول المحرزة مقام القطع الطريقي لا يستلزم التنزيل بلحاظ القطع الموضوعي وبعبارة اخرى : لا مجال للاخذ بدليل الاقتضاء فان التنزيل بلحاظ القيام مقام القطع الطريقى له مصاديق كثيرة كما هو واضح فلاحظ.

بقي شيء : وهو انه ان قلنا بأن المجعول في باب الامارات والاصول المحرزة الحكم الطريقى الظاهري فهل يكون مجال لقيام الامارات والاصول مقام القطع الطريقى أو الموضوعي أم لا؟ الظاهر هو الثاني فان المفروض ان المجعول من قبل المولى الحكم لا الطريقية والكاشفية كى تقوم مقام القطع الذي هو طريق بالذات ولكن الظاهر ان النتيجة تظهر فيما يكون القطع موضوعا وأما في القطع الطريقي فلا نتيجة ولا فرق بين القولين اذ في القطع الطريقي يتنجز الواقع أو يكون العبد معذورا والحكم المجعول من قبل الشرع ينتج هذه النتيجة ايضا اذ على تقدير الموافقة يكون الحكم الواقعي منجزا وعلى تقدير المخالفة يكون الحكم الطريقي معذرا وأما ان كان القطع جعل موضوعا لحكم من الاحكام فلا وجه لقيام الامارة والاصل المحرز مقامه فلاحظ.

ثم ان صاحب الكفاية تعرض لجعل العلم بالحكم موضوعا لنفس ذلك الحكم أو لضده أو لمثله ، فنقول لا اشكال في عدم امكان العلم

٣١

بالحكم موضوعا لنفس ذلك الحكم للزوم الدور فان العلم بالحكم متوقف على وجود الحكم ومتأخر عنه ويتوقف على وجوده والحال انه فرض ان تحقق الحكم متوقف على العلم به وهذا دور ومحال ، وان شئت قلت : كل شرط من شروط الحكم في رتبة علل ذلك الحكم فكيف يجوز أن يكون ما هو مقدم في الرتبة متأخرا فالنتيجة انه لا يمكن اخذ العلم بالحكم في موضوع نفس ذلك الحكم وأما اخذ العلم بالحكم في موضوع ضده كما لو قال المولى «اذا قطعت بوجوب صلاة الجمعة تحرم عليك صلاة الجمعة» فربما يقال بجوازه لاختلاف المتعلق وعدم اتحاده اذ الوجوب تعلق بالصلاة والحرمة تعلقت بالصلاة بقيد كونها واجبة فمتعلق الوجوب مطلق ومتعلق الحرمة مقيد نعم لا يمكن الجمع بينهما في مقام الامتثال اذ الانبعاث نحو عمل والانزجار عنه في آن واحد غير ممكن.

وأورد عليه سيدنا الاستاد : بأن اجتماع الضدين لازم للقول المذكور فان الحرمة وان كان مقيدة بصورة العلم بالوجوب لكن الوجوب مطلق وموجود في كلا الحالين فيلزم أن تكون الصلاة في حال العلم بوجوبها حراما فالصلاة واجبة ومحرمة في زمان واحد فيلزم اجتماع الضدين.

ويرد عليه : ان الاحكام الشرعية امور اعتبارية ولا تضاد بينها وعليه لا مجال لهذا الاشكال ولكن مع ذلك لا يمكن أن يكون فعل واحد حراما وواجبا في زمان واحد وذلك لتحقق المحذور في المبدأ والمنتهى أما في المبدا فللزوم اجتماع الضدين اي اجتماع الحب والبغض في نفس المولى وأما في المنتهى فلانه لا يمكن للعبد الجمع بين الوجود والعدم والحال ان مقتضى وجوب الامتثال الاتيان بالعمل ومقتضى وجوب الانزجار تركه ولا يعقل أن يجمع بين الفعل والترك ،

٣٢

وأما اخذ القطع بالحكم في موضوع مثل ذلك الحكم فربما يقال بأنه يستلزم اجتماع المثلين واجتماعهما محال كاجتماع الضدين والحق انه لا محذور فيه والسر فيه انه في مورد اجتماع الملاكين يتأكد الشوق من قبل المولى ويتأكد الحكم المولوي ايضا ولذا لو كان بين عنوانين عموم من وجه كالعالم والهاشمي وثبت وجوب اكرام كل من الفريقين بدليل كما لو قال المولى «اكرم كل عالم» وقال في دليل آخر «اكرم كل هاشمي» يكون وجوب اكرام العالم الهاشمي آكد من وجوب اكرام العالم غير الهاشمي والهاشمي غير العالم فلو قال المولى اذا قطعت بوجوب صلاة الجمعة تجب عليك صلاة الجمعة لا يترتب عليه محذور اذ ربما لا يقطع المكلف بوجوبها وتكون واجبة عليه بالوجوب الاولي واخرى يقطع بالوجوب ولا وجوب في الواقع فتجب بهذا العنوان وثالثة تكون الصلاة واجبة والمكلف يقطع بوجوبها ففي هذه الصورة يتأكد الوجوب فلا اجتماع للمثلين مضافا الى أنه قد ذكرنا آنفا انه لا مجال للاجتماع بين الضدين أو المثلين في الاحكام فانها امور اعتبارية ولا مانع عن اجتماع أحكام عديدة في موضوع واحد وانما الاشكال على تقدير حدوثه اما في المبدا واما في المنتهى واما في كليهما فلاحظ.

ثم انه هل يمكن اخذ العلم ببعض مراتب الحكم موضوعا لبعض مراتبه ام لا ، ولا بد من بيان مراتب الحكم كى يعلم ويتضح الحال :

فنقول يمكن أن تجعل للحكم مراتب : المرتبة الاولى ، مرتبة الاقتضاء فان في الخمر مثلا ملاك الحرمة ولا مانع من أن يأخذ المولى العلم بهذه المرتبة موضوعا لتحريم الخمر أو لحليته ولا محذور فيه ثبوتا.

المرتبة الثانية : مرتبة الشوق والانزجار والبغض فان المولى

٣٣

بعد علمه بالملاك ربما يشتاق الى الفعل كما يشتاق الى أن المكلف يصلي ، أو ينزجر عن الفعل كما ينزجر عن الافعال القبيحة أو فقل يبغض ارتكاب القبيح ولا مانع من جعل العلم بهذه المرتبة موضوعا للحكم ولا يترتب عليه اشكال ولا يلزم محذور الدور ولا محذور اجتماع الضدين ولا اجتماع المثلين.

المرتبة الثالثة : مرتبة الانشاء المولوي وهو الجعل الانشائي ونعبر عنه بالفعلية من قبل المولى والعلم بهذه المرتبة موضوع لحكم العقل بالتنجز الذي نعبّر عنه بالمرتبة الرابعة للحكم ، هذا تمام الكلام في جعل العلم بالحكم موضوعا للحكم وقد عرفت ما هو الحق فيه.

وأما جعل الظن بالحكم موضوعا للحكم فله أقسام : القسم الاول : أن يكون الظن بحكم موضوعا لحكم آخر ويكون الظن تمام الموضوع كما لو قال المولى «اذا ظننت بوجوب الدعاء عند رؤية الهلال يجب عليك التصدق» ولا اشكال في امكان هذا القسم بلا ترتب اشكال عليه فاذا ظن المكلف بوجوب صلاة الجمعة يجب عليه التصدق.

القسم الثاني : عين القسم الاول ولكن يكون الظن جزءا للموضوع والجزء الآخر هو الواقع فان كان الظن ظنا معتبرا يترتب عليه الحكم بلا حالة منتظرة لتمامية الموضوع بكلا جزئيه احد جزئيه بالوجدان والجزء الآخر بالتعبد وان كان ظنا غير معتبر لا يترتب عليه الحكم الا في ظرف احراز الواقع بدليل معتبر من امارة او أصل.

القسم الثالث : ان يؤخذ الظن بالحكم في موضوع نفس ذلك الحكم كما لو قال المولى اذا ظننت بوجوب الدعاء عند رؤية الهلال يجب عليك الدعاء عنده وهذا القسم غير معقول للزوم الدور فان ترتب الحكم المجعول متوقف على الظن بالحكم والحال ان الظن

٣٤

بالحكم يتوقف على ثبوت ذلك الحكم وبعبارة اخرى لا فرق بين القطع والظن من هذه الجهة.

القسم الرابع : أن يجعل الظن بحكم موضوعا لحكم يضاده كما لو قال المولى «اذا ظننت بوجوب الدعاء عند رؤية الهلال يحرم عليك الدعاء» وهذا القسم أمر غير ممكن اذ مرجعه الى الظن بأن المولى يجعل الوجوب والحرمة لموضوع واحد في زمان واحد والحال انه مقطوع الخلاف فلا يحتمل فكيف أن يظن به.

القسم الخامس : ان يجعل الظن بحكم موضوعا لحكم مثله كما لو قال المولى «اذا ظننت بوجوب صلاة الجمعة تجب عليك صلاة الجمعة» وهذا القسم لا مانع منه في مقام الثبوت فان غايته التأكد كما كان كذلك في جعل القطع بحكم موضوعا لمثله.

فصل :

وقع الكلام بين القوم في وجوب الموافقة الالتزامية وعدمه ، ولتوضيح المدعى قالوا لا اشكال في وجوب تصديق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كل ما جاء به من الاحكام الالزامية وغير الالزامية بل يجب تصديقه في كل ما اخبر به من الامور التكوينية من العلوية والسفلية من المتقدمة والمتأخرة من الدنيوية والاخروية ولا يرتبط بهذا البحث فان تصديق النبي من اصول الدين وكلامنا في المقام في فروع الدين وايضا لا يرتبط البحث في المقام بان الواجب في الواجبات التعبدية الاتيان بالواجب قربة الى الله فان قصد القربة وجوبه مختص بالتعبديات والبحث في المقام عبارة عن أن كل واجب ينحل الى وجوبين وجوب الاتيان بمتعلقه ووجوب عقد القلب بأن الامر الفلاني واجب.

٣٥

ثم انهم ذكروا ان نتيجة هذا البحث تظهر في دوران الامر بين المحذورين وفي اطراف العلم الاجمالي فيما كانت الاطراف محكومة بالحكم الالزامي ثم علم بارتفاع الالزام من بعض الاطراف كما لو علم المكلف بنجاسة اناءين ثم علم بطهارة احدهما وانه صار طاهرا فهل يجري الاصل في كلا الطرفين مع العلم بأن احد الطرفين صار طاهرا أم لا ، ويقع البحث تارة في ظهور هذه النتيجة وعدمه واخرى في وجوب الموافقة الالتزامية وعدمه فيقع الكلام في مقامين : فنقول : المقام الاول : في أنه هل يكون جريان الاصل منافيا مع وجوب الموافقة الالتزامية ام لا؟ الذي يختلج بالبال أن يقال لا تنافي بين الامرين اذ مقتضى الاصل الجاري في كل من الطرفين حكم ظاهرى فان مقتضى الاستصحاب الجاري في كل من الإناءين وابقاء نجاسته بالاستصحاب حكم ظاهري فلا تنافي بين الالتزام وعقد القلب بطهارة احد الإناءين في الواقع ونفس الامر وبين الالتزام بكون كل من الإناءين نجسا ظاهرا بل القاعدة تقتضي كذلك اي لو قلنا بوجوب الموافقة الالتزامية يجب على المكلف أن يعتقد بوجود النجاسة في احدهما واقعا وكون كل واحد منهما نجسا ظاهرا هذا هو المقام الاول.

انما الكلام في أن دليل الاصل العملي هل يشمل موارد العلم الاجمالى اذا لم يلزم المخالفة العملية أو لا يشمل والبحث من هذه الجهة موكول الى بحث الاصول العملية ونتعرض هناك إن شاء الله تعالى لان مقتضى القاعدة جريان الاصول في أطراف العلم الاجمالي اذا لم يستلزم مخالفة عملية ، فانتظر.

وأما المقام الثاني فنقول : المعروف بين القوم انه لا تجب

٣٦

الموافقة الالتزامية وانما الواجب الموافقة العملية اذ لا دليل على وجوبها ، مضافا الى وجوب العمل الخارجي وللمناقشة في هذه المقالة مجال اذ كيف يجمع بين تصديق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبين عدم عقد القلب بوجوب الواجب الفلاني وبعبارة اخرى : اذا علم المكلف بأن العمل الفلاني واجب بالعلم الوجداني أو التعبدي معناه انه علم بأنه مما جاء به النبي ، فنقول هل يجب تصديق النبي ام لا ، لا سبيل الى الثاني ومع وجوب التصديق كيف يمكن أن يلتزم العبد ولا يعقد عقد القلب به.

فصل :

وقع الكلام بين القوم في أنه هل يمكن أن يمنع القطاع عن العمل بقطعه اذا كان حاصلا من الطريق غير العادي ام لا يمكن والمراد من القطاع كما ظهر مما ذكرنا من لا يكون شخصا عاديا في حصول القطع له اى يكون حصول القطع له على خلاف المتعارف من الناس وليس المراد من القطاع من يحصل له القطع كثيرا لاطلاعه على الامور الموجبة لحصول القطع فنقول القطع الطريقي غير قابل لان يمنع عنه فانه قد ذكرنا في اول بحث القطع ان حجية القطع ذاتية ولا تنالها يد الجعل لا اثباتا ولا نفيا والقاطع يرى الواقع ويرى المنع عن العمل بقطعه مناقضا مع الواقع.

وأما القطع الموضوعى فيمكن أن يجعل له حدود وقيود من قبل المولى والجاعل وبعبارة اخرى القطع الموضوعي أمره بيد الجاعل فله أن يجعل موضوع حكمه في أطار خاص ودائرة مخصوصة وهذا لا اشكال فيه.

٣٧

فصل :

وقع الكلام في انه هل يمكن النهي عن العمل بالقطع الحاصل عن غير الكتاب والسنة والكلام يقع تارة في الصغرى وانه هل يحصل القطع بالحكم الشرعي من المقدمات العقلية ام لا ، واخرى في أنه على تقدير حصول القطع من غير الكتاب والسنة هل يمكن المنع عن العمل به ام لا فالكلام يقع في مقامين :

اما المقام الاول : فنقول حصول العلم من المقدمات العقلية يتصور على ثلاثة أقسام : القسم الاول : ان العقل يدرك مصلحة في فعل أو يدرك مفسدة في فعل فيقطع بوجوب ذلك الفعل أو بحرمة الفعل الآخر من باب تبعية الاحكام للمصالح والمفاسد ولا يخفى ان التقريب المذكور فاسد اذ لا يمكن للعقل الاحاطة على جميع الجهات ولعلّ المصلحة المدركة مزاحمة بملاك آخر يكون مانعا عن ترتب الحكم عليها وكذلك في المفسدة المدركة ومع الاحتمال المذكور لا مجال لاستكشاف الحكم الشرعي.

القسم الثاني : أن يدرك العقل حسن شيء أو يدرك قبح شيء فيكشف الحكم الشرعي من باب الملازمة بين العقل والشرع وان الملازمة بين الحكمين تقتضي العلم بالحكم الشرعي فنقول لا اشكال في ادراك العقل حسن بعض الاشياء وقبح بعض الاشياء الأخر وإلّا يلزم كون بعث الانبياء والرسل لغوا ، فان العقل حاكم بقبح اجراء المعجزة على يد الكاذب المدعي للنبوة وكذلك يحكم بقبح عقاب المطيع وهكذا فلا اشكال في التحسين والتقبيح عقلا لكن هذا المقدار لا يكفي لاثبات المدعى اذ مجرد حكم العقل بقبح فعل لا يمكن أن يستكشف منه انه حرام شرعا وكذلك ادراك العقل حسن فعل لا يقتضي وجوبه شرعا اذ العقل لا يحيط بجميع الجهات الواقعية فربما يدرك

٣٨

حسن فعل والحال ان فيه المفسدة وكذلك ربما يدرك قبح فعل والحال انه ذو ملاك حسن ولذا لا ريب في جواز النهي الشرعي عن فعل حسن في نظر العقل وكذلك لا مانع من تعلق الامر بما يكون قبيحا في نظره والحل الوحيد في المقام ان ادراك العقل حسن فعل او قبحه مربوط بالاجتماع وفي هذه الدائرة ولذا ورد في الخبر ان دين الله لا يصاب بالعقول والسنة اذا قيست محق الدين.

ومما يدل على ان الحكم الشرعى لا يمكن دركه بالعقل انا نرى اختلاف الآراء في عقلاء العالم وكل حزب بما لديهم فرحون.

وصفوة القول : انه لا طريق الى اثبات الملازمة بين العقل والشرع ومما يدل على صدق مقالتنا ان ابراهيم امر بذبح ولده اسماعيل ولا اشكال في أن ذبح مثل اسماعيل بنظر العقل امر قبيح في حد نفسه واذا كانت الملازمة المدعاة تامة لكان اللازم ان لا يقوم ابراهيم بهذه المهمة ولهذه القضية نظائر دل عليها الكتاب والتاريخ.

منها : جواز الزواج المتعدد للرجل مضافا الى ملك اليمين وعدم جوازه للمرأة فان العقلاء يرون هذه التفرقة خلاف العدل ولكن لا اشكال فيه شرعا فان الشارع الأقدس عالم بتمام الجهات واختيار الكل بيده نعم حكم العقل بوجوب الاطاعة وحسنها وقبح العصيان أمر مسلم ومستلزم للحكم الشرعي ولكن هذا الحكم العقلي في سلسلة المعلول والشرع يرشد الى الحكم العقلي بقوله (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) ولا يعقل أن يكون الامر بالاطاعة مولويا وإلّا يلزم التسلسل.

القسم الثالث : حكم العقل بالملازمات كحكمه بأن وجوب شيء يستلزم وجوب مقدمته او ان الامر بالشيء يقتضي النهي عن الضد على القول به وهذا الحكم العقلي لا يرتبط بالشرع

٣٩

بل هذا الحكم موجود من العقل ولو لم يكن شرع في العالم فاذا حكم واوجب الشارع أمرا نقطع بوجوب مقدمته من باب حكم العقل لكن لا يرتبط بالمدعى في المقام ، فانقدح انه لا طريق الى كشف الحكم الشرعي عن طريق العقل ، هذا تمام الكلام في المقام الاول.

وأما المقام الثاني وهو كون القطع الحاصل من غير الكتاب والسنة حجة أم لا؟ فتارة يقع الكلام في امكان النهي عن العمل بالقطع الحاصل من غيرهما ، واخرى في تحقق النهي منه بعد امكان النهي عنه فيقع الكلام في موضعين :

أما الموضع الاول : فالحق انه لا يمكن المنع عن العمل بالقطع اذ حجية القطع ذاتية وغير قابلة لان يمنع عن العمل به فانه اذا حصل القطع بحكم شرعي من اي سبب من الاسباب يكون النهي عن العمل به مرجعه الى التناقض في نظر القاطع بلا اشكال وكلام.

وعن الميرزا النائيني انه ذهب الى جواز المنع عن العمل بالقطع على نحو يرجع الى النهي عن العمل بالمقطوع به وبعبارة اخرى ذهب الى امكان التصرف في المقطوع لا في القطع كى يقال حجية القطع ذاتية لا يمكن أن ينهى عن العمل به وما أفاده مبتن على مقدمات ثلاث ، المقدمة الاولى : انه لا يعقل أن يجعل القطع بحكم موضوعا لذلك الحكم كما سبق للزوم الدور المحال.

المقدمة الثانية : ان التقابل بين الاطلاق والتقييد تقابل العدم والملكة واذا استحال احد المتقابلين يستحيل الآخر اذ المفروض ان التقابل بالعدم والملكة فاذا استحال التقييد استحال الاطلاق.

المقدمة الثالثة : انه مع ذلك الاهمال في مقام الثبوت غير معقول وعليه لا بد من احد الامرين الإطلاق أو التقييد ، وبعبارة واضحة بالمقدمة الاولى ثبت ان التقييد محال وبالمقدمة الثانية ثبت ان

٤٠