آراؤنا في أصول الفقه - ج ٢

السيّد تقي الطباطبائي القمّي

آراؤنا في أصول الفقه - ج ٢

المؤلف:

السيّد تقي الطباطبائي القمّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات المحلّاتي ( المفيد )
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥١

بلغ به من الثمن ما شاء الله فأبى أن يبيع فقال : لك بها عذق يمدّ لك في الجنة فأبى أن يقبل فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله للانصاري : اذهب فاقلعها وارم بها اليه فانه لا ضرر ولا ضرار (١).

وهذه الرواية لها ثلاثة أسناد لا بأس بواحد منها وهو ما رواه الصدوق باسناده الى ابن بكير فان اسناده اليه تام على ما كتبه الحاجياني وأما السندان الآخران وهما سندا الكليني والشيخ فكلاهما مخدوشان بمحمد بن خالد فالنتيجة ان الحديث تام سندا وأما ادعاء كون الحديث متواترا فعهدته على مدعيه فانه ادعاه جملة من الاعيان منهم الشيخ الاعظم الانصاري في رسائله وفي رسالة قاعدة لا ضرر وصاحب الكفاية في كفايته والنراقي في عوائده وسيدنا الاستاد في مصباح الاصول فان التواتر لا يتحقق بهذا المقدار مع الفصل الزماني الطويل بهذا المقدار الكثير بالاضافة الى أن الشخص الواحد مشترك في جملة منها مضافا الى أن طائفة من النصوص المشار اليها مرسلات ومن الممكن انها تلك المسندات بعينها اضف الى جميع ذلك ان الصدوق بنفسه روى الحديث مرة مرسلا ومرة اخرى مسندا وهل يمكن الجزم بالتعدد ولكن مع ذلك كله يكفي للاستدلال ان كانت الدلالة تامة المعتبر منها ولا يخفى ان ما يكون سنده تاما لا يكون قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا ضرر ولا ضرار مذيلا بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الاسلام فلا تدل الرواية انها ناظرة الى الاحكام المجعولة في وعاء الشريعة هذه هي الجهة الاولى من الجهات.

الجهة الثانية : في تحقيق معنى الضرر والضرار فنقول اما الضرر فربما يقال ان تقابله مع النفع تقابل العدم والملكة وربما يقال تقابله مع النفع تقابل الايجاب والسلب ولا يبعد أن يقال ان الضرر تقابله

__________________

(١) الوسائل الباب ١٢ من أبواب أحياء الموات الحديث ٣.

٣٢١

مع النفع تقابل الضدين فان الانسان ربما يتضرر وربما ينتفع وثالثة لا هذا ولا ذاك مثلا التاجر قد يربح وقد يخسر واخرى لا هذا ولا ذاك وان شئت قلت : الضرر عبارة عن نقص في المال أو البدن أو الاعتبار وأما الضرار فقد ذكرت في معناه معان مختلفة منها انه مرادف للضرر في المعنى لكن يستفاد من موارد استعماله انه اشرب فيه قصد الاضرار والعناد والسعي في ايراد الضرر على الغير لاحظ قوله تعالى (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً)(١) وقوله تعالى (وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا)(٢) وقوله تعالى (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللهِ)(٣) وقوله تعالى (وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ)(٤).

ولاحظ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الحديث مخاطبا لسمرة انك رجل مضار لا يقال لفظ ضرار مصدر لباب المفاعلة فانه يقال كثيرا ما يستعمل في الفعل غير القائم بالطرفين ويظهر هذا بالمراجعة الى موارد الاستعمال.

الجهة الثالثة : في فقه الحديث وبيان المراد منه وقد اختلف الاقوال فيه.

القول الاول : ان المراد من الضرر عنوان الحكم اى الحكم الضرري منفي في الشريعة الاسلامية وبعبارة اخرى كما ان مفاد قاعدة لا حرج نفي الحكم الناشي منه الحرج كذلك يستفاد من نفي الضرر نفي الحكم الناشي منه الضرر فكل حكم شرعي مثبت أو ناف ينشأ منه

__________________

(١) التوبة / ١٠٧.

(٢) البقرة / ٢٣١.

(٣) النساء / ١٢.

(٤) الطلاق / ٧.

٣٢٢

الضرر يكون منفيا فالوضوء ان كان ضرريا لا يجب وايضا بيع المغبون ان كان ضرريا لا يكون لازما.

وربما يرد على القول المذكور ان النفي والرفع راجعان الى عالم التكوين ووعاء الامر التشريعي عالم الاعتبار ولا معنى للنفي عن عالم الاعتبار.

وفيه ان عالم الاعتبار له واقعية والذي لا واقعية له المعتبر بالفتح مضافا الى أنه لا اشكال في أنه يصح الوضع والرفع في عالم الاعتبار وايضا يصح النفي والاثبات فهذا الاشكال غير وارد ولكن يرد على القول المذكور اولا ان قياس المقام بباب لا حرج مع الفارق لاحظ قوله تعالى (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)(١) فانه نفي الحرج في وعاء الدين وأما حديث لا ضرر فلا يكون كذلك وثانيا ان الحكم ليس ضررا بل الحكم ضرري وسبب للضرر وارادة السبب من المسبب خلاف الظاهر لا يصار اليه.

ان قلت : صونا لكلام الحكيم عن اللغوية نحمله على خلاف الظاهر قلت : ليس الامر منحصرا فيه كى يلزم بهذا البيان كما يظهر عن قريب إن شاء الله تعالى القول الثاني : ان المراد من الجملة نفي الحكم بلسان نفي الموضوع نظير قوله عليه‌السلام لا ربابين الوالد والولد وان شئت قلت : لسان الحديث لسان الحكومة حكومة واقعية مثلا الوضوء واجب في الشريعة ما دام لا يكون موجبا للضرر وأما الوضوء الضرري فهو غير واجب والفرق بين هذا القول وسابقه ان الضرر لو كان ناشيا عن حكم العقل بالاحتياط لا يكون مرفوعا بمقتضى القول الثاني اذ المرفوع الموضوع الضرري والمفروض ان الضرر لا يكون مسببا

__________________

(١) الحج / ٧٨.

٣٢٣

عن الموضوع بل الضرر مسبّب عن الاحتياط وأما على القول الاول فلا فرق بين الموارد اذ المفروض ان كل ضرر يكون ناشيا عن الحكم الشرعي فهو مرفوع ولا اشكال في أن وجوب الاحتياط مسبّب عن الحكم الشرعي وبعبارة واضحة : على قول الشيخ ان كل حكم يكون منشئا للضرر مرفوع وأما على قول صاحب الكفاية ان كل ضرر خارجي فهو مرفوع فالضرر الناشي عن الاحتياط لا يكون مرفوعا هذا.

ولكن يمكن أن يقال بأنه لا يجب الاحتياط فيما يكون موجبا للضرر حتى على القول الثاني بتقريب ان الاحتياط اذا وصل الى حد موجب للضرر نقول هذا الفرد الذي يتحقق به الاحتياط الموجب للضرر اما لا يكون مصداقا للواجب واما يكون وعلى كلا التقديرين لا يجب أما على الاول فظاهر وأما على الثاني فهو سبب للضرر والمفروض ان الموضوع الضرري مرفوع في الشريعة فلا فرق بين القولين من هذه الجهة.

ويرد عليه اولا ان الضرر عبارة عن المسبب عن الفعل كالضرر المسبب عن الوضوء فلا بد من حمل الجملة على أنه اريد من لفظ الضرر والضرار الفعل الموجب له وبعبارة اخرى الضرر والضرار لا يكونان عنوانا للموضوع بل الموضوع معنون بعنوان الضرري وارادة الموضوع الضرري من لفظ الضرر والضرار بلا قرينة خلاف القاعدة وان شئت قلت : حمل اللفظ على خلاف ظاهره بلا قرينة لا يصار اليه بل مقتضى القاعدة حمل الجملة على رفع حكم الإضرار بالغير بأن نقول الاضرار والتعدي بالغير حرام فاذا كان الحديث متكفلا لنفي الحكم بلسان نفي الموضوع يكون معنى الحديث تحليل الإضرار بالغير وهو كما ترى وثانيا ان الضرر سبب للحكم المترتب عليه فكيف يمكن أن يكون موجبا لرفعه.

٣٢٤

وبعبارة اخرى : المقتضي للحكم هل يمكن أن يكون مانعا عنه ان قلت : الربا مقتضى للحرمة فكيف صار مانعا كما لو كان بين الوالد والولد والمقام كذلك قلت : الربا بين الوالد والولد لا يكون مقتضيا للحرمة بل يكون مقتضيا للحلية فلا وجه للقياس بين المقامين ولا جامع بينهما. ان قلت : فما تقول في فقرات حديث الرفع فان المراد من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله «رفع الخطاء» نفي الحكم بلسان نفي الموضوع فليكن المقام كذلك. قلت : اولا لا يكون المراد من الرفع في حديث الرفع التكويني من الرفع بل يكون المراد الرفع التشريعي وحيث انه لا يمكن أن يراد رفع الحكم العارض على الخطاء للزوم الخلف والتناقض فيكون المراد ان الحكم المترتب شرعا على الفعل يرتفع اذا كان الفعل معنونا بعنوان الخطاء اضف الى ذلك ان الامام عليه‌السلام بين المراد وطبق كلام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على رفع الاثر عن الفعل الصادر عن النسيان أو الخطاء او الاكراه لاحظ ما رواه احمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن عليه‌السلام في الرجل يستكره على اليمين فيحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك أيلزمه ذلك؟ فقال : لا ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وضع عن امتي ما اكرهوا عليه وما لم يطيقوا وما أخطئوا (١).

وثانيا ان نسبة الخطاء مثلا الى الفعل نسبة العلة الى المعلول فان الخطاء يوجب صدور الفعل الخطائي فيمكن أن يراد من لفظ الخطاء الفعل الخارجي الصادر عن الخطاء فيكون المراد من رفع الخطاء نفي الفعل أي لا يتحقق الفعل الخطائي ويكون المراد نفي اثره وأما في المقام فيكون الامر بالعكس أي يكون الفعل سببا للضرر

__________________

(١) الوسائل الباب ١٢ من ابواب الايمان الحديث ١٢.

٣٢٥

الخارجي واطلاق المعلول وارادة العلة كما في المقام خلاف المعهود على ما أفاده سيدنا الاستاد وعلى فرض صحته يكون محتاجا الى القرينة وهي مفقودة في المقام فلا يصار اليه.

وثالثا يمكن أن يكون المراد في الحديث الرفع ان الآثار المترتبة على الخطاء والنسيان مثلا في الامم السابقة مرفوعة في هذه الشريعة ببركة نبي الاسلام وبعبارة اخرى بقرينة قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله رفع عن امتي يفهم الاختصاص بالنسبة الى الامة المرحومة وببيان واضح : انه لو أمكن التحفظ عن الخطاء والنسيان لا يكون المؤاخذة خلاف العدل ولذا لعل الامم السابقة كانوا مؤاخذين بالخطاء والنسيان في الصورة المفروضة وأما بالنسبة الى الامة المرحومة فلا فلاحظ.

القول الثالث : أن يكون المراد من الضرر الذي لا يتدارك أى يراد من الجملة نفي الضرر غير المتدارك بتقريب ان الشارع الاقدس بعد ما حكم بوجوب تدارك الضرر فلا ضرر ولا ضرار اذ الضرر المتدارك لا يكون ضررا وبعبارة واضحة : ان الضرر الوارد على كل احد يجب تداركه ومع التدارك لا يكون الضرر متحققا فلا ضرر ولا ضرار.

ويرد عليه اولا : ان التقييد خلاف الاصل الاولي ولا يصار اليه بلا قرينة ولا قرينة في المقام وثانيا : ان التدارك لا يقتضي عدم تحقق الضرر إلّا بالمسامحة وبعبارة اخرى : نقص شيء من المال أو العرض او النفس يكون ضررا بلا اشكال فلا معنى لنفيه وثالثا : سلمنا كون التدارك يوجب عدم صدق الضرر لكن التدارك يحصل بالتدارك الخارجي التكويني لا بايجاب التدارك والامر به في وعاء الشريعة ورابعا : ان كل ضرر خارجي لا يجب تداركه بأمر الشارع فان التاجر الاول الذي يتجر في السوق ربما يتضرر بمجيء التاجر الثاني واشتغاله بالتجارة وهل يجب تدارك الضرر الذي توجه الى التاجر

٣٢٦

الاول؟ كلا وايضا كل من يتضرر تكوينا في الخارج بلا استناد الى احد كمن يحترق داره مثلا لا يجب شرعا تدارك ضرره وبعبارة اخرى : ما المراد من التدارك فان كان المراد من التدارك ، التدارك الاخروي اي الذى يتضرر في الدنيا يثاب في الآخرة فهذا اجنبي عن مفاد الحديث اذ الظاهر ان المولى في مقام بيان حكم من احكام الشريعة لا في مقام تسلية الناس بوعد الاجر في الآخرة وهذا ظاهر مضافا الى انه لا دليل على أن كل ضرر يتدارك في الآخرة فان جملة من الإضرار تنشأ من أعمال سيئة كقطع الرحم مثلا فانه اي دليل على تدارك الضرر المترتب عليه وامثاله وان كان المراد التدارك الدنيوي فمن الظاهر ان مجرد الحكم الشرعي لا يكون تداركا بل التدارك يحصل بالتدارك الخارجي.

وخامسا : ان كل ضرر لا يكون قابلا للتدارك فان من قتل أباه احد أو ابنه هل يمكن تداركه كلا ثم كلا وسادسا : لا يجوز التدارك في جميع الموارد فان من هتك عرض اخيه المؤمن هل يجوز تداركه وهل يمكن الالتزام بجوازه وهل يمكن القول بجواز المحارم الشرعية كالزنا ونحوه اذا كان تداركا للضرر كلا ثم كلا وسابعا : ان الحديث الشريف نسأل عن مفاده ونقول هل الحديث ناظر الى ادلة الضمانات والديات والقصاص أم ناظر الى حكم تأسيسي في مقابل بقية الاحكام أما على الاول فوجوده كعدمه وهل القائل بالقول الثالث يلتزم بهذا اللازم وأما على الثاني فنسأل ما هو المراد فتحصل ان هذا القول ايضا غير تام.

القول الرابع : ما أفاده شيخ الشريعة وهو أن يكون المراد بالجملة النهي عن الضرر والإضرار وبعبارة اخرى الجملة الخبرية استعملت في مقام الانشاء واريد من النفي النهي كما ان الامر كذلك

٣٢٧

في قوله تعالى (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ)(١).

وقال سيدنا الاستاد ـ على ما في التقرير ـ : ان حمل النفي على النهي وحمل الجملة الخبرية على الانشائية يتوقف على وجود قرينة ولا قرينة في المقام ولا يقاس ما نحن فيه بقوله تعالى في سورة البقرة حيث انه لا اشكال في تحقق الامور الثلاثة في الخارج وهي الرفث والفسوق والجدال فيكون المراد من النفي النهي.

اذا عرفت ما تقدم نقول لا اشكال في أن الظواهر حجة ولا بد من العمل بها ما لم يقم على خلافها دليل هذا من ناحية ومن ناحية اخرى لا اشكال في تحقق الضرر والضرار في الخارج فلا يمكن حمل الجملة اي قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله «لا ضرر ولا ضرار» على الاخبار للزوم الكذب مضافا الى أن شأن الشارع بيان الاحكام وتشريعها لا الاخبار عن الامور التكوينية الخارجية فيحمل كلامه على الانشاء وقد تقدم منا في بحث الانشاء والاخبار ان الجملة الخبرية وضعت بحسب تعهد الواضع لا فهام ان المتكلم في مقام ابراز الحكاية عن الخارج لكن الدواعي لهذا الابراز مختلفة كما ان صيغة الامر وضعت بحسب التعهد لابراز ان المتكلم في مقام بيان ابراز اعتبار اللابدية في ذمة المكلف لكن الدواعي مختلفة وعلى هذا الاساس لا تكون الجملة الخبرية مستعملة في غير معناها بل دائما تستعمل في معناها لكن الداعي للاخبار ربما يكون الحكاية عما في الخارج وربما يكون الداعي البعث كما في قوله عليه‌السلام يعيد ويتوضأ الى غيره من موارد استعمال الجملة الخبرية بداعي الانشاء والمقام كذلك بل يكون آكد في البعث والزجر فكأن المولى

__________________

(١) البقرة / ١٩٧.

٣٢٨

يرى ان المأمور به متحقق في الخارج وكأنه يرى صفحة الوجود خالية عن المنهي عنه فقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله «لا ضرر ولا ضرار» زجر عن ايراد الضرر بالغير وعن الضرار والإضرار.

ويؤكد المدعى ان الجملة الاسمية الخبرية قد اريد منها الانشاء في جملة من الموارد واليك عدة من تلك الموارد منها قوله تعالى (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ)(١) ومنها قوله تعالى (أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً)(٢) وقوله عليه‌السلام المسلمون عند شروطهم (٣).

وقوله عليه‌السلام : ان المشورة لا تكون الا بحدودها (٤).

وقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمسة يجتنبون على كل حال (٥) وقوله عليه‌السلام ستة لا يسلم عليهم (٦) وقوله عليه‌السلام ستة لا ينبغي ان يسلّم عليهم (٧). وقوله عليه‌السلام من اخلاق المؤمن الانفاق على قدر الاقتار والتوسع على قدر التوسع وانصاف الناس وابتداؤه اياهم بالسلام عليهم (٨). وقوله عليه‌السلام : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اولى الناس بالله وبرسوله من بدأ بالسلام (٩). وقوله عليه‌السلام ردّ جواب الكتاب واجب كوجوب ردّ السلام والبادى بالسلام اولى بالله وبرسوله (١٠) وقوله عليه‌السلام : البخيل من بخل

__________________

(١) البقرة / ١٩٧.

(٢) طه / ٩٧.

(٣) الوسائل الباب ٦ من أبواب الخيار الحديث ١ و ٢.

(٤) الوسائل الباب ٢٢ من أبواب احكام العشرة الحديث ٨.

(٥) عين المصدر الباب ٢٨ ، الحديث ٤.

(٦) عين المصدر الباب ٢٨ ، الحديث ٥.

(٧) الوسائل الباب ٢٨ من ابواب العشرة الحديث ٦.

(٨) عين المصدر الباب ٣٢ الحديث ٢.

(٩) عين المصدر الحديث ٣.

(١٠) عين المصدر الباب ٣٣ الحديث ١.

٣٢٩

بالسلام (١) وقوله عليه‌السلام تطوع والرد فريضة (٢) وقوله عليه‌السلام ان الله عزوجل يحبّ افشاء السلام (٣) وقوله عليه‌السلام من التواضع ان تسلّم على من لقيت (٤) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله يا علي ثلاث كفارات : افشاء السلام واطعام الطعام والصلاة بالليل والناس نيام (٥) وقوله عليه‌السلام البخيل من بخل بالسلام (٦) وقوله عليه‌السلام : ثلاث درجات افشاء السلام واطعام الطعام والصلاة بالليل والناس نيام (٧) وقوله عليه‌السلام : من التواضع ان تسلم على من لقيت (٨) وقوله عليه‌السلام : ان أعجز الناس من عجز عن الدعاء وان ابخل الناس من بخل بالسلام (٩) وقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خمس لا ادعهنّ حتى الممات (١٠).

وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : خمس لست بتاركهنّ حتى الممات (١١) وقوله عليه‌السلام : ثلاثة لا يسلمون (١٢). وقوله عليه‌السلام : ليس من الانصاف مطالبة الاخوان بالانصاف (١٣) وقوله عليه‌السلام في كتابه الى المأمون : الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله واجبة في كل موطن وعند العطاس والذبائح وغير ذلك (١٤).

__________________

(١) عين المصدر الحديث ٢.

(٢) عين المصدر الحديث ٣.

(٣) الوسائل الباب ٣٤ من ابواب العشرة الحديث ١.

(٤ و ٥) عين المصدر الحديث ٤ و ٥.

(٦) عين المصدر الحديث ٦.

(٧ و ٨) عين المصدر الحديث ٨ و ٩.

(٩) عين المصدر الحديث ١٠.

(١٠ و ١١) عين المصدر الباب ٣٥ الحديث ١ و ٢.

(١٢) عين المصدر الباب ٤٢.

(١٣) الوسائل الباب ٥٦ من ابواب العشرة الحديث ٣.

(١٤) عين المصدر الباب ٦٤ الحديث ٢.

٣٣٠

فكما ترى ان الموارد المذكورة المشار اليها وغيرها استعملت الجملة الخبرية الاسمية في مقام الانشاء فلا يكون الحمل المذكور في المقام امرا بعيدا ومستنكرا وغير متعارف ويؤيد المدعى ويؤكده انه جملة من مهرة الفن فهموا النهي عن الجملة المذكورة الدالة على عدم الضرر ففي النهاية الاثيرية لا ضرر اى لا يضر الرجل اخاه فينقصه شيئا من حقه والضرار فعال من الإضرار أي لا يجازيه على اضراره بادخال الضرر عليه وعن لسان العرب لا ضرر اي لا يضر الرجل لا ضرار اي لا يضار كل منهما صاحبه وعن الدر المنثور للسيوطي لا ضرر اي لا يضر الرجل اخاه وعن تاج العروس قريب منه وقال الطريحي في مجمع البحرين بعد ما نقل حديث لا ضرر ولا ضرار في الاسلام أي لا يضر الرجل اخاه فينقصه شيئا من حقه والضرار فعال من الضرر أي لا يجازيه على اضراره بادخال الضرر عليه الخ.

فالنتيجة ان المستفاد من الحديث حرمة الإضرار والضرر بالغير على نحو العموم والتخصيص يحتاج الى الدليل ويؤيد المدعى ويؤكده جملة من النصوص الواردة في الموارد الخاصة الدالة على حرمة الإضرار في تلك الموارد نعم لا يستفاد من الحديث حرمة الإضرار بالنفس فان الظاهر بحكم العرف النهي عن الإضرار بالغير والشاهد لما نقول تفسير مهرة الفن فانهم كما ترى نصّوا على ان المراد منه حرمة الإضرار بالغير فالنتيجة ان الحديث الشريف لا يكون شارحا وناظرا الى ادلة الاحكام كما اشتهر بين القوم وليس مفاده نفي الاحكام الضررية في الشريعة بل مفاده حرمة الإضرار بالغير والنهي عنه والظاهر ان الدليل الدال على حرمة الإضرار بالنحو الشامل لكل مورد منحصر في الحديث الشريف.

ويتضح المدعى ان الحديث الشريف متضمن لقوله صلى الله عليه

٣٣١

وآله ولا ضرار فعلى ما نقول الامر ظاهر وهو ان المراد من الحديث النهي عن الضرر وعن الضرار وأما على مسلك القوم نسأل ما المراد من نفي الضرار وبعبارة واضحة : نسلم مقالة المشهور ونقول قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا ضرر ناظر الى نفي الوجوب عن الوضوء الضرري ولكن ما المراد من قوله لا ضرار فان اي حكم من الاحكام الشرعية يكون مصداقا للضرار كى يرتفع وفي أي مورد الشارع الاقدس يتعدى بالنسبة الى عباده كى يكون مرتفعا وهذا ايضا اكبر شاهد على أن الصحيح ما ذهب اليه شيخ الشريعة.

وقال سيدنا الاستاد في هذا المقام ان المراد من الجملة الاولى النفي أي نفي الاحكام الضررية ونفي الاحكام الضررية على نحو الحقيقة والجملة الثانية ايضا نفي لكن النتيجة النهي هذا ما أفاده في المقام وهل يمكن مساعدته فانه خلاف الظاهر وبعبارة اخرى :وحدة السياق تقتضي عدم التفكيك بين الفقرتين وما أفاده تفكيك اذ الجملة الاولى اخبارية والجملة الثانية انشائية والحق ما ذكرنا من أن المستفاد من الحديث حرمة الضرر بالغير على نحو الاطلاق نعم وردت جملة من الادلة في مقام حرمة الإضرار ولكن ليس مدلول تلك الادلة عاما شاملا لكل مورد واليك جملة منها.

ومنها قوله تعالى (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا)(١).

ومنها قوله تعالى (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ)(٢).

__________________

(١) البقرة / ٢٣١.

(٢) البقرة / ٢٣٣.

٣٣٢

ومنها قوله تعالى (وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ)(١) ومنها قوله تعالى (غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللهِ)(٢).

ومنها قوله تعالى (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ)(٣) ومنها جملة من النصوص منها ما عن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن قول الله عزوجل (لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ) فقال كانت المراضع ممّا تدفع احداهن الرجل اذا أراد الجماع تقول : لا أدعك انّي أخاف ان احبل فاقتل ولدي هذا الذى ارضعه وكان الرجل تدعوه المرأة فيقول : اني اخاف ان أجامعك فاقتل ولدي فيدفعها فلا يجامعها فنهى الله عزوجل عن ذلك أن يضارّ الرجل المرأة والمرأة الرجل (٤).

ومنها ما عن محمد بن الحسن [الحسين] قال : كتبت الى أبي محمد عليه‌السلام رجل كانت له قناة في قرية فأراد رجل أن يحفر قناة اخرى الى قرية له كم يكون بينهما في البعد حتى لا تضر احداهما بالاخرى في الارض اذا كانت صلبة أو رخوة فوقّع عليه‌السلام : على حسب أن لا تضرّ احداهما بالاخرى ان شاء الله (٥).

ومنها ما عن محمد بن الحسين قال كتبت الى أبي محمد عليه‌السلام رجل كانت له رحى على نهر قرية والقرية لرجل فأراد صاحب القرية أن يسوق الى قريته الماء في غير هذا النهر ويعطل هذه الرّحى أله ذلك أم لا فوقع عليه‌السلام يتقى الله ويعمل في ذلك بالمعروف

__________________

(١) البقرة / ٢٨٢.

(٢) النساء / ١٢.

(٣) الطلاق / ٦.

(٤) الوسائل الباب ٧٢ من ابواب احكام الاولاد الحديث ١.

(٥) الوسائل الباب ١٤ من ابواب احياء الموات.

٣٣٣

ولا يضرّ أخاه المؤمن (١).

ومنها ما عن عقبة بن خالد عن ابي عبد الله عليه‌السلام في رجل أتى جبلا فشق فيه قناة فذهبت الاخرى بماء قناة الاول قال : فقال : يتقاسمان «يتقايسان» بحقائب البئر ليلة ليلة فينظر ايتهما اضرّت بصاحبتها فان رأيت الاخيرة أضرّت بالاولى فلتعوّر (٢).

ومنها ما عن الصدوق باسناده عن عقبة بن خالد نحوه وزاد : وقضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك وقال ان كانت الاولى اخذت ماء الاخيرة لم يكن لصاحب الاخيرة على الاول سبيل (٣).

ومنها ما عن طلحة بن زيد عن ابي عبد الله عليه‌السلام قال ان الجار كالنفس غير مضارّ ولا اثم (٤).

ومنها ما عن الفضل بن الحسن الطبرسي في مجمع البيان قال : جاء في الحديث ان الضرار في الوصية من الكبائر (٥).

ومنها ما عن هارون بن حمزة الغنوي عن ابي عبد الله عليه‌السلام في رجل شهد بعيرا مريضا وهو يباع فاشتراه رجل بعشرة دراهم وأشرك فيه رجلا بدرهمين بالرأس والجلد فقضى ان البعير بريء فبلغ ثمنه «ثمانية» دنانير قال : فقال : لصاحب الدرهمين خمس ما بلغ فان قال أريد الرأس والجلد فليس له ذلك هذا الضرار وقد أعطى حقه اذا أعطى الخمس (٦).

والمتحصل مما تقدم ان الاضرار بالغير حرام ثم ان القوم

__________________

(١) عين المصدر الباب ١٥ الحديث ١.

(٢) عين المصدر الباب ١٦ الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ١٦ من ابواب احياء الموات الحديث ٢.

(٤) عين المصدر الباب ١٢ الحديث ٢.

(٥) عين المصدر الباب ٨ من أبواب الوصية الحديث ٤.

(٦) عين المصدر الباب ٢٢ من ابواب بيع الحيوان الحديث ١.

٣٣٤

تعرضوا لامور مترتبة على مسلكهم ونحن وان لم نقل بمقالتهم وتبعنا ما سلكه شيخ الشريعة لكن تبعا لهم نتعرض لتلك الامور لعدم خلوها عن الفائدة فنقول الامر الاول ان حديث لا ضرر هل يشمل الاحكام الترخيصية ام يختص بالاحكام الالزامية ربما يقال كما في كلام سيدنا الاستاد انه لا يشمل الحكم الترخيصي اذ المستفاد من الحديث ان الشارع الاقدس لا يوجب الاضرار وفي مورد الترخيص لا يكون الشارع موجبا لوقوع المكلف في الضرر وللنقاش في هذه المقالة مجال فانه لو رخص الوالد ولده أن يصعد الى السطح ويلعب فصعد الولد والقى من الشاهق وتلف يصدق في العرف ان الترخيص صار سببا للهلاكة ويا ليته لم يرخّصه وهذا العرف ببابك اضف الى ذلك ان انطباق القاعدة على موردها يتوقف على شمولها للحكم الترخيصي فان دخول سمرة في البستان لم يكن واجبا بل كان جائزا لكن حيث انه كان ضرريا ارتفع الجواز وتبدل بالمنع.

ان قلت : قاعدة لا ضرر قاعدة امتنائية وتبدل الجواز بالمنع خلاف الامتنان قلت اولا لا دليل على المدعى فانه اي دليل دل على كونها امتنانية وثانيا منع سمرة الظالم امتنان بالنسبة الى الانصاري ولا يلزم أن يكون انطباق القاعدة في مورد امتنانيا بالنسبة الى جميع الاطراف ويؤيد المدعى كلام الشيخ الاعظم في رسائله حيث قال في جملة كلام له «فلزوم البيع مع الغبن حكم يلزم منه ضرر على المغبون فينتفي بالخبر الى أن يقال وكذلك سلطنة المالك على الدخول الى عذقه واباحته له من دون استيذان من الانصاري (١).

الامر الثاني : ان الضرر الموضوع للحكم كبقية الموضوعات

__________________

(١) فرائد الاصول طبع رحمة الله ص ٣١٤.

٣٣٥

الضرر الشخصي ففي كل مورد يتحقق الضرر يترتب عليه حكمه واذا لم يتحقق لا يترتب الحكم ولذا يمكن ان شخصا واحدا في يوم السبت يكون الوضوء بالنسبة اليه ضرريا ويرتفع وجوبه بالقاعدة وفي يوم الاحد لا يكون كذلك فلاحظ.

الامر الثالث : انه ربما يقال كما عن الشيخ الانصاري قدس‌سره ان حديث لا ضرر قد خصص بتخصيصات كثيرة بحيث يدخل المقام في باب تخصيص الاكثر المستهجن فان باب الضمانات والديات والقصاص والخمس والزكاة والحج والجهاد والحدود والتعزيرات ضرري وثابت في الشريعة فلا بد من حمل الحديث على ما لا يترتب عليه المحذور المذكور فيكون الحديث مجملا.

وقال سيدنا الاستاد قدس‌سره ان حديث لا ضرر لا يكون ناظرا الى موارد الاحكام الضررية التي ذكرت بل ناظر الى ادلة الاحكام التي باطلاقها أو عمومها شاملة لموارد الضرر فلم يخصص.

وما افاده يعد من غرائب الكلام فانه دعوى بلا دليل اذ مقتضى الصناعة والظهور العرفي الذي يكون مرجعا في فهم المرادات ان الحديث ناظر الى جميع الاحكام الضررية الواردة في الشريعة ولذا يكون المشهور بين القوم ان القاعدة قد خصصت بالموارد المذكورة التي يكون الضرر متحققا في مواردها وصفوة القول : ان ما أفاده سيدنا الاستاد لا يرجع الى محصل صحيح بل صرف ادعاء.

والحق ان يقال ان دعوى التخصيص الاكثر المستهجن ايضا دعوى باطلة فان جميع الاحكام الشرعية من واجبها وحرامها مستحبها ومكروهها ومباحها مرفوعة عند الضرر الا ما ثبت في مورد الضرر فان الصوم الضرري غير مجعول وجملة من اعمال الحج

٣٣٦

اذا كانت ضررية مرفوعة وتصل النوبة الى النيابة وكذلك في باب الصلاة مع انها أهم الواجبات وتصل النوبة فيها عند الضرر الى الابدال الاضطرارية وهكذا الوضوء والغسل وايضا جميع المحرمات الالهية ترفع حرمتها عند الضرر وهكذا وهكذا فاين يلزم التخصيص الاكثر.

الامر الرابع : ان النسبة بين دليل لا ضرر وبقية الاحكام عموم من وجه مثلا قاعدة لا ضرر تنفي الوضوء الضرري والصوم الضرري الى بقية الاحكام الضررية ودليل وجوب الوضوء يشمل الوضوء غير الضرري والوضوء الضرري فلكل من الدليلين مادة الافتراق ومادة الاجتماع الوضوء الضرري فيقع التعارض بين القاعدة ودليل وجوب الوضوء فما الوجه في تقديم لا ضرر ولم لا يكون الامر بالعكس.

أقول الظهورات العرفية حجة وقاعدة لا ضرر في نظر العرف تكون ناظرة الى ادلة الاحكام ومفسرة لها ومن الظاهر ان دليل المحكوم لا يعارض دليل الحاكم وبعبارة واضحة : لا يرى العرف تنافيا بين الدليلين مضافا الى أنه لا بد من تقديم دليل لا ضرر على ادلة الاحكام اذ لو قدم دليل لا ضرر على دليل وجوب الوضوء مثلا يبقى لدليل الوضوء المورد وهو الوضوء غير الضرري وأما اذا قدم دليل الوضوء يخرج الوضوء الضرري عن تحت القاعدة وكذلك الغسل الضرري وكذلك بقية الموضوعات والمتعلقات الضررية فيصبح دليل القاعدة لغوا بلا مورد وهذا بنفسه من المرجحات في باب التعارض ولذا يقدم دليل طهارة بول الطائر على دليل نجاسة بول ما يحرم اكله ونلتزم بطهارة بول كل طاير ولو كان محرم الاكل كالغراب مع كون النسبة عموما من وجه والوجه فيه ما ذكرنا فانه لو قدم دليل طهارة بول الطائر يبقى للدليل الآخر موارد كثيرة كبول السباع مثلا وأما لو عكس فلا يبقى

٣٣٧

لدليل طهارة بول الطائر مورد أصلا اذ الطائر الذي يكون محلل الأكل يكون بوله طاهرا بلحاظ حلية اكله وأما خصوصية الطيران فتلغو فلاحظ.

الامر الخامس : في تعارض ضررين ومسائله ثلاثة المسألة الاولى : ما لو دار أمر المكلف بين ضررين بحيث يلزم الوقوع في احدهما وصورها ثلاثة الصورة الاولى : ما لو دار الامر بين الوقوع في احد الضررين مباحين ولا اشكال في التخيير في هذه الصورة نعم يمكن أن يقال انه لو كان احدهما اكثر أو اشد يلزم اختيار الاقل اذ قد تقدم ان القاعدة كما انها ترفع الاحكام الضررية كذلك ترفع الاحكام الترخيصية الضررية فلا بد من اختيار الاقل فلاحظ. وبعبارة اخرى : على القول بشمول القاعدة للاحكام الترخيصية لا يتصور ضرر مباح بل كل حكم ضرري يرتفع فلا بد من اختيار ما يكون اقل محذورا.

الصورة الثانية : ما لو دار الامر بين الضرر المباح والضرر الحرام كما لو دار الامر بين تلف النفس وتلف المال ولا اشكال في لزوم اختيار تلف المال والاجتناب عن تلف النفس والوجه فيه ظاهر ومما ذكر في الصورة الاولى ظهر انه لا يتصور مورد يكون الضرر مباحا بل الامر يدور بين الضررين المحرمين فلا بد من ملاحظة ما يكون اقل كالصورة الاولى.

الصورة الثالثة ما لو دار الامر بين ضررين محرمين ويقع المقام في باب التزاحم ولا بد من اعمال قانونه.

المسألة الثانية : ما لو دار الضرر بين شخصين ومثل له بما لو دخل رأس دابة شخص في قدر غيره والتخلص يتوقف على احد الامرين هما قطع رأس الدابة وكسر القدر وصوره ثلاثة الصورة

٣٣٨

الاولى : أن يستند الامر الى احد المالكين وفي هذه الصورة يجب على المرتكب أن يورد الضرر بنفسه ويخلص مال الغير ويرده اليه لانه ضامن.

الصورة الثانية : أن يكون بفعل ثالث وفي هذه الصورة يتخير الثالث في اتلاف ايهما شاء فانه ضامن لكلا المالكين ولا يمكن ايصال المملوكين الى مالكيهما على الفرض فيكون مخيرا إلّا أن يكون احدهما اكثر ويدخل في باب الاسراف فلا بد من اختيار الاقل.

الصورة الثالثة : ما لو كان السبب من الاسباب التكوينية وفي هذه الصورة اذا تصالح المالكان بنحو بينهما فهو فان الاختيار مفوض اليهما وإلّا يرجع الامر الى الحاكم الشرعي فان الامور الحسبية راجعة اليه وهو يختار اقل ضررا ويوزّع الخسارة عليهما من باب العدل والانصاف ويؤيد المدعى ما رواه السكوني عن الصادق عن ابيه عليهما‌السلام في رجل استودع رجلا دينارين فاستودعه آخر دينارا فضاع دينار منها قال : يعطى صاحب الدينارين دينارا ويقسم الآخر بينهما نصفين (١) والحديث ضعيف سندا ولكن يكون مؤيدا للمدعى.

المسألة الثالثة : ما اذا دار الامر بين تضرر شخص والإضرار بالغير وللمسألة صور الصورة الاولى : أن يتصرف شخص في ملكه وغرضه من التصرف في ملكه الإضرار بجاره كما لو حفر بئرا في داره ليتضرر جاره به ولا اثر للحافر وفي هذه الصورة لا اشكال في حرمة الحفر المذكور فان الإضرار بالغير حرام بلا اشكال ولا كلام.

الصورة الثانية : أن لا يكون غرضه من الحفر الإضرار بالغير

__________________

(١) الوسائل الباب ١٢ من ابواب الصلح.

٣٣٩

لكن الجار يتضرر بالحفر المذكور ولا اثر للحافر وهذه الصورة كالصورة الاولى في حرمة الحفر والإضرار.

الصورة الثالثة : أن يكون في ترك الحفر فقدان منفعة للحافر أو يكون موجبا للضرر عليه ففي مفروض الكلام يكون جواز التصرف ضرريا بالنسبة الى الجار كما ان حرمته ضررية بالنسبة الى الحافر فلا مجال للاخذ بحديث لا ضرر لا يقال اذا لم يتضرر الحافر من عدم الحفر بل مجرد عدم نفع بالنسبة اليه كيف يؤخذ بدليل لا ضرر فانه يقال ان حرمة الحفر ضررية بمعنى انه يحرم عن التصرف في سلطانه ولكن الانصاف انه يشكل شمول دليل لا ضرر مثله اذ المفروض عدم الضرر واما مجرد محروميته عن التصرف في سلطانه فهي قدر مشترك بين هذه الصورة والصورة الثانية فالاولى ان يقال لا يجوز له الحفر في هذه الصورة إلّا أن يكون عدم الحفر له حرجيا فيقع التعارض بين قاعدتي الحرج والضرر فتصل النوبة الى الاصل العملي ومقتضاه الجواز.

ولما انجر الكلام الى هنا اقول : وفي المقام شبهة سارية في جملة من الموارد وهي : انه لو وقع التعارض بين الآية والرواية بالعموم من وجه يكون مقتضى القاعدة رفع اليد عن الرواية والاخذ بالآية وذلك لدلالة جملة من النصوص ان ما خالف القرآن باطل وزخرف ولم نقله لاحظ حديثي جميل وهشام. الوسائل الباب : ٩ من أبواب صفات القاضي الحديث : ٣٥ و ١٥ وغيرهما من الروايات الواردة في الباب المشار اليه فان مقتضاها عدم اعتبار الخبر المخالف مع القرآن هذا من ناحية ومن ناحية اخرى التباين الجزئي يعد من المخالف اذ لا يمكن الجمع بين المتعارضين فاما لا بد من ترجيح احد الطرفين أو رفع اليد عن كلا الدليلين ومقتضى الروايات الواردة

٣٤٠