آراؤنا في أصول الفقه - ج ٢

السيّد تقي الطباطبائي القمّي

آراؤنا في أصول الفقه - ج ٢

المؤلف:

السيّد تقي الطباطبائي القمّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات المحلّاتي ( المفيد )
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥١

إلّا ان يقال ان هذا المدعى انما يتم على تقدير القول بالوجوب الضمني في المركب فانه عليه كل جزء وجد في الخارج يسقط أمره وبعد سقوط الامر لا مجال للاتيان بالفرد الثاني ولا موضوع للامتثال وأما على القول بأن الامر الضمني لا معنى له والوجوب منحصر في الاستقلالي فيمكن أن يقال انه لا فرق بين الافراد العرضية والطولية أي كما انه يمكن الامتثال بالاتيان بالافراد العرضية دفعة كذلك يمكن الامتثال بالاتيان بالافراد الطولية تدريجا.

لكن الانصاف تحقق الزيادة بالفرد الثاني اذ المفروض ان المركب يتم بالفرد الاول فيكون الفرد الثاني زائدا وثالثا ان الاحكام الشرعية لا تبتني على الدقة العقلية كى يقال : انه مع اعتبار بشرط لا لا يصدق الزيادة بل يصدق النقصان فان الاحكام الشرعية تبتني على المفاهيم العرفية وفي نظر العرف يصدق عنوان الزيادة على الفرد الثاني في صورة اعتبار الجزء بشرط لا هذا تمام الكلام في الامر الاول.

وأما الامر الثاني فنقول لا بد من التفصيل بين الموارد بأن نقول تارة يحكم الشارع بكون الشيء الفلاني زيادة في الصلاة مثلا كما أنه يستفاد من جملة من النصوص ان السجدة زيادة في المكتوبة فبالتعبد الشرعي نلتزم بكون السجود على الاطلاق زيادة في الصلاة والاتيان به يوجب بطلانها وان لم يؤت به بقصد الجزئية واخرى لا تعبد من قبل الشارع وفي هذه الصورة لا بد من قصد الجزئية في تحقق كون المأتي به جزءا للمركب وذلك لوجهين الاول : ان المركب الاعتباري اجزائه متباينة ولا يرتبط كل واحد منها بالآخر فلا بد من تحقق عنوان الزيادة من قصد الجزئية وإلّا فلا وجه لصدق عنوان

٢٨١

الزيادة اذ لا تركيب كى يصدق على الزائد عليها عنوان الزيادة.

ولكن الانصاف ان الاذعان بهذا المدعى والجزم به مشكل فان المركب الاعتباري المتركب من عشرة أجزاء مثلا لو زيد فيه شيء يصح أن يقال زيد على المركب شيء آخر فلو أمر المولى عبده بالاتيان بمائدة مركبة من عدة أجزاء هي اللحم والعدس والبصل فجعل العبد فيه شيئا رابعا كالملح مثلا يصدق ان العبد زاد على ما امر به وهذا العرف ببابك اللهم إلّا أن يقال : ان ما مثل به في مورد النقض لا يكون مركبا اعتباريا بل يكون مركبا حقيقيا.

وبعبارة اخرى : لا يكون المراد من المركب الحقيقي التركيب من الجنس والفصل بل المراد من المركب الحقيقي ما يحصل من التركيب موجود واحد ولو في نظر العرف كمعجون سقمونيا وأما مثل الصلاة والحج فيكون التركيب فيهما اعتباريا محضا اذ لا تركب بين الاجزاء فلا تصدق الزيادة إلّا بالقصد. إلّا أن يقال لو أمر بمجموع اجزاء في الخارج بحيث لا يكون تركيب فيها كما لو أمر المولى عبده بجمع عدة أشياء في الغرفة الفلانية على الترتيب الخاص كأن توضع الفاكهة في المكان الفلاني والخبز في مكان كذائى وهكذا والعبد زاد على تلك الاجزاء شيئا آخر يصدق انه زاد في المأمور به والعرف ببابك.

الثاني : وهو العمدة انه لا اشكال في عدم بطلان المركب وعدم تعلق أحكام الزيادة الا فيما يؤتى بالزائد بقصد الجزئية وإلّا يلزم بطلان صلاة كل فرد من أفراد المكلفين اذ ما من مكلف يصلي الا ويصدر منه أفعال كثيرة خارجة عن الصلاة كحك الجسد ووضع احد الاصابع على الآخر وهكذا وصفوة القول : ان الضرورة تنادي

٢٨٢

بعدم البطلان الا مع قصد الجزئية.

اذا عرفت ما تقدم نقول : يقع الكلام في حكم الزيادة تارة من حيث القاعدة الاولية واخرى من حيث النصوص الخاصة فيقع الكلام في موضعين : أما الموضع الاول فنقول لو شك في بطلان العمل بالزيادة وعدم بطلانه اي في اشتراط المركب بعدمها فمقتضى القاعدة عدم البطلان أما مع وجود الاطلاق في مقام الاثبات فظاهر وأما مع عدمه فمقتضى البراءة عدم البطلان هذا فيما لا يكون الواجب تعبديا وأما في التعبدي فان قصد الاتيان بداعي الامر الذى أمر بالمركب من تلك الزيادة يكون العمل باطلا للتشريع المحرم ولا يمكن أن يقع الحرام مصداقا للواجب وأما ان لم يكن كذلك بل الاتيان بالزائد كان من باب الخطاء في التطبيق لم يكن وجه للفساد لعدم التشريع فرضا وعدم تقيد المأمور به بعدم الزائد هذا هو الموضع الاول.

وأما الموضع الثاني فقد وردت روايات في المقام تدل على بطلان الصلاة والطواف بالزيادة ولا بد من ملاحظة تلك النصوص سندا ودلالة واستخراج الحكم منها والبحث من هذه الجهة بحث فقهي موكول الى كتابي الصلاة والحج وقد باحثنا من هذه الجهة ومن يريد الوقوف على ما قلناه فليراجع ما ذكرناه هناك.

التنبيه الثالث : انه اذا تعذر الاتيان ببعض أجزاء الواجب فهل يكون دليل دال على وجوب بقية الاجزاء وبعبارة اخرى : هل يكون دليل على تمامية قاعدة الميسور ام لا والذي يمكن أن يستدل به في المقام وجهان : الوجه الاول : الاستصحاب ولجريانه تقريبات : التقريب الاول : أن يقال قبل التعذر كانت بقية الاجزاء واجبة

٢٨٣

بالوجوب الضمني وبعد عروض التعذر نشك في بقاء الوجوب السابق في ضمن فرد آخر وهو الوجوب الاستقلالي ومقتضى الاستصحاب بقائه.

وفيه اولا ان البيان المذكور يتوقف على القول بالوجوب الضمني ولا نقول به وثانيا القول به متوقف على جريان الاستصحاب في القسم الثالث من الكلي اذ المفروض سقوط الوجوب الضمني واحتمال بقاء الوجوب في ضمن الاستقلالي ولا نقول به ايضا وثالثا يتوقف جريانه على الالتزام بجريان الاستصحاب في الحكم الكلي ولا نقول به ورابعا لا بد في جريانه بالنحو المذكور على كون المكلف قادرا في اول الوقت مثلا ثم عرض الاضطرار وعدم الامكان كى يتم اركان الاستصحاب وإلّا لا يتحقق يقين بالوجوب السابق كى يستصحب.

التقريب الثاني : أن يقال الوجوب الاستقلالي كان مورد اليقين بنحو كان تامة وبعد العجز يشك في بقائه فيحكم ببقائه بالاستصحاب. وفيه اولا ان جريانه بهذا النحو متوقف على تحقق الوجوب في الوقت وكون المكلف قادرا على الاتيان بالمركب وإلّا فلا يقين بالوجوب السابق وثانيا ان اثبات الوجوب بقاء على نحو مفاد كان ناقصة اي استصحاب الوجوب الاستقلالي لاثبات وجوب الميسور من موارد الاصل المثبت الذي لا نقول به وثالثا ان الوجوب من الامور المتعلقة بالغير ومن الاعراض القائمة بالموضوع فاستصحاب وجوب المركب التام غير ممكن للعلم بارتفاعه واستصحاب الوجوب المتعلق بالمركب الناقص مشكوك فيه من الاول غير معلوم واستصحاب الجامع بين الامرين مبني على جريان الاستصحاب في القسم الثالث من الكلي ولا نقول به ورابعا ان جريان الاستصحاب بالنحو المذكور مبني على جريانه في الحكم الكلي ولا نقول به.

٢٨٤

التقريب الثالث : أن يستصحب الوجوب الاستقلالي بشرط أن لا يكون الجزء المتعذر مقوما للمركب فانه لو كان مقوما لا يكون الموضوع باقيا فلا يجري الاستصحاب وأما ان لم يكن مقوما فيجري الاستصحاب لوحدة القضية.

وقال سيدنا الاستاد ان صدر من الشارع بيان في أن الجزء الفلاني مقوم لا يجري الاستصحاب مع تعذر ذلك وبعبارة اخرى : لا يكون الموضوع باقيا وأما مع عدم البيان فيكشف ان الشارع أحال الامر الى العرف فان لم يكن المتعذر من المقومات في نظر العرف يجري الاستصحاب.

وما أفاده من الغرائب اذ المفروض ان الوجوب كان متعلقا بالمجموع ومن ناحية اخرى المفروض عدم امكان الاتيان به فما تعلق به الوجوب سابقا كان موضوعا آخر والوجوب المتعلق به يسقط قطعا والوجوب المتعلق بالباقي غير معلوم ومقتضى الاستصحاب عدم تعلق الوجوب به هذا اولا وثانيا انه على فرض الالتزام به يختص بمورد كان الوجوب محرزا وأما مع عدم الاحراز كما لو كان التعذر من اول الوقت فلا مجال لجريان الاستصحاب وثالثا ان جريان الاستصحاب بالتقريب المذكور مبني على جريانه في الحكم الكلي ولا نقول به ورابعا ان جريان الاستصحاب بالتقريب المذكور يتوقف على جريانه في القسم الثالث من الكلي الذي لا نقول به فان الوجوب المتعلق بمجموع الاجزاء ارتفع قطعا وثبوت الوجوب في ضمن المركب الخالي عن بعض الاجزاء مورد الشك من اول الامر.

بقي شيء وهو انه افاد الميرزا النائيني على ما فى التقرير بأن جريان الاستصحاب لا يتوقف على تعلق الوجوب في اول الوقت ثم تعذر بعض الاجزاء بل الاستصحاب يجري حتى فيما يكون التعذر من

٢٨٥

أول الوقت بتقريب ان جريان الاستصحاب في الاحكام الكلية لا يتوقف على فعلية الموضوع في الخارج فلا يلزم فرض تحقق الحكم في الخارج وثبوت الوجوب في اول الوقت.

وأجاب عنه سيدنا الاستاد بأن جريان الاستصحاب وان لم يكن متوقفا على تحقق الموضوع في الخارج ولكن لا شبهة في توقفه على فرض الموضوع كما هو كذلك في جميع فتاوي المجتهد وإلّا كيف يمكن الاستصحاب مع توقفه على اليقين السابق مثلا لو شك في حرمة وطء المرأة بعد انقطاع دم حيضها لا بد في جريان استصحاب الحرمة من فرض كون المرأة حائضا اولا ثم طهرها ثانيا كى يجري استصحاب حرمة الوطء وقال في طي كلامه انه انما يتضح المراد ببيان أقسام الاستصحاب الجاري في الحكم الشرعي.

وقال القسم الاول : استصحاب عدم النسخ واستصحاب بقاء الحكم وعدم نسخه لا يتوقف على تحقق الموضوع الخارجي بل ربما يكون جعل الحكم موجبا لانتفاء الموضوع كحكم القصاص فان تشريع القصاص بنفسه يقتضي عدم تحقق موضوعه والشاهد عليه قوله تعالى وفي القصاص حياة الخ.

القسم الثاني : استصحاب الحكم الكلي اذا شك فيه لبعض العوارض كما لو شك في بقاء حرمة الوطء بعد انقطاع الدم حيث يحتمل بقائه وعدم بقائه لاحتمال موضوعية الدم بقاء كما انه كذلك حدوثا وفي هذا القسم ايضا لا يحتاج الى تحقق الموضوع الخارجي بل يكفي فرض وجود الموضوع والفرق بين القسم الاول والقسم الثاني ان الشك في القسم الثاني في سعة المجعول وضيقه ولذا نقول يتعارض استصحاب بقاء المجعول مع استصحاب عدم الجعل الزائد على المقدار

٢٨٦

المعلوم وأما في القسم الاول فلا يكون الشك في مقدار المجعول بل الشك في رفع الحكم الثابت.

القسم الثالث : أن يكون الشك في بقاء الحكم الجزئي الخارجي كما لو كان ماء نجسا ثم يشك في طهارته وهذا الاستصحاب الجاري في الشبهة الموضوعية لا يختص بالمجتهد بل المقلد ايضا يجريه ولا يمكن جريان القسم الثالث الا مع تحقق الموضوع والحكم خارجا وإلّا فلا مجال للاستصحاب.

وبعد هذه المقدمة نقول لا مجال لاستصحاب بقاء الوجوب الا مع ثبوت الوجوب في اول الوقت وأما مع التعذر من اول الوقت فلا موضوع للاستصحاب فلاحظ هذا تمام الكلام في الوجه الاول.

الوجه الثاني النصوص الوارد في المقام منها ما عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث قال صلى‌الله‌عليه‌وآله في ذيل الحديث فاذا امرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم واذا نهيتكم عن شيء فدعوه (١).

وتقريب الاستدلال بالرواية على المدعى ان قوله «منه» ظاهر في التبعيض فتدل الرواية انه لو وجب مركب على المكلف يجب عليه الاتيان منه بقدر الامكان وهذا هو المقصود.

ويرد عليه اولا ان الحديث ضعيف من حيث السند فان الراوي فيه مثل ابي هريرة الذي يكون أمره في الكذب أوضح من أن يخفى وعمل المشهور بالحديث على فرض تسليمه لا أثر له لما قلنا كرارا ان عمل المشهور بحديث ضعيف لا يجبر ضعفه كما ان اعراضهم عن الحديث الصحيح لا يوجب وهنه وثانيا ان الحديث روي بنحو آخر من

__________________

(١) دراسات للسيد على الشاهرودى قدس‌سره نقلا عن صحيح مسلم ج ١ ص ١٣ فرض الحج مرة فى العمر.

٢٨٧

سنن النسائي هكذا «فاذا امرتكم بالشيء فخذوا به ما استطعتم واذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه» (١) فيكون مفاده انه اذا وجب عليكم مركب يجب عليكم الاتيان به عند الاستطاعة والقدرة فلا يكون مرتبطا بالمقام وايضا نقل مع الاختلاف في كتب الخاصة على ما نقله السيد علي الشاهرودي قدس‌سره (٢) في التقرير ومع الاختلاف لا يتم الاستدلال.

وثالثا ان الاحتمالات الجارية في المراد من الحديث ثلاثة : الاحتمال الاول : ان يكون لفظ ما مصدرية ويكون لفظ من للتبعيض فيكون الحديث دليلا على المدعى في المقام ولكن لا يمكن الالتزام به اما اولا فلعدم تناسب هذا الجواب مع سؤال الراوي فانه سئل عن وجوب الحج في كل سنة فكيف يجاب بأن المركب اذا تعذر بعض أجزائه يجب الاتيان بالممكن منه فان هذا الجواب اجنبي عن السؤال وأما ثانيا فان الاجماع والتسالم قائم على أن المكلف لو لم يمكنه الاتيان بمجموع الحج لا يجب عليه الاتيان بالمقدار الممكن منه وايضا هل يمكن الالتزام بأن المكلف اذا لم يمكنه الصوم التام يجب عليه الاتيان منه بالمقدار الممكن.

الاحتمال الثاني : أن يكون المراد انه اذا امرتم بمركب فأتوا به من أفراده بقدر استطاعتكم ولا يمكن الالتزام به اذ الاجماع والتسالم قائمان على تحقق الاجزاء باول وجود من الطبيعة ولا يكون الواجب في الشريعة المقدسة الّا الاتيان بفرد منه.

مضافا الى أنه مناف مع التصريح بعدم الحج في كل سنة في نفس الحديث.

__________________

(١) ج ٢ ص ١ باب وجوب الحج بنقل دراسات.

(٢) دراسات ص ٣٠٠.

٢٨٨

الاحتمال الثالث : أن يكون المراد ان التكليف مشروط بالقدرة بأن نقول لفظ من زائد ولفظ ما مصدرية وعلى هذا الاحتمال لا مجال للاستدلال به على المدعى كما انه اجنبي عن السؤال الواقع في الخبر فان المستفاد من الخبر على هذا الاحتمال ان الواجب يشترط بكونه مقدورا ومن الظاهر انه لا يرتبط بالمدعى وايضا لا يكون جوابا للراوي حيث سئل عن وجوب الحج في سنة واحدة أو في كل سنة.

ومنها ما أرسله في الغوالي عن امير المؤمنين عليه‌السلام وهو قوله عليه‌السلام (ما لا يدرك كله لا يترك كله) (١) وتقريب الاستدلال بالحديث ان المستفاد منه انه لو وجب مركب من قبل الشارع ولم يمكن الاتيان بتمام أجزائه يجب الاتيان بالمقدار الممكن منه فاذا لم يمكن الاتيان بتمام أجزاء الصلاة يجب الاتيان ببعض اجزائها وهكذا.

ويرد على الاستدلال المذكور اولا ان الحديث ضعيف سندا ولا جابر لضعفه فلا يكون قابلا لان يعتمد به في الحكم الشرعي وثانيا هل يمكن الاخذ بمفاده بأن نقول : الذي لا يقدر على الصوم في تمام اليوم يجب عليه الامساك بالمقدار الممكن والذي لا يقدر على الاتيان بجميع مناسك الحج يجب عليه الاتيان بالمقدار الممكن منه والذي يجب عليه رد السلام اذا لم يمكنه الرد التام يجب عليه الرد بالمقدار الممكن وهكذا وهكذا كلا ثم كلا فهذه الرواية ايضا غير قابلة للاستدلال بها على المدعى.

ومنها ما روي في الغوالى ايضا عن امير المؤمنين عليه‌السلام انه عليه‌السلام قال «الميسور لا يسقط بالمعسور» (٢) وتقريب

__________________

(١) دراسات للسيد على الشاهرودى.

(٢) دراسات للسيد على الشاهرودى.

٢٨٩

الاستدلال بالحديث هو التقريب الذي ذكرناه في تلك الرواية والجواب ان الحديث المذكور ساقط من حيث السند فلا يكون قابلا للاستناد مضافا الى أنه لا يمكن الالتزام بمفاده فانه خلاف الاجماع والتسالم القطعي فلا دليل على قاعدة الميسور الا في باب الصلاة حيث استفيد من النص ان الصلاة عماد الدين ولا تسقط بحال اضف الى جميع ما ذكرنا انه لو قرض قيام دليل على قاعدة الميسور لا بد من رد علمه الى اهله او توجيهه بنحو اذ عدم وجوب الميسور من الواجبات من الواضحات الاولية فانه كما تقدم لا يمكن الالتزام بوجوب الاتيان بالمقدار الممكن من الواجبات بعد عدم امكان القيام بالفرد التام فلا فائدة في هذا البحث ولا يترتب عليه اثر عملي.

التنبيه الرابع : انه اذا ثبت كون شيء جزءا لمركب او شرطا له في الجملة ودار الامر بين كون الجزئية أو الشرطية على الاطلاق حتى في حال النسيان أو يختص بحال الذكر كى يختص البطلان بحال الترك العمدي فهل يكون مقتضى القاعدة الاطلاق والتقييد يحتاج الى الدليل أم مقتضى القاعدة الاختصاص بحال الذكر ولا يكون المنسي جزءا في حال النسيان وجهان وتحقيق الحال يقتضي البحث عن امكان تكليف الناسي بغير ما نسيه من الاجزاء والشرائط واذا ثبت صحة العمل الفاقد كما ثبت في الصلاة في الجملة يقع البحث في أن صحة العمل من باب انطباق المأمور به على المأتي به أو من باب وفاء المأتي به بالملاك ومن الظاهر انه لا أثر للبحث مع قيام الدليل على الصحة كما في باب الصلاة وانما يظهر الاثر فيما لا يكون دليل على صحة الفاقد حال النسيان ففي المقام قولان : احدهما انه لا يمكن توجيه الخطاب الى الناسي اذ لا يعقل توجهه الى كونه ناسيا

٢٩٠

ومع ذلك يبقى نسيانه بحاله فالصحة لعمله على فرض تحققها من ناحية وفاء العمل بتمام الغرض.

وفي مقابل القول المذكور قول آخر وهو امكان توجيه التكليف الى الناسي وقد ذكر في تقريب امكانه وجهان الوجه الاول : ان يخاطب بالعنوان الملازم كما لو خوطب بعنوان بارد المزاج.

واورد في هذا الوجه بأنه مجرد فرض وخيال فانه لا يكون له ميزان منضبط فان أسباب النسيان مختلفة وحدوثه في الاشخاص لا يكون على نحو واحد كى يمكن أن يجعل له ضابط كلي ولا سيما اذا كان التكليف به بالعنوان المذكور مشروطا بعدم توجه المكلف بالملازمة بين الامرين اذ بمجرد التفاته الى كونه بارد المزاج مثلا يمكن أن يتوجه الى نسيانه فربما يزول نسيانه بالتذكر وينقلب الموضوع.

الوجه الثاني : أن يتعلق الامر بالفاقد للجزء أو الشرط بالنسبة الى عامة المكلفين ثم يتعلق الامر ببقية الاجزاء بالنسبة الى الذاكرين فتكون النتيجة وجوب المركب التام مختصا بالذاكرين وأما غير الذاكر أي الناسى فيكون مكلفا بالعمل الخالي عن الجزء أو الشرط.

وأفاد سيدنا الاستاد انه لا بأس بالوجه المذكور غاية الامر يحتاج الى الدليل وبعبارة واضحة : بحسب مقام الثبوت هذا الوجه خال عن الاشكال فان قام دليل دال عليه في مقام الاثبات نلتزم به وإلّا فلا.

اقول المفروض في المقام ان الجزء المنسي جزء للمركب والمركب التام وظيفة الذاكر وعليه نسأل الامر المتوجه بالمركب الناقص كيف يمكن يتوجه الى عامة المكلفين والمفروض ان المكلفين قسمان قسم وظيفته المركب التام وهو الذاكر وقسم آخر وظيفته المركب الناقص فكيف يمكن الجمع بين القسمين وان شئت

٢٩١

قلت : كل من القسمين مختص بواجب غير ما يختص به الآخر وعليه لا يعقل تكليف عام الى كلا الفريقين نعم يمكن جعل حكمين من قبل المولى احدهما يتعلق بالمركب التام ثانيهما يتعلق بالمركب الناقص ويختص الحكم المتعلق بالمركب التام بالاشخاص الذين يلتفتون الى امكان الجزئية أو الشرطية ويختص الحكم المتعلق بالمركب الناقص الى الغافل.

وحيث انجر الكلام الى هنا نقول : هل يمكن اختصاص الحكم بالذاكر فان الذاكر عبارة عن المكلف الذي يعلم جزئية الشيء الفلاني أو شرطيته فيكون الحكم مختصا بالعالم بالحكم والحال انه يستلزم الدور مضافا الى أنه يلزم التصويب المجمع على بطلانه نعم لا اشكال في أن الغافل عن جزئية شيء أو شرطيته بحيث لا يتوجه الى امكان الجزئية أو الشرطية لا يعقل أن يكلف بالمركب التام لعدم كونه قابلا للانبعاث وأما مع التوجه الى قابلية كون الشيء الفلاني شرطا أو جزءا فيمكن توجيه الخطاب اليه.

ان قلت : فما الوجه في الاجزاء المستفاد من قاعدة لا تعاد فان المعروف عند القوم ان المستفاد من حديث القاعدة اختصاص وجوب المركب التام بالذاكر وأما الناسي فوظيفته المركب الناقص ولذا يصح الفاقد بالنسبة اليه قلت : لا بد من الالتزام بوفاء الناقص بغرض المولى لا أن الواجب قسمان.

اذا عرفت ما تقدم فاعلم : انه يقع الكلام تارة في مقتضى الاصل اللفظي واخرى في مقتضى الاصل العملي فيقع الكلام فى مقامين فنقول : أما المقام الاول فتارة يكون دليل القيد مطلقا وكذلك يكون دليل الواجب مطلقا وفي هذه الصورة لا بد من الالتزام بكون الواجب خوص المركب التام والناقص يكون باطلا وذلك لتقدم اطلاق القيد

٢٩٢

على اطلاق المقيد وبعبارة اخرى : دليل القيد قرينة على كون الواجب خصوص الواجد للقيد الفلاني واخرى لا يكون دليل الواجب مطلقا ولكن يكون دليل الجزء أو الشرط مطلقا والكلام فيه هو الكلام فان النتيجة تقيد الواجب بالقيد.

ان قلت : لا يمكن الاطلاق في دليل الجزئية أو الشرطية اذ يلزم التكليف بغير المقدور فان المفروض ان الناسي لا يمكنه الاتيان بالمركب التام لاجل نسيانه قلت : اولا ان الامر بالجزء ارشادي اي يرشد الى الجزئية أو الشرطية فلا يتوجه محذور وثانيا ان الناسي على قسمين فانه قد ينسي الحكم والموضوع بحيث يكون غافلا عن كون السورة جزءا للصلاة واخرى ينسي الحكم ولكن متوجه الى الموضوع ويحتمل كونه جزءا لكن نسي كونه من المركب وفي هذه الصورة يمكن توجيه التكليف اليه.

ان قلت : حديث رفع النسيان يقتضي صحة المأتي به الخالي عن الجزء المنسي قلت : غاية ما يستفاد من الحديث انه لا الزام بالنسبة الى المكلف حال نسيانه ولا يستفاد من حديث رفع النسيان توجه تكليف آخر بالفاقد وان شئت قلت : حديث الرفع يقتضي النفي لا الاثبات.

وثالثة يكون دليل الواجب مطلقا وأما دليل القيد فلا يكون فيه اطلاق أفاد سيدنا الاستاد قدس‌سره «يؤخذ بدليل الواجب والوجه فيه ظاهر ...»

ويرد عليه ما بيناه آنفا من انه امر غير معقول فلاحظ.

ورابعة لا يكون اطلاق لا في دليل الواجب ولا في دليل القيد فلا بد من اعمال الاصول العملية هذا تمام الكلام في المقام الاول.

وأما المقام الثاني ففي كل مورد تعلق الشك بالتكليف يكون

٢٩٣

المرجع البراءة على ما هو المقرر عند القوم فتارة لا يقدر الناسي على الاتيان بالمركب التام كما لو أمر المولى العبد بالكون في المسجد من اول طلوع الشمس الى الزوال فنسي العبد وبعد مضي ساعة من اول الشمس تذكر وشك في وجوب الوقوف من تلك الساعة الى الزوال وعدمه يكون مقتضى البراءة عدمه واخرى يقدر كما لو أمره بالاتيان بمركب من عشرة أجزاء والعبد نسي بعض أجزاء المركب واتى بالناقص ثم تذكر وشك في الوجوب وعدمه يكون المرجع ايضا البراءة بلا فرق بين الموارد ولا تصل النوبة الى الاشتغال فان الاشتغال لا مجال له كما ذكرناه كرارا فان الشك ان كان في الثبوت يكون المرجع البراءة وان كان الشك في السقوط بعد تحقق التكليف يكون المرجع استصحاب عدم الاتيان وان كان الشك في مقدار الجعل يقع التعارض بين استصحابي الجعل والمجعول وتصل النوبة بعد التعارض والتساقط الى البراءة فلاحظ.

شرائط جريان الاصول العملية

يقع الكلام تارة في شرط جريان الاحتياط واخرى في شرط جريان البراءة العقلية وثالثة في شرط جريان البراءة الشرعية فالكلام يقع في ثلاثة مواضع : الموضع الاول في الاحتياط والاحتياط تارة يقع في المعاملات واخرى يقع في العبادات فيقع الكلام في موردين المورد الاول في الاحتياط في المعاملات ولا اشكال في حسنه عقلا فانه نحو انقياد بالنسبة الى المولى والعقل حاكم ومدرك في باب الاطاعة والعصيان والانقياد ولا اشكال في حكمه بحسن الانقياد لكن بشرط أن لا يتعنون الاحتياط بعنوان حرام وبعبارة اخرى : لو تعنون الاحتياط بعنوان مبغوض للمولى فلا يعقل أن يحكم العقل

٢٩٤

بحسنه اذ كيف يمكن أن يجتمع الحسن والقبح في فعل واحد فان استحالة اجتماع الضدين من البديهيات الاولية هذا تمام الكلام في الموضع الاول.

المورد الثاني في الاحتياط في العبادات والاحتياط فيها تارة يتصور فيما لا يمكن تحصيل العلم التفصيلي بالواقع واخرى فيما لا يكون الواقع منجزا أي لا يجب الاحتياط وثالثة فيما يمكن حصول العلم بالواقع أما الاحتياط في القسم الاول فلا اشكال في حسنه اذ المفروض عدم امكان العلم التفصيلي بالواقع فلا مجال لوجوب قصد التميز والوجه وأما القسم الثاني فلا يجب الاحتياط كما هو المفروض لعدم تنجز الواقع ولا اشكال في حسن الاحتياط باحتمال المطلوبية وعلى الجملة لا اشكال في حسنه بالتقريب الذي تقدم في الاحتياط في المعاملات بلا فرق.

وأما الاحتياط في القسم الثالث فتارة يحتمل وجوب قصد الوجه والتميز وغيرهما فلا بد من رعايتها مع الامكان كما هو المفروض نعم اذا قام الدليل على عدم وجوبها شرعا كما هو كذلك فلا اشكال في حسن الاحتياط في العبادة ولو مع امكان قصد التميز والوجه.

والموضع الثاني في البراءة العقلية ولا اشكال في عدم جريانها مع عدم الفحص عن الدليل فان البراءة العقلية عبارة عن قبح العقاب بلا بيان هذا من ناحية ومن ناحية اخرى بيان الاحكام يكون بالطرق الجارية بين العقلاء ولا يكون للشارع الاقدس دأب خاص وطريق مخصوص في ايصال الاحكام الى عباده بأن يوحي الى كل واحد منهم مثلا فلا بد من الفحص كى يتحقق عدم البيان الذي هو موضوع حكم العقل ومع عدم الفحص لا يمكن اجراء البراءة.

٢٩٥

وان شئت قلت : كل موضوع شرط في ترتب الحكم عليه وبعبارة اخرى : تحقق الموضوع في الخارج مقدم في القضية الشرطية ومع عدم تحقق الشرط أو الشك فيه كيف يتحقق التالي فلا اشكال في اشتراط جريان البراءة العقلية بالفحص هذا بالنسبة الى الشبهة الحكمية كما لو شك في حرمة شرب التتن مثلا وأما في الشبهة الموضوعية كما لو شك في مائع انه خمر أو ماء فهل يمكن الاخذ بقاعدة قبح العقاب أم لا؟ الظاهر هو الثاني اذ المفروض ان الشارع الاقدس بين حرمة الخمر وليس حرمته مخصوصة بمن يكون عالما بالموضوع فكيف يمكن اجراء قاعدة القبح مع العلم بالبيان.

وان شئت قلت : مع احتمال كونه خمرا يحتمل كون حكمه مبينا ومع احتمال البيان كيف يمكن جريان قاعدة القبح فانه مرّ آنفا ان ترتب التالي متفرع على تحقق المقدم والمقدم في هذه القضية احراز عدم البيان.

الموضع الثالث في البراءة الشرعية ولا اشكال في جريانها في الشبهات الموضوعية بلا فحص فان النصوص الواردة بنحو العموم والخصوص دالة على المدعى مضافا الى السيرة الجارية القطعية بين المتشرعة فانه لا اشكال في جواز شرب مائع يشك في نجاسته كما انه لا اشكال في عدم وجوب رد السلام فيما لو شك في أن ما تكلم به الغير كان تحية أو غيرها وهكذا وهكذا وأما في الشبهة الحكمية فقد استدل على وجوب الفحص فيها بوجوه :

الوجه الاول : الاجماع. وفيه انه محتمل المدرك ان لم يكن مقطوعا به فلا يترتب اثر عليه.

الوجه الثاني : العلم الاجمالي بجملة من التكاليف في الواقع

٢٩٦

ومع العلم الاجمالي لا مجال لجريان الاصل في أطرافه فان العلم الاجمالي منجز كما هو المقرر.

وأورد عليه صاحب الكفاية بأنه لو كان المانع عن الجريان العلم الاجمالي كان اللازم جريان الاصل قبل الفحص بعد انحلال العلم الاجمالي والحال ان الاصل لا يجري قبل الفحص حتى بعد الانحلال فلا بد من كون الوجه في المنع أمر آخر.

وأورد الميرزا على صاحب الكفاية بأن العلم الاجمالي ذو علامة وهو كون المعلوم بالاجمال في الكتب المعتبرة ومع كونه ذا علامة لا ينحل العلم الاجمالي نعم لو لم يكن ذا علامة وظفر بمقدار معلوم وشك في الزائد يجري الاصل في الزائد وأما مع العلامة فلا مثلا لو علم زيد اجمالا بكونه مديونا ودينه مكتوب في الدفتر فهل يمكن جريان الاصل عن الزائد قبل مراجعته الدفتر كلا.

ويتضح المدعى بأن نقول ان السبب لحصول العلم الاجمالي احد امور ثلاثة : الاول العلم بوجود الشرع والشريعة الثاني : مطابقة جملة من الامارات مع الواقع الثالث : العلم بصدور جملة من الاخبار الموجودة في الكتب الاربعة والعلم الاجمالي الاول ينحل بالعلم الاجمالي الثاني وينحل الثاني بالثالث فاللازم مراجعة الكتب الاربعة وبعد الظفر بالمقدار المعلوم ينحل العلم الاجمالي فيمكن جريان الاصل فيما لو شك في التكليف.

وأورد عليه سيدنا الاستاد قدس‌سره اولا بأن كون ذي العلامة مانعا عن الانحلال على القول به انما يكون كذلك فيما لا يكون بنفسه مرددا بين الاقل والاكثر كما لو علم بأن اناء زيد نجسا وعلمنا ايضا بنجاسة اناء بين جملة من الاواني فيمكن أن يقال انه لو شخص الاناء النجس لا ينحل العلم الاجمالي وأما لو تردد الاناء النجس لزيد

٢٩٧

بين الاقل والاكثر وعلم ان الاناء الفلاني اناء زيد يجري الاصل في الزائد وينحل العلم الاجمالي والمقام من هذا القبيل فان ما في الكتب بنفسه مردد بين الاقل والاكثر وثانيا لا نسلم عدم جريان الاصل حتى فيما لا يكون ذو العلامة مرددا بين الاقل والاكثر مثلا لو علم بكون اناء زيد نجسا وايضا علم بوجود اناء نجس بين الاواني ثم علم بكون الاناء الفلاني اناء زيد ينحل العلم الاجمالى اذ مع احتمال كون اناء زيد مصداقا لذلك الاناء النجس المعلوم بالاجمال لا يبقى العلم بالنجس فانه غير معقول والسر فيه ان المعلوم بالاجمال له عنوانان : احدهما كونه اناء زيد ثانيهما عنوان احد الاواني ويمكن انطباق كل من العنوانين على المعنون بالعنوان الآخر فلا تعدد في العلم فطبعا ينحل العلم الاجمالي بحصول العلم التفصيلي بنجاسة الاناء الفلاني وثالثا سلمنا عدم الانحلال لكن نقول يجري الاصل بلا مانع اذ تنجز العلم الاجمالي متقوم بتعارض الاصول في الاطراف وبعد الظفر بالمقدار المعلوم بالاجمال لا يجري الاصل في تلك الموارد المعلومة فلا مانع عن جريانه في بقية الموارد.

وأما ما أفاده من عدم جريان الاصل بالنسبة الى ما في الدفتر فلا بد من استناد المنع على فرض تماميته الى مستند آخر غير العلم الاجمالي والشاهد عليه انه لو ضاع الدفتر ولم يتمكن من الرجوع يجوز الرجوع الى الاصل في المقدار الزائد فالعلم الاجمالي لا يكون مانعا.

اذا عرفت ما تقدم نقول : لا بد من التفصيل بأن نقول ما المراد من الانحلال وعدمه فان كان المراد بالانحلال الحقيقي بأن ينطبق العنوانان كل واحد منهما على ما يصدق عليه الآخر بأن المراجع الى الكتب الاربعة يعلم بأن الروايات المتطابقة مع الواقع مصداق

٢٩٨

للامارات المعلوم تطابقها مع الواقع ومصداق لجملة من الاحكام المعلوم صدورها عن الشارع فلا يكون العلم الاجمالي منحلا بهذا المعنى بلا كلام وان كان المراد الانحلال الحكمي أي عدم تعارض الاصول فلا اشكال في الانحلال بهذا المعنى فان المانع عن جريان الاصل تعارضه ومع عدم التعارض لا مانع عن الجريان.

ويرد على الميرزا بأن المتسالم عند القوم عدم جواز الرجوع الى الاصل قبل الفحص ولو مع عدم العلم الاجمالي. ويرد على سيدنا الاستاد ان المانع للجريان من الاصل ان كان تعارضه ومع عدم التعارض لا مانع عن جريان الاصل فيلزم عليه أن يلتزم بجريانه عند عدم التعارض بلا فرق بين موارده فلو علم اجمالا بنجاسة احد الإناءين ثم انعدم احدهما لا بد من جريان الاصل في الآخر لعدم التعارض وما الفرق بين الموردين.

ان قلت الشك في مورد المثال في السقوط والحال ان الشك في موارد الانحلال في الثبوت. قلت الانحلال اذا لم يكن حقيقيا يكون الشك في السقوط لا محالة فالحق ما ذكرناه من جريان الاصل عند عدم التعارض بلا فرق بين الموارد فلاحظ.

الوجه الثالث : حكم العقل بوجوب الفحص وانه لو لم يفحص ولم يعمل على طبق الاحتياط يحتمل العقاب ودفع الضرر المحتمل واجب عقلا فلا مجال لجريان البراءة. وفيه انه مع حكم الشارع بالبراءة لا يبقى لموضوع العقل مجال وان شئت قلت : مع اذن الشارع الاقدس باجراء البراءة لا يحتمل العقاب فلا تصل النوبة الى اجراء قاعدة القبح بلا بيان.

الوجه الرابع : ان جملة من اخبار التوقف تختص بما قبل الفحص لاحظ قوله عليه‌السلام فارجه حتى تلقى امامك فنقول : تخصص اخبار

٢٩٩

البراءة بهذه الرواية وبعد التخصيص تصير نسبتها الى اخبار التوقف المطلقة نسبة الخاص الى العام وبمقتضى القاعدة المقررة يخصص العام بالخاص وتكون النتيجة جواز جريان البراءة في الشبهة بعد الفحص هذا ما افاده سيدنا الاستاد قدس‌سره.

ولكن نحن منعنا انقلاب النسبة فلا بد من طي طريق آخر فنقول اخبار البراءة لا تشمل الشبهة المقرونة بالعلم الاجمالي ولكن اخبار التوقف والاحتياط باطلاقها تشمل الشبهة المقرونة بالعلم الاجمالي فببركة اخبار البراءة تخصص اخبار الاحتياط والتوقف فتكون النتيجة تمامية اخبار البراءة.

الوجه الخامس : ان ادلة البراءة منصرفة الى ما بعد الفحص عن الحكم الشرعي فلا مقتضي للبراءة قبل الفحص وبتقريب اوضح : ان حكم العقل بوجوب الفحص قرينة متصلة مانعة عن انقاد الظهور بالنسبة الى ما قبل الفحص. وفيه انه لا وجه للانصراف ولا مدخل للعقل في الحكم الشرعي والمحكم اطلاق دليل البراءة.

الوجه السادس : ان جعل البراءة قبل الفحص ينافي تشريع الاحكام وبعبارة واضحة : تجويز ارتكاب ما يحتمل كونه حراما وترك ما يمكن كونه واجبا تضييع للاحكام الشرعية الملزمة وهذا الوجه حسن وقابل للاعتماد.

الوجه السابع : ما ورد في تفسير قوله تعالى (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) لاحظ ما رواه مسعدة بن زياد قال سمعت جعفر بن محمد عليه‌السلام وقد سئل عن قوله تعالى (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) فقال ان الله تعالى يقول للعبد يوم القيمة عبدي كنت عالما فان قال نعم قال له أفلا عملت بما علمت وان قال كنت جاهلا قال أفلا تعلمت حتى تعمل فيخصمه فتلك

٣٠٠