آراؤنا في أصول الفقه - ج ٢

السيّد تقي الطباطبائي القمّي

آراؤنا في أصول الفقه - ج ٢

المؤلف:

السيّد تقي الطباطبائي القمّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات المحلّاتي ( المفيد )
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥١

بها يكون العلم منجزا وفي كل مورد يجري الاصل لعدم التعارض لا يكون العلم الاجمالي مؤثرا فتحصل انه لو كانت الملاقاة والعلم بها بعد العلم الاجمالي بالنجاسة لا يجب الاجتناب عن الملاقي وان حصلت الملاقاة وعلم بها ثم علم بالنجاسة وجب الاجتناب ولو حصلت الملاقاة ثم علم بالنجاسة ثم علم بالملاقاة لا يجب الاجتناب عن الملاقي.

بقي شيء وهو ان الاقسام المتصورة في المقام ثلاثة فانه تارة يجب الاجتناب عن الملاقي والملاقى واخرى يجب الاجتناب عن الملاقى بالفتح دون الملاقي بالكسر وقد تقدم القسمان وثالثة يجب الاجتناب عن الملاقي بالكسر دون الملاقى بالفتح ذهب اليه صاحب الكفاية وذكر للقسم الاخير موردين المورد الاول : ما اذا علم بالملاقاة ثم علم اجمالا بنجاسة الملاقى بالفتح أو الطرف الآخر لكن يكون الملاقى بالفتح حين العلم خارجا عن محل الابتلاء فيقع التعارض بين الاصل الجاري في كل من الملاقي بالكسر والطرف الآخر وبمقتضى كون العلم الاجمالي منجزا يجب الاجتناب عن الملاقي بالكسر والطرف الآخر وأما الملاقى بالفتح فلا يجري فيه الاصل لفرض كونه خارجا عن محل الابتلاء فاذا صار محلا للابتلاء بعد ذلك لا يكون مانع عن جريان الاصل فيه.

ويرد عليه ان مجرد الخروج عن محل الابتلاء لا يكون مانعا عن جريان الاصل فيه بل الميزان في جريان الاصل وعدمه ترتب الاثر وعدم ترتبه ولذا لا اشكال في أنه اذا غسل ثوب نجس بماء مع الغفلة عن كونه طاهرا أو نجسا وبعد الغسل به خرج عن محل الابتلاء ثم شك في طهارة ذلك الماء يجري فيه اصل الطهارة ويحكم بكون الثوب طاهرا وقس عليه كل مورد يترتب على جريان الاصل اثر عملي

٢٦١

وفي المقام نقول يترتب على الاصل الجاري في الملاقى بالفتح كون ملاقيه طاهرا وعليه يتعارض الاصل الجاري في الطرف مع الاصل الجاري في الملاقى بالفتح والنتيجة وجوب الاجتناب عن الملاقي بالكسر والفتح اذ المفروض ان العلم بالنجاسة تحقق بعد الملاقاة هذا هو المورد الاول.

المورد الثاني : ما لو علم اجمالا بنجاسة الملاقي بالكسر أو شيء آخر ثم حصل العلم بنجاسة الملاقى بالفتح أو ذلك الشيء الآخر مع العلم بأن الملاقي بالكسر ان كان نجسا تكون نجاسته ناشية عن الملاقاة كما لو علم يوم السبت بنجاسة الثوب أو الاناء الكبير وبواسطة العلم الاجمالي تنجز وجوب الاجتناب عن الثوب وعن الثوب وعن الاناء الكبير ثم علم يوم الاحد بنجاسة الاناء الصغير أو الكبير يوم الجمعة مع العلم بأن نجاسة الثوب على تقدير تحققها ناشية عن نجاسة الاناء الصغير ففي الصورة المفروضة يجب الاجتناب عن الثوب والاناء الكبير ولا مانع عن جريان الاصل في الاناء الصغير لخروجه عن أطراف المعارضة.

وقال سيدنا الاستاد في المقام ان ما أفاده صاحب الكفاية تام لان الميزان في التنجيز العلم بالنجاسة لا واقع النجاسة مع عدم العلم بها فنجاسة الاناء الصغير على تقدير تحققها لا أثر لها ما دام لا تكون معلومة وبعد تنجز التكليف بالعلم الاجمالي الاول لا اثر للعلم الاجمالي الثاني.

ان قلت : العلم الاجمالي الاول ينحل بالعلم الثاني فلا اثر للعلم الاجمالي الاول فالشك في نجاسة الثوب شك في نجاسة جديدة فلا مانع عن جريان الاصل فيه قلت : المفروض تقارن العلم الثاني بالنجاسة مع العلم بالملاقاة فلا يكون الثوب في العلم الاجمالي الثاني خارجا

٢٦٢

عن اطراف العلم فالحق كما افاده صاحب الكفاية من جريان الاصل في الاناء الصغير بلا معارض.

والذي يختلج بالبال أن يقال ان الشك الجاري في الثوب مسبب عن الشك الجاري في الاناء الصغير ومع جريان الاصل في السبب لا مجال لجريان الاصل في المسبب وان شئت قلت : ان وجوب الاجتناب عن الثوب من باب عدم الدليل وأما بعد جريان الاصل في الاناء الصغير لا يبقى شك في نجاسة الثوب فالحق انه لا قسم ثالث في المقام وينحصر الاقسام في قسمين والسر الوحيد فيما نقول ان العلم الاول ينقلب الى علم آخر فان المعلوم اولا كانت نجاسة الثوب بالاستقلال أو الاناء الكبير وفي الزمان الثاني انقلب العلم الاول بالعلم الثاني وهو تعلقه بالنجاسة المرددة بين الاناء الصغير والاناء الكبير غاية الامر على تقدير كون النجس الاناء الصغير يكون الثوب ايضا نجسا بواسطة الملاقاة فلاحظ.

الفصل الثالث : والكلام فيهما تارة يقع في الاقل والاكثر غير مرتبطين واخرى في المرتبطين فالكلام يقع في موضعين الموضع الاول في غير المرتبطين ولا اشكال في أن العلم الاجمالي فيهما ينحل الى العلم التفصيلي بالاقل والشك البدوي في الاكثر فلا اشكال في كونه داخلا في الشك فى التكليف وقد مر الكلام حوله وقلنا ان الشك في اصل التكليف مورد البراءة.

واما الموضع الثاني فيقع الكلام فيه في أن دوران الامر بين الاقل والاكثر هل يكون داخلا في الشك في التكليف أو الشك فيهما داخل في الشك في المكلف به مع العلم بأصل التكليف ويقع الكلام في هذا الموضع في مقامين.

المقام الاول في دوران الامر بين الاقل والاكثر في الاجزاء

٢٦٣

الخارجية المقام الثاني في دوران الامر بين الامرين في الاجزاء التحليلية كدوران الامر بين الاطلاق والتقييد ودوران الامر بين الجنس والفصل أما المقام الاول فيقع الكلام فيه في موردين المورد الاول في جريان البراءة العقلية وعدمه المورد الثاني في جريان البراءة الشرعية أما المورد الاول فقد ذكرت لتقريب جريان البراءة العقلية عن الاكثر وانحلال العلم الاجمالي وجوه.

الوجه الاول : ان الاقل واجب بلا اشكال اما بالوجوب النفسي أو بالوجوب الغيري واما الاكثر فوجوبه مورد الشك فتجري فيه البراءة وتمامية الوجه المذكور يتوقف على أمرين : الاول : اثبات الوجوب الغيري للجزء. الثاني ان العلم بالجامع بين النفسي والغيري يوجب الانحلال فنقول : أما الامر الاول فيرد عليه ان الكل عبارة عن الاجزاء بشرط الاجتماع والاجزاء عبارة عن الاجزاء لا بشرط وبتقريب آخر : ان الوجوب الغيري ناش عن توقف أحد الامرين على الآخر فلا بد من التعدد كي يتم البيان ومع عدم تعدد الوجود لا موضوع للواجب الغيري اضف الى ذلك انه قد ظهر في بحث المقدمة انه لا دليل على الوجوب الغيري والمقدمة واجبة بالوجوب عقلا لا شرعا وأما الامر الثاني فربما يقال : بأن الانحلال يتوقف على كون المعلوم بالاجمال مسانخا مع المعلوم بالتفصيل والحال ان المعلوم بالاجمال الوجوب النفسي والمعلوم بالتفصيل الجامع بين الوجوب الغيري والنفسي فلا يتحقق الانحلال.

وفيه ان الميزان في الانحلال جريان الاصل في بعض الاطراف دون الطرف الآخر والمقام كذلك لانه يجري الاصل في الاكثر ولا يجري في الاقل.

الوجه الثاني : ان الاقل واجب بالتفصيل فانه اما نفس الواجب

٢٦٤

أو جزئه فوجوبه بلا اشكال غاية الامر يتردد الامر بين كون وجوبه استقلاليا أو ضمنيا فالمكلف يعلم بوجوب الاقل واما الاكثر فيشك في وجوبه فتجري البراءة فيه.

ويرد عليه ان التقريب المذكور يتوقف على الالتزام بالوجوب الضمني وان الجزء واجب والحال ان الامر ليس كذلك فان الوجوب متعلق بالكل وكل جزء من الواجب جزء منه ولا يكون الجزء واجبا بالوجوب الآخر ولذا لا يتحقق الامتثال الا بعد الاتيان بالكل ولا يسقط الامر المتوجه من قبل المولى الا بعد تحقق المركب بتمامه في الخارج.

الوجه الثالث : ان قاعدة قبح العقاب بلا بيان لا تجري بالنسبة الى الاقل لتمامية البيان بالنسبة اليه وأما بالنسبة الى الاكثر فلا مانع عن جريانه. والظاهر انه لا اشكال في التقريب المذكور.

ان قلت : لا مجال لجريان البراءة فان البراءة انما تجري فيما يكون الشك في أصل التكليف وأما لو كان الشك في المكلف به كما في المقام فلا مجال لها بل اللازم اجراء قاعدة الاشتغال والاحتياط بيان المدعى : ان المكلف يعلم بتعلق اصل التكليف وانما يشك في متعلقه قلت : تارة يعلم المكلف سعة متعلق التكليف وضيقه وانما يشك في سقوط التكليف المعلوم واخرى يشك في سعته وضيقه أما في الصورة الاولى فلا اشكال في لزوم الاحتياط وأما في الصورة الثانية فلا مانع عن الاخذ بالبراءة لان الشك في أصل التكليف فرضا.

ان قلت : مقتضى الاستصحاب بقاء التكليف حتى بعد الاتيان بالاقل فيلزم بحكم العقل الاحتياط والاتيان بالاكثر قلت : لا اثر للاستصحاب مع جريان البراءة إلّا أن يقال لا مجال للبراءة مع الاستصحاب وبعبارة اخرى : بالاستصحاب يحرز وجود التكليف وبقاء فلا شك فيه كى تجري البراءة فيه لكن نقول مقتضى الاستصحاب

٢٦٥

ايضا عدم تعلقه بالاكثر ولك أن تقول : يقع التعارض بين استصحاب المجعول واستصحاب عدم الجعل الزائد وبعد التعارض والتساقط تصل النوبة الى الاخذ بقاعدة قبح العقاب بلا بيان بالنسبة الى الاكثر وأما الاقل فكما تقدم يكون البيان تاما بالنسبة اليه ولا مجال لجريان القاعدة فيه.

ان قلت : مقتضى الاستصحاب عدم تعلق الوجوب بالاقل لا بشرط وبعبارة اخرى : مقتضى الاستصحاب عدم تعلق التكليف بالاقل على نحو الاطلاق قلت : لا يترتب على الاصل المذكور وجوب الاكثر الا على النحو المثبت مضافا الى أنه يعارضه استصحاب عدم تعلق التكليف بالاقل على النحو التقييد وبشرط شيء.

ان قلت : على مسلك العدلية الاحكام تابعة للمصالح والمفاسد فيجب تحصيل الغرض ومع احتمال تعلق الوجوب بالاكثر لا يحرز الاتيان بالغرض فلا بد من الاتيان به كى يحصل العلم بتحقق الغرض قلت : الواجب على المكلف بحكم العقل الاتيان بمتعلق التكليف وأما الزائد عليه فلا دليل عليه وبعبارة اخرى : لا يجب على المكلف تحصيل غرض المولى.

وفي المقام اشكال وهو انه على تقدير كون اسامي العبادات اسامي لخصوص الصحيح لا يمكن اجراء البراءة اذ الواجب العنوان الخاص وهو مجهول فلا بد من اجراء قاعدة الاشتغال.

والجواب عن الاشكال المذكور اولا ان هذا التقريب على فرض تماميته يختص بالفاظ العبادات ولا يجري في مطلق الواجبات وثانيا نقول لا تنافي بين الالتزام بكون الاسامي لخصوص الصحيح وبين الالتزام بجريان البراءة عن الاكثر اذ لا اشكال في تعلق الوجوب بالاجزاء الخارجية وبعبارة واضحة : لا ريب في أن الواجب في وعاء

٢٦٦

الشرع المركب من الاجزاء والشرائط لا العنوان البسيط كى يقال ان مقتضاه الاحتياط للشك في حصول الامتثال.

ولما انجر الكلام الى هنا نقول الحق ان الامر في الاصل العملي دائر بين البراءة والاستصحاب ولا مجال لقاعدة الاشتغال وذلك لان الشك اما متعلق بثبوت التكليف وتحققه واما متعلق بسقوطه بعد ثبوته أما على الاول فيجري البراءة فان الشك في التكليف مورد جريان البراءة وأما على الثاني فمورد جريان الاستصحاب وان شئت قلت : الشك في اصل ثبوت التكليف يقتضي البراءة والشك في سقوطه بعد ثبوته يقتضي الاستصحاب فلاحظ هذا تمام الكلام في المورد الاول.

وأما المورد الثاني فنقول : يمكن الاستدلال بادلة البراءة الشرعية على عدم تعلق الوجوب بالاكثر ولا تعارضه اصالة البراءة عن وجوب الاقل بنحو لا بشرط اذ لا اشكال في تعلق أصل الوجوب غاية الامر لا يعلم بتعلقه بالاقل على نحو بشرط اذ لا اشكال في تعلق أصل الوجوب غاية الامر لا يعلم بتعلقه بالاقل على نحو بشرط شيء أو على نحو لا بشرط ومن الظاهر ان التقييد كلفة زائدة وأما الاطلاق واللابشرطية فلا كلفة فيه فلا مجال لجريان الاصل فيه.

ويرد على التقريب المذكور اولا النقض بأنه لو علم اجمالا بأن الواجب اما قراءة سورة من السور القصار من القرآن أو الحج مع الدابة من طريق الجبل فهل يمكن اجراء البراءة عن وجوب الحج بأن يقال أصل وجوب فعل معلوم وانما الشك في الخصوصية والبراءة ترفع الكلفة والمشقة في الحج ومقتضى البراءة رفع الكلفة الزائدة؟ كلا ثم كلا وثانيا نجيب بالحل ونقول : لا اشكال في أن كل طرف من العلم الاجمالي كلفة في حد نفسه والبراءة تقتضي رفعها.

٢٦٧

وبعبارة اخرى : ان دليل البراءة بالنسبة الى كل واحد من الطرفين يجري ويقتضي رفع التكليف ولا ترجيح في احد الطرفين على الآخر فيكون العلم منجزا كما هو المقرر هذا من ناحية ومن ناحية اخرى قد تقدم منا ان الاقل لا يكون واجبا على كل تقدير بل الواجب اما الاقل لا بشرط واما الاقل بشرط شيء فما الحيلة؟ فالحق أن يقال ان الانحلال في أمثال المقام لا يكون حقيقيا كما هو كذلك في غير الارتباطي كما تقدم بل الانحلال فى أمثال المقام انحلال حكمي والمقصود من الانحلال الحكمي عدم تعارض الاصول في أطراف العلم الاجمالي والوجه في عدم التعارض انه لا اشكال في لزوم الاتيان بالاقل بحكم العقل حيث ان البيان بالنسبة اليه تام وأما الاكثر فلا فانقدح مما ذكر ان مقتضى دليل البراءة عدم وجوب الاكثر.

ثم انه هل يمكن الاستدلال بدليل الاستصحاب على عدم وجوب الاكثر؟ الظاهر انه لا مانع عنه فان مقتضى الاستصحاب عدم تعلق الوجوب بالاكثر ولا يعارضه استصحاب عدم تعلقه بالاقل فان الاصل المذكور لا اثر له اذ البيان بالنسبة اليه تام ولا مجال لتركه وأما اثبات تعلق الوجوب بالاكثر ببركة عدم تعلقه بالاقل فهو من الاصل المثبت الذي لا نقول به وصفوة القول : انه لا مجال لترك الاقل فلا يترتب على الاستصحاب اثر وأما الاكثر فلا مانع عن جريان الاصل فيه فلا مجال لما أفاده سيدنا الاستاد من أن جريان الاستصحاب في كلا الطرفين يناف العلم الاجمالي وفي خصوص واحد من الطرفين ترجيح بلا مرجح اذ قد ثبت بما ذكرنا ان جريانه في الاكثر مع المرجح فلاحظ

وفي تحقق الانحلال في المقام اشكالان احدهما للخراساني

٢٦٨

وثانيهما للنائيني أما تقريب الاشكال الاول فلان الانحلال يتوقف على تنجز التكليف على الاطلاق فاذا كان الانحلال مستلزما لعدم تنجز التكليف على تقدير تعلقه بالاكثر يلزم الخلف وان شئت قلت :

يلزم من الانحلال عدمه وما يلزم من وجوده العدم محال.

والجواب عن هذا الاشكال اولا انا ذكرنا ان الانحلال المدعى في المقام حكمي اي لا تعارض في الاصول الجارية في الاطراف وثانيا نقول الاقل منجز بحكم العقل فانه قد تقدم ان البيان تام بالنسبة اليه فلا يمكن جريان البراءة فيه وأما بالنسبة الى الاكثر فغير تام فلا مانع عن جريان البراءة فيه.

وأما تقريب الاشكال الثاني ان قوام العلم الاجمالي بالمنفصلة وانحلاله بقضيتين احداهما معلومة والاخرى مشكوك فيها كما ان الامر كذلك في الاقل والاكثر اللذين لا يرتبط احدهما بالآخر وأما في المرتبطين كما في المقام فالامر ليس كذلك اذ وجوب الاقل مهمل ولا نعلم ان الواجب الاقل بشرط شيء اولا بشرط فالعلم الاجمالي غير منحل.

والجواب عن الاشكال ما تقدم منا من أن الانحلال المدعى في المقام حكمي اي لا يتعارض الاصل الجاري في الاقل مع الاصل الجاري في الاكثر بل الاصل يجري في الاكثر ولا يجرى في الاقل.

ثم انه هل يمكن اثبات المدعى اي وجوب الاقل برفع الجزئية بحديث الرفع؟ بأن يقال ان البراءة ترفع الجزئية الحق انه لا يمكن فان الجزئية كالشرطية والمانعية والقاطعية امور واقعية وغير قابلة للرفع كما انها غير قابلة للوضع ان قلت : يمكن اثبات وجوب الاقل باجراء البراءة عن الاكثر قلت : لا يمكن اثبات وجوب الاقل بالبراءة

٢٦٩

عن وجوب الاكثر الا على القول بالاثبات مضافا الى أنه يمكن العكس بأن يقال البراءة عن الاقل يثبت وجوب الاكثر.

ان قلت : ان التقابل بين الاطلاق والتقييد تقابل العدم والملكة ومع جريان الاصل في التقييد يثبت الاطلاق قلت : التقابل بين الاطلاق والتقييد في عالم الثبوت تقابل الضدين واثبات احد الضدين بجريان الاصل في الآخر من انحاء المثبت فالمتحصل مما تقدم عدم امكان اثبات ان الواجب الشرعي هو الاقل نعم لا مانع عن جريان البراءة عن الاكثر عقلا وشرعا كما انه لا مانع عن جريان الاستصحاب واحراز عدم تعلق التكليف بالاكثر فالنتيجة انه يمكن اثبات عدم وجوب الاكثر اولا بالبراءة العقلية وثانيا بالبراءة النقلية وثالثا بالاستصحاب وأما الاقل فلا مجال لاثبات كونه واجبا شرعا نعم لا اشكال في وجوبه العقلي وعليه لا يمكن الاتيان بالاقل إلا رجاء وبعبارة واضحة : لا دليل على وجوب الاقل بالوجوب الشرعي بل الدليل قائم على عدم وجوبه فان مقتضى الاستصحاب عدم تعلق الوجوب به وانه غير واجب شرعا فلاحظ. هذا تمام الكلام في المقام الاول.

واما المقام الثاني وهو الشك في الجزء العقلي فالاقسام المتصورة فيه ثلاثة القسم الاول : ما يكون محتمل المدخلية في المأمور به موجودا مستقلا في الخارج كالوضوء والستر وامثالهما والكلام في هذا القسم هو الكلام في الجزء الخارجي بلا فرق فان تقريب جريان البراءة في الاكثر وعدم جريانها في الاقل عين التقريب المتقدم بأن نقول البيان بالنسبة الى الاقل تام فلا مجرى للبراءة وأما بالنسبة الى الاكثر فلا وعليه لا مانع عن جريان البراءة فيه عقلا وشرعا كما انه لا مانع عن جريان استصحاب عدم تعلق التكليف به وبعبارة

٢٧٠

واضحة : انه لا تعارض بين الاصل الجاري في المشروط والاصل الجاري في المطلق لتمامية البيان بالنسبة الى المطلق وعدمها بالنسبة الى المقيد.

القسم الثاني : أن يكون ما يحتمل دخله في الواجب من صفاته وحالاته كالايمان في الرقبة فيما يتردد الامر بين كون الواجب عتق الرقبة المؤمنة وعتق الرقبة المطلقة والكلام في هذا القسم هو الكلام في القسم الاول بلا فرق في تقريب الاستدلال بين القسمين.

وربما يقال كما عن صاحب الكفاية بأنه يشكل جريان البراءة في هذين القسمين بتقريب ان جريان البراءة يتوقف على العلم بتعلق الوجوب بالاقل على كل تقدير وفي المقام ليس كذلك لان وجود الطبيعي متحد مع وجود الفرد في الخارج فالفرد الواجد للقيد يباين الفرد الفاقد له وان شئت قلت : الفرد المعلوم كونه واجبا لم يؤت به على الفرض والمأتي به غير معلوم الوجوب فكيف تجري البراءة.

ويرد عليه ان الميزان في جريان الاصل كما تقدم الانحلال الحكمي اي جريان الاصل في الاكثر وعدم معارضته مع جريانه في الاقل ومن الظاهر ان الاصل يجري في الاكثر ولا يجري في الاقل لتمامية البيان بالنسبة اليه مضافا الى أنه لو كان التقريب المذكور تاما لا يجري الاصل فيما يكون محتمل المدخلية من الاجزاء الخارجية اذ لا اشكال في أن اجزاء المركب مرتبطة وكل واحد منها مشروط بالآخر فيعود المحذور المذكور لكن الحق عدم توجه الاشكال كما ذكرنا فالحق جريان الاصل في القسم الاول والثاني.

القسم الثالث : ما يكون محتمل المدخلية مقوما للواجب كالفصل كما اذا أمر المولى باتيان حيوان ويتردد الامر بين كون مطلوبه

٢٧١

مطلق الحيوان أو خصوص الفرس فعن صاحب الكفاية والميرزا الاشكال في جريان البراءة أما ما عن صاحب الكفاية فقد تقدم تقريب اشكاله وقد تقدم ايضا الجواب عن اشكاله وأما ما أفاده الميرزا فحاصل كلامه انه لا تحصل للجنس بلا فصل فلا يعقل تعلق التكليف به وعليه يكون الترديد بين التعيين والتخيير أي يدور الامر بين تعلق الوجوب بالفصل الخاص وبين تعلقه بفصل من الفصول فلا بد من الاتيان بالفصل الخاص كى يحصل الامتثال.

ويرد عليه انه لا مانع عن تعلق الوجوب بالجنس كما لو قال المولى جئني بحيوان فان المكلف يجب عليه الاتيان بالحيوان خاليا عن جميع الفصول غاية الامر لا يمكن تحقق الجنس بلا فصل وثانيا سلمنا ما أفاده لكن نقول : العلم الاجمالي كما تقدم ينحل بالانحلال الحكمي اي يجري الاصل في الاكثر ولا يجري في الاقل لتمامية البيان وبعبارة اخرى : يحصل التخيير ببركة البراءة الجارية في الاكثر.

وحيث انجر الكلام الى هنا لا بأس بذكر اقسام التخيير فنقول : الشك في التعيين والتخيير ينقسم الى أقسام القسم الاول : ما لو دار الامر بين الامرين في أصل الشريعة كما لو دار الامر بين وجوب الصوم وبين التخيير بينه وبين العتق القسم الثاني : ما لو دار الامر بينهما في جعل الحجية القسم الثالث : ما لو دار الامر بينهما في مقام الامتثال وقبل الخوض في البحث نقول لا اشكال في أن الدوران المذكور انما يتحقق فيما لا يكون دليل لفظي يدل على التعيين وأما معه فلا يبقى مجال للبحث كما انه لو اقتضى الاستصحاب بقاء الواجب على ما هو عليه لا تصل النوبة الى اعمال قانون الشك في التعيين والتخيير فلو علم وجوب فعل كالصوم مثلا ثم شك في انقلابه الى

٢٧٢

الواجب التخييري يكون مقتضى الاستصحاب بقاء الواجب بحاله إلّا أن يقال ان استصحاب الجعل يعارضه استصحاب عدم الجعل الزائد والعجب من سيدنا الاستاد قدس‌سره حيث انه قد تعرض لجريان الاستصحاب ولم يشر الى المعارضة فراجع كلامه ولاحظه.

اذا عرفت ما ذكرنا فاعلم ان القسم الاول له صور الصورة الاولى أن يعلم المكلف بوجوب أمرين اجمالا كما لو علم بوجوب الصوم والصدقة اجمالا لكن لا يدري ان وجوبهما تعييني أو تخييري وفي هذه الصورة تارة لا يقدر على الاتيان بكلا الامرين واخرى يقدر أما لو لم يقدر الا على واحد من الامرين يجب الاتيان بالفرد المقدور قطعا اذ المقدور من الفعلين اما واجب تعييني أو واجب تخييري وعلى كلا التقديرين يلزم الاتيان به أما على الاول فواضح وأما على الثاني فلتعين احد الامرين عند تعذر الآخر والمفروض تعذر الآخر وأما في صورة قدرة المكلف على كلا الامرين فلا مانع عن اجراء البراءة عن التعيين وبعبارة واضحة : البيان بالنسبة الى احد الامرين تام فلا مجرى للبراءة وأما خصوص كل واحد منهما فوجوبه غير معلوم وينفي بدليل البراءة والاستصحاب فتظهر النتيجة في صورة التمكن من الاتيان بكلا الامرين.

الصورة الثانية : أن يعلم بوجود فعل كالصلاة مثلا ويعلم ايضا انه لو اعتق عبدا يسقط وجوب الصلاة عنه لكن لا يدري ان العتق عدل للواجب او مسقط لوجوبه والنتيجة تظهر عند عدم القدرة على الواجب فانه على تقدير كون العتق عدلا للواجب يجب تعيينا وأما لو لم يكن عدلا بل كان مسقطا لا يجب عليه ومقتضى عدم وجوب العدل عدم وجوبه على المكلف والاحسن في تقريب الاستدلال أن يقال مقتضى البراءة عدم تعلق الوجوب بالجامع بين الواجب وعدله

٢٧٣

وان شئت قلت : مقتضى البراءة التعيين لكن التعيين في المقام يوجب السعة اي لا يجب عليه شيء.

الصورة الثالثة : أن يعلم بوجوب فعل كالصلاة مثلا لكن يحتمل ان الواجب الجامع بين الصلاة والتصدق والعتق فيدور الامر بين التعيين والتخيير وقد ذكر في تقريب التعيين وجوه الوجه الاول : ما عن صاحب الكفاية وهو انه لو شك في جزئية شيء أو شرطيته يمكن رفعه بالبراءة وأما التعيين في المقام فينتزع من خصوصية ذاتية وهي غير قابلة للرفع بالبراءة كما انه غير قابلة للوضع.

ويرد عليه ان اعتبار تلك الخصوصية الذاتية في المأمور به كما يمكن جعلها كذلك يمكن رفعها وبعبارة اخرى : بدليل البراءة يحرز ان الخصوصية الكذائية لم تعتبر في المأمور به ولو لا هذا البيان لا يمكن اعتبار الجزئية والشرطية وأمثالهما في المأمور به فانها امور واقعية لا تنالها يد الجعل لكن الحل ان المولى يمكنه توجيه التكليف الى الامر الخاص ومع الشك لا مانع عن جريان البراءة فالنتيجة انه يمكن اجراء البراءة بأن تجري في تعلق التكليف بالفعل الخاص وأما الجامع بينه وبين غيره فلا يمكن لتمامية البيان بالنسبة اليه.

الوجه الثاني : ما عن الميرزا وهو ان قاعدة الاشتغال تقتضي التعيين بتقريب ان المكلف لو صلى يقطع بفراغ ذمته وأما لو تصدق مثلا فلا يقطع بالفراغ فقاعدة الاشتغال تقتضي التعيين.

ويرد عليه ان الاشتغال على القول به انما يجري فيما لو شك في سقوط التكليف بعد ثبوته كما لو علم بأن الواجب الصلاة ثم يشك في الاتيان بها وعدمه وأما لو كان الشك في الثبوت كما في المقام فلا مجال للاشتغال بل الجاري اصل البراءة فان مقتضاه عدم

٢٧٤

تعلق الوجوب بالخاص وببيان آخر : مقتضى الاصل عدم تعلق الوجوب بالصلاة بالخصوص.

الوجه الثالث : ما عن الميرزا ايضا وهو ان الوجوب التخييري يحتاج الى مئونة زائدة في مقام الثبوت والاثبات أما في مقام الثبوت فلانه يحتاج الى تصور العدل للواجب وتوجيه التكليف الى الجامع بين العدلين وأما في مقام الاثبات فلاحتياجه الى بيان العدل وذكره.

ويرد عليه اولا ان التخيير العقلي لا يحتاج الى تصور العدل بل يحتاج الى تصور الجامع بين الافراد وثانيا سلمنا احتياجه الى تصور العدل لكن نقول باي مستند ينفي تصور العدل فان غاية ما يمكن أن يقال : ان مقتضى الاستصحاب عدم تصور العدل لكن الاستصحاب المذكور لا يكون حجة الا على القول بالاثبات الذي لا نقول به هذا بالنسبة الى مقام الثبوت وأما بالنسبة الى مقام الاثبات فان المفروض في المقام عدم تمامية الدليل اللفظي ووصول النوبة الى الاصل العملي فلا مجال لطرح هذا التقريب.

الوجه الرابع : ما ذكر في المقام من أن مقتضى الاصل عدم وجوب ما يحتمل كونه عدلا للواجب هذا من ناحية ومن ناحية اخرى نعلم وجدانا بوجوب شيء كالصلاة مثلا وبضم هذا الوجدان الى الاصل المذكور نفهم ان الواجب معين.

ويرد عليه انه ما المراد من هذا الاصل فانه ان كان المراد منه اصل البراءة عن وجوب العدل فان عدم وجوبه معلوم ولا يحتاج الى الاصل وان كان المراد منه أصل البراءة من وجوب الجامع فلا اشكال في وجوبه وان كان المراد استصحاب عدم جعل العدل للواجب فانه لا أثر له الا على القول بالاثبات مضافا الى أنه معارض بعدم تعلق

٢٧٥

الوجوب بخصوص الواجب المعلوم وجوبه. ان قلت : مقتضى استصحاب عدم تعلق الجعل بالجامع عدم الاكتفاء بالعدل عقلا. قلت : يعارضه أصل عدم تعلق الوجوب بخصوص المعين كالصلاة مثلا وبعد التعارض تصل النوبة الى البراءة عن وجوب المعين بل يمكن أن يقال ان الاستصحاب المذكور يعارضه اصل البراءة عن وجوب المعين وبعد التعارض تصل النوبة الى البراءة عقلا عن التعيين فلاحظ هذا تمام الكلام في القسم الاول.

وأما القسم الثاني وهو ما لو دار الامر في الحجية بين التعيين والتخيير فالحق ان مقتضى القاعدة الاولية التعيين وذلك لوجهين الوجه الاول : ان الشك في الحجية مساوق للقطع بعدمها فان الحجية ما يمكن أن يجعل وسطا في مقام الاعتذار ومن الظاهر انه مع الشك كيف يمكن التمسك به وجعله عذرا.

الوجه الثاني : ان مقتضى الاستصحاب عدم كون المشكوك فيه حجة اذ لم يكن حجة سابقا والآن كما كان.

وأما القسم الثالث فافاد سيدنا الاستاد قدس‌سره ان مقتضى القاعدة فيه التعيين كالقسم الثاني وأفاد بأن اثبات المدعى يتوقف على بيان أمرين : احدهما ان التزاحم في مقام الامتثال يوجب سقوط احد التكليفين بواسطة العجز وأما الملاك فهو على حاله وبعبارة اخرى : اذا لم يكن المكلف عاجزا عن الامتثال لكان كل واحد من المتزاحمين واجبا عليه وانما سقط احدهما عن عهدته لعجزه وعليه المقتضي للوجوب تام ولذا التزمنا بتوجه الخطاب الى المكلف بالنسبة الى كل واحد من الواجبين على نحو الترتب.

ثانيهما : انه يجب على المكلف تحصيل المصلحة الملزمة والملاك اللازم ويحرم عليه تفويت الملاك مع قدرته عليه.

٢٧٦

اذا عرفت ما تقدم نقول تارة لا يكون احد المتزاحمين راجحا ويكون كلاهما كفرسي الرهان واخرى يكون احدهما المعين أهم ملاكا بمقدار يلزم رعايته وثالثا يكون احدهما المعين محتمل الاهمية أما على الاول فلا اشكال في التخيير والوجه فيه ظاهر وأما على الثاني فلا اشكال في لزوم تقديم الاهم بلا اشكال وأما على الثالث فائضا يلزم تقديم جانب محتمل الاهمية والوجه فيه ان ترك العدل جائز بلا اشكال وأما ترك محتمل الاهمية فجوازه غير محرز وببيان آخر اللازم على المكلف التحفظ على الملاك الملزم والمفروض ان الملاك في جانب محتمل الاهمية تام ولم يثبت جواز الترك وأما الطرف الآخر فلا اشكال في جواز تركه فالعقل يلزم المكلف بالاتيان بما يكون محتمل الاهمية هذا كلامه على ما في تقريره الشريف.

ويرد عليه انه لا دليل على لزوم التحفظ على الملاك الا فيما لا يكون المولى قادرا على ابراز ما في نفسه كما لو وقع ولد المولى في البحر وأشرف على الهلاك والمولى كان نائما أو ملجما غير قادر على الامر بالانقاذ فان روح الحكم موجودة ويجب على العبد انقاذ ولد المولى وأما في غير هذه الصورة فلا مقتضي للالزام ومع الشك لا مانع من الاخذ بدليل البراءة عقلية كانت أو شرعية ويمكن تقريب جريان البراءة بوجهين احدهما : ان مقتضى حديث الرفع عدم وجوب ما شك في وجوبه والمفروض ان وجوب الاخذ بهذا الطرف مجهول فيرفع بالبراءة ثانيهما : ان وجوب الاحتياط مشكوك فيه ومقتضى قبح العقاب بلا بيان عقلية ورفع الوجوب شرعا عدم وجوبه.

ان قلت : مقتضى استصحاب بقاء وجوب محتمل الاهمية لزوم الاتيان بالطرف الذي فيه احتمال الاهمية. قلت : اولا ان جريان الاستصحاب بهذا التقريب يختص بما يكون التزاحم عارضيا كى

٢٧٧

يكون وجوب الطرف الذي فيه الاحتمال يكون مورد التعين فيجري الاستصحاب بعد عروض التزاحم فالدليل اخص من المدعى وثانيا يقع التعارض بين استصحاب الجعل مع استصحاب المجعول فان استصحاب المجعول يقتضي وجوب الاتيان به واستصحاب عدم الجعل الزائد يقتضي عدم لزوم الاتيان به وبعد التعارض والتساقط تصل النوبة الى جريان البراءة وثالثا لا مجال للاستصحاب المذكور فانه كيف يعلم بالوجوب السابق المتعلق بما يحتمل كونه أهم فان امكان الاهمية يقتضي احتمال تعلق الوجوب بذلك الطرف وأما العلم به فلا فالركن الركين في الاستصحاب وهو المتيقن السابق مفقود فلاحظ.

تنبيهات : التنبيه الاول : في حكم ما لو دار الامر بين جزئية شيء أو شرطيته وبين كونه مانعا أو قاطعا اي نعلم اجمالا باعتبار احد الامرين في الواجب اما فعل شيء او تركه ويقع الكلام في مسائل المسألة الاولى : ما اذا كان الواحد واحدا شخصيا لا تكون له افراد طولية ولا عرضية كما اذا ضاق الوقت ولم يتمكن المكلف الا من صلاة واحدة ودار الامر بين الاتيان بها عاريا أو في ثوب نجس والحكم فيه التخيير فان الموافقة القطعية غير ممكنة وأما المخالفة القطعية بترك الصلاة رأسا فغير جائز يقينا فلا بد من الموافقة الاحتمالية فانها تحصل باحد أمرين وهذا ظاهر واضح.

المسألة الثانية : ما اذا كانت الواقعة متعددة ولكن لا يكون للواجب أفراد طولية ولا عرضية كما لو دار الامر في شيء بين كونه شرطا في صوم شهر رمضان أو كونه مانعا وفي مثله هل يكون التخيير ابتدائيا أو دائميا اختار سيدنا الاستاد قدس‌سره الاحتمال الاول

٢٧٨

ولكن للمناقشة فيه مجال فان التخيير الابتدائي يقتضي عدم العلم بالمخالفة والتخيير الاستمراري يقتضي العلم بالمخالفة ولكن يقتضي العلم بالموافقة في الجملة فيدور الامر بين الامرين والجزم باحد الطرفين مشكل.

المسألة الثالثة : ما اذا كان الواجب ذا افراد طولية كما لو دار الامر بين كون الساتر النجس شرطا وبين كونه مانعا ويمكن للمكلف الاحتياط بتكرار العمل مع سعة الوقت فعن الشيخ الاعظم قدس‌سره ان وجوب الاحتياط وعدمه يبتني على جريان البراءة في الاقل والاكثر فان قلنا بوجوب الاحتياط هناك نقول به هنا ايضا وإلّا فلا بتقريب ان الانسان لا يخلو من الفعل أو الترك وبعبارة واضحة : المكلف اما يصلي مع الساتر النجس واما يصلي عاريا ولا يمكن الاحتياط كما انه لا يمكنه الموافقة القطعية فيبقى احتمال احد الامرين اي يحتمل اعتبار الستر بالساتر النجس كما انه يحتمل اعتبار عدمه واصالة البراءة تنفي كلا الاحتمالين ولا يلزم إلّا المخالفة الالتزامية والمخالفة الالتزامية لا تمنع عن جريان الاصل هذا غاية ما يمكن أن يقال في المقام.

ويرد عليه ان الامر ليس كذلك ولا جامع بين المقامين فكأنه قدس‌سره توهم ان مفروض الكلام في فرض تحقق الصلاة في الخارج والحال انه لا يكون كذلك والمكلف يمكنه المخالفة القطعية بأن يترك الصلاة رأسا كما انه يمكنه الموافقة كذلك بأن يأتي مرة بالصلاة مع الساتر النجس ومرة اخرى عريانا والامر دائر بين أمرين متباينين ومقتضى كون العلم منجزا وجوب الاتيان بكل واحد من طرفي العلم الاجمالي وعلى الجملة في الشك بين الاقل والاكثر الاقل معلوم

٢٧٩

وجوبه على المشهور أو ترتب العقاب على تركه معلوم وبعبارة اخرى : البيان بالنسبة الى الاقل تام فلا مجال لجريان البراءة وأما الالزام بالاكثر فغير معلوم فجريان البراءة عن الاكثر بلا مانع لقبح العقاب بلا بيان وأما في المقام فكل واحد من الطرفين محتمل الوجوب ولا فرق بينهما ولا تميز فلاحظ.

التنبيه الثاني : في حكم الزيادة العمدية والسهوية في المركبات الاعتبارية وقبل بيان حكم الزيادة لا بد من بيان مفهوم الزيادة اولا وانها كيف تتصور في المركب الاعتباري وثانيا انه هل يتوقف تحقق الزيادة في المركب الاعتباري على قصد الزيادة أم لا فيقع الكلام اولا في هذين الامرين فنقول : أما الامر الاول فربما يقال لا تتصور الزيادة في المركب الاعتباري لان المأمور به كالركوع في الصلاة ان اخذ فيها على نحو بشرط لا يكون الوجود الثاني من الركوع موجبا للنقصان اذ المفروض ان المعتبر عنوان بشرط لا وهو غير متحقق على الفرض وان اخذ لا بشرط يكون الوجود الثاني من الركوع كالوجود الاول فلا ترجيح للوجود الاول على الوجود الثاني.

وفيه اولا ان هذا البيان انما يتم على تقدير كونه تاما في صورة كون الزيادة من سنخ الجزء كالوجود الثاني للركوع وأما اذا لم يكن مسانخا فلا يتم التقريب المذكور واعتبار لا بشرطية لا يقتضي ما لا يكون مسانخا جزءا للصلاة مثلا وثانيا ان عنوان لا بشرطية انما يقتضي كون الفرد الثاني كالفرد الاول جزءا فيما تكون الافراد في عرض واحد كما لو أوجب المولى اكرام عالم لا بشرط فاكرم العبد عشرين عالما في عرض واحد وأما في الافراد الطولية فلا يكون الوجود الثاني مصداقا للمأمور به كما هو ظاهر.

٢٨٠