آراؤنا في أصول الفقه - ج ٢

السيّد تقي الطباطبائي القمّي

آراؤنا في أصول الفقه - ج ٢

المؤلف:

السيّد تقي الطباطبائي القمّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات المحلّاتي ( المفيد )
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥١

الحرمة فلا مجال له اذ لا اشكال في عدم وجوب الوضوء كما انه لا اشكال في عدم حرمته فان الوضوء بالماء النجس لا يكون حراما الّا من باب التشريع المحرم وان كان المراد من الاصل اصالة البراءة عن الاشتراط وعدمه فان المستفاد من الشرع اشتراط ماء الوضوء بالطهارة ومع الشك في طهارة الماء يشك في أن استحباب الوضوء يشترط بعدمه من هذا الماء مقتضى الاستصحاب عدم الاشتراط اللهم إلّا أن يقال انه لا اشكال في عدم الاشتراط بالنحو المذكور فان الشرط طهارة الماء لا الاشتراط بعدمه بهذا الماء ومع الشك في وجود الشرط كيف يمكن الالتزام بصحة الوضوء فالنتيجة تنجز العلم بالنسبة الى جميع الآثار هذا كله فيما يكون هناك موضوعان يكون اثر احدهما اكثر من اثر الآخر وأما ان كان الموضوع واحدا ويكون الترديد في السبب كما لو علم باستدانته عن زيد لكن لا يدري ان دينه عشرون دينارا أو ثلاثون فلا اشكال في جريان الاصل عن الزائد فان المقرر عندهم انه لو دار الامر بين الاقل والاكثر غير الارتباطيين يجري الاصل عن الزائد.

وقال سيدنا الاستاد في هذا المقام : جريان أصل البراءة عن الزائد في مفروض الكلام متقوم بعدم اصل موضوعي وإلّا فلا اشكال في جريان ذلك الاصل الموضوعي ولا تصل النوبة الى الاصل الحكمي فلو علم بوقوع نجاسة على الثوب ولكن لا يدري ان النجاسة الواقعة عليه بولية او دموية فعلى الاول يجب تعدد الغسل وعلى الثاني يكفي الغسل الواحد فانه لا مجرى لاصالة البراءة عن وجوب الزائد بل مقتضى الاستصحاب بقاء النجاسة بعد الغسلة الاولى وبقائها الى أن يتحقق الغسل الثاني.

ويرد عليه اولا انه لا مجال لاصالة البراءة اذ لا وجوب تكليفي

٢٤١

كى يرفع باصالة البراءة وثانيا استصحاب النجاسة بعد الغسلة الاولى معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد فان جعل النجاسة الى زمان تحقق الغسلة الاولى معلوم وأما بعدها فبقاؤها مشكوك فيه ومقتضى الاستصحاب عدم جعلها أزيد من المقدار المعلوم وبعد تعارض الاستصحابين تصل النوبة الى قاعدة الطهارة.

التنبيه الخامس : انه يشترط في تنجز العلم الاجمالي أن يكون الاثر مترتبا على الاصل عملا في كل من الطرفين كما لو علم بنجاسة احد المائعين فان اصالة الطهارة الجارية في كل واحد من الطرفين يترتب عليها جواز الشرب واما اذا لم يترتب الاثر الا على بعض الاطراف فلا يكون العلم الاجمالي منجزا وعليه لو فرض ان المكلف علم بأنه اما يكون هذا الماء نجسا واما يكون الثوب الفلاني نجسا وفرض ان الثوب كان غصبا لا يكون العلم الاجمالي منجزا اذ لا يجوز التصرف في الغصب على كلا التقديرين فلا اثر للاصل الجاري فيه والميزان في تنجز العلم الاجمالي تعارض الاصول في الاطراف ومع عدم جريان الاصل في بعض الاطراف لا يكون مانع عن جريانه في الطرف الآخر. وان شئت قلت : ان بعض الاطراف اذا كان خارجا عن محل الابتلاء يجري الاصل في الطرف الآخر الذي في محل الابتلاء.

التنبيه السادس : انه يشترط في تنجز العلم الاجمالي أن يكون جميع الاطراف مقدورا للمكلف اذ لو لم يكن كذلك لا يكون الشك في المكلف به بل يكون الشك في أصل التكليف وتنجز العلم الاجمالي متقوم بالعلم بالتكليف والشك في المكلف به وقال الشيخ قدس‌سره : انه يشترط في الشبهة التحريمية أن يكون جميع الاطراف محل الابتلاء بحيث يكون توجه التكليف به صحيحا وأما اذا لم يكن بعض الاطراف محل الابتلاء وخارجا عنه كما لو علم المكلف بنجاسة الاناء

٢٤٢

الموجود في داره أو بنجاسة الاناء الموجود عند الملك فانه تارك للتصرف في ذلك الاناء على كلا التقديرين فلا يكون النهي عن شرب الماء النجس الموجود عنده صحيحا اذ هو بنفسه متروك ومع عدم صحة التكليف به لا يكون العلم بالتكليف متحققا فلا يكون منجزا وألحق بها صاحب الكفاية الشبهة الوجوبية بأن المكلف اذا كان فاعلا لامر من قبل نفسه لا مجال لتعلق التكليف به فلا يكون العلم الاجمالي في مثله منجزا.

والحق ان يقال انه يكفي للتنجز على القول به قدرة المكلف ولا فرق بين الموارد من هذه الجهة وإلّا يلزم عدم تعلق التكاليف بالواجبات وبالمحرمات بالنسبة الى الاوحدي من الناس كمولى الموحدين وأضرابه حيث انهم يتركون المحرمات ويأتون بالواجبات من قبل انفسهم وايضا يلزم عدم تعلق التكليف بالكذب بالنسبة الى من لا يكذب ولو كان جائزا وهكذا وهل يمكن الالتزام به والسر فيما ذكر ان الاحكام الشرعية تابعة للمصالح والمفاسد في المتعلقات ومقتضى عموم الادلة أو اطلاقها شمولها لجميع المكلفين بلا فرق بين الافراد ويكفي لصحة تعلق التكليف قدرة المكلف والقدرة من الشرائط العامة.

التنبيه السابع : هل العلم الاجمالي بناء على كونه منجزا يكون مؤثرا في التدريجيات كما انه يكون منجزا في الدفعيات أم يفصل بين الموردين وقبل الخوض في البحث وبيان الحكم يناسب أن نقدم مقدمة وهي ان البحث يختص بمورد لا تكون الشبهة البدوية فيه مورد الاحتياط مثلا لو علم المكلف بابتلائه في اليوم الفلاني بمعاملة ربوية من جهة الشبهة الحكمية فلا اشكال في وجوب الاحتياط لا من

٢٤٣

باب تنجز العلم الاجمالي بل من باب وجوب الاحتياط في الشبهة البدوية اذا كانت الشبهة حكمية ولا يجوز الاخذ بالبراءة قبل الفحص كما هو المقرر كما انه لا يمكنه الحكم بصحة المعاملة بل يحكم بالفساد وباصالة عدم النقل والانتقال مضافا الى أن التخصيص قطعي ومع احراز التخصيص يكون الاخذ بالعموم تمسكا به في الشبهة المصداقية.

ان قلت : ما المانع عن الاخذ بعموم دليل امضاء المعاملة؟ قلت : المفروض في المقام ان الشبهة حكمية ولا بد من الفحص عن المخصص كما انه لا بد من الفحص عن الدليل اذا كان الشك في الوجوب أو الحرمة فما دام لم يفحص عن المخصص لا يجوز الاخذ بالعموم.

وبعد بيان المقدمة نقول التدريجية على أقسام القسم الاول : ان المكلف يمكنه الجمع بين الاطراف ولكن باختياره يرتكب الاطراف بالتدريج كما لو علم بكون احد الثوبين غصبا فانه يمكنه أن يلبس كلا الثوبين دفعة واحدة وفي هذا الفرض لا اشكال في تنجز العلم الاجمالي ولا مجال لتوهم الخلاف فان المفروض ان المكلف قادر على المخالفة القطعية والموافقة كذلك.

القسم الثاني : أن لا يتمكن المكلف من القيام بكلا الامرين دفعة ولكن قادر على كل واحد من الطرفين او الاطراف كما لو علم اجمالا بوجوب صلاة الجمعة أو الظهر فلا اشكال في تنجز العلم الاجمالي أيضا في هذا القسم لفعلية التكليف وتعارض الاصول في الاطراف.

القسم الثالث : أن يكون الواجب امرا متأخرا كما لو علم بوجوب الدعاء عند رؤية الهلال في هذه الليلة أو زيارة الحسين عليه‌السلام في الغد وفي هذه الصورة قد يكون الوجوب فعليا والواجب استقباليا

٢٤٤

على نحو الواجب المعلق واخرى لا يكون الوجوب فعليا على كل تقدير بل مردد بين الوجوب الفعلي والوجوب المشروط أما الصورة الاولى فلا اشكال في تنجز العلم الاجمالي كبقية الموارد فان المفروض كون الوجوب فعليا ويتعارض الاصل الجاري في كل طرف مع الاصل الجاري في الطرف الآخر.

وأما الصورة الثانية فالاقوال فيها مختلفة القول الاول : عدم تنجز العلم الاجمالي ومقتضى القاعدة جريان الاصل في كلا الطرفين فان المكلف عند الواقعة الاولى يشك في التكليف وتوجه الالزام اليه فيأخذ بالبراءة وعند الواقعة الثانية ايضا يشك في الالزام وينفيه بالاصل ولا يترتب عليه محذور.

القول الثاني : تنجز العلم الاجمالي وعدم جريان الاصل في شيء من الطرفين.

القول الثالث : التفصيل بين كون ملاك الحكم تاما في ظرفه وعدم كونه كذلك فان ملاك الحكم المتأخر اذا كان تاما فلا يجوز ترخيص المولى في تركه وايضا لا يرخصه العقل ويرى حسن عقابه لتفويت الملاك الملزم وبعبارة اخرى : لا فرق بين الالزام والملاك.

واختار سيدنا الاستاد القول الثالث وقال لا يجوز تفويت الملاك الملزم في ظرفه ولذا يجب حفظ الماء قبل الزوال للوضوء للصلاة فلا فرق بين التكليف التدريجي والدفعي في أن كليهما يوجبان تنجز الامر على المكلف.

أقول : الذي يجب على المكلف بحكم العقل اطاعة أوامر المولى ونواهيه وأما التحفظ على الملاك كى لا يفوت فلا وعليه لا مانع عن جريان البراءة عقلا والاخذ بدليل عدم الوجوب والحرمة استصحابا

٢٤٥

وبراءة وان شئت قلت : المولى يمكنه ايجاب الاحتياط ومع عدم ايجابه الاحتياط وجعله الترخيص الظاهري لا وجه للاحتياط والتحفظ على الملاك نعم فيما يكون الملاك تاما والمولى لا يمكنه الالزام كما لو كان نائما وصار ابنه مشرفا على الغرق أو الحرق يلزم على العبد أن ينقذ ولد المولى وبعبارة اخرى : ان كانت روح الحكم موجودة يجب القيام على طبق الوظيفة وإلّا فلا وصفوة القول : انه لا ملزم من قبل العقل لحفظ الملاكات وانما العقل يحكم بلزوم الاتيان بما اوجبه المولى وترك ما حرمه.

التنبيه الثامن : في بيان المراد من الشبهة غير المحصورة وحكمها فيقع الكلام في موضعين أما الموضع الاول فقد عرفت الشبهة غير المحصورة بتعاريف التعريف الاول : ان المراد من غير المحصورة ما يعسر عده. واورد عليه بأنه لا انضباط لهذا الحد فان عسر العد يختلف باختلاف الاشخاص واختلاف الزمان واختلاف الاشياء واختلاف آلة العد هذا اولا وثانيا ان تردد شاة مغصوبة بين شياة البلد عندهم من غير المحصور والحال انه يمكن ان مجموع الشياة لا يزيد على الالف وتردد حبة واحدة من الارز بين الف الف حبة في اناء واحد يكون من المحصور والحال ان عد الشياة أسهل بمراتب من عد الحبات.

التعريف الثاني : ان احتمال كون التكليف في كل واحد من الاطراف موهوما واورد عليه سيدنا الاستاد بأن موهومية الاحتمال لا توجب عدم تنجز العلم الاجمالي ولذا لو كان وجود التكليف في احد الطرفين مظنونا وفي الطرف الآخر موهوما يكون العلم الاجمالي منجزا.

أقول : ان كان المراد بالموهوم ما يكون مرجوحا بحيث يكون عدمه مورد الاطمينان فلا يترتب عليه الاثر فلو كان احد الطرفين موهوما

٢٤٦

لا يكون الطرف الآخر مظنونا بل يكون الطرف الآخر مورد الاطمينان ولذا لا يرد على التعريف المذكور ما عن الميرزا النائيني من انه احالة الى امر مجهول فان الوهم له مراتب اذ يرد عليه اولا ان الميزان في الوهم ما ذكرنا وثانيا ان التحديد بالوهم لا ينافي كونه ذات مراتب فان الميزان تحقق الحد بايّة مرتبة من مراتبها وعلى الجملة ان اريد بالوهم الاطمينان بخلاف الموهوم فالموهوم لا أثر له كما لو قطع بالعدم وان اريد من الوهم الدرجة النازلة من الاحتمال لا يكون منافيا مع تنجز العلم الاجمالي فالحق ان ما افاده سيدنا الاستاد تام وربما يكون كثرة الاطراف بحد يكون احتمال انطباق المعلوم على كل واحد منها موهوما وهل يمكن تحققه خارجا بأن يعلم انسان نجاسة آنية في ضمن ألف الف آنية فان احتمال انطباق النجاسة على كل واحد منها موهوم ومع ذلك يعلم اجمالا بوجود النجاسة في ضمنها فلاحظ.

التعريف الثالث : انه امر عرفي ففي كل مورد صدق يترتب عليه حكمه وفيه ان هذه الكلمة لم ترد تحت دليل كى تحال الى العرف مضافا الى أن عدم الحصر يختلف بحسب الامور والاشخاص.

التعريف الرابع : ان المراد من غير المحصور ما لا يمكن للمكلف فيها المخالفة القطعية. وفيه اولا ان عدم القدرة على المخالفة القطعية أعم من غير المحصور فان المكلف لو علم اجمالا بأنه يحرم عليه في اول الظهر اما الكون في المسجد الفلاني أو في الحرم الشريف فانه لا يمكنه أن يخالف التكليف بالخلاف القطعي وثانيا لا انضباط في التحديد المذكور فان عدم القدرة في اي مقدار من الزمان.

٢٤٧

التعريف الخامس : أن غير المحصور يعسر موافقته القطعية. وفيه ان العسر بنفسه رافع للتكليف ولا يرتبط بكون الشبهة غير محصورة مضافا الى ان العسر يرفع التكليف بالمقدار الذي فيه العسر لا على الاطلاق. ان قلت : الحكم الشرعي لا حرج فيه وانما الحرج في الاحراز اي احراز الاطاعة فكيف يرتفع بالحرج والحال ان الحرج يرفع الحكم الحرجي. قلت في مقام الامتثال والاحتياط اذا صار الفعل المأتي به حرجيا لا يجب الاتيان به اذ لا يخلو من كونه اما فرد الواجب واما لا يكون أما على الثاني فلا مقتضى لاتيانه وأما على الاول فيرتفع وجوبه بالحرج الرافع للاحكام فلاحظ.

اذا عرفت ما تقدم نقول الحق انه لا فرق فيما هو المهم في المقام بين كثرة الاطراف وقلتها وان الميزان في تنجز العلم الاجمالي على القول به كون الاطراف محل الابتلاء وكون المكلف قادرا على ما تعلق به الحكم وان شئت قلت : لا فرق في هذه الجهة بين المحصورة وغير المحصورة فلا مجال لاطالة الكلام حول التعريف والتحديد فلاحظ هذا تمام الكلام في الموضع الاول.

واما الموضع الثاني فقد استدل على عدم لزوم الاجتناب بوجوه الوجه الاول : ان كل طرف احتمال التكليف فيه موهوم ولا أثر للوهم. ويرد عليه انه لو فرض ان الاطراف متساوية الاقدام من حيث الوهم وفرض ان المكلف قادر ومتمكن من ارتكاب كل واحد من الاطراف بحيث يعلم بتوجه التكليف فهل يجوز الارتكاب مع البناء على تنجز العلم الاجمالي واي فرق بين المقام وبقية الموارد وبعبارة واضحة موهومية التكليف في كل طرف لا تنافي معلومية الالزام.

الوجه الثاني : ان الموافقة القطعية تابعة للمخالفة القطعية فاذا

٢٤٨

لم تكن المخالفة قطعية محرمة لا تكون الموافقة كذلك واجبة. وفيه انه ليس الامر كذلك والميزان في تنجز العلم الاجمالي تعارض الاصول في الاطراف.

الوجه الثالث : الاجماع. وفيه ما فيه. الوجه الرابع : ما رواه ابو الجارود قال سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الجبن فقلت له : اخبرني من رأى انه يجعل فيه الميتة فقال أمن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرّم في جميع الارضين؟ اذا علمت انه ميتة فلا تأكله وان لم تعلم فاشتر وبع وكل والله اني لاعترض السوق فاشتري بها اللحم والسمن والجبن والله ما اظن كلهم يسمون هذه البربر وهذه السودان (١).

بتقريب ان المستفاد من الحديث انه مع كثرة الاطراف ترتفع الحرمة. ويرد عليه اولا ان الرواية ضعيفة سندا فلا تصل النوبة الى ملاحظة دلالتها وثانيا انه لا ترتبط الرواية بما نحن فيه فان المستفاد منها ان وجود حرام في قطعة من قطاع الارض لا يوجب حرمة الجميع ومعلوم من مساق الحديث ان المفروض خروج بعض الاطراف عن محل الابتلاء ولا كلام فيه فتحصل مما تقدم ان ما افيد من عدم تنجز العلم الاجمالي مع كثرة الاطراف وكون الشبهة غير محصورة لا يرجع الى محصل صحيح وان الميزان كون الالزام المعلوم بالاجمال مورد الابتلاء وكون متعلقه مقدورا للمكلف وأما كثرة الاطراف فلا تأثير لها فيما هو محل الكلام.

بقى في المقام فرعان الفرع الاول : انه لو كانت الشبهة غير المحصورة على نحو شبهة الكثير في الكثير كما لو علم بنجاسة عشرة أواني في ضمن الف آنية فعلى القول بعدم تنجز العلم الاجمالي فى

__________________

(١) الوسائل الباب ٦١ من ابواب الاطعمة المباحة الحديث ٥.

٢٤٩

غير المحصورة فهل يكون حكمها حكم غيرها الحق أن يقال ان كان المدرك لعدم التنجز موهومية الاحتمال كما عليه الشيخ يحكم بكون العلم منجزا اذ في الصورة المفروضة لا يكون احتمال الالزام موهوما وأما لو كان المدرك لعدم التنجز عدم امكان المخالفة القطعية فلا فرق بين موارد الشبهة لوحدة الملاك.

الفرع الثاني : انه لو قلنا بان العلم الاجمالي لا ينجز المعلوم اذا كانت الشبهة غير محصورة فيكون العلم بالحكم كعدمه فهل يكون الشك كعدمه ايضا فلو علم بكون واحد من الاواني ماء مضافا لا يجوز التوضؤ به فهل يجوز التوضؤ من آنية من تلك الاواني أم لا يجوز؟ فنقول : على مسلك الشيخ يجوز اذ المفروض كون احتمال الاضافة موهوما فيجوز الوضوء وأما على مسلك غير الشيخ فلا يجوز اذ يكفي الشك في الاطلاق والاضافة لعدم الجواز والذي يختلج بالبال أن يقال : انه لا يعقل أن يتعلق العلم بأمر ومع ذلك يكون عدم ذلك الامر مورد الاطمينان وعلى هذا الاساس نقول كيف يمكن أن يتعلق العلم بوجود مائع مضاف مثلا في أثناء الف اناء ومع ذلك يكون احتمال الاضافة بالنسبة الى كل واحد من تلك الاواني موهوما فان مرجعه الى الاطمينان بعدم الاضافة في المجموع فيكون معناه ان الشخص يعلم بوجود أمر ويطمأن بعدم ذلك الامر وهذا امر غير معقول فلا تغفل.

التنبيه التاسع : انه على القول بتنجز العلم الاجمالي لو اضطر الى ارتكاب احد الاطراف فما حكمه فنقول الاضطرار تارة يتعلق بارتكاب واحد معين واخرى يتعلق بالجامع فيقع الكلام في مقامين أما المقام الاول فله صور :

الصورة الاولى : ما لو اضطر الى ارتكاب احد الطرفين وكان الاضطرار متأخرا عن التكليف وعن العلم به كما لو علم المكلف بكون

٢٥٠

احد المائعين خمرا ثم اضطر الى شرب واحد منهما على نحو التعيين ففي مثله هل يكون تنجز العلم الاجمالي باقيا ام لا؟ الحق انه لا اثر للعلم الاجمالي بقاء فان تنجز العلم متقوم بتعارض الاصول والمفروض انه لا تعارض بقاء وما قيل من أن الاصل في المرحلة الاولى سقط ومات بالمعارضة والميت لا يصير حيا بعد مماته كلام شعري ولا اساس له بل الحق ان الاصل يجري في الطرف المقابل بلا مزاحم ومعارض ولتوضيح المدعى نقول عدم شمول دليل الاصل لاطراف العلم الاجمالي بواسطة المانع ولا يكون لعدم وجود المقتضي فما دام المانع موجودا لا يجري دليل الاصل.

الصورة الثانية : أن يكون الاضطرار الى ارتكاب احدهما المعين قبل التكليف وقبل العلم به كما لو اضطر الى احد المائعين على نحو التعيين ثم علم بوقوع نجاسة في احدهما ولا اشكال في عدم التأثير للعلم اذ المفروض انه لا يحصل للمكلف علم بالتكليف فلا مانع عن ارتكاب كلا المائعين أما الذي اضطر اليه فواضح وأما المائع الآخر فلأجل جريان الاصل العملي فيه المقتضي لحليته ويلحق بهذه الصورة صورة تقارن الاضطرار والعلم من حيث النتيجة فلا تنجز للعلم في هذه الصورة ايضا.

الصورة الثالثة : ما يكون العلم بالتكليف متأخرا عن الاضطرار والاضطرار يكون متأخرا عن التكليف كما لو اضطر الى شرب احد المائعين معينا ثم علم بوقوع نجاسة في احد الإناءين قبل تحقق الاضطرار أما على القول بعدم تنجز العلم في الصورة الاولى فعدمه اوضح في هذه الصورة وأما على القول بالتنجز في تلك الصورة فائضا مقتضى القاعدة عدم تنجز العلم الاجمالي اذ قوام التنجز

٢٥١

بتعارض الاصول والمفروض ان الاصل لا يجري بالنسبة الى ما اضطر اليه للعلم بحليته على كلا التقديرين فيجري الاصل في الطرف الآخر بلا معارض.

وفي المقام شبهة وهي انه لو كان الاضطرار متأخرا عن التكليف يكون مقتضى الاستصحاب او قاعدة الاشتغال بقاء ذلك التكليف فكيف يمكن جريان الاصل في الطرف الآخر واجاب عن هذه الشبهة سيدنا الاستاد بأنه لا علم بالتكليف كى يتعارض الاصل في الاطراف فان المضطر اليه لا يكون متعلق التكليف قطعا والطرف الآخر يمكن توجه التكليف به وحيث انه لا علم فلا مانع عن جريان الاصل فيه.

ويرد عليه اولا انه لا اشكال في تعلق التكليف قبل تحقق الاضطرار غاية الامر لم يكن منجزا لعدم العلم به قبل الاضطرار وثانيا هذا التقريب اذا كان تاما في نظره فما المانع عن جريان الاصل فيما يكون الاضطرار متأخرا عن العلم اذ بقاء لا علم بالتكليف فما المانع عن جريان الاصل في الطرف الآخر. فالحق انه لا مانع عن جريان الاصل في جميع الصور هذا تمام الكلام في المقام الاول وهو الاضطرار الى احد الطرفين معينا.

وأما المقام الثاني وهو ما اذا اضطر المكلف الى الجامع فاختار صاحب الكفاية عدم تنجز العلم الاجمالي بدعوى ان تجويز الجامع لا يجامع مع حرمة الفرد على كل تقدير فان الحرام اذا كان منطبقا على الفرد المختار لا يكون حراما فيكون الشك في الطرف الآخر موردا للاصل بلا معارض.

والحق تنجز العلم في الجملة وذلك لان المفروض تعلق الاضطرار بالجامع لا بالفرد فما تعلق به الاضطرار لا يكون حراما وما يكون

٢٥٢

حراما لا يكون مضطرا اليه وبعبارة واضحة : اذا كان ما اختاره المكلف حراما لا يصير حلالا بل يكون باقيا على حرمته غاية الامر يكون المكلف معذورا في ارتكابه وان شئت قلت : لا اشكال لا في ناحية المبدا ولا في ناحية المنتهى أما من ناحية المبدا فان المبغوض مبغوض لدى المولى وانما الترخيص في ارتكاب الجامع للمصلحة في الجعل وأما من ناحية العبد فلا بد له بمقتضى حكم العقل أن يختار احد الطرفين ويجتنب عن الآخر وان شئت قلت : يتعارض الاصل في الطرفين ويسقط بالتعارض غاية الامر بلحاظ الاضطرار يرخص المولى في ارتكاب الجامع فالنتيجة ان الصورة المفروضة متوسطة بين التنجز المطلق وعدمه كذلك.

وعن الميرزا النائيني ان ما اختاره المكلف ان كان هو الحرام ترتفع حرمته ، بتقريب انه بعد الاختيار يصير مصداقا للاضطرار والاضطرار رافع للتكليف ولكن مع ذلك لا يجوز ارتكاب الطرف الآخر لان العلم الاجمالي قبل تحقق الاضطرار بفرد أوجب وجوب الاجتناب عن كلا الطرفين.

ويرد عليه اولا ان الفرد المختار لا يصير حلالا بل يكون باقيا على حرمته السابقة والاضطرار بالجامع لا بالفرد وثانيا ان التقريب المذكور غير قابل للقبول فان التحريم المولوي لاجل زجر العبد عن الارتكاب فكيف يمكن ارتفاعه بالارتكاب وبعبارة اخرى : هل يمكن أن يكون فعل محرما ما لم يرتكب وأما حين الارتكاب فيصير جائزا فان مثل هذا الحكم لغو ولا يمكن صدور اللغو عن الحكيم.

التنبيه العاشر : انه لا اشكال في تنجز العلم الاجمالي على القول به فيما تكون الاصول عرضية كما لو علم بأنه اما هذا الماء نجس

٢٥٣

أو ذلك الماء وأما اذا كانت طولية فما هو حكمه كما لو علم بأنه اما هذا الماء نجس أو ذلك التراب مع انحصار الطهور بهما فان جريان اصالة الطهارة في التراب في طول جريانها في الماء لانه مع جريان اصالة الطهارة في الماء لا تصل النوبة الى جريانها في التراب فانه مع وجود الماء لا يجوز التيمم فعدم الجواز مستند الى عدم موضوعه لا الى نجاسة التراب ففي مثله ما هو الوظيفة؟

وتتصور في المقام صورتان الصورة الاولى : أن لا يكون اثر لطهارة التراب الا جواز التيمم ففي هذه الصورة تجري اصالة الطهارة في الماء بلا معارضتها باصالة الطهارة الجارية في التراب وذلك لعدم ترتب اثر على كون التراب نجسا فان النجاسة ان كانت في التراب فعدم جواز التيمم مستند الى وجود الماء الطاهر لا الى نجاسة التراب وان كانت واقعة في الماء فيجوز التيمم بالتراب وان شئت قلت : لا يترتب على النجاسة المعلومة بالاجمال عدم جواز التيمم على كل تقدير وفي هذه الصورة يجب على المكلف أن يتوضأ ويصلي.

الصورة الثانية : أن يكون لطهارة التراب اثر غير التيمم كالسجود عليه مثلا وفي هذه الصورة يتعارض الاصل الجاري في كل طرف مع الاصل الجاري في الطرف الآخر وبعد التعارض والتساقط يجب على المكلف أن يجمع بين الوضوء والتيمم.

وقد ذكر في مقام الاشكال على الجمع بين الامرين ايرادان الاول : انه يلزم التشريع المحرم. الثاني يلزم احتمال نجاسة بدنه بالملاقاة مع الماء النجس ويذب الايراد الاول بأنه مع قصد الرجاء لا يتحقق التشريع والايراد الثاني بأن الملاقي مع بعض اطراف الشبهة المحصورة لا يقتضي الانفعال بل مقتضى الاستصحاب بقاء طهارة الملاقي غاية

٢٥٤

الامر لا بد من تقديم التيمم على الوضوء اذ في صورة العكس يعلم بفساد تيممه اما من جهة كون الماء نجسا واما من جهة ان التراب نجس ولا يجوز التيمم به.

التنبيه الحادى عشر : في حكم الملاقي بعض الاطراف من الشبهة المحصورة وقبل الخوض في البحث يذكر أمران :

احدهما ان الكلام في الملاقي انما يكون فيما يلاقي احد الطرفين وأما لو لاقى كلا الطرفين فلا كلام في وجوب الاجتناب عن الملاقي للقطع بنجاسته كما انه لو لاقى شيء لاحد الطرفين ولاقى شيء آخر مع الطرف الآخر يحصل علم اجمالي جديد بالتكليف بين الملاقيين وهذا الفرض ايضا خارج عن محل الكلام.

ثانيهما ان قوام تنجز العلم الاجمالي بتساقط الاصول وأما مع عدم سقوط الاصل وجريانه فلا يكون العلم منجزا وبعبارة اخرى : مع العلم بالتكليف لو جرى الاصل في كلا الطرفين يكون ترخيصا في المعصية وجريان الاصل في احد الطرفين دون الآخر ترجيح من غير مرجح واحتمال التكليف مع عدم المرخص منجز وأما مع عدم العلم بالتكليف فلا مانع عن جريان الاصل فاذا علمنا بنجاسة احد المائعين فلا يجوز شربهما ولا شرب احدهما لتنجز العلم الاجمالي وتعارض الاصول في الطرفين وأما لو لاقى شيء ثالث مع احد المائعين فلا مانع عن جريان الاصل فيه لعدم العلم بالتكليف.

اذا عرفت ما تقدم نقول يقع الكلام في الملاقى في مسائل ثلاث المسألة الاولى : ما اذا كانت الملاقاة والعلم بها بعد العلم الاجمالي فنقول الملاقاة مع النجس لا توجب توسعة في النجس ولا تكون بمنزلة تقسيمها الى قسمين بل الملاقاة توجد فردا جديدا للنجاسة وحيث ان نجاسة الملاقى بالفتح مشكوك فيه لا يحصل العلم بنجاسة الملاقي

٢٥٥

بالكسر بل يشك في نجاسته وبمقتضى الاصل يحكم بطهارته.

وربما يقال يجب الاجتناب عن الملاقي وذلك لوجهين الوجه الاول : ما رواه جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام قال أتاه رجل فقال وقعت فأرة في خابية فيها سمن أو زيت فما ترى في أكله؟ قال فقال له أبو جعفر عليه‌السلام : لا تأكله فقال له الرجل : الفارة أهون عليّ من أن أترك طعامي من أجلها قال فقال له أبو جعفر عليه‌السلام : انك لم تستخف بالفارة وانما استخففت بدينك ان الله حرّم الميتة من كل شيء (١) بتقريب ان المستفاد من الخبر ان نجاسة السمن عين نجاسة الميتة فيعلم من الحديث ان الملاقاة توجب التوسعة فكانه قسم الملاقى بالفتح الى قسمين.

ويرد عليه اولا ان الحديث ضعيف سندا وثانيا ان المستفاد من الحديث ان الفارة مع صغر جسمها توجب نجاسة السمن الكثير بحكم الشارع لا أن نجاسة الملاقي عين نجاسة الملاقى بالفتح وثالثا ان الملاقي مع احد الاطراف لا يقاس بالملاقي مع الميتة فان الميتة عين النجاسة وقد ثبت من الشرع وجوب الاجتناب عن ملاقيها وأما طرف العلم الاجمالي فلم يثبت من الشرع كونه نجسا كما لم يثبت وجوب الاجتناب عنه وانما يجب الاجتناب عنه بحكم العقل من باب عدم جريان الاصل فيه وكم فرق بين المقامين.

الوجه الثاني : انه يحصل علم اجمالي جديد بالتكليف فان المكلف بعد الملاقاة يعلم بانه اما يكون الملاقي بالكسر نجسا واما الطرف الآخر نعم لو كانت الملاقاة بعد انعدام الطرف الآخر لا يكون العلم بالملاقاة موجبا للعلم بالتكليف.

واجيب عن هذا الوجه بأن الاصل الطولي لا مجال له مع جريان

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من ابواب الماء المضاف الحديث ٢.

٢٥٦

الاصل الذي في الرتبة السابقة وأما لو سقط الاصل الذي في الرتبة السابقة تصل النوبة الى الاصل المتأخر في الرتبة وحيث ان احتمال نجاسة الملاقي مسبب عن الشك في نجاسة الملاقى بالفتح فان جرى الاصل في الملاقى بالفتح لا تصل النوبة الى جريان الاصل في الملاقي بالكسر ولكن حيث ان الاصل الجاري في الملاقى بالفتح ساقط بالمعارضة تصل النوبة الى جريان الاصل في الملاقي بالكسر وعليه لا مجال للتقريب المذكور وان شئت قلت : لا تعارض بين الاصل الجاري في الملاقي بالكسر والاصل الجاري في الطرف الآخر فان الاصل الجاري فيه سقط عن الاعتبار بالمعارضة.

واورد في الجواب المذكور بالشبهة الحيدرية وهي ان ما افيد وان كان صحيحا لكن اصالة الحل الجارية في كل من الطرفين في طول اصالة الطهارة فاصالة الحل الجارية في الطرف الآخر معارضة مع اصالة الطهارة الجارية في الملاقي بالكسر وكلاهما في رتبة واحدة اذ هما مسببان عن الشك في الطهارة. وبعبارة واضحة : بعد الملاقاة يعلم المكلف بأنه اما يكون الملاقي بالكسر نجسا واما يكون الطرف الآخر حراما فاصالة الطهارة الجارية في الملاقي بالكسر تعارض اصالة الاباحة الجارية في الطرف الآخر فيكون العلم الاجمالي الثاني ايضا منجزا كالعلم الاجمالى الاول.

اذا عرفت ما تقدم نقول الذي يختلج بالبال أن يقال تارة لا يكون الملاقي بالكسر مختصا باصل طولي واخرى يكون مختصا باصل طولي أما على الثاني فلا يكون العلم الاجمالي الثانى منجزا وأما على الاول فيكون منجزا توضيح المقام ان قوام تنجز العلم الاجمالي بتعارض الاصول فلو تحقق التعارض ينجز العلم الاجمالي مثلا لو علم المكلف بنجاسة احد الماءين ثم لاقى شيء مع احد الماءين لا

٢٥٧

يكون العلم الاجمالي الثاني منجزا وذلك لان اصالة الطهارة الجارية في كل واحد من الإناءين تعارض مع الاصل الجاري في الاناء الآخر وايضا اصالة الاباحة الجارية في كل واحد من الإناءين تعارض باصالة الاباحة الجارية في الآخر وبعد التساقط تصل النوبة الى جريان اصالة الطهارة الجارية في الملاقي بالكسر بلا معارض وحيث لا تعارض لا يكون العلم الاجمالي الثاني منجزا وأما لو فرض التعارض كما لو علم المكلف اجمالا بنجاسة ثوبه او اناء مائه ثم لاقى شيء مع ثوبه تقع المعارضة بين اصالة الطهارة الجارية في الثوب مع اصالة الطهارة الجارية في الماء وبعد التعارض والتساقط يقع التعارض بين اصالة الطهارة الجارية في الملاقي مع الثوب واصالة الحلية الجارية في الطرف الآخر اي الماء وبعد التعارض والتساقط يكون العلم الاجمالي الثاني منجزا ايضا كالعلم الاجمالي الاول لوحدة الملاك وهو تعارض الاصل الجاري في الطرفين.

ان قلت : نفرض عدم اختصاص الطرف الآخر باصل طولي كما هو كذلك في مثال الماءين الذي علم بنجاسة احدهما ثم لاقى شيء مع احدهما ونقول ما الوجه في عدم التعارض وما الوجه في عدم تنجز العلم الاجمالي الثاني. فان الملاك في التنجز كما بين عبارة عن تعارض الاصل وسقوطه والمقام كذلك بتقريب ان اصالة الطهارة الجارية في الطرف الآخر كما تعارض الاصل الجاري في عدله كذلك تعارض الاصل الجاري في الملاقي بالكسر فان موضوع الاصل الشك في الطهارة وهذا العنوان موجود في الملاقي بالكسر وفى الطرف غاية الامر الاصل الجاري في الطرف يعارض الاصل الجاري في عدله حدوثا ويعارض الاصل الجاري في الملاقي بالكسر بقاء فما الوجه في عدم التنجز؟

٢٥٨

قلت : الوجه فيه انا نقطع بعدم شمول دليل الاصل للطرف مع قطع النظر عن تحقق الملاقاة وعدمها وان شئت قلت : اطلاق دليل الاصل قيد بالنسبة الى الطرف المقابل أو عمومه قد خصّص به وأما بالنسبة الى الملاقي فالمقتضي للشمول تام بلا مانع يمنع عنه فعدم التعارض ناش عن عدم شمول الدليل للطرف فلا موضوع للتعارض فافهم واغتنم هذا تمام الكلام في المسألة الاولى.

المسألة الثانية ما اذا حصلت الملاقاة وعلم بها وبعده يتحقق العلم الاجمالي والمسألة تتصور بصورتين الصورة الاولى : ما يكون زمان الملاقاة وحصول النجاسة متحدا كما لو كان ثوب في اناء وعلم بوقوع نجاسة في ذلك الاناء الذي فيه الثوب أو في الاناء الآخر وفي هذه الصورة وقع الكلام بين القوم فذهب بعضهم الى عدم وجوب الاجتناب عن الملاقي بالكسر بتقريب ان الاصل الجاري في الملاقي بالكسر متأخر رتبة عن الاصل الجاري في الملاقى بالفتح فيجري الاصل في الملاقي بالكسر بلا معارض وذهب بعض آخر الى أن الاصل الجاري في الملاقي بالكسر وان كان متأخرا عن الاصل الجاري في الملاقى بالفتح رتبة ولكن يكون في رتبة الاصل الجاري في الطرف الآخر فيقع التعارض بين الاصل الجاري في الملاقي بالكسر مع الاصل الجاري في الطرف الآخر فيكون العلم الاجمالي منجزا بالنسبة الى الملاقي بالكسر ايضا والظاهر ان الصحيح هو القول الثاني.

الصورة الثانية : ما اذا كان زمان المعلوم بالاجمال سابقا على زمان الملاقاة كما لو علم يوم السبت بأن احد الإناءين كان نجسا يوم الجمعة ولاقى احدهما ثوب يوم الجمعة والظاهر ان العلم الاجمالي منجز فان المناط زمان العلم لا زمان المعلوم ففي يوم

٢٥٩

السبت يعلم بأنه اما الاناء الابيض مثلا الذي لاقاه الثوب والملاقي له نجس واما الاناء الاسود نجس فالعلم الاجمالي منجز على ما هو المقرر.

المسألة الثالثة : ما اذا كان العلم الاجمالي بعد الملاقاة وقبل العلم بها كما لو لاقى ثوب احد اناءين ثم علمنا بنجاسة احدهما ثم علمنا بالملاقاة فهل يكون العلم الاجمالي في الفرض المذكور منجزا بالنسبة الى الملاقي اي الثوب ام لا؟ ربما يقال بأن القاعدة تقتضي الاجتناب عن الثوب وذلك لان العلم الاجمالي بنجاسة احد الإناءين تبدل بعلم اجمالي آخر والميزان في التنجز هو العلم الحادث مثلا لو علمنا اجمالا بنجاسة اناءين صغيرين أو اناء كبير ثم تغير العلم المذكور بأن علمنا بأن النجسين اما الاناءان الصغيران واما اناء آخر صغير ايضا لا اشكال في عدم وجوب الاجتناب عن الاناء الكبير بل اللازم الاجتناب عن الاواني الصغار.

ولكن الحق عدم تمامية التقريب المذكور ولا وجه للمقايسة بين المقامين فان العلم الاجمالي في مثال الاواني قد تغير الى علم اجمالي آخر وان شئت قلت : ان العلم الاجمالي الاول زال وحدث علم اجمالي آخر ولا اشكال في عدم ترتب اثر على العلم الاجمالي الزائل والمفروض ان العلم الاجمالي منجز ومقتضاه الاجتناب عن الاواني الصغار لتعارض الاصل في الطرفين وأما في المقام فالعلم الاجمالي الحادث اولا باق بحاله ولا تغير فيه غاية الامر توسع بعض اطرافه وحيث ان الاصل ساقط في الطرفين بالتعارض لا يكون مانع عن جريان الاصل في الثوب وصفوة القول : ان الميزان في تنجز العلم الاجمالي عدم جريان الاصل للمعارضة ففي كل مورد سقط الاصل

٢٦٠