آراؤنا في أصول الفقه - ج ٢

السيّد تقي الطباطبائي القمّي

آراؤنا في أصول الفقه - ج ٢

المؤلف:

السيّد تقي الطباطبائي القمّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات المحلّاتي ( المفيد )
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥١

لا يقتضي العلم بالعقاب اذ يمكن ان الله يعفو عن العبد المذنب برحمته الواسعة فالميزان في التنجيز احتمال التكليف المستلزم لاحتمال العقاب فالنتيجة ان مجرّد احتمال العقاب يكفي لتنجيز التكليف المحتمل نعم فى كل مورد يجري الاصل النافي يرخص العقل في الارتكاب كما ان جريان قبح العقاب بلا بيان موضوع للترخيص العقلي ويتفرع على ما ذكرنا انه لو علم المكلف اجمالا بالتكليف فلو لم يجر الاصل في شيء من الاطراف يكون الموافقة القطعية لازمة وأما ان جرى في بعض الاطراف دون غيره فلا يكون العلم منجزا بالنسبة الى الطرف الذي يجري فيه الاصل ولا تكون الموافقة القطعية لازمة ولا فرق فيما ذكرنا بين تعلق العلم الاجمالي بثبوت التكليف وبين تعلقه بالسقوط.

وبعبارة اخرى : لا فرق في جريان الاصل في أطراف العلم الاجمالي وعدمه بين تعلق العلم الاجمالي بأصل التكليف وبين تعلقه بالامتثال فعلى تقدير جريان الاصل يجري في مقام الامتثال ايضا فلو علم المكلف ببطلان احدى صلاتيه على القول بجريان الاصل في الاطراف تجري قاعدة الفراغ بالنسبة الى كلتا الصلاتين.

اذا عرفت ما تقدم نقول البحث في المقام الاول يقع في جهات : الجهة الاولى : في امكان جريان الاصل في جميع الاطراف ثبوتا وعدمه وما يمكن أن يكون مانعا أمران الامر الاول : ان جريان الاصل في الاطراف مع العلم بالالزام كما هو المفروض يوجب الترخيص في العصيان وهو قبيح عقلا ويمكن أن يقال ان الاشكال من ناحية اخرى وهو ان الترخيص في الاطراف مع الالزام المعلوم يوجبان تحيّر المكلف بالنسبة الى وظيفته وبعبارة واضحة مقتضى العلم بالالزام لزوم الامتثال ومقتضى الترخيص جواز الترك ولا يمكن

٢٢١

الجمع بين كون الشخص ملزما وكونه مرخصا ومطلق العنان فالاشكال من ناحية المنتهى وان شئت قلت : صدور الالزام والترخيص من المولى أمر غير ممكن لعدم امكانه كون المكلف ملزما ومطلق العنان اذ كيف يمكنه الجمع بين الامتثال وتركه وهذا هو العمدة في الاشكال وإلّا فمجرد الترخيص في العصيان وترك الواجب أو فعل الحرام اذا كان ناشيا عن مصلحة لا يكون ممتنعا اذ لا تنافي بين الاحكام بما هي.

الامر الثاني مناقضة الحكم الظاهري مع الحكم الواقعي. وهذا الوجه لا يختص بما اذا كان المعلوم الزاميا بل يعم ما لو كان المعلوم الاجمالي ترخيصيا ايضا نعم يختص بما يكون الحكم الظاهري ثابتا بالامارة قال سيدنا الاستاد في هذا المقام : انه لو قامت الامارة في كل من الطرفين على خلاف المعلوم اجمالا كما اذا علمنا بنجاسة احد الإناءين وقامت الامارة في كل من الطرفين على طهارة ذلك الطرف يقع التعارض بين الطرفين ونتيجة التعارض التساقط فان الاخذ بكلا الطرفين غير ممكن وترجيح احدهما على الآخر بلا مرجح ولا فرق فيما ذكر بين لزوم المخالفة القطعية وعدمه فان الاشكال من ناحية التناقض وبعبارة اخرى : ان الامارة القائمة على الطهارة في كل طرف تدل على نجاسة الطرف الآخر فيقع التعارض بين المدلول المطابقي لكل واحدة منهما مع المدلول الالتزامي للامارة الاخرى فيقع التناقض بين مدلوليهما ومن الواضح عدم امكان التعبد بالمتناقضين ولا فرق فيما ذكرنا بين ترتب المخالفة القطعية وعدم ترتبه فان الاشكال من ناحية المناقضة وأما لو كان الدليل الجاري في كل طرف الاصل العملي أعم من أن يكون تنزيليا كالاستصحاب أو غير تنزيلي فان لزم من جريان الاصل في كلا الطرفين المخالفة العملية لا يجري وان لزم منه المخالفة الالتزامية لا العملية يجري فلو

٢٢٢

علم المكلف بطهارة احد الإناءين اللذين كانا نجسين سابقا وطهر احدهما يجري استصحاب النجاسة في كليهما اذ لا يلزم مخالفة عملية واذا انعكس الامر بأن كانا طاهرين سابقا وعلم بنجاسة احدهما فان الاستصحاب لا يجري في الطرفين اذ يلزم المخالفة العملية هذا ملخص كلامه.

ويرد عليه ان المانع الوحيد في الاخذ بالامارة أو الاصل عدم امكان الجمع في مقام الامتثال وبعبارة اخرى : الاشكال من ناحية المنتهى وإلّا فلا مجال لاشكال التناقض فان باب الاحكام الشرعية اجنبي عن التناقض والتضاد والتماثل فانها اوصاف تعرض للامور الخارجية هذا تمام الكلام في الجهة الاولى.

الجهة الثانية : في امكان جريان الاصل في بعض الاطراف ثبوتا وعدم امكانه والذي يمكن أن يقال في وجه عدم الامكان او قيل امران الامر الاول انه لا فرق في انكشاف الواقع بالعلم بين العلم التفصيلي والعلم الاجمالي وان الواقع ينكشف بالعلم الاجمالي كما ينكشف بالعلم التفصيلي وانما الفرق من ناحية المعلوم فان كان الحكم الواقعي المعلوم فعليا من جميع الجهات لا يمكن جعل الاصل النافي لذلك الحكم في بعض الاطراف كما لا يمكن جريانه في جميعها ضرورة عدم امكان الترخيص في المعصية فان الترخيص في المعصية المعلومة غير ممكن وايضا الترخيص في المعصية الاحتمالية غير ممكن وأما ان لم يكن الحكم الواقعي فعليا من جميع الجهات فلا مانع من الترخيص في جميع الاطراف كما انه لا مانع عنه بالنسبة الى بعض الاطراف وهذا معنى قولهم ان العلم الاجمالي علة تامة للتنجيز في مقابل القول بأنه مقتض.

وصفوة القول : انه كما لا يمكن العلم بتحقق التضاد كذلك لا يمكن

٢٢٣

احتماله ويرد عليه انه ما المراد من الفعلية التامة وعدمها فان الاحكام مجعولة على موضوعاتها على نحو القضايا الحقيقية فان تحقق الموضوع يترتب عليه الحكم بلا حالة منتظرة وإلّا فلا ولا دخل للعلم وعدمه في الواقع فان تقيد الحكم بالعلم يستلزم الدور مضافا الى الاجماع على اشتراك الاحكام الواقعية بين جميع المكلفين بالاضافة الى أن ظواهر الادلة تقتضي الاشتراك ويضاف الى ذلك كله ان المفروض في المقام الاشتراك وأما التضاد المذكور في تقريب الاستدلال فقد ذكرنا مرارا انه لا تضاد بين الاحكام وفي بحث الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري قلنا انه لا تضاد ولا تنافي بين الحكم الواقعي والظاهري اضف الى ذلك انه لو تم البيان المذكور يلزم أن لا تجري البراءة في الشبهة البدوية لاحتمال التضاد وهو كما ترى هذا من ناحية ومن ناحية اخرى مع جريان الاصل لا يتحقق العصيان كى يقال ان الترخيص في المعصية قبيح.

الامر الثاني : ان المفروض وصول الحكم الواقعي الى المكلف بالعلم ومع وصوله كيف يمكن الترخيص في ارتكابه ولو احتمالا اذ لا يمكن احتمال الترخيص في المخالفة. ويرد عليه اولا النقض بجريان الاصل النافي في بعض الاطراف فيما يكون الطرف الآخر موردا للاصل المثبت فانه لو علمنا بوقوع قطرة بول في احد اناءين وكان احدهما مسبوقا بالنجاسة فان اصل الطهارة يجري في الاناء الذي لا يكون مسبوقا بالنجاسة واي فرق بين المقامين.

ان قلت في المقام لانقطع بحدوث تكليف جديد بوقوع القطرة من البول قلت بعد وقوع القطرة نعلم بالتكليف غاية الامر لا نعلم بحدوثه وعدم حدوثه وهذا لا يوجب الفرق فيما هو المهم في مورد البحث وان شئت قلت : ان العلم الاجمالي لا يزيد على العلم التفصيلي فانه يجوز أن يكتفي الشارع الاقدس في مورد العلم التفصيلي

٢٢٤

بالتكليف بالامتثال الاحتمالي كما ان الامر كذلك في موارد قواعد الفراغ والتجاوز والصحة ونجيب ثانيا بالحل وهو ان قوام الحكم الظاهري بالشك والمفروض تحقق ما يقوم به.

ان قلت الاصل لا يجري في مورد العلم بالتكليف بل لا بد من الشك وكل فرد من أطراف العلم الاجمالي يمكن أن يكون مصداقا لمعلوم الحكم هذا من ناحية ومن ناحية اخرى ان الاخذ بالدليل في الشبهة المصداقية غير جائز قلت اولا ان احتمال كون الفرد مصداقا للمعلوم بوصف كونه معلوما غير معقول فان العلم صفة وجدانية لا يعقل أن يشك فيها مضافا الى ان كل طرف مشكوك فيه وجدانا فكيف يمكن أن يكون مصداقا للمعلوم وثانيا لا مانع من جعل الحكم حتى مع العلم اذا لم يكن فيه محذور من ناحية اخرى فانه لا تضاد ولا تناقض في الاحكام فالنتيجة انه لا مانع في مقام الثبوت من جعل الترخيص في بعض اطراف العلم الاجمالي.

ان قلت : كيف يمكن جريان الاصل في بعض الاطراف مع احتمال كون ارتكابه مخالفة وعصيانا للمولى وهل يمكن احتمال الترخيص في العصيان قلت : جريان الاصل يجتمع مع احتمال الحرمة في الواقع بل قوامه به وأما العصيان فلا يتحقق مع جريان الاصل بل مع عدم جريان الاصل لا يكون العصيان محرزا نعم مع عدم جريان الاصل يتحقق التجري وأما مع جريان الاصل فلا موضع للتجري.

ان قلت : يحكم العقل بلزوم الاحتياط فكيف يمكن جريان الاصل في بعض الاطراف قلت : حكم العقل بلزوم الاحتياط في صورة عدم جريان الاصل وأما في ظرف جريانه فلا يحكم بلزوم الاحتياط. ان قلت : العقل يحكم باستحقاق العقاب في صورة المصادفة مع الواقع والوقوع

٢٢٥

في الحرام فكيف يحكم بعدمه؟ قلت : بعد جريان الاصل يحكم بعدم الاستحقاق. ان قلت : دفع الضرر المحتمل واجب بحكم العقل. قلت : مع جريان الاصل لا يحتمل الضرر بل مقطوع العدم.

وليعلم ان الانصاف يقتضي عدم الفرق بين الوجهين اللذين ذكرا للمنع وانما ذكرناهما تبعا لسيدنا الاستاد فانه لا فرق بين الامرين إلّا باللفظ ولا يرجع شيء من الامرين الى محصل معقول فتحصل مما تقدم ان جريان الاصل في بعض اطراف العلم الاجمالي لا مانع عنه ثبوتا وان الحق ان العلم الاجمالي علة تامة للتنجيز بالنسبة الى الموافقة الاحتمالية وعدم المخالفة القطعية ومقتض بالنسبة الى الموافقة القطعية وعدم المخالفة الاحتمالية فان قام دليل على جريان الاصل في بعض الاطراف يؤخذ به بلا مانع وان لم يقم لا بد من الامتثال القطعي فلاحظ.

الجهة الثالثة : في أن ادلة الاصول والامارات هل تشمل جميع اطراف العلم الاجمالي ام لا ربما يقال ان دليل الاصل لا يشملها اذ قوله عليه‌السلام «كل شيء حلال حتى تعرف الحرام منه» مذيل بالذيل المذكور ومقتضى الاطلاق عدم الفرق بين العلم التفصيلي والاجمالي.

ويرد عليه اولا ان غاية التقريب المذكور عدم شمول الدليل الذي يكون مذيلا بهذا الذيل وأما ما لا يكون مذيلا بهذا الذيل فلا مانع عن شموله وثانيا ان الظاهر من كلامه عليه‌السلام انه ناظر الى صورة تعلق العلم بعين ما تعلق به الشك وأما لو لم يكن كذلك كما هو المفروض فلا فان العلم متعلق بما يكون مرددا بين الاطراف والشك متعلق بالمعين الخارجي فلا يكون المتعلق للعلم والشك واحدا فلا يكون الوجه المذكور مانعا

٢٢٦

عن الشمول بل الاشكال من ناحية اخرى وهي انه لا يمكن للمكلف الجمع بين مقتضى وجوب الامتثال ومقتضى الترخيص ولذا نقول لا بد من التفصيل فما دام لا تتحقق المخالفة العملية القطعية تشمل ادلة الاصول جميع الاطراف وقس عليها ادلة الامارات فاذا علمنا بنجاسة اناءين ثم علمنا بصيرورة احدهما طاهرا فان مقتضى استصحاب نجاسة كل واحد منهما نجاسته ونجري الاستصحاب في كل من الطرفين ونحكم بنجاسته حيث انه لا تلزم المخالفة العملية القطعية وانما اللازم المخالفة الالتزامية وهي غير مانعة عن الجريان وايضا لو قامت الامارة على نجاسة كل واحد من اناءين ولكن نحن نعلم بطهارة احدهما نأخذ بكلتا الامارتين بعين التقريب المتقدم وأما اذا انعكس الامر بان كان الإناءان طاهرين ثم علمنا بوقوع قطرة بول في احدهما فلا مجال للاخذ باستصحاب الطهارة في كل منهما للزوم المخالفة العملية القطعية كما انه لو قامت الامارة على طهارة كل منهما وعلمنا بنجاسة احدهما لا مجال للاخذ بالامارة.

الجهة الرابعة : في جريان الاصل في احد الطرفين او الاطراف بنحو التخيير والتخيير يتصور على صور : الصورة الاولى : التخيير الاصولي كالتخيير في باب الاخذ باحد الخبرين المتعارضين فان المجتهد يأخذ باحد المتعارضين ويفتي على طبقه وهذا النحو من التخيير لا مانع منه ثبوتا ولكن لا دليل عليه في مقام الاثبات.

الصورة الثانية : التخيير الوارد في مورد المتزاحمين فان مثله ايضا غير جائز في المقام فان باب التزاحم متقوم بتكليفين متزاحمين بحيث لا يمكن الجمع بين امتثالهما فتكون النتيجة التخيير وأما في المقام فحيث ان المكلف يقدر على الامتثال القطعي بالاجتناب عن جميع الاطراف فذلك التخيير اجنبي عن المقام ايضا.

٢٢٧

الصورة الثالثة : التخيير العقلي الثابت بضميمة الدليل الشرعي من جهة الاقتصار على القدر المتيقن في رفع اليد عن ظواهر الادلة كما لو دلّ دليل على وجوب اكرام كل عالم وعلمنا عدم وجوب اكرام زيد العالم وبكر العالم تعيينا لكن يحتمل وجوب اكرامهما تخييرا فلا بد من الاقصار على القدر المتيقن بأن نقول مقتضى اطلاق دليل الوجوب وجوب اكرام كل منهما على الاطلاق ولكن نعلم بأن اكرام كل منهما يقتضي عدم وجوب اكرام الآخر ونشك في سقوط الوجوب عن كل واحد عند ترك اكرام الآخر ومقتضى اطلاق الدليل رفع اليد عنه في الجملة فنلتزم بوجوب اكرام كل واحد منهما عند ترك الآخر وعدم وجوبه عند فعل الاكرام بالنسبة الى الآخر.

اذا عرفت ما تقدم نقول : ما يمكن أن يقال في تقريب منع شمول دليل الاصل أو الامارة لكلا الطرفين أو الاطراف أو قيل وجوه : الوجه الاول : ما عن الميرزا النائيني بأن الاطلاق اذا كان غير ممكن فالتقييد مثله اذ التقابل بين الاطلاق والتقييد تقابل العدم والملكة واذا استحال احد المتقابلين بالعدم والملكة استحال الطرف الآخر فلا يمكن انطباق الصورة الثالثة على المقام.

ولكن ذكرنا مرارا ان التقابل بين الاطلاق والتقييد بالتضاد مضافا الى أن استحالة احد المتقابلين يستلزم وجوب الآخر لاستحالة الاهمال في الواقع وذكرنا ان استحالة احد المتقابلين بالتقابل المذكور في جملة من الموارد يوجب وجوب الطرف الآخر مثلا افتقار الممكن الى الواجب واجب والحال ان غناه عنه محال وافتقار الباري الى مخلوقه محال وغناه عنه واجب وايضا علم المخلوق بالخالق محال وجهله به واجب وجهل الواجب بالممكن محال وعلمه به واجب فهذا الوجه غير وجيه.

٢٢٨

الوجه الثاني : ان ترخيص كل من الطرفين بشرط ترك الطرف الآخر يوجب الجمع في الترخيص فان المكلف اذا ترك كلا الطرفين يتحقق الشرط من كلا الجانبين فيكون ارتكاب كليهما جائزا وكيف يمكن أن يجوز الشارع الاقدس ارتكاب الحرام.

ويرد عليه انه لا يتوجه محذور لا من ناحية المبدا ولا من ناحية المنتهى أما من ناحية المبدا فلانا ذكرنا مرارا انه لا تناقض ولا تضاد بين الاحكام الشرعية فانها من باب الاعتبار والاعتبار خفيف المئونة وذكرنا ايضا ان الحكم الواقعي تابع للملاك في المتعلق والحكم الظاهري تابع للملاك في نفس الجعل فلا اشكال من هذه الناحية وأما من ناحية المنتهى فما دام المكلف تاركا لكلا الطرفين لا يصدر عنه العصيان ومع ارتكاب احد الطرفين لا يجوز له ارتكاب الطرف الآخر فلا محذور من هذه الناحية ايضا وان شئت قلت : المحذور في الترخيص في الجمع لا في الجمع بين الترخيصين كما ان الامر كذلك في الترتب فانه في صورة عصيان الامر بالاهم يجمع المولى بين الحكمين لا أنه يأمر بالجمع بين الضدين وكم فرق بين المقامين.

الوجه الثالث : انه لا بد من احتمال تطابق الحكم الظاهري مع الحكم الواقعي والحال انه لا يحتمل فان الحكم الواقعي اما الحلية أو الحرمة مثلا وعلى كلا التقديرين يكون الحكم مطلقا وأما الحلية الظاهرية فهي مقيدة فلا تطابق.

وفيه ان الاشكال المذكور مدفوع نقضا وحلا أما الاول فجريان اصالة الحل في الشبهة البدوية فان الموضوع للاصل مشكوك الحكم وموضوع الحكم الواقعي مطلق فلا تطابق وأما الثاني فلانه لا دليل على الاشتراط المذكور وانما اللازم احتمال سنخية الحكم الظاهري

٢٢٩

مع الحكم الواقعي وهذا الشرط متحقق في المقام.

الوجه الرابع : ان لازم القول المذكور شمول دليل الاصل من اول الامر فيما يكون تضاد بين الطرفين ولا يمكن الجمع بينهما والحال انه ليس الامر كذلك. وفيه ان الوجه الاخير أردأ الوجوه فان الوجه المذكور يؤيد ويدل على المطلوب فان التقييد في بقية الموارد جعلي والتعليق اعتباري وفي المقام ضروري.

فانقدح بما ذكرنا انه لا مانع من الالتزام بجواز ارتكاب احد الطرفين مع ترك الطرف الآخر ولا اشكال لا من ناحية المبدا ولا من ناحية المنتهى ويؤيد ما في هذه المقالة ان المحقق التنكابني قدس‌سره نقل في كتابه ايضاح الفرائد في شرح الرسائل انه التزم بهذه المقالة المقدس الاردبيلي وتلميذه صاحب المدارك وجماعة من الاعلام فتحصل مما تقدم ان جريان الاصل النافي في كل من الطرفين بشرط ترك الآخر لا مانع فيه ويظهر من التقريب المذكور انه لو كان كل من طرفي العلم الاجمالي مورد الاصل المثبت للتكليف فلا تصل النوبة الى القول بعدم التنجيز مثلا لو كان هناك أنا آن كلاهما نجسان ثم علمنا بطهارة احدهما لا اشكال في جريان استصحاب النجاسة في كل من الطرفين ولا تصل النوبة الى اصالة الطهارة أو الحل وفي الحقيقة المنجز في المقام الدليل الشرعي في كل من الطرفين لا العلم الاجمالي.

ثم انه هل فرق فيما ذكرنا بين الشبهة الموضوعية والحكمية أو يختص بالشبهة الموضوعية الحق عدم الاختصاص لعدم وجه له فلو علم اجمالا بحرمة احد أمرين يجوز اجراء الاصل في كل من الطرفين بشرط ترك الطرف الآخر.

ثم انه هل يختص التقريب المذكور بالشبهة التحريمية أم يشمل

٢٣٠

الشبهة الوجوبية الحق هو الثاني فلا مانع من جريان الاصل في كل من الطرفين بشرط اتيان الآخر.

ثم انه هل يختص ما ذكرنا بالاصل أو الامر كذلك حتى في الامارة الحق هو الثاني فان علمنا بحرمة احد امرين وقامت الامارة على الاباحة في كل من الطرفين لا مانع من الاخذ بكل واحد منهما بشرط ترك الآخر فلاحظ.

هذا كله على فرض عدم الالتزام بكون العلم الاجمالي منجزا والالتزام بجريان الاصل في بعض الاطراف دون البعض الآخر واما ان لم نقل بهذه المقالة وقلنا بمقالة المشهور والتزمنا بكونه منجزا على الاطلاق نقول تتصور في المقام فروع : الفرع الاول : أن يكون الاصل الجاري في كل طرف مسانخا مع الاصل الجاري في الطرف الآخر ويختص احد الطرفين باصل طولي كما لو علم اجمالا بوقوع نجاسة اما في الماء الذي في الاناء واما على ثوبه فان مقتضى القاعدة الاولية جريان اصالة الطهارة في كل من الطرفين. لكن العلم الاجمالي بنجاسة احدهما يوجب سقوط الاصل بالنسبة الى كلا الطرفين وبعد سقوط اصالة الطهارة تصل النوبة الى اصالة الحل وهي تجري في الماء ولا تجري في الثوب لان لبس الثوب النجس جائز فلا مجرى لاصالة الحل في الثوب. ان قلت : تقع المعارضة بين اصالة الطهارة الجارية في الثوب مع اصالة الحلية الجارية في الماء وبالمعارضة يسقط كلا الاصلين قلت : لا مجال لجريان اصالة الطهارة فانها ساقطة عن الاعتبار قطعا ومع عدم جريانها لا وجه لعدم جريان اصالة الحلية وان شئت قلت : قوام المعارضة على الترديد بأن يقال انا نعلم اما بعدم جريان اصل الطهارة في هذا الطرف واما بعدم جريان اصالة الحل في الطرف الآخر والحال ان الامر ليس كذلك فانا نعلم

٢٣١

بعدم جريان اصالة الطهارة وعدم اعتبارها بلا لحاظ اصالة الحل فتصل النوبة الى اصالة الحل.

الفرع الثاني : أن يكون الاصل الجاري في كلا الطرفين مسانخا مع الاصل الجاري في الطرف الآخر ولكن لا تصل النوبة الى جريان الاصل الطولي في احد الطرفين واختصاصه به وهذا يكون في موردين احدهما ما لا يكون فيه اصل طولي كما لو علمنا اجمالا بنجاسة احد الثوبين فان اصالة الطهارة الجارية في كل من الطرفين تعارضها اصالة الطهارة الجارية في الطرف الآخر وبعد التساقط لا مجال لاصالة الحل اذ المفروض جواز لبس الثوب النجس.

ثانيهما ما لو علم اجمالا بوقوع نجاسة في احد اناءين فانه يقع التعارض بين الاصلين العرضيين اولا ثم يقع التعارض بين الاصلين الطوليين فان اصالة الحل لا تختص باحد الطرفين وملاك المعارضة موجود في كلا الاصلين فلاحظ.

الفرع الثالث : أن لا يكون الاصل الجاري في احد الطرفين مسانخا للاصل الجاري في الطرف الآخر ولم يكن احد الطرفين مختصا باصل طولي كما لو علم اجمالا بأنه اما الثوب الفلاني غصب واما ذلك الثوب الكذائي نجس فانه لا اشكال في تنجز العلم الاجمالي لان جريان كلا الاصلين يوجب المخالفة العملية القطعية وترجيح احد الطرفين على الآخر بلا مرجح.

الفرع الرابع : ان يكون احد الطرفين مع عدم المسانخة مختصا باصل طولي يكون موافقا مع المؤدى مع الاصل الجاري في الرتبة السابقة كما لو علمنا بأنه اما يكون الثوب الفلاني غصبا واما الماء الكذائي نجسا فان العلم الاجمالي منجز اذ قاعدة الحل الجارية في الغصب تعارض قاعدتي الحل والطهارة الجاريتين في الماء والسر

٢٣٢

فيه انه لا خصوصية لاصالة الطهارة الجارية في الماء بل الموجب استلزام جريان الاصل في الطرفين العصيان القطعي فكما انه لا تجري اصالة الطهارة كذلك لا تجري اصالة الحل.

وان شئت قلت لا طولية بين الاصل الجاري في طرف والاصل الجاري في الطرف الآخر فيقع التعارض بين الاصول دفعة واحدة وتتساقط. ولقائل أن يقول : لا اشكال في سقوط قاعدة الحل عن الاعتبار وأما قاعدة الطهارة فلا مانع عن جريانها لعدم معارض لها هذا من ناحية ومن ناحية اخرى لا تلزم من العمل بها المخالفة القطعية.

الفرع الخامس : أن لا يكون الاصل الجاري في احد الطرفين مسانخا مع الاصل الجاري في الطرف الآخر ولا يكون احد الطرفين مختصا باصل طولي يكون مخالفا مع الاصل الجاري في الرتبة السابقة كما لو علم المكلف اما نقص من صلاة المغرب ركن واما فاتت صلاة العشاء وكان العلم الاجمالي المذكور بعد الوقت فان مقتضى قاعدة الفراغ الجارية في المغرب صحتها كما ان مقتضى قاعدة الحيلولة الحكم باتيان صلاة العشاء فتصل النوبة الى جريان الاصل الطولي بأن نقول مقتضى الاصل عدم الاتيان بالركن في صلاة المغرب فتكون باطلة ويحكم بوجوب القضاء وأما بالنسبة الى صلاة العشاء فان استصحاب عدم الاتيان بها لا يقتضي وجوب القضاء الا على القول بالاثبات فان موضوعه الفوت وهو أمر وجودي لا يثبت باستصحاب عدم الاتيان بها ومقتضى البراءة عدم وجوب القضاء هذا ما افاده سيدنا الاستاد في المقام.

ويرد عليه اولا ان الفوت ليس امرا وجوديا بل امر عدمي ويتحقق بالاستصحاب وثانيا انه على ما رامه لا وجه لوجوب قضاء صلاة المغرب اذ نشك وجدانا في أنها فاتت أم لا واستصحاب عدم الاتيان

٢٣٣

بالركن لا يثبت الفوت الذي هو أمر وجودي على ما رامه بل مقتضى البراءة عدم وجوب قضائها غاية الامر يعلم اجمالا بالمخالفة فلا بد من الاحتياط بمقتضى العلم الاجمالي.

الفرع السادس : أن يكون الاصل الجاري في احد الطرفين مسانخا مع الاصل الجاري في الطرف الآخر وعدم اختصاص احدهما باصل طولي أي يكون في كل من الطرفين اصل طولي لكن احدهما موافق مع الاصل الجاري في الرتبة السابقة في المؤدى وثانيهما غير موافق معه فيه مثلا لو علم المكلف بأنه اما زاد في صلاة المغرب ركنا واما نقص ركن من صلاة العشاء فان مقتضى قاعدة الفراغ صحة كلتا الصلاتين ومقتضى عدم الزيادة في المغرب كذلك وأما الاصل الجاري في العشاء وهو استصحاب عدم الاتيان بالركن فهو يقتضي الاتيان بالعشاء ولا مانع عن جريانه والميزان الكلي في جريان الاصل وعدمه انه لو استلزم جريانه المخالفة القطعية لا يجري والّا يجري فلاحظ.

تنبيهات : التنبيه الاول : انه لا تلازم بين امكان المخالفة القطعية والموافقة كذلك في موارد العلم الاجمالي فربما يمكن كلا الامرين كما هو الغالب فلو علم المكلف بحرمة احد الامرين كما لو علم بأنه اما يحرم عليه شرب التتن واما يحرم عليه التكلم مع زيد فانه يمكنه الموافقة القطعية بأن يترك كلا الامرين ويمكنه الخلاف القطعي بأن يرتكب كليهما وربما يكون احد الطرفين ممكنا دون الآخر مثلا لو علم بحرمة كونه في اول طلوع الشمس اما في ناحية جنوب الدار أو في ناحية شمالها لا يمكنه المخالفة القطعية كما هو ظاهر ولكن يمكنه الموافقة القطعية بأن يتركهما كما انه لو علم بوجوب كونه في احد الطرفين لا يمكنه الموافقة القطعية ولكن يمكنه المخالفة

٢٣٤

كذلك بأن يترك الكون في كلا الطرفين فيقع الكلام في أن تنجيز العلم الاجمالي يختص بالقسم الاول أو لا يختص.

أفاد سيدنا الاستاد بأنه لا ملازمة بين الامرين والميزان في التنجز وعدمه تعارض الاصول وعدمه فان تعارض الاصول يكون العلم منجزا ويترتب عليه انه يجب ترك كلا الطرفين فيما يعلم اجمالا بحرمة احدهما وايضا يجب القيام بكلا الطرفين فيما يعلم بوجوب احدهما.

ويمكن أن يقال ان الحق ان يفصل بأن نقول لو استلزم جريان الاصل العلم بالمخالفة القطعية لا يجري الاصل كما لو علم بوجوب الاتيان باحد الضدين اللذين لهما ثالث فانه لو ترك كلا الامرين يقطع بالمخالفة فلا يجوز ترك كليهما وأما لو علم بحرمة احد الضدين يجوز ارتكاب احد الطرفين لعدم العلم بالمخالفة فلا مانع عن جريان الاصل فان المانع عن الجريان العلم بالمخالفة القطعية والمفروض عدم امكانها فما أفاده الميرزا النائيني على ما في التقرير من أنه اذا لم تمكن المخالفة القطعية لا تجب الموافقة كذلك صحيح وتام فلو لم تمكن المخالفة القطعية لكثرة الاطراف لا تكون الموافقة القطعية لازمة مثلا لو علم بحرمة شرب ماء واحد في أثناء الف آنية لا يمكن حصول القطع بالمخالفة القطعية فلا مانع عن جريان الاصل في بعض الاطراف وايراد سيدنا الاستاد عليه في غير محله فلاحظ واغتنم وما أفاده الميرزا مؤيد لما اخترناه من امكان اجراء الاصل في بعض الاطراف دون بعض.

التنبيه الثاني : انه لو علم المكلف بوجوب أمر مردد بين امور وأتى ببعض الاطراف وعلم بانطباق الواجب الواقعي على ما أتى

٢٣٥

به يحصل الامتثال بلا كلام اذا كان الواجب توصليا وأما اذا كان تعبديا فالامر ايضا كذلك اذا أتى به برجاء كونه واجبا ان قلت : ان لم يكن عازما على الاتيان بالباقي لا يكفي للزوم الجزم بالنية قلت : لا دليل على اشتراط الجزم فلا وجه للاشتراط.

التنبيه الثالث : أن قوام تنجز العلم الاجمالي بتعارض الاصول وعليه لو لم يجر الاصل في بعض الاطراف لمانع فلا يكون العلم الاجمالي منجزا ثم انه يتصور المقام بصورتين الصورة الاولى : أن يكون العلم الاجمالي متأخرا عن المانع المفروض في بعض الاطراف مثلا لو كان احد الإناءين نجسا والمكلف عالم بكونه نجسا ثم علم بوقوع قطرة بول في احدهما لم يكن العلم المذكور موجبا للتنجيز اذ المفروض انه لا يمكن جريان الاصل في معلوم النجاسة فجريانه في الطرف الآخر بلا مانع وقس عليه الاضطرار وخروجه عن محل الابتلاء وفي حكم تأخر العلم تقارنه مع حدوث احد الموجبات كما لو قارن العلم الاجمالي بوقوع قطرة بول في احد اناءين مع العلم بكون احدهما المعين نجسا فان العلم الاجمالي في مفروض الكلام لا اثر له اذ لا يجري الاصل في معلوم النجاسة وأما الاناء الآخر فلا مانع من جريان الاصل فيه.

الصورة الثانية : ما لو حصل العلم الاجمالي اولا ثم تحقق احد الموجبات كما لو علم بنجاسة احد اناءين ثم علم بأن الاناء الواقع في طرف جنوب الدار كان نجسا ففي مثله لا يكون العلم منجزا لعدم التعارض بين الاصول فان الاصل لا يجري في معلوم النجاسة ولا مقتضي له وأما في الطرف الآخر فلا مانع عن جريانه مع الاقتضاء.

هذا فيما يكون الشك في ثبوت التكليف وأما لو كان الشك في السقوط

٢٣٦

كما لو علم اجمالا بوجوب احدى الصلاتين اما الظهر واما الجمعة فصلى الظهر فهل يمكن اجراء الاصل في الاخرى أم لا؟ افاد سيدنا الاستاد بأنه لا يمكن بتقريب : ان العلم بحدوث التكليف علم بالاشتغال والاشتغال اليقيني يقتضي البراءة اليقينية فكما لو علم تفصيلا بوجوب صلاة الظهر وشك في اتيانها يجب عليه الاتيان ولا مجال للاصل مع ان الوجوب بحسب البقاء مشكوك فيه كذلك الامر في مورد العلم الاجمالي وبعبارة اخرى : لا يمكن أن يرخص المولى في المعصية لا دفعة ولا تدريجا هذا ملخص كلامه.

والذي يختلج بالبال أن يقال : لا مانع من جريان الاصل في الطرف الآخر ان قلت : الاصل بالتعارض سقط وبعد سقوطه لا دليل على نفي الحكم في مقام الظاهر قلت : موضوع الاصل مشكوك الحكم وعند التعارض لم يشمله الدليل للمعارضة وأما بعد خروج احد الطرفين بجهة من الجهات وعدم التعارض لا مانع من الاخذ بدليل الاصل وان شئت قلت الضرورات تقدر بقدرها فانه لا يمكن أن يؤخذ باطلاق دليل الاصل فترفع اليد عن الاطلاق ولكن لا وجه لرفع اليد عن الدليل بالكلية مثلا لو علمنا ان بيع الغرر باطل لا يمكن الاخذ باطلاق حلية البيع بالنسبة الى بيع الغرر لكن هل هذا يمنع عن الاخذ به لاثبات حلية البيع من بقية الجهات؟ كلا ثم كلا.

ان قلت : ما الفارق بين الاشتغال الاجمالي والاشتغال التفصيلي فانه لو علم المكلف بوجوب صلاة الظهر ثم شك في الاتيان بها فهل يمكن الالتزام بدليل الرفع ويحكم بعدم وجوبها؟ قلت : القياس مع الفارق لان وجوب الصلاة في مورد النقض معلوم ومقتضى الاستصحاب عدم الاتيان بها ولو اغمض عن الاستصحاب فقاعدة الاشتغال تقتضي الاتيان وأما في المقام فالشك في تعلق الحكم

٢٣٧

بالطرف المقابل ومقتضى الاصل استصحابا وبراءة عدم وجوبه.

ان قلت : مقتضى الاستصحاب عدم الاتيان بالواجب قلت : استصحاب عدم الاتيان بالواجب لا يثبت وجوب الطرف المقابل الا على القول بالمثبت الذي لا نقول به. ان قلت : مقتضى الاستصحاب بقاء الواجب في الذمة قلت : اولا مقتضى الاستصحاب عدم تعلق الوجوب بالطرف كما ان مقتضى البراءة كذلك وثانيا استصحاب بقاء الوجوب يعارضه استصحاب عدم الجعل الزائد ويمكن اثبات المدعى بنحو آخر في رد الاخذ بالاشتغال بأن نقول ان غاية ما يمكن أن يقال ان مقتضى استصحاب بقاء الالزام لزوم الاتيان بالطرف الآخر ان كانت الشبهة وجوبية وتركه ان كانت تحريمية وهذا الالزام بحكم العقل مثلا لو علمنا اجمالا بوجوب احد امرين واتينا بواحد منهما يكون مقتضى الاستصحاب بقاء الالزام والعقل يلزمنا بالقيام بالاتيان بالفرد الآخر خروجا عن عهدة الالزام وايضا لو علمنا اجمالا بحرمة احد امرين وتركنا احدهما يكون مقتضى الاستصحاب بقاء التحريم والعقل يلزمنا بترك الفرد الآخر ايضا خروجا عن عهدة التكليف هذا غاية ما يمكن ان يقال في المقام لكن نقول مقتضى الاستصحاب ايضا عدم تعلق التكليف بالطرف المقابل ومع عدم التكليف به لا يلزمنا العقل باتيانه أو تركه فيقع التعارض بين الاستصحابين وبعد التعارض والتساقط تصل النوبة الى البراءة هكذا ينبغي أن يحرر المقام ولعمري ما بينته دقيق وبالتأمل حقيق والظاهر انه لم يسبقني به احد وله الحمد وعليه التكلان مضافا الى أنه يرد عليهم النقض بموارد الاقل والاكثر الارتباطيين فانه لو كانت اركان الاستصحاب تامة لا بد من جريانه بعد الاتيان بالاقل اذ الشك في سقوط الواجب وعدمه ومقتضى الاستصحاب بقائه.

٢٣٨

ان قلت : في الاقل والاكثر تعلق الوجوب بالاكثر مشكوك فيه من اول الامر وتعلقه بالاقل مقطوع قلت : ما افيد يتوقف على الالتزام بالوجوب الضمني ولا نسلمه فان الوجوب الضمني غير صحيح فان الواجب المركب بما هو مركب وكل جزء من المركب جزء الواجب وليس واجبا برأسه وبعبارة واضحة : السورة اما واجبة مطلقا ولا بشرط واما واجبة بشرط شيء واما واجبة بشرط لا واما واجبة على نحو الاهمال أما الاول فلا يمكن لان المفروض ان الجزء ليس واجبا مستقلا وأما الثالث فبطلانه اوضح من ان يخفى وأما الرابع فهو محال فالمتعين هو الثاني وهو المطلوب وكل جزء من المركب بشرط بقية الاجزاء عبارة عن الكل.

ثم انه لو اغمض عما ذكرنا هل يمكن أن يفصل بين الشبهة الوجوبية والتحريمية بأن يقال اذا علم بواجب مردد بين أمرين يجب الاحتياط ولا يجوز اجراء الاصل وأما اذا كانت الشبهة تحريمية كما لو علم بنجاسة احد اناءين ثم خرج احدهما عن محل الابتلاء بأن اريق لا يجب الاحتياط بل يجري الاصل في الطرف الآخر الحق أن يقال لا وجه للفرق فانه كما يجب الاتيان بما يحتمل كونه واجبا كى يحصل العلم بالامتثال يجب بحكم العقل ترك كلا المشتبهين كى يعلم بترك الحرام فكلا الامرين من واد واحد ولا فرق بين المقامين.

ايقاظ : الحق ان ما اشتهر بين القوم من الاخذ بقاعدة الاشتغال لا اساس له وقاعدة الاشتغال لا تكون قاعدة في قبال بقية الاصول بل الحق أن يقال تارة يكون الشك في مرحلة ثبوت التكليف واخرى في مرحلة السقوط أما في مرحلة الثبوت فالمرجع اصل البراءة واستصحاب عدم التكليف وأما في مرحلة السقوط فالمرجع استصحاب بقائه وعدم الاتيان به وعدم امتثاله فعلى كلا التقديرين

٢٣٩

لا تصل النوبة الى الاشتغال والامر دائر بين المرحلتين ولا ثالث فلاحظ واغتنم.

التنبيه الرابع : انه لو كان الاثر في بعض الاطراف اكثر من الاثر في الطرف الآخر فتارة لا يكون بين الطرفين جامع واخرى يكون ففي المقام صورتان أما الصورة الاولى فكما لو علم المكلف بأنه اما تجب عليه زيارة الجامعة واما تجب عليه زيارة الوارث فلا اشكال في تنجز العلم الاجمالي ووجوب كلا الامرين عليه بمقتضى الالتزام بكون العلم الاجمالي منجزا.

الصورة الثانية : ما يكون جامع بين الطرفين او الاطراف كما لو علم بنجاسة ذلك المائع المضاف أو نجاسة هذا المائع المطلق فيترتب على المائع المضاف حرمة الشرب ويترتب على المائع المطلق حرمة الشرب وعدم جواز التوضؤ فوقع الكلام بين القوم في أن العلم الاجمالى في القسم الثاني هل ينجز الاثر المشترك فقط ام ينجز مطلق الاثر فيحرم شرب المضاف والمطلق وايضا يحرم التوضؤ به ربما يقال كما عن الميرزا النائيني اختصاص التنجز بالاثر المشترك فقط بتقريب ان جريان اصالة الطهارة في كل من الطرفين يعارض بجريانه في الطرف الآخر وبعد التعارض والتساقط تصل النوبة الى جريان الاصل بالنسبة الى الاثر المختص فيجوز التوضؤ بالماء المطلق.

واورد على التقريب المذكور بأن نفس الشك في طهارة الماء كاف لعدم جواز التوضؤ به فان المستفاد من الدليل اشتراط ماء الوضوء بكونه طاهرا والذي يختلج ببالي القاصر في هذه العجالة أن يقال ان كان المقصود من الاصل اصالة البراءة من الوجوب أو

٢٤٠