آراؤنا في أصول الفقه - ج ٢

السيّد تقي الطباطبائي القمّي

آراؤنا في أصول الفقه - ج ٢

المؤلف:

السيّد تقي الطباطبائي القمّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات المحلّاتي ( المفيد )
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥١

جريان التذكية ووقوعها على كل حيوان لا مجال لاحراز الحلية للشك في التذكية ومقتضى الاصل عدم قابلية الحيوان لها كما بنينا عليه في الدورة السابقة فلاحظ.

القسم الرابع : ما لو شك في تحقق التذكية على الحيوان خارجا بعد العلم بكونه قابلا لها كما لو شك في أنه ذبح على المقرر الشرعي أم لا فلو لم يكن دليل على التذكية يحكم بعدم تحققها بمقتضى الاستصحاب.

هذا كله في الشبهة الموضوعية وأما لو كان الشك ناشئا عن الشبهة في الحكم فائضا له صور : الصورة الاولى : ما لو شك في حلية حيوان وعدمها من جهة الشبهة الحكمية مع العلم بكون الحيوان قابلا للتذكية كما لو شك في حلية لحم الارنب فان مقتضى اصالة البراءة شرعا ومقتضى قاعدة قبح العقاب بلا بيان عقلا جواز اكله واستصحاب الحرمة حال الحياة مدفوع بما تقدم نعم لو قلنا ان المستفاد من الادلة اختصاص الجواز بالعناوين الخاصة وحرمة غيرها يكون مقتضى القاعدة حرمته اذ المفروض ان الحيوان المذكور لا يكون داخلا تحت تلك العناوين كما انه لو قلنا ان المستفاد من الادلة جواز اكل كل حيوان الا ما خرج حليته بدليل لا مجال لاصالة الحل فعلى كلا التقديرين لا تصل النوبة الى اصالة الحل اذ قد فرض وجود دليل اجتهادي.

الصورة الثانية : أن يكون الشك في الحلية ناشئا عن قابلية الحيوان للتذكية كالحيوان المتولد من الشاة والخنزير فان قلنا بأن المستفاد من الادلة قابلية كل حيوان للتذكية فلا مانع من اكله اذ المفروض امكان ايقاع التذكية عليه بمقتضى الدليل فيجوز اكله ببركة الاصل على ما تقدم وأما ان لم نقل بذلك فلا يجوز اكله على ما تقدم.

٢٠١

الصورة الثالثة : أن يكون الشك في التذكية ناشيا عن احتمال امر فيها كما لو شك في اعتبار كون آلة الذبح من الحديد فان كان لدليل التذكية اطلاق قابل لنفي ما يشك في الاعتبار يؤخذ به وإلّا يكون مقتضى القاعدة الحرمة لاصالة عدم التذكية فما أفاده سيدنا الاستاد في المقام من عدم امكان الاخذ بالاطلاق بتقريب ان التذكية امر شرعي لا عرفي فلا مجال للاخذ باطلاق الدليل ، غير تام اذ لا تنافي بين الامرين.

ثم انه مع جريان اصالة عدم التذكية يحكم بحرمة اكل الحيوان وهل يثبت باصالة عدم التذكية عنوان الميتة كى يكون المذبوح نجسا أو لا يثبت وتكون النتيجة طهارة الحيوان فلا بد من ملاحظة ان المستفاد من كلمات القوم ان الميتة عبارة عن أمر وجودي أو انها عبارة عما لم يذك فعلى الاول يحكم بطهارته لعدم كون الاستصحاب مثبتا للوازمه العقلية وعلى الثاني يحكم بالنجاسة لتحقق الموضوع على الفرض فنقول قال الراغب في مفرداته «الميتة من الحيوان ما زال روحه بغير تذكية» فان المستفاد من العبارة المذكورة ان الميتة ما يستند زوال روحه الى سبب غير شرعي فعنوان الميتة عنوان في قبال المذكى لا أن الميتة عبارة عن غير المذكى فلا يمكن اثباته باصالة عدم التذكية الا على القول بالاثبات وعن الفيومي انه قال : «الميتة ما مات بسبب غير شرعي» والكلام فيه هو الكلام وقال في مجمع البحرين : «الميتة بالكسر للحال والهيئة» فعلى هذا الاساس ان المستفاد من الكلمات ان الميتة أمر وجودى فلا بد من التفكيك بين جواز الأكل والحكم بالطهارة بأن نقول لا يجوز اكله لان مقتضى الاصل عدم كونه مذكى وأما بمقتضى قاعدة الطهارة فيحكم بكونه طاهرا ولا يلزم اشكال من التقريب المذكور اذ لا يلزم مخالفة عملية

٢٠٢

بل يمكن أن يقال : انه لو لم يستفد من الدليل ان الميتة أمر وجودي أو عدمي تكون النتيجة طهارة المشكوك فيه لقاعدة الطهارة.

والمحقق الهمداني قدس‌سره استدل بحديث قاسم الصيقل قال : كتبت الى الرضا عليه‌السلام اني أعمل أغماد السيوف من جلود الحمر الميتة فتصيب ثيابي فأصلّي فيها؟ فكتب إليّ : اتخذ ثوبا لصلاتك. فكتبت الى أبي جعفر الثاني عليه‌السلام : كنت كتبت الى أبيك عليه‌السلام بكذا وكذا فصعب علي ذلك فصرت أعملها من جلود الحمر الوحشيّة الذكية فكتب إليّ كل أعمال البر بالصبر يرحمك الله فان كان ما تعمل وحشيا ذكيا فلا بأس (١) ، على نجاسة غير المذكى بتقريب ان الامام عليه‌السلام رتب عدم البأس على عنوان المذكى ومقتضى مفهوم الشرط ثبوت البأس اذا لم يكن الحيوان مذكى.

وفيه ان الحديث ضعيف سندا مضافا الى النقاش المذكور في كلام سيدنا الاستاد على ما في التقرير بالنسبة الى الدلالة وحيث ان السند ضعيف لا تصل النوبة الى ملاحظة دلالته وملخص ما أفاده في المقام ان الحصر المذكور في الحديث اضافي فان السائل ذكر انه كان يباشر جلود الميتة وبعد ذلك كان يباشر جلود المذكى والامام عليه‌السلام في هذا المقام يبين الحكم والذي يدل على أنه عليه‌السلام في مقام الحصر الاضافي انه ذكر عنوان الوحش في كلامه والحال انه لا دخل للوحش في ترتب الحكم كما هو ظاهر فلاحظ.

ثم انه نقل عن صاحب الحدائق انه تعجب عن الاصحاب حيث انهم قائلون بحرمة اللحم عند الشك في التذكية بالاستصحاب مع انهم قائلون بعدم جريان الاصل مع وجود الدليل والدليل على الحلية

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٤ من ابواب النجاسات الحديث ٤.

٢٠٣

موجود وهو قوله عليه‌السلام كل شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال.

ويرد عليه ان الاصل لا يجري مع الدليل على الحكم الواقعي وبعبارة اخرى : لا مجال للاصل العملي مع وجود الدليل الاجتهادي ودليل الحلية في مورد الشك دليل فقاهتي ولا مجال للاصل الحكمي مع الاصل الجاري في الموضوع.

التنبيه الثاني : انه لا اشكال في حسن الاحتياط في الواجبات التوصلية اذ الواجب التوصلي لا يشترط بقصد القربة ولا بغير القربة من الوجه والتميز بل يحصل الواجب باي وجه تحقق فالاحتياط ممكن فيه بلا اشكال وبعبارة اخرى : الاحتياط في التوصليات نوع من الانقياد وايضا لا اشكال في تحقق العبادة فيما دار الامر في فعل بين كونه واجبا أو مستحبا فانه يمكن الاتيان به بقصد أمره الواقعي وقصد الوجه على فرض لزومه يتوقف على امكانه والمفروض عدم امكانه مع الشك في الوجوب والندب وأما اذا لم يحرز أصل الرجحان ودار الامر بين الوجوب والاباحة فيشكل الامر من حيث القصد اذ لو قصد المكلف القربة وبداعي الامر يكون تشريعا وان لم يأت بداعي الامر لا تتحقق العبادة وحكم العقل بحسن الاحتياط لا يحقق موضوعه.

وبعبارة اخرى : الكلام في أنه لا سبيل الى الاحتياط وحسن الاحتياط لا يقتضي تميز الموضوع وبعبارة واضحة : الحكم غير متعرض لموضوعه بل يترتب عليه بعد تحققه في الخارج ولكن الظاهر ان الاحتياط يمكن اذ يكفي في تحقق العبادة الاتيان بالعمل بداعي احتمال كون الفعل محبوبا للمولى وان شئت قلت : لا يلزم القصد الجزمي في تحقق العبادة بل يكفي فى تحقق العبادة مجرد الاضافة الى المولى مضافا الى أن القصد الجزمي على فرض لزومه يختص

٢٠٤

بما يكون ممكنا وأما مع عدم الامكان كما هو المفروض في المقام فغير معتبر قطعا.

فانقدح بما ذكرنا حسن الاحتياط لكن الكلام في أن الحاكم بحسنه العقل أو الشرع أو كلاهما فنقول لا اشكال في حسنه عقلا فان العقل مستقل بحسنه وأما شرعا فقد تقدم الاشكال في تمامية الدليل على استحباب الاحتياط اذ بعد تمامية اسناد روايات الاحتياط يمكن أن يقال كما قلنا ان مقتضى الجمع بين أخبار الاحتياط وأخبار البراءة التفصيل بأن يقال يجب الاحتياط في بعض الموارد كالشبهة قبل الفحص والشبهة المقرونة بالعلم الاجمالي أو نقول بأن مقتضى التعارض بين الطرفين التساقط وتصل النوبة الى قاعدة قبح العقاب بلا بيان.

ثم انه على القول باستحباب الاحتياط هل يكون حكم الشارع بالاحتياط ارشادا الى حكم العقل الحاكم بحسن الاحتياط أو يكون مولويا ربما يقال انه ارشادي حيث انه وارد في سلسلة معلولات الاحكام لا في سلسلة عللها كما ان الامر كذلك في الامر بالطاعة.

وفيه ان مجرد كون الامر في سلسلة المعلول لا يقتضي كونه ارشادا بل مقتضى الظهور الاولي المولوية وانما نلتزم في الامر بالاطاعة بكونه للارشاد لان الاطاعة بحكم العقل وما دام لا يحكم العقل بوجوب الاطاعة لا تتحقق الطاعة ولو فرض التسلسل في الخارج فالامر بالاطاعة لا يعقل أن يكون مولويا وأما الامر المتوجه بالاحتياط فلا بد من حمله على المولوية اذ لا وجه لرفع اليد عن الدليل والالتزام بالارشادية فلاحظ.

ثم انه لو قلنا ان الاوامر الاحتياطية مولوية فهل يلزم في امتثالها الاتيان بالعمل برجاء كونه مأمورا به في الواقع أو يكفي قصد الامر

٢٠٥

الاحتياطي المتعلق بها؟ الظاهر هو الثاني والوجه فيه انه لا بد في كل امتثال الاتيان بما تعلق به الامر بلا فرق بين الواجب التعبدي والتوصلي وبلا فرق بين الواجب والمستحب وانما الفرق بين التعبدي والتوصلي ان التوصلي لا يشترط بقصد القربة وأما التعبدي فامتثاله مشروط بقصد القربة اي يكون الاتيان مضافا الى المولى باي نحو كان وعلى هذا الاساس يكفي الاتيان بالعمل بداعي الامر الاحتياطي المتوجه به ولا يشترط قصد الامر الواقعي الاحتمالي لعدم الدليل عليه.

التنبيه الثالث : انه وقع الكلام بين القوم في أن مفاد اخبار (١) من بلغه ثواب من الله على عمل فعمل التماس ذلك الثواب اوتيه وان كان الحديث خلاف الواقع استحباب ذلك العمل ام لا فلا بد من ملاحظة الاخبار المشار اليها من حيث السند اولا ومن حيث الدلالة ثانيا فنقول الاخبار الواردة في المقام ضعيفة سندا الا حديثي هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : من بلغه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله شيء من الثواب فعمله كان أجر ذلك له وان كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يقله (٢) والحديث الثاني ايضا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : من سمع شيئا من الثواب على شيء فصنعه كان له وان لم يكن على ما بلغه (٣).

والاحتمالات المتصورة في الحديث ثلاثة الاول : أن يكون المراد منه جعل المفاد معتبرا وبعبارة اخرى : يكون المستفاد من الرواية جعل الحجية. الثاني : أن يكون المراد من الرواية استحباب الاتيان بما بلغه. الثالث : أن يكون مفاده الارشاد الى حكم العقل بأن الاتيان

__________________

(١) الوسائل الباب ١٨ من ابواب مقدمة العبادات.

(٢) عين المصدر الحديث ٣.

(٣) عين المصدر الحديث ٦.

٢٠٦

بما بلغه من الثواب برجاء نيله ذلك الثواب الموعود يوجب الوصول اليه والظاهر من حديثي هشام الاحتمال الثالث.

ثم انه هل المستفاد من حديثي هشام ان ترتب الثواب على العمل مشروط بقصد القربة بأن يضيف العمل الى المولى أم لا يشترط بهذا الشرط يمكن أن يقال ان مقتضى اطلاق الحديثين ان العامل بما بلغه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يثاب بذلك الثواب ، عدم الاشتراط لكن الانصاف ان المستفاد من الحديثين بحسب الفهم العرفي ان العمل بداعي البلوغ المذكور.

التنبيه الرابع : انه هل يمكن جريان البراءة في الشبهات التحريمية الموضوعية أم لا مجال لها ربما يقال : انه لا مجال لها بتقريب ان الشك فيها لا يكون شكا في التكليف كى يؤخذ بقاعدة قبح العقاب بلا بيان او بحديث الرفع فان جعل الحكم على النحو الكلي معلوم وبعبارة اخرى : وظيفة الشارع بيان الاحكام الكلية والمفروض ان الشارع قد بين الاحكام مثلا لو شك في مائع انه خمر أو ماء لا مجال للبراءة اذ الشارع بين حكم الخمر وانه حرام كما بين حكم الماء وانه مباح فالمرجع الاشتغال لا البراءة اذ الشك في مقام الامتثال لا في مرحلة الجعل.

وقال سيدنا الاستاد بعد بيان التوهم ان الشيخ قدس‌سره أورد على التقريب المذكور بأن الشارع الاقدس بين الاحكام على نحو القضية الحقيقية فكل حكم مجعول من قبل الشارع ينحل الى قضايا متعددة بحسب تعداد موضوعاتها فلو شك في مائع انه خمر أو ماء يشك في تعلق التكليف به ويكون المرجع البراءة لا الاشتغال.

وفصل صاحب الكفاية وقال تارة يكون جعل الشارع على نحو الانحلال بحيث يكون لكل موضوع حكم مستقل واخرى يكون المجعول

٢٠٧

حكما واحدا لمجموع الافراد فان كان من قبيل الاول يكون المرجع البراءة وان كان من قبيل الثاني يكون المرجع الاشتغال فان الشك في القسم الاول في التكليف وفي الثانى فى الفراغ فلا بد من التفصيل.

ثم قال لا بد في المقام من البسط في الكلام بأن نقول : النهي المتعلق بالطبيعة يتصور على اقسام : القسم الاول : ما يتعلق النهي بالطبيعة السارية بنحو يكون كل فرد من أفراد لها محكوما بحكم مستقل كتعلق الحرمة بالخمر فان كل واحد من أفراد الخمر محكوم بالحرمة فلو شك في مورد يكون المرجع البراءة كما عليه العلمان.

القسم الثاني : أن تعلق النهي بالطبيعة على نحو صرف الوجود بأن يكون التكليف الواحد متعلقا بترك الطبيعة رأسا بحيث يكون كل فرد جزءا للحرام والحرام مجموع التروك وفي هذا الفرض الحق جريان البراءة ايضا خلافا لصاحب الكفاية اذ قد ذكرنا في محله أن الاصل يجري في البراءة عن الاكثر والمقام كذلك.

القسم الثالث : ان يتعلق النهي بالجمع بين جميع الافراد بحيث لو ارتكب جميع الافراد الا فردا واحد كان ممتثلا وبعبارة اخرى : يكفي عدم ارتكاب فرد واحد من أفراد الطبيعة وفي هذا الفرض يجوز للمكلف ارتكاب بعض الافراد المعلوم فضلا عن المشكوك فيه اذ المفروض ان النهي تعلق بالجمع بين الارتكابات ويكفي ترك بعض الاطراف في الجملة وهل يجوز في الفرض المذكور الاكتفاء بترك المشكوك فيه وارتكاب الافراد المعلومة؟ الحق انه يجوز اذ يدور الامر بين الاقل والاكثر فان النهي عن الافراد المعلومة والمشكوك فيه معلوم والزائد عليه مجهول وقد قرر في محله جريان البراءة عن الاكثر عند دوران الامر بين الاقل والاكثر فالمرجع البراءة.

وبعبارة واضحة : ارتكاب جميع الافراد المعلومة والافراد

٢٠٨

المشكوك فيها حرام قطعا وأما ارتكاب الافراد المعلومة فقط فحرمته غير معلومة.

القسم الرابع : أن يتعلق النهي بالتروك بلحاظ ترتب أمر بسيط على تلك التروك فانه لو شك في حصوله يكون مقتضى القاعدة الاشتغال والاحتياط اذ المفروض ان اللازم حصول ذلك الامر البسيط ومع الشك في حصوله يلزم الاحتياط لان الاشتغال اليقيني يقتضي البراءة كذلك فلا بد من التفصيل بهذا النحو هذا ملخص ما افاده سيدنا الاستاد.

اذا عرفت ما تقدم نقول : تارة تكون الشبهة الموضوعية وجوبية واخرى تكون تحريمية أما اذا كانت وجوبية وكان الحكم المجعول من قبل الشارع على نحو الانحلال كما لو قال المولى اكرم كل عالم واشتبه حال زيد من حيث العلم وعدمه يكون مقتضى الاستصحاب عدم كونه عالما كما أنه لو صار عالما ثم شك في بقاء علمه يكون مقتضى الاستصحاب بقاء علمه نعم لو صار عالما في زمان ثم صار جاهلا وهكذا بحيث لا يمكن جريان الاستصحاب لعدم احراز الحالة السابقة فهل يمكن الاخذ بقاعدة قبح العقاب بلا بيان أم لا يمكن؟ الحق انه يشكل الاخذ اذ وظيفة الشارع الاقدس بيان الكبريات الكلية والمفروض انه بين الحكم الكلي بقوله اكرم كل عالم فلا مجال لجريان القاعدة نعم على فرض تمامية البراءة الشرعية في الشبهة الوجوبية كقوله عليه‌السلام ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم تجرى البراءة وإلّا فلا بد من الاحتياط اذ المفروض انه يمكن وجود التكليف فبحكم العقل لا بد من الاحتياط وأما ان كانت الشبهة تحريمية كما لو شك في أن المائع الفلاني خمر أو ماء فمقتضى الاستصحاب كما ذكرنا عدم كونه خمرا الا مع توارد الحالتين وعدم

٢٠٩

جريان الاستصحاب في الموضوع للمعارضة فتصل النوبة الى الاصل الحكمي واصل البراءة العقلي لا يجري لما تقدم آنفا وأما اصالة البراءة شرعا فالظاهر انه لا مانع من جريانها فان مقتضى اطلاق ادلة البراءة عدم اختصاصها بالشبهة الحكمية وشمولها للشبهة الموضوعية.

والذي يختلج بالبال ان يقال : انه لا مانع عن جريان البراءة العقلية بتقريب انه يشك في وجوب الاحتياط وعدمه ومقتضى قبح العقاب بلا بيان عدم وجوبه فصفوة القول : ان الشبهة الموضوعية أعم من الوجوبية أو التحريمية ان كانت يمكن رفعها بجريان الاصل في موضوعها فلا اشكال ولا كلام وأما اذا لم يمكن فلا مانع عن الاخذ بقاعدة قبح العقاب بلا بيان كما انه لا مانع عن الاخذ بدليل البراءة الشرعية.

والذي يدل على المدعى بوضوح ان جملة من نصوص البراءة موضوعها الشبهة الموضوعية لاحظ ما رواه مسعدة ابن صدقة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : كل شيء هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة والمملوك عندك لعله حرّ قد باع نفسه او خدع فبيع قهرا او امرأة تحتك وهي اختك أو رضيعتك والاشياء كلّها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك او تقوم به البينة (١).

ولاحظ ما رواه عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كل شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال ابدا حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه (٢).

ولاحظ ما رواه عبد الله بن سليمان قال سألت أبا جعفر عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٤.

(٢) نفس المصدر الحديث ١.

٢١٠

عن الجبن فقال لي لقد سألتني عن طعام يعجبني ثم اعطى الغلام درهما فقال يا غلام ابتع لنا جبنا ثم دعا بالغداء فتغدينا معه فأتى بالجبن فأكل واكلنا فلمّا فرغنا من الغداء قلت ما تقول في الجبن؟ قال أولم ترني آكله قلت بلى ولكني أحبّ أن أسمعه منك فقال سأخبرك عن الجبن وغيره كل ما كان فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه (١).

وببيان واضح ان ايجاب الاحتياط عند الشك وظيفة الشارع فلا مجال لان يقال وظيفة الشارع لا تكون بيان الموضوع نعم وظيفة الشارع لا تكون بيان الموضوع الخارجي بأن يبين ان المشكوك فيه خمر أو ماء وأما بيان حكم المشتبه من حيث وجوب الاحتياط وعدمه فهو وظيفة له فلاحظ.

هذا هو القسم الاول المذكور في كلام سيدنا الاستاد وأما القسم الثاني فالظاهر انه لا مانع عن الاخذ بدليل البراءة الشرعية كما تقدم هذا على تقدير غمض العين عن الاصل الموضوعي وأما بلحاظه فمقتضى الاستصحاب عدم كون المشكوك فيه فردا للطبيعي كما تقدم ومما ذكرنا يعلم الحال في القسم الثالث المذكور في كلامه فلا وجه للاعادة.

وأما القسم الرابع المذكور في كلام سيدنا الاستاد ففي الحقيقة تكون الشبهة وجوبية لا تحريمية اي يجب على المكلف ايجاد أمر بسيط مسبب عن تروك فيجب بحكم العقل من باب وجوب الاطاعة ايجاد ذلك الامر البسيط ومع الشك في تحققه يكون مقتضى الاستصحاب عدم حصوله فلا بد من ترك كل ما يحتمل دخله في تحققه الى أن يحصل العلم بتحققه ومع الشك يكون المقام مورد الاستصحاب

__________________

(١) الوسائل الباب ٦١ من ابواب الاطعمة المباحة الحديث ١.

٢١١

وقد ذكرنا مرارا ان الامر في الاصول العملية دائر بين البراءة والاستصحاب ولا مجال للاشتغال اذ الشك ان كان في حدوث التكليف يكون المرجع أصل البراءة وان كان الشك في سقوطه يكون المرجع الاستصحاب.

التنبيه الخامس : ان الاحتياط حسن حتى فيما قام الدليل على عدم الحكم في الواقع اذ ربما لا تكون الامارة مطابقة مع الواقع فالاحتياط حسن لكن بشرط أن لا يكون مخلا بالنظام فيحرم فلا بد للمكلف من ملاحظة هذه الجهة ويحتاط بحد لا ينجر الى الاختلال بالنظام.

وفي المقام شبهة وهي انه لو وصل الاحتياط الى حد الاخلال فاما أن لا يكون الحكم موجودا في الواقع واما يكون أما على الاول فلا موضوع للاحتياط وأما على الثاني فلا يكون الاحتياط حراما.

والجواب عن هذه الشبهة ان مجرد احتمال الحكم في الواقع موضوع لحسن الاحتياط فما دام لا يكون مخلا يكون حسنا واذا صار مخلا فلا بد من تركه وأما لو لم يتركه واحتاط يكون حسنا بالترتب اللهم إلّا أن يكون الاحتياط مصداقا للاخلال بحيث يكون الاحتياط بنفسه حراما ففي هذه الصورة لا مجال للاحتياط وفي هذا الفرض يدخل المقام في باب التزاحم ، مثلا لو فرض ان الدعاء عند رؤية الهلال كان واجبا في الواقع ولكن يوجب الدعاء عند الهلال الاخلال بالنظام يقع التزاحم بين وجوب الدعاء وحرمة الاخلال ولا بد من ملاحظة اقوى الملاكين هذا على تقدير انكشاف الواقع وأما مع الشك في وجوبه فلا تصل النوبة الى ملاحظة قانون باب التزاحم بل يجب بحكم العقل ترك الدعاء اذ المفروض انه مخل بالنظام والاختلال به حرام والمزاحم غير محرز فلاحظ هذا تمام الكلام في البراءة.

٢١٢

المقصد التاسع فى الاشتغال ويقع الكلام في فصول : الفصل الاول : في دوران الامر بين المحذورين والمراد انحصار الامر بين الوجوب والحرمة وأما لو احتمل الترخيص فالمرجع دليل البراءة وقال سيدنا الاستاد ان الكلام فيما لا يكون احد الحكمين بخصوصه مورد الاستصحاب وإلّا تعين الاخذ به فان الاستصحاب دليل شرعي ومع جريانه لا تصل النوبة الى البراءة وان شئت قلت : الشك في حكم الواقعة مسبب عن بقاء الحكم السابق والاصل الجاري في السبب مقدم على الاصل الجاري في المسبب.

ويرد عليه ان الاستصحاب الجاري في الشبهة الحكمية دائما معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد فما أفاده غير تام اذا كانت الشبهة حكمية.

اذا عرفت ما تقدم فاعلم انه يقع الكلام في دوران الامر بين المحذورين في ثلاثة موارد : المورد الاول دوران الامر بين المحذورين في التوصلي مع وحدة الواقعة فالاقوال فيه خمسة : القول الاول : الالتزام بالحرمة بتقريب ان دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة. ويرد عليه اولا انه لا دليل على المدعى اذ ربما تكون منفعة يكون جلبها أولى من دفع المفسدة وثانيا ان التقريب المذكور على فرض تماميته انما يتم فيما يكون كلا الامرين معلومين وأما مع الاحتمال فلا ولذا لو دار الامر بين الحرام والحلال يكون المرجع اصل البراءة ولا يجب الاحتياط.

القول الثاني : التخيير بين الامرين تخييرا شرعيا. وفيه ان التخيير ان كان للمجتهد بأن يختار احد الطرفين ويفتي به فهو أمر معقول لكن لا دليل عليه نعم في مسئلة تعارض الخبرين قد دل بعض النصوص على التخيير الاصولي لكن في المقام بلا دليل وأما التخيير

٢١٣

للمكلف بأن تكون الوظيفة كونه مخيرا بين الامرين فهو غير معقول لكونه اما فاعلا واما تاركا ولا يعقل خلوه عن احد طرفي المتناقضين.

القول الثالث : الاباحة الظاهرية. وفيه ان دليل الاباحة لا يشمل ما يكون الالزام فيه معلوما.

القول الرابع : التخيير العقلي بين الامرين وعدم كون الواقعة محكومة بحكم شرعي ظاهرا واستدل عليه بوجهين : الوجه الاول : ان جعل الاباحة الظاهرية لغو فان المكلف اما تارك واما فاعل. واورد في الاستدلال بالنقض والحل أما الاول فباجراء الاباحة الظاهرية في مواردها مع ان المكلف اما فاعل واما تارك وأما الثاني فلان تجويز الفعل يقتضي جوازه وتجويز الترك يقتضي تركه فلا يكون جعل الاباحة لغوا.

الوجه الثاني : ان رفع الالزام انما يمكن في مورد يمكن وضعه بايجاب الاحتياط وفي المقام لا يمكن ايجاب الاحتياط كما هو ظاهر. واورد عليه بأن ايجاب الاحتياط المطلق غير ممكن واما ايجاب الاحتياط باحد الطرفين فهو أمر قابل فكما ان الوضع ممكن كذلك الرفع ايضا ممكن.

القول الخامس : جريان الاصل النافي في كلا الطرفين بيان ذلك : ان تعلق الوجوب بالفعل غير معلوم ومقتضى الاستصحاب عدم تعلقه به وايضا تعلق الحرمة به غير معلوم ومقتضى الاستصحاب عدم تعلقها به وايضا نقول حديث الرفع يشمل كلا الطرفين مع قطع النظر عن الاشكال في سند الحديث فان مقتضاه رفع الوجوب ورفع الحرمة كما انه يمكن الاخذ بحديث عبد الصمد بن بشير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١) فان مقتضى الحديث ان المكلف عند الجهل بالحكم

__________________

(١) قد تقدم فى ص ١٦٨.

٢١٤

الشرعي معذور وغير مؤاخذ بعمله.

ان قلت كيف يجري الاصل في كلا الطرفين مع العلم الاجمالي بالتكليف؟ قلت : لا يلزم إلّا المخالفة الالتزامية وأما المخالفة العملية فلا والمانع من جريان الاصل الخلاف العملي ان قلت : كيف منعتم عن الاخذ بدليل الاباحة الظاهرية؟ قلت : جريان الاصل متوقف على الشك ومع العلم بوجود الالزام لا مجال لجريان الاباحة وبعبارة اخرى : نقطع بعدم كون الفعل مباحا فكيف يمكن اجراء الاباحة وأما كل من الحرمة والوجوب فمشكوك فيه فلا مانع من رفعه بالاستصحاب أو بدليل البراءة وحديث الرفع فلاحظ.

ان قلت : المفروض انا نعلم ان الفعل مورد الالزام ومع العلم بالالزام كيف يجري دليل الرفع؟ قلت : العلم انما يمنع عن جريان الاصل النافي فيما يكون التكليف الواقعي قابلا للباعثية وأما مع عدم امكانها فلا مانع عن جريان الاصل وان شئت قلت : الموافقة القطعية في المقام غير ممكنة كما ان المخالفة القطعية كذلك وأما الموافقة الاحتمالية كالمخالفة الاحتمالية فهما موجودتان على كلا التقديرين فالنتيجة انه لا مانع عن جريان الاصل النافي في كلا الطرفين.

ثم انه لا فرق فيما ذكرنا من اجراء اصالة العدم استصحابا كان أو براءة بين كون احد الحكمين على تقدير ثبوته في الواقع أعم من الحكم الآخر وبين أن لا يكون كذلك فان مقتضى دليل الرفع رفع اليد عن كلا الحكمين هذا تمام الكلام في المورد الاول.

المورد الثاني : أن يكون احد الحكمين أو كلاهما تعبديا مع وحدة الواقعة كما لو دار أمر المرأة بين الطهر والحيض وقلنا ان الصلاة تحرم على الحائض ذاتا ولم يمكن تشخيص حالها ففي مثل المورد

٢١٥

تمكن المخالفة القطعية بأن تصلي بلا قصد القربة فانها خالفت الواقع قطعا اذ لو لم تكن حائضا تجب عليها الصلاة قربة الى الله وان كانت حائضا تحرم عليها الصلاة وأما الموافقة القطعية فلا تمكن اذ المفروض عدم امكان تشخيص حالها ففي مثل المقام يكون العلم الاجمالي منجزا.

ويتضح الحال ببيان اقسام العلم الاجمالي فنقول القسم الاول : ما يمكن فيه الموافقة القطعية كما يمكن المخالفة كذلك وهو الغالب مثلا اذا علم زيد بأنه اما يجب عليه الدعاء عند رؤية الهلال واما يحرم عليه شرب التتن فانه يمكن الموافقة القطعية كما انه يمكن المخالفة كذلك.

القسم الثاني : ما لا يمكن فيه لا الموافقة القطعية ولا المخالفة كذلك كما لو دار الامر بين المحذورين مع وحدة الواقعة وكانت الواقعة توصلية وقد مر تفصيل الكلام فيه.

القسم الثالث : ما يمكن فيه المخالفة القطعية ولا يمكن الموافقة كذلك كما لو علم اجمالا بوجوب احد الضدين اللذين لهما ثالث مثلا لو علم بأنه يجب عليه في اول طلوع الشمس اما الكون في كربلاء واما الكون في النجف فانه لا يمكنه الامتثال القطعي لعدم امكان الجمع ولكنه يمكنه العصيان بأن يكون في مكان ثالث.

القسم الرابع : عكس القسم الثالث اذا عرفت ما تقدم نقول أما القسم الثاني فالامر دائر بين المحذورين وقد مر حكمه وأما بقية الاقسام فعلى القول بكون العلم منجزا لا بد من الالتزام بالتنجز اما مطلقا كما في القسم الاول أو بالنسبة الى المخالفة القطعية كما في القسم الثالث أو بالنسبة الى الموافقة كذلك كما في القسم الرابع وصفوة القول : انه لا بد على القول بكون العلم منجزا أن يعمل على طبق العلم فان كان

٢١٦

كلا الطرفين ممكنا كما في القسم الاول يجب احراز الاطاعة بتمام معنى الكلمة بأن يحرز الاتيان بالواجب والاحتراز عن الحرام وان كان احد الطرفين ممكنا دون الطرف الآخر يجب بالمقدار الممكن.

وعلى هذا الاساس في دوران الامر بين الحيض والطهر أفاد سيدنا الاستاد بأن حكمها التخيير العقلى بين الاتيان بالصلاة رجاء والترك رأسا.

والذي يختلج بالبال أن يقال لا مانع عن اجراء البراءة عن وجوب الصلاة وعن حرمتها فان مقتضى البراءة عدم وجوب الصلاة عليها كما ان مقتضى البراءة عدم حرمة الاتيان بها رجاء وبعد اجراء البراءة في كلا الطرفين تكون النتيجة الخيار بين الامرين فلاحظ.

وفي المقام فروع : الفرع الاول : انه لو دار الامر بين شرطية الجهر وشرطية الاخفات فالظاهر انه لا بد من العمل على طبق العلم على النحو الكامل اذ يمكن الاحتياط التام بأن يقرأ السورة مرتين مرة جهرا واخرى اخفاتا اذ قراءة القرآن لا توجب بطلان الصلاة هذا على تقدير القول بحرمة ابطال الصلاة وأما لو لم نقل به فيمكن الاحتياط بنحو آخر وهو تكرار الصلاة بأن يأتي بها مرة جهرا ومرة إخفاتا

الفرع الثاني : لو علم اجمالا بانه يجب عليه اما الاتمام أو القصر ولا يكون الوقت واسعا لكلتا الصلاتين فلا اشكال في أن اللازم الاتيان باحد الطرفين اذ مع تركهما يكون عاصيا بلا كلام انما الكلام في انه هل تجب عليه الصلاة مرتين مرة قصرا واخرى تماما إحداهما في الوقت والاخرى خارجه ام لا تجب الا الصلاة الواحدة في الوقت.

اختار سيدنا الاستاد الاحتمال الاخير بتقريب : ان القضاء موضوعه الفوت والفوت أمر وجودي غير محرز فلا يجب القضاء لعدم

٢١٧

احراز موضوعه ويختلج ببالي القاصر أن يقال : انه يجب فان الفوت ليس أمرا وجوديا بل عبارة عن الترك وعليه يكون مقتضى استصحاب عدم الاتيان بالفريضة في الوقت وجوب القضاء خارجه فلاحظ.

الفرع الثالث : لو دار الامر بين الشرطية والمانعية كما لو نهض للقيام وشك في السجدة الثانية فالامر دائر بين كونها جزءا وكونها زائدة فعلى الاول تكون شرطا وعلى الثاني تكون مانعة وربما يقال كما عن الشيخ قدس‌سره ان الامر دائر بين المحذورين في حكم الواقعة كما سبق. ويرد عليه انه قياس مع الفارق اذ يمكن الاحتياط في المقام ولو بتكرار العمل فلا بد من الاحتياط.

لكن في المقام اشكال آخر من ناحية اخرى وهو انه لو قلنا بحرمة ابطال الصلاة لا يجوز الابطال فيدور الامر بين المحذورين حيث انه يدور الامر بين وجوب الاتيان بالسجدة وحرمته ولا بد أن يقال انه يتشكل في مقامنا علمان اجماليان احدهما دوران الامر بين الشرطية والقاطعية ثانيهما دوران الامر بين الوجوب والحرمة وحكم العلم الاجمالي الاول الاحتياط بالتكرار وحكم الثاني التخيير كما تقدم فلاحظ.

المورد الثالث : دوران الامر بين المحذورين مع تعدد الواقعة والكلام في هذا المورد يقع في مقامين المقام الاول : في تعدد الواقعة عرضا كما لو علم اجمالا بوقوع الحلف على فعل شيء وتعلق الحلف ايضا على ترك شيء آخر واشتبه احد الامرين بالآخر فربما يقال بأن كل واحدة من الواقعتين مورد دوران الامر بين المحذورين والنتيجة التخيير ولكن الامر ليس كذلك اذ المكلف وان لم يمكنه الامتثال القطعي بأن يرتكب الواجب ويترك الحرام للاشتباه ولكن يمكنه العصيان القطعي بأن يرتكب كلا الامرين أو يتركهما لكن

٢١٨

العلم الاجمالي ينجز بالنسبة الى الحرمة القطعية فان ارتكاب كلا الامرين أو تركهما يوجب القطع بالعصيان فلا بد من اختيار فعل احدهما وترك الآخر كى يحتمل التطابق مع الواقع.

ولقائل أن يقول : اذا ارتكب كلا الامرين أو تركهما وان كان يوجب القطع بالعصيان لكن يقطع ايضا بالامتثال وأما لو اختار فعل احدهما وترك الآخر لا يكون قاطعا بالاطاعة إلّا أن يقال لو دار الامر بين القطع بالعصيان والقطع بالامتثال وبين احتمال الاطاعة والعصيان يكون الثاني مقدما في نظر العقل فلاحظ.

وأما المقام الثاني وهو فيما تكون الواقعة متعددة لكن طولا لا عرضا فاما نقول بأن العلم الاجمالي في التدريجيات لا يكون منجزا واما نقول بكونه منجزا أما على الاول فيكون كل واحدة من الوقائع مورد دوران الامر بين المحذورين وقد مر تفصيل الكلام فيه وأما على الثاني فالامر فيه كما مرّ في المقام الاول بأن نقول : القطع بالموافقة لا يمكن لكن القطع بالمخالفة أمر ممكن بأن يختار المكلف الفعل على الاطلاق أو الترك كذلك وبهذا المقدار العلم منجز ولا بد من اختيار الترك في احدهما والفعل في الآخر كى لا يحصل القطع بالعصيان فلاحظ.

ايقاظ ربما يقال ـ كما عن الميرزا ـ : ان مقتضى القاعدة فيما تعدد الواقعة تقديم محتمل الاهمية من طرف الفعل أو الترك بتقريب ان الامر يقتضي امتثال متعلقه واحراز امتثاله وكل نهي يقتضي الانزجار عما نهى عنه واحراز الانزجار والمفروض عدم التزاحم بين الحكمين في أصل الامتثال اذ المفروض امكان الاتيان بالواجب وترك الحرام لكن التزاحم موجود في مرحلة الاحراز فاحراز كل منهما يزاحم احراز امتثال الآخر فيقدم محتمل الاهمية.

٢١٩

وأورد عليه سيدنا الاستاد اولا بالنقض بمورد التساوى وقال يلزم عليه أن يجوز ترجيح احد الطرفين على الآخر بأن يتركهما أو أن يفعلهما والحال انه لا يقول به بل يقول بلزوم ترك احدهما والاتيان بالآخر وثانيا بالحل وهو ان الوجه في تقديم محتمل الاهمية ان الاطلاق في طرف المهم ساقط عن الاعتبار وأما في طرف الاهم فلا دليل على سقوطه فيؤخذ باطلاق محتمل الاهمية وترفع اليد عن اطلاق الطرف الآخر وفيما لا يكون اطلاق في الدليلين يقطع المكلف بأنه لو ترك ما لا يحتمل فيه الاهمية ويأتي بالطرف الآخر لا يكون مؤاخذا بخلاف العكس وأما في مقام فلا تزاحم بين التكليفين لا في مقام الجعل ولا في مقام الامتثال فلا وجه للتقديم.

والذي يختلج ببالي القاصر ان يقال انه على هذا الاساس الذي ذكره سيدنا الاستاد وأورد ايراده على الميرزا يلزم عدم الترجيح حتى مع العلم بالاهمية لعدم الفارق والحال انه يخطر بالبال أن يقال ان المكلف اذا قطع مثلا بأن الترك أهم من الفعل يكون الترك متعينا بحكم العقل واحرازه يتوقف على ترك كلا الفعلين فلاحظ والله العالم بحقائق الامور.

الفصل الثانى فى الشك فى المكلف به مع العلم بجنس التكليف

والشك في المكلف به تارة يكون مرددا بين أمرين متباينين واخرى يكون مرددا بين الاقل والاكثر فيقع الكلام في مقامين وقبل الخوض في البحث نشير الى مقدمة وهي : ان احتمال التكليف مساوق مع احتمال العقاب ومع احتمال العقاب يتنجز الحكم اذ يلزم دفع الضرر المحتمل بحكم العقل خصوصا اذا كان الضرر هو العقاب الاخروي وان شئت قلت : دائما يكون المنجز احتمال العقاب من وجوب دفع الضرر فلا فرق بين العلم بالالزام وبين الشك فيه فان العلم بالالزام

٢٢٠