آراؤنا في أصول الفقه - ج ٢

السيّد تقي الطباطبائي القمّي

آراؤنا في أصول الفقه - ج ٢

المؤلف:

السيّد تقي الطباطبائي القمّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات المحلّاتي ( المفيد )
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥١

الاستصحاب وان شئت فقل : ان الجعل وعدمه حدوثا وبقاء زمامه بيد المولى فيمكن اجراء الاستصحاب في نفس العدم المنسوب فلا يرتبط بالاصل المثبت فلاحظ.

الوجه الرابع : انه يكفي لجريان قبح العقاب بلا بيان الشك في الحكم الواقعي فلا يحتاج الى استصحاب عدم الجعل. وفيه انه مع جريان الاستصحاب لا يبقى موضوع للقاعدة وبعبارة اخرى : قاعدة القبح متفرعة على عدم بيان الحكم وعدم وصوله فاذا وصل وجوده أو عدمه بالعلم أو بالطريق العلمي لا يبقى موضوع لجريان القاعدة فلاحظ.

الوجه الخامس : انه يشترط في جريان الاستصحاب بقاء الموضوع وكون القضية المتيقنة والقضية المشكوك فيها قضية واحدة والمقام لا يكون كذلك فان الموضوع قبل البلوغ عنوان الصبي والعنوان بعد البلوغ عنوان البالغ وهذان العنوانان متغايران ولا يعدان من الحالات للموضوع الواحد وعليه لا مجال للاستصحاب لتعدد الموضوع.

الوجه السادس : انا لا نفهم معنى محصلا لتقريب استصحاب عدم الفعلية في قبال استصحاب عدم الجعل فان الشارع ليس له حكم في خصوص الموضوع الخاص وبعبارة اخرى : نفرض زيد بن عمرو بعد بلوغه يشك بالنسبة الى شرب التتن مثلا فانه تارة يقول شرب التتن لم يكن حراما والآن كما كان فهذا عين الاصل الجاري في مرتبة الجعل واخرى يقول قبل بلوغي كان شرب التتن جائزا لي وكنت مرخّصا في شربه والآن كما كان فيرد عليه ان الاستصحاب الجاري في الحكم الكلي معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد وثالثة يقول : قبل بلوغي لم يكن خطاب لا تشرب التتن متوجها إلى والآن كما كان.

١٨١

وفيه ان الخطاب لا يتوجه الى شخص المكلف والخطابات الشرعية على نحو القضايا الحقيقية إلّا أن يقول انه قبل بلوغي لم اكن مشمولا للخطاب الكذائى والآن كما كان اي كون الشرب حراما لم يكن يشملني والآن كما كان فلاحظ.

فى ادلة الاخباريين على وجوب الاحتياط.

وما يمكن أن يستدل به على المدعى وجوه ثلاثة : الوجه الاول : جملة من الآيات الكريمة والآيات المشار اليها ثلاث طوائف : الطائفة الاولى : ما يدل على حرمة القول بغير علم كقوله تعالى (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)(١) وكقوله تعالى (قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ)(٢) بتقريب ان القول بالاباحة مع احتمال الحرمة مثلا قول بغير علم وهو حرام.

والجواب ان الاصولي القائل بالبراءة يستند في قوله بالبراءة بالادلة المتقدمة كما ان الاخباري في قوله بوجوب الاحتياط يستند الى اخبار الاحتياط.

الطائفة الثانية : ما يدل على وجوب التقوى كقوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ)(٣) بتقريب ان ترك الاحتياط كشرب التتن مع احتمال حرمته واقعا خلاف التقوى فيجب التجنب بمقتضى الآية. وفيه ان التقوى اللازم ما يكون مرتبطا بالعقاب والمفروض ان ارتكاب المشتبه مع الاستناد الى دليل البراءة شرعا أو عقلا لا يكون خلاف التقوى وبعبارة واضحة : مع الاستناد الى البراءة لا

__________________

(١) الاسراء / ٣٦.

(٢) يونس / ٥٩.

(٣) آل عمران / ١٠٢.

١٨٢

يحتمل العقاب فلا مقتضي للاتقاء وأما الاتقاء عن الوقوع في المفسدة المحتملة أو الضرر المحتمل فغير واجب قطعا مضافا الى أنه يمكن احراز عدمهما بالاستصحاب كما قلنا سابقا فلاحظ.

الطائفة الثالثة : ما يدل على النهى عن الالقاء في الهلكة كقوله تعالى (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)(١) فبمقتضى الآية يحرم القاء النفس في الهلكة. وفيه ان المراد من الهلكة ان كان العقاب فالاصولي مع الاستناد الى ادلة البراءة لا يحتمل العقاب فكيف بالقطع به وان كان المراد بها المفسدة والضرر فمن الظاهر ان ارتكاب المشتبه لا يوجب الهلاك مضافا الى أن مقتضى الاستصحاب عدم ارتكابه موجبا للوقوع في الهلاك اضف الى ذلك ان الشبهة من هذه الجهة مصداقية ولا يجوز التمسك بالدليل مع الشك في المصداق فالنتيجة ان الآيات الكريمة لا تقتضي وجوب الاحتياط.

الوجه الثاني الروايات وهي طوائف الطائفة الاولى ما يدل على المنع عن الفتوى بغير علم لاحظ ما رواه أبو عبيدة قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : من أفتى النّاس بغير علم ولا هدى من الله لعنته ملائكة الرّحمة وملائكة العذاب ولحقه وزر من عمل بفتياه (٢).

بتقريب ان الحكم بالترخيص مع الجهل بالواقع واحتمال وجود الالزام واقعا قول بغير العلم فلا يجوز. وفيه ان الاصولي اما يفتي بالترخيص بمقتضى روايات الدالة على البراءة واما يفتي بأن العقاب بلا بيان قبيح بحكم العقل فعلى كلا التقديرين يستند الى الحجة والدليل ولا يكون قوله بغير علم كى يشمله النص المشار اليه.

الطائفة الثانية : ما يدل على ان الوقوف عند الشبهة خير من

__________________

(١) البقرة / ١٩٥.

(٢) الوسائل الباب ٤ من ابواب صفات القاضى الحديث ١.

١٨٣

الاقتحام في الهلكة لاحظ ما رواه الزهري عن أبي جعفر عليه‌السلام قال الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة وتركك حديثا لم تروه خير من روايتك حديثا لم تحصه (١) بتقريب انه اذا اشتبه الامر واحتمل وجود الالزام في الواقع يلزم الوقوف كي لا يتحقق الاقتحام في الهلكة.

وبهذا المضمون عدة روايات منها ما رواه عمر بن حنظلة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث قال : وانّما الامور ثلاثة : امر بيّن رشده فيتبع وأمر بيّن غيّة فيجتنب وأمر مشكل يرد علمه الى الله والى رسوله قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : حلال بيّن وحرام بيّن وشبهات بين ذلك فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات وهلك من حيث لا يعلم ثم قال في آخر الحديث فانّ الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات (٢).

ومنها ما رواه أبو شيبة عن احدهما عليهما‌السلام قال في حديث : الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة (٣).

ومنها ما رواه زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال لو أنّ العباد اذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا (٤).

ومنها ما رواه مسعدة بن زياد عن جعفر عن آبائه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال : لا تجامعوا في النكاح على الشبهة وقفوا

__________________

(١) جامع الاحاديث ج ١ الطبع الجديد ص ٣٣٣ ، الحديث ٤٠ والوسائل الباب ١٢ من ابواب صفات القاضى الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ١٢ من ابواب صفات القاضى الحديث ٩.

(٣) عين المصدر الحديث ١٣.

(٤) عين المصدر الحديث ١١.

١٨٤

عند الشبهة الى أن قال فانّ الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة (١).

ومنها ما عن امير المؤمنين عليه‌السلام انه قال في خطبة له : فيا عجبا وما لي لا أعجب من خطاء هذه الفرق على اختلاف حججها في دينها لا يقتفون أثر نبيّ ولا يقتدون بعمل وصي يعملون في الشبهات ويسيرون في الشهوات المعروف فيهم ما عرفوا والمنكر عندهم ما أنكروا مفزعهم في المعضلات الى أنفسهم وتعويلهم في المبهمات على آرائهم كأن كل امرئ منهم امام نفسه قد أخذ منها فيما يرى بعرى وثيقات وأسباب محكمات (٢).

ومنها ما عن امير المؤمنين عليه‌السلام ايضا انه قال في وصيته لولده الحسن : يا بنيّ دع القول فيما لا تعرف والخطاب فيما لا تكلّف وامسك عن طريق اذا خفت ضلالته فانّ الكف عند حيرة الضلال خير من ركوب الاهوال ـ الى أن قال : وابدأ قبل ذلك بالاستعانة بإلهك والرغبة اليه في توفيقك وترك كل شائبة اولجتك في شبهة أو أسلمتك الى ضلالة قال وقال عليه‌السلام : من ترك قول لا أدري اصيبت مقاتله قال : وقال عليه‌السلام : لا ورع كالوقوف عند الشبهة قال : وقال عليه‌السلام : وانما سمّيت الشبهة شبهة لانها تشبه الحق فأمّا أولياء الله فضياؤهم فيها اليقين ودليلهم سمت الهدى واما أعداء الله فدعاؤهم فيها الضلال ودليلهم العمى قال : وقال عليه‌السلام انّ من صرحت له العبر عمّا بين يديه من المثلات حجزه التقوى عن تقحّم الشبهات (٣).

__________________

(١) نفس المصدر الحديث ١٥.

(٢) عين المصدر الحديث ١٩.

(٣) نفس المصدر الحديث ٢٠.

١٨٥

ومنها ما رواه محمد بن علي بن الحسين قال ان امير المؤمنين عليه‌السلام خطب الناس فقال في كلام ذكره : حلال بيّن وحرام بيّن وشبهات بين ذلك فمن ترك ما اشتبه عليه من الاثم فهو لما استبان له أترك والمعاصي حمى الله فمن يرتع حولها يوشك أن يدخلها (١).

ومنها ما رواه جميل بن صالح عن الصادق عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في كلام طويل : الامور ثلاثة : أمر تبين لك رشده فاتبعه وأمر تبيّن لك غيّة فاجتنبه وأمر اختلف فيه فردّه الى الله عزوجل (٢).

ومنها ما رواه النعمان بن بشير قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : انّ لكل ملك حمى وان حمى الله حلاله وحرامه والمشتبهات بين ذلك كما لو انّ راعيا رعى الى جانب الحمى لم يثبت غنمه أن تقع في وسطه فدعوا المشتبهات (٣).

ومنها ما رواه جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام في وصيّة له لاصحابه قال : اذا اشتبه الامر عليكم فقفوا عنده وردّوه الينا حتى نشرح لكم من ذلك ما شرح لنا فاذا كنتم كما أوصيناكم لم تعدوه الى غيره فمات منكم ميّت من قبل أن يخرج قائمنا كان شهيدا ومن ادرك قائمنا فقتل معه كان له أجر شهيدين ومن قتل بين يديه عدوّا لنا كان له أجر عشرين شهيدا (٤).

ومنها ما رواه السكوني عن أبيه عن علي عليه‌السلام قال : الوقوف في الشبهة خير من الاقتحام في التهلكة وتركك حديثا لم تروه خير

__________________

(١) عين المصدر الحديث ٢٢.

(٢) عين المصدر الحديث ٢٣.

(٣) عين المصدر الحديث ٤٠.

(٤) نفس المصدر الحديث ٤٣.

١٨٦

من روايتك حديثا لم تحصه (١).

ومنها ما رواه الصدوق : وخطب أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال ان الله حدّ حدودا فلا تعتدوها وفرض فرائض فلا تنقضوها وسكت عن أشياء لم يسكت عنها نسيانا فلا تكلّفوها رحمة من الله لكم فاقبلوها ثم قال عليه‌السلام حلال بيّن وحرام بيّن وشبهات بين ذلك فمن ترك ما اشتبه عليه من الاثم فهو لما استبان له أترك والمعاصي حمى الله فمن يرتع حولها يوشك أن يدخلها (٢).

ومنها ما رواه مسعدة بن زياد عن جعفر عن آبائه عليهم‌السلام انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لا تجامعوا في النكاح على الشبهة (وقفوا عند الشبهة) يقول : اذا بلغك انك قد رضعت من لبنها وانها لك محرم وما اشبه ذلك فان الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة (٣).

بتقريب ان المستفاد من هذه الطائفة وجوب التوقف عند الشبهة وحيث ان عنوان الشبهة صادق فيما يحتمل الالزام في الواقع يجب الوقوف. وفيه انه فرض في هذه النصوص الاقتحام في الهلكة وبعبارة اخرى : موضوع النصوص الاقتحام في الهلاك فالهلاك مفروض الوجود وما المراد من الهلكة المفروضة فان كان المراد من الهلكة المفروضة العقاب الاخروي فهو انما يتصور في مورد العلم الاجمالي بالتكليف وايضا يتصور في الشبهة البدوية قبل الفحص وأما في الشبهة البدوية بعد الفحص فلا يحتمل العقاب فان العقاب بلا بيان قبيح فلا يتحقق بلا فرق بين كون الشبهة حكمية أو موضوعية أما على

__________________

(١) عين المصدر الحديث ٥٠.

(٢) عين المصدر الحديث ٦١.

(٣) الوسائل الباب ١٥٧ من ابواب مقدمات النكاح الحديث ٢.

١٨٧

الاول فظاهر وأما على الثاني فمقتضى استصحاب العدم الازلي عدم المشتبه مصداقا للحرام وان كان المراد من الهلكة المفسدة فيرد عليه أولا انه يمكن احراز عدمها بالاستصحاب كما قلنا سابقا وثانيا انه لا يصدق عنوان الهلكة على الوقوع في المفسدة وثالثا مع الشك في المفسدة لا مجال للاخذ بالدليل فان الاخذ بالدليل لا يجوز مع كون الشبهة مصداقية.

الطائفة الثالثة : ما يدل على وجوب الاحتياط عند الاشتباه لاحظ ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجلين أصابا صيدا وهما محرمان الجزاء بينهما؟ أو على كل واحد منهما جزاء؟ قال : لا بل عليهما أن يجزي كل واحد منهما الصيد قلت : ان بعض أصحابنا سألني عن ذلك فلم أدر ما عليه فقال اذا اصبتم مثل هذا فلم تدروا فعليكم بالاحتياط حتى تسألوا عنه فتعلموا (١).

ومنها ما رواه ابو هاشم داود بن القاسم الجعفري عن الرضا عليه‌السلام ان امير المؤمنين عليه‌السلام قال لكميل بن زياد : اخوك دينك فاحتط لدينك بما شئت (٢).

بتقريب ان المستفاد من هذه الطائفة وجوب الاخذ بالحائط حتى يحصل العلم بالواقع فلا يجوز ارتكاب محتمل الحرمة وايضا لا يجوز ترك ما يحتمل الوجوب.

وأجاب سيدنا الاستاد عن الاستدلال المذكور بأن العقل حاكم بحسن الاحتياط فيكون حكم الشرع بالاحتياط ارشادا الى الحكم العقلي فيكون تابعا له في الالزام وعدم الالزام ففي مورد حكم العقل

__________________

(١) الوسائل الباب ١٢ من ابواب صفات القاضى الحديث ١.

(٢) نفس المصدر الحديث ٤١.

١٨٨

بالالزام كما في الشبهة قبل الفحص يكون حكم الشرع ارشادا الى اللزوم وفي مورد حكم العقل بحسنه كما في الشبهة بعد الفحص غير المقرون بالعلم الاجمالي يكون حكم الشرع كذلك.

ويرد عليه انه لا وجه لحمل دليل وجوب الاحتياط على الارشاد ولا مقتضي له وبعبارة اخرى : مقتضى القاعدة العمل بالظواهر والمفروض ان الدليل ظاهر في الوجوب فلا بد من الالتزام به لو لم يكن عنه مانع.

ولكن يمكن أن يجاب عنه بوجه آخر وهو ان مقتضى الاستصحاب كما ذكرنا عدم الالزام في الواقع ومع احراز عدم الوجوب أو الحرمة في الواقع لا وجه للاحتياط وان شئت قلت : انه مع فرض قيام الدليل على عدم التكليف لا يكون ترك الواجب المحتمل أو فعل الحرام كذلك خلاف الاحتياط وبعبارة واضحة : المستفاد من حديث ابن الحجاج انه يجب الاحتياط في الشبهة قبل الفحص فلا دليل على وجوب الاحتياط في مطلق الشبهة.

وفي المقام وجه آخر لتقديم ادلة البراءة على ادلة الاحتياط وهو ان اخبار الاحتياط على فرض تماميتها سندا ودلالة انما تدل على الوجوب الطريقي وادلة البراءة تدل على عدم الوجوب واخبار البراءة أخص من ادلة الاحتياط وبها تخصص اخبار الاحتياط وعلى فرض الاغماض والالتزام بكون النسبة بين الطرفين التباين تصل النوبة بعد التعارض والتساقط الى قاعدة قبح العقاب بلا بيان فالنتيجة في ختام البحث انه لا دليل على وجوب الاحتياط الا في الشبهة البدوية قبل الفحص والشبهة المقرونة بالعلم الاجمالي لكن لا يبعد أن الفقيه يطمئن بل يقطع بحسن الاحتياط في مطلق الشبهة والله العالم بحقائق الامور.

١٨٩

الوجه الثالث : حكم العقل وللاستدلال بالعقل على وجوب الاحتياط تقريبات : التقريب الاول : ان كل مكلف يعلم اجمالا بوجود تكاليف في الشريعة وبمقتضى تنجز العلم الاجمالي يلزم عليه الاحتياط في جميع الاطراف وهذا العلم الاجمالي لا ينحل بقيام امارات على جملة من الاحكام الالزامية اذ لا تنافي بينهما وبعبارة واضحة الامارات القائمة على الاحكام في مواردها لا تعرض لها بالنسبة الى غير تلك الموارد فلا يستفاد من تلك الامارات نفي الالزام عن غير تلك الموارد فلا وجه للانحلال ولا يقاس المقام بما اذا علم بحرمة ما في اناء زيد واشتبه انائه بين أوانى متعددة ثم علم ان الاناء الفلاني انائه فهذا العلم الاجمالي ينحل لان ما علم نجاسته وحرمته بالاجمال صار معلوما بالتفصيل فلا وجه للاجتناب عن بقية الاواني وأما في المقام فلا تنافي بين الامرين اذ يمكن تحقق الزامات متعددة في الواقع فلا مقتضى للانحلال اذا عرفت ما ذكرنا نقول يمكن أن يقال في تقريب الانحلال ان تنجز العلم الاجمالي متقوم بتعارض الاصول في الاطراف ومع عدم التعارض لا يكون العلم الاجمالي منجزا.

وبعبارة واضحة : دليل الاصل اعم من الاستصحاب والبراءة يشمل كل موضوع مشتبه الحكم فاذا علم اجمالا بنجاسة احد الإناءين يكون مقتضى اصالة الطهارة طهارة كليهما لكن جريان الاصل في كليهما يوجب المخالفة القطعية فلا يمكن جريان الاصل في كليهما وجريانه في واحد معين ترجيح بلا مرجح وجريانه في الواحد المردد لا محصل له اذ المردد لا مصداق له فالنتيجة عدم جريان الاصل فيهما جميعا ولا في واحد منهما هذا على ما هو المقرر عندهم ولنا في المقام كلام تعرضنا له فى الدورة السابقة ونتعرض له إن شاء الله فيما بعد نعم على مسلك القوم يكون مقتضى العلم الاجمالي وجوب الاجتناب عن

١٩٠

جمع الاطراف ولكن كما قلنا قوام التنجز بتعارض الاصول في الاطراف فاذا فرضنا انه علمنا اجمالا بنجاسة احد الإناءين وعلمنا مقارنا بنجاسة احد الإناءين معينا مثلا نفرض احد الإناءين ابيض والآخر اسود ونفرض في الساعة الفلانية انه حصل لنا علمان احدهما اجمالي والآخر تفصيلي بأن علمنا بنجاسة احدهما اجمالا وفي ذلك الزمان علمنا ايضا بنجاسة الاناء الاسود لا يكون العلم الاجمالي منجزا اذ لا مانع عن جريان الاصل في الاناء الابيض وايضا اذا علمنا اجمالا بنجاسة احدهما ثم وقع في احدهما المعين مقدار من الدم فما المانع من جريان الاصل في الاناء الآخر اذ بقاء لا تعارض في الاصول لانه فرض انفعال الآخر بالتفصيل فجريان الاصل في الاناء الآخر بلا مزاحم ولا فرق فيما ذكر بين كون الشبهة حكمية أو موضوعية والميزان الكلي في سقوط التنجز عدم جريان الاصل في بعض الاطراف بلا فرق بين كون الوجه خروج بعض الاطراف عن محل الابتلاء أو انعدامه عن دائرة الوجود أو غيرهما من الموارد فالميزان في عدم التنجز عدم المعارضة اما حدوثا واما بقاء فلاحظ وتأمل فانه دقيق وبالتأمل حقيق.

ان قلت بعد حدوث العلم الاجمالي وتساقط الاصول بالتعارض لا مجال لجريان الاصل وذلك لان الاصل الجاري في كل طرف ولو في مقدار من الزمان يعارض الاصل الجاري في الطرف الآخر الى الابد فالاصل الساقط لا يقوم بعد سقوطه قلت هذا كلام شعري ولا محصل له ولتوضيح المدعى نقول اطلاق السقوط مسامحي فان الاصل بملاحظة المعارض لا يجري لا أنه يجري ويسقط كى يقال لا دليل على قيامه بعد سقوطه فان دليل الاصل باطلاقه أو عمومه يشمل جميع موارد الشبهة غاية الامر في مورد المعارضة لا مجال لجريانه ولكن

١٩١

بعد ارتفاع المعارضة بانعدام احد الطرفين أو خروجه عن محل الابتلاء لا نرى مانعا عن جريانه في الطرف الباقي مثلا لو قال المولى اكرم كل عالم في كل يوم وعلمنا خروج زيد العالم في يوم كذا وعلمنا عدم وجوب اكرامه في ذلك اليوم الخاص فهل يكون خروجه في اليوم الكذائي مانعا عن الاخذ بعموم العام بالنسبة الى اكرامه في بقية الايام كلا ثم كلا واذا اغمضنا عما ذكرنا فهل يمكن انحلال العلم الاجمالي بطريق آخر قد تعرض سيدنا الاستاد لتقريب الاستدلال على الانحلال ببيان امر حاصله ان لنا علوما اجمالية ثلاثة الكبير والمتوسط والصغير فان المكلف يعلم اجمالا بتكاليف الزامية في الواقع وايضا يعلم اجمالا بمطابقة بعض الامارات المعتبرة وغير المعتبرة مع الواقع وايضا يعلم بكون بعض الامارات المعتبرة مطابقا مع الواقع والمفروض ان المعلوم بالاجمال في الاخير لا يقل عن العلم الاجمالي الاول فالعلم الاجمالي الاول علم اجمالي كبير والثاني متوسط والثالث صغير فالعلم الاجمالي الكبير ينحل بالمتوسط والمتوسط ينحل بالصغير والسر في الانحلال ان قوام تنجز العلم الاجمالي بتشكل قضية منفصلة على نحو مانعة الخلو مثلا نقول اما هذا الاناء نجس واما ذلك الاناء وأما اذا تغيّر الامر وانحلت القضية المنفصلة الى قضيتين حمليتين إحداهما متيقنة ولو باليقين التعبدي والآخر مشكوك فيها بالشك الساري فلا يكون العلم الاجمالي باقيا على تنجزه.

وبعبارة واضحة : تنجز العلم الاجمالي دائر مدار كون القضية منفصلة حدوثا وبقاء وعلى هذا نقول لا اشكال في تنجز موارد الامارات المعتبرة فان التكليف فيها قطعي فالشك في بقية الاطراف شك سار فلا مانع من جريان الاصل فيه ولا فرق فيما ذكر بين كون

١٩٢

جملة من موارد الامارات المعتبرة معلومة التطابق مع الواقع وبين عدم العلم بالتطابق وايضا لا فرق بين القول بأن المجعول في باب الامارات الطريقية أو السببية أو ان المجعول التعذير والتنجيز اذ على جميع التقادير يجب العمل بمقتضى الامارة المعتبرة فيكون الشك في الطرف الآخر شكا ساريا فلا مانع عن جريان الاصل فيه.

وبعبارة واضحة العلم الاجمالي لا يزيد على العلم التفصيلي فلو علم زيد بالعلم التفصيلي ان الاناء الفلاني نجس ثم شك في نجاسته شكا ساريا وزال علمه الاولى لا يكون علمه منجزا لزواله بقاء وعليه ما دام العلم الاجمالي موجودا يكون منجزا وأما اذا زال فيزول اثره. وصفوة القول : ان الوجه في تنجز العلم الاجمالي ان الاشتغال اليقيني يقتضي البراءة كذلك كالعلم التفصيلي ولكن اذا تبدل العلم بالشك الساري لا يبقى اثره والمفروض ان العلم الاجمالي الصغير يوجب انحصار الاشتغال بالدائرة الصغيرة ولا علم بالتكليف أزيد من التكاليف الموجودة في الدائرة الصغيرة فبحسب البقاء يكون الشك في التكليف الآخر شكا بدويا.

ان قلت لو فرض خروج بعض الاطراف عن محل الابتلاء أو تعلق مورد التكليف قطعا فما الوجه في عدم جريان الاصل في الطرف الآخر؟ قلت المفروض ان التكليف السابق بحاله والاشتغال اليقيني يقتضي البراءة كذلك فالامر الحادث لا يعارض لاحد الاطراف ولا يوجب زوال التنجيز هذا حاصل ما افاده في المقام.

أقول يرد عليه اولا ان المناط في تنجز العلم الاجمالي تساقط الاصول لا ما ذكره ولو كان الشك الساري موضوعا لجريان الاصل لكان جريانه في كلا الطرفين أو احدهما بلا مانع اذ المفروض

١٩٣

ان كل واحد من الطرفين مشكوك فيه واذا كان العلم الاجمالي مقتضيا للاحتياط لم يكن وجه لجريان الاصل في الاكثر فيما لو دار الامر بين الاقل والاكثر الارتباطيين والحال ان المنفصلة على نحو مانعة الخلو موجودة هناك أيضا فان المكلف يعلم بأنه اما يجب الاقل واما يجب الاكثر ومع ذلك بناء القوم على اجراء الاصل في الاكثر بل الوجه في الجريان عندهم عدم تعارض الاصل حيث ان وجوب الاقل معلوم وأما وجوب الاكثر فغير معلوم فيجري فيه الاصل فالمناط في جريان الاصل عدم التعارض.

وعلى الجملة لو كان الاشتغال اليقيني مقتضيا للاحتياط لكان مقتضيا له في الاقل والاكثر وثانيا انه لا مجال للاخذ بقاعدة الاشتغال مع فرض جريان البراءة فان البراءة يحدّد دائرة الالزام وبعبارة اخرى : لو فرض جريان البراءة بلا معارض لا يبقى مجال لقاعدة الاشتغال وثالثا : انه تارة يعلم المكلف بعدة تكاليف في الواقع ويعلم ان التكاليف المعلومة بالتفصيل عبارة عن تلك التكاليف المعلومة بالاجمال ففي هذه الصورة لا اشكال في سقوط العلم الاجمالي عن التأثير اذ مرجعه الى زوال العلم واخرى يحصل له في زمان واحد علمان اجماليان احدهما العلم الاجمالي بعدة تكاليف في الشريعة ثانيهما العلم بكون عدة من الامارات مطابقة مع الواقع او العلم باعتبار عدة من الامارات الدالة على احكام الزامية والجامع بين الموارد حصول علمين مقارنين فان العلم الاجمالي الكبير لا ينجز مع العلم الاجمالي الصغير الحاصل مقارنا مع العلم الكبير وثالثة يحصل العلم الاجمالي بعدة الزامات في الشريعة ويكون غافلا عن بقية الامارات بالكلية لكن بعد ذلك يحصل له علم اجمالي صغير أو يعلم بوجود امارات معتبرة فان العلم الحاصل ثانيا أو الظفر

١٩٤

بالامارات لا يوجب سقوط العلم الاجمالي السابق عن الاعتبار فان الاشتغال اليقيني يقتضي البراءة اليقينية فلا وجه للتفصيل فتحصل مما تقدم انه لا مقتضى لوجوب الاحتياط بل مقتضى القاعدة شرعا وعقلا البراءة هذا تمام الكلام في التقريب الاول.

التقريب الثاني ، لحكم العقل بوجوب الاحتياط : ان الاصل الاولي في الاشياء الحظر بتقريب ان الاصل الاولي حرمة التصرف في ملك الغير الا مع اذن المالك والمفروض ان جميع الموجودات مملوكة له تعالى فلا يجوز التصرف في ملكه الا مع اذنه ومقتضى الاستصحاب عدم اذنه.

ويرد عليه اولا ان مملوكية الاشياء له سبحانه لا تكون ملكية اعتبارية بل هي مملوكة له تعالى بالملكية الذاتية التكوينية التي يعبّر عنها بالاضافة الاشراقية وثانيا : ان حرمة التصرف في مال الغير حرمة عقلية أو حرمة شرعية أما الحرمة العقلية فعلى فرض تماميتها وتسلمها لا أثر لها فان العقل ليس له أن يحكم وينهى ويأمر بل شأنه مجرّد الادراك وذكرنا مرارا انه لا دليل على الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع وأما الحرمة الشرعية فلا دليل عليها بل مقتضى الاستصحاب عدم جعل الحرمة من قبل الشارع. وثالثا سلمنا حكم العقل بالحرمة الا مع الاذن لكن نقول : ادلة البراءة تقتضي عدم الحرمة ومقتضاها جواز كل شيء ما دام يشك في الحرمة.

وبعبارة اخرى : سلمنا الملازمة بين حكم العقل والشرع لكن نقول : مقتضى ادلة البراءة الترخيص الشرعي فلا تصل النوبة الى حكم العقل. وصفوة القول : ان القائل بالاحتياط ان استند الى العلم الاجمالي بالزامات في الشريعة فقد تقدم جوابه وقلنا بأن العلم الاجمالي على تقدير الالتزام بتنجزه ينحل وان استند الى اخبار

١٩٥

الاحتياط فقد تقدم جوابه ايضا وقلنا ان مقتضى القاعدة تخصيص تلك الاخبار بدليل البراءة وان استند الى قاعدة دفع الضرر المحتمل فقد تقدم جوابه وقلنا ان المراد من الضرر ان كان العقاب الاخروي فهو غير محتمل وان كان المراد الضرر الدنيوي فهو منفي بالاصل وان كان المراد المفسدة فهو ايضا منفي بالاصل وان استند الى كون الاصل في الاشياء الحظر ففيه اولا معارض بما قيل من أن الاصل الاباحة فان الصدوق على ما نقل عنه جعل كون الاشياء على الاباحة حتى يثبت الحظر من دين الامامية وثانيا انه لا دليل عليه وثالثا على فرض تماميته يكفي للقول بالجواز والاباحة ادلة البراءة.

التقريب الثالث : ان في ارتكاب المشتبه احتمال الضرر وهو لازم الاجتناب وقد تقدم الجواب عن الاستدلال المذكور فلا وجه للاعادة هذا تمام الكلام في أصل البراءة.

وينبغى التنبيه على امور

التنبيه الاول : ان موضوع البراءة العقلية عدم البيان وموضوع البراءة الشرعية الشك في الحكم الواقعي فكل ما يكون قابلا للبيان ورافعا للشك ولو تعبدا يتقدم على البراءة بلا فرق بين كون الشبهة موضوعية أو حكمية مثلا لو كان مائع خمرا وبعد زمان شك في بقائه على الخمرية يجري استصحاب بقائه على ما كان فلا تصل النوبة الى اجراء اصالة البراءة عن الحرمة كما انه لو شك في بقاء وجوب صلاة الجمعة بعد زمان الحضور يحكم ببقاء وجوبها بالاستصحاب فلا مجال لاصالة البراءة عن وجوبها نعم جريان الاستصحاب في امثال المقام يتوقف على جريان الاستصحاب في الحكم الكلي. وعلى الجملة لا مجال لجريان البراءة لا عقلا ولا شرعا وبلا فرق بين كون الشبهة موضوعية أو حكمية والوجه فيه ان جريان البراءة عقلا يتوقف على عنوان عدم

١٩٦

البيان وجريان الاصل في الرتبة السابقة يكون بيانا فلا تصل النوبة الى جريان البراءة العقلية كما أنه لا مجال لجريان البراءة الشرعية لحكومة الاصل السببي على الاصل المسبّبي.

ان قلت ما الوجه في تقدم الاصل السببي على الاصل المسبّبي مثلا لو غسل ثوب نجس بماء يحكم عليه بالطهارة بالقاعدة أو باستصحابها يحكم بطهارة الثوب مع ان مقتضى استصحاب النجاسة في الثوب الحكم عليه بالنجاسة فما وجه ترجيح استصحاب طهارة الماء المغسول به الثوب على استصحاب نجاسة الثوب المغسول؟ قلت اولا : يستفاد من ادلة الاستصحاب تقدم الاصل السببي على الاصل المسببي اذ مقتضى استصحاب بقاء الوضوء بعد الخفقة بقاء المكلف على الطهارة لكن لو صلى معه صلاة الظهر مثلا يكون مقتضى استصحاب عدم تحقق الصلاة مع الطهارة فساد الصلاة والمستفاد من أحاديث الباب جريان الاستصحاب في الوضوء بلا اشكال. وثانيا الاصل الجاري في السبب على القاعدة لتمامية موضوعه وأما الاصل الجاري في المسبب كاستصحاب نجاسة الثوب مثلا يتوقف على عدم جريان الاصل في السبب وعدم جريانه فيه يتوقف على جريانه في المسبب فجريان الاصل في المسبب يتوقف على الدور الباطل وأما جريان الاصل في السبب فلا مانع منه فانقدح بما ذكرنا ان مقتضى القاعدة جريان الاصل في السبب دون المسبب ففي كل مورد وقع التعارض بين الاصل السببي والاصل المسببي يكون الترجيح مع الاصل السببي فلاحظ.

فالنتيجة انه مع الاصل الموضوعي لا تصل النوبة الى الاصل الحكمي ويترتب على ما ذكر انه لو شك في حلية لحم من جهة الشك

١٩٧

في التذكية وعدمها لا تصل النوبة الى جريان اصالة حلية اللحم بل المرجع اصالة عدم التذكية فنقول الشك في حرمة اللحم تارة يكون ناشيا من الشبهة الموضوعية واخرى يكون ناشيا عن الشبهة الحكمية وكل واحد منهما على أقسام فالقسم الاول من الشبهة الموضوعية ما يشك في حرمته وحليته من جهة الشك في كونه من محلل الاكل أو من محرمه مع العلم بقابليته للتذكية والعلم بوقوعها عليه كما لو شك في كونه لحم شاة أو لحم ارنب والظاهر انه لا مانع عن جريان اصالة الحلية فيه والحكم بكونه حلالا.

ان قلت : مقتضى الاستصحاب عدم كونه من القسم الحلال فان اصالة العدم الازلي تقتضي عدم كونه من الحلال. قلت : يرد عليه اولا ان اصالة عدم كونه من الحلال لا تقتضي الحرمة الا على القول بالمثبت الذي لا نقول به وثانيا يعارضه اصل عدم كونه من القسم الحرام وبعد التعارض والتساقط تصل النوبة الى استصحاب عدم تعلق النهي به واصالة البراءة عن حرمته ان قلت : انه نقل عن الشهيد قدس‌سره ان الاصل الاولي في اللحوم الحرمة قلت : هذا الاصل لا أصل له بل لا بد من التفصيل كما نفصل إن شاء الله تعالى.

ان قلت الحيوان قبل موته يكون محرم الاكل ومقتضى الاستصحاب بقائه على الحرمة قلت : يرد عليه اولا ان الامر ليس كذلك ولذا جوزوا بلع السمك الحي والحال انه لم يذك بعد وثانيا انه على تقدير تمامية المدعى يكون موضوع الحرمة الحيوان الحي والكلام في اللحم ويشترط في جريان الاستصحاب بقاء الموضوع وثالثا قد ذكرنا مرارا ان الاستصحاب الجاري في الحكم الكلى معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد.

القسم الثاني : ما يشك في حليته من جهة احتمال طرو مانع عليه

١٩٨

كالجلل أو صيرورته موطوءا للانسان مثلا ومقتضى القاعدة الحلية ايضا اذ مقتضى الاصل عدم طرو المانع فاذا ذبح على طبق المقرر الشرعي وذكي فلا مقتضي لحرمة اكله.

القسم الثالث : ما لو شك في كون الحيوان المذبوح قابلا ذاتا للتذكية وعدمها كما لو شك في كون المذبوح كلبا أو شاة فان قلنا ان الاستصحاب يجري في العنوان الذاتي وينفي بالاصل ما يشك فيه وايضا قلنا بأن المستفاد من الدليل ان كل حيوان قابل للتذكية نلتزم بجواز الاكل فيما لو شك في كون الحيوان المذبوح شاة أو كلبا فان مقتضى الاستصحاب عدم كون الحيوان كلبا ومقتضى عموم التذكية تحققها لكن هل يكفي هذا المقدار في جواز الاكل أو يتوقف على جريان اصالة البراءة؟ الظاهر هو الثاني اذ مجرّد عدم كون الحيوان كلبا وتحقق التذكية فيه لا يكفي في حليته فان المذكى اعم من الحيوان الذي يحل اكله فيحتاج الى اصالة الحل.

لكن في المقام شبهة وهي ان جواز الاكل اما مترتب في الادلة على العناوين الخاصة كالشاة ونحوها والباقي حرام واما يكون الجواز مترتبا على غير العناوين المحرمة وعلى كلا التقديرين لا تصل النوبة الى اصالة الحل أما على الاول فمقتضى الاستصحاب عدم كون الحيوان داخلا في العناوين المحللة فتكون النتيجة حرمة الأكل وأما على الثاني فيكون مقتضى الاستصحاب عدم كون الحيوان داخلا في العناوين المحرمة فتكون النتيجة جواز الأكل وعلى كلا التقديرين لا تصل النوبة الى اصالة الحل والسر فيما ذكر ان الاصل السببي مقدم على الاصل المسببي وأما ان قلنا ان الاستصحاب لا يجري في نفى العناوين الذاتية فلا طريق الى احراز جواز الأكل اذ يمكن أن يكون الحيوان المذبوح كلبا أو خنزيرا ويلزم احراز تذكية الحيوان

١٩٩

ولا طريق الى احرازها وأما ان قلنا بجريان الاصل في العناوين الذاتية لكن منعنا عن دلالة الدليل على وقوع التذكية في كل حيوان فأفاد سيدنا الاستاد بأنه ان قلنا ان التذكية أمر وجودي مسبب عن فعل الذابح يكون مقتضى الاصل عدم تحققها وأما ان قلنا بأن التذكية عبارة عن نفس الفعل الخارجي مع شرائطه فلا مجال لاصالة عدمها اذ المفروض تحققه بماله من الشرائط فالمرجع اصالة الحل.

والذي يختلج بالبال أن يقال ان المفروض الشك في كون الحيوان قابلا للتذكية ومقتضى الاصل عدم كون الحيوان قابلا لها ويمكن تقريب الاصل بانحاء : الاول : أن يقال ان الحيوان المذبوح قبل وجوده لم يكن قابلا للتذكية والاصل بقائه على ما كان.

الثاني : أن يقال الحيوان المذكور قبل وجوده لم يكن داخلا في العناوين القابلة للتذكية والآن كما كان.

الثالث : ان يقال ان الحيوان المذكور قبل صيرورته مذبوحا لم يقع عليه التذكية والاصل عدم وقوعها عليه حين الذبح لكن يشكل التقريب المذكور بأن المفروض تحقق التذكية فلا مجال لاصالة عدمها نعم الظاهر انه لا تصل النوبة الى اصالة الحل لان الشك في الحلية ناش من كونه كلبا أو شاة ومقتضى الاصل عدم كونه كلبا وبعبارة اخرى : وقوع التذكية عليه وجداني وعدم الكلبية محرز بالاصل فيتركب الموضوع من الوجدان والاصل اللهم إلّا أن يقال ان مجرد كون الحيوان مذكى لا يقتضي الجواز اذ يمكن أن يكون مذكى ومع ذلك يكون حراما كالارنب وقد مرّ الاشكال في انه لا تصل النوبة الى اصالة الحل بل المرجع اما الى استصحاب عدم كونه من العناوين المحرمة واما استصحاب عدم كونه من العناوين المحللة ولا يخفى انه مع احتمال عدم كون الحيوان قابلا للتذكية وعدم الدليل على عدم

٢٠٠