آراؤنا في أصول الفقه - ج ٢

السيّد تقي الطباطبائي القمّي

آراؤنا في أصول الفقه - ج ٢

المؤلف:

السيّد تقي الطباطبائي القمّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات المحلّاتي ( المفيد )
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥١

روى عنه التلعكبري وغيره ذكره الشيخ ويعد العلامة وغيره من علمائنا حديثه صحيحا وهو يقتضي توثيقه على قاعدتهم.

ولا يخفى ان توثيق العلامة وامثاله من المتأخرين لا اثر له فلاحظ. وقال سيدنا الاستاد في رجاله بعد البحث في حال الرجل : «فالمتحصل مما ذكرناه ان الرجل مجهول كما صرح به جمع منهم صاحب المدارك» (١).

وقد روي ما قريب من الحديث من حيث المضمون بطريق آخر عن محمد بن أحمد النهدي رفعه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : وضع عن امتي تسع خصال : الخطأ ، والنسيان وما لا يعلمون وما لا يطيقون وما اضطروا اليه وما استكرهوا عليه والطيرة والوسوسة في التفكر في الخلق والحسد ما لم يظهر بلسان أو يد (٢). والطريق ضعيف بالرفع.

وقد روى الحديث اسماعيل الجعفي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قريبا من المضمون قال سمعته يقول : وضع عن هذه الامة ست خصال : الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وما لا يعلمون وما لا يطيقون وما اضطروا اليه (٣). والجعفي لم يوثق.

فالنتيجة ان الحديث غير تام سندا واما من حيث الدلالة فتقريب الاستدلال به على المدعى ان المستفاد منه ان ما لا يكون معلوما للمكلف مرفوع وموضوع عنه فنقول وجوب الدعاء عند رؤية الهلال مثلا لا يعلم وهو مجهول فهو موضوع عن المكلف عند الشك وهذا هو المطلوب.

__________________

(١) معجم رجال الحديث ج ٢ ، ص ٣٣٠.

(٢) الوسائل الباب ٥٦ من ابواب جهاد النفس الحديث ٣.

(٣) الوسائل الباب ١٦ من ابواب الايمان الحديث ٣ وجامع الاحاديث الطبع القديم ج ١ ص ٨٨.

١٦١

ولا يخفى ان هذا الرفع رفع ظاهري لا رفع واقعي كى يقال يلزم التصويب المجمع على بطلانه والدليل على كونه رفعا ظاهريا ان المرفوع عنوانه ما لا يعلم فاحتمال الحكم في الواقع محفوظ ولو كان رفعا واقعيا كان عدم الحكم مقطوعا فيلزم الخلف اذ الموضوع الجهل بالحكم الواقعي.

وبعبارة واضحة : موضوع الرفع في المقام احتمال الحكم في الواقع فيكون الرفع رفعا ظاهريا وان شئت قلت : القرينة الداخلية والخارجية قائمة على ان الرفع ظاهرى والحكم الواقعي محفوظ في الواقع أما القرينة الداخلية فلان المأخوذ في الموضوع عدم العلم والشك في الواقع المستلزم لاحتمال وجود الحكم في الواقع ومن ناحية اخرى لا يمكن أن يكون الحكم الواقعي منوطا بالعلم لاستلزامه الدور المحال وأما القرينة الخارجية فلان الاجماع قائم على بطلان التصويب وان الحكم الواقعي مشترك بين العالم والجاهل ولا يختص الحكم بخصوص العالم بالحكم اضف الى جميع ما ذكر انه لا شبهة في حسن الاحتياط والاحتياط متوقف على احتمال وجود الحكم في الواقع.

ان قلت : كيف يمكن وجود الحكم في الواقع ومع ذلك يكون وجوب الاحتياط مرفوعا في الظاهر وبعبارة اخرى : كيف يمكن الجمع بين الالزام الواقعي والترخيص الظاهري.

قلت قد ذكرنا سابقا وجه الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري فراجع ما ذكرناه هناك ولا وجه للاعادة. وصفوة القول ان رفع الحكم الواقعي في حال الجهل امر ممكن ولا تنافي بين جعل الحكم بلا تقيد الموضوع أي المكلف بالجهل والعلم وبعبارة اخرى : جعل الحكم بالعنوان الاولي كحرمة شرب التتن وجعل الترخيص للجاهل

١٦٢

بذلك الحكم الواقعي نعم التنافي موجود بين الترخيص الظاهري وايجاب الاحتياط عند الشك في الحكم الواقعي. وان شئت قلت الترخيص الظاهري يستلزم عدم وجوب الاحتياط لا عينه.

وببيان اوضح : ان الظاهر من الحديث رفع نفس الحكم المشكوك فيه لا رفع الاحتياط فان حمل الدليل على ارادة رفع وجوب الاحتياط خلاف الظاهر لا يصار اليه بدون الدليل نعم لو شك في وجوب الاحتياط وعدمه عند الشك في الالزام الواقعي يمكن الالتزام برفعه بملاحظة حديث الرفع فان مقتضى اطلاق الحديث عدم وجوب الاحتياط اذا شك في وجوبه وعدمه.

ثم ان الاستدلال بالحديث على المدعى يتم ان كان المراد من الموصول في قوله «ما لا يعلمون» خصوص الحكم الاعم من الحكم والموضوع فلا يشمل الحكم بل يختص مفاد الحديث بالشبهة ان المراد من الموصول الاعم وأما ان كان المراد من الموصول الموضوع فلا يشمل الحكم بل يختص مفاد الحديث بالشبهة الموضوعية فان في الشبهة الحكميّة عنوان الفعل معلوم كشرب التتن والدعاء عند رؤية الهلال وأما الشبهة الموضوعية كما لو شك في مائع انه خمر أو ماء فيكون الشيء مجهولا والظاهر من الجملة بحسب الفهم العرفي ان المرفوع الحكم الشرعي لكن مقتضى اطلاق الحديث شموله للشبهة الموضوعية ايضا فان الحكم المجهول تارة يكون منشأ الجهل فيه فقدان النص أو اجماله أو تعارضه واخرى يكون المنشأ عدم العلم بعنوان الموضوع كما لو شك في المائع الفلاني انه ماء أو خمر فعلى كلا التقديرين يكون الحديث شاملا للشبهة الموضوعية ولا يختص بالشبهة الحكمية.

١٦٣

وربما يقال انه لا بد من الالتزام بكون الموصول في الحديث خصوص الموضوع وذلك لامور : الاول : وحدة السياق فان المراد من بقية الفقرات نفس الافعال مثلا المراد من قوله عليه‌السلام «ما اكرهوا» الفعل المكره عليه اذ من الواضح ان الاكراه يتعلق بالفعل الخارجي ولا يتعلق بالحكم الشرعي وكذلك بقية الفقرات فبمقتضى وحدة السياق نقول ان المراد من قوله «ما لا يعلمون» الشيء الخارجي كما لو شك في أن المائع الفلانى خمر أو ماء.

والجواب اولا ان المراد من الموصول الشيء المبهم وانما يميّز ويعرّف بصلته وبعبارة اخرى : الموصول من المبهمات غاية الامر الاختلاف في المصاديق والاختلاف في المصاديق لا يضر بوحدة المفهوم الجامع بين جميع تلك المصاديق مثلا لو قيل ما تركه زيد فلوارثه فان بعض ما تركه الدار وبعضه الفرش وبعضه الكتاب الى غير ذلك والاختلاف في المصاديق لا يوجب تعددا في الجامع والمقام كذلك أي رفع عن امتي شيء وهو كذا.

وثانيا لو اغمض عما ذكرنا لا يمكن التحفظ على وحدة السياق اذ المراد بالموصول في بقية الفقرات العمل الصادر عن المكلف اي رفع العمل المكره عليه مثلا ولكن المراد من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله «ما لا يعلمون» الشيء الخارجي مثل المائع المردد لان المجهول الشيء الخارجي. وبعبارة واضحة في الشبهة الموضوعية العمل الصادر من المكلف معلوم والمجهول متعلق العمل وموضوعه فعلى تقدير الاغماض لا تتحقق وحدة السياق.

الامر الثاني : ان اسناد الرفع الى ما اكرهوا والى بقية الفقرات مجازي كما هو ظاهر فان الامور الخارجية في وعاء الشرع لا يتعلق بها الوضع والرفع على نحو الحقيقة فيكون اسناد الرفع اليها مجازيا

١٦٤

وأما اسناد الرفع الى الحكم الشرعي فهو حقيقي فلا بد من أن يفرض ان الاسناد يكون بالنسبة الى جميع الفقرات مجازيا فيكون المراد من الموصول في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله «ما لا يعلمون» الموضوع الخارجي كى يكون الاسناد مجازيا على الاطلاق.

ان قلت اي محذور في التفكيك فان ما يناسب الرفع الحقيقي يجعل الاسناد فيه حقيقيا وما لا يناسب يجعل الاسناد فيه مجازيا ، قلت : المفروض انه باسناد واحد اسند الرفع الى التسعة ثم فسرت التسعة المرفوعة ولا يجوز الجمع في اسناد واحد بين الاسناد الحقيقي والمجازي فيلزم أن يكون الكل مجازيا وهذا هو المدعى.

والجواب عن هذا الوجه اولا انه كما يمكن رفع الحكم في وعاء الشرع كذلك يمكن رفع الفعل على نحو الحكومة كما في قوله «لا ربا بين الوالد والولد» وجميع موارد الحكومة من هذا القبيل وبعبارة اخرى : الرفع التكويني لا يكون في الشرع واما الرفع الاعتباري فهو أمر قابل وواقع وعليه يكون الرفع والاسناد حقيقيا اللهم إلّا أن يقال ان الحكومة لا معنى لها إلّا أن يقصد بها جعل الحكم أو رفعه فاسناد الرفع الى الفعل صوري وفي الحقيقة يكون المسند اليه الحكم فلاحظ.

وثانيا فرضنا تمامية ما قيل في تقريب الاستدلال لكن نقول لا يلزم الجمع بين الاسناد الحقيقي والمجازي في استعمال واحد بل يكون الاسناد مجازيا لان المفروض ان الاسناد الكلامي واحد وحيث ان المسند اليه مركب من الخارج والداخل فلا يكون الاسناد حقيقيا بل يكون الاسناد اسنادا واحدا مجازيا فلاحظ.

الامر الثالث : ان الحديث في مقام الامتنان على الامة ومقتضاه

١٦٥

ان يرفع الثقيل والثقيل هو العمل الخارجي لا الحكم وانما يطلق التكليف على الحكم باعتبار تعلقه بالعمل الذي يوجب كلفة المكلف.

وفيه ان اسناد الرفع الى السبب صحيح وبعبارة اخرى : السبب لوقوع المكلف في كلفة العمل هو التكليف فيصح أن يسند الرفع اليه ويصح أن يكون الرفع امتنانيا وان شئت قلت : لا معنى للرفع الشرعي الا رفع الحكم وأما العمل الخارجي بنفسه فلا تناله يد التشريع لا وضعا ولا رفعا فلاحظ.

الامر الرابع : ان الرفع والواضع متقابلان ففي كل مورد يتحقق الوضع يتحقق الرفع ايضا وحيث ان الوضع في الشريعة المقدسة يتعلق بالفعل فان الفعل كالصوم مثلا يوضع ويعتبر في ذمة المكلف فالرفع ايضا متعلق بالفعل.

وأجاب عن هذا الوجه سيدنا الاستاد بأن الوضع في الذمة يتعلق بالفعل وأما الوضع في وعاء الشريعة يتعلق بالحكم والمقام كذلك وأورد عليه المقرر في الهامش بأن المذكور في الحديث جملة «رفع عن امتى» فيناسب الوضع والرفع بالنسبة الى الذمة وما أفاده متين.

الامر الخامس : انه لا اشكال في شمول الحديث للشبهة الموضوعية فاريد من الموصول الفعل الخارجي فلو اريد به الحكم ايضا لزم استعمال اللفظ في اكثر من معنى واحد وهو خلاف الظاهر.

وفيه اولا انه قد مر ان الموصول مبهم ومصاديقه مختلفة وثانيا ان ارادة الشبهة الموضوعية لا تستلزم أن يراد من الموصول الفعل بل يراد بالموصول الحكم غاية الامر الحكم المجهول تارة يكون منشأ الجهل فيه الشبهة الخارجية فتكون موضوعية واخرى يكون منشئه اجمال النص أو فقدانه أو تعارضه فتكون الشبهة حكمية

١٦٦

فتحصل انه لا دليل على كون الحديث مختصا بالشبهة الموضوعية وبعبارة اخرى الحديث يقتضي جريان البراءة في مورد الشك في الحكم على الاطلاق لكن الاشكال كل الاشكال في سند الحديث حيث ظهر مما ذكرنا عدم كونه نقيا وعمل المشهور به على فرض تسلمه لا يكون جابرا لضعفه كما ذكرناه مرارا كثيرة.

ثم انه قد ذكرت في المقام امور ترجع الى مفاد الحديث ولا وجه لتعرضها بعد كون الحديث ساقطا سندا لكن تبعا لسيدنا الاستاد نتعرض لها على نحو الايجاز والاختصار فنقول : منها ان الرفع متوقف على كون شيء موضوعا ثم يرفع وأما مع عدم سبق الوضع لا يصدق الرفع بل يصدق الدفع ويمكن ان يجاب عن الاشكال ان الاطلاق المذكور مسامحي والمصحح له اقتضاء جعل الاحتياط فكأنه قال المولى لم يوضع الاحتياط على الامة امتنانا فلاحظ.

ومنها ان الرفع المذكور في الحديث بالنسبة الى ما لا يعلمون ظاهري وبالنسبة الى بقية الفقرات واقعي وتترتب عليه ثمرة مهمّة اذ لو اضطر الى ترك واجب فلاني ثم ارتفع الاضطرار لا يكون وجه للقضاء أو الاعادة الا مع قيام دليل خاص عليه وأما لو كان الجزء الفلاني مجهولا ثم علم بكونه جزءا لا يكون العمل المأتي به الخالي عن الجزء مجزيا. وبعبارة اخرى : ان الاجزاء في بقية الفقرات على القاعدة وأما بالنسبة الى الجهل على خلاف القاعدة ويتوقف على القول بكون المأتي به بالامر الظاهري مجزيا عن الاتيان بالمأمور به بالامر الواقعي.

ومنها انه لا اشكال في عدم جريان البراءة العقلية في المستحبات فان احتمال العقاب لا يجري في مورد احتمال الاستحباب فلا مجال لجريان قبح العقاب بلا بيان وأما البراءة الشرعية فقد فصل سيدنا

١٦٧

الاستاد بين التكاليف الاستقلالية والتكاليف الضمنية وقال : الحق عدم جريانها في القسم الاول وجريانها في القسم الثاني بتقريب انه لا اشكال في استحباب الاحتياط مع الشك في استحباب شيء فلا مجال لجريان البراءة فان جريان البراءة عبارة اخرى عن رفع الاحتياط وقلنا لا اشكال في استحباب الاحتياط وأما الوجوب الشرطي فيشمله دليل الرفع فنقول : مقتضاه رفع الوجوب الشرطي في مقام الظاهر وعدم تقيد المركب بالجزء المشكوك فيه هذا ملخص كلامه في المقام

اقول أما ما افاده من حسن الاحتياط فلا بد من ملاحظة ادلة استحباب الاحتياط من حيث السند والدلالة وأما ما أفاده من رفع الوجوب الشرطي فالحق ان حديث الرفع لا يقتضي رفع الاشتراط فان الشرطية أمر واقعي لا تنالها يد الجعل لا وضعا ولا رفعا فالنتيجة انه لا مجال للتفصيل المذكور فلاحظ.

الوجه السابع : ما رواه عبد الصمد بن بشير عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث ان رجلا أعجميّا دخل المسجد يلبّي وعليه قميصه فقال لابي عبد الله عليه‌السلام : انّي كنت رجلا اعمل بيدي واجتمعت لي نفقة فحيث أحجّ لم أسأل أحدا عن شيء وأفتوني هؤلاء أن أشق قميصى وأنزعه من قبل رجلي وان حجّي فاسد وأن عليّ بدنة فقال له : متى لبست قميصك أبعد ما لبيّت ام قبل؟ قال : قبل أن ألبي قال فأخرجه من رأسك فانه ليس عليك بدنة وليس عليك الحج من قابل أي رجل ركب أمرا بجهالة فلا شيء عليه طف بالبيت سبعا وصلّ ركعتين عند مقام ابراهيم عليه‌السلام واسع بين الصفا والمروة وقصّر من شعرك فاذا كان يوم التروية فاغتسل وأهل بالحج واصنع

١٦٨

كما يصنع الناس (١).

وهذه الرواية تارة يبحث فيها من حيث السند واخرى من حيث الدلالة أما من حيث السند فقد ناقشنا فيها في الدورة السابقة لكن الظاهر ان السند تام لا نقاش فيه وطريق الشيخ الى الرجل تام كما يظهر من رجال سيدنا الاستاد فراجع وأما من حيث الدلالة فتقريب الاستدلال بها على المدعى ان المستفاد منها انه لو ارتكب المكلف محرما مع الجهل بالحرمة لا شيء عليه ولا يعاقب ومقتضى الاطلاق عدم الفرق بين كون الشبهة حكمية أو موضوعية وعلى الجملة المستفاد من الحديث ان ارتكاب الحرام مع الجهل مرخص فيه فلو كان شيء حراما واقعا أو ظاهرا أو كان امر واجبا واقعا أو ظاهرا وكان وجوبه مجهولا عند المكلف بلا فرق بين كون سبب الجهل اجمال النص أو فقدانه أو تعارضه وبين كون السبب الاشتباه الخارجي يكون المقدم على خلاف الوظيفة معذورا فلاحظ.

الوجه الثامن : ما رواه مسعدة بن صدقه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : كل شيء هو لك حلال حتى تعلم انه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة والمملوك عندك لعله حرّ قد باع نفسه أو خدع فبيع قهرا أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك والاشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة (٢). وهذه الرواية مخدوشة سندا بمسعدة ولا جابر لضعفها فلا تصل النوبة الى مقدار دلالتها كي نقول الظاهر منها بيان الشبهة الموضوعية فلاحظ.

الوجه التاسع : ما ارسله الصدوق عن الصادق عليه‌السلام انه قال

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٥ من ابواب تروك الاحرام الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ٤ من ابواب ما يكتسب به الحديث ٤.

١٦٩

كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي (١). وهذا الرواية لا اعتبار بها لارسالها فلا تصل النوبة الى ملاحظة دلالتها كى يقال انها تختص بالشبهة الحكمية التحريمية فلاحظ.

الوجه العاشر : ما عن عوالي اللئالي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال الناس في سعة ما لم يعلموا ، (٢) وهذه الرواية لارسالها لا اعتبار بها ايضا.

الوجه الحادى عشر : ما عن أمالي الشيخ قدس‌سره عن الحسين ابن أبي غندر (عن ابيه) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : الاشياء مطلقة ما لم يرد عليك أمر ونهي وكل شيء يكون فيه حلال وحرام فهو لك حلال ابدا ما لم تعرف الحرام منه فتدعه (٣) والحديث ضعيف سندا.

الوجه الثاني عشر : ما رواه زكريا بن يحيى عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم (٤) بتقريب ان شرب التتن مثلا مما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عن الامة وفي مفاد الحديث اشكالان احدهما : ان ارادة الشبهة الموضوعية والحكمية من الموصول تستلزم استعمال اللفظ في اكثر من معنى واحد. والجواب عن هذا الاشكال قد مرّ في مفاد حديث الرفع فلا نعيد. ثانيهما : ان المستفاد من الحديث ان ما حجب الله علمه عن العباد لاجل سبب يعلم هو وأخر بيانه الى زمان الظهور

__________________

(١) جامع الاحاديث ج ١ الطبع القديم ص ٨٩ الحديث ١٥.

(٢) جامع الاحاديث ج ١ الطبع القديم ص ٨٨ الحديث ٦.

(٣) عين المصدر ص ٨٩ الحديث ١٦.

(٤) عين المصدر ص ٨٨ الحديث ٨.

١٧٠

فهو مرفوع عن الامة فلا يرتبط بما نحن بصدده من خفاء الامر لاجل الاسباب الخارجية.

وأجاب عن الاشكال سيدنا الاستاد بان الله قادر على رفع الحجب فاذا لم يرفع المانع يصدق انه حجب علمه عن العباد. ويرد عليه ان مجرد قدرته تعالى على رفع الحجاب لا يوجب ولا يقتضي صدق عنوان الحجب عليه تعالى فالحق ان الحديث لا يرتبط بما نحن فيه فلاحظ.

الوجه الثالث عشر : مرسلة معاوية بن عمار عن رجل من أصحابنا قال : كنت عند أبي جعفر عليه‌السلام فسأله رجل عن الجبن فقال ابو جعفر عليه‌السلام انه لطعام يعجبني وسأخبرك عن الجبن وغيره كل شيء فيه الحلال والحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام فتدعه بعينه (١) والحديث ضعيف سندا فلا تصل النوبة الى ملاحظة دلالته.

الوجه الرابع عشر : ما رواه عبد الله بن سليمان قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الجبن فقال لي لقد سألتنى عن طعام يعجبني ثم أعطى الغلام درهما فقال يا غلام ابتع لنا جبنا ثم دعا بالغداء فتغدينا معه فأتي بالجبن فأكل واكلنا فلمّا فرغنا من الغداء قلت ما تقول في الجبن؟ قال أو لم ترني آكله قلت : بلى ولكني أحب ان أسمعه منك فقال سأخبرك عن الجبن وغيره كل ما كان فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه (٢) والحديث ضعيف سندا بابن سليمان.

الوجه الخامس عشر : ما رواه عبد الله بن سليمان ايضا عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الجبن قال : كل شيء لك حلال حتى يجيئك شاهدان يشهدان ان فيه ميتة (٣) والسند ضعيف كما مرّ.

__________________

(١) الوسائل الباب ٦١ من ابواب الاطعمة المباحة الحديث ٧.

(٢) عين المصدر الحديث ١.

(٣) عين المصدر الحديث ٢.

١٧١

الوجه السادس عشر : ما رواه عبد الاعلى بن أعين قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام من لم يعرف شيئا هل عليه شيء قال لا (١) والسند ضعيف بابن أعين.

الوجه السابع عشر : ما رواه عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كل شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال ابدا حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه (٢).

وهذه الرواية تامة سندا وأما من حيث الدلالة فهي تختص بالشبهة الموضوعية فان الظاهر منها ان الامام عليه‌السلام في مقام بيان حكم المشتبه مما ينقسم بالفعل الى القسمين المذكورين مثلا لو شك في مائع انه خمر او خل فنقول : المائع فيه حلال كالماء مثلا وحرام كالخمر فيصدق انه شيء فيه حلال وحرام فهو أي المشكوك فيه حلال ما دام لا يحصل العلم بحرمته وعلى الجملة : الظاهر من القضية ان الحديث متعرض لمورد يكون الانقسام فيه فعليا كما بيناه ويؤكد المدعى قوله «حتى تعرف الحرام منه بعينه» فان اللام اشارة الى الحرام المذكور قبل ذلك فيعلم انه قد فرض في الكلام وجود حرام فما دام لم يعلم ان المشكوك فيه ذلك الحرام يكون حلالا وهذا التقريب لا يجري في الشبهة الحكمية مثلا لو شك في حرمة شرب التتن وعدمها لا ينطبق عليه البيان المذكور لان شرب التتن اما حلال واما حرام والمكلف يشك في حكمه نعم يمكن جريان التقسيم فيه على نحو الفرض بأن نقول نفرض ان شرب التتن بعض اقسامه حرام وبعض اقسامه حلال فهو حلال ما دام لا يحصل العلم بكونه من أي

__________________

(١) جامع الاحاديث ج ١ الطبع القديم ص ٨٨ الحديث ٩.

(٢) الوسائل الباب ٤ من ابواب ما يكتسب به الحديث ١.

١٧٢

القسمين لكن الظاهر من الانقسام الوارد في الحديث الانقسام الفعلي.

ان قلت : يمكن جريان التقريب المذكور في الشبهة الحكمية فنقول اذا شككنا في حرمة لحم الارنب مثلا نقول اللحم بعض أقسامه حلال كالدراج وبعض أقسامه حرام كالغراب ونشك في حلية لحم الارنب فهو حلال ما دام الجهل بحرمته ، قلت : الظاهر من الحديث ان منشأ الشك في الحرمة والحلية الانقسام المذكور سيما بقرينة الذيل حيث قال عليه‌السلام «حتى تعرف الحرام منه» اي حتى تعلم بأن المشكوك فيه مصداق لذلك المحرم وفي الشبهة الحكمية لا يكون كذلك فان منشأ الشك لا يكون انقسام اللحم الى الحلال والحرام بل المنشأ للشك عدم العلم بالحكم وعدم الظفر على الدليل القائم على احد الطرفين وان شئت قلت : في الشبهة الحكمية فرض حلية جميع أفراد القسمين أو حرمته لا يؤثر في الشك المتعلق بحرمة لحم الارنب وأما في الموضوعية لو فرض حلية القسمين أو حرمتهما لا يبقى الشك بحاله اذ المفروض ان المشكوك فيه اما من مصاديق هذا القسم واما من مصاديق ذلك القسم والمفروض ان حكم الجامع لكل من القسمين ظاهر فالنتيجة ان الحديث يختص بالشبهة الموضوعية.

وللميرزا النائيني شبهة في المقام على ما في التقرير وهي ان الشيئية تساوق الوجود الخارجي وحيث ان الموجود الخارجي لا يتصور فيه قسمان اي الحلال والحرام بل الموجود الخارجي اما حلال واما حرام فالمراد من التقسيم المذكور في الحديث الترديد اي الموجود الخارجي لو تردد أمره بين الحلال والحرام يكون حلالا وبهذا البيان يشمل الحديث كلا الموردين أي يشمل الشبهة الحكمية كما

١٧٣

انه يشمل الموضوعية فشرب التتن الخارجي يمكن أن يكون حراما ويمكن أن يكون حلالا وهو حلال ما دام الجهل بحرمته.

ويرد عليه اولا : ان الظاهر من الحديث التقسيم وحيث انه لا يمكن التقسيم في الموجود الخارجي نلتزم بالاستخدام فنقول : المائع المشكوك في كونه خمرا او خلا في نوعه حلال وفي نوعه حرام فهو حلال ما دام لم تعرف الحرام بعينه فنفس التقسيم يقتضي الالتزام بالاستخدام وثانيا : ان قوله عليه‌السلام في الذيل «بعينه» يدل على تعلق العلم بالحرام وبالحلال فما دام لا يحصل العلم بكون المشكوك فيه ذلك الحرام يكون حلالا ولا يتم البيان المذكور في الشبهة الحكمية اذ لا علم بالحرمة في مورد الشبهة الحكمية.

الوجه الثامن عشر : الاجماع وللاستدلال بالاجماع على المدعى تقريبات : التقريب الاول : اتفاق جميع العلماء على قبح العقاب على مخالفة تكليف غير واصل بنفسه وبطريقه. ويرد عليه اولا : انه ليس اجماعا على الحكم الشرعي. ويمكن أن يرد فيه بأنه ما الوجه في تخصيص الاعتبار بمورد قيامه على الحكم الشرعي بل مقتضى القاعدة ترتب الاثر عليه في كل مورد يمكن أن يكون مفاده مؤثرا في تعيين وظيفة المكلف والمقام كذلك فلاحظ. وثانيا : الاتفاق المدعى اتفاق على الكبرى والكلام في الصغرى فان الاخباري يدعي ان الحكم الواقعي واصل بطريقه اذ يجب الاحتياط فلا اثر للاتفاق المذكور وثالثا : قد ثبت في محله عدم حجية الاجماع ورابعا : انا اما ندرك قبح العقاب بلا بيان واما ندرك عدم قبحه أما على الاول فلا اثر للاجماع كما هو ظاهر وأما على الثاني فلا مجال لترتب الاثر على الاجماع فانه لو أدرك المكلف عدم قبح العقاب بلا بيان يخطئ المجمعين وان شئت قلت : لا مجال للعمل بالاجماع مع العلم بكونه

١٧٤

على خلاف الواقع إلّا أن يقال ان الاجماع يؤثر في حق من يكون جاهلا بالقبح وعدمه.

التقريب الثاني : دعوى الاتفاق على ان الوظيفة الشرعية في مورد عدم وصول الحكم الواقعي الى المكلف لا بنفسه ولا بطريقه الاباحة.

وفيه اولا ان الكلام في الصغرى كما مر. وثانيا ان الاجماع المحصل غير حجة فكيف بمنقوله.

التقريب الثالث : دعوى الاتفاق على أن الوظيفة الظاهرية عند عدم وصول الحكم الواقعي بنفسه الاباحة. وفيه اولا ان الاخباري لا يسلم الدعوى ويدعي ان الوظيفة الاحتياط وثانيا ان الاجماع لا يكون حجة لا منقوله ولا محصله.

الوجه التاسع عشر : العقل فانه يدرك قبح العقاب بلا بيان والكلام في هذا المقام يقع في جهات ثلاث الجهة الاولى : في تمامية القاعدة المذكورة فنقول اذا فرض ان المولى يوصل او امره ونواهيه الى العبد بالطرق المعمولة والمرسومة والعبد راجع الى مظان وجود تلك الطرق الموصلة ولم يجد شيئا يدرك عقله بأن العقاب على مخالفة التكليف الواقعي غير الواصل لا بنفسه ولا بطريقه قبيح.

ان قلت يمكن ان المولى عين وظيفة العبد بأن يحتاط عند الشك في الحكم الواقعي فما الحيلة قلت لو كان الامر كذلك لكان وجوب الاحتياط واصلا اذ لا وجه لعدم وصوله مع عدم داع لا خفائه من قبل الاعداء نعم لو احتمل ان الوظيفة الاحتياط وبينه المولى بطريق عادي وخفي ولم يصل يشكل الجزم بقبح العقاب اذ المفروض ان المولى عمل بوظيفته لكن الظاهر ان العقلاء في أمثال المقام لا يرتبون الاثر على الاحتمال المذكور ولا يحتاطون والشارع الاقدس

١٧٥

لم يتخذ طريقا خاصا في قبال الطريق العقلائي فلا يعاقب هذا تمام الكلام في الجهة الاولى.

الجهة الثانية : ملاحظة قاعدة قبح العقاب بلا بيان مع قاعدة دفع الضرر المحتمل فان مقتضى وجوب دفع الضرر المحتمل وجوب الاحتياط اذ يحتمل بقاء الحكم في الواقع فاحتمال العقاب على مخالفته موجود فيجب دفعه.

ويجاب عن هذا الاشكال انه لا احتمال للعقاب مع حكم العقل بقبحه فلا يبقى موضوع للقاعدة الثانية ان قلت : كل واحدة من القاعدتين تصلح أن تكون رافعة لموضوع الآخر فان وجوب دفع الضرر المحتمل بيان فلا مجال للاخذ بقاعدة قبح العقاب بلا بيان قلت : لا اشكال في عدم تصور التعارض بين دليلين يكون كلاهما قطعيا وبعبارة اخرى : التناقض محال فلا يعقل أن يقوم الدليل عليه وعلى هذا الاساس كيف يمكن أن يحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان وايضا يحكم بوجوب دفع الضرر ويكون كل واحد من الحكمين موجبا لارتفاع موضوع الآخر.

اذا عرفت هذه المقدمة نقول ما المراد من هذا الضرر الذي يحكم العقل بوجوب دفعه فان الضرر المذكور اما اخروي واما دنيوي واما المراد منه المفسدة التي توجب ترتب الحرمة على الفعل أما احتمال الضرر الاخروي اي العقاب فهو مدفوع بعدم وصول الحكم بنفسه ولا بطريقه وحكم العقل بقبحه فان المكلف لا يحتمل العقاب بل يقطع بعدمه بعد فرض عدل المولى جلّ شانه وان شئت قلت : بعد فرض عدم وصول الحكم الى المكلف لا بنفسه ولا بطريقه لا يمكن صدور العقاب من قبل المولى لقبح الظلم فانقدح بما ذكر ان موضوع قاعدة

١٧٦

القبح اجنبي عن موضوع قاعدة وجوب دفع الضرر فان موضوع قاعدة القبح عدم وصول الحكم لا بنفسه ولا بطريقه وموضوع قاعدة وجوب الدفع تنجزّ الحكم بنفسه أو بطريقه بحكم الشارع أو العقل.

وان شئت قلت : وجوب دفع الضرر المحتمل بحكم الدليل لا يكون وجوبا نفسيا ولا طريقيا بل يكون ارشاديا لانه ليس شأنه العقل الحكم بل شأنه الادراك والارشاد فاذا احتمل المكلف العقاب بأن وصل اليه الحكم بنفسه أو بطريقه أو كانت الشبهة مقرونة بالعلم الاجمالي أو كانت قبل الفحص يرشده العقل الى الاحتياط فرارا عن العقاب الاحتمالي وأما في غير هذه الصور فلا احتمال للعقاب كي يرشده العقل وببيان واضح : ان قاعدة وجوب الدفع متقوم بالاحتمال اي احتمال العقاب ومقتضى قاعدة القبح عدم احتمال العقاب.

هذا كله على تقدير كون المراد من الضرر العقاب وأما ان كان المراد الضرر الدنيوي فيرد عليه اولا ان ترك الواجب او ارتكاب الحرام لا يستلزم وقوع المكلف في الضرر الدنيوي وثانيا انه لا يستقل العقل بوجوب دفع كل ضرر دنيوي ولذا نرى ان العقلاء يقدمون بامور مضرة لاجل غايات في نظرهم نعم الاقدام على الضرر الدنيوي بلا غاية عقلائية يكون داخلا في السفاهة ولا دليل على أن الاقدام بالامر السفهي منهي عنه شرعا بالاضافة الى أن استقلال العقل بوجوب الدفع لا يستلزم الحكم الشرعي كما قلنا مرارا انا لا نسلّم الملازمة بين حكم العقل والشرع.

اضف الى ذلك انه يمكن احراز عدم كونه مضرا بالاستصحاب اذ المفروض عدم العلم بالحرمة وأما ان كان المراد من الضرر المفسدة فاحتمال الحرام يستلزم احتمال عروض المفسدة لكن اي دليل دل على لزوم التجنب عن ارتكاب امر فيه احتمال المفسدة مضافا الى

١٧٧

أنه يمكن احراز عدمها بالاستصحاب ويضاف الى ذلك ايضا ان البيان المذكور يختص بالشبهة التحريمية وأما في الشبهة الوجوبية فلا تجري اذ ليس في ترك الواجب فساد بل في فعله صلاح بالاضافة الى أنه لا يتصور ان المفسدة تغاير الضرر فان المفسدة نوع من الضرر غاية الامر الضرر اما شخصي واما نوعي وعلى كلا التقديرين اما جسمي واما روحي واما اجتماعي.

الجهة الثالثة : ملاحظة قاعدة القبح مع ادلة الاحتياط فان تم دليل الاحتياط لا يبقى موضوع لجريان القاعدة كما هو ظاهر وإلّا تجري القاعدة ونتعرض لادلة الاحتياط عن قريب إن شاء الله تعالى فانتظر.

الوجه العشرون : الاستصحاب ويمكن تقريب الاستصحاب بنحوين : احدهما : باعتبار مرتبة الجعل اي الجعل من قبل المولى الاحكام على نحو القضايا الحقيقية ثانيهما : باعتبار مقام فعلية تلك الاحكام في الخارج فيقع الكلام في مقامين فنقول : المقام الاول : في جريان الاستصحاب باعتبار مرحلة الجعل بأن نقول الاحكام الشرعية قد جعلت على التدريج فشرب التتن مثلا لم يكن حراما في زمان والآن كما كان وهكذا في بقية الشبهات.

ان قلت : استصحاب العدم المحمولى لا يثبت العدم النعتى فالذي يجري فيه الاصل لا يفيد والذي يفيد لا يجرى فيه الاصل قلت : الاصل يجري في العدم المنتسب بأن نقول الاصل ان الشارع الاقدس لم يجعل الحرمة وعلى هذا الاساس لا يبقى موضوع للبراءة لا شرعا ولا عقلا أما شرعا فلعدم بقاء الشك في وجود الحكم فان الاستصحاب حاكم على البراءة فالحكم الشرعي منفي فلا موضوع للبراءة وأما عدم البراءة العقلية فلعدم احتمال العقاب مع احراز عدم الالزام.

١٧٨

ان قلت : سلمنا جريان الاستصحاب لكن يعارضه استصحاب عدم جعل الترخيص قلت : ان قلنا ان المستفاد من الادلة ان الترخيص مجعول في كل مورد لا يكون الالزام مجعولا بخصوصه فيه يرتفع التعارض اذ عدم الالزام موضوع للترخيص فلا مجال لان يقال انا نعلم اجمالا بجعل احد الامرين من الالزام والترخيص وان لم نقل بذلك نقول نلتزم بجريان الاصلين اذ لا يترتب عليه محذور فان استصحاب عدم جعل الترخيص لا يقتضي الاحتياط وأما استصحاب عدم الالزام فيقتضي عدم لزوم الاحتياط ويقتضي رفع الكلفة.

ان قلت : سلمنا جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية وأما في الشبهة الموضوعية فلا يجري مثلا لو شك في مائع انه خمر او ماء لا يجري فيه استصحاب عدم الحرمة لان الاحكام مجعولة على نحو الكلي وبعبارة اخرى : لا اشكال في جعل الحرمة لكلي الخمر كما أنه لا اشكال في عدم جعل الحرمة للمائع الخارجي المشكوك فيه فلا مجال للاستصحاب قلت : اولا ان الاحكام تجعل على موضوعاتها على نحو القضية الحقيقية فكل خمر وجد في الخارج قد جعله الشارع حراما بشخصه ولذا نقول نسبة الموضوع الى الحكم نسبة الشرط الى المشروط وثانيا يكفى للمدعى استصحاب العدم الازلي في الموضوع بأن نقول هذا المائع الخارجي قبل وجوده لم يكن خمرا والآن كما كان فلاحظ هذا تمام الكلام في المقام الاول.

وأما المقام الثاني فنقول : انه لا اشكال في عدم تعلق التكليف بالمكلف قبل البلوغ ويشك في جعله بعده فيحكم بعدمه بالاستصحاب واورد في هذا التقريب بوجوه من الايراد.

الوجه الاول : انه يشترط في الاستصحاب أن يكون المستصحب بنفسه أو بأثره مجعولا شرعيا والمفروض في المقام انه ليس كذلك

١٧٩

اذ عدم التكليف لا يكون مجعولا ولا يترتب عليه أثر مجعول فلا يجري.

وفيه انه يشترط في الاستصحاب أن يكون المستصحب قابلا للتعبد والمفروض في المقام كذلك ان قلت : لا بد في الاستصحاب من ترتب الاثر على حدوث المستصحب والعدم الازلي لا حدوث له قلت لا بد من ترتب الاثر على بقاء المستصحب وفي المقام كذلك ولا يشترط في الاستصحاب ازيد من هذا المقدار اضف الى ذلك ان الترخيص الشرعي بالنسبة الى غير البالغ مجعول قبل البلوغ والاصل بقاء ذلك الترخيص إلّا أن يقال : الاستصحاب الجاري في الحكم الكلي معارض باستصحاب عدم الجعل الزائد فلا تغفل.

الوجه الثاني : ان استصحاب عدم التكليف لا يقتضي القطع بعدم العقاب ومع احتماله يحتاج الى جريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان ومع جريانه لا يحتاج الى الاستصحاب ويكون جريانه لغوا.

وفيه ان نفس استصحاب عدم جعل الالزام يقتضي القطع بعدم العقاب فلا يحتاج الى جريان قاعدة القبح مضافا الى أنه يمكن اجراء استصحاب الترخيص الثابت للصبي فتأمل.

الوجه الثالث : ان عدم الجعل قبل البلوغ في مورد غير قابل للجعل لعدم قابلية غير البالغ للتكليف ويكون غير البالغ كالحيوان والجماد أي غير قابل لان يتوجه اليه التكليف فالعدم غير منتسب الى الشارع وعليه يكون المستصحب عدما محموليا واثبات العدم النعتي باستصحاب العدم المحمولي من المثبت الذي لا نقول به.

ويرد عليه اولا ان غير البالغ اذا كان مميزا يكون قابلا للتكليف وثانيا العدم المستصحب بقاء منتسب الى الشارع اذ بقاء يكون الجعل قابلا وبعبارة اخرى : العدم المرتبط بالمولى مفاد الاستصحاب ولا يكون من آثار المستصحب كى يقال الاثر العقلي لا يترتب على

١٨٠