آراؤنا في أصول الفقه - ج ٢

السيّد تقي الطباطبائي القمّي

آراؤنا في أصول الفقه - ج ٢

المؤلف:

السيّد تقي الطباطبائي القمّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات المحلّاتي ( المفيد )
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥١

لما حقق في محله من عدم جريان الاصل النافي في اطراف العلم الاجمالي على ما هو المشهور عندهم وان كان لنا كلام في هذا المقام نتعرض له في محله إن شاء الله تعالى ولا فرق في عدم جريان الاصل بين كونه محرزا وغير محرز ، وصفوة القول انه مع وجود الرواية الدالة على الالزام لا يجري الاصل النافي بلا فرق بين كون الرواية معتبرة وبين كونها من اطراف العلم الاجمالي كما هو المفروض في المقام أما على الاول فظاهر فانه لا مجال للاصل مع وجود الامارة

وأما على الثاني ، فلما ذكرنا من عدم جريان الاصل في اطراف العلم الاجمالي وانما الفرق بينهما من وجهين آخرين : احدهما : ان الخبر لو كان معتبرا بمقتضى ادلة الاعتبار يجوز اسناد مؤداه الى الشارع الاقدس وأما ان لم يكن كذلك كما هو المفروض فلا يجوز الاسناد لعدم دليل يستند اليه فيكون تشريعا والتشريع حرام.

ثانيهما : ان الخبر المعتبر بادلة الاعتبار تثبت لوازمه وأما ان لم يكن كذلك كما هو المفروض فلا تثبت لوازمه لعدم تحقق اعتباره بالخصوص نعم العلم بكون بعض الاخبار في مجموعة مطابقا مع الواقع يستلزم العلم بتحقق اللازم على الاجمال ايضا فلو علم به ولو اجمالا يترتب عليه اثره هذا كله فيما يكون الاصل نافيا للتكليف ، وأما ان كان مثبتا له فلا مانع من جريانه مع كون العمل بالخبر من باب الاحتياط اذ المانع من جريانه اما انتفاء موضوعه اي الشك المرتفع بالعلم الوجداني أو التعبدي واما لزوم المخالفة القطعية وشيء من الامرين غير لازم في مفروض الكلام كما هو ظاهر ولكن لا يترتب عليه اثر اذ المفروض ان الاصل مثبت وعلى كلا التقديرين يلزم العمل خارجا ، نعم اذا كان الاصل الجاري محرزا كالاستصحاب

١٤١

يجوز اسناد مؤداه الى المولى وأما لو لم نقل بجريانه لا يجوز كما تقدم اذ المفروض عدم اعتبار الخبر.

فانقدح بما ذكرنا انه لو قلنا باعتبار الخبر فلا يجري الاصل وتثبت اللوازم ويجوز الاسناد وأما لو قلنا بوجوب العمل به من باب الاحتياط فيجري الاصل ولا يجوز الاسناد بمقتضى الخبر وان كان جائزا بمقتضى الاصل فيما كان الاصل محرزا ولا تثبت اللوازم.

وأما ان كان مفاد الرواية حكما ترخيصيا فتارة يكون مفاد الاصل ايضا عدم الالزام واخرى يكون مفاده الالزام ، أما على الاول فلا تظهر ثمرة بين القول بكون الرواية حجة وبين القول بعدم اعتباره الا في اثبات اللوازم وأما الاسناد فيمكن اذا كان الاصل محرزا كالاستصحاب ، نعم مع كون الرواية حجة لا مجال لجريان الاصل فانه لا موضوع للاصل مع وجود الامارة وأما ان كان الاصل مثبتا للتكليف فتارة يكون محرزا كالاستصحاب واخرى لا يكون محرزا كقاعدة الاشتغال فان كان غير محرز لا مانع من جريانه لتمامية اركانه فان الخبر ان كان حجة وكان نافيا للتكليف لم يكن مجال لقاعدة الاشتغال وأما اذا لم يكن حجة فلا وجه لعدم جريان قاعدة الاشتغال ومجرد العلم بصدور جملة احكام ترخيصية لا يوجب عدم جريان قاعدة الاشتغال اذ العلم بالترخيص في بعض الاطراف حاصل في جميع موارد قاعدة الاشتغال لكن هذا العلم لا يزاحم جريان القاعدة نعم لو كان الخبر حجة لم يبق مجال لجريان القاعدة ، وهذه ثمرة فارقة بين القول بالاعتبار وعدمه ، وأما ان كان الاصل محرزا كاستصحاب الوجوب أو الحرمة ، فأفاد سيدنا الاستاد بأن الاستصحاب يجري وما أفاده ينافي ما بنى عليه في بحث الاستصحاب من عدم جريان

١٤٢

الاستصحاب في الاحكام الكلية ومعارضته مع استصحاب عدم الجعل الزائد.

ثم لو اغمضنا النظر عن المعارضة المذكورة وقلنا بجريان الاستصحاب ، فتارة لا نعلم بمخالفة بعض موارده للواقع واخرى نعلم أما في الصورة الاولى فلا مانع من جريانه ويجوز اسناد مؤداه الى الشارع وأما في الصورة الثانية فهل يجوز الاسناد مع العلم بالمخالفة اجمالا أم لا يجوز؟

الذي يختلج بالبال ان يقال : يجوز فان مفاد الاصل حكم ظاهرى ولا تنافي بين الحكم الواقعي والظاهري ولا مانع من اجتماعهما ونظير المقام ما لو كان هناك اناءان وكلاهما نجسان فوقع المطر في احدهما وطهره لكن لا يميز الطاهر عن النجس فانه لا اشكال في جريان استصحاب النجاسة في كليهما ولا يخفى ان البحث المذكور جمع بين المتنافيين اذ لو قلنا بأن الخبر الواحد حجة بادلته فلا مجال للقول بأن العمل بالخبر من باب العلم الاجمالي وان قلنا بعدم اعتباره واللازم العمل على طبق العلم الاجمالي فلا مجال للبحث حول جريان الاصول من الاستصحاب والبراءة فان دليل الاصول العملية الشرعية عبارة عن الاخبار الآحاد ومع عدم اعتبارها لا موضوع لهذا البحث فلاحظ ، هذا تمام الكلام في الموضع الاول.

وأما الموضع الثاني فنقول اذا اورد عام أو مطلق مقطوع الصدور كالادلة القرآنية مثلا فان كان على خلافه خبر فان قلنا بكون الخبر حجة بالخصوص يخصص ذلك العام أو يقيد ذلك المطلق بذلك الخبر بلا كلام.

وأما ان قلنا بعدم اعتباره بل كان من موارد العلم الاجمالي فربما يقال لا اثر للخبر الواحد اذ المفروض حجية العام ومن ناحية

١٤٣

اخرى المفروض عدم اعتبار الخبر ومجرد كونه من اطراف العلم الاجمالي لا أثر له وأفاد سيدنا الاستاد بأنه لا بد من التفصيل بأن نقول ان كان مفاد العمومات حكما الزاميا ومفاد الاخبار حكما ترخيصيا لا بد من ان يعمل على طبق العمومات للعلم الاجمالي بعدم تخصيص بعضها فلا بد من العمل على طبق جميعها بمقتضى العلم الاجمالي وأما ان كان مفاد الخبر حكما الزاميا ومفاد العمومات حكما ترخيصيا فلا بد من العمل على طبق الخبر حيث نعلم بالالزام ولا نميزه ولا مجال للاخذ بعموم العام اذ الاخذ بالعموم بالنسبة الى جميع افراده يستلزم المخالفة القطعية والتبعيض ترجيح بلا مرجح فلا بد من العمل بالخبر عملا بمقتضى العلم الاجمالي وأما ان كان مفاد العام حكما الزاميا وجوبيا ومفاد الخاص حكما الزاميا تحريميا كما لو ورد في دليل قطعي «اكرم العلماء» وورد في دليل آخر «يحرم اكرام العالم الفاسق» وورد في دليل ثالث «يحرم اكرام العالم الفلسفي» فمرجع هذه الادلة الى حصول علم اجمالي بوجوب اكرام احد النوعين من العلماء اما العالم الفاسق غير الفلسفي واما العالم الفلسفي غير الفاسق وايضا يحصل علم اجمالي بحرمة اكرام احد النوعين اما العالم الفاسق واما العالم الفلسفي فيدور الامر بين المحذورين بالنسبة الى هذين النوعين ولا بد من التخيير بحكم العقل.

التقريب الثاني : انا نعلم بوجوب الرجوع الى السنة لحديث الثقلين الثابت تواتره لدى الفريقين فاذا احرز قول المعصوم عليه‌السلام بالقطع يؤخذ به وإلّا تصل النوبة الى الظن فبهذا التقريب يجب العمل بالاخبار الآحاد.

وفيه : انه لا بد من أن يحلل المدعى المذكور فاما نقول بأنا نعلم اجمالا بكون الاخبار المدونة في الكتب بعضها مطابقا مع الواقع

١٤٤

واما نقول بأنا نعلم اجمالا بوجود تكاليف في الشريعة ، واما نقول بأنه يلزم العمل على طبق الخبر الواحد ولو مع عدم العلم بكونه مطابقا مع الواقع ولا رابع أما على الاول فيكون مرجعه الى الوجه الاول وأما على الثاني فيكون مرجعه الى دليل الانسداد ، وأما على الثالث فيكون قولا بلا بينة ولا برهان.

ثم انه يقع الكلام في حجية مطلق الظن واستدل عليه بوجوه عقلية :

الوجه الاول : ان الظن بالتكليف يستلزم الظن بالضرر ودفع الضرر المظنون واجب بحكم العقل.

ويرد عليه : ان الضرر المظنون اما ضرر اخروي واما ضرر دنيوي ، أما الضرر الاخروي فلا اشكال في وجوب دفعه ولا يختص بالمظنون بل الاحتمال يكفي في وجوب دفعه لكن الظن بالتكليف الواقعى لا يستلزم الظن بالعقاب فان مقتضى قبح العقاب بلا بيان عدم العقاب فلا يحتمل العقاب فكيف بالظن به وبعبارة اخرى مقتضى قبح العقاب بلا بيان القطع بعدم العقاب فلا مجال للتقريب المذكور وان كان المراد من الضرر الضرر الدنيوي ، فنقول أما الواجبات فلا يكون في تركها ضرر بل مجرد عدم النفع فلا يكون الظن بالوجوب مستلزما للظن بالضرر وأما المحرمات فليس كل فعل محرم فيه ضرر شخصي عارض لمرتكبه ، نعم لا اشكال في أن جملة من المحرمات يكون ارتكابها مستلزما للضرر لكن لازم التقريب المذكور وجوب الاجتناب عن الحرام الاحتمالي ولا يختص بمورد الظن بالضرر هذا اولا.

وثانيا : لازم هذا التقريب وجوب الاجتناب عن الشبهة الموضوعية ولا يلتزمون به. وثالثا : انه لا دليل على لزوم دفع الضرر

١٤٥

الدنيوي الا في موارد خاصة. ورابعا : انه يمكن احراز عدم الضرر في الفعل باستصحاب العدم الازلي فالنتيجة ان الوجه المذكور غير تام ولا يفي باثبات المدعى فلاحظ.

الوجه الثاني : ان الاخذ بخلاف الظن ترجيح المرجوح على الراجح وهو قبيح عقلا فيتعين الاخذ بالظن.

وفيه : انه مع عدم العلم الاجمالي بالتكليف لا مانع عن الرجوع الى البراءة وترك المظنون وايضا مع العلم الاجمالي بالتكليف يكون مقتضى القاعدة الاولية العمل بالاحتياط على ما هو المقرر عند القوم من تنجيز العلم الاجمالي فلا يدور الامر بين العمل بالظن وغيره كى يقال ان الاخذ بخلاف الظن ترجيح المرجوح فهذا الوجه في حد نفسه لا يرجع الى وجه مستقل.

الوجه الثالث : دليل الانسداد ويقع الكلام في مقامات : المقام الاول : في بيان المقدمات :

المقدمة الاولى : العلم الاجمالي بثبوت تكاليف فعلية في الشريعة المقدسة.

المقدمة الثانية : انسداد باب العلم والعلمي في كثير من تلك التكاليف.

المقدمة الثالثة : عدم وجوب الاحتياط التام اما لعدم امكانه واما لاستلزامه الاختلال بالنظام واما للعسر والحرج وعدم جواز الرجوع الى الاصل ولا الى القرعة ولا الى فتوى من يرى انفتاح باب العلم او العلمي.

المقدمة الرابعة : استقلال العقل بقبح ترجيح المرجوح على الراجح.

اذا عرفت ما تقدم : نقول أما المقدمة الاولى فلا اشكال فيها

١٤٦

فانه لا اشكال في توجه عدة تكاليف الينا من قبل الشارع الاقدس ومقتضى تنجيز العلم الاجمالي على ما هو المقرر عندهم الاحتياط التام وعدم وجوب الاحتياط بالنسبة الى بعض الاطراف لما ذكر في تقريب الاستدلال ، لا يوجب رفع اليد عن الاحتياط على الاطلاق وعلى الجملة المكلف يقطع بعدم رضا الشارع الاقدس باهمال التكاليف المعلومة بالاجمال وعدم التعرض لها ، لكن قد سبق وتقدم ان لنا علوما اجمالية ثلاثة :

الاول : العلم الاجمالي بتكاليف في الشريعة. الثاني : بكون بعض الامارات مطابقا مع الواقع. الثالث : العلم الاجمالي بكون بعض الروايات الموجودة في الكتب الاربعة مطابقا مع الواقع ، فينحل العلم الاجمالي الكبير بالمتوسط وينحل المتوسط بالصغير فالنتيجة تكون دائرة العلم الاجمالي الكتب الاربعة أو الكتب المعتبرة ولا يلزم من الاحتياط في هذه الدائرة اختلال النظام كما انه لا يلزم الحرج وبعبارة واضحة يمكن الاحتياط في هذه الدائرة الخاصة بلا توجه محذور لكن انحلال العلم الاجمالي الكبير بالمتوسط والمتوسط بالصغير يتوقف على حصول العلوم الاجمالية الثلاثة دفعة ومتقارنة او حصول الكبير او المتوسط بعد الصغير واما لو حصل الكبير او المتوسط قبل الصغير فيشكل الانحلال على مذاق القوم لان العلم الاجمالى الكبير او المتوسط بحدوثهما يقتضى تنجز الاطراف وبعد فرض تنجزها لا وجه للانحلال نعم على مسلكنا ينحل بلا فرق بين حدوثها دفعة او تدريجا لان المناط في نظرنا في تنجز العلم الاجمالي تعارض الاصول فما دام التعارض موجودا يكون العلم الاجمالي منجزا واما مع عدم التعارض فلا يكون منجزا والمفروض ان الاصل لا يجرى في اطراف العلم الاجمالي الصغير فلا مانع من جريانه في بقية الاطراف.

١٤٧

وأما ما افيد في المقدمة الثانية من انسداد باب العلم والعلمي فنقول اما انسداد باب العلم فهو حق لا ريب فيه. وأما انسداد باب العلمي فقد ظهر بطلانه مما تقدم من كون خبر الثقة حجة وكون الظاهر حجة بالنسبة الينا ولا يختص بالمشافه فقط فباب العلمي مفتوح لنا بحمد الله ، فهذه المقدمة ايضا مخدوشة.

وأما المقدمة الثالثة فنقول لا اشكال في عدم جواز الرجوع الى فتوى من يرى انفتاح باب العلم أو العلمي اذ من يرى الانسداد يرى غيره المخالف معه جاهلا ولا يجوز رجوع العالم الى الجاهل وايضا لا اشكال في عدم جواز الرجوع الى القرعة وأمثالها كالاستخارة مثلا فانه لا دليل على اعتبار القرعة أو الاستخارة في تعيين الاحكام الشرعية وأما اجراء الاصل فان كان الاصل مثبتا للتكليف فلا مانع من جريانه بلا فرق بين كون الاصل من الاصول المحرزة كالاستصحاب أو من الاصول غير المحرزة كقاعدة الاشتغال وأما ان كان من الاصول النافية فلا مانع من جريانه ايضا مع فرض انحلال العلم الاجمالي وأما الاحتياط فان فرض عدم امكانه فلا مجال للبحث فيه فان التكليف بغير المقدور محال وأما مع فرض كونه مخلا بالنظام فمعلوم من مذاق الشرع عدم وجوبه بل ربما يكون حراما وأما مع استلزامه العسر والحرج فقد وقع الخلاف بين الشيخ الانصاري وصاحب الكفاية فذهب الشيخ الى ان قاعدة نفي الحرج حاكمة على وجوب الاحتياط بتقريب ان مفاد القاعدة نفي الحكم الذي ينشأ من قبله الحرج وحيث ان الاحتياط حرجى وناش عن الحكم الشرعي يرتفع وجوبه بارتفاع الحكم وبعد ارتفاع الحكم الشرعي يرتفع وجوب الاحتياط بارتفاع موضوعه وببيان آخر ان الشيء يسند الى أسبق علله والعلة السابقة الحكم الشرعي والحكم العقلي ناش عن الحكم الشرعي.

١٤٨

وصاحب الكفاية ذهب الى عدم حكومة القاعدة على وجوب الاحتياط بتقريب ان المستفاد من دليل نفي الحرج نفي الحكم بلسان نفي الموضوع كقوله «لا ربا بين الوالد والولد» وحيث ان الحكم الشرعي ليس فيه حرج بل الحرج في الاحتياط فلا يرتفع بالقاعدة بل يلزم الاحتياط وبعبارة اخرى : المستفاد من دليل القاعدة ان الفعل الحرجي ليس موضوعا للحكم الشرعي وفي مورد الاحتياط لا يكون الواجب شرعا حرجيا بل الحرج ناش من الاحتياط الذي يجب بحكم العقل.

وقال سيدنا الاستاد : الحق ما أفاده الشيخ الانصاري فان المستفاد من دليل لا حرج نفيه ومن الظاهر ان النفي التكويني غير صحيح اذ لا اشكال في وجود الحرج تكوينا فيكون المراد نفيه في وعاء الشرع أي الحكم الحرجي غير مجعول في الشريعة ، وبعبارة اخرى الحكم الذي ينشأ منه الحرج غير مجعول في الشريعة وصفوة القول : ان الحكم الحرجي لم يجعل في الشريعة وحيث ان الاحتياط حرجي وناش عن الحكم الشرعي فيرتفع بارتفاع منشئه مضافا الى أن القاعدة حاكمة على الاحتياط في المقام بلا اشكال ولا كلام اذ المفروض في المقام ان الوقائع تدريجية والحرج يتحقق بالواقعة الثانية أو الثالثة أو غيرها من الوقائع المتدرجة مثلا لو علم المكلف بأنه يجب عليه الصوم اما في يوم الجمعة أو في يوم السبت ويكون الاحتياط حرجيا عليه فلا اشكال في أن الحرج يحصل بصوم يوم السبت ، فنقول لا اشكال في عدم صوم يوم السبت لان الواجب الواقعي ان كان صوم يوم الجمعة فقد أمتثل فلا صوم على المكلف بعده وان كان الواجب صوم يوم السبت فلا يجب لانه حرجي فالصوم

١٤٩

في يوم السبت غير واجب حتى على مسلك صاحب الكفاية ، هذا ملخص ما أفاده سيدنا الاستاد على ما في تقرير المقرر.

أقول : الظاهر من جملة «ما جعل عليكم في الدين من حرج» ان الفعل الحرجي ما جعل عليكم ولا يجب في الشريعة ومن الظاهر ان كل طرف من أطراف العلم الاجمالي في حد نفسه لا يكون حرجيا فلا يشمله دليل نفي الحرج وهكذا بالنسبة الى قوله (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) فالجواب الاول غير تام وأما الجواب الثاني فهو ايضا غير تام لان الظاهر من دليل نفي العسر والحرج نفي الوجوب والحرمة عن الفعل الذي يكون حرجيا من حيث هو ومع قطع النظر عن غيره وأما الفعل الحرجي بلحاظ العوارض الطارية فلا يشمله الدليل والمقام كذلك فالجواب الثاني ايضا غير تام فالاحتياط التام واجب ولو مع العسر والحرج على ما هو المقرر عندهم من كون العلم الاجمالي منجزا فتحصل مما تقدم ان باب العلمي مفتوح فالعلم الاجمالي منحل فالركن الاساسي لدليل الانسداد منهدم هذا اولا.

وثانيا : على فرض تسليم الانسداد يكون الواجب الاتيان بما هو مدون في الكتب المعتبرة وهذا المقدار لا يوجب الاخلال كما انه لا يكون حرجيا. وثالثا : على فرض التسليم يكون الاحتياط واجبا على ما هو المقرر عندهم من كون العلم الاجمالي منجزا فانه يجب الاحتياط ولو مع كونه حرجيا فلاحظ ، هذا تمام الكلام في المقام الاول.

المقام الثاني : في بيان ان نتيجة المقدمات على تقدير تماميتها هي الحكومة أو الكشف والمراد بالحكومة ان العقل الذي يكون حاكما في باب الاطاعة والعصيان بعد تمامية المقدمات يحكم بأن المكلف

١٥٠

يجب عليه أن يعمل بالظن ولا يكتفي بما دونه من الشك والوهم ، وربما يقال بأن المراد من الحكومة ان العقل يحكم بكون الظن حجة في حال الانسداد وتمامية مقدماته.

واورد عليه : بأنه ليس شأن العقل جعل الحجية لشيء بل الحاكم والجاعل الشارع الاقدس فالمراد من الحكومة ادراك العقل لزوم تبعيض الاحتياط على المكلف وترجيح الظن على الشك والوهم والمراد من الكشف انه بعد تمامية المقدمات يكشف ان الشارع الاقدس جعل الظن حجة ومنشأ الاختلاف في المقام وذهاب جملة من الاعلام الى الكشف وجملة الى الحكومة اختلاف تقرير بعض المقدمات.

توضيح المقام : انه تارة نقول ان الاحتياط التام غير واجب لعدم امكانه أو لا خلاله بالنظام أو لكونه عسرا فالنتيجة الحكومة اذ العقل يحكم بكفاية الامتثال الظني وعدم جواز ترجيح الوهم والشك عليه ، وأما ان قلنا بحرمة الاحتياط لقيام الاجماع على عدم جوازه تصل النوبة الى الكشف اذ عليه يكشف العقل ان الشارع الاقدس جعل الظن حجة لقبح ترجيح المرجوح على الراجح ولقائل ان يقول في هذه الصورة تكون النتيجة ايضا الحكومة ، فانه بعد فرض حرمة الاحتياط يحكم العقل بكفاية الامتثال الظنى ، اذ المفروض ان الاحتياط حرام ومن ناحية اخرى ترجيح الشك او الوهم على الظن قبيح ، فيكون العمل بالظن متعينا بحكم العقل.

اذا عرفت ما تقدم فاعلم : انه لو تمت المقدمات تكون النتيجة الحكومة لا الكشف اذ لا دليل على عدم جواز الاحتياط ودعوى قيام الاجماع التعبدي على عدم جوازه عهدتها على مدعيها.

المقام الثالث : في أن نتيجة المقدمات على تقدير تماميتها

١٥١

مهملة أو مطلقة والاطلاق والاهمال تارة يلاحظان بالنسبة الى الاسباب ومرة اخرى يلاحظان بالنسبة الى الموارد ، وثالثة يلاحظان بالنسبة الى المراتب فان قلنا بكون النتيجة الكشف تكون النتيجة الاطلاق بالنسبة الى الاسباب فانه على هذا المسلك يكون الظن حجة بلا فرق بين أسبابه وبعبارة اخرى على هذا القول يدرك العقل ان الشارع الاقدس جعل الظن حجة بلا فرق بين اسبابه الا الحاصل من السبب الذي حكم ببطلانه كالظن الحاصل من القياس. وأما من حيث الموارد فتكون النتيجة مهملة اذ لا يعلم بعدم رضا الشارع بالاحتياط في موارد الدماء والفروج والاموال فلا بد من الاحتياط فيها وعدم العمل بالظن ، وان شئت قلت اذا شك في حجية الظن في تلك الموارد يكون مقتضى القاعدة الاولية عدم اعتباره فلا بد من الاقتصار على المقدار المعلوم.

وأما بالنسبة الى المراتب فالامر ايضا كذلك اي تكون النتيجة مهملة فلا بد من الاقتصار على العمل بالمرتبة الراقية من الظن الا مع عدم وفائه بالمقدار المعلوم اجمالا من التكاليف فلا بد من التنزل الى ما دون المرتبة الراقية بالتدريج ورعاية الارقى فالارقى هذا بالنسبة الى القول بالكشف ، وأما على القول بالحكومة فتكون النتيجة مطلقة بالنسبة الى الاسباب فلا فرق بين الاسباب الا السبب الذي علم عدم اعتباره.

وأما من حيث الموارد فتكون النتيجة مهملة بعين التقريب المتقدم. وأما من حيث المراتب ، فالنتيجة مهملة ايضا لكن بهذا النحو اي بعد عدم وجوب الاحتياط التام لا بد من الاتيان بتمام المظنونات والمشكوكات والموهومات بالوهم القوي وان لم يمكن يكتفى بالاتيان بالمظنونات والمشكوكات وتطرح الموهومات وان لم

١٥٢

يمكن يكتفى بجميع المظنونات ثم التدرج في مراتب الظن فالنتيجة مهملة على كلا القولين لكن على الكشف يتنزل من القوي الى الضعيف وعلى الحكومة يترقى من النازل الى العالى فلاحظ.

ثم انه يقع الكلام في أن حجية الظن على القول بها هل تختص بالفروع أو تعم الاصول الاعتقادية والامور التكوينية فيقع الكلام في مواضع ثلاثة : الموضع الاول : الفروع ولا اشكال في اعتبار الظن اذا تعلق بها بلا فرق بين الظن الخاص والظن المطلق أما الظن الخاص فاعتباره فيها ظاهر وأما الظن المطلق فلتمامية مقدمات الانسداد على الفرض وقد مرّ الكلام فيه آنفا.

الموضع الثاني : الاصول الاعتقادية لا اشكال في عدم كفاية الظن في الامور التي يشترط فيه الاعتقاد والعلم بما هو صفة ونور فان الظن وان كان معتبرا لا يوجب ولا يقتضي صيرورة الجاهل عالما وبعبارة اخرى دليل الاعتبار يعطى الطريقية الاعتبارية لما لا يكون طريقا وأما نورية العلم وكونه صفة للنفس فلا يتعرض لها دليل الاعتبار نعم في مقام الثبوت لا مانع عن كون المولى متعرضا لهذه الجهة ايضا ولكن مجرد الامكان الثبوتي لا يفيد لمقام الاثبات فلو كان المطلوب العلم بما هو صفة لا يكون الظن مؤثرا ويترتب عليه انه لو لم يحصل للمكلف الاعتقاد عن تقصير يكون مستحقا للعقاب وأما ان كان قاصرا فهل يعاقب أم لا ، وتبعا لسيدنا الاستاد نقول : يقع الكلام تارة في تحقق الجاهل المقصر واخرى في ترتب احكام الكفر عليه وثالثة في جواز عقابه فيقع الكلام في مقامات ثلاثة.

أما المقام الاول : ففي امكان الجهل القصوري ، أفاد سيدنا الاستاد بأن الجاهل القاصر بوجود الباري وتوحيده غير موجود أو نادر.

أقول : لا اثر لهذا البحث وانه موجود أو غير موجود والمهم ،

١٥٣

البحث في المقام الثاني ، فنقول : أما المقام الثاني فالحق ان أحكام الكافر ، تترتب على الكافر القاصر فان مقتضى اطلاق الادلة عدم الفرق بين كون الكفر عن تقصير وبين كونه عن قصور فلو قلنا بكون الكافر نجسا يكون الكافر القاصر نجسا كالكافر المقصر.

وأما المقام الثالث ، فالحق عدم استحقاقه للعقاب لعدم جواز الظلم وهذا ظاهر واضح ، هذا كله بالنسبة الى الامور التي يجب الاعتقاد بها وأما الامور التي يجب عقد القلب عليها على ما هي عليها فان حصل الظن الخاص بأمر من امور البرزخ مثلا يعقد القلب عليه ويكون حجة فانه لا فرق بين كون الواجب من الامور المربوطة بالجوارح وما يكون مربوطا بالقلب وأما لو ظن بأمر من تلك الامور بالظن المطلق فلا أثر له اذ من مقدمات الانسداد عدم امكان الاحتياط أو عدم وجوبه ومن الظاهر انه يمكن الاحتياط في مفروض الكلام بلا عسر ولا حرج فانه يمكن للمكلف أن يعتقد بما هو الواقع ويتم الامر به هذا تمام الكلام بالنسبة الى الموضع الثاني.

وأما الموضع الثالث : فان الظن ان تعلق بامر تكويني من الامور التكوينية فان كان ظنا خاصا يجوز الاخبار بذلك الامر على طبق الظن الحاصل المتعلق به فانه من آثار كونه طريقا وكاشفا هذا على مسلك من يقول بان المجعول في باب الامارات الطريقية وأما من يقول بأن المجعول التنجيز والتعذير كصاحب الكفاية فلا أثر للظن في جواز الاخبار بالمظنون لانه لا مجال للتنجيز والتعذير مع عدم الاثر الشرعي فلا بد من التفصيل بين القولين اللهم إلّا أن يقال ان الظن بوجود الامر التكويني الخارجي يستلزم الظن بجواز الاخبار به فيوجد الاثر الشرعي وهو عدم الحرمة.

١٥٤

ويرد عليه : ان جواز الاخبار بشيء ليس من آثار ذلك الشيء بل من آثار الاعتقاد به فلا يجوز الاخبار ، هذا اذا كان ظنا خاصا وأما ان كان ظنا مطلقا فلا يكون حجة لعدم تمامية المقدمات فان الاحتياط فيه ممكن وهو عدم الاخبار بذلك فلاحظ.

بقى شيء : وهو ان الظن غير المعتبر اذا تعلق بخلاف ظاهر لفظ فهل يوجب سقوط ذلك الظهور عن الاعتبار أم لا؟ ، الحق هو الثاني اذ لا وجه لسقوط الظهور بالظن المتعلق بخلافه كما ان الظن لا يوجب تحقق الظهور للفظ لا يكون في حد نفسه ظاهرا وعلى الجملة الظن غير المعتبر لا يؤثر في شيء ومما ذكر يعلم انه لا مجال لترجح احد المتعارضين على الآخر بالظن الموافق مع احد الطرفين وايضا لا ينجبر الخبر الضعيف بالظن بكونه موافقا للواقع كما ان الظن بالخلاف لا يوجب سقوط الخبر المعتبر عن الاعتبار.

هذا تمام الكلام في المباحث المتعلقة بالظن ويقع الكلام إن شاء الله تعالى في البراءة.

المقصد الثامن فى البراءة. ويقع البحث فى هذا المقصد فى مقامات :

المقام الاول في ان بحث اصالة البراءة بحث اصولي أو بحث فقهي والحق أن يقال انه بحث فقهي فان البحث الاصولي عبارة عن البحث الذي تقع نتيجته في طريق استنباط الحكم الشرعي أو فقل ان البحث الاصولي عبارة عن البحث الذي يكون دخيلا في الاستنباط وأما البحث عن نفس الحكم الشرعي فهو ليس بحثا اصوليا وبحث

١٥٥

اصالة البراءة بحث عن نفس الحكم الشرعي اذ يبحث فيه من أنه اذا شك في حلية شيء وحرمته كشرب التتن ما يكون حكمه شرعا ؛ وهل يكون دليل على حليته أو اذا شك في وجوب شيء وعدم وجوبه كالدعاء عند رؤية الهلال هل يكون على عدم الوجوب دليل أم لا؟ وبعبارة واضحة : لا فرق بين اصالة البراءة وقاعدة الطهارة وجميع القواعد الفقهية كقاعدتي الفراغ والتجاوز الى غيرها من القواعد فانه لا وجه لجعل اصالة البراءة من الاصول وجعل تلك القواعد الأخر من الفقه فانه ليس إلّا مجرد الا دعاء فالحق ما ذكرنا.

نعم لقائل أن يقول : الحق انه يفصّل بين البحث عن البراءة الشرعية وبين البحث عن البراءة العقلية بأن يقال البحث عن البراءة الشرعية بحث فقهي بما تقدم من البيان وأما البحث عن البراءة العقلية فحيث انه بحث عن أن العقاب بلا بيان قبيح عقلا ولازمه عدم وجوب الاحتياط عند الشك في الوجوب أو الحرمة فهو بحث اصولي فهذا يكون قولا بالفصل بين القولين وبه يقع التصالح بين الطرفين والله العالم.

المقام الثاني : في أنه لا نزاع بين الاصولي والاخباري فى ان البيان لو لم يتم كان العقاب مع عدم البيان قبيحا بحكم العقل وظلما وقد استقل العقل بقبح الظلم وعدم امكان صدوره عن المولى الحكيم ودلت جملة من الآيات والروايات على أن الله تعالى لا يظلم احدا وانه تعالى وتقدس غني عن الظلم وانما يحتاج الى الظلم الضعيف وعلى الجملة لا خلاف بين الفريقين في الكبرى وانما النزاع بينهما في الصغرى حيث ان الاخباري ذهب الى تمامية البيان بوجود العلم الاجمالي بجملة من التكاليف فيلزم الاحتياط ومن ناحية اخرى

١٥٦

قد دلت جملة من النصوص على لزوم الاحتياط عند الشبهة والاصولي ذهب الى أن العلم الاجمالي بالاحكام وان كان غير قابل للانكار لكن العلم الاجمالي المشار اليه ينحل بالعلم التفصيلى بجملة من الاحكام وأما الاخبار الدالة على لزوم الاحتياط فاما محمولة على الاستحباب ببركة الاخبار الدالة على البراءة واما تحمل على الارشاد الى حكم العقل واما يقع التعارض بين اخبار البراءة والاحتياط ومع عدم المرجح لاحد الطرفين يسقط كلا الفريقين وتصل النوبة الى الاخذ بقاعدة قبح العقاب بلا بيان ونتعرض لتفصيل الكلام فيما بعد إن شاء الله فانتظر.

المقام الثالث : في بيان ادلة البراءة فنقول يمكن الاستدلال على المدعى بوجوه ، الوجه الاول : قوله تعالى (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (١).

وتقريب الاستدلال بالآية الشريفة على المدعى ان بعث الرسل كناية عن بيان الاحكام فالمستفاد من الآية الشريفة ان الله تعالى لا يعذب عباده قبل البيان وهذا هو المقصود.

واورد في الاستدلال بالآية ايرادان : الايراد الاول : ان المستفاد من الآية ان الله لم يعذب الامم السابقة قبل البيان عذابا دنيويا فلا تعرض في الآية للعقاب الاخروي الذي هو محل الكلام.

الايراد الثاني : ان المنفي في الآية فعلية العقاب لا الاستحقاق والكلام في المقام في الاستحقاق وعدمه.

والجواب عن الايراد الاول ان نفي العقاب الدنيوي مع عدم البيان يدل بالاولوية على عدم العقاب الاخروي فانه سبحانه لو لم

__________________

(١) الاسراء / ١٥.

١٥٧

يعذب العبد مع عدم البيان بالعذاب الدنيوى مع كونه ضعيفا في مقابل العقاب الاخروي فبالاولوية لا يعذبه بالعذاب الاخروي مضافا الى أن قوله تعالى (ما كُنَّا مُعَذِّبِينَ) منسلخ عن الزمان والمستفاد منه انه لا يليق بنا العذاب مع عدم البيان بلا فرق بين الازمنة والامكنة وبلا فرق بين امة وامة اخرى وبلا فرق بين كون العقاب دنيويا او اخرويا والدليل على المدعى ملاحظة الاستعمالات الواردة في الموارد العديدة لاحظ قوله تعالى (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ)(١) وقوله تعالى (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ)(٢)

وقوله تعالى (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ)(٣) وقوله تعالى (وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً)(٤).

وعن الايراد الثاني اولا انه لو ثبت عدم مناسبة العقاب مع مقام قدسه الربوبي يثبت انه لا يستحق العقاب اذ لو كان مستحقا لم يكن وجه لعدم تناسب العقاب مع جنابه وثانيا يكفي لاثبات المطلوب الدليل على عدم فعلية العذاب فان المهم في نظر عامة الناس الامن من وقوع العذاب والعقاب وأما الاستحقاق وعدمه فليس امرا مهما عند العامة نعم الاوحدي من الناس كمولى الموحدين امير المؤمنين روحي وارواح العالمين له الفداء يهتمون بأن لا يستحقوا العقاب وببيان واضح ان مولى الموحدين طالب ومشتاق للقرب من الله تعالى ولذا نقل عنه انه انما عبد الله لكونه مستحقا للعبادة فلاحظ.

الوجه الثاني : قوله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها)(٥)

__________________

(١) التوبة / ١١٥.

(٢) آل عمران / ١٧٩.

(٣) الانفال / ٣٣.

(٤) الكهف / ٥١.

(٥) الطلاق / ٧.

١٥٨

بتقريب ان المراد من الموصول الحكم الواقعي وأن المراد من الايتاء البيان فاذا لم يبين الحكم الواقعي للمكلف يكون مرتفعا في مقام الظاهر. وفيه ان الظاهر من الآية بمقتضى السياق ان التكليف بالمال بمقدار اتيانه وبعبارة واضحة : ان التكليف المالي بالمقدار الذي يكون للمكلف فلا يرتبط بالمقام مضافا الى أن الآية صريحة في نفي التكليف وكيف يمكن الالتزام بعدم التكليف مع عدم الاعلام فان المفروض تحقق الحكم الواقعي وإلّا يلزم التصويب مضافا الى لزوم الدور فلاحظ.

الوجه الثالث : قوله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها)(١) بتقريب ان اطاعة الحكم المجهول خارجة عن وسع المكلف في نظر عامة الناس.

وفيه اولا ان الظاهر من الآية ان التكليف لا يتعلق بغير المقدور فلا ترتبط الآية بالمقام وثانيا أن الاطاعة بحكم العقل لا بحكم الشرع وثالثا : ان الاحتياط عند الشك في الحكم الواقعي امر مقدور.

الوجه الرابع : قوله تعالى (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ)(٢) بتقريب : ان عدم الوجدان يقتضي حلية الاكل فلو لم يوجد دليل على حرمة أكل شيء يحكم بحليته في مقام الظاهر وهذا هو المطلوب.

ويرد عليه اولا ان المستفاد من الآية ان عدم وجدان دليل على حرمة شيء يدل على حليته الواقعية لا الظاهرية التي هي محل الكلام في المقام وان شئت قلت : لا اشكال في أن الكلام المذكور كلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بتعليم الله سبحانه ومن الظاهر ان الرسول الاكرم عالم

__________________

(١) البقرة / ٢٨٦.

(٢) الانعام / ١٤٥.

١٥٩

بجميع الاحكام الواقعية ولا يتصور الحكم الظاهري بالنسبة اليه وبعبارة واضحة : الرسول الاكرم مشرع للاحكام ولا مجال لجهله بالحكم الواقعي هذا اولا وثانيا على فرض الاغماض تختص الآية بخصوص الاطعمة ولا تشمل غير الطعام فلا مجال لان يستدل بالآية الشريفة على البراءة على الاطلاق.

الوجه الخامس : قوله تعالى (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ)(١) بتقريب ان المراد من الهلاك العذاب فيكون المراد ان تحقق العقاب متوقف على تمامية البيان فمع عدم البيان على الحكم لا عقاب ولا مؤاخذة وهذا هو المطلوب.

وفيه ان المقصود من الآية الشريفة الايمان والمراد من الحياة الحياة المعنوية والدليل عليه ان الآية متعرضة لقضية يوم البدر وغلبة المسلمين على الكفار فلا ترتبط بالمقام فلاحظ.

الوجه السادس : ما رواه حريز بن عبد الله ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : رفع عن أمتي تسعة أشياء : الخطا ، والنسيان ، وما اكرهوا عليه ، وما لا يعلمون ، وما لا يطيقون ، وما اضطروا اليه ، والحسد ، والطيرة ، والتفكر في الوسوسة في الخلق «الخلوة» ما لم ينطقوا بشفة» (٢).

وهذه الرواية تارة يبحث فيها من حيث السند واخرى من حيث الدلالة أما من حيث السند فان سيدنا الاستاد عبر عنها بالصحيحة ولكن للمناقشة في سند الحديث مجال فان احمد بن محمد بن يحيى لم يوثق قال الحر في رجال الوسائل «احمد بن محمد بن يحيي العطار

__________________

(١) الانفال / ٤٢.

(٢) الوسائل الباب : ٥٦ من أبواب جهاد النفس الحديث : ١.

١٦٠