آراؤنا في أصول الفقه - ج ٢

السيّد تقي الطباطبائي القمّي

آراؤنا في أصول الفقه - ج ٢

المؤلف:

السيّد تقي الطباطبائي القمّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات المحلّاتي ( المفيد )
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥١

الوجه الرابع : ان الانذار بمعنى التخويف من العقاب وظيفة الواعظ والمفتي ، أما الواعظ فيعظ الناس ويخوفهم من العقاب على ترك الواجبات وارتكاب المحرمات ولا اشكال في وجوب الحذر لكون الحكم معلوما وأما المفتي فبفتواه ينذر ضمنا فاذا قال الشيء الفلاني حرام أو قال الفعل الكذائي واجب يستفاد من كلامه ضمنا التخويف من ارتكاب المحرم ومن ترك الواجب وأما الراوي فلا يكون منذرا فلا مجال للاستدلال بالآية على المدعى بالتقريب المذكور.

وأورد عليه : بأن الاخبار عن الوجوب أو الحرمة لا ينفك عن الانذار فيكون اخباره حجة فاذا ثبت كونه معتبرا في الجملة ثبت بالجملة لعدم القول بالفصل هذا على تقدير كون الآية في مقام التأسيس وجعل الحجية للخبر وأما ان قلنا بأن الخبر كان حجة قبل نزول الآية والآية انما نزلت لبيان نوع من أنواعه فالامر أسهل ولا نحتاج الى التوسل الى عدم القول بالفصل.

أقول : أما عدم القول بالفصل فلا يرجع الى محصل وبعبارة اخرى عدم القول بالفصل ان لم يرجع الى الاجماع فلا اعتبار به كما هو ظاهر وان رجع الى الاجماع فقد ثبت في بحث الاجماع عدم اعتبار الاجماع المحصل فكيف بالمنقول منه وأما كون الخبر الواحد حجة قبل نزول الآية فهو اول الدعوى والاشكال مضافا الى أنه لو كان كذلك فلا نحتاج الى الاستدلال بالآية فلاحظ.

واضافة الى جميع ذلك يرد على الاستدلال بالآية على المدعى بأن الظاهر من الآية وجوب الانذار استقلالا لا بالملازمة فلا تشمل الآية اخبار الراوي فلاحظ فتحصل ان الآية الشريفة لا تقوم باثبات المدعى.

الوجه الثالث : قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ

١٢١

الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ)(١) وتقريب الاستدلال بالآية الشريفة ان المستفاد منها عدم جواز كتمان البينات ووجوب اظهارها ووجوب الاظهار يستلزم وجوب القبول وإلّا يلزم كون الاظهار لغوا ولذا قالوا بحجية اخبار المرأة بكونها حاملا تمسكا بقوله تعالى (وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ) بتقريب : ان قول المرأة لا يوجب العلم غالبا فلو توقف القبول على حصول العلم بصدقها يكون اخبارها لغوا.

ويرد على التقريب المذكور : انه لا ملازمة بين وجوب الاخبار ووجوب القبول ولو لا دليل خارجي دال على اعتبار قول المرأة بالنسبة الى كونها حاملة أشكل الجزم بكون الآية دالة على اعتبار قول المرأة وعدم حصول العلم من قولها الا قليلا مدفوع ، بأن الامر ليس كذلك وعلى فرض تمامية التقريب في اخبار المرأة بكونها حاملا لا يتم المدعى في المقام لان الآية الشريفة تعريض بعلماء اهل الكتاب حيث يكتمون ما انزل الله في الكتاب بالنسبة الى رسالة رسول الاسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله وبعبارة اخرى يجب عليهم ان يعلنوا الآيات والبينات الالهية الدالة على رسالة رسول الاسلام ومن الظاهر ان اظهار كل واحد منهم يوجب العلم بالمقصود وان شئت قلت : ان قوله تعالى في ذيل الآية (مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ) دليل على أن رسالة رسول الاسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر واضح ظاهر وانما المانع كتمان علماء اليهود والنصارى.

ان قلت : مقتضى اطلاق وجوب الاظهار وجوبه ولو مع عدم حصول العلم من قوله وعدم ضم اخبار غيره اليه فيستفاد اعتبار قوله اذ لو لا وجوب قبول قوله واعتباره يكون لغوا. قلت اولا : هذا

__________________

(١) البقرة / ١٥٩.

١٢٢

فرض نادر ملحق بالعدم.

وثانيا : يمكن أن يكون حصول العلم من قول المخبر حكمة للجعل لا علة اضف الى ذلك ان الآية مربوطة بالرسالة ومن الظاهر ان الرسالة من اصول الدين واصول الدين لا تثبت بالخبر الواحد ويضاف الى ذلك كله ان الآية واردة بالنسبة الى قضية خاصة ولا مجال لاستفادة كبرى كلية منها ودعوى ان الآية مع ورودها في حق علماء اليهود والنصارى تستفاد منها الكبرى الكلية ولا اختصاص لها بالمورد الخاص واطار مخصوص دعوى بلا دليل عهدتها على مدعيها فلاحظ.

الوجه الرابع : قوله تعالى (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(١) بتقريب ان وجوب السؤال يستلزم وجوب القبول ولو مع عدم حصول العلم بصدق المخبر فتدل الآية الشريفة في كلا الموردين على حجية الخبر الواحد.

ويرد عليه اولا : ان الآية الشريفة في كلا الموردين مرتبطة بالرسالة والنبوة لا تثبت بالخبر الواحد.

وثانيا : ان الظاهر من الآية الشريفة الارشاد الى سبب موجب لحصول العلم فان قوله تعالى (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ظاهر في أن السؤال من أهل الذكر والعلم يوجب العلم بالحقيقة فلا تدل الآية على المدعى كما هو ظاهر وثالثا : ان وجوب السؤال لا يستلزم اعتبار الجواب ولو مع عدم حصول العلم بكونه مطابقا مع الواقع وبعبارة اخرى يمكن أن يكون حصول العلم حكمة للجعل.

ورابعا : انه كيف يمكن اثبات الخبر الواحد بالكتاب قبل اثبات

__________________

(١) النحل / ٤٣ ، الانبياء / ٧.

١٢٣

النبوة وبعبارة اخرى الكلام والاشكال في أصل النبوة وقبل اثباتها كيف يمكن اثبات اعتبار الخبر بالكتاب وبعبارة واضحة اعتبار الخبر يتوقف على ثبوت النبوة وكون القرآن نازلا من عند الله وثبوت النبوة يتوقف على اعتبار الخبر وهذا دور إلّا أن يقال بعد ثبوت النبوة عند المسلمين وكون القرآن معجزة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يمكن الاستدلال بما فيه.

وخامسا : انه لو اغمض عن جميع ما ذكر نقول غاية ما يستفاد من الآية الشريفة اعتبار خبر علماء اليهود والنصارى بالنسبة الى رسالة رسول الاسلام لكن لا دليل على حجية الخبر على الاطلاق اللهم إلّا أن يقال اذا ثبت اعتباره بالنسبة الى اصل الرسالة فاعتباره في الفروع بطريق اولى فلاحظ.

الوجه الخامس : قوله تعالى (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ.)(١).

بتقريب ان الله يمدح نبي الاسلام بكونه اذنا يصدق ويؤمن بالله وبالمؤمنين فالآية تدل على اعتبار خبر المخبر الواحد.

وفيه اولا : ان التصديق وعدم التكذيب لا يستلزم ترتيب الاثر العملي وبعبارة اخرى يمكن أن يكون الآية في مقام بيان شعبة من شعب الاخلاق الحميدة وان مقتضى حسن العشرة مع الناس انه اذا اخبر أحد بأمر أو اذا اعتذر احد بعذر لا يكذّبه الطرف المقابل بل يصدقه ولو مع العلم بأنه كاذب كما ان الامر كذلك في مورد الآية الكريمة والدليل على ما ذكر الرواية المروية عن أبي الحسن موسى

__________________

(١) التوبة / ٦١.

١٢٤

عليه‌السلام قال عليه‌السلام يا محمد كذب سمعك وبصرك عن أخيك فان شهد عندك خمسون قسامة وقال لك قولا فصدقه وكذبهم (١) الدالة على تصديق الواحد وتكذيب خمسين قسامة والحال انه كيف يمكن تقديم قول واحد وترجيحه على قول خمسين نفرا.

وثانيا : ان المراد لو كان التصديق العملي يكون مرجعه الى الجمع بين المتناقضين وبطلانه أوضح من أن يخفى. وثالثا : انه كيف يمكن أن تكون الآية دالة على اعتبار الخبر الواحد والحال ان موردها المنافق النمام وهل يمكن الالتزام باعتبار خبر الفاسق النمام الكذاب.

ان قلت : نأخذ بالآية ونقيدها. قلت : كيف يمكن رفع اليد عن الآية بالنسبة الى موردها ، فالنتيجة ان هذه الآية ايضا غير قابلة للاستدلال بها على المدعى ، فتحصل مما ذكرنا ان شيئا من الآيات القرآنية لا يدل على حجية الخبر الواحد.

الوجه السادس : الروايات ، ان قلت : لا مجال لاثبات حجية الخبر الواحد بالخبر الواحد الا على التقريب الدوري. قلت : الاستدلال للمدعى بالخبر المتواتر لا بالخبر الواحد فلا يتوجه الاشكال وعلى الجملة المدعي يدعي ان الروايات الواردة على اختلاف السنتها متواترة فيمكن الاستدلال بها على المدعى بلا ورود اشكال الدور ، ولتوضيح المدعى نقول التواتر على أقسام ثلاثة :

القسم الاول : التواتر اللفظي وهو أن ينقل لفظ خاص من شخص على النحو المتواتر وهذا القسم غير محتمل في المقام اذ لا اشكال في أن الالفاظ المنقولة مختلفة ولم يقع التواتر على لفظ بخصوصه.

__________________

(١) الوسائل الباب ١٥٧ من أحكام العشرة الحديث : ٤.

١٢٥

القسم الثاني : التواتر المعنوي وهو أن يقع التواتر على معنى خاص مثل شجاعة امير المؤمنين عليه‌السلام فانه نقل متواترا ما صدر عنه من القضايا العديدة على وجه يقطع بكونه شجاعا وان لم يقع التواتر على أمر خاص وهذا القسم من التواتر ايضا مفقود في المقام اذ المنقولات مختلفة في المفاد.

القسم الثالث : التواتر الاجمالي ومعناه انه يقطع بمطابقة احد المنقولات مع الواقع والمدعي يدعي حصول هذا القسم من التواتر في المقام.

وعن الميرزا النائيني انكاره ، بتقريب ان كل خبر من تلك الاخبار المشار اليها لو وضعنا اليد عليه نراه محتمل الصدق والكذب فلا يتحقق التواتر.

وما أفاده غريب فانه يرد عليه : اولا النقض بأنا لو علمنا بوجود نجس في مجموع من الاواني فلا اشكال في وجود النجس والعلم به ومع ذلك لو وضعنا يدنا على كل واحد منها يحتمل أن لا يكون نجسا فالشك في كل واحد لا ينافي القطع به اجمالا. وأما الحل : فان الاجمال مع العلم مرجعهما الى عدم العلم التفصيلي والمقام كذلك اذ نعلم اجمالا بصدور بعض هذه الاخبار فلاحظ.

وعلى الجملة : لا ريب في أنا نقطع بصدور بعض هذه الاخبار فنأخذ بالقدر المتيقن وبعبارة اخرى نأخذ بما يكون مفاده أخص وهو ما يكون جميع الرواة الواقعين في السند من الشيعة الامامية ومن العدول وبعد ذلك نقول لو دل الخبر الجامع لجميع الخصوصيات على اعتبار خبر الثقة تكون النتيجة اعتبار اخبار الثقات ولو لم يكن الراوي اماميا أو كان ولم يكن عادلا بل يكفي كون الراوي ثقة

١٢٦

والذي يمكن أن يستدل به على المدعى على التقريب المذكور. حديث احمد بن اسحاق ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : سألته وقلت : من أعامل؟ وعمّن آخذ؟ وقول من أقبل؟ فقال : العمري ثقتي فما أدّى اليك عنّي فعنّي يؤدي ، وما قال لك عني فعني يقول ، فاسمع له وأطع فانه الثقة المأمون ، قال : وسألت أبا محمد عليه‌السلام عن مثل ذلك فقال : العمري وابنه ثقتان فما أدّيا اليك عنّي فعنّي يؤدّيان وما قالا لك فعنّي يقولان ، فاسمع لهما وأطعهما فانّهما الثقتان المأمونان الحديث (١).

وحديث علي بن يقطين ، عن الرضا عليه‌السلام قال : قلت : لا أكاد اصل اليك أسألك عن كل ما أحتاج اليه من معالم ديني ، أفيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه ما أحتاج اليه من معالم ديني؟ فقال : نعم. (٢)

فان المستفاد من الحديثين ان الميزان في اعتبار الخبر ان يكون الراوي ثقة هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب الاستدلال على حجية قول الثقة.

اذا عرفت ما تقدم نقول : لا بد من ملاحظة الروايات الواردة في المقام كي نرى ان التقريب المذكور تام ام لا ، فنقول الاخبار المشار اليها على طوائف.

الطائفة الاولى : ما يدل على ترجيح احد المتعارضين على الآخر ومن تلك الطائفة ما رواه الكناني قال : قال لي ابو عبد الله عليه‌السلام : يا با عمرو أرأيت لو حدثتك بحديث أو افتيتك بفتيا ثم جئتني بعد ذلك الى أن قال : بأيهما كنت تأخذ؟ قلت : بأحدثها وادع الآخر

__________________

(١) الوسائل الباب ١١ من أبواب صفات القاضى الحديث ٤.

(٢) نفس المصدر الحديث ٣٣.

١٢٧

فقال : قد أصبت يا با عمرو (١).

بتقريب ان المستفاد من هذه الطائفة ان اعتبار الخبر الواحد امر مفروغ عنه وانما الامام عليه‌السلام في مقام الترجيح عند التعارض.

وفيه : انه يمكن ان يكون موضوع هذه الطائفة الخبر الذي يكون مقطوع الصدور ومع هذا الاحتمال يبطل الاستدلال ، وبعبارة اخرى لا دليل على أن موردها الخبر الواحد الذي يشك في صدوره.

وقال سيدنا الاستاد في هذا المقام انه من الواضح انه ليس المراد من هذه الاخبار الخبرين المقطوع صدورهما لان المرجحات المذكورة لا تناسب العلم بصدورهما وان الظاهر من مثل قوله (يأتي عنكم خبران متعارضان) كون السؤال عن مشكوكي الصدور مضافا الى أن وقوع المعارضة بين مقطوعي الصدور بعيد في نفسه.

أقول : أما ما افاده اولا من الظهور فليس إلّا ادّعاءً محضا والوضوح المدعى في كلامه دعوى اثباته على عهدته وأما ما أفاده ثانيا من بعد وقوع المعارضة بين مقطوعي الصدور فائضا استبعاد محض ولا دليل عليه فعليه لا اثر لهذه الطائفة اذ كما ذكرنا يمكن أن يكون موردها الخبرين اللذين قطع بصدورهما.

الطائفة الثانية : ما يدل على اعتبار قول اشخاص مخصوصين ومن تلك الطائفة ما رواه اسحاق بن يعقوب قال : سألت محمد بن عثمان العمري ان يوصل لي كتابا قد سألت فيه عن مسائل أشكلت علي ، فورد التوقيع بخطّ مولانا صاحب الزمان عليه‌السلام : أما ما سألت عنه أرشدك الله وثبتك الى أن قال : وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا ، فانهم حجتي عليكم وأنا حجة الله ،

__________________

(١) الوسائل الباب ٩ من أبواب صفات القاضى الحديث : ١٧.

١٢٨

وأما محمد بن عثمان العمري فرضى الله عنه وعن أبيه من قبل ، فانه ثقتي وكتابه كتابي (١).

وهذه الطائفة انما تدل على اعتبار خبر شخص خاص وبعبارة اخرى انما تدل على اعتبار من يكون ثقة عند الامام عليه‌السلام ويعد من ثقاته ولا يستفاد منها حكم كلي.

ومن هذه الطائفة ما رواه ، المفضّل بن عمر ، أن أبا عبد الله عليه‌السلام قال للفيض بن المختار في حديث : فاذا أردت حديثنا فعليك بهذا الجالس ، وأومأ الى رجل من أصحابه ، فسألت اصحابنا عنه فقالوا زرارة بن أعين. (٢)

ومنها ما رواه ابراهيم بن عبد الحميد وغيره قالوا : قال أبو عبد الله عليه‌السلام رحمه‌الله زرارة بن أعين ، لو لا زرارة ونظراؤه لاندرست أحاديث أبي عليه‌السلام (٣).

ومنها ما رواه سليمان بن خالد قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : ما أجد احدا أحيا ذكرنا وأحاديث أبي عليه‌السلام الا زرارة ، وأبو بصير ليث المرادي ومحمد بن مسلم ، وبريد بن معاوية العجلي ولو لا هؤلاء ما كان احد يستنبط هذا ، هؤلاء حفّاظ الدين وأمناء أبي عليه‌السلام على حلال الله وحرامه ، وهم السّابقون الينا في الدنيا ، والسّابقون الينا في الآخرة (٤).

فان المستفاد من هذه الطائفة اعتبار قول أفراد معدودين وجماعة خاصة ولا يمكن أن يستفاد منها الكبرى الكلية.

__________________

(١) الوسائل الباب ١١ من أبواب صفات القاضى الحديث ٩.

(٢) نفس المصدر الحديث ١٩.

(٣) نفس المصدر الحديث ٢٠.

(٤) نفس المصدر الحديث ٢١.

١٢٩

الطائفة الثالثة : ما يدل على اعتبار بعض الكتب ومن تلك الطائفة ما رواه ابن روح ، عن أبي محمد الحسن بن علي عليهما‌السلام انه سئل عن كتب بني فضّال ، فقال : خذوا بما رووا وذروا ما رأوا (١).

والكلام في هذه الطائفة هو الكلام فان اعتبار كتاب خاص لا يدل على الاطلاق فلا أثر له وبعبارة اخرى يمكن أن يكون للكتاب الذي ارجع اليه خصوصية في نظره ارواحنا فداه فلا يمكن الجزم بالكبرى الكلية.

الطائفة الرابعة : ما يدل على حفظ الرواية واستماعها وضبطها والاهتمام بشأنها ومن تلك الطائفة ما رواه ابن أبي يعفور ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خطب الناس في مسجد الخيف فقال : نضر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلّغها من لم يسمعها ، فربّ حامل فقه غير فقيه ، وربّ حامل فقه الى من هو أفقه منه. الحديث (٢).

وهذه الطائفة انما تدل على الاهتمام بالروايات الصادرة عنهم وأما طريق اثبات كونها عنهم فلا تعرض له في هذه الطائفة فكل خبر ثبت صدوره عنهم ولو بسبب القطع بصدوره عنهم تشمله هذه الطائفة وإلّا فلا.

الطائفة الخامسة : ما يدل على علو مرتبة الرواة عنهم ومن هذه الطائفة ما رواه علي بن حنظلة قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل الباب ١١ ، من ابواب صفات القاضى الحديث ١٣.

(٢) نفس المصدر الباب ٨ من ابواب صفات القاضى الحديث ٤٣.

١٣٠

يقول : اعرفوا منازل الناس على قدر رواياتهم عنا. (١) وهذه الطائفة انما تدل على علو مراتب الرواة عنهم وأما تشخيص ان الراوي الفلاني صادق في روايته أو كاذب فلا تعرض له في هذه الطائفة فلا أثر لها ايضا لاثبات المطلوب.

الطائفة السادسة : ما يدل على اعتبار العدالة في الراوي ومن تلك الطائفة ما رواه علي بن المسيّب الهمداني قال : قلت للرضا عليه‌السلام : شقتي بعيدة ولست أصل اليك في كل وقت فممّن آخذ معالم ديني؟ قال : من زكريّا بن آدم القمي المأمون على الدين والدنيا ، قال علي بن المسيّب : فلما انصرفت قدمنا على زكريا بن آدم ، فسألته عمّا احتجت اليه. (٢) وهذه الطائفة تدل على اعتبار الرواية التي تكون السلسلة في جميع مراتبها عدلا اماميا.

الطائفة السابعة : ما يدل على اعتبار قول الثقة وان المناط في الاعتبار أن يكون الراوي ثقة ومن هذه الطائفة ما رواه احمد بن اسحاق (٣) وهذه الطائفة من حيث الدلالة تام لكن هذه الطائفة وحدها ليست متواترة ومن الظاهر ان اثبات الخبر الواحد بمثله استدلال دوري وبطلانه أوضح من أن يخفى ، ومن ناحية اخرى ان الخبر الدال على اعتبار خبر الثقة لا يكون جامعا لجميع الجهات فمن تلك النصوص الخبر المشار اليه اى خبر احمد بن اسحاق (٤) قال الحر قدس‌سره في رجاله احمد بن اسحاق الرازي ثقة من اصحاب الهادى عليه‌السلام قاله الشيخ والعلامة وقال النجاشي له اختصاص بالجهة

__________________

(١) الوسائل الباب ١١ ، من أبواب صفات القاضى الحديث ٣.

(٢) نفس المصدر الحديث ٢٧.

(٣) قد تقدم فى ص ١٢٧.

(٤) قد تقدم فى ص ١٢٧.

١٣١

المقدسة وقال ايضا في ترجمة عبد الله بن جعفر بن الحسين بن مالك بن جامع الحميرى ابو العباس القمى شيخ القميين ووجههم ثقة ولم يعبّر بالنسبة الى الرجلين بالعدالة.

ومن تلك الطائفة ما رواه ابن يقطين (١) وقال الحر في رجاله محمد بن نصير من أهل كش ثقة جليل القدر كثير العلم روى عنه أبو عمرو الكشى قاله الشيخ والعلامة وصفوة القول ان اثبات حجية الخبر الواحد بالاخبار الواردة في المقام مع كثرتها في غاية الاشكال اولا للمناقشة في تحقق التواتر ، ثانيا انه لا يوجد فيها ظاهرا ولو حديث واحد يدل على المطلوب ومع ذلك يكون الراوي فيه في جميع السلسلة عدلا اماميا فالنتيجة عدم تمامية الوجه المذكور.

الوجه السابع : الاجماع ويقرب بتقاريب : التقريب الاول : الاجماع المنقول الذي نقله الطوسي قدس‌سره.

ويرد عليه اولا : ان الاستدلال على حجية الخبر الواحد بالاجماع المنقول بالخبر الواحد استدلال دوري والدور محال. وثانيا : ان الاجماع المنقول من الشيخ الطوسي معارض بالاجماع المنقول عن السيد على عدم اعتبار الخبر الواحد. وثالثا : انه قد تقدم في بحث الاجماع المنقول عدم اعتبار الاجماع المحصل فكيف بالمنقول منه.

التقريب الثاني : الاجماع القولي من جميع العلماء غير السيد.

وفيه : انه ليس اجماعا تعبديا كاشفا بل العلماء مستندون الى الوجوه المذكورة في المقام ولا اقل من احتمال استنادهم الى الوجوه المذكورة.

__________________

(١) قد تقدم فى ص ١٢٧.

١٣٢

التقريب الثالث : الاجماع القولي حتى من السيد بتقريب انهم ان لم يكونوا قائلين بالحجية كالسيد فانما الوجه فيه انهم قائلون بانفتاح باب العلم وأما لو اعتقدوا بالانسداد كزماننا هذا كانوا قائلين بالاعتبار حتى السيد قدس‌سره.

وفيه اولا : ما أوردناه في سابقه. وثانيا : انه لا يمكن الجزم بهذه المقالة اذ يمكن ان السيد لو كان موجودا في هذا الزمان وكان قائلا بالاعتبار لكان قوله به مبنيا على حجية الظن المطلق ومنه الظن الحاصل من الخبر الواحد فلا يكون قائلا باعتباره بالخصوص.

التقريب الرابع : الاجماع العملي على العمل بالخبر الواحد.

وفيه : انه يمكن ان بعضا منهم قائلون بكون جملة من الاخبار مقطوعة الصدور كاخبار الكتب الاربعة فلا يدل عملهم على حجية الخبر الواحد.

التقريب الخامس : الاجماع العملي من زمان المعصوم عليه‌السلام الى زماننا هذا على العمل بالخبر الواحد وهذا يكشف عن كون الامام عليه‌السلام راضيا وممضيا لعملهم.

وفيه : ان عملهم بالخبر يمكن أن يكون من باب جريان السيرة العقلائية على العمل بخبر العادل أو الثقة لا من باب التعبد فيرجع الامر بالاستدلال بالوجه الثامن ولا بد من البحث فيه بالاستقلال.

الوجه الثامن : السيرة العقلائية الجارية بين العقلاء على العمل بخبر الثقة ولم يردع عنها الشارع الاقدس. ان قلت : ان العقلاء لا يعملون بالخبر بل يعملون بالاطمينان ولا اشكال في حجية الاطمينان فانه حجة عقلائية بلا كلام وامضي من قبل الشارع ، بيان ذلك ان

١٣٣

العقلاء اما يعملون بخبر من يثقون بصدقه والوثاقة عبارة عن الاطمينان واما احتمال الاشتباه والخطاء في الناقل فهو مدفوع بالاصل واما يعملون بالخبر الموثوق بصدوره فعلى كلا التقديرين يكون عملهم على طبق الاطمينان.

قلت : الوثوق بالمخبر لا يستلزم الوثوق بالخبر فعليه لا يكون العمل على طبق الاطمينان ولذا نرى بالوجدان انه لا يحصل الاطمينان بالمخبر به مع الوثوق بالمخبر والاعتقاد بكونه ثقة خصوصا مع كون الوسائط كثيرة.

ان قلت : سلمنا وجود السيرة على العمل بالخبر الواحد ولكن السيرة صارت مردوعة بالآيات الناهية عن العمل بالظن وأجاب عن هذا الاشكال صاحب الكفاية بأجوبة :

الجواب الاول : ان كون الآيات رادعة يتوقف على عدم كون السيرة مخصصة لها وعدم كونها مخصصة لها يتوقف على كونها رادعة للسيرة وهذا دور.

ثم أورد على نفسه : بأن كون السيرة مخصصة للآيات يتوقف على عدم كونها رادعة عنها وعدم كونها رادعة عنها يتوقف على كونها مخصصة لها وهذا ايضا دوري وباطل.

وأجاب عن هذا الاشكال : بأن كون السيرة مخصصة للآيات متوقف على عدم ثبوت الردع لا على عدم الردع الواقعي بخلاف العكس فان كون الآيات رادعة متوقف على عدم كون السيرة مخصصة واقعا فلا اشكال.

وأورد عليه سيدنا الاستاد بأن ما أفاده غير تام بل الامر على عكس ما افاده بيان ذلك : ان كون السيرة مخصصة متوقف على عدم الردع واقعا اذ حجية السيرة تتوقف على الامضاء فلا بد من احراز عدم

١٣٤

الردع وهو غير ثابت وأما كون العمومات رادعة فيكفي فيه عدم ثبوت التخصيص فان العموم حجة ما دام لم يثبت التخصيص.

الجواب الثاني : انا سلمنا التعارض وقلنا التوقف الدوري في الطرفين ولا ترجيح لكن نقول بعد التعارض تصل النوبة الى الاصل العملي وهو استصحاب بقاء الحجية الثابتة قبل نزول الآيات فبالاستصحاب نحكم بحجية الخبر الواحد.

وأورد عليه سيدنا الاستاد اولا : بأن الاستصحاب لا يجري في الاحكام الكلية لمعارضته باستصحاب عدم الجعل الزائد. وثانيا : ان الآيات الناهية كما انها رادعة عن العمل بالخبر الواحد كذلك رادعة عن العمل بالاستصحاب بلا فرق فان الملاك واحد. وثالثا : انه كيف يمكن اثبات حجية الخبر الواحد بالاستصحاب والحال ان اثبات حجية الاستصحاب بالخبر الواحد استدلال دوري. ورابعا : ان هذا التقريب يتوقف على كون السيرة ممضاة عند الشارع قبل نزول الآيات الناهية وهذا اول الكلام والاشكال.

أقول : بل مقتضى الاستصحاب عدم كون الخبر حجة عند الشارع.

الجواب الثالث : انه قد حقق في الاصول انه لو ورد عام بعد خاص ودار الامر بين كون الخاص المتقدم مخصصا للعام المتأخر وبين كون العام المتأخر ناسخا للخاص المتقدم يكون مقتضى القاعدة جعل الخاص المتقدم مخصصا للعام المتأخر ولا يجعل العام المتأخر ناسخا للخاص المتقدم ومقامنا من صغريات هذه الكبرى فتكون السيرة المتقدمة على نزول الآيات مخصصة لها.

وأورد عليه سيدنا الاستاد : بأن جعل السيرة مخصصة للآيات يتوقف على اثبات كون السيرة ممضاة عند الشارع وهذا اول الكلام والاشكال فلا مجال لهذا البيان.

١٣٥

اذا عرفت ما تقدم نقول : اذا قلنا ان الآيات الناهية عن العمل بغير العلم رادعة عن العمل بخبر الثقة فما الوجه في عدم كونها رادعة عن العمل بالظواهر اذ لا فرق بين المقامين والحل ان الشارع نهى عن العمل بغير العلم والظواهر وكذلك خبر الثقة طريق تعبدي وعلم عقلائي فلا مجال لكون الآيات الناهية رادعة عن السيرة بل السيرة حاكمة عليها وبعبارة واضحة : الموضوع في الآيات العمل بغير العلم والحال ان العمل بخبر الثقة وبالظواهر عمل بالعلم وان شئت : قلت الشارع الاقدس في افادته ومحاورته مع الناس والمكلفين لم يتخذ طريقا خاصا في قبال الطريق العقلائي بل تابع لتلك الطريقة ولذا لا مجال لان يتوهم انه ردع عن العمل بالظواهر وكذلك عن العمل بخبر الثقة.

وأفاد سيدنا الاستاد ان مفاد الآيات الحكم الارشادي اي الارشاد الى أخذ المؤمن ولذا لا تكون قابلة للتخصيص فانه كيف يمكن تخصيص قوله تعالى (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) ومن ناحية اخرى العمل بخبر الثقة عمل بالطريق المعتبر فلا تنافي بين الآيات والسيرة.

ويرد عليه : انا لا نرى مانعا ولا نرى تنافيا بين كون الآيات دالة على الحكم الارشادي وبين التخصيص فانه اي مانع من أن يقول المولى «ان الظن لا يغني عن الحق شيئا» إلّا الظن الحاصل من خبر الثقة فان عدم اغنائه عبارة اخرى عن عدم اعتباره وعليه فلا مانع عن التخصيص وعلى الجملة لا فرق بين كون المستفاد من الآيات حكما مولويا وبين كون المستفاد منها حكما ارشاديا في هذه الجهة ولا مانع عن التخصيص على كلا التقديرين.

والجواب عن الشبهة الواردة في المقام وهي كون الآيات رادعة

١٣٦

عن السيرة ما ذكرنا من أن المنهي عنه العمل بغير العلم والحال ان الظهورات وقول الثقة من مصاديق العلم في نظر العقلاء مضافا الى أنا نرى صدور روايات كثيرة دالة على حرمة العمل بالقياس وقد عقد صاحب الوسائل بابا خاصا وهو الباب السادس من أبواب صفات القاضي للاحاديث الواردة في النهي عن العمل بالقياس والحال انه لم يرد عنهم عليهم‌السلام نهي دال عن العمل بالخبر الواحد فلو كان العمل بالخبر الواحد محرما شرعا لكان اللازم أن ينهى عنه اضف الى ذلك ان السيرة كانت جارية من قبل نزول الآيات الناهية الى زماننا على العمل بخبر الثقة فلو كانت الآيات الناهية رادعة عنها لكان اللازم صيرورة المنع واضحة كوضوح بطلان العمل بالقياس والحال ان الامر بالعكس أي نرى ان المتشرعة يعملون به ويضاف الى ذلك كله انا نرى بالوجدان ان الرواة والاكابر من الفقهاء كالصدوق والكليني واضرابهما مصرين على ضبط الاخبار هذا من ناحية ومن ناحية اخرى فتشوا عن أحوال الرواة وألفوا كتبا في أحوالهم وميزوا بين الثقاة وغيرهم وهذا بنفسه يكشف عن كون خبر الثقة حجة عند الشارع الاقدس اذ لولاه لم يترتب على هذا الجهد والتعب والمشقة أثر وبالاضافة الى جميع ما تقدم نقول لو كان العمل بخبر الثقة ممنوعا شرعا لبان وظهر ولشاع ولذاع وحيث ان الامر ليس كذلك بل يكون على العكس فان الفقهاء من زمن غيبة الصغرى بنائهم على العمل بخبر الثقة فلا مجال للاشكال فالنتيجة اعتبار قول العادل وقول الثقة وان لم يكن عادلا بل وان لم يكن اماميا وأما خبر الامامي الممدوح الذي لم يظهر فسقه ولا عدالته فقد صرّح سيدنا الاستاد باعتباره بمقتضى السيرة.

ويرد عليه : ان الجزم بما أفاده مشكل فان الميزان احراز وثاقة

١٣٧

الراوي وأما مجرد كونه ممدوحا مع عدم العلم بحاله فلا دليل على اعتبار قوله وعلى فرض التسليم فاي فرق بين الامامي وغيره وعلى الجملة اثبات الدعوى المذكورة على عهدته.

بقى امران لا بد من البحث فيهما : الاول : ان الخبر الضعيف لو عمل به المشهور هل يصير معتبرا ام لا ، ربما يقال كما عن المحقق النائيني على ما في التقرير انه يعتبر بتقريب ان مقتضى منطوق آية النبأ ان الفاسق لو اخبر يكون خبره حجة مع التبين وعمل المشهور من مصاديق التبين.

ويرد عليه : ان آية النبأ لا تدل على حجية قول الفاسق بل آية النبأ تدل على ان قول الفاسق لا أثر له بل اللازم على السامع أن يقوم في مقام التحقيق كى يتضح ويتبين له الامر هذا من ناحية ومن ناحية اخرى عمل المشهور لا يوجب الوضوح فانه قد ثبت في بحث الشهرة الفتوائية عدم اعتبارها ومع عدم اعتبارها كما هو المفروض لا اثر لها فان ضم أمر غير معتبر الى مثله لا يكون مؤثرا وعلى الجملة لا وجه لكون الشهرة ولعمل المشهور بخبر ضعيف موجبا لاعتباره اذ غاية ما يمكن أن يقال في تقريب الاعتبار انهم مع جلالتهم وعلو مقامهم في العلم وكون جميعهم اتقياء لا يقدمون على العمل بلا روية.

والجواب عن التقريب المذكور : انه يمكن ان عملهم مبني على بناء غير مقبول عندنا وإلّا كانت الشهرة بنفسها من الحجج وهو كما ترى.

الثاني : ان المشهور فيما بين القوم ان اعراض المشهور عن رواية معتبرة موجب لسقوط تلك الرواية عن الاعتبار ولكن الحق ان اعراض المشهور عن الحديث المعتبر لا يوجب سقوطه عن الاعتبار

١٣٨

ولا وجه له فان اعراضهم يمكن أن يكون مبنيا على بناء فاسد في نظرنا فالحق ان الاعراض لا يسقط اعتبار الخبر الصحيح كما ان عمل المشهور لا يوجب جبر ضعف الخبر الضعيف.

الوجه التاسع : للاستدلال على اعتبار الخبر الواحد العقل.

وللاستدلال به تقريبان : التقريب الاول انا نعلم بصدور جملة من هذه الاخبار المدونة في الكتب عن المعصوم عليه‌السلام ومقتضى تنجيز العلم الاجمالي العمل على طبق جميع هذه الاخبار.

وأورد على هذا التقريب الشيخ الانصاري : بأن لازم هذا البيان العمل بجميع الامارات من الروايات والاجماعات والاقوال المشهورة بين الاصحاب وغيرها ولا يختص بخصوص الاخبار.

وأجاب عن هذا الاشكال صاحب الكفاية بالانحلال توضيحه : ان لنا علما اجماليا كبيرا وهو العلم بوجود أحكام الزامية في الشريعة المقدسة ولنا علم اجمالي متوسط وهو العلم بكون عدة من الامارات الدالة على الحكم الالزامي مطابقا مع الواقع. ولنا علم اجمالي صغير وهو العلم بوجود عدة روايات مطابقة مع الواقع في الكتب الاربعة وحيث انه لا تفاوت من حيث العدد بين الاقسام الثلاثة ينحل العلم الاجمالي الكبير بالعلم الاجمالي المتوسط وينحل العلم الاجمالي المتوسط بالعلم الاجمالي الصغير وبعبارة واضحة : نعلم اجمالا مثلا بمائة تكليف الزامي في الشريعة ونعلم علما اجماليا بمائة في جميع الامارات ونعلم اجمالا بمائة في الكتب الاربعة ولا نقطع بأن المائة في الكتب الاربعة غير المائة الموجودة في الشريعة ففي النتيجة لا نقطع بوجود تكليف غير المائة الموجودة في الكتب الاربعة فطبعا ينحل العلم الاجمالي الكبير والمتوسط بالعلم الاجمالي الصغير فلا مقتضي للاحتياط إلّا بما في الكتب الاربعة.

١٣٩

ان قلت : لا اشكال في انا نعلم اجمالا بوجود احكام الزامية مستفادة من كتب العامة وبعبارة اخرى نعلم بكون بعض اخبارهم مطابقا مع الواقع فبمقتضى العلم الاجمالي يلزم الاحتياط هناك ايضا.

قلت : انا لا نقطع بأن ما ورد في كتبهم كله غير ما ورد في الكتب الاربعة بل نحتمل التوافق اجمالا وعليه لا نقطع بوجود الزام غير ما في الكتب الاربعة وبعبارة اخرى عدة من الروايات الدالة على الالزام الواردة في كتبهم مطابقة مع الروايات الواردة في الكتب الاربعة فلا علم لنا بالالزام زائدا على المعلوم لنا في الكتب الاربعة فلا مانع من اجراء الاصل بالنسبة الى المشكوك فيه فلاحظ.

والظاهر ان ما افاده صاحب الكفاية تام فان ما افاده مقتضى كون العلم الاجمالي منجزا انما الكلام في أمر آخر وهو انه لا اشكال في أن الخبر اذا كان حجة يقدم على الاصول العملية وعلى العمومات اللفظية فهل يكون الامر كذلك فيما يكون العمل بالخبر من باب العلم الاجمالي أم لا ، ويقع الكلام في موضعين :

الموضع الاول : في تقدمه على الاصول العملية. الموضع الثاني : في تقدمه على الاصول اللفظية. أما الموضع الاول ، فنقول الاصل تارة يكون اصلا محرزا كالاستصحاب واخرى لا يكون محرزا كاصل البراءة وعلى كلا التقديرين قد يكون الاصل نافيا للتكليف دائما كاصل البراءة وقد يكون مثبتا كذلك كاصالة الاشتغال وقد يكون مفاده مختلفا بأن يكون مثبتا احيانا ونافيا في بعض الاحيان كالاستصحاب فان كان الاصل نافيا وكان الخبر دالا على الالزام فلا اشكال في عدم جريان الاصل ولا بد من العمل على مقتضى الرواية

١٤٠