آراؤنا في أصول الفقه - ج ٢

السيّد تقي الطباطبائي القمّي

آراؤنا في أصول الفقه - ج ٢

المؤلف:

السيّد تقي الطباطبائي القمّي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات المحلّاتي ( المفيد )
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥١

بعضها راجع الى ناحية المقتضي وبعضها الآخر راجع الى ناحية المانع بعد تسلم الاقتضاء. أما ما يرجع الى ناحية الاقتضاء فهو ان الشرطية التي سيقت لبيان الموضوع لا مفهوم لها فلو قال المولى «ان رزقت ولدا فاختنه او ان ركب الامير فخذ ركابه» لا يستفاد منه المفهوم فان الختان عند انتفاء الولد منتف بانتفاء موضوعه كما ان اخذ الركاب عند انتفاء الركوب منتف بانتفاء موضوعه والآية الشريفة كذلك فان التبين عند انتفاء النبأ منتف بانتفاء موضوعه فلا مجال للمفهوم.

واورد على الاشكال المذكور : بأن الموضوع في القضية هو النبأ ومجىء الفاسق به شرط للتبين فلا تكون القضية مسوقة لبيان تحقق الموضوع. توضيح المدعي : انه قد يكون التعليق عقليا كقوله «ان رزقت ولدا فاختنه» فلولا رزق الولد لا يمكن الختان ففي مثله لا مفهوم للشرطية ونقول مثل هذه الشرطية سيق لبيان الموضوع وتارة يكون التعليق مولويا كما لو قال المولى «ان جاءك زيد اكرمه» فان اكرام زيد يمكن ولو مع عدم مجيئه فتعليق وجوب اكرامه على مجيئه يدل على المفهوم هذه صورة وحدة الشرط وربما يكون الشرط متعددا ففي صورة التعدد تارة يكون كل من الشرطين من قبيل تحقق الموضوع كما لو قال المولى «ان رزقت ولدا وكان ذكرا فاختنه» واخرى يكون التعليق في كل واحد من الشرطين مولويا كما لو قال المولى «ان جاءك زيد وكان ذاكرا لله تعالى فاكرمه» وثالثة يكون احدهما مسوقا لبيان الموضوع وثانيهما يكون تعليقه مولويا كما لو قال المولى «ان ركب الامير وكان قارئا للقرآن فخذ ركابه». فان كانت الشرطية من القسم الاول لا يكون لها مفهوم اصلا وان كانت من القسم الثاني كان لها مفهوم بالنسبة الى كل واحد من

١٠١

الشرطين اي ينتفي الجزاء بانتفاء كل من الشرطين وان كانت من القسم الثالث لا يكون لها مفهوم بالنسبة الى احد الشرطين وله المفهوم بالنسبة الى الشرط الآخر وبعد ذلك نقول الآية الشريفة من القسم الثالث فان مفاد الآية ينحل الى تعدد الشرط احدهما مجيء الخبر والتعليق عليه عقلي ، ثانيهما كون الجائي به فاسقا وهذا التعليق مولوي فعلى مقتضى التفصيل المتقدم يكون للقضية المفهوم بانتفاء الشرط الثاني وهذا هو المقصود.

ان قلت : لا بد من أن يكون المراد بالنبإ خصوص نبأ الفاسق لا طبيعي النبأ وإلّا يلزم بعد مجيء الفاسق بالنبإ يكون التبين واجبا عن كل نبأ حتى عن نبأ العادل وهذا مقطوع الخلاف فيلزم أن يكون المراد بالنبإ الذي يكون التبين فيه واجبا خصوص نبأ الفاسق فتكون الشرطية مسوقة لبيان الموضوع فلا مفهوم لها.

قلت : القيود الواقعة في الكلام اما راجعة الى الموضوع واما راجعة الى الحكم أما ان كانت راجعة الى الموضوع فيكون الحكم مختصا بالمقيد كما هو ظاهر وأما ان كانت راجعة الى الحكم فلا بد من تقييد الموضوع ايضا اذ لا يعقل ترتب الحكم المقيد على الموضوع المطلق ، وبعبارة اخرى : القيود الواقعة في القضية تقيد الموضوع لا محالة ففي الآية الشريفة الواجب التبين عن خصوص نبأ الفاسق لا مطلق النبأ وللمناقشة في هذه المقالة مجال اذ لا مانع عن كون الحكم مقيدا مع كون الموضوع مطلقا فانه لا مانع عن كون وجوب التبين مقيدا بمجيء الفاسق بالنبإ ولكن موضوع التبين يكون مطلق النبأ وبعبارة اخرى لا نرى مانعا من أن يصرح المولى بأنه ان جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا عن مطلق النبأ فما افيد في التقريب غير تام.

١٠٢

نعم الحق أن يقال ان الظاهر من القضية اختصاص الحكم بخصوص الموضوع المقيد مثلا اذا قال المولى اذا بلغ الماء قدر كر لا ينجسه شيء يفهم عرفا ان الماء الذي لا ينفعل خصوص البالغ قدر كر لا كل ماء.

اذا عرفت ما تقدم ، نقول الظهور العرفي حجة والظاهر من الآية الشريفة كونها مسوقة لبيان الموضوع فان ارجاع الآية الى قوله النبأ ان جاء به الفاسق فتبينوا ويكون مفهومه ان الجائي لو لم يكن فاسقا لا يجب التبين خلاف الظاهر لا يصار اليه بلا دليل وان أبيت عمّا ذكر فلا اقل من احتمال كون القضية مسوقة لبيان الموضوع وبعبارة اخرى : نلتزم بعدم الظهور في احد الطرفين فتكون النتيجة عدم اثبات المفهوم وان شئت قلت اذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال وحيث انه يحتمل كون القضية مسوقة لبيان الموضوع لا مجال لاستفادة المفهوم.

ان قلت : نفرض كون القضية مسوقة لبيان الموضوع لكن نقول يستفاد الحصر من الآية فبمفهوم الحصر نحكم باختصاص وجوب التبين بخصوص خبر الفاسق وأما غيره فلا.

قلت : تمام الاشكال في استفادة الحصر فان الشرطية لو كانت مسوقة لبيان الموضوع لا يكون طريق لاستفادة الحصر وبعبارة واضحة : ثبوت حكم لموضوع لا ينافي ثبوت مثله لموضوع آخر والمعروف ان اثبات الشيء لا ينفي ما عداه فلاحظ ، هذا تمام الكلام بالنسبة الى مقام الاقتضاء.

وأما من ناحية المانع فقد ذكرت وجوه من الاشكال :

الاشكال الاول : انه مع تسليم المفهوم للآية لا بد من رفع اليد

١٠٣

عنه للتعليل الوارد فيها وهو قوله تعالى (أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ) فان المراد من التعليل ان العمل بقول الفاسق معرض للوقوع في المفسدة فيوجب الندم وهذه العلة مشتركة بين خبر الفاسق وخبر العادل فان العادل وان كان متحرزا عن الكذب لكن احتمال الغفلة والاشتباه موجود في خبره فيكون العمل بخبره ايضا معرضا للوقوع في المفسدة وموجبا للندم فالآية وان كانت ظاهرة في المفهوم لكن لا بد من رفع اليد عن ظهورها بعموم التعليل المستفاد من العلة الواقعة فيها.

واورد على الاشكال المذكور : ان هذا الاشكال مبني على كون الجهالة بمعنى عدم العلم والحال ان الجهالة تارة يراد منها عدم العلم واخرى يراد منها السفاهة فاذا كان المراد منها في الآية السفاهة لا يكون العمل بقول العادل سفاهة اذ العقلاء يعملون بقول العادل ويفرقون في أعمالهم بين العادل والفاسق من هذه الجهة اي يعملون بقول العادل ولا يرون العمل بقوله امرا سفهائيا.

ان قلت : اذا كان العمل بقول الفاسق سفاهة فكيف عمل بقوله. قلت : يمكن أن يكون العاملون بقوله لم يكونوا عالمين بفسقه أو كانوا عالمين به ولكن غفلوا عن كونه فاسقا ويمكن انه كانت هناك مصلحة مقتضية للعمل بقوله كى تنزل الآية ويعلم الناس بكون الوليد فاسقا وبما ذكر يظهر الجواب عن الايراد بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كيف يمكن أن يغفل أو ينسى والحال انه معصوم واذهب الله عنه الرجس وطهره تطهيرا فانه يمكن ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن مريدا لان يعلم بحال الوليد كما انه يمكن ان المصلحة أوجبت أن يتجاهل كى تنزل الآية الشريفة ويعلم فسق الوليد وينهى عن العمل بقول الفاسق وتعلم حجية قول العادل هذا اولا.

١٠٤

وثانيا : سلمنا ان الجهالة بمعنى عدم العلم لكن مع ذلك لا يكون التعليل مانعا عن المفهوم لانه اذا ثبت كون خبر العادل حجة لا يكون العمل بقوله جهالة ومع وجود خبر العادل يكون الطريق العلمي موجودا ويرتفع الجهل به وبعبارة اخرى : يكون خبر العادل خارجا عن عموم التعليل موضوعا ويكون المفهوم حاكما على عموم التعليل لانه يتصرف في موضوعه فان موضوعه الجهل والحال ان مقتضى المفهوم ان خبر العادل علم تعبدا وعلى الجملة لو لم يكن المفهوم حاكما على عموم العلة كان عموم العلة مانعة عن المفهوم ولكن حيث ان المفهوم حاكم على عموم العلة فلا تصل النوبة الى المعارضة وان شئت قلت ان المفهوم يتصرف في موضوع العموم.

ان قلت : سلمنا ما ذكر لكن ذيل الآية يقتضي عدم الفرق بين خبر العادل والفاسق فان قوله تعالى (فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) يقتضي عدم الفرق اذ العمل بقول العادل ايضا يمكن أن يكون موجبا للندامة فلا فرق بين المقامين.

قلت : الانسان اذا عمل بما هو وظيفته لا يكون نادما وعلى فرض الندامة لا يكون ملوما لا عند العقلاء ولا عند الشارع ومن الظاهر ان العمل بقول العادل بعد قيام الدليل على كون خبره علما لا يكون موجبا للايراد والاشكال ويكون العامل به عاملا بالوظيفة والعامل بالوظيفة لا يكون ملوما ولا يكون مستحقا للعقوبة.

ان قلت : الحكومة لا تتصور في المقام لان الحكومة عبارة عن نفي الحكم بلسان نفي الموضوع كما في قوله لا ربا بين الوالد والولد فان الربا حرام بادلته ونفي الربا بين الوالد والولد ينفي الحرمة بلسان نفي الموضوع اي لا يحرم الربا اذا كان بين الوالد والولد أو اثبات الحكم بلسان اثبات الموضوع كما في قوله عليه‌السلام

١٠٥

الفقاع خمر فانه يثبت الحرمة الثابتة بدليلها للفقاع وعلى الجملة : لا بد في الحكومة أن يكون لسان الحاكم نفي الحكم بلسان نفي الموضوع أو اثبات الحكم بلسان اثبات الموضوع ، وأما اذا كان لسان الدليل من أول الامر نفي الحكم فلا يكون حاكما مثلا لو ورد الدليل بلسان انه لا يحرم الربا بين الوالد والولد لا يكون حاكما بل يكون مخصصا لدليل حرمة الربا وحيث ان المقام ليس كذلك فيكون مفاد المفهوم مخصصا لعموم العلة والمفروض ان ظهور العلة في معناها أظهر من ظهور المفهوم في المراد مضافا الى أن العموم المستفاد من العلة عموم يأبى عن التخصيص فانه كيف يمكن أن يقول الشارع الاقدس تبينوا عن الخبر لان العمل بالخبر بلا تبين سفاهة ويمكن اصابة القوم ويمكن ان يوجب الندم إلّا اذا كان الجائي بالخبر عادلا.

قلت : الحكومة على نحوين : احدهما : يكون بلحاظ الآثار المترتبة على المحكوم كما في المثالين المتقدمين وامثالهما وفي هذا النحو لا تعقل الحكومة إلّا بلحاظ اثبات الاثر أو نفي الاثر فان الربا الواقع بين الوالد والولد لا معنى لنفيه إلّا بلحاظ نفي أثره وكذا اثبات كون الفقاع خمرا لا يمكن إلّا بلحاظ اثبات الحرمة.

ثانيهما : ما يمكن فيه الحكومة بلا لحاظ الاثر الشرعي كالمقام فان قول العادل يمكن اعتباره علما بلا نظر الى الآثار الشرعية بل يكون بلحاظ الاثر العقلي اى التنجيز والتعذير وبعبارة واضحة تارة لا يمكن الحكومة إلّا بلحاظ الاثر الشرعي كما في قول القائل ولد العالم عالم أو قوله الطواف بالبيت صلاة واخرى يمكن الحكومة بلا توجه الى الاثر الشرعي والمقام كذلك وبعبارة واضحة لا يمكن جعل خبر العادل علما بلحاظ اثر العلم وهو عدم وجوب التبين اذ

١٠٦

لا يكون عدم وجوبه من آثار العلم فان العلم بنفسه تبين ولا يعقل أن يترتب عليه وجوب التبين فلا يعقل أن يكون عدم الوجوب من آثاره فلا يمكن جعل خبر العادل علما بلحاظ اثره الشرعي ولكن يمكن جعل الحكومة بلحاظ الاثر العقلي مضافا الى أنه لا نرى مانعا عن التخصيص كبقية موارد التخصيص فانه لو قال المولى لا تكرم الفلاسفة الا الفلان بن الفلان وبعبارة اخرى ان العموم المذكور ليس قابلا للتخصيص ، لا يكون تاما فمرجع الكلام الى قوله تبينوا عن كل خبر إلّا اذا كان المخبر عادلا وبعبارة واضحة الشارع الاقدس يمكن أن يرى ان العمل بخبر العادل ليس فيه فساد ولا يوجب الندم ويمكن ان المصلحة تقتضي أن لا ينهى عنه ويتدارك الشارع الخسران المتوجه من هذه الناحية ولعمري ان الذي اقول حق لا شك فيه ولا ريب يعتريه ، وببيان واضح يمكن ان العمل بقول الغير بلا تبين فيه مفاسد عظيمة فيكون الاقدام سفهائيا ولكن المخبر اذا كان عادلا لا تكون فيه تلك المفاسد أو على فرض وجودها مزاحمة بما هو أهم منها فلا يكون منهيا عنها وبعد فرض كونه مخصصا يكون مقدما على العموم فان ظهور القرينة مقدم على ظهور ذي القرينة ولو مع أقوائية ظهور ذي القرينة.

ان قلت : ان دلالة الآية على المفهوم متفرعة على المنطوق اذ الدلالة الالتزامية فرع الدلالة المطابقية هذا من ناحية ومن ناحية اخرى ان المنطوق متأخر رتبة عن التعليل فالنتيجة ان المفهوم متأخر رتبة عن المنطوق والمنطوق متأخر عن العلة فكيف يمكن أن يكون المفهوم حاكما على العلة والحال ان المتأخر لا يصلح لان يكون حاكما على المتقدم.

قلت : اولا ان المفهوم متأخر عن المنطوق في مقام الاثبات

١٠٧

والدلالة أي دلالة اللفظ على المفهوم متأخرة رتبة عن دلالة اللفظ على المنطوق في مقام الاثبات وتابعة له وأما في مقام الثبوت فلا تكون كذلك بل كلاهما في عرض واحد وبعبارة واضحة : عدم وجوب التبين عن خبر العادل لا يكون متأخرا عن وجوب التبين عن خبر الفاسق ولا ملاك للتقدم والتأخر فيهما.

ان قلت : قد تقدم ان المنطوق متأخر عن التعليل لكونه معلولا فما يكون في رتبته ايضا متأخر عنه فالاشكال باق بحاله. قلت : اولا انه لا وجه لتأخر المنطوق عن التعليل فان الآية دالة على المنطوق اي على وجوب التبين عن خبر الفاسق ولو مع قطع النظر عن التعليل فلا دخل للتعليل في وجوب التبين.

وثانيا : نفرض تأخر المنطوق عن التعليل بملاك العلية والمعلولية لكن قد ذكرنا في بعض المباحث السابقة ان التقدم والتأخر بالرتبة يتوقف على الملاك ولذا نقول وجود المعلول متأخر رتبة عن العلة وأما عدم المعلول فليس كذلك مع ان عدم المعلول في رتبة وجود المعلول فاذا فرضنا كون المفهوم في رتبة المنطوق وفرضنا ايضا تأخر المنطوق عن التعليل لا يثبت تأخر المفهوم عن التعليل لعدم ملاك التقدم والتأخر فيهما.

وثالثا : نفرض تأخر المنطوق عن التعليل وتأخر المفهوم عن المنطوق لكن نقول المستحيل جعل الحكومة بالمعنى الاول اي يكون الحاكم ناظرا الى دليل المحكوم بلحاظ الآثار الشرعية فانه على هذا التقدير يمكن أن يقال كيف يكون حاكما على العلة وأما الحكومة بالمعنى الثانى بأن يكون دليل الحاكم ناظرا الى دليل المحكوم بلحاظ الاثر العقلى فأمر ممكن اذ مفاد دليل الحاكم على هذا التقدير جعل قول العادل علما ومع كونه علما لا يشمله دليل المحكوم اي عموم

١٠٨

التعليل لا يشمل مورد تحقق التبين فان موضوعه مورد الجهل وقابلية المحل للتبين وأما مع العلم وحصول التبين فلا مجال له كما هو ظاهر لمن له الخبرة بالصناعة.

ورابعا : اغمضنا عن هذا ايضا لكن نقول الاشكال انما يتوجه اذا كان التعليل مولويا وأما ان كان ارشادا الى حكم العقل بأنه لا يجوز الاقتحام في أمر لا يؤمن من العقاب وسوء العاقبة وحصول الندم فلا اشكال اذ ليس اعمال للمولوية كى يقال كيف يكون المفهوم حاكما مع كونه معلولا ، لكن الانصاف ان الجواب الاخير غير تام فان القانون العقلي غير قابل للتخصيص فان المعلول اذا لم يمكن أن يكون حاكما على العلة فلا فرق من هذه الجهة بين التقديرين فلاحظ ولا تغفل.

الاشكال الثاني : الذي ذكر في مقام المانعية عن الاستدلال بالآية انه ما المراد من التبين فان كان المراد به العلم فالعمل يكون بالعلم لا بخبر الفاسق اذ مع العلم يكون ضم خبر الفاسق اليه من قبيل ضم الحجر الى جنب الانسان وحيث ان العمل بالعلم الوجداني أمر عقلي يكون الحكم الشرعي بالعمل به ارشاديا واذا كان ارشاديا لا يكون له المفهوم وان كان المراد به مجرد الوثوق يقع التنافي بين المفهوم والمنطوق فان مقتضى المفهوم اعتبار خبر العادل ولو لم يكن موثوقا به كما لو وقع مورد اعراض الاصحاب عنه ومقتضى المنطوق اعتبار الخبر الموثوق به ولو لم يكن المخبر عادلا والاصحاب بين قائل باعتبار خبر العادل ولو مع عدم الوثوق وبين قائل بالخبر الموثوق به فالجمع بين الامرين احداث لقول ثالث فيدور الامر بين الاخذ بالمفهوم أو بالمنطوق وحيث لا موضوع للمفهوم مع فرض عدم المنطوق لا بد من رفع اليد عن المفهوم.

١٠٩

وأجاب عن الاشكال المذكور سيدنا الاستاد بأن المستفاد من الآية ليس ايجاب العمل بالعلم كي يكون ايجابه ارشاديا ولا يترتب عليه المفهوم بل المستفاد من المنطوق تحصيل العلم اي عند خبر الفاسق يجب تحصيل العلم ومفهومه عدم وجوب تحصيل العلم ومع عدم وجوب تحصيل العلم يكون قول العادل علما في اعتبار الشارع وهو المقصود.

ويرد عليه : ان وجوب تحصيل العلم ايضا حكم ارشادي اذ من الواضح ان تحصيل العلم ليس واجبا شرعيا على المكلف فيعود الاشكال والذي يختلج بالبال في هذه العجالة انه لا وجه للالتزام بعدم المفهوم في فرض عدم كون الحكم مولويا وبعبارة اخرى القضية الشرطية ذات مفهوم بلا فرق بين كونها اخبارية أو انشائية مولوية أو ارشادية مثلا لو قال الطبيب للمريض الذي راجعه اذا كنت مستبردا فلا تأكل الحامض فما ذا يستفاد منه فان المريض يفهم ان اكل الحامض مع الاستبراد يضره وأما مع عدم الاستبراد فلا ففي المقام نقول يستفاد من المنطوق لزوم تحصيل العلم اذ مع عدم العلم لا حجة للمكلف ويكون مفهوم القضية عدم وجوب تحصيل العلم الوجداني لان قول العادل علم في وعاء الشرع ويعلم ان المستفاد من الآية وجوب التبين عند خبر الفاسق أي تحصيل العلم ومفهوم القضية عدم وجوبه لان خبر العادل بنفسه علم فيكون تحصيله تحصيلا للحاصل ولا وجه للقول بأن المراد بالتبين حصول الوثوق فانه لا دليل عليه وبعبارة واضحة ما دام لا يحصل العلم لا يتحقق التبين وفسر البيّن في اللغة بالواضح والمنكشف فلا اشكال في أن البيان مساوق مع العلم اذ مع عدم العلم لا يكون الشيء ظاهرا واضحا ويحتاج في الحكم بظهوره الى عناية ومئونة وبعبارة واضحة التبين تحصيل العلم

١١٠

الوجداني كي يكون مورده ومتعلقه واضحا وظاهرا فلا وجه للقول بأن المراد الجامع بين العلم والوثوق.

الاشكال الثالث : انه لو كان الخبر الواحد حجة لزم من اعتباره عدم اعتباره وذلك لان السيد المرتضى نقل الاجماع على عدم كون الخبر الواحد حجة.

ويرد عليه اولا : ان النقل المذكور معارض بنقل الطوسي قدس‌سره الاجماع على اعتباره فلا أثر لنقله وبعبارة اخرى حيث انه لا يعقل شمول دليل الحجية لكلا الخبرين فان التعبد بالمتناقضين غير معقول وترجيح احدهما على الآخر بلا مرجح فيقع التعارض بينهما ويتساقطان.

وثانيا : انه قد تقدم في بحث الاجماع عدم اعتبار الاجماع لا المنقول منه ولا المحصل منه.

وثالثا : انه يدور الامر بين الاخذ بخبر السيد ورفع اليد عما عداه وبين الاخذ بغيره ورفع اليد عنه والمتعين هو الثانى اذ الاخذ بخبر السيد يستلزم تخصيص الاكثر المستهجن الى غايته اذ لازمه انحصار اعتبار الخبر بخبر السيد.

ان قلت : لا يلزم تخصيص الاكثر اذ خبر السيد لا يشمل الاخبار الآحاد الصادرة قبل نقل الاجماع فهي تبقى على اعتبارها. قلت : لا وجه لهذا التفصيل فان خبر السيد يشمل كل خبر واحد ولا يختص مفاده بمورد دون مورد والتقييد يحتاج الى الدليل مضافا الى القطع بعدم الفرق بين الاخبار الصادرة قبل خبر السيد وبعد خبره وحين خبره.

ورابعا : ان دليل اعتبار الخبر لا يعقل أن يشمل خبر السيد اذ يلزم من وجوده عدمه وما يلزم من وجوده عدمه محال. توضيح

١١١

المدعى : انه لو شمل دليل الحجية خبر السيد يكون معناه ان خبر السيد لا يكون حجة لان مفاد خبر السيد عدم حجية الخبر الواحد على الاطلاق ومن جملة الاخبار الآحاد خبر السيد فلا يكون حجة لكن يمكن دفع الاشكال بأن نقول الاجماع دليل لبي والقدر المتيقن من عدم الاعتبار خبر من لا يكون عادلا مضافا الى أنه نسلم ان مورد الاجماع مطلق الخبر بلا فرق بين كون المخبر عادلا او فاسقا لكن نقول مفهوم الآية يدل على اعتبار خبر العادل فبقانون تقديم الخاص على العام نخصص عموم مورد الاجماع أو نقيد اطلاقه فلاحظ.

وفي المقام ايرادان لشمول دليل الاعتبار لخبري السيد والشيخ الايراد الاول انه لا ريب في أن دليل الاعتبار لا يشمل الخبر الذي يعلم كونه مطابقا مع الواقع وايضا لا يشمل الخبر الذي يعلم عدم كونه مطابقا مع الواقع بل دليل الاعتبار يختص بالخبر الذي يكون مطابقته مع الواقع مشكوكا فيها فعلى ذلك يكون الشك في الحجية متأخرا عن الحجية ومن ناحية اخرى كل حكم متأخر عن موضوعه فيلزم أن تكون الحجية متقدمة ومتأخرة اذ المفروض ان الموضوع الشك في حجية قول السيد أو الشيخ والمفروض ان الحكم عبارة عن الحكم بالحجية.

ويمكن ان يجاب عن الايراد المذكور : بان ما يكون متقدما الشك في الحجية وما يكون متأخرا هو الحكم بالاعتبار فلا يكون المتقدم متأخرا مثلا لو شك في وجوب الدعاء عند رؤية الهلال وقام دليل على وجوبه فهل يمكن أن يقال ان الوجوب متأخر ومتقدم ، وصفوة القول انه لا مانع من هذه الجهة.

الايراد الثاني : ان المقام من صغريات دوران الامر بين التخصيص والتخصّص وفيما دار الامر بينهما يكون الترجيح مع

١١٢

التخصّص بيان ذلك : ان ادلة الاعتبار لو لم تشمل خبر السيد يكون خبر السيد خارجا عن العموم خروجا تخصّصيا اذ قلنا ان الخبر المشكوك فيه يشمله دليل الاعتبار وأما اذا قطع بعدم كونه مطابقا للواقع فلا يشمله الدليل ودليل الاعتبار لو لم يشمل خبر السيد يكون خبره مقطوع الخلاف مع الواقع فيكون خروجه بالتخصص وأما اذا قلنا بشمول دليل الاعتبار خبر السيد يكون خروج بقية الاخبار بالتخصيص اذ مفاد بقية الاخبار ليس اعتبار الخبر كي يقطع بعدم مطابقتها مع الواقع بل مفادها وجوب الدعاء الفلاني والغسل الكذائي والصوم الى غيرها ومع الدوران بين التخصيص والتخصّص يكون الترجيح مع الثاني.

ويرد عليه : ان تقدم التخصّص على التخصيص في مورد المعارضة بين الدليلين معارضة بالذات أو معارضة بالعرض فاذا دار الامر بين التخصيص والتخصّص يقدم التخصّص وذلك لان اصالة العموم تقتضي عدم التخصيص فنلتزم بعدمه مثلا لو وقع التعارض بين الاصلين كالتعارض الواقع بين الاصل السببي والاصل المسببي كما لو غسل الثوب النجس بالماء الذي يشك في عروض النجاسة عليه فيقع التعارض بين استصحاب طهارة الماء الذي غسل به الثوب واستصحاب نجاسة الثوب ولا يمكن الجمع بين الاصلين للتنافي الذاتي بينهما فيدور الامر بين الاستصحاب الجاري في الماء وبين الاخذ بالاستصحاب الجاري في الثوب فنقول القاعدة تقتضي أن نأخذ باستصحاب طهارة الماء فانه لو جرى الاستصحاب في الماء لا يبقى شك في نجاسة الثوب بل يحصل العلم بطهارته لحكومة الاصل السببي على الاصل المسببي ومع الاصل السببي لا مجال لجريان استصحاب النجاسة في الثوب لعدم الشك لخروج الثوب عن تحت دليل الاستصحاب

١١٣

بالتخصص وأما لو جرى الاستصحاب في الثوب لا يرفع الشك في طهارة الماء الا على القول بالاثبات فخروج الماء عن تحت دليل الاستصحاب بالتخصيص وحيث ان مقتضى اصالة العموم عدم التخصيص يكون المتعين جريان الاستصحاب في الماء والحكم بطهارة الثوب وأما في المقام فمقتضى القاعدة الالتزام بالتخصيص لان دليل الاعتبار باطلاقه يشمل خبر السيد وخبر السيد يخصص دليل الاعتبار وبعبارة اخرى لا يدور الامر بين التخصيص والتخصّص بل القاعدة تقتضي الاخذ بالمخصص اذ المخصص قرينة على المراد من العام فلا ينطبق ذلك الكلي على المقام ولقائل أن يقول لا وجه لجعل قول السيد وخبره مخصصا لان مفاد خبر السيد عدم حجية الخبر الواحد فنسبته مع دليل الاعتبار نسبة التباين لا العموم والخصوص بل قلنا سابقا ان دليل الاعتبار مخصص لمفاد خبر السيد فان مفاده عدم اعتبار الخبر الواحد على الاطلاق ومقتضى مفهوم آية النبأ اعتبار خبر العادل فبذلك المفهوم يقيد اطلاق مفاد خبر السيد فلاحظ.

الاشكال الرابع الذي ذكر للمنع عن حجية الخبر الواحد : ان الراوي تارة يروي حكما عن الامام عليه‌السلام بلا واسطة واخرى يروي مع الواسطة كالاخبار التي بايدينا. أما القسم الاول فلا يتوجه عليه الاشكال المشار اليه. وأما القسم الثاني فيرد فيه وتقريب الاشكال انه لا اشكال في أن كل حكم متأخر عن موضوعه والحكم لا يتعرض لوجود موضوعه بل لا بد من احراز الموضوع قبل تحقق الحكم وعليه نقول نفرض ان الكليني مثلا ينقل خبرا عن محمد بن مسلم ومحمد بن مسلم ينقل ذلك الخبر عن زرارة وزرارة ينقله عن

١١٤

الصادق عليه‌السلام فدليل اعتبار الخبر يشمل خبر الكليني اذ خبر الكليني محرز لنا بالوجدان وأما خبر محمد بن مسلم فليس وجدانيا بل يحرز بخبر الكليني فبملاحظة حجية خبر الكليني يحرز خبر ابن مسلم فخبر ابن مسلم متأخر عن الاعتبار فكيف يمكن أن يحكم باعتباره والحال ان رتبة الموضوع مقدمة على الحكم فدليل الاعتبار يختص بخصوص الخبر الذي ينقله الراوي عن الامام عليه‌السلام بلا واسطة.

ويرد عليه اولا : النقض بالاقرار بالاقرار وبقيام البينة على البينة وهكذا فما هو الجواب هناك يجاب به في المقام عن الاشكال.

وثانيا : نجيب بالحل وهو ان القضايا المتكفلة للاحكام الشرعية قضايا حقيقية وتنحل الى قضايا عديدة مثلا دليل اعتبار الخبر الواحد ينحل الى قضايا متعددة بعدد الاخبار فبمقتضى دليل الاعتبار الشامل لخبر الكليني المحرز بالوجدان يحرز خبر ابن مسلم وبعد احرازه يشمله دليل الاعتبار فيحرز به خبر زرارة وبعد احرازه يحرز خبر الصادق عليه‌السلام.

الاشكال الخامس ، للمنع عن اعتبار الخبر الواحد هو ان اعتبار الخبر الواحد يتوقف على احد أمرين اما كون المخبر به أثرا شرعيا واما موضوعا ذا اثر شرعي فاذا نقل الراوي عن المعصوم عليه‌السلام بأن قال مثلا قال الصادق عليه‌السلام يجب الدعاء عند رؤية الهلال نأخذ به ويكون حجة وأما اذا نقل الكليني مثلا عن محمد بن مسلم وهو عن زرارة وهو عن الامام عليه‌السلام فلا يشمله دليل الاعتبار لان خبر الكليني يثبت خبر محمد بن مسلم والحال ان خبر ابن مسلم لا اثر شرعي ولا موضوع ذو اثر شرعي فلا يشمله دليل الاعتبار.

١١٥

والجواب عن هذه الشبهة : ان القائلين بحجية الخبر الواحد بين قائل بالطريقية وبين قائل بجعل المؤدى منزلة الواقع ، أما على المسلك الاول وان المجعول في باب الامارات جعل الكاشفية والطريقية فلا يشترط فيه الشرط المذكور بل الشرط الوحيد فيه أن لا يكون جعل الكاشفية لغوا فاذا لم يكن لغوا يشمله دليل الاعتبار ومن الظاهر انه لو شمل الدليل جميع السلسلة لا يكون لغوا اذ يحرز بالطريق المذكور قول المعصوم عليه‌السلام.

وأما على المسلك الآخر فنقول لا دليل على الشرط المذكور وانما يذكر الشرط المذكور كى لا تلزم اللغوية وبعد فرض ان سلسلة الخبر تصل الى المعصوم عليه‌السلام يشمله دليل الاعتبار بلا محذور وبعبارة اخرى المانع الوحيد عن شمول دليل الاعتبار لغوية الجعل المنافية مع حكمة الحكيم فاذا فرض عدم كون الجعل لغوا يتحقق الجعل بلا اشكال.

الوجه الثاني : قوله تعالى (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)(١).

قال سيدنا الاستاد : والاستدلال بهذه الآية على المدعى يتوقف على اثبات امور :

الامر الاول : ان المراد من الآية انذار بعض النافرين بعض القوم كما هو مقتضى تقابل الجمع بالجمع كما في قوله تعالى (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) اي يغسل كل واحد منكم وجهه وفي المقام يكون المراد من الآية انذار بعض النافرين بعض القاعدين لا انذار مجموع الطائفة مجموع

__________________

(١) التوبة / ١٢٢.

١١٦

القاعدين كى يقال مثله يخرج عن تحت عنوان الخبر الواحد ويدخل في الخبر المتواتر وظاهر الآية الشريفة كما قلنا يقتضي ذلك فان مقتضى مقابلة الجمع بالجمع كذلك ويفهم من آية الوضوء ان كل واحد من المكلفين يغسل وجهه لا أن جميع المكلفين يغسلون وجوه الجميع وطبع القضية في المقام ايضا كذلك لان الطائفة النافرة بعد الرجوع من السفر يتفرقون وكل واحد منهم ينذر بعض الفرقة هذا مضمون ما افاده على ما في التقرير.

ولكن لا يبعد أن يستفاد من الآية ان الطائفة النافرة ينذرون جميع الفرقة لا بنحو التوزيع ولكن مع ذلك لا يضر بالاستدلال فان الطائفة على ما يظهر من اللغة تطلق حتى على فرد واحد قال الطريحي قدس‌سره في مجمع البحرين وعن ابن عباس الطائفة من الواحد فما فوقه وقال الراغب في مفرداته والطائفة من الناس جماعة منهم الى أن قال ، قال بعضهم قد يقع ذلك على واحد فصاعدا وعلى ذلك قوله وان طائفتان من المؤمنين ولو تنزلنا وقلنا لا تطلق على الواحد والاثنين فلا اشكال في اطلاقها على الثلاثة ومن الظاهر ان الخبر لا يخرج عن عنوان الخبر الواحد ولا يدخل في عنوان المتواتر باخبار ثلاثة اشخاص.

الامر الثاني : أن يكون المراد بالحذر التحفظ الخارجي لا مجرد الخوف النفساني وهذا الامر ثابت ايضا لان الحذر ظاهرا أخذ المأمن من العقوبة والهلكة لا مجرد الخوف النفساني.

ويرد عليه : ان كلمة لعلّ تستعمل في مورد الترديد ويكون ما بعدها محبوبا فيناسب أن يكون المراد الخوف النفساني اذ الانسان اذا خاف يقوم في مقام دفعه فلا يستفاد من الآية حجية خبر المخبر.

ان قلت : هذا المعنى لا يناسب مع ذاته المقدسة المباركة

١١٧

العالم بجميع العوالم ولا مجال للترديد والشك في ساحة قدسه.

قلت : هذه الكلمة وضعت لابراز الترديد وتستعمل بداعي ابراز الحب بالواقع بعدها غاية الامر انه تعالى وتقدس لا يكون مترددا.

الامر الثالث : أن يكون الحذر والتجنب العملي واجبا عند انذار المنذر وهذا ايضا ثابت لان كلمة (لعل) ظاهرة في كون ما بعدها غاية لما قبلها بلا فرق بين استعمالها في الاخبار والانشاء ، مثلا لو قال زيد اشتريت دارا لعلي اسكنها يفهم ان الغاية للاشتراء السكونة في الدار ولو قال المولى لعبده بلغ امري الى فلان لعله يعمل به يفهم منه الطلب لانه غاية للطلب فالطلب اذا كان وجوبيا يكون ما بعد الكلمة وجوبيا وان كان استحبابيا يكون استحبابيا والامر المستفاد من الآية بالنفر يكون واجبا فالحذر واجب فيستفاد المطلوب من الآية الشريفة.

ويرد عليه : انه لا دليل على كون المراد من الحذر التجنب الخارجي بل المراد حصول الحذر والخوف النفساني والمقصود ظاهرا انه يجب النفر ثم يجب الانذار لامكان أن يحصل الخوف النفساني في نفس المنذر بالفتح فلا يستفاد المدعى من الآية.

وقال سيدنا الاستاد في طي كلامه : انه قد اورد على الاستدلال بالآية بوجوه : الوجه الاول : ان الآية واردة لوجوب التفقه والانذار لا لوجوب الحذر فلا اطلاق في الآية من هذه الجهة وبعبارة اخرى ذكر الحذر من باب كونه من فوائد الانذار فلا يستفاد من الآية وجوب الحذر على الاطلاق بل يمكن اختصاص الحذر بصورة العلم ، يكون كلام المنذر مطابقا مع الواقع.

وأورد عليه اولا : بأن كل كلام ظاهر في كون المتكلم في مقام البيان فلا يصح أن يقال ان المتكلم ليس من هذه الجهة في مقام

١١٨

البيان. وثانيا : ان ظاهر الآية انها في مقام بيان الوظيفة لكل واحد من المكلفين لا لخصوص المنذرين الذين يحصل لهم العلم فكما ان مقتضى الاطلاق وجوب الانذار على المنذر بالكسر بلا تقيده بافادة العلم كذلك مقتضى الاطلاق وجوب الحذر على المنذرين بالفتح ولو لم يحصل لهم العلم.

وثالثا : ان ظاهر الآية ترتب الحذر على الانذار وتخصيص الحذر بخصوص صورة العلم بالواجب يوجب الغاء عنوان الانذار وموضوعيته ورابعا : ان تقييد الحذر بصورة العلم تقييد بالفرد النادر المستهجن وهو قبيح.

ويرد عليه : ان الكلام لو كان ظاهرا في التقييد من اول الامر لا مجال لان يقال انه قبيح لكونه مقيدا بالفرد النادر وبعبارة اخرى لا اطلاق كى يقيد ولا عموم كى يخصّص مضافا الى أنه لا نسلم ان حصول العلم قليل اضف الى ذلك انه يكفي حصول الاطمينان فانه حجة عقلائية فينوب عن العلم في الاثر فلاحظ.

الوجه الثاني ان الظاهر من الآية ان المنذر لا بد أن يكون فقيها وبعبارة اخرى يكون انذاره بعنوان التفقه في الدين وكونه فقيها وانذار الفقيه بعنوان الفتوى ومن الظاهر حجية فتوى المجتهد للمقلد ولا ربط بينه وبين اخبار الراوي ولا مجال لان يقال لا قول بالفصل بين قول الراوي وفتوى المجتهد من حيث الاعتبار والحجية فان القول بالفصل موجود.

وأجاب عن الايراد المذكور : بأن الفقاهة والاجتهاد في الصدر الاول لم يكن امرا صعبا بل كان الفقيه والمجتهد كثيرا في ذلك الزمان وبعبارة اخرى كان كثير من الرواة فقيها فاذا ثبت اعتبار قول الراوي الفقيه يثبت اعتبار غيره وهو الذي لا يكون فقيها بعدم

١١٩

القول بالفصل بين الموردين.

أقول يمكن الجواب عن الايراد بوجه آخر وهو : ان الفقه معناه الفهم فكل من يسمع الحكم من الامام عليه‌السلام يصدق عليه انه فهم الحكم الشرعي مثلا اذا سمع من الامام عليه‌السلام ان الدعاء واجب عند رؤية الهلال يصير عالما بوجوب الدعاء الكذائي فيصدق انه فقيه في هذا الفرع وبعبارة واضحة الفقاهة لغة عبارة عن الفهم لا الاجتهاد ولو لا هذا الجواب لا يكون ما أفاده سيدنا الاستاد مقنعا اذ لا محصل لعدم القول بالفصل.

الوجه الثالث : ان الظاهر من الآية الشريفة ان الواجب على النافرين الانذار بما تفقهوا في الدين ومع الشك في صدق الراوي وكذبه في اخباره يشك في صدق العنوان المأخوذ في الآية وبعبارة واضحة : لا بد من العلم بكون اخباره مطابقا للواقع فمع عدم العلم لا دليل على وجوب الحذر كى يتم تقريب الاستدلال.

واجاب عن هذا الاشكال : بان الاخبار عن الوجوب أو الحرمة يستلزم الانذار وأما كون الخبر مطابقا مع الواقع اولا ، فهو خارج عن مدلول الخبر.

أقول الظاهر ان الجواب المذكور لا يرتبط بالايراد فان الايراد عبارة عن كون الآية ظاهرة في أن الواجب على النافرين الانذار بما تفقهوا في الدين ومع الشك في صدقهم يشك في صدق الموضوع ومع الشك في الموضوع لا مجال للاخذ بالدليل كما هو ظاهر فالنتيجة ان الايراد المذكور وارد على الاستدلال ، اضف الى ذلك ان الآية على تقدير تمامية دلالتها على المدعى لا تدل الا في مورد صدق الانذار وأما في غيره فيحتاج الى اتمام الامر بعدم القول بالفصل وذكرنا آنفا انه لا يرجع الى محصل.

١٢٠