الجديد في تفسير القرآن المجيد - ج ٤

الشيخ محمّد السبزواري النجفي

الجديد في تفسير القرآن المجيد - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد السبزواري النجفي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التعارف للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٣

بقية قولهم لبعضهم : (أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ) تحضرونه وتقبلونه (وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ) ترون أنه بشر أو ترون أنه سحر من ساحر؟

٤ ـ (قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ) ... أي قال محمد (ص) أفوّض أمري إلى ربّي الذي يعلم القول كائنا حصوله في السماء أو في الأرض ، جهرا أو سرّا (وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) الذي يسمع أقوالهم ويعلم أحوالهم.

٥ ـ (بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ) ... أي قالوا عن الوحي إنه رؤيا مختلطة ليست بقابلة للتعبير نشأت عن النّوم وأبخرة الطعام وامتلاء المعدة (بَلِ افْتَراهُ) بل هو قول كاذب افتراه من عنده (بَلْ هُوَ شاعِرٌ) وقالوا أيضا إنه شاعر يأتي بهذا الكلام المرصوف (فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ) فليجئ بمعجزة دالّة على صدق نبوّته ودعوته (كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ) كما بعثوا بالمعاجز كعصا موسى ، ويده البيضاء ، وشفاء الأبرص والأكمة وإحياء الموتى وغير ذلك ، لنصدّقه.

٦ ـ (ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ)؟ : أي أن كلّ قرية دمّرناها وأهلكنا أهلها ، أتتها آيات منّا فلم تؤمن بها ولذلك أنزلنا عليها عذابنا. أفهم يؤمنون إذا جاءتهم آية؟ لا. فإن الاستفهام للإنكار ، فمن كان قبلهم من الأمم وأهل القرى لم يؤمنوا بآيات ربّهم فأهلكناهم مع أنهم كانوا ألين عريكة وأقلّ جحودا ، فكيف بهؤلاء من كفّار قومك المعاندين الذين هم أكثر عتوّا وطغيانا ممّن كان قبلهم.

* * *

(وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٧) وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ (٨) ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ

٤٨١

 فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (٩))

٧ ـ (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ) ... الآية إلى آخرها جواب على قولهم : هل هذا إلّا بشر مثلكم. أي لم نرسل ملائكة ، وكلّ رسلنا رجال أنزلنا عليهم الوحي بأوامرنا ونواهينا (فَسْئَلُوا) أيها الناس ، بل أيها المعاندون اسألوا (أَهْلَ الذِّكْرِ) عن ذلك (إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) لا تعرفون حقيقة الرّسل. وأهل الذكر هنا هم علماء اليهود والنصارى فإن كفّار مكة كانوا يعتقدون بأقوالهم ولذلك أرجعهم إليهم.

٨ ـ (وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ) ... أي أن الرّسل ما جعلناهم ملائكة ، بل كانوا رجالا يأكلون الطعام ، وهذه الشريفة نفي لما اعتقدوه من أن الرسالة من خواص الملائكة ، إذ كانوا يقولون : ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق؟ يعيّرونه بذلك. فالرّسل كذلك رجال يأكلون ويشربون ويحيون ويموتون كبقية الناس (وَما كانُوا خالِدِينَ) باقين في دار الدّنيا.

٩ ـ (ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ) ... أي أن عاقبة الرّسل والمؤمنين بهم ، كانت أننا وفينا لهم بما وعدناهم به ، فأنزلنا عذاب القتل والإهلاك بالكافرين بهم وبالمشركين بنا ، وأنجيناهم من القتل والعذاب وأنجينا معهم من شئنا من المؤمنين بهم وبدعوتهم (وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ) أفنينا المتجاوزين للحدّ في كفرهم وعنادهم ومعاصيهم. وهذه الكريمة كلّها تهديد لكفار قريش وتخويف لهم ولمن كان على شاكلتهم.

* * *

(لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٠)

٤٨٢

وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ (١١) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ (١٢) لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ (١٣) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (١٤) فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ (١٥))

١٠ ـ (لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ) ... الخطاب لقريش ، والكتاب هو القرآن الكريم الذي فيه ذكر عتاة قريش وجبابرتها ، فإن أكثره كان موجّها إليهم إذ كانوا المقصودين بأكثر التهديد والوعيد إلى جانب الوعد بالحسنى لمن آمن ، وإن كان ذلك يتناول الآخرين نوعا من باب إياك أعني واسمعي يا جارة. وقيل معناها أن في الكتاب ما يوجب حسن الذّكر لكم إن أنتم تمسّكتم به (أَفَلا تَعْقِلُونَ) أفلا تملكون عقولا تفكّر لتؤمنوا به؟.

١١ ـ (وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً) ... أي : كثيرا ما أهلكنا القرية التي كان أهلها يظلمون أنفسهم بالكفر. وقيل إن المقصود هنا قرية حضورا التي كانت في نواحي اليمن ، وقد أرسل الله إلى أهلها نبيّا اسمه حنظلة ليرشدهم إلى الهدى ويعلّمهم الدين ، فلم يقبلوا قوله ولم يسمعوا كلامه ، وأخيرا قتلوه عدوانا بعد أن زجروه زجرا شديدا أثناء مكالمتهم ، فغضب الله عليهم فبعث إليهم بختنصر ملك بابل ، فسلّطه عليهم فقتل رجالهم ومثّل بهم ، وسبى نساءهم وأطفالهم ، وأغار على دورهم فسلب نفائسها ، وسمع يوم وصوله مع جيشه نداء مناد من السماء يقول : يا لثارات الأنبياء ، هلمّوا وانتقموا من أعداء دين الله وقتلتهم ، فهجموا عليهم وقتلوهم وفعلوا الأفاعيل. وقد أخبر سبحانه نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله بقصتهم كي يعتبر قومه بذلك ويخافوا ربّهم. فقد قال

٤٨٣

سبحانه : (وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ) : ضربناها ضربة قاطعة جعلت أهلها أشلاء (وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ) عاشوا مكانهم وفي بيوتهم وأرضهم.

١٢ و ١٣ ـ (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ) ... أي لمّا شعروا بقرب نزول عذابنا عليهم ، وأدركوا أنه قد أحاط بختنصّر وجيشه بهم ، أخذوا يفرّون ويهربون مسرعين خوفا من بطشه وجبروته ، فكأنّ قائلا كان يقول لهم تهكّما واستهزاء : (لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا) لا تهربوا مسرعين ، وعودوا (إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ) إلى النّعم التي كنتم تتلذّذون بها وتتقلّبون في رغدها (لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ) عن أعمالكم أو سيئاتكم الناس شيئا من دنياكم. هذا على قراءة المجهول (تُسْئَلُونَ) وأما على قراءة المعلوم (تُسْئَلُونَ) فالمعنى : لكي تسألوا العفو ممّن أحاط بكم فقد يرجع عن شيء مما قرّره من قتلكم وتخريب دياركم. والعبارة وقعت في موقع السخرية منهم وفي موقع الاستهزاء وعلى وجه الهتك لحالهم التي كانوا عليها. فأدركوا أن الأمر قد قضي وأن البلاء قد نزل ، فعندئذ :

١٤ ـ (قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) : أي نادوا بالويل والثبور واعترفوا بأنهم كانوا ظالمين لنبيّهم الذي قتلوه ، ولأنفسهم بفعلهم الشنيع وبكفرهم وعنادهم ، أي بتكذيب النبيّين وقتل المرسلين.

١٥ ـ (فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ) ... أي ما داموا يردّدون تلك الدعوى من الويل والتحسّر (حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً) إلى أن سوّيناهم كالزرع المحصود الملقى على الأرض (خامِدِينَ) موتى مطفئين كما تطفأ النار ، لا يتحركون ولا يلفظون نفسا.

* * *

(وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (١٦) لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً

٤٨٤

لاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ (١٧) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (١٨) وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (١٩) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ (٢٠))

١٦ و ١٧ ـ (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ) ... وجه تعلّق هذه الشريفة بما قبلها أنه لمّا بيّن قدرته وأظهر بطشه بالعصاة وإهلاكهم وإفنائهم لأنهم كذّبوا رسله وقتلوا أنبياءه بغير حق ، نبّه في هذه الآية إلى أن فعلنا معهم هذا الفعل كان عن استحقاقهم له ، وأنه عدل منّا ومجازاة على العمل القبيح بما يستحقه ، ولم يصدر إهلاكنا لهم عن غير مصلحة ولا بدون رويّة ، كما أن سائر أعمالنا كذلك تصدر عنّا لمصالح مخفيّة ، على العباد كخلقنا للسماء والأرض ، وكخلق ما بينهما من أفلاك وشموس وأهوية وغيرها ممّا لم يكن لهوا ولغوا ، وما كنّا (لاعِبِينَ) في إيجادهما وإيجاد ما فيهما من مخلوقات ، وما كانت أعمالنا إلا بالحقّ ووفق الحكمة والغاية السامية التي ترمي إلى تذكرة الناس وموعظة ذوي الاعتبار وتسبيبا لما تستقيم به أمورهم في المعاش والمعاد ، وليس ذلك من اللهو بل له غاية سامية لا تحيط بها العقول المحدودة القاصرة ، إذ (لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا) فلو شئنا أن نلهو بشيء أو نلتذّ بآخر ممّا يلهي الإنسان كالزوجة والولد وغيرهما لفعلنا ذلك وجعلناه ممّا هو عندنا في السماء دون أن نأخذه من الأرض. وسبب نزول هذه الشريفة أن طائفة من النصارى قالوا إن مريم عليها‌السلام هي صاحبة الله ، وأن المسيح ابنه ـ والعياذ بالله من ذلك ـ فردّت قولهم السخيف. فاللهو بلغة اليمن هو اللعب مع المرأة ، وهي الملهو بها ، ولذلك قال سبحانه : لو شئنا أن نتّخذ

٤٨٥

شيئا من هذا اللهو الذي يزعمونه ، لجعلناه من مخلوقاتنا الروحانية في السماء دون المخلوقات الجسمانية في الأرض (إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ) في حال فعلنا ذلك. وجواب الشرط هنا معلوم من جواب الشرط المتقدّم ، أي : إن كنّا فاعلين ذلك ، لفعلناه من عندنا من الملائكة. وقيل إنّ (أَنْ) هنا ، نافية. أي : ما كنّا فاعلين ذلك العمل أبدا.

١٨ ـ (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ) ... أي نرمي الباطل بالحقّ ونضربه به فيذهبه. ومن الباطل الذي يعارض الحقّ اللهو واللّعب ، فكيف نأتي بذلك ونحن ندعو المخلوقات لما هو حقّ ونمحق الباطل به فيغلبه (فَإِذا هُوَ زاهِقٌ) مضمحلّ معدوم قد انمحى وجوده (وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) والويل كلمة تهديد بالعذاب بل قيل هي واد في جهنّم شديدة العذاب ، والخطاب للكفّار ، وهو يعني أن لكم العذاب الشديد من وصف الله تعالى بما لا يجوز نسبته إليه. ولا يخفى أن هذه الآية الكريمة إضراب عن اتّخاذ اللهو واللّعب من قبل البارئ عزوجل وتنزيه لذاته المقدّسة عنهما.

١٩ و ٢٠ ـ (وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ... أي أنه سبحانه كيف يكون كما وصفتم وهو يملك جميع ما في السماوات وجميع ما في الأرض ، ولا يحتاج إلى ما أوجده من العدم بقدرته ولا إلى ما برأه كما يشاء من خليقته ، بل قام بذاته غنيّا عن مخلوقاته لا يلهو ولا يسهو ، يقدّسه من في السماوات ومن في الأرض (وَمَنْ عِنْدَهُ) من الملائكة العظام الشّداد الذين يحملون العرش ويستقلّون السماوات والأرض (لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ) بل يخضعون لعظمته ويسبّحون بحمده ويقدّسون له (وَلا يَسْتَحْسِرُونَ) أي لا يغترون ولا يملّون من تسبيحه وتنزيهه لأن تسبيحه عندهم بمنزلة الغذاء والطعام والشراب يلتذّون به ولا يملّون الإتيان به ، والمراد بالذين عنده الملائكة. وفي الإكمال عن الصادقعليه‌السلام : ما من حيّ إلّا وهو ينام ، ما خلا الله وحده ، والملائكة ينامون. فقيل له : يقول اللهعزوجل :

٤٨٦

(يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ)؟ قال : أنفاسهم تسبيح ... و (لا يَفْتُرُونَ) يعني لا يتعبون ولا يصيبهم فتور لأن التسبيح لهم كالنّفس لنا لا يشغلهم عنه شاغل ولا يعيون منه أبدا.

* * *

(أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (٢١) لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٢٢) لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ (٢٣) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٤) وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥))

٢١ ـ (أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ)؟ : أي : ما بالهم ضلّوا عن الحقّ والصواب فجعلوا لأنفسهم معبودات من الأحجار والأخشاب وممّا يتكوّن في باطن الأرض من الفلزّات. فعل هذه المعبودات التي اتخذوها عندها قدرة الإحياء والموت وبعث الأجساد بعد الموت للنشور فهم ينشرونها ويحاسبونها على الطاعات والمعاصي؟ فإن ذلك من لوازم الألوهيّة التي لا بد لها من مثل هذه القدرة. والآية الشريفة في مقام التهكّم كما لا يخفى وفي مقام التّنبيه إلى كون الأصنام التي اتّخذوها ليست آلهة بل هي منحوتات عاجزة لا تقدر على شيء ولا تسمع ولا تعقل لأنها جمادات وحال الجمادات معلوم.

٢٢ ـ (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) ... أي : لو كان في السماوات

٤٨٧

والأرض آلهة غير الله تتمكّن من التصرف لفسدت السماوات والأرض ، وهذا دليل آخر على امتناع الشركة. بيان ذلك أن مفاد الآية هو الذي بنى عليه المتكلمون مسألة التوحيد بتقرير أنه لو كان مع الله سبحانه إله آخر لكانا قديمين والقدم من أخص الصفات والاشتراك فيه يوجب التماثل ، فيجب أن يكونا قادرين عالمين حيّين. ومن شأن كل قادرين أن يصح كون أحدهما مريدا لضدّ ما يريده الآخر من إماتة أو إحياء ، أو تحريك أو تسكين ، أو إفقار أو إغناء ونحو ذلك. فإذا فرضنا ذلك فلا يخلو إمّا أن يحصل مرادهما فينتقض كونهما قادرين ، وإما أن يقع مراد أحدهما ولا يقع مراد الآخر بعينه فينتقض كون من لم يقع مراده من غير وجه منع معقول قادرا. فإذا ، لا يجوز أن يكون الإله إلّا واحدا.

فإن قيل : إنهما لا يتمانعان لأن ما يريده أحدهما يكون عن حكمة ومصلحة فيريده الآخر بعينه فلا تمانع بينهما ، فالجواب أن كلامنا في صحة التمانع وعدمه لا في وقوعه وصحته ، فيكفي في الدلالة لأن يدل على أنه لا بد من أن يكون أحدهما متناهي المقدور ، فلا يجوز أن يكون إلها. فلو كان فيهما آلهة إلّا الله لفسدتا سواء توافقا أم تخالفا. أما الثاني فظاهر ، وأما الأول فلأن تأثير كلّ منهم يمنع تأثير الآخر فيه مرة أخرى لاستحالته (فَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) أي تنزّه ربّ العرش العظيم الحاوي لأجزاء جميع الكائنات ، المحيط بجميع الموجودات ، الذي هو مصدر التدابير ومنشأ المقادير ، تنزّه وتعالى عمّا يصفونه به من اتّخاذ الشريك والصاحبة والولد.

٢٣ ـ (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) : أي لا يسأله أحد عن فعل يفعله لأنه لا يفعل إلّا عين الحكمة ، بل العباد يسألون عن أفعالهم لأنهم يصيبون ويخطئون.

٢٤ ـ (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) ... كرّر هذا القول استفظاعا لأمرهم وإظهارا لجهلهم (قُلْ) لهم يا محمد : (هاتُوا بُرْهانَكُمْ) أعطوا دليلكم على

٤٨٨

صدق ألوهيّة ما ألّهتموه ، وعلى صحة ما تقولون من أن مع الله آلهة أخرى ، فإنه لا يصح القول بما لا دليل عليه ولا حجة. أما دليلي أنا ، وبرهاني على أنه ليس مع الله إله ، ف (هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ) أي هذا القرآن الذي فيه عظة أمّتي وفيه كل ما تحتاج إليه في معاشها ومعادها فإنه يدل على أنه منزل من لدن واحد أحد ، لأن فيه ذكر أمّتي (وَ) فيه (ذِكْرُ مَنْ قَبْلِي) أي أخبار كتب سائر الأمم السابقة ، وليس فيه ولا فيها أن مع الله إلها آخر ، بل فيها جميعها ما ينفي ذلك ويدحضه ، ولو كان في الألوهية شريك لأتت رسله وتوالت كتبه ، فما من شريك له جلّ وتعالى (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَ) لا يعرفونه ويجهلون الحق فلا يميّزون بينه وبين الباطل. والحقّ هنا توحيد الله ، والباطل هو الشّرك والعياذ بالله منه (فَهُمْ مُعْرِضُونَ) منصرفون عن الحق كلّه من التوحيد ومن كتاب الله والرسول وغير ذلك.

٢٥ ـ (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ) ... أي ما من رسول أرسلنا من قبلك (إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) ننزل عليه الوحي بالتوحيد والدعوة إليه ، وبعبادتي دون شرك.

* * *

(وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ (٢٦) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (٢٧) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (٢٨) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٢٩))

٢٦ و ٢٧ ـ (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً) ... أولاء هم : قبيلة خزاعة الذين قالوا : إن الملائكة بنات الله ، واليهود الذين قالوا : عزير ابن الله ،

٤٨٩

والنصارى الذي قالوا : المسيح ابن الله. قالوا هذا القول الباطل بالنسبة لذاته (سُبْحانَهُ) تنزيها له عن ذلك ، فليس هؤلاء أولاده (بَلْ عِبادٌ) يقرّون له بالرّبوبية ويخضعون له بالعبودية وهم (مُكْرَمُونَ) أهل كرامة بين عبادة الصالحين الذين ارتضى عملهم وشرّفهم بكونهم من صالحي عباده. فنقول لمن زعموهم أولادي : ليسوا بأولاد لي ، بل عباد سدّدتهم وأيّدتهم وأكرمتهم بصدق عبوديتهم لي. وقيل إن قوله : (عِبادٌ مُكْرَمُونَ) ، تعني الملائكة فقط ، ففي الخرائج عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، أنه اختصم رجل وامرأة إليه فعلا صوت الرجل على المرأة ، فقال له عليه‌السلام : اخسأ ، وكان خارجيّا ، فإذا رأسه رأس كلب. فقال له رجل : يا أمير المؤمنين صحت بهذا الخارجي فصار رأسه رأس كلب ، فما يمنعك عن معاوية؟ فقال : ويحك ، لو أشاء أن آتي بمعاوية إلى هنا بسريره لدعوت الله حتى فعل. ولكنّ لله خزّانا لا على ذهب ولا على فضة ، ولكن على الأسرار! فظاهر كلامه عليه‌السلام يدل على خزّان من الملائكة موكّلين بأسرار الله سبحانه ، وهو تعالى أعلم بما قال.

٢٨ ـ (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) ... أي أنه سبحانه يدري ما عمل عباده الذين مرّ ذكرهم في الآية السابقة وما هم عاملون قبل وقوعه أي الذي مضى من عملهم والذي هو آت (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) ولا يطلبون الشفاعة ويدخلون في التوسط للعفو إلّا عمّن ارتضى الله دينه ولا تنال شفاعتهم كافرا ولا مشركا (وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ) من مهابة الله تعالى وعظمته (مُشْفِقُونَ) خائفون ووجلون مرتعدون.

٢٩ ـ (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ) ... أي : ومن يدّع الألوهيّة من المخلوقين ، وذلك أعمّ من الملائكة وغيرهم ، ويقل أنا ربّ من دون الله تبارك وتعالى (فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ) فإن جهنّم وعذابها يكونان جزاء قوله هذا (كَذلِكَ) بمثل ذلك الجزاء الأليم (نَجْزِي الظَّالِمِينَ) نعاقبهم.

* * *

٤٩٠

(أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (٣٠) وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٣١) وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ (٣٢) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٣٣))

٣٠ ـ (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) ... ألم ينظر الكافرون إلى خلق السماوات والأرض وأنهما (كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما) فعن الباقر عليه‌السلام أنه سئل عن هذه الآية فقال : فلعلّك تزعم أنهما كانتا رتقا ملتزقتان ملتصقتان ففتقت إحداهما عن الأخرى؟ فقال السائل : نعم. فقال عليه‌السلام : استغفر ربّك ، فإن قول الله عزوجل : كانتا رتقا ، يقول : كانت السماء رتقا لا تنزل المطر ، وكانت الأرض رتقا لا تنبت الحب. فلما خلق الله الخلق وبث فيها من كل دابّة ، نتق السماء بالمطر والأرض بنبات الحب. فقال السائل : أشهد أنك من ولد الأنبياء وأن عندك علمهم (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ) أي جعلنا حياة كلّ حيوان من الماء لأنّه مخلوق منه ، أي من النّطفة التي هي ماء ، ومنه قوله تعالى : (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ) ، لأن الماء أعظم موادّها ، ولفرط احتياجه إليه وانتفاعه به ، وقاعدة السنخيّة تقتضي أن يلازم بعض الحيوان الماء ، كالسمك مثلا ، فإنه يتكوّن فيه وينمو ويكبر ويعيش فيه ، فإذا خرج منه وفارقه مات لأن حياته منوطة بأن يكون فيه. وكذلك كل ذي حياة فإنه حياته تقوم بواسطة الماء لأنه لا يستغنى عنه بحال من الأحوال ، ولو انقطع عنه نهائيّا مات. وقيل معناه : وجعلنا الماء حياة كلّ ذي روح ونماء

٤٩١

وكلّ نام ، فيدخل فيه الحيوان والنبات. وقد سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن طعم الماء ، فقال : سل تفقّها ولا تسأل تعنّتا. الماء طعم الحياة. قال الله سبحانه : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ ..) الآية. ويستفاد من قوله : سل تفقها ولا تسأل تعنتا أن السائل كان من الملاحدة أو من الذين في قلوبهم مرض (أَفَلا يُؤْمِنُونَ) ألا يصدقون بعد رؤية الآيات المذكورة الدالة على وجود الصانع الحكيم ، وبعد أن لزمتهم الحجة؟ ولم يكتف سبحانه بذكر الآيات المزبورة من خلق السماوات والأرضين على الشكل الذي حكاه ، ومن جعل هذه الخاصيّة العظيمة للماء ، بل عرض لآيات أخرى عظيمة فقال عزّ من قائل :

٣١ ـ (وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ) ... أي خلقنا في الأرض الجبال الراسية الثابتة ، حتى لا تميد الأرض : تضطرب بالناس وتهتزّ وتتحرك بأهلها ، وكيلا تميل بهم فلا تستقر ، وهو كقوله سبحانه : (وَالْجِبالَ أَوْتاداً)(وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلاً) أي في الأرض جعلنا طرقا في سهولها وجبالها ووديانها ، وجعلنا الطّرق واسعة (فِجاجاً) مما يدل ضمنا على أن الطرق في بدء خلقتها كانت على صفة الاتّساع ولو لا ذلك لما أمكن الناس أن يهتدوا إلى مقاصدهم في أسفارهم ، ولضلّوا عن أوطانهم وطرق بلادهم ، ففوائد السعة في الطرق كثيرة قد عبّر عنها جلّ وعلا ب (لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) أي ليهتدوا إلى مقاصدهم ويستدلوا على مصالحهم.

٣٢ ـ (وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً) ... بعد أن تكلم عن الأرض وما جعل فيها ، تكلّم عن أنه جعل السماء كالسقف للكائنات بمجموعها ، وجعله محفوظا عن الوقوع بقدرته الكاملة ، أو عن الشياطين يحفظها بالشهب حتى لا يسترقوا السمع (وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ) أي والناس غير ملتفتين إلى ما فيها من آيات ودلالات ، منصرفون عن التفكّر في كيفياتها وأحوالها الدالة على كمال عظمة الصانع ووجوده وتمام قدرته.

٣٣ ـ (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) ... أي أنه تعالى هو خالق الليل

٤٩٢

والنهار ، والشمس والقمر. وقد فصّلنا كيفية تعاقب الليل والنهار سابقا ونكتفي به (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) أي الليل والنهار والشمس والقمر يسبحون في هذا الفضاء الواسع الشاسع ويسيرون كما يسير السابح في الماء. وقد قال : يسبحون ، وأنزلهم منزلة العقلاء تشبيها بهم ، وهو كقوله : (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ). وذلك لأن حركتهم جميعا تقع بدقة يعجز عنها العقلاء. والفلك لغة : مجرى النجوم ومدارها ، وقد عبّر بالسباحة هنا على وجه جريانها جميعا في الفلك كالسابح الذي يجري على سطح الماء أو فيه ، وقد شبّه الهواء الذي يحملها هنا بالماء الذي يحمل السابح فيه ، ولو لاحظنا بدقة نرى أن الأبعاد الشاسعة في الأفق التي نراها بالعين المجرّدة أو بواسطة الآلات والمراصد ترى كالماء ، فكأن النجوم والكواكب وجميع ما في هذا الفلك الواسع أجرام سابحة فيه ، وكأنه هو بحر لجّيّ يشبه السراب الذي يتألف من الأبخرة الأرضية عند اشتداد الحرارة فيبدو كالماء الجاري أو الساكن المتماوج. وفي الخبر ما مضمونه : خلق الله سبحانه بين السماء والأرض بحرا بقدرته الكاملة ، لا يعلم طوله وعرضه أحد إلّا هو ، وجعل مجاري الكواكب السيارة ومراسيها كلّها فيه ، فهي تجري كما يجري السابح في البحار والأنهار إلخ ... ولا يبعد أن يكون هذا البحر من الماء أو من الهواء أو مما لا نعلمه ، قد جعله الله تعالت قدرته لهذه الغاية ، فالتعبير عن سباحة الليل والنهار والشمس والقمر في ذلك الفلك الهائل في محلّها ، بل هي من أبلغ التصوير وأعظم التدبير لقوم يتفكّرون.

* * *

(وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ (٣٤) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ (٣٥)

٤٩٣

وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ (٣٦))

٣٤ ـ (وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ) ... نزلت هذه الآية الشريفة حين قال الكفّار : نتربّص به ريب المنون. ومعناها أننا لم نخلق قبلك بشرا خالدا يعيش إلى الأبد ولا يموت. ولماذا ينتظرون نزول الموت بك؟ (أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ) الهمزة للاستنكار ، يعني هل إذا متّ أنت يكونون خالدين من بعدك؟ ومن قال لهم أنهم لا يموتون قبلك وأنهم باقون في الدنيا ما دامت الدنيا باقية؟ ليس الأمر كذلك ، بل :

٣٥ ـ (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) ... أي كل من قدم من باب مدينة العدم إلى ساحة عالم الوجود ، فلا بد له أن يشرب شربته من كأس الفناء ، ولا يلبس لباس البقاء إلّا بعد أن يذوق سكرات الموت وتنزع روحه في دار الدنيا. فكلّ حيّ ميت في أجله (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) أي نختبركم بالمنح والمحن ابتلاء لكم. ولفظة الفتنة هنا منصوبة على المصدر لنبلوكم وإن كانت من غير لفظه ، فالدنيا دار اختبار لكم ، مرة بما نعطيكم ومرة بما نأخذ منكم (وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ) تعودون للثواب والنعيم ، أو للجزاء والانتقام والعذاب الأليم. وفي المجمع عن الصادق أن أمير المؤمنين عليه‌السلام مرض ، فعاده إخوانه فقالوا : كيف تجدك يا أمير المؤمنين؟ قال : بشرّ. قالوا : ما هذا كلام مثلك. قال : إن الله تعالى يقول : ونبلوكم بالشرّ والخير فتنة. فالخير الصحة والغنى ، والشرّ المرض والفقر.

٣٦ ـ (وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً) ... أي حين يشاهدك الكافرون لا يخاطبونك ولا يذكرونك فيما بينهم إلّا بالهزء والسخرية ، ويقولون لأنفسهم ولبعضهم : (أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ؟)

٤٩٤

يذكرها بسوء ويعيب عبادتها وتأليهها (وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ) يقولون ذلك في حال أنهم هم كافرون بالرّحمان ، وهم أولى بأن يستهزأ بهم ويسخر منهم لأنهم مؤمنون بالأحجار كافرون بالرّحمان. ويمكن أن يكون قد استعمل هذا الاسم الشريف هنا بالخصوص ، لأنه لما قيل لهم : كيف تكفرون بالرّحمان؟ قالوا : وما الرّحمان استهزاء به جلّ وعلا ، وهو راحم العباد من مؤمنين ومن أهل العناد.

وخلاصة المعنى أن الكفار لمّا جحدوا المعبود المنعم القادر العالم بجميع الممكنات الذي خلق جميع الكائنات ورزقها كلّها ما يقيم أودها ، لما فعلوا ذلك وعبدوا ما لا ينفع ولا يضر ، ولا يعقل ولا يشعر ، فإنهم هم الذين يستحقّون الهزء والسخرية ، لا أهل الحق والحقيقة. وهذه الآية والآيتان اللتان سبقتاها تسلية من الله تعالى لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله عمّا كان يرد على قلبه الشريف من أذى الكفرة ومن أقوالهم البذيئة وأفعالهم الشنيعة. ولا يخفى أن تكرار الضمير : هم ، جاء في آخر الآية الشريفة للتأكيد والاهتمام بإثبات كفرهم حتى يترتّب على هذا كمال استحقاقهم للذم والهزء.

* * *

(خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ (٣٧) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٨) لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٣٩) بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٤٠) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٤١))

٤٩٥

٣٧ ـ (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ) ... روي عن عطاء أن نصر بن الحارث كان يستعجل من النبيّ العذاب استهزاء ، فأراد سبحانه أن ينهاه ويزجره عن استعجاله العذاب لطفا منه بعباده حيث يؤخر عذابهم لعلهم يتوبون ويرجعون إليه تعالى.

فعلى سبيل التوطئة ذمّ الله عزوجل الناس على فرط عجلتهم بهذه الآية الكريمة التي هي في أعلى مراتب الفصاحة حيث أدّت معنى راقيا يحمل مبالغة فوق ما يمكن أن يتصوّره البشر في مثل المقام يعني إفراط الإنسان في الاستعجال وقلة تأنّيه في الأمور يبلغ به مرتبة تجعله كأنه خلق من العجل وطبع عليه وأشر به في قلبه لفرط استعجاله وقلة ثباته في المطالب ، وهذا كقولك : خلق زيد من الجود والكرم. ومن جملة عجلة البشر مبادرتهم ومسارعتهم إلى الكفر والإنكار ، واستعجالهم الوعيد ، ولكن مع استفادة هذا المعنى السامي من مفهوم الآية الكريمة ، نراها تحمل الذمّ الكثير.

ولا يخفى أن استعجالنا في أمورنا هو من تراثنا الموروث عن أبينا آدم على نبيّنا وآله وعليه الصلاة والسلام. ففي القمي أنه لما أجرى الله تعالى الروح في آدم من قدميه فبلغت ركبتيه أراد أن يقوم فلم يقدر ، فقال الله عزوجل : (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ .. سَأُرِيكُمْ آياتِي) أي سأجعلكم أيّها البشر تنظرون إلى آياتي الدالّة على وحدانيّتي وعلى صدق محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فيما يعدكم به من العذاب الذي هو القتل في الدنيا يوم بدر والعذاب في الآخرة (فَلا تَسْتَعْجِلُونِ) فلا تطلبوا مني تعجيل نقماتي بهذه الكيفية من الطلب ولا تقولوا كلّما رأيتم النبيّ أو أحد المؤمنين به : متى يكون حلول الوعد بالعذاب.

٣٨ ـ (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) : أي يسألون عنه على وجه الاستبعاد والإنكار ، ويقولون : في أي وقت يجيء العذاب الموعود (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) فيما تقولون؟ والخطاب موجه إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه ، ولكنّ الجواب أتاهم من الله العزيز الجبّار الذي قال :

٤٩٦

٣٩ ـ (لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ) ... أي : لو أن الكفار يعلمون الوقت الذي لا يستطيعون أن يدفعوا فيه النار عن وجوههم حين تلفحها بلهيبها (وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ) حين تحرقها ، لأنها تحيط بهم من كل الجهات فلا يقدرون على ردّها (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) يعانون على دفعها إذ لا ناصر لهم ولا شافع بهم. وجواب : لو محذوف ، تقديره : لو يعلمون ذلك لعرفوا صدق ما وعدوا به ولما استعجلوا ذلك ولما قالوا قولهم.

٤٠ ـ (بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ) ... أي أن النار تأتيهم بعذابها الموعود فجأة فتوقعهم في البهت والحيرة فتصير حالهم كحال السكران في بعض حالات خبله فيكونون كالسكارى وما هم بسكارى ولكنّ عذاب الله شديد (فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها) فيعجزون عن دفعها في تلك الحالة من هيجانها وتغيّظها (وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) فلا يمهلون ساعتئذ كما أمهلناهم في دار الدنيا بأمل أن يتوبوا ويرجعوا عمّا هم فيه من الكفر ، ففي هذا الوقت تمّت حجتنا عليهم فلا منجاة لهم ممّا يقعون فيه.

ثم إنه تعالى يأخذ في تسلية نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله فيقول :

٤١ ـ (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ) ... فهو تبارك وتعالى يخبره صلى‌الله‌عليه‌وآله بأحوال الأمم السابقة وبما كان منهم مع أنبيائهم الكرام حيث سخروا منهم واستهزءوا بهم وآذوهم وفعلوا بهم مثل ما يفعل بك قومك ، فلا يزعجنّك ذلك لأن كفرة الأمم أهانوا رسلهم (فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) أحاط بهم جزاء استهزائهم بأقوالهم وأفعالهم ، وسنجزي قومك الذين يسخرون بمثل ما جزينا به المستهزئين السابقين بأنبيائهم ونفعل بهؤلاء كما فعلنا بأولئك من العذاب والانتقام.

* * *

(قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ

٤٩٧

بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (٤٢) أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ (٤٣) بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أَفَهُمُ الْغالِبُونَ (٤٤) قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا ما يُنْذَرُونَ (٤٥) وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٤٦) وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ (٤٧))

٤٢ ـ (قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ) ... أي : يا محمد اسألهم من الحافظ لهم ليلا ونهارا والرادّ عنكم حوادثهما وطوارقهما التي تنزل من السماء أو تخرج من الأرض ويكون منشأها (مِنَ الرَّحْمنِ)؟ أي تجيء عن أمره ومن عنده. والاستفهام إنكاريّ يعني أنه لا حافظ ولا كالئ من بأسه جلّت قدرته إن أراد البأس ، ولا مانع ولا دافع لحوادثه إلّا هو وإلّا رحمته العامة الشاملة. وفي لفظ : الرّحمان إشارة إلى هذا اللّطف منه سبحانه بالعباد ، وإمهال للفسقة والكفرة (بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ) هذا إضراب عن الأمر بسؤالهم إذ لا فائدة من سؤالهم. وهو يعني أنهم من فرط جحودهم وعنادهم لا يخطر الله ببالهم فكيف يخافون عقابه أو يتذكّرون أنه الحافظ لهم والكالئ؟ .. ثم إنه تعالى يقول لهم على سبيل التوبيخ والتقريع :

٤٩٨

٤٣ ـ (أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا) ... أي هل لهم أرباب غيرنا تقدر أن تمنع العذاب عنهم وتحول بيننا وبينهم؟ وهو استفهام للإنكار ، يعني أنهم ليس لهم إله غيرنا يقدر على رفع العذاب عنهم. ثم لو كان لهم أرباب مصطنعة من الأحجار وغيرها فان أربابهم المزيّفة (لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ) لا يقدرون أن يدفعوا عن ذواتهم. والذي لا يقدر أن يدفع الشرّ عن نفسه ، كيف يقدر أن يدفعه عن غيره؟ فلا هم يستطيعون ذلك (وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ) أي ليسوا مصحوبين بنصرتنا ولا هي معدّة ومرافقة لهم. وروي عن ذي النون المصري أنه قال : خرجت في ليلة من الليالي المقمرة أمشي على ساحل بحر النيل متنزّها ومتفرجا ، فرأيت عقربا يمشي بكمال السرعة بحيث عجزت أنا عن إدراكه. فقلت في نفسي : لا بد أن يكون هذا المشي بهذه الكيفية عن سرّ فيه وحكمة. فمشيت على أثره حتى وصل إلى الماء ، فخرجت وزغة من الماء فركبها وعبرت به الماء إلى طرفه الآخر. فقلت : سبحان الله الذي سخّر الوزغة وجعلها سفينة للعقرب يعبر بواسطتها ماء النهر. وبحثت عن معبر لي إلى الضفة الأخرى لألاحظ عاقبة الأمر ، فوجدته وقطعت النهر فرأيت العقرب قد نزل إلى البر وأسرع في المشي فلحقت به فإذا أنا بشابّ سكران مستلق على قفاه وعلى صدره حية سوداء تريد أن تدخل فاه ، فجاء العقرب إليها ولسعها في رأسها فماتت للحال ، ثم رجع العقرب من حيث أتى ، فوقفت متعجبا من هذه القصة وكنت ألى جانب الشاب فقرأت هذين البيتين :

يا نائما والخليل يحرسه

من كلّ سوء يدبّ في الظّلم

كيف تنام العيون عن ملك

يأتيك منه فوائد النّسم

ففتح الشابّ عينيه وأفاق من سكره ونومه ، فقلت له ما وقع ، فبكى بكاء شديدا وتاب عن عمله الباطل .. فالحافظ في الليل والنهار ، والحارس والناصر والمعين في كل الأحوال والأزمان هو الله تعالى ربّنا وربّ كل شيء.

٤٩٩

٤٤ ـ (بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ) ... أي أننا أمهلنا هؤلاء القوم الّذين كذّبوا برسلهم ، وكذلك أمهلنا من كذّبك من قومك ولم ننزل عليهم العذاب حتى طال عليهم العمر وظنّوا أنهم ناجين من العذاب لأنه لم يقع بهم في دار الدنيا ، أو أننا أمهلنا الذين آمنوا ليذوقوا متع العيش والحياة ، وأمهلنا الكافرين ليتوبوا فما فعلوا وغرّهم طول عمرهم (أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها) نأتي الأرض : نقصدها بإرادتنا ، وهي أرض الشّرك ، أو الأمم بحسب الظاهر ، وننقصها : بتخريبها وموت أهلها ، وروي : بموت علمائها. ويمكن أن يكون انتقاصها بفتحها على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بدليل قوله تعالى في تتمّتها : (أَفَهُمُ الْغالِبُونَ؟) فإنه سبحانه ينكر غلبتهم ، فليسوا هم الغالبين بل نحن الغالبون والغلبة والفتح بيدنا ومن عندنا.

٤٥ ـ (قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ) ... قل يا محمد لهؤلاء الكفرة المعاندين : إنني إنما أنذركم وأخوّفكم بما نزل عليّ من ربّي وحيا من عنده وليس التهديد والوعيد من عندي ، فمن شاء فليقنع ومن شاء فليرفض (وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا ما يُنْذَرُونَ) ولكنّ إنذارهم عبث لأنهم كفرة أصمّوا آذانهم عن دعائك لهم ، ولا يسمع الإنذار من كان به صمم : أي ثقل في السمع يمنعه بتاتا من سماع ما تدعوه إليه.

٤٦ ـ (وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ) ... أي إذا لامستهم وأصابتهم رائحة من العذاب الذي أعدّه لهم ربّك أو لفحة خفيفة للغاية (لَيَقُولُنَّ : يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) فمن المؤكّد أن هؤلاء الكفرة الجحدة يتلهّفون على ما فرط منهم وينادون بالويل والحرب مما يقع بهم ويعترفون بأنهم كانوا ظالمين لك ولأنفسهم.

٤٧ ـ (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ) ... أي أننا يوم القيامة نزن الأعمال بموازين العدل. ويلفت النظر أنّ توصيف الموازين ليومئذ ب (الْقِسْطَ) الذي هو مصدر ، وحمله على الذات لا يجوز للمبالغة ، فكأنّ

٥٠٠