الجديد في تفسير القرآن المجيد - ج ٤

الشيخ محمّد السبزواري النجفي

الجديد في تفسير القرآن المجيد - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد السبزواري النجفي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التعارف للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٣

٥١ ـ (قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى؟ :) أي ما حال الأمم السابقة من حيث الشقاوة والسعادة ، أو ما حال رجال دينهم مع ملوكهم ، وكيف كانت مصائرهم؟

٥٢ ـ (قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ) ... أجاب موسى عليه‌السلام أنه لا شأن لنا بمن مضى من الأمم ولم نكن في تلك الأعصار حتى نعلم ما جرى عليهم ، وأمرهم وعلمهم عند ربّي عزوجل ، وقد سجّل عليهم كلّ ما عملوه في كتاب إذ (لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى) فالأشياء المثبتة في ذلك الكتاب كلّها نصب عين ربّي عزوجل وهي لا تذهب عن علمه ولا ينساها. والضلال أن يخطئ عن الشيء فلم يعرف مكانه فلا يهتدي إليه ، في حين أن النسيان يكون ذهاب ذكر الشيء بحيث لا يخطر في البال. فربّي عزوجل لا يغيب علمه عن شيء ولا يذهب من علمه شيء.

ثم عاد موسى عليه‌السلام إلى ما كان فيه من بيان وبرهان يتحدّث عن عظمة الله تعالى :

٥٣ ـ (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً) ... أي فراشا تقيمون عليه وتقضون حياتكم الدنيا (وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً) جعل لكم فيها طرقا تمشون عليها وتهتدون إلى ما تطلبون (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) أمطركم بالماء من السماء (فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى) فكان من أثر الماء أن خرج نبات الأرض بقدرة الله تبارك وتعالى على اختلاف أشكاله وألوانه وأنواعه ، لأنه جعل من الماء كل شيء حيّ. وشتّى : جمع شتيت ، كمريض ومرضى ، فالنباتات التي تخرج بعد إنزال الماء على الأرض : وباتّحاد البذرة مع التراب والماء والهواء ، إن هذه النباتات المتفرقات في الألوان والطعوم والمنافع ، وهذا الاختلاف مع هذا الاتحاد ، دليل واضح على أن ذلك لم يتمّ عن طريق المصادفة والطبع والطبيعة ، بل هو بفعل العالم القادر الحكيم المريد الذي يعمل وفق الحكمة وطبق المصلحة. ولا تنسى أن تسمية الأصناف بالأزواج

٤٤١

رمز للازدواج بين الموجودات حتى الجمادات وللاقتران بين بعضها وبعضها الآخر ليستمر بقاء النوع.

واعلم أن كلام موسى عليه‌السلام قد تمّ عند قوله : (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) ، وأنه سبحانه قد التفت من الغيبة إلى المتكلّم ، فحكى سبحانه عن نفسه تفريعا على قول نبيّه عليه‌السلام ، فنبّه بذلك إلى أن كلام رسلي هو كلامي وأنهم لا ينطقون عن الهوى ، فقولهم قولي ، وإن كانوا لا يسبقونه بالقول ، وهم بأمره يعملون ، فانتبه إلى هذه النكتة الدقيقة في المقام وما أكثر أمثالها بل ما هو أبلغ منها في القرآن الكريم.

٥٤ ـ (كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ) ... أي كلوا مما خلق لكم من الأرض وارعوا مواشيكم منه. وفي هذه الكريمة إشارة إلى أقسام النباتات ، فمنها ما يصلح لطعام الإنسان ، ومنها ما يصلح لغيره من الحيوانات. وقد خاطب الإنسان أولا فقال : كلوا ممّا أخرجنا لكم بالمطر من النبات والثمار والحبوب وغيرها ، وارعوا أنعامكم مما يصلح لها من النباتات والأعشاب وغير ذلك من الحبوب التي تنفعها (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى) أي : إن فيما ذكرها لكم لعبرا لذوي العقول. والنّهى : جمع نهية ، سمّي بها العقل لنهيه عن القبيح. وعن الإمام الباقر عليه‌السلام أنه قال : قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ خياركم أولو النّهي. قيل : يا رسول الله ، ومن أولو النّهى؟ قال : أولو الأخلاق الحسنة ، والأحلام الرزينة ، وصلة الأرحام ، والبررة بالامّهات والآباء ، والمتعاهدون للفقراء والجيران واليتامى ، ويطعمون الطعام ويفشون السلام في العالم ، ويصلّون والناس نيام غافلون.

ثم إن موسى عليه‌السلام لمّا بيّن نعم الله عليهم ابتداء من أصل الخلقة وانتهاء بنعم الله الجزيلة ، نبّههم إلى شيء آخر هامّ فقال حكاية عن الله عزوجل :

٥٥ ـ (مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى) : أي من

٤٤٢

التراب أنشأناكم ، حيث إن التراب كان في أصل خلقة أبيكم آدم عليه‌السلام ، فهو أول موادّ أبدانكم ، وفي ذلك التراب نعيدكم عند الموت فتدفنون في الأرض وتنحلّ أجسادكم إلى تراب ومن ذلك التراب نخرجكم تارة أخرى ، فنحشركم ونبعثكم للحساب بتأليف أجزائكم الترابية وردّ الأرواح إليها لتعودوا أحياء كما كنتم. وعن الإمام الصادق عليه‌السلام : أن النطفة إذا وقعت في الرّحم ، بعث الله عزوجل ملكا فأخذ من التربة التي يدفن فيها فماشها في النطفة ، فلا يزال قلبه يحنّ إليها حتى يدفن فيها.

* * *

(وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها فَكَذَّبَ وَأَبى (٥٦) قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى (٥٧) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً (٥٨) قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (٥٩))

٥٦ ـ (وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها فَكَذَّبَ وَأَبى :) أي عرّفنا فرعون معاجزنا التّسع التي بعثنا بها موسى لتكون دالّة على نبوّته وصدق رسالته ، فكذّب بها عنادا واستكبارا وأبى : امتنع عن قبولها وأنكرها ، ثم :

٥٧ ـ (قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى؟ :) أي قال فرعون : إنك لساحر ، وهل جئتنا بهذا السحر لتكيد لنا وتجعلنا نهرب أمام سحرك ونترك أرضنا لك؟ .. لا ،

٥٨ ـ (فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ) ... قد نفى ذلك ، ثم أكّد بأنه سيجيئه بسحر مثل سحره يقف في وجهه ويكشف أمره ، ثم قال بعدها : (فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً) فاضرب موعدا معيّنا يكون بيننا وبينك ، بحيث نأتي

٤٤٣

نحن وأنت أثناءه (لا نُخْلِفُهُ) فلا يتأخّر أحدنا عنه (نَحْنُ وَلا أَنْتَ) واختر له (مَكاناً) معيّنا أيضا بحيث يكون (سُوىً) أي مستويا مسافة وبعدا فيما بيننا وبينك.

٥٩ ـ (قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ) ... أي قال موسى عليه‌السلام : الموعد بيننا يوم العيد الذي جعلتموه لكم في كلّ عام. وإنّما عيّن ذلك اليوم بالذات واختار عيدهم على غيره من الأيام ، ليظهر الحقّ ويبطل الباطل على رؤوس الأشهاد ، وحتى يصل أمر الدعوة إلى جميع الأنحاء والأقطار. فليكن الموعد يوم الزينة (وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى) أي أنهم يجتمعون بعد شروق الشمس وارتفاعها ، وقبل الظهر. ولا يخفى أن فرعون قد بدا ضعفه منذ طلب الموعد ، وأن موسى عليه‌السلام قد بدت عليه القوة والوثوق بغلبته لفرعون وحزبه بشكل يروّعه ويزعزع أركان ملكه ويزلزل قلبه وينغّص عليه عيشه ، وقد ظهر الخذلان على فرعون منذ الآن إذ خرج من المجلس غضبان ، ودخل على أهله مضطربا منخلع الفؤاد ممّا رأى من آيات موسى وأخيه عليهما‌السلام ، بدليل قوله تعالى فيما يلي : فتولّى فرعون ... إلخ.

* * *

(فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى (٦٠) قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى (٦١) فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى (٦٢) قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى (٦٣) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى (٦٤))

٤٤٤

٦٠ ـ (فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى) : أي انصرف وأدبر من المجلس وخرج بكيفية كانت خلاف المتعارف له ، فلم يمل أوامره ، ولم يلتفت إلى وزرائه وأعوانه ولا اعتنى بأهله لأنه كان غضوبا مرعوبا ، ولم يستطع أن يتكلم مع موسى بأزيد ممّا ذكرنا فدخل ليفكّر ويدبّر أمر المكيدة المنتظرة ليوم الزنية ... وهكذا كان إذ تم تدبير ما خططوه ، فجمع كيده : أي ما يكاد به من السّحرة وآلات السّحر ، ثم أتى : جاء في الوقت المضروب هو وجنده من المشعوذين.

٦١ ـ (قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً) ... : أي قال موسى ذلك القول للسحرة الذين أحضروا معهم ما عملوا من السّحر ليقابلوا به معجزته ، فنصحهم ووعظهم وخوّفهم بقوله : ويلكم : أي الويل والعذاب لكم ، لا تفتروا على الله : تتعدّوا على حرماته وتكذبوا وتكذّبوا بآياته ، ولا تقولوا عنها سحر كسحركم (فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ) فيهلككم بعذاب يجتثكم به ويقضي عليكم (وَقَدْ خابَ) خسر وباء بالفشل والخزي (مَنِ افْتَرى) فنسب الباطل إلى الله عزّ وعلا لأمر الذي أوقع شيئا من الخوف في قلوب بعضهم وصدّع وحدتهم وعنادهم.

٦٢ ـ (فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى) : أي اختلفوا في أمر إقدامهم الجريء ووقع النزاع في صفوفهم بعد سماع كلام موسى وتهديده وتوعيده الذي قال بعضهم إنه ليس من كلام السحرة والمشعوذين ، فاجتمعوا وتناجوا أي حصلت بينهم وشوشة وهمس ومشاورة. ولعل نجواهم قد انتهت بأنه إن كان ساحرا غلبناه ونلنا جائزة فرعون ، وإن هو غلبنا وكان أمره من أمر السماء اتّبعناه وآمنّا به. فخاف فرعون من نجواهم واضطرب لما سمعه وما رآه ، فالتفت من غرفته الخاصة وسأل عن نجواهم ليعلم حقيقتها فأجابوا جوابا معقولا بنظره :

٦٣ ـ (قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) ... : أي : قالوا ليس موسى وهارون

٤٤٥

سوى ساحرين. وإن : هنا ، اعتبرت بمعنى : نعم ، أو : إنه ، وقد حذف ضمير القصة ، أو هي : إنّ وقد ألغي عملها هنا لأنها خفّفت. وقيل إن النون في : هذان وساحران زائدتان والأصل إنّ هذا لساحر. ثم قيل هي : إنّ وهذان اسمها بلغة كنانة التي تقول : أتاني الرجلان ورأيت الرجلان ، وسلّمت على الرجلان ، وقيل غير ذلك. والحاصل أنهم قالوا : هذان ساحران يريدان إخراجكم من أرضكم بسحرهما الرهيب والاستيلاء على أرض مصر (وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى) أي بدينكم وما أنتم عليه من نظام الأشراف والعبيد واستخدام بني إسرائيل.

٦٤ ـ (فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا) ... : أي هيّئوا مكركم وأحكموا ما أعددتموه للقاء موسى وهارون ثم تقدّموا مصطفّين مرتّبين منظّمين (وَقَدْ أَفْلَحَ) نجح وفاز (مَنِ اسْتَعْلى) من كان فعله غالبا متفوّقا ، ظفر وغلب.

* * *

(قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى (٦٥) قالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى (٦٦) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى (٦٧) قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى (٦٨) وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى (٦٩))

٦٥ ـ (قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ) ... : أي قال السحرة ذلك. والترديد أو التخيير كان مراعاة لقواعد الأدب ، ولذلك قابلهم موسى عليه‌السلام بالأدب وقدّمهم ، لأن صالح المظاهرة يقتضي أن يكونوا المتقدمين ليظهر فعل العصا ويبطل السحر والساحر ، فقدّمهم بعد أن خيّروه قائلين :

٤٤٦

(أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى) أي : رمى بما بين يديه من العمل لهذا اليوم المشهود.

٦٦ ـ (قالَ بَلْ أَلْقُوا) ... : أي أمرهم بإلقاء ما معهم على مشهد من الناس ، فألقوا (فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ) ما كانوا قد أعدّوه من حبال وعصيّ ، كان (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ) شبّهت لموسى من شدّة ما كان عندهم من البراعة في السّحر (أَنَّها تَسْعى) تتحرّك وتتقلّب على الأرض كالأفاعي الهائجة المرعبة.

٦٧ ـ (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى) : أي وجد في قلبه خوفا ، وأضمر شيئا من الخشية في نفسه من أن يشكّ الناس بهذا السحر ، ويروا عصاه أيضا كالسحر فلا يتّبعونه كما هو المتعارف في الطبع البشري.

٦٨ ـ (قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى) : أي ألهمناه أن لا يخشى اغتشاش الناس بسحرهم ولا يخاف عدم التصديق بآيته لأنه هو المتفوّق عليهم بالنهاية. وقوله تعالى : (إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى) ، تعليل للنهي في قوله : (لا تَخَفْ) ، وتقرير لغلبته مؤكدا.

٦٩ ـ (وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا) ... أي : ارم واطرح العصا التي في يمينك يا موسى تلقف : تبتلع ما صنعوا من السّحر والتخييل بقدرة الله تعالى. وقد قالوا لمّا ألقى موسى عصاه صارت حيّة طافت حول الصفوف حتى رآها الناس كلّهم ، ثم قصدت الحبال والعصيّ فابتلعتها جميعها على كثرتها مع أن السّحرة كانوا أربعمائة نفر وكان مع كل واحد مائة عصا وحبل. وفي بعض التفاسير كانوا ثلاثين ألفا وقيل : سبعون لأن السحر كان منتشرا في ذلك العهد ، ومهما كانوا ـ قلّوا أو كثروا ـ ف (إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ) أي مكر واحتيال وتخييل لا حقيقة له ، ولا ثبات له أمام الحق والواقع حيث يزهق الباطل وينهزم كالسراب الذي يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ، ولذلك (لا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى) أي لا ينجح ولا يفوز على من خاصمه في سحره أين كان وحيث أقبل لأن عمله من

٤٤٧

التخييل الباطل الذي يمحقه الحقّ ويزهقه. ولمّا رأى سحره فرعون تلقّف العصا جميع ما سحروه علموا وتحقق عندهم أن هذا الأمر سماويّ وأنه ممّا هو فوق الطبيعة والمألوف وليس من السّحر الذي يعملونه ويعلمونه في شيء لا في قوانين السحر ولا في تعاليمه ولا في آثاره الوضعية التي يعهدونها فأعلنوا إيمانهم بآية موسى عليه‌السلام ومعجزته.

* * *

(فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى (٧٠) قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى (٧١) قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا (٧٢) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقى (٧٣) إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى (٧٤) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى (٧٥) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى (٧٦))

٧٠ ـ (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً) ... : أي فخّر السّحرة ساجدين تعظيما لما رأوه من الآية السماوية الدالّة على صدق الدّعوة و (قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ

٤٤٨

وَمُوسى) وأعلنوا تصديقهم بوجود الله الذي يدعو إليه موسى وهارون ، فاقشعرّت الأبدان من وقع أصواتهم حين أعلنوا إيمانهم وذعر فرعون وأتباعه لهذه المفاجأة المذهلة إذ أعلن السحرة تصديق دعوة رسولي الله تعالى فاسودّت الدّنيا بعيني فرعون وأعين الأقباط وأكابر مملكته وشرفائها لأن السحرة هم بالحقيقة علماء الأمة وكهنتها وعظماؤها في ذلك العصر وليسوا من السوقة أو من سائر الناس ، فإيمانهم يقف في وجه ادّعاء فرعون للربوبيّة وينزع عنه هالة الألوهية ، ولذا كان طعنة موجهة إليه خاصة ، وشلحة عظيمة في أمر ربوبيته وسلطانه

لا يسدّها شيء بعد هذا الاعتراف الصريح الفصيح المعلن من كهنة الأمة وعلمائها العظام ، فلم ير فرعون غير اللجوء إلى القوّة والتهديد والوعيد ليشفي غليله ممن دمّروا آماله وزعزعوا حاله وصفعوا استعلاءه واستكباره :

٧١ ـ (قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ) ... أي قال مستنكرا فعلهم : صدّقتم موسى قبل أن يطلب إعلانكم بتصديقه والإيمان بدعوته؟ وقيل : آذن بصيغة المتكلّم وهي مضارع يرجع الضمير فيه إلى فرعون ، أي آمنتم بموسى قبل إذني وإجازتي (إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ) أي أستاذكم في السحر ومعلمكم ، وهو (الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ) فأتقنتم هذا الفنّ (فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ) أي لأقطعنّ من كل واحد منكم يده اليمنى مع رجله اليسرى أو العكس (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) وسأصلب كل واحد منكم على ساق شجرة حتى يموت كمدا (وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى) وسترون من منّا القوي على تعذيب الآخر والقدرة عليه. وكان لا بد لفرعون من هذه التهديدات والتوعّدات ليظهر تجلّده أمام الآخرين مخافة أن ينقلب عامة الناس عليه دفعة واحدة وينتهي أمره ، فذكر تقطيع الأيدي والأرجل وهدّد بالصلب والتعذيب ليخاف الباقون وليبقوا مجتمعين من حوله.

٧٢ و ٧٣ ـ (قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ) ... : أي لن

٤٤٩

نفضّلك ونقدّمك على ما تحقق لدينا من المعجزات الواضحات والبراهين الساطعة التي جاء بها موسى ، ولن نختار طريقتك بعد ظهور قدرة ربّنا وخالقنا ، فقد اعترفوا به جلّ وعلا بمقتضى ما حكى عنهم سبحانه من قولهم : (وَالَّذِي فَطَرَنا) لأنه اعتراف منهم بأنّ الله تعالى هو خالقهم وبارئهم (فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ) أي فاحكم بالحكم الذي تشاؤه لنا (إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا) فحكمك ماض في هذه الدّنيا الزائلة التي لا دوام لها ولا لك ، والآخرة خير وأبقى (إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ) فنؤكد لك أننا قد صدّقنا بربّنا القادر القاهر ونرجو منه أن يتجاوز عن ذنوبنا الماضية من الكفر والمعاصي ، وعن حملك إيّانا على تعاطي السحر للوقوف بوجه آيات الله تعالى وإبطالها. ويستفاد من قولهم هذا أنهم لو لا خوفهم من بطش فرعون ما كانوا ليحضروا للمعارضة مع موسى باختيارهم ، بل أكرههم فرعون وأجبرهم ، والوجه في ذلك أنهم قالوا لفرعون لا بدّ لنا من أن نختبر موسى قبل الموعد المضروب بيننا لنعرف أنه هل هو من السحرة أم أمره سماويّ ، فأرنا إياه إن شئت فافتقدوه فوجدوه نائما تحرسه العصا ، فقالوا ما هذا بساحر فإنّ الساحر إذا نام بطل سحره ، فرفض فرعون قولهم هذا وأبى إلّا أن يعارضوه ، فكان إكراههم من هذه الجهة ..

وقيل أيضا إن جملة ما أكرهتنا عليه من السحر معناها أن : ما أكرهتنا عليه سحر ، أي تخييل وما فعله موسى ليس بسحر ، ولذلك آمنّا بقوله (وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقى) أي خير جزاء وثوابا للمطيع ، وأبقى عقابا للعاصي. وهذا جواب على قوله : (وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى). وهنا انتهى كلام السّحرة بحسب الظاهر مع طاغية زمانهم ، ثم قال الله تبارك وتعالى : أو أنهم هم تابعوا الشرح :

٧٤ و ٧٥ و ٧٦ ـ (إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ) ... : أي أن من يموت على إجرامه وآثامه ويبعثه الله عليها دون توبة منها ، فإن نار جهنّم

٤٥٠

معدّة له بعذابها الأبديّ الذي لا منتهى له فيستريح و (يَمُوتُ فِيها) فيخلص من العذاب الأليم (وَلا يَحْيى) حياة مهنّأة هادئة لا تنغيص فيها (وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً) من يجئه مصدقا به عاملا بأوامره منتهيا عن نواهيه (قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ) قام بالطاعات وكان حسن المعاملات مع ربّه ومع الناس (فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى) فالفاعلون لذلك لهم عند ربّهم أسمى الدرجات وأعلاها في الخلد والنعيم الذي لا يزول ، وهذه الدرجات هي (جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) مرّ تفسيرها مكرّرا ، بحيث يكونون (خالِدِينَ فِيها) يحيون فيها بنعيم دائم لا انقضاء له إلى أبد الأبد (وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى) وهذا هو ثواب من تطهّر من الأدناس في هذه الدار الفانية.

* * *

(وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى (٧٧) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ (٧٨) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى (٧٩))

٧٧ و ٧٨ و ٧٩ ـ (وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي) ... : أي بعد ما رأى فرعون وقومه جميع الآيات التي جاء بها موسى وظلّوا مصرين على عنادهم وكفرهم أوحينا إلى موسى أن اخرج من مصر مع المؤمنين برسالتك من عبادي وسر بهم ليلا ـ فالسّرى هو السير بالليل ـ فامض بهم على غفلة من فرعون وحزبه إلى ناحية فلسطين ، أي الجهة الشرقية من البحر. فمضى بهم كما أمر حتى وصل إلى البحر الذي لم يتمكّنوا من عبوره لأنه بدون جسر وليس معهم فلك ولا زوارق فألهمناه : (فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً) أي : اضرب بعصاك البحر فإنه ينفلق إلى قسمين

٤٥١

وتظهر الأرض اليابسة تحت الماء فيمشي الناس بين فلقتي البحر بإذن الله ، ففعل فانشقّ البحر بقدرة الله فنودي يا موسى : جز بالناس (لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى) أي آمنا من أن يدرككم فرعون ، ومؤمّنا من الغرق.

قال ابن عباس : لما أمر الله موسى أن يقطع البحر بقومه وهم ستمائة ألف وثلاثة آلاف ونيّف ليس فيهم ابن ستّين ولا عشرين ، وكان يوسف عليه‌السلام قد عهد إلى موسى وهارون عند موته بجسده ، وأن ينقلوه من مصر ، فلم يعرفوا موضعه ، فتحيّرا حتى دلّتهم عجوز على موضعه. فأخذوها وقال موسى للعجوز : سلي حاجتك ، فقالت : أكون معك في الجنة.

ولما فشا أمر خروج موسى ببني إسرائيل من مصر ، خرج فرعون وجنده بطلبهم وكان على مقدمته ألف ألف وخمسمائة ألف سوى ما على الجنبين والقلب. فلما انتهى موسى إلى البحر قال : هاهنا أمرت ، ثم قال موسى للبحر : انفرق ، فأبى. فأوحى الله إليه أن أضرب بعصاك البحر ، فضربه فانفرق فقال لهم موسى : ادخلوا فيه. فقالوا : وكيف وأرضه رطبة ، فدعا الله فهبّت عليها ريح الصّبا فجفّفته. فقالوا : نخاف الغرق ونريد أن يمر كل سبط منّا وحده وأن يرى كل سبط منّا بقية الأسباط لنأمن على بعضنا. فجعل لكل سبط طريقا ، وفتحت لهم بقدرة الله كوى حتى يرى بعضهم بعضا ، ثم دخلوا وجاوزوا البحر جميعا. فأقبل فرعون بجنوده فقالوا له إن موسى قد سحر البحر فصار ـ كما ترى ـ وكان فرعون يركب حصانا عظيما أقبل عليه نحو البحر ، وأقبل جبرائيل عليه‌السلام يركب رمكة (أي برذونا) في ثلاثين من الملائكة ، فصار جبرائيل بين يدي فرعون ، فأبصر الحصان الرمكة الزاهية التي يركبها جبرائيل فهجم نحوها واقتحم بفرعون على أثرها بحيث عجز فرعون عن إرجاعه فصاحت الملائكة بقوم فرعون : ألحقوا بالملك فدخلوا وراءه فانطبق الماء عليهم فأغرقهم وذلك قوله تعالى : (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ ، فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما

٤٥٢

غَشِيَهُمْ) أي أصابهم منه ما أصابهم من الغرق في مائه. والإبهام هنا لبيان عظمة الغشيان وعظمة الغرق الذي حلّ بهم حين غطّى الماء هذه الألوف المؤلّفة ، وفيه مبالغة وإيجاز. وحين أغرق الله فرعون وقومه رجع بنو إسرائيل ليروا ما أصابهم وقالوا لموسى : ادع الله أن يخرجهم لنا حتى ننظر إليهم ، فدعا ، فلفظهم البحر إلى الساحل وأصابوا من سلاحهم ومن زينتهم الشيء الكثير .. وذكر ابن عباس أن جبرائيل عليه‌السلام قال : يا محمد لو رأيتني وأنا أدسّ فرعون في الماء والطين مخافة أن يتوب. (وَ) هكذا (أَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ) ضلالا بعيدا وجعلهم يخسرون دنياهم وآخرتهم (وَما هَدى) قومه إلى النجاة بل أوردهم النار وبئس الورد المورود.

* * *

(يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى (٨٠) كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى (٨١) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (٨٢))

٨٠ ـ (يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ) ... : هذا الكلام الشريف مبتن على إضمار : قلنا. فإن الله سبحانه وتعالى أخذ يبيّن نعمه على بني إسرائيل ويذكّرهم بها فإن الذكرى تنفع المؤمنين ، ولو لا ذلك ما ذكر شيئا من هذا لأنه سبحانه غنيّ أن يتعرّض لذكر ما ينعم به على عباده لو لا هذا المعنى ، لأن المنّ بالعطايا قبيح عند المخلوق فكيف بالمنعم الحقيقي الغني على الإطلاق؟ فإذا ذكر الله تعالى إنعامه على عباده فإنه لا يقاس

٤٥٣

تذكيره بتذكير عباده لأن في تذكيره رحمة لعباده وعطفا عليهم وفيه مصالح كثيرة أخرى تجنبّهم الكفر بالنعم والمنعم ، فمنّه غير منّ المخلوقات ، وهذه المعاني تخرجه عن القبح والذم. فمن النعم التي ذكرها قوله سبحانه : (قَدْ أَنْجَيْناكُمْ) خلّصناكم (مِنْ عَدُوِّكُمْ) فرعون وحزبه وأغرقناه مع حزبه لكفرهم وعنادهم (وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ) أي ضربنا معكم بواسطة رسولنا موسى أن ننزل عليه كتابا فيه تبيان كلّ ما تحتاجون إليه ، وكان الموعد عند الطرف الأيمن من جبل الطور. ويحتمل أن يكون الأيمن صفة للطور كما هو الظاهر ، والمراد به ـ بناء على هذا ـ اسم الوادي التي بجانب الجبل أي وادي الطور المبارك من الجهة اليمنى (وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى) فانكم بعد أن جاوزتم البحر صرتم في صحراء ولا مؤونة فيها ولا غذاء فأنزلنا عليهم منّ السماء الشهي اللذيذ والطائر السمّانيّ الكثير اللحم الشهيّ الطعم تفضلا منّا وكرما.

٨١ ـ (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) ... : الأمر هنا للإباحة لأنه في مقام رفع الحذر ، أي : لا بأس عليكم بأكل ذلك والتلذّذ به (وَلا تَطْغَوْا فِيهِ) أي لا تتمادوا في ترك شكره والتعدّي عمّا حدّ الله لكم فيه كالسّرف والبطر أو كمنعه عن أهل الاستحقاق وأمثال ذلك ، ولو فعلتم شيئا من هذا أمقت عملكم (فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي) أي عقابي وعذابي (وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى) أي : هلك ووقع في الهاوية ، وهي واد في نار جهنّم أشد حرارة منها.

٨٢ ـ (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) : أي أني أتجاوز عن ذنوب التائب الذي لا يعود إليها ، وللمؤمن بي والعامل بأوامري ونواهيّ ، والمهتدي إلى ولاية أهل البيت عليهم‌السلام. ويؤخذ من هذه الآية الكريمة أن شرائط الإيمان أربع : التوبة والإيمان ، والعمل الصالح ، وولاية أهل بيت النبيّ صلوات الله عليه وعليهم كما هو مضمون كثير من الأخبار.

* * *

٤٥٤

(وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى (٨٣) قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى (٨٤) قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (٨٥) فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (٨٦) قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (٨٧) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ (٨٨) أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً (٨٩))

٨٣ ـ (وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى؟) : أي : لم تقدّمت عن قومك وجئتنا مستعجلا أمرنا؟ ويستفاد من هذا الخطاب أنه قد ورد في مقام الاعتراض حيث إن موسى عليه‌السلام مشى ما هو خلاف المرسوم لأن الله تعالى عاهده وقومه أن ينزّل عليهم التوراة هناك كما سبق وذكرنا وقرّر لهم موعدا معيّنا ووقتا خاصّا يحضرون فيه جميعا. ولما قرب الموعد تقدّم موسى قومه وقصد الطور قبلهم وحده ففعل خلاف المقرّر فعوتب بهذا الخطاب لأن المصلحة تقضي بأن يسير معهم إلى الموعد وأن لا يسبقهم إليه ، فأدرك موسى عليه‌السلام أنه فعل خلاف الأولى.

٤٥٥

٨٤ ـ (قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي) ... أي هؤلاء قومي آتون من ورائي ولم أسبقهم إلّا قليلا ، ثم اعتذر ثانية فقال : (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى) أي أن مسارعتي كانت مبادرة لامتثال أمرك ونيل رضاك ، وأنا إنما امتثلت أمر مولاي بسرعة لأكون أول من يشمله رضاه. وقد فسّر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فعل موسى واستعجاله بقوله : إنه ما أكل ولا شرب ولا نام ولا اشتهى شيئا من ذلك في ذهابه ومجيئه أربعين يوما شوقا إلى ربّه.

٨٥ ـ (قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ) ... هذه الكريمة متفرعة على ما قبلها في قولك سبحانه : (وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ) ، فإنه تعالى يريد أن ينبّه نبيّه عليه‌السلام إلى أن الفتنة قد حصلت بنتيجة استعجالك وكانت وليدة خروجك من بينهم وتخليتك إياهم مع أنفسهم ، فسوّلت لهم أنفسهم أمرا (وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُ) فأغواهم هذا الشيطان المشعوذ ، ولو كنت معهم لما حدثت لهم تلك البلوى ...

وحاصل معنى الكريمة أننا قد ألقينا قومك في الاختبار والامتحان بعدك ، فابتلوا بعبادة العجل حتى نميّز المؤمن المخلص من المنافق المرائي ، وليظهر الصالح من الطالح ، وليظهر أمرهم لغيرهم من سائر الخلق فإنهم أهل عناد وتردّد. وقيل إن السامريّ الذي دعاهم إلى عبادة العجل اسمه موسى بن ظفر ، وكان منافقا. وقال ابن عباس : إن السامري من أهل كرمان ، وقع إلى مصر وكان من قوم يعبدون البقر. ولكن الأكثرين يبنون على أنه من عظماء بني إسرائيل من قبيلة يقال لها : السامرة. وقيل هو من القبط وقد كان جارا لموسى وآمن به وكان من الذين خلّفهم موسى مع هارون على ساحل البحر. والذين أضلّهم هذا السامري كانوا ستمائة ألف افتتنوا بالعجل بعد مفارقتهم لموسى ، لأن هذا الشيطان ابتدأ بتدبير الفتنة بمجرد ترك موسى لهم ، وعزم على إضلالهم .. ولما استشعر موسى بفتنة قومه رجع إليهم بعد أخذ التوراة.

٨٦ ـ (فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً) ... قد رجع إليهم بعد ما

٤٥٦

استوفى الأربعين يوما ، وبعد أن نزلت التوراة عليه ، فعاد غضبان : شديد الغضب والهم والغم ، أسفا : متلهفا حزينا لما فعلوه لأنه خشي أن لا يستطيع تدارك أمرهم. وحين وصل إليهم (قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً) أي عاتبهم بقوله : ألم يضرب ربّكم موعدا ينزّل فيه التوراة عليكم لتكون كتابكم المقدّس ودستور حياتكم ونظام عيشكم لتعلموا ما فيها وتعملوا به؟ فلم فعلتم خلاف ما وعدتموني به من الثبات على ديني واللحاق بي إلى جبل الطور (أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ) هل طالت إقامتي وأنتم تعلمون مقدارها (أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي) أم قصدتم أن تبوؤا بغضب الله وسخطه فتأخرتم عن متابعتي واللحاق بي إلى جبل الطور؟ ...

٨٧ ـ (قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا) ... فأجابوه : ما تأخرنا عنك وعن الموعد معك باختيارنا (وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ) بل حملنا أثقالا من حليّ القبط التي كنّا استعرناها منهم يوم عيدنا وبقيت معنا ، أو هي زينة القبط التي قذفها البحر مع القبط فأخذوها (فَقَذَفْناها) ألقيناها في النار بتسويل السامريّ ، وقيل بعيدا بأمر هارون (فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُ) أي وألقى السامريّ شيئا في النار كما ألقينا نحن الزينة فيها :

٨٨ ـ (فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ) ... فصنع لهم السامريّ من الزينة الذائبة تمثال عجل له خوار ، أي جؤار وصوت خشن ، وقد تمّت هذه الصورة بأن وضع السامري قبضة من التراب كان قد قبضها من تحت حافر فرس جبرائيل عليه‌السلام وهي تربة الحياة ، فامتزجت مع الزينة الذائبة وخرج تجسيم عجل ضخم يصوّت كصوت الخوار لأن الريح كانت تمرّ في فمه وأنفه وتجتاز جوفه فتحدث ذلك الخوار (فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى) فافتتنوا به وقالوا هذا ربّنا وربّ موسى (فَنَسِيَ) قيل إن الضمير راجع لموسى ، أي أن موسى نسي هذا العمل وذهب يطلب ربّه عند الطور فأخطأ في طريق طلب الرّب ، فيكون : نسي هنا بمعنى : ضلّ أو ترك الإله

٤٥٧

وراح يطلب غيره. والضمير عند البعض راجع إلى السامريّ ، أي : ترك ما كان عليه من الايمان الثابت وعدم عبادة العجل وإضلال الناس ، والله أعلم. وعلى كل حال ومهما قيل في الضمير فإن الله تعالى أتمّ الحجة عليهم بقوله :

٨٩ ـ (أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً) ... أي : كيف لا ينظرون ويتدبّرون أن هذا العجل الذي اتّخذوه إلها لا يتكلم بسؤال ولا يحكي عن تكليف ولا يستطيع ردّ جواب إذا هم سألوه (وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً) ولا يقدر أن يضرّهم أو أن ينفعهم إذ ليس بيده شيء من ذلك. والحاصل أن هذا العجل جماد لا يستطيع الحركة ، ولا يصدر الخوار عنه عن إرادة وشعور لأن الريح تمرّ بجوفه فتصفّر هذا التصفير ، وحركته إنما تشبه حركة الأشجار المرتعشة تحت وطأة هبوب الريح ، وخواره كخوارها إذا كانت الريح عاتية شديدة. فيما هذا الإله الذي لا يتكلّم ، ولا يجيب إذا سئل ، وليس بيده نفع ولا ضر؟

* * *

(وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (٩٠) قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى (٩١))

٩٠ ـ (وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ) ... قال لهم هارون سلام الله عليه قبل أن يرجع موسى من الميقات : (يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ) يا قومي ويا جماعتي إنما امتحنتم بهذا العجل لأنه جماد لا يملك من أمره شيئا فكيف يملك أمر العباد؟ إنه ليس بإله وقد غشّكم السامريّ ، و (إِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ) وإلهكم الله سبحانه وتعالى الذي يرحم العباد ويخلقهم ويرزقهم

٤٥٨

ويترأّف بهم (فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي) فكونوا من أتباع طريقتي واسمعوا قولي واعبدوا الله واتركوا عبادة العجل ، واثبتوا على الدين الذي جاءكم من عند ربّكم فلا تخالفوا قولي.

٩١ ـ (قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ) ... أجابوا : أننا لن ندعه وسنبقى ملتفّين من حوله ثابتين على عبادته (حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى) أي حتى يعود ، وقد كان لا يزال في ميقات ربّه الذي أوحى إليه بهذه الفتنة التي كان أعجب ما فيها الخوار فقد قال موسى عليه‌السلام : يا ربّ ، العجل من السامريّ فالخوار ممّن؟ فقال : منّي يا موسى ـ أي بقدرتي ـ لما رأيتهم قد ولّوا عنّي إلى العجل أحببت أن أزيدهم فتنة. وقد ذكرنا أن الخوار من الريح وأن السامريّ وقومه قد تحدّروا من قوم يعبدون البقر ، وقد أشربوا في قلوبهم حبّ البقر وتقديسه ، وقد اغتنموا فرصة غياب موسى وغرّوا بني إسرائيل بما صنعوه من الفتنة العجيبة التي نتجت عن إلقاء الحليّ في حفيرة فيها نار ملتهبة تجسّم منها عجل له خوار قد أهلّوا واستهلّوا فرحا له حين سمعوه ينبعث من صورة العجل وشكروا السامريّ على أنه أراهم إلههم مجسما أمامهم. وقد ذكر القمي أن أتباع السامريّ قد همّوا بهارون وحاولوا قتله حين قال لهم : يا قوم إنما فتنتم به وإنّ ربّكم الرحمان. فهرب منهم مع جماعة من بني إسرائيل ثبتوا معه على الإيمان بموسى وبما جاء به عن ربّه وكانوا اثني عشر ألفا كما قيل ذهبوا مع هارون وانحرفوا عن السامريين الذين انفردوا في ناحية أخرى يرقصون ساعة ويشهقون أخرى ، ويخضعون للعجل مرة ويبكون من حوله مرة كما هو ديدن العرفاء من الدراويش العصريين وأصحاب الطّرق الصوفية الضالّة.

ولما رجع موسى ـ وكان معه سبعون نفرا من الذين لحقوا به في الموعد ـ سمع هذه الضوضاء الغريبة وهذه الطقوس غير المعتادة فقال عليه‌السلام : هذه أصوات الفتنة التي ابتلوا بها. وحين رأى القوم والعجل من

٤٥٩

بينهم عاتبهم بقوله الذي مرّ آنفا ثم حمل على أخيه هارون يعاتبه بغضب لله عزوجل وألقى الألواح التي كتبت عليها التوراة.

* * *

(قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (٩٢) أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (٩٣) قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (٩٤))

٩٢ و ٩٣ ـ (قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا) ... أي أيّ شيء منعك يا هارون (من متابعتي) وقد رأيتهم ضلّوا وانحرفوا عن الدّين إلى عبادة العجل؟ و : لا ، هنا مزيدة في قوله : ألّا ـ أن لا ـ تتّبعني ، كما أنها مزيدة في قوله : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ)؟ (أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي؟) يعني : هل خالفتني فيما أمرتك به؟ ولعله عليه‌السلام يريد مطالبته بقوله له : اخلفني في قومي وأصلح ولا تتّبع سبيل المفسدين ، فلما أقام هارون على السكوت ولم يبالغ في منعهم ولو بقتالهم نسبه إلى عصيان أمره ، وما قنع بهذا الخطاب الشديد وما خمدت سورة الغضب عند هذا المقدار بل أخذ بلحية أخيه وذؤابتيه يجرّه فعل الغضبان بنفسه ، بل أشد ، فقال هارون سلام الله عليه :

٩٤ ـ (قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي) ... يا ابن أم : أي يا أخي من أبي وأمي ، وقد خصّ الأمّ بالذكر استعطافا وترقيقا لقلبه عند قوله لا تأخذ بلحيتي : أي لا تقبض عليها وتشدها ، ولا برأسي فتجذبني من شعري وتذلّني عند القوم ، فإنني ما خفت القتال ولا كثرة الجدال بل (إِنِّي خَشِيتُ) خفت (أَنْ تَقُولَ) بعد مجيئك إلينا : (فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ)

٤٦٠