الجديد في تفسير القرآن المجيد - ج ٤

الشيخ محمّد السبزواري النجفي

الجديد في تفسير القرآن المجيد - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد السبزواري النجفي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التعارف للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٣

٧ ـ (وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى) : الجهر هو رفع الصوت إلى ما فوق الإخفات بحيث يكون مسموعا. والمعنى أنك إن رفعت صوتك بذكر الله وجهرت به ، أو إذا أخفّته وذكرت بما دون الجهر فإنه ـ أي الله تعالى ـ يعلم ويسمع السرّ الذي تكنّه في صدرك أو تبوح به إلى غيرك همسا ، ويعلم ما هو أخفى من السرّ كالذي توسوس به النفس من حديثها الخفيّ. فهو سبحانه يطلع على ما تسرّه وما تخفيه ممّا يخطر في بالك. وعنهم عليهم‌السلام : السرّ ما أخفيته في نفسك ، وأخفى ما خطر ببالك ثم أنسيته.

٨ ـ (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) : ذاك هو الله سبحانه وتعالى الذي لا إله غيره ، وحسن الاسم تابع لحسن المسمّى ، فجميع أسمائه جلّ وعلا هي أسماء حسنى لا يشاركه فيها أحد بالمعنى الدقيق.

* * *

(وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (٩) إِذْ رَأى ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً (١٠) فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى (١١) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (١٢) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى (١٣) إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (١٤) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى (١٥) فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى (١٦))

٤٢١

٩ و ١٠ ـ (وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى ، إِذْ رَأى ناراً) ... أي هل بلغك يا محمد قصة رسولنا موسى بن عمران عليه‌السلام وما حدث له حينما خرج من مدين متجها إلى مصر ليرى أمّه فضلّ عن الطريق وتفرّقت ماشيته وحدث لامرأته الطّلق حين وصل إلى وادي طوى الذي فيه جبل الطّور ، فرأى نارا مضيئة من بعيد كانت عنده نارا كما رآها ، وكانت عند الله تعالى نورا (فَقالَ لِأَهْلِهِ) أي لزوجته ومن معها (امْكُثُوا) أقيموا مكانكم (إِنِّي آنَسْتُ ناراً) أي أبصرت نارا إبصارا لا ريب فيه ، وأنا أقصدها وأتوجّه نحوها (لَعَلِّي) متمنيا أن (آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ) أي قطعة من النار تتدفّأون بها وتستنيرون (أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً) أو لعلي أصادف عند ملك النار أناسا يهدونني طريقا إلى الناس بعد هذا الضياع في الصحراء وبعد تفرّق الماشية وحلول الطّلق الذي حصل في هذه الأزمة.

١١ و ١٢ ـ (فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى : إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) ... فلما وصل إلى المكان الذي ظنّ فيه نارا نودي : دعي من جانب الطور باسمه : يا موسى ، إني أنا ربّك وخالقك وليس النور الذي تراه نارا (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ) أي انزع حذاءك الذي تنتعله في رجليك ، وامش حافيا ، وذلك أن المشي بلا خفّ ولا نعل نوع من التواضع بين يديه سبحانه وتعالى. فتواضع يا موسى بخلع نعليك (إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً) أي في الوادي المطهّر المسمّى بطوى ، وهو واد في أقصى الجنوب الغربي من بلاد الشام ، أي في جنوبي غربي فلسطين.

١٣ ـ (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى) : أي قد انتجبتك للنبوّة والرسالة ، وانتقيتك من بين عبادي ، فاستمع : أصغ بكل وعيك لما يوحى : ينزل عليك من كلامي. وفي هذا الأمر بالاستماع اهتمّ سبحانه بسماع وحيه والتوجّه إليه بكل قلبه.

١٤ ـ (إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا) ... هذا ما أوحى به إليه أولا ، فقال عزّ من قائل : إنّني أنا الله ، وهذا فيض من نوري ، لا إله غيري ولا معبود

٤٢٢

سواي (فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) فاجعل عبادتك خالصة لي ، وصلّ واذكرني في صلاتك وعبادتك وحدي. وفي قوله هذا سبحانه ثلاث جهات هي من أهمّ ما يوحي به في رسائله السماوية :

الأولى : أن الآية تدل على تقرير التوحيد وقصر الوحي ابتداء عليه لأنه من أهمّ ما يوحى به إذ هو منتهى العلم ونتيجة كلّ العبادات لأنها مقدمة له بعد معرفة ذاته المقدّسة.

والثانية : هو الأمر بالعبودية له ، وقد تقدّمت منّا الإشارة إلى سموّ مقام العبودية له وإلى علوّ مرتبتها إذ يعتبر الأنبياء والأوصياء من عباده الصالحين ، لأن العبودية له من أرفع وأسمى المراتب ولأنها تدل على تمام العمل المرضيّ وكماله.

والثالثة : هي الأمر بالصلاة التي هي عماد الدّين ومعراج المؤمن وأهمّ أعماله وخيرها. ومما تدل الآية الشريفة عليه : تعليل الأمر بالصلاة بالذكر. وقد خصّص به لأنه العلة التي أناط بها إقامة الصلاة ، فإن الصلاة بالأخص ـ وسائر الأعمال العبادية ـ جعلت لذكر المعبود ، وهذا هو عمل القلب وشغله ، وروح الأعمال وجوهرها. ولذا ورد : تفكّر ساعة خير من عبادة كذا سنة.

ثم أنه تعالى توعيدا وتخويفا أخبر بمجيء يوم القيامة للحساب والثواب والعقاب فقال :

١٥ ـ (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها) ... أي إن ساعة يوم القيامة متيقّنة الوقوع لا محالة ، وأنا أكاد أخفيها : أريد إخفاءها عن عبادي للتهويل والتخويف ورحمة بهم ، فإن الناس إذا لم يعلموا متى تقوم الساعة يكونون دائما على حذر منها في كلّ وقت وفي كلّ حال. وأخفيها : هنا جاء بمعنى : أظهرها ، كأنه سبحانه يتوعّد بها. والإخفاء بمعنى الكتم بخلاف الخفاء ـ بلا همز ـ فإنه بمعنى الظهور لا غير. وقيل إن همزة إخفاء للسلب ، يعني سلب الخفاء ، أي الظهور. والمعنى على هذا يكون : قرب إظهار ساعة القيامة.

٤٢٣

فمن أجل ذلك يترتب التخويف من الساعة ، لأن الناس إذا علموا قربها وصدق حلولها كانوا على خوف منها وتهيّأ ولإصلاح أمورهم وللإتيان بالأعمال الصالحة وبالتوبة والإنابة خوفا منها على أنفسهم ، لأن أهوال القيامة مخوفة مهولة ، ويؤيد هذا المعنى قوله سبحانه (لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى) أي لتثاب أو تعاقب بحسب سعيها : عملها ، وهذا بناء على التعلّق بأخفيها لا بآتية.

١٦ ـ (فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها) ... أي لا يمنعنّك عن الإيمان بما ذكرنا لك من التوحيد ، والعبودية ، وإقامة الصلاة ، والتصديق بالساعة (مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها) الذي يكفر بهذه الأشياء ولا يصدّق بها (وَاتَّبَعَ هَواهُ) سار مع هوى نفسه في طريق الضلال (فَتَرْدى) فتهلك إذا صدّك هذا الضالّ عنها.

* * *

(وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (١٧) قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى (١٨) قالَ أَلْقِها يا مُوسى (١٩) فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى (٢٠) قالَ خُذْها وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى (٢١) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى (٢٢) لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى (٢٣))

١٧ ـ (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى؟) ... ليعلم أن هذا السؤال الكريم وهذا الاستفهام العظيم صدرا عن العظيم الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض

٤٢٤

ولا في السماء ، والذي لا يغرب عنه مثقال ذرّة فما دون ذلك من عباده ، وأنهما إنما وردا هنا لإظهار المودّة والشفقة والرحمة ، ولذا التفت من الضمير (بِيَمِينِكَ) إلى الظاهر (يا مُوسى) لأن في ذكر اسم المحبوب نوعا من التلطّف ليس في غيره كما لا يخفى على أهل المعرفة وأصحاب الذوق السليم. نعم ، في النداء بالكنى والألقاب نوع من الاحترام ليس في الأسماء ، فيا أبا فلان ، أجمل من يا فلان ، بل في النداء بالاسم في بعض الأوقات من شخص إلى آخر قد يوحي بالهتك ويكون خلاف الاحترام ولكنه من الأغيار لا من الحبيب إلى حبيبه فإن الأمور المتعارفة عند الناس ساقطة بين الحبيبين بحيث صار معروفا أنها تسقط الآداب بين الأحباب لأن مودّتهم ليست منوطة بالأمور الظاهرية من العناوين والتشريفات التي يمارسها أهل الظاهر من الحشويّة والقشوريّة ومن شابههما ممّن لا تبقى المودة بينهم إلّا ببقاء التشريفات والتعارفات. وأين هذا من المودة لله وفي الله ومن الله؟ إن مودّته سبحانه فوق المودّات المرسومة لدى الآخرين ، لأنها تصير سببا للاتحاد والوحدة بحيث كأنّ الحبيب مع حبيبه شخص واحد ، وبحيث كأن المحبّ قد حلّ في محبوبه ، ومن أجل ذلك نهى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ابنته فاطمة الزهراء عليها‌السلام أن تقول : يا رسول الله ، وقال لها قولي : يا أبتاه. ذاك أن القول كذلك بين الأحباب يجلب الحياة للقلب والسرور إلى الفؤاد والراحة إلى النفس.

أجل ، قد صدر هذا السؤال الكريم من عالم الغيب بأجمل تعبير : وما تلك العصا التي تحملها بيمينك؟ مع علمه السابق سبحانه بما سأل عنه.

١٨ ـ (قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها) ... هذا الجواب بهذه الأمور الواضحة التي لا تناسب لأن يجاب بها الله تعالى الذي أحاط بكلّ شيء علما ، أوّل دليل على ما قلناه في الآية الكريمة السابقة من أن المراد بالحوار إطالة الحديث مع الحبيب بعبارات وألفاظ مختارة غاية الاختيار. فهل العصا لأكثر من (التوكّؤ عليها) أي الاعتماد عليها عند التعب؟ ... وهل هي لمن

٤٢٥

يسوق ماشية في البراري والأحراج أكثر من أن (يهش به على غنمه) أي يضرب بها الأشجار لتتناثر أوراقها على الأغنام فترعاها؟ .. وهل يقتني العصا إلّا من كانت له (فِيها مَآرِبُ أُخْرى) أي قضاء حاجات مختلفة من صدّ العدوّ والوحش الضاري والتهويل في كل مناسبة؟ هذه هي لوازم العصا التي يعلمها الله سبحانه وتعالى أكثر ممّا يعلمها موسى عليه‌السلام ، ولكن هذا الذي حصل للسبب الذي ذكرناه من جهة ، ولسبب أن تلك العصا كانت ذات خصوصية ملازمة لها كان موسى لا يزال جاهلا بها وإن كان قد رأى فيها عجائب ليست في غيرها من العصيّ. فقد روى ابن عباس أن من منافعها أنها كانت تتكلّم مع موسى عند وحدته ، فكان يستأنس بها. ومنها أنها كانت تحرسه نوما ويقظة في السفر والحضر من السباع وغيرها ، وأنها كانت تحارب معه عدوّه ، وتحافظ على أغنامه عند غيابه عنها وعند نومه ، وإذا استسقى من بئر كانت تصير حبلا ، وكان في رأسها شعبتان تصيران دلوا يغترف به الماء ، ويصير طولها بعمق البئر فيستقي بها بأدنى قوّة ، وإذا أراد فاكهة كان يغرسها فتخضرّ في الحال وتظهر عليها أنواع الفواكه الناضجة ، وفي الليلة المظلمة كانت شعبتاها تضيئان كالقمر المنير ، وإذا احتاج إلى النار يضرب على شعبتها حجر النار فتخرج منه النار ، وإذا اشتهى الطعام أو الشراب يطلع منها ما يريد. وهكذا كان يستفيد منها موسى فيركبها في السفر إذا تعب فيراها أسرع مركب وأحسنه.

وإذا قيل : ما زالت كذلك فلم لم يفصّل موسى هذه المآرب بين يدي الله تعالى ، واكتفى بما ذكره؟

قلنا : لعله قد أخذته الدهشة والهيبة الإلهيّة فلم يستطع أن يتكلم بأزيد ممّا فصّل وذكر ، فجمع كلامه كلّه بقوله : (وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى). وهنا أراد ربّه جلّ وعلا أن ينبهّه إلى أمر أعجب وأعظم من كلّ ما يعرفه فيها ، فتابع الحوار :

١٩ و ٢٠ ـ (قالَ أَلْقِها يا مُوسى ، فَأَلْقاها) ... أي قال الله تعالى له :

٤٢٦

ارمها من يدك واطرحها على الأرض لتعرف قدرتنا ، ولتستأنس بها بعد معرفة أعظم أسرارها فلا تخاف من مظاهر القدرة والعظمة ، ولا تستوحش إذا استعملتها في موارد الحاجة والدّعوة إلينا حين نأمرك بإظهار الدّعوة وتبيانها إتماما للحجة على الخصماء والمعاندين المتمرّدين (فَأَلْقاها) موسى : رماها (فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى) أفعى مدهشة ، تسير فاغرة فاها ومكشرة عن أنيابها تنشر الرّعب والهلع وهي تتقلّب ظهرا لبطن وتنسرب على الأرض؟! عندها أخذت موسى الهيبة منها ، فجاءه النداء الكريم :

٢١ ـ (قالَ خُذْها وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى) : قال الله تعالى لموسى : خذها ولا تأخذك الرهبة ولا تستوحش منها فإنها هي عصاك نفسها بعينها وبذاتها وصفاتها ، وهي التي أمرناك بإلقائها تمرينا لك على خاصيّتها العجيبة ، ونحن (سَنُعِيدُها) نرجعها (سِيرَتَهَا الْأُولى) حالتها التي كانت عليها من الهيئة والخاصيّة. وعن الصادق عليه‌السلام : ففزع منها موسى وعدا ، فناداه الله عزوجل : (خُذْها وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها ..) الآية. فأراه الله تعالى تلك الآية لتكون معينة له عند الحاجة. ثم شرع سبحانه في تعليمه آية ثانية تكون له معجزة عند الأعداء فقال تعالى :

٢٢ ـ (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ) ... أي أدخل يدك تحت إبطك ، وقد كنّى سبحانه عن اليد بكاملها بالجناح ، فافعل ذلك (تَخْرُجْ) يدك (بَيْضاءَ) مشرقة منيرة ذات لون يخالف لونها الطبيعي ، لأنه بياض متلألئ كاللّجين ، يضيء كما تضيء الشمس ويلمع كما تلمع بحيث يدرك كل من يراها أن أمرها أمر غير عادي وهو مما فوق الطبيعة لأنه آية إلهيّة يعجز غيره عن الإتيان بمثلها. وقوله سبحانه : (مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) هو بيان وتوضيح وتفسير يدل أن ذلك يكون من غير مرض كالبرص ، رغم أن ذلك اللون اللامع لا يشبّه بالبرص وما سواه من الأمراض ، فهي تخرج بيضاء من غير علة :

٢٣ ـ (لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى) : أي نفعل معك ذلك لتنظر إلى دلائلنا

٤٢٧

ومعاجزنا الكبرى التي يعجز الخلق عن الإتيان بما يشبهها ، فإننا قد اخترناك لأمرنا وأطلعناك على بعض آياتنا التي تعينك في الدعوة إلينا.

* * *

(اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (٢٤) قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (٢٥) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (٢٦) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي (٢٧) يَفْقَهُوا قَوْلِي (٢٨) وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (٢٩) هارُونَ أَخِي (٣٠) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (٣١) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (٣٢) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً (٣٣) وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً (٣٤) إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً (٣٥))

٢٤ ـ (اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى) : لمّا أعطاه الله تعالى منصب النبوّة وخلافته في أرضه ، وزوّده بآياته وبيّناته ، أمره بأن يذهب إلى فرعون ملك مصر المترتّب على الناس ، ليدعوه إلى العبودية له تعالى وترك ما هو عليه من العناد والكفر والطغيان ، فاستعظم الأمر الذي لا يستطيع إلّا أن يقبله من جهة ، ولا يمكن الاعتذار منه من جهة ثانية.

٢٥ و ٢٦ و ٢٧ و ٢٨ ـ (قالَ : رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي) ... أي امنن عليّ بسعة الصدر لأصبر على عناد فرعون ومقاومة كفره. وشرح الصدر بالمعنى الظاهري هو توسيعه وفتحه كتوسيع المكان وتوسعة الزمان كما لا يخفى ، ولكن لا بد من أن نحمله على أمر معنويّ يشمل الاستعداد والقدرة على حمل أعباء الخلافة والرسالة إلى جانب القوة على الصبر والأذى وآلام السفارة ، كما أن لشرح الصدر آثارا ولوازم أخرى كحسن الخلق وإيثار الناس على النفس والأهل ، وكإصلاح ذات البين وقضاء الحوائج وإرشاد الجهلة ، وكالشجاعة والسخاوة وكمال العقل وحسن السياسة وتدبير النظام

٤٢٨

العالمي من الناحية الدنيوية والأخروية ، وكالأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر وما سوى ذلك من الأفعال الجميلة والأعمال الحميدة والخصال الطيّبة ، فإن هذه هي كلها من آثار شرح صدور رسل الله الكرام كلوازم لا يسعها التعداد لأنها تحوي كل معنى طيّب يوفّره الله في رسله دون غيرهم. وشرح الصدر على هذه الكيفية مخالف لما قيل في شرح : ألم نشرح لك صدرك حيث قالوا بشقّ صدره الكريم وإجراء عملية فيه تغاير المألوف والمعروف.

وعلى كل حال فإن موسى عليه‌السلام قال : ربّ اشرح لي صدري (وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي) سهّل لي أمر تبليغ رسالتك وسفارتك إلى الناس وأعني على الطغاة والمردة واحفظني من شرّ كيدهم ومكرهم لأقوم بهذا الأمر العظيم (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي) أي أطلق لساني من عقاله واجعله فصيحا بليغا في الأداء ، ذلك أن لسانه الشريف كانت قد أصابته جمرة في طفولته فأحرقت طرفه فصارت فيه رتّة ، فدعا الله سبحانه أن يحلّ هذه العقدة منه ليقدر على الإفصاح عند نطق جميع الحروف عند التبليغ فإن التبليغ من الإبلاغ الذي هو والبلاغة من حسن الكلام وحسن تأثيره في النفوس ليكون على أتمّ وجه. وأما وجه وضع الجمرة في فيه فإنه عليه‌السلام عطس وهو طفل حيث كان يقعده فرعون في حجره بعد أن تبنّاه فقال حين عطش : الحمد لله رب العالمين ، فأنكر فرعون ذلك عليه ولطمه على وجهه فوثب موسى على لحية فرعون الطويلة المرصّعة بالجواهر ونتفها فآلمه ألما شديدا فهمّ فرعون بقتله فقال له امرأته هذا طفل حدث لا يدري ما يقول ولا تصدر أفعاله عن وعي وشعور ، فقال فرعون : بلى إنّه يدري ويعي ، فقالت له : ضع بين يديه تمرة وجمرة فإن ميّز فهو الذي تقول. ففعل فرعون ذلك وصفّ جمرة وتمرة أمام موسى وقال له : كل. فمدّ موسى يده نحو التمرة فصرفها جبرائيل عليه‌السلام إلى الجمرة فأخذها ووضعها في فمه فاحترق لسانه وبكى ، فعفا عنه وحصلت العقدة فيه منذ ذلك الوقت.

٤٢٩

وبمناسبة تكليفه بحمل الرسالة دعا ربّه سبحانه ليخلّصه من هذه الرّتّة التي كانت تشبه التّمتمة وقال : خلّصني منها (يَفْقَهُوا قَوْلِي) ويتفهّمونه حين أبلّغهم رسالتك ويكون أوقع في نفوسهم إذا كان واضحا فصيحا. ثم إنه سلام الله عليه لم يكتف بذلك ، بل التمس معاونا له على أداء الرّسالة وظهيرا مساعدا على أعبائها فإنّ الطّبيعة البشرية تحتم طلب المعين والظهير في المواقع الصعبة الخطيرة ، فقال :

٢٩ و ٣٠ و ٣١ و ٣٢ ـ (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي ، هارُونَ أَخِي) : أي صيّر لي أخي هارون وزيرا لي في التكليف ، وقد سمّى معينه وزيرا لأن الوزير يعين الأمير على ما يكون بصدده من سياسة الملك وتيسير الأمور العظام ، وهو من المؤازرة : أي المساعدة. وقالوا : إنّ هارون كان أكبر سنّا من موسى. يزيده بثلاث سنين ، وكان أتمّ طولا وأبيض جسما وأكثر لحما وأفصح لسانا ، وقد مات قبل موسى بثلاث سنين. وبالجملة فإنه سلام الله عليه استوزر أخاه من الله حتى يساعده على حمل الدعوة ويتقوّى به على الأعداء ، ويتسلّح برأيه في الملمّات. ثم خصص كون وزيره من أهله لأن ذلك أولى ببذل النّصح وأدعى للاطمئنان ، فقد كان هارون أخا لموسى من أمّه وأبيه وكان أقرب الناس إليه وأولى بأن يختاره على من سواه للوزارة ولشدّ أزره وللمشاركة في أمر الدّعوة إلى الله تعالى ولذلك قال : وزيرا من أهلي. فجاءت هذه الآية مفسّرة للأولى ومبيّنة لها ، فانحصر التوزير بهارون دون غيره.

(اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي) قوّ به أمري وشدّ عضدي وانصرني به (وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) اجعله شريكا لي في أمر الدعوة. وقد اختلفوا في كيفية إشراكه في أمر الرسالة ، والله تعالى هو أعلم بكيفيّة ذلك ، وقد استجاب الله له دعوته وأعطاه سؤله وجهّزه للدعوة والجهاد. وقد علّل موسى عليه‌السلام التماسه للأمور الثلاثة المذكورة بتكثير التسبيح أيضا ، فقال :

* * *

٤٣٠

٣٣ و ٣٤ و ٣٥ : (كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً وَنَذْكُرَكَ) ... أي : كي نقدّسك ونذكر آلاءك ونعماءك علينا (وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً) نمجّدك ونعدّد فضلك متعاونين على ذلك فإنّ التعاون في فعل الطّاعات يهيج الرغبة في العبادة وفي غيرها من المقاصد ، ويؤدّي إلى تكاثر الخير وتزايده وقد ذكر هذا المعنى موسى عليه‌السلام لينفي عنه استيزار أخيه لطلب الرئاسة والملك بل توصلا للطاعات وحتى لا يتوهّم غير ذلك من معنى ، ومن جهة ثالثة ليتيسّر لهما شكر المنعم ودوام ذكره بالتسبيح والتقديس على ما أولاهما من الفضل والمنّ (إِنَّكَ كُنْتَ بِنا) مذ كنت (بَصِيراً) عالما بأحوالنا وأمورنا ، تدري بأن مسألتي هي خالصة من أجل التعاون في سبيل الدّعوة ، واختصاصي هارون هو ناتج عن علمي بأنّه المخلص وأنّه نعم المعين لي والمساعد فيما أمرتني بالقيام به ، لا لكونه أخي وألصق برحمي.

(قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى (٣٦) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى (٣٧) إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى (٣٨) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي (٣٩) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى (٤٠) وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (٤١) اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي (٤٢))

٤٣١

٣٦ ـ (قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى) ... بعد طلب موسى عليه‌السلام الذي ذكر له عللا ثلاثا أجابه الربّ المتعالي : قد أجيبت دعوتك وقضيت حاجتك وأعطيت سؤلك الذي طلبته. وعن الصادق عليه‌السلام أنه قال : حدّثني أبي ، عن جدّي ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو ، فأن موسى بن عمران عليه‌السلام خرج يقتبس لأهله نارا فكلّمه الله عزوجل فرجع نبيّا ، وخرجت ملكة سبأ كافرة فأسلمت مع سليمان ، وخرج سحرة فرعون يطلبون العزّة لفرعون ويعارضون الرّب فرجعوا مؤمنين. ثم إنّه تعالى لمّا أخبره بإعطائه سؤله عقّب بقوله :

٣٧ و ٣٨ و ٣٩ ـ (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى) ... أي أن نعمتنا جارية عليك قديما وحديثا وقد عدّدها بقوله : مرة أخرى قبل هذه النعمة التي أوليناك إياها ، وذلك (إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى) يوم ألهمناها ما كان فيه نجاتك حين ولدتك فخلّصناك من القتل حيث ألقينا في روع أمّك بعد وضعك ما لم يعلم بغير الوحي (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ) ضعيه وارميه في الصندوق المستطيل المصنوع من سعف النخل ، قذفا سريعا ولا تتأنّي ولا تتباطي ، والقذف يكون غير وضع الطفل في المهد بلطف وعناية ، لأنه مرمي يكون خلاف راحته والعمل على ما لا يزعجه (فَاقْذِفِيهِ) ارميه أيضا مع ما هو فيه من التابوت (فِي الْيَمِ) في البحر. وهذا الأمر يظهر فيه استعجال الفعل كيلا تهتّم الأم بأمر الرضيع كثيرا لتأمين راحته ولتطمئن عليه نفسها ، فإن الوضع كان على خلاف ذلك فهي لا تأمن على نفسها ولا على رضيعها لأن العسس يدورون ويفتشون عن الحبالى والمقربات ، والحرس يبحثون عن كل نفساء فيذبحون وليدها إذا كان ذكرا ، بل كانت حكومة ذلك الوقت الغاشم تشق بطون الحبالى من بني إسرائيل لقتل أولادهن الذكور ، فلا فرصة للأم بالتفكير براحة ولدها في هذه الأزمة الخانقة ، ولذلك ابتدرها الوحي الكريم برميه في التابوت ، وبرمي التابوت في البحر

٤٣٢

حالا ، فجاء هذا التعبير كأحسن وأفصح ما يكون عليه التعبير عن وقت الشدّة والضيق ، يرمز إلى الحرج وخوف الإعدام والهلاك ، ولذا هيأت التابوت بسرعة البرق وألقت رضيعها فيه وأمرت بإلقائه في البحر بلا مهلة وبتمام الاضطراب الظاهر عليها في إتمام تلك المجازفة السريعة التي تأمل من ورائها نجاة رضيعها وسلامته من القتل. أما وحيه سبحانه إلى أمّ موسى فكان إلقاء المطلب في قلبها بحيث يسكن قلب تلك الأم النّفساء إلى مصير رضيعها طالما أنّ الإلهام من الله جلّت قدرته يعدها بنجاته بدليل أن الإلهام الذي نكت في قلبها وعدها بتمام تلك القصة العجيبة وقال : (فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ) أي أن موج البحر وجريان الماء يقذف ذلك التابوت بالساحل : على الشاطئ فلا يغرق ولا يصيبه مكروه. والأمر هنا (فَلْيُلْقِهِ) معناه الخبر الذي زفّه الإلهام لأمّ موسى أي : وسيلقيه موج البحر على شاطئه سالما ، ومثله قوله تعالى : (يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ) ففي نهاية مطاف التابوت على صفحة الماء يصل إلى الشاطئ ويؤخذ الرضيع من قبل عدوّ لله تعالى. وعدوّ لموسى عليه‌السلام في مآل الأمر ومستقبل الأيام ، وهو فرعون. وقد كرّر سبحانه لفظ العدوّ للمبالغة في عداده فرعون قبّحه الله. وهذا الكلام كلّه كان موجّها إلى موسى يذكّره الله تعالى فيه رحمته به ورأفته ، فيقول يوم فعلت ذلك بك لنجاتك ، وأوقعتك في يد عدوّي وعدوّك (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي) أي جعلت في جميع القلوب محبة لك بحيث يحبك كل من يراك في بدء الأمر وختامه حتى أن امرأة عدوّك آسية ، وعدوّك فرعون ، قد أحبّاك وتبنّياك وربّياك في حجرهما وعاملاك بتمام اللطف والمراعاة فكانت تربيتك في بيوت الملك والسلطان بالرّغم من أن فرعون تشأم وتطيّر بأنّك قاتله وأمر بقتلك أولا ، ولكن كثرة الحب لك غلبت على رأيه وصارت مانعة من تنفيذ قتلك ، وكذلك آسية امرأته فقد مانعت أيضا في قتلك والسبب الأقوى في ذلك التصرّف كله كان عن طريق المحبة التي ألقيتها عليك في قلوب الناس وَقد فعلت ذلك كله (لِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) أي لتربّى وأنا راعيك وحافظك. أو أنه سبحانه قصد أن كل ما

٤٣٣

صنع بك كان بمرأى ومنظر منّي إذ كنت تحت حراستي وحمايتي. فالعين كأنها هي سبب الحراسة واليقظة والمحافظة ولذلك أطلقت هنا وإن كان المراد منها مجازا لأنه كقوله سبحانه : (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا) ، أي بمنظر منّا ومرأى إذ تكون في حياطتنا وحفظنا ، فالله تعالى يسمع بلا أذن ويرى بلا عين ويعلم ما تخفي الصدور.

والحاصل أن البحر ألقى التابوت على الشاطئ بعد أن فعلت أم موسى ما أمرها الله بفعله ، وكان إلقاؤه في موضع من الساحل فيه فوهة نهر فرعيّ يمر بقصر فرعون ويجتاز البركة التي في ساحة القصر ، وقد أدّى ذلك النهر بالتابوت إلى تلك البركة بالذات حيث يجتمع الماء فيها فلمّا رآه فرعون ورأى موسى فيه أحبّه لأول نظرة لأنه قيل : كان في عيني موسىعليه‌السلام ملاحة ما رآها أحد إلّا انجذب إليه وهفا قلبه نحوه. وقد حصلت هذه المفاجأة العجيبة :

٤٠ ـ (إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ) ... وذلك حين كانت شقيقتك التي تدعى مريم أو كلثوم تدور من هنا وهاهنا لتعرف خبرك وأين وقعت وإلى أين صرت ، فرأتهم يطلبون لك مرضعة فتقول لهم : هل تحبون أن أرشدكم إلى مرضعة وأهل بيت يهتمّون به ويتعهدون راحته وحفظه؟ فقالوا : نعم ، فجاءت بأمّك فقبل ثديها ورضع من حليبها بعد أن رفض ثدي أية مرضعة غيرها (فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ) فرددناك سالما محفوظا إلى أمّك بإذن فرعون وبكامل رضاه وبدون أن تخاف عليك ، إقرارا لعينها وإثلاجا لصدرها ، ولئلا تحزن لفراقك بعد أن كانت قد رمتك في البحر فلن تحزن لفراقك ، ولا لغرقك ، ولا لقتلك. وقوله تعالى : (إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ ...) إلى قوله : (فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ) هو تفسير لحياطته سبحانه وتعالى وحراسته التي أشار إليها قوله : (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) ، وهذه كلّها من منن الله عليه (وَقَتَلْتَ نَفْساً) وهو القبطيّ الكافر الذي وكزته فمات وخفت القصاص والقتل (فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِ) خلّصناك

٤٣٤

من القتل وغمّه وآمنّاك منه (وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً) أي اختبرناك اختبارات متعددة وأوقعناك في الفتن حتى خلصت للاصطفاء بالرسالة. وذلك بأن موسى عليه‌السلام ولد في عام كان يقتل فيه الولدان ، وألقته أمّه في البحر ، وهمّ فرعون بقتله ، وأمر بالمهاجرة من وطنه إلى مدين ، ونال في سفره ما ناله من صعوبة الهجرة وترك الأهل والوطن ومفارقة الألّان والسير على الأقدام من مصر إلى شرقي فلسطين حذرا من فرعون وبطشه ، مضافا إلى قلة الزاد والعيش على ما تنبت الأرض ، وإلى استئجاره من قبل شعيب عليه‌السلام عشر سنين يرعى فيها الأغنام مهرا لبنته التي تزوّجها ، ومضافا أيضا إلى قتله القبطيّ وهربه خائفا يترقّب ، فهذه الفتن التي انتهت بعشر سنوات في الخدمة ورعي المواشي ، انتهت أيضا برجوعه إلى مصر لرؤية أمّه وأحبّته ، فكان من ابتلائه في الطريق أن حلّ الليل ، ووقع البرد ، وتفرّقت مواشيه ، وأخذ امرأته الطّلق للولادة في ذلك الليل البهيم ، إلى غير ذلك من الحوادث التي مرّ بها في حياته ومرّت به فتحمّلها كلها بصبر وأناة لأنها تنوء بها الجبال وتعجز عنها الرجال ، فكانت فتنا متتالية كشفت عن سريرته الصافية ونفسه المطمئنة المؤمنة وقلبه الطاهر ، فذهب ليقتبس النار لأهله وامرأته في حال الوضع فنودي : أن يا موسى إنّي أنا الله ثم استمرّ سبحانه يعدّد لموسى فقال : (فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ) أي بقيت عشر سنين في بلدة مدين وبين سكّانها (ثُمَّ جِئْتَ) حضرت الآن (عَلى قَدَرٍ يا مُوسى) أي في زمان مقدّر أن تتلقى فيه الوحي بعد أن بلغت الأربعين من عمرك وهو سنّ نزول الوحي على أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم.

٤١ و ٤٢ ـ (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ، اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ) : أي اخترتك لرسالتي وإقامة حجّتي ولتكون المرشد إليّ والداعي إلى ما يصلح أمور عبادي ، فامض للأمر أنت وأخوك هارون مزوّدين (بِآياتِي) معجزاتي التّسع التي منها العصا واليد البيضاء ، وقد ذكرناها في مكان آخر (وَلا تَنِيا) أي لا تقصّرا ولا تفترا (فِي ذِكْرِي) تبليغ ذكري والدعوة إليّ ، وقيل

٤٣٥

إن الذكر هو الرسالة هنا ، لأن ذكر الله الطاعة والعبادة ، وأيّة عبادة أعظم من تبليغ الرسالة الربّانية وهداية الناس؟.

* * *

(اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (٤٣) فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (٤٤) قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى (٤٥) قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى (٤٦) فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى (٤٧) إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (٤٨))

٤٣ و ٤٤ ـ (اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى) ... : ثم إنّه تعالى بعد ما جهّزهما واستأهلهما بالقوة العقلية والآيات السماويّة أرسلهما إلى أكفر الكفرة وأشرّ الأشرار الجاحد المارق الذي ادّعي الرّبوبيّة وأضلّ البريّة ، فرعون ملك مصر (إِنَّهُ طَغى) تكبّر وتجبّر وبلغ مبلغا عظيما من الظّلم. وقد كرّر الأمر بالذهاب في الآيتين المتتاليتين للتأكيد على مباشرة القيام بالأمر ، وقيل إن الأمر في الآية السابقة مختص بموسى ، والثاني به وبأخيه بعد إجابة طلب موسى وتوزير أخيه ، فتكرار : اذهب ، واذهبا ، قد جاء في محلّه لأن سياق الآيتين الكريمتين يقتضي ذلك ، ولذا جاء الأمر في الآية الأولى مع العطف ، وجاء في هذه الآية بصيغة التثنية. ويمكن أن يقال : إن الأمر الأول للتجهيز والتهيّؤ ، والأمر الثاني لتعيين وجه المسير وتعيين من هو إليه ، أي فرعون : ولعلّ الأحسن هو التأكيد والمبالغة في ضرورة تنفيذ الأمر ، لأن الذهاب إلى فرعون الذي يدّعي الألوهيّة أمر عظيم عندهما إذ كانا على خوف من

٤٣٦

فرعون ومن القبطيين ، فالأمر في الآية السابقة كان مبهما لم تعيّن به الجهة ، والأمر الثاني أوضحها وبيّن المقصود ، والتعيين بعد الإبهام يهوّن الأمور العظام كما هو المتعارف كالذي يحدث حال الوفيات وغيرها من الأمور الهامة والحوادث الجليلة التي إبهامها يكون أعظم من تعيينها والتصريح بها.

والحاصل أنه تعالى قال لهما : اذهبا إلى فرعون (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً) أي قولا لا يحبّه ولا يكرهه ، بحيث يظنّ أنه يؤثّر فيه ، فلا ينبغي أن يقال له ما يتنفّر منه. فقد قيل إن موسى عليه‌السلام أتاه فقال له : تسلم وتؤمن بربّ العالمين على أن لك شبابك فلا تهرم ، وتكون ملكا فلا ينزع الملك منك حتى تموت ، ولا تمنع لذّة الطعام والشراب ولا تنزع لذّة الجماع منك ما زلت حيّا ، فإذا متّ أدخلت الجنّة ، فأعجبه ذلك ولكنه كان لا يقطع أمرا دون وزيره هامان الذي كان غائبا. فلما قدم هامان أخبره فرعون بالذي دعاه إليه موسى وأشار إلى أنه يريد أن يقبل منه ذلك ، فقال هامان : قد كنت أرى لك عقلا ورأيا ، فبينا أنت ربّ ، تريد أن تكون مربوبا ، وبينا أنت معبود تريد أن تصير عبدا عابدا لغيرك؟ فقلبه عن رأيه. وتتمة الآية (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) كانت مبعث رجاء عند موسى فإن الذي يعلم غيب السماوات والأرض لم يترك رسوله بين اليأس والرجاء بل زرع في نفسه الأمل فمضى لمقصده طامعا بإيمان فرعون ، جريئا على دعوته ومفاتحته بالأمر في الوقت الذي يعلم الله سبحانه أن فرعون لا يتذكّر : لا يتفكّر ولا يرعوي ، ولا يخشى : أي لا يخاف ولا يرهب قدرة الله. ومجيء هذه الآية الشريفة بهذا البيان وهذا التعليل يؤيّد ما ذكرناه في الجواب عن التكرار بالحمل على التأكيد لأن المقام يقتضيه ، كما أن النكتة في إرسال موسى إلى فرعون مع المبالغة في طلب تبليغه ، في حال علمه سبحانه بأنه لا يؤمن ولا يخشى ولا يتذكّر ، هي إلزام للحجة وقطع للمعذرة ، وحمل لموسى وأخيه على الدخول إلى البيوت من أبوابها مسلّحين بالآيات وبالقول اللينّ الذي ينبغي أن يقال مع ذلك الجبّار في الأرض ، وذلك أفضل بكثير في أن يبدأ الدعوة مع عامة الناس فيقع اللّوم عليهما ولا تقتضي دعوتهما حينئذ جمع

٤٣٧

السحرة من البلاد واشتهار دعوتهما بين العباد وإلقاء الحجة على فرعون وأعوانه وعلى سائر العالمين في وقت واحد .. وحكي أن يحيى بن معاذ لمّا قرأ هذه الآية : فقولا له قولا ليّنا ، بكى وقال : هذا رفقك بمن يقول أنا الله ، فكيف رفقك بمن يقول : لا إله إلّا الله؟ وهذا رفقك بمن يعاديك فكيف رفقك بمن يناديك؟ هذا رفقك بمن اقترف ، فكيف رفقك بمن اعترف؟ وهذا رفقك بمن استكبر ، فكيف رفقك بمن استغفر؟ ..

وفي كتاب التيسير أن موسى لمّا توجه من مدين تلقاء مصر مع زوجته صفوراء ابنة شعيب النبي عليه‌السلام ، وعرض لامرأته الطّلق ووجعه في أثناء الطريق ، وذهب ليقتبس نارا ، بقيت زوجته تنتظر عودته حتى الصباح فما رجع ، فبقيت تترقّب عودته منذ أصبحت حتى أمست فما عاد ، فبقيت متحيّرة ضالة عن الطريق خائفة على نفسها وعلى ولدها وبعلها وهي في حال النفاس ، فصادف أن مرّت بها قافلة جاءت متّجهة نحو مدين فرأوها وعرفوها فحملوها معهم وردّوها إلى أبيها شعيب عليه‌السلام ، في حين أن موسى أمر من طوى ـ الجبل المقدّس الذي كلّمه الله تعالى عنده ـ أن يتّجه إلى مصر لدعوة فرعون إلى الإسلام والإيمان بالله تعالى ، فمضى بطريقه إلى أن وصل إلى قربها فوجد أن أخاه هارون يستقبله ، فشرح له موسى ما وقع من أموره إلى آخرها ، فقال له هارون : إن فرعون قد عظمت سطوته وقوي سلطانه وطغى وبغى وتزايد فساده فكيف نجرؤ على مكالمته في هذا الأمر؟ وبمقتضى الطبيعة البشرية أثّر هذا الكلام في نفس أخيه موسى فرأى أنهما في موقع الخطر وغلب عليهما الخوف من المبادرة :

٤٥ ـ (قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا) ... أي نخشى أن يعجل علينا فيأخذنا ويعاقبنا فلا نقدر على إتمام الدعوة وإظهار المعجزة ، ونخاف (أَنْ يَطْغى) يتكبّر ويتجبّر فيظلمنا ولا يعتني بقولنا ولا يستمعه بل قد لا يقابلنا ولا يتحاور معنا في مجلس التخاطب لأنه لا يزداد إلّا كفرا وطغيانا وقد يتجاسر عليك ويصدر منه ما لا ينبغي لحضرتك ونحن لا حول لنا ولا طول مع هذا الطاغية الجبّار! ... فقال تعالى تقوية لهما وتهدئة لنفسيهما :

٤٣٨

٤٦ ـ (قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى :) لا ينبغي أن تخافا فرعون ، فادخلا عليه وبلّغاه الأمر دون خشية من عقابه وطغيانه وأنا معكما أتولّى حفظكما من كيده وبطشه أسمع ما تقولان وما يقول ، وأرى ما يحدث بينكما وبينه ، وأسدّدكما فلا يصل إليكما منه سوء.

٤٧ ـ (فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ) ... فاذهبا إليه ، وقولا له : إننا مرسلين من لدن ربّك وربّنا (فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ) دعهم من أسرهم وعذابهم واتهانهم ، واتركهم لنا لنرحل بهم عن بلادك (وَلا تُعَذِّبْهُمْ) بالأعمال الشاقة وقتل الرجال واستعباد النساء ، و (قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ) أتيناك بمعجزة دالّة على صدق رسالتنا هي (مِنْ رَبِّكَ) إذ لا يستطيع البشر أن يصنع مثلها ، فسلّم أمر بني إسرائيل لنا إن لم تؤمن برسالتنا (وَالسَّلامُ) السّلم والعافية وحسن العاقبة (عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى) كان من أتباع الله ورسل الله ، والهدى ضد الضلال.

٤٨ ـ (إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى :) أي فقولا لفرعون حين يأبى الإسلام ويأبى ترك بني إسرائيل إن ربّنا عزوجل قد أوحى لنا أن نقول لك : إن من رفض دعوة ربّه ولم يقبل قول رسله وانصرف عن الهدى وكذّبهم ، فإن العذاب الأليم يقع عليه من الله انتقاما لدعوته ولرسله ، فاحذر بطش الله عزّ وعلا.

* * *

(قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى (٤٩) قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى (٥٠) قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى (٥١) قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى (٥٢) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً

٤٣٩

وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى (٥٣) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (٥٤) مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى (٥٥))

٤٩ ـ (قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى)؟ : هنا طوى سبحانه ذكر ما كان بين إنهاء الأمر إليهما ، وبين دخولهما على فرعون ودعوتهما له بالكلام اللينّ وبإظهار المعجزات ، وانتقل رأسا إلى جواب فرعون الذي قال لموسى عليه‌السلام : من ربّكما؟ فخاطب الاثنين وخصّ موسى عليه‌السلام وحده بالنداء لأنه هو الذي دعاه ، وهارون عليه‌السلام إنما هو وزيره وتابعه ، فهو يعلم أن موسى ـ بالأصل ـ هو الرسول والداعي. فأجابه موسى عليه‌السلام بالجواب الجامع المانع لأن كلام الرّسل رسول الكلام ، فقال :

٥٠ ـ (قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى :) وهذا جواب في غاية البلاغة مع اختصاره لفظا ، لأنه أعرب عن أن الموجودات بأسرها ، وعلى اختلاف مراتبها وكمالاتها اللائقة بحالها من الأجسام الحيّة النامية والسوائل المائعة والجمادات الساكنة ، على أقسامها وأشكالها ، الثقيلة منها والخفيفة ، والمرئيّة منها أو غير المنظورة كالغازات وسائر المخفيّات ، ومن أدون المخلوقات إلى أتمّها الذي هو الإنسان سيد مخلوقات الله ، أعرب له أن جميع هذه الكائنات هي مخلوقة من قبل الله تعالى وأنها مفتقرة له بوجودها ، فدلّ جوابه على أن ربّه هو القادر بالذات ، المنعم على الإطلاق على جميع الموجودات ، وأن كل ما عداه مفتقر إليه تعالى بوجوده وبما يقيم وجوده ، وبهدايته إلى ما أوجد من أجله ، فبهت الذي كفر ولم ير إلّا صرف الكلام عن المقام إلى غير موضوع الخلق والإيجاد والإنعام ، إلى ما لا ربط له بذلك ، خوفا من انصراف الناس عنه إذا تفكّروا بهذه المعاني وعودتهم إلى طريق الحق والاعتراف بإله موسى الذي يدعو إليه. ولذلك :

٤٤٠