الجديد في تفسير القرآن المجيد - ج ٤

الشيخ محمّد السبزواري النجفي

الجديد في تفسير القرآن المجيد - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد السبزواري النجفي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التعارف للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٣

الْحُسْنى) حيث يكافأ بأحسن ممّا يأمل (وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً) أي سنأمره بما يسهل عليه القيام به من التكاليف.

* * *

(ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (٨٩) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً (٩٠) كَذلِكَ وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً (٩١) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (٩٢) حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً (٩٣) قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (٩٤) قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً (٩٥) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً (٩٦) فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً (٩٧) قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (٩٨))

٨٩ و ٩٠ ـ (ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً) : أي أخذ طريقا أو دليلا يوصله إلى المشرق (حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ) أي وصل إلى الموضع الذي تطلع الشمس عليه أولا من المعمور (وَجَدَها تَطْلُعُ) تشرق (عَلى قَوْمٍ) جماعة (لَمْ

٣٦١

نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً) أي أنهم عراة لا يتّقون أشعّتها بأيّ لباس ، وليس في أرضهم أي جبل أو شجر أو بناء لأنها أرض رخوة لا يثبت عليها بناء مضافا إلى أنهم لم يعرفوا بناء البيوت ولا وضع الثياب على الأجساد.

٩١ ـ (كَذلِكَ وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً) : أي أن أمر ذي القرنين كما وصفناه في رفعة المكانة وبسطة الملك والسلطان النافذ على الشرق والغرب ، مضافا إلى إحاطتنا ومعرفتنا بما معه من جند كثير ، وعدّة عديدة ، وعلم غزير ، ممّا لم يحط به غير اللطيف الخبير.

٩٢ و ٩٣ ـ (ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً) : ثم تابع مسيره (حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ) أي وصل إلى ما بين جبلين فاجتازهما ف (وَجَدَ مِنْ دُونِهِما) وراءهما (قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً) لم يفهموا قوله ولا عرف لغتهم لغرابتها ولقلة فهمهم في التعبير والإشارة. والظاهر أنهم الصينيون وما وراءهم في منقطع بلاد التّرك في أقصى الشرق ، وقد ألهمه الله تعالى كيفية التفاهم معهم كما علّم سليمان عليه‌السلام منطق الطير.

٩٤ ـ (قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ) ... أي أنهم كلّموه رأسا أو بواسطة ترجمان ولكن الأول أصح بمقتضى عموم قوله تعالى : (وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) ومنه تعليمه اللّغات على اختلافها وكثرتها حتى يقدر على إرشاد الناس عامة والتكلم معهم في أمور معاشهم ومعادهم وانتظام ممالكهم وما يحتاجون إليه ـ أجل ، قالوا له : (إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ) وهما قبيلتان من ولد يافث بن نوح عليه‌السلام (مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) بالقتل والنهب والإتلاف ، فقد قيل إنهم كانوا يأكلون كلّ ما يدبّ على الأرض حتى الناس (فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً) مبلغا من المال. وقرئ : خراجا ، والفرق بينهما أن الخراج اسم لا يخرج من الأرض ، والخرج اسم لما يخرج من المال. وقيل : الخراج : الغلة ، والخرج : الأجرة. فهل ترضى بأخذ مبلغ من المال (عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا) أي من أجل أن تجعل فاصلا ما بيننا وبينهم يحجزهم عنّا كالسور وغيره.

٣٦٢

٩٥ ـ (قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ) ... أي أنه أجابهم قائلا : إن ما ملّكني إياه ربّي ، وأقدرني عليه من المال والسلطان (خَيْرٌ) ممّا تبذلون لي من مالكم (فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ) فساعدوني بقوة الرجال. فمعنى القوة قوة الأبدان ، أو أن المراد آلات العمل وبعض لوازمه كالحديد والصفر ، أو المراد كلاهما ، فأعينوني بما في أيديكم من قوة (أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً) أي حاجزا حصينا متراكبة طبقاته بعضها فوق بعض.

٩٦ و ٩٧ ـ (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ) ... أعطوني قطع الحديد التي هيأتها لكم بالاقتدار الربّاني إذ وهب لي ذلك سبحانه من فضله وأعطاني إياه .. ثم مضى في العمل (حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ) الصدف : منقطع الجبل وجانبه. فقد عمل بين منقطع الجبلين وما زال يردم الحجارة والأتربة وينضّد الزّبر ويركّبها بعضها فوق بعض ، ويشيّد ردما يقوم على قطع حديد متراكبة منظّمة يتخلّل صفوفها الفحم ثم (قالَ) ذو القرنين عليه‌السلام : (انْفُخُوا) بالمنافخ التي صنعها لهذه الغاية من أجل إشعال النار وإضرامها في مختلف أجزاء الردم ، فنفخوا (حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً) أي صيّر الحديد نارا (قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) أعطوني النحاس الذي أعددته لأفرغه على الحديد الملتهب فيمتزج بعضه ببعض ويتماسك فيصير جسما واحدا. وقيل قصد القطر الذي تطلي به الإبل التي يظهر فيها الجرب ، طلبه ليريقه على الحديد فيزيد في اشتعال النار ويساعد على التحام الحديد لشدة الحرارة التي يولّدها عند احتراقه. وهكذا عقد بينهم هذا السد الحاجز (فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ) أي ما قدروا على تجاوزه والصعود عليه لعلوّه وارتفاع بنائه ونعومة ملمسه (وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً) ولا قدروا على ثقبه وتدميره لصلابته وثخنه ، فقد قيل إن ارتفاعه كان خمسين ذراعا ، وثخنه ثمانية اذرع ، وقد قال صاحب الكشاف : قيل : بعد ما بين السّدّين مائة فرسخ. يقصد طول السّد من طرفيه مما يلي الجبلين.

٩٨ ـ (قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي) ... الذي قال هو ذو القرنين عليه‌السلام

٣٦٣

الذي حمد الله تعالى على الإقدار على صنع ذلك السد ، وقال : هو رحمة من ربّي على عباده ، وسيبقى طويلا يحجز بين يأجوج ومأجوج والناس (فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ) فإذا اقترب مجيء الساعة وقيام القيامة ، وهو وعد ربّي جلّ وعزّ بالبعث والنشور ، أو هو خروج يأجوج ومأجوج قبيل ذلك ، فحينئذ يجعله ربّي سبحانه مدكوكا مهدوما قد خسفت به الأرض فانهار بناؤه حتى سوّاه بوجه الأرض. وقد قرئ : دكّا ودكّاء بالمدّ أي أرضا مستوية (وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا) أي أنه كائن قطعا ولا مناص من وقوعه.

* * *

(وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً (٩٩) وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً (١٠٠) الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً (١٠١) أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلاً (١٠٢))

٩٩ ـ (وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ) ... أي خلّيناهم يوم خروجهم من السّد يندفعون بكثرة ، حالهم حال المياه الكثيرة التي تضطرب أمواجها وتتلاطم في جريانها واندفاعها. وقد قسموا الدنيا إلى سبعة أقاليم ، ثم عدّوا أحدها يأجوج ومأجوج لكثرتهم إذ قيل إنهم يوم خروجهم من السد وانبساطهم على وجه الأرض تكون مقدّمتهم بالشام وساقتهم بخراسان ، يشربون أنهار المشرق وبحيرة طبرية. وفي الحديث : يخرجون على الناس فيشربون المياه ، ويتحصّن الناس في حصونهم منهم ، فيرمون سهامهم إلى السماء فترجع السهام وفيها مثل الدّماء فيقولون قد قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء فيبعث الله عليهم بقّا أو نقّا على اختلاف النّسخ. وبقّ

٣٦٤

هو جمع بقّة وهي الحشرة التي تلسع النائم في ظلام الليل وتمنعه النوم ، ونقّ جمع نقوق وهو الضفدع أو العقرب ، فيدخل البق في آذانهم والضفادع في أقفائهم فيهلكون بهذا البلاء. قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن دوابّ الأرض لتسمن وتسكر من لحومهم سكرا. فقيل يا رسول الله متى يكون ذلك؟ ... قال : حين لا يبقى من الدنيا إلّا مثل صبابة الإناء. وقيل : هو من أشراط الساعة ، وعلم من أعلامها .. وقيل إن المراد من (بَعْضَهُمْ .. فِي بَعْضٍ) يعني الخلق من الإنس والجن يختلطون بعضهم ببعض في يوم القيامة بدليل تعقّبه بقوله تعالى : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) وقد اختلف في شكل ذلك الصور فقيل هو قرن ينفخ فيه إسرافيل عليه‌السلام ثلاث نفخات : الأولى نفخة الفزع ،! والثانية النفخة التي يصعق منها من في السماوات والأرض وبها يموتون ، والثالثة نفخة القيام لربّ العالمين ، فيحشر الناس بها من قبورهم. وقيل : صور : جمع صورة ، فإن الله سبحانه وتعالى يصوّر الخلق في القبور كما صوّرهم في أرحام أمهاتهم ، ثم ينفخ فيهم كما نفخ وهم في الأرحام (فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً) أي حشرناهم في صعيد واحد للحساب والجزاء فكانوا مجتمعين تحت سلطتنا.

١٠٠ و ١٠١ ـ (وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً) : أي أبرزناها لهم حتى شاهدوها قبل دخولها ، فهم (الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي) أي أنه تعالى وصف أولئك الكافرين بأنهم غفلوا عن الاعتبار والتفكّر بقدرته وآياته ودلائل توحيده ، فصاروا بمنزلة من يكون على عينيه غطاء يمنعه عن إدراك المرئيّات (وَكانُوا) مع ذلك العمى (لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً) أي يعرضون عن استماع ذكر الله تعالى ، والقرآن الكريم ذكر له سبحانه ، فكأنهم كانوا صمّا عنه لا يسمعونه. ويمكن أن يكون معنى هذه الآية الشريفة أنّ أولئك الكفار ، لفرط معاندتهم وجحودهم ، لا يتفكّرون في آيات الله ولا ينظرون إليها ، ولا يسمعونها بسمع القبول ولا يبصرونها بعين الاقتناع والحقيقة ، فكأنّ ستارا يغطّي أعينهم وصمما يثقل أسماعهم فهم لا يرون ولا يسمعون آيات التوحيد والنبوّة وأوامر الله تعالى ونواهيه.

٣٦٥

١٠٢ ـ (أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي) ... الهمزة للاستفهام والاستفسار والإنكار ، أي : هل ظنّوا أن يتخذوا عبادي الذين خلقتهم ودانوا بربوبيّتي : كالملائكة وعزير وعيسى ـ هل زعموا أنهم يجعلونهم (مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ) ... آلهة ومعبودات لهم ، وأن ذلك ينجيهم من عذابي؟ وقد حذف هذا الذيل للقرينة ، أي أنه لا ينفعهم ذلك ولا يخلّصهم من غضبي وعذابي أبدا. وعن ابن عباس : المراد بعبادي : هم الشياطين والأصنام (إِنَّا أَعْتَدْنا) هيّأنا وأعددنا (جَهَنَّمَ) بعذابها الشديد (لِلْكافِرِينَ نُزُلاً) أي مأوى ومثوى ، وهو ما يهيّأ للضيف مطلقا للنزول فيه.

* * *

(قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً (١٠٣) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (١٠٤) أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً (١٠٥) ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً (١٠٦))

١٠٣ ـ (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً) : أي قل يا محمد للناس : أتريدون أن نخبركم بأشد الناس خسرانا في العمل يوم القيامة؟ فإليكم ذلك فإنهم هم :

١٠٤ ـ (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) ... أي ضاع عملهم وكدّهم لكفرهم فلم يأجرهم الله عليه. وفي القمّي أن هذه الآية والآية التي تليها نزلتا في اليهود وجرتا في الخوارج من أهل حروراء التي هي قرية بقرب الكوفة نسب إليها الحرورية ـ بفتح الحاء وضمّها ـ لأن أول مجتمعهم

٣٦٦

كان فيها وخرجوا من الدين ببدعهم ومروقهم وضلالهم. والذين يضيع عملهم في الآخرة هم :

١٠٥ ـ (أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ) ... أي جحدوا دلائل ربّهم من القرآن وغيره ، وأنكروا البعث والقيامة ولقاء الله للثواب والعقاب (فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) أي بطلت بكفرهم لأنهم أوقعوها على خلاف ما أمر الله سبحانه (فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً) أي لا نرفع لهم ميزانا توزن به أعمالهم إذ ليس لهم أعمال بعد الحبوط ، أو أن المعنى : لا نجعل لهم مقدارا ولا اعتبارا. وفي الاحتجاج عن مولانا أمير المؤمنين عليه صلوات الله ـ في حديث يذكر فيه أهل الموقف وأحوالهم ، ومنهم أئمة الكفر وقادة الضلالة ـ : فأولئك لا نقيم لهم يوم القيامة وزنا : لا يعبأ بهم لأنهم لم يعبأوا بأمره ونهيه ، فهم في جهنم خالدون ، تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون .. والحاصل أنه سبحانه نبّه عباده في هذه الكريمة بأنّ من لا يعتني بأوامره ونواهيه لا قيمة له عنده ولا كرامة ، ولا يهتمّ به بل يستخفّ به ولا يقيم لعمله وزنا. يقول العرب : ما لفلان عندنا وزن ، أي : منزلة وقدر ، وقد يوصف الجاهل بأنه لا وزن له ، لخفّته وقلة تثبّته. والقرآن الكريم نزل على لسان القوم.

١٠٦ ـ (ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ) ... هي تفسير لسابقتها بمعنى أن عدم اعتبار عملهم ذا أهمية لأنه يخالف أوامر الله تعالى ونواهيه ، جعل جزاءهم يوم القيامة جهنّم بسبب عنادهم للحق و (بِما كَفَرُوا) بالدعوة الى الله (وَ) بما (اتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً) ولأنهم جعلوا رسلي في دار الدنيا موضع هزء وسخرية إذ سخروا بهم وبرسالاتهم.

ثم إنه سبحانه وتعالى بعد بيان حال الكفرة ، أخذ ببيان حال المؤمنين فقال عزّ من قائل :

* * *

٣٦٧

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً (١٠٧) خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً (١٠٨) قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً (١٠٩) قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (١١٠))

١٠٧ و ١٠٨ ـ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) ... بعد الحديث عن الكفرة الجاحدين الذين يكون مثواهم جهنم لخسرانهم وخفّة ميزانهم ، أكّد تبارك وتعالى أن المؤمنين المصدّقين به وبرسله وآياته (كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً) في يوم القيامة ، فهي مثواهم الذي يخلدون فيه ويتنعّمون ولا يذوقون فيها الموت إلّا الموتة الأولى. وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : الجنّة مائة درجة ، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض ، الفردوس أعلاها درجة ، منها تفجّر أنهار الجنّة. فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس. وقيل هو أطيب موضع في الجنة ، وأفضلها. فالمؤمنون الذي كانت أعمالهم صالحة هم أصحاب أعلى درجات الجنات ومنازلهم في الفردوس ، يكونون (خالِدِينَ فِيها) يعيشون أبدا إلى ما لا نهاية (لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً) لا يطلبون تحوّلا عنها إلى غيرها إذ لا أطيب منها ولا أحسن ولا أكثر نعيما مقيما.

١٠٩ ـ (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي) ... قيل (المداد) جمع مدّة وهي المرة التي يستمد بها الكاتب من الحبر لكتابته. وقيل هو الحبر ذاته. كما قيل (الكلمات) هي العلم الذي لا يدرك ولا يحصى ، ومعلوم

٣٦٨

أن المتناهي لا يعني البتة بغير المتناهي كعلم الله تعالى وحكمه .. فقل يا محمد ، لو كان البحر حبرا أو مددا تكتب بها كلمات ربي ويسجّل به علمه (لَنَفِدَ الْبَحْرُ) انتهى (قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي) وتنتهي آياته وعلمه (وَلَوْ جِئْنا) لهذا البحر (بِمِثْلِهِ مَدَداً) عونا يرفده ويساعده ولو كان مثله كبرا وحجما .. ونظر هذه الكريمة قوله سبحانه : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ ..) الآية. وقيل في معناها غير ما ذكرناه ومن شاء فليراجع.

١١٠ ـ (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَ) ... أي : قل يا محمد للناس : أنا مخلوق لله تعالى كما أنكم مخلوقون له ، والفرق بيني وبينكم أني مختار لوحيه سبحانه دونكم ، اختصّني بذلك كما يختص بعض البشر بالغنى والصحة والجمال وبعض الكمالات الأخر دون بعض ، فلا تنكروا عليّ اختصاصي منه جلّ وعلا واختياري للنبوّة من بينكم والإيحاء (إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) لا ربّ سواه ولا خالق ورازق غيره ، ولا شريك له في خلقه وملكه (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ) أي يطمع في الحصول على جزاء ربّه ويأمل بنيل ثوابه ويقرّ بالبعث والحساب والوقوف بين يديه (فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً) أي خالصا لله يتقرب به إليه تعالى (وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) أي لا يقصد بعمله الرياء الذي يسمّى بالشّرك الخفيّ الذي يكون في الأعمال. وقد ذكر العياشي عن الصادق عليه‌السلام أنه سئل عن تفسير هذه الآية فقال : من صلّى وصام أو أعتق وحج يريد محمدة الناس فقد أشرك في عمله ، وهو شرك مغفور ، يعني أنه ليس من الشّرك الذي قال الله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) ، فإن المراد بذلك الشّرك الجليّ الذي يشارك معه تعالى غيره في العبادة ، كعبدة الأصنام والكواكب والملائكة وعزير وعيسى عليهما‌السلام ، ويسمى الشّرك بالذات وصاحبه غير مغفور له كما يستفاد من ظاهر الكريمة. ولعله يشير إلى ذلك ما عن عطا عن ابن عباس : أن الله تعالى قال : لا يشرك بعبادة ربه أحدا ، ولم يقل : ولا يشرك به أحدا ، لأنه أراد العمل الذي يعمل لله ويحب أن يحمد عليه ، قال : ولذلك يستحب للرجل أن يدفع صدقته إلى غيره كي يقسمها ولكيلا

٣٦٩

يعظّمه من يصله بها. وروي أن أبا الحسن الرّضا عليه‌السلام دخل يوما على المأمون فرآه يتوضأ للصلاة والغلام يصبّ على يده الماء ، فقال عليه‌السلام : لا تشرك بعبادة ربك أحدا ، فصرف المأمون الغلام وتولى إتمام وضوئه بنفسه. وفي رواية عنه عليه‌السلام : كان يتوضأ للصلاة ، فأراد رجل أن يصب الماء على يديه ، فأبى وقرأ هذه الآية وقال عليه‌السلام : وها أنا ذا أتوضأ للصلاة وهي العبادة ، فأكره أن يشركني فيها أحد. ويحتمل أن يكون نهيه للمأمون وإباؤه للتنزيه ، يعني شرك تنزيه ، بخلاف القسمين الأولين فإنهما كانا للتحريم .. وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : من قرأ هذه الآية عند منامه إلى آخرها ، سطع له نور من المسجد الحرام ، حشو ذلك النور ملائكة يستغفرون له حتى يصبح ، هذا إذا كان القارئ من غير أهل المسجد الحرام بقرينة رواية أخرى عن أمير المؤمنين عليه‌السلام إذ قال : ما من عبد يقرأ قل إنما أنا بشر إلخ ... إلا كان له نور من مضجعه إلى بيت الله الحرام. فإن كان من أهل بيت الله الحرام ، كان له نور إلى بيت الله المقدس. وعن الصادق عليه‌السلام : ما من عبد يقرأ آخر الكهف عند النوم ، إلّا تيقّظ في الساعة التي يريدها. وفي ثواب الأعمال عنه عليه‌السلام أيضا : من قرأ سورة الكهف في كل ليلة جمعة ، لم يمت إلّا شهيدا ، أو يبعثه الله من الشهداء ، ووقف يوم القيامة مع الشهداء .. أللهم وفّقنا لذلك.

* * *

٣٧٠

سورة مريم

مكيّة ، وهي ثمان وتسعون آية.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(كهيعص (١) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (٢) إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا (٣) قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (٤) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (٥) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (٦))

١ ـ (كهيعص) : في الإكمال ، عن الحجة القائم عجّل الله تعالى فرجه الشريف ، في حديث ، أنه سئل عن تأويلها فقال : هذه الحروف من أنباء الغيب ، أطلع الله عبده زكريّا عليها ، ثم قصّها على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله. وذلك أن زكريّا سأل ربّه أن يعلّمه أسماء الخمسة ، فأهبط عليه جبرائيل فعلّمه إياها. فكان زكريا إذا ذكر محمدا وعليّا وفاطمة والحسن عليهم‌السلام سرّي عن همّه وانجلى كريه ، وإذا ذكر الحسين عليه‌السلام خنقته العبرة ووقعت عليه البهرة ـ أي انقطاع النفس من شدة الحزن ـ.

٣٧١

فقال ذات يوم : إلهي ما بالي إذا ذكرت الحسين تدمع عيني وتثور زفرتي؟ .. فأنبأه تعالى عن قصّته ، فقال : كهيعص ، فالكاف اسم كربلاء ، والهاء : هلاك العترة ، والياء : يزيد وهو ظالم الحسين عليه‌السلام ، والعين : عطشه ، والصاد : صبره. فلمّا سمع بذلك زكريّا لم يفارق مسجده ثلاثة أيام ، ومنع فيها الناس من الدخول عليه ، وأقبل على البكاء والنحيب ، وكانت ندبته : إلهي أتفجع خير خلقك بولده؟ أتنزل بلوى هذه الرزيّة بفنائه؟ إلهي أتلبس عليّا وفاطمة عليهما‌السلام ثياب هذه المصيبة؟ إلهي أتحل كرب هذه الفجيعة بساحتهما؟ ثم كان يقول : إلهي ارزقني ولدا تقرّبه عيني عند الكبر ، وأجعله وارثا ووصيّا ، واجعل محلّه منّي محلّ الحسين عليه‌السلام. فإذا رزقتنيه فافتنيّ بحبّه ثم افجعني به كما تفجع محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله حبيبك بولده. فرزقه الله يحيى ، وفجعه به. وكان حمل يحيى ستة أشهر وحمل الحسين كذلك.

وقيل هو اسم من أسمائه تعالى ، فعن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال في دعائه : يا كهيعص. كما روي أن هذه أسماء الله مقطّعة ، وقد قلنا سابقا : هذا ونظائره من الحروف المقطّعة في أوائل السور ، من أسماء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو هي رموز بينة وبين ربّه سبحانه لا يعرفها إلّا الراسخون في العلم ، والله تعالى أعلم.

٢ ـ (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا) : أي هذا الذي يذكر هو ذكره ، فهو خبر لمبتدأ محذوف. ويعني بالرحمة إجابته إياه حين دعاه وسأله الولد. وزكريّا اسم نبيّ من أنبياء بني إسرائيل ، كان من أولاد هارون بن عمران. أو أن المعنى : هذا المتلوّ بيان لقصة زكريّا. ووصفه بالعبودية كاشف عن سموّ مقامه وعلوّ رتبته كما قلنا في سورة الإسراء بشأن نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث وصفه بذلك الوصف الشريف :

٣ ـ (إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا) : أي حين دعا ربّه دعاء ستره عن الآخرين وكان بينه وبين ربّه تعالى. ويمكن أن يستشم من هذه الآية استحباب الدعاء

٣٧٢

إخفاتا ، ولعلّ وجهه أن ذلك يكون أبعد عن الرّياء وأقرب إلى الإجابة. كما أن هناك فرقا في موارد الدعاء ولا سيّما فيما يدعى به لنفسه أو لغيره ، أو أنه يدعى له. ويلاحظ أن دعاء زكريا عليه‌السلام كان دعاء شيخ كبير امرأته عاقر ، وقد يستهزئ به الناس إذا سمعوا بذلك ، ولذا أخفت في دعائه ومناجاته حين طلب الولد وهذا لا يعني أنه قصد استحباب الدعاء هكذا بل فعله لأن طلبه كان في أعين الناس عجبا ، ولكن لا يخفى أن الدعاء خفية يكون أشدّ إخباتا وأكثر إخلاصا ـ كما قلنا ـ ولا أحد ينكر ذلك. وعلى كل حال كان دعاؤه عليه‌السلام كما يلي :

٤ ـ (رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي) ... قد أضاف الوهن إلى العظم مع صلابته لكي يفهم ضعف جميع أعضائه ، فإن العظم إذا وهن ، أي ضعف ، ظهر الانتكاس في عامّة الجسد من اللحم إلى العصب إلى غير ذلك من أجزاء البدن. فقد ذكر وهن عظمه وضعفه وقال : (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) أي عمّه البياض وتلألأ فيه الشيب لكثرة بياضه. وكان غرضه إظهار عجزه وتذلّله ، ثم أتمّ : (وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا) أي بدعائي إيّاك فيما مضى من أيام عمري لم أكن مخيّبا محروما ، بل كنت كلما دعوتك استجبت لي. وهكذا لا تخفى الإشارة إلى أنه تعالى عوّده الإجابة وأطمعه فيها ، ومن حقّ الكريم أن لا يخيّب من طمع به وبكرمه ، وأن لا يحرمه إذا سأله.

٥ و ٦ ـ (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي) ... الموالي هنا : هم الذين كانوا يلونه في النسب وهم بنو عمّه. وخوفه إياهم (مِنْ) ورائه ، أي بعد موته ، يعني أنه خاف أن يموت ويرث ماله من لا يبالي بالدّين فيصرفه فيما لا ينبغي إذا كان من يرثه من أشرار بني إسرائيل. وقد قيل كانوا بني عمومته ، وقيل كانوا الكلالة والعصبة ، وعن أبي جعفر عليه‌السلام : هم العمومة وبنو العم (وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً) أي أنها لا تلد أبدا (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا) أي ارزقني ولدا ذكرا يليني ويكون أحق وأولى بميراثي

٣٧٣

(يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) أي يرث النبوّة منيّ ومنهم وما هو دونها وأعم منها (وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) مرضيّا عندك وعند الناس جميعا. وقد قيل إن يعقوب هو ابن ماثان ، وأخوه عمران بن ماثان أبو مريم أم عيسى عليهما‌السلام ، وقيل بل يعقوب هو ابن إسحاق بن إبراهيم ، والظاهر أنه الأصح ، ولكننا لسنا بصدد تحقيق هذه الجهة لأنها خارجة عن مقصدنا ، ولكننا ذكرنا القولين واقتصرنا الكلام على ذلك.

وفي القمّي أنه لم يكن يومئذ لزكريا ولد يقوم مقامه ، ويرثه ، وكانت هدايا بني إسرائيل ونذورهم تعطى للأحبار ، وكان زكريا عليه‌السلام رئيس الأحبار. وكانت امرأته أخت أمّ مريم عليها‌السلام بنت عمران بن ماثان. وكان بنو ماثان إذ ذاك رؤساء بني إسرائيل وبنو ملوكهم ، وهم من ولد سليمان بن داود عليهما‌السلام. ومن هذه الرواية يستفاد أن قول زكريا عليه‌السلام : يرثني ، ما كان منحصرا بإرث النبوّة بل هو أعمّ منها ويشمل الأموال أيضا لأن فيه رئاسة الأحبار وما يلي تلك الرئاسة ممّا ذكرنا من الهدايا والنذور الكثيرة التي ينبغي أن تصرف في وجوه الحلال التي ترضي الله عزوجل. وقد استدلّ أصحابنا رضوان الله عليهم بهذه الآية على أن الأنبياء يورّثون المال ، حتى أن بعضهم اختصّ الإرث المذكور في الآية بالمال دون النبوّة والعلم لأن لفظ الإرث والميراث في اللغة والشريعة لا يطلق إلّا على ما تركه الميت وينتقل منه إلى وارثه ، وهو ظاهرة في الأموال ، بل ولا يستعمل في غيره إلّا على سبيل التوسع والمجاز ، ولا يعدل عن الحقيقة إلى المجاز بغير قرينة وليست موجودة في الآية ، بل القرينة على خلافه فإن قوله عليه‌السلام في دعائه : واجعله ربّ رضيّا ، يعني : مرضيّا عندك ممتثلا لأمرك ، ومتى حملنا الإرث على النبوّة لم يكن لذلك معنى ، بل كان من اللغو المحض ، لأنه يشبه أن يقول الواحد : اللهم ابعث لنا رسولا واجعله صالحا عاقلا مرضيّا في أخلاقه وأعماله ، فإن هذا الطلب من تحصيل الحاصل إذ

٣٧٤

لا يعقل إرسال رسول غير صالح ولا عاقل ولا مرضيّ عنده للنبوّة حتى يسأل زكريّا منه تعالى هذا السؤال ..

* * *

(يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (٧) قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (٨) قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً (٩) قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا (١٠) فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (١١))

٧ ـ (يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى) ... ها هنا حذف تقديره : فاستجبنا دعاءه وقلنا له على لسان الملائكة : (إِنَّا نُبَشِّرُكَ) نخبرك الخبر السارّ المفرح (بِغُلامٍ) ولد ذكر يولد لك يكون (اسْمُهُ يَحْيى) كما قدّرنا من عندنا ، و (لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا) أي لم نخلق قبله أحدا سمّي بهذا الاسم. وفي هذا الكلام تشريف له من وجهين : أحدهما أنه سبحانه وتعالى تولّى تسميته ولم يكلها إلى أحد من الأبوين أو غيرهما ، والثاني أنه جلّ وعزّ سمّاه باسم ما تسمّى به غيره من قبله ، ليدلّ الاسم على فضله وشرافته.

قال أبو عبد الله عليه‌السلام : وكذلك الحسين عليه‌السلام : لم يسمّ به أحد قبله ، ولم يكن له من قبل سميّا ، ولم تبك السماء إلّا عليهما أربعين صباحا. قيل : وما كان بكاؤها عليهما؟ قال : كانت تطلع حمراء ، وتغيب

٣٧٥

حمراء ـ أي الشمس تطلع في حمرة عند الشروق ، وتغيب في حمرة تبقى كثيرا بعد الغروب ـ وكان قاتل يحيى ولد زنى ، وقاتل الحسين ولد زنى.

وقد روى سفيان بن عيينة عن علي بن زيد ، عن علي بن الحسين عليه‌السلام ، قال : خرجنا مع الحسين عليه‌السلام ، فما نزل منزلا ولا ارتحل منه إلّا ذكر يحيى بن زكريّا. وقال يوما : من هوان الدّنيا على الله أن رأس يحيى بن زكريّا عليهما‌السلام أهدي إلى بغيّ من بغايا بني إسرائيل.

٨ ـ (قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ) ... أي قال زكريّا عليه‌السلام ذلك في مقام التعجب لأن الولد من الشيخ الفاني والعجوز العاقر أمر عجيب من حيث إنه خرق للعادة ومغاير لسنّة الله تبارك وتعالى ، لا من حيث قدرته عزّ اسمه وقوّته الكاملة ، ولو لا ذلك لم يستوهب زكريّا منه الولد أولا وبالذات لأنه عليه‌السلام منزّه عن أن يخطر في قلبه الشريف معنى استحالة الإجابة لأنه يعلم قدرة الله سبحانه وتعالى. ولكنه تعجّب وقال : (أَنَّى) كيف (يَكُونُ لِي غُلامٌ) ولد ، و (امْرَأَتِي) زوجي (عاقِراً) لا تلد أصلا ، وقد بلغت سنّ اليأس (وَ) أنا (قَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا) أي وصلت إلى سنّ العجز. والعتوّ كبر السنّ والشيخوخة أيضا. وقيل : كان له تسع وتسعون سنة ، ولامرأته ثمان وتسعون سنة يوم دعائه.

٩ ـ (قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ) ... أي قال الله تعالى له ، أو الملك الآمر الذي يكوّن الغلام من المرأة العاقر والشيخ العتيّ بأمر الله ولو كان خلاف السنّة الجارية العاديّة. والحقيقة أن الله تعالى أنزل الأمر أنه (هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ) سهل يسير في كمال السهولة (وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً) أي أنشأتك من العدم ولم تكن موجودا قبل خلقك. فإزالة عقر زوجتك ، وإرجاع قوّتك أهون بنظر الاعتبار من بدوّ الإنشاء. وعن أبي جعفر عليه‌السلام : إنما ولد يحيى بعد البشارة بخمس سنين .. وقد فرح زكريّا عليه‌السلام بالبشارة ولكنه ما كان يعرف موعد التولّد ، وهل يكون بعد البشارة

٣٧٦

بلا فصل أو أنه في وقت مؤخّر موقّت. ولذلك سأل الله سبحانه العلامة فقال :

١٠ ـ (قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً) ... أي علامة أستدل بها أمام الناس على الحمل به وعلى صدق وعدك (قالَ) الله سبحانه وتعالى بواسطة الملك : (آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا) يعني أنك تبقى ثلاث ليال غير قادر على مكالمة الناس ومخاطبتهم من غير علّة في جسدك بل تبقى صحيحا سالما ، وذلك من غير مرض ولا خرس ، فقالوا : إنه اعتقل لسانه ثلاثة أيام من غير بأس ومن غير خرس لأنه عليه‌السلام كان يستطيع أن يقرأ الزبور ويدعو الله ويسبّحه ولكنه لا يتمكّن من الكلام مع الآخرين.

١١ ـ (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ) ... أي أنه بعد سماع هذا القول ظهر على الناس وترك مصلّاه (فَأَوْحى إِلَيْهِمْ) يعني أومى إليهم وأشار ، ولا يحتمل هنا أن يراد بالوحي الكلام لأنه خرج من المصلّى عاجزا عن الكلام إذ وقعت المعجزة من الله سبحانه وبدأ موعد ظهور الآية الربّانيّة ، فقد رمز إلى قومه بالإشارة (أَنْ سَبِّحُوا) أي نزّهوا الله واذكروه وصلّوا له (بُكْرَةً) صباحا (وَعَشِيًّا) مساء ، يعني في طرفي النهار.

* * *

(يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (١٢) وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا (١٣) وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا (١٤) وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (١٥))

١٢ ـ (يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) : انتقل سبحانه إلى خطاب يحيى الذي وعد به أباه زكريّا في الآيات الشريفة السابقة ، وطوى

٣٧٧

ذكر الفترة الطويلة التي مضت ، فقال تعالى له : (خُذِ الْكِتابَ) أي التوراة (بِقُوَّةٍ) بجدّ وعزيمة وقم بما فيها من أوامر ونواه والتزم بها بنشاط وورع. وقال بعض أعاظم أهل التفسير : إن في قول الله تعالى : (يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ) اختصارا عجيبا تقديره : فوهبناك يحيى ، ثم أعطيناه الفهم والعقل ، وقلنا له : يا يحيى خذ الكتاب بقوّة (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) أي أعطيناه الحكمة والعقل والرشد وهو في زمن طفولته.

وفي المجمع ، عن الإمام الرضا عليه‌السلام : أن الصّبيان قالوا ليحيي عليه‌السلام : اذهب بنا نلعب. فقال : ما للّعب خلقنا. ولذلك قال الله تعالى فيه ما قاله. ولا يخفى أن ذلك كان قرب وفاة زكريّا عليه‌السلام حيث إن فيه إشعارا بأن النبوّة تنتقل عنه إلى ابنه قبل أو ان الرّشد الطبيعي. هذا إذا كان الكلام في ذيل هذه الآية لا يزال موجّها إلى زكريّا عليه‌السلام.

١٣ ـ (وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا) : أي رحمة منّا به وتعطّفا عليه آتيناه الحكم صبيّا بناء على أن الضمير يعود ليحيي ، وقيل إن المقصود بلفظ (حَناناً) هو تحنّن يحيى نفسه وعطفه على العباد ليدعوهم إلى الطاعة بلطف وينهاهم عن المعصية إشفاقا عليهم. وقيل قد كان من تحنّن الله سبحانه على يحيى عليه‌السلام أنه كان كلّما قال : يا الله ، قال الله تعالى : لبّيك يا يحيى تلطّفا به (وَزَكاةً) أي تزكية له من الخبائث والأدناس التي طهّره الله منها منذ ولادته ، وذلك يعني أننا طهّرناه طهارة وباركنا فيه بزيادة العلم والعمل الصالح (وَكانَ تَقِيًّا) مطيعا متجنّبا للخطايا لم يهمّ بسيئة.

١٤ ـ (وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا) : أي أنه كان حافظا لحق أبويه تمام الحفظ ولم يكن (جَبَّاراً) متكبّرا (عَصِيًّا) عاصيا لربّه لا في القليل ولا الكثير.

١٥ ـ (وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ) ... أي تحية مباركة له من ربّه منذ ولادته (وَيَوْمَ يَمُوتُ) حين يقضى عليه بالموت (وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا) يوم القيامة.

٣٧٨

فقد كان مرضيّا عند الله غاية الرضا فاستحقّ منه هذا السلام الملازم له في حياته وحين موته ويوم بعثه.

* * *

(وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا (١٦) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا (١٧) قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (١٨) قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا (١٩) قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (٢٠) قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا (٢١))

١٦ و ١٧ ـ (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ) ... بعد قصة زكريّا ويحيى عليهما‌السلام المعجزة ، شرع سبحانه في بيان قصة عيسى ومريم عليهما‌السلام التي هي أكبر إعجازا في عالم الخلق والقدرة ، والتي كانت ـ هي وسابقتها ـ من معاجز نبيّنا صلوات الله وسلامه عليه وعلى أهل بيته الطيّبين ، وذلك حين أخبر الأمة بالقصّتين العجيبتين وببراءة مريم عليها‌السلام حين قال له سبحانه (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ) القرآن (مَرْيَمَ) أي قصّتها (إِذِ انْتَبَذَتْ) حيث اعتزلت (مِنْ أَهْلِها) فابتعدت عن ذويها واتّخذت (مَكاناً شَرْقِيًّا) إذ أقامت في مسجد القدس ولم تزل تشتغل بالتبتّل والعبادة ، ولم تخرج إلا إلى بيت خالتها في حال الاضطرار ، ثم ترجع بعد زوال عذرها إلى مصلّاها. وقيل إنها احتاجت في يوم من الأيام إلى أن تغتسل فطلبت مكانا بعيدا عن

٣٧٩

أهلها وعن الناس واختارته شرقيّ بيت المقدس أو شرقيّ منازل أهلها ، مواجها للشمس إذ كان الوقت شتاء شديد البرد (فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً) جعلت بينها وبينهم سترا يحجز من رؤيتها (فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا) فبعثنا لها جبرائيل عليه‌السلام ـ والإضافة الى نفسه تعالى تشريفيّة ، والتعبير بالرّوح لكمال اتّصاله به سبحانه وقربه منه ، كما أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقول : فاطمة روحي التي بين جنبيّ لشدة محبّته لها سلام الله عليها ، وهذا التعبير معروف ومتداول بين الناس ـ (فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا) أي تصوّر بصورة آدميّ تامّ الخلق سويّ ، وقيل غير ذلك أقوال كانت رجما بالغيب لأنه خلاف ظاهر الآية لأنّ وجه تمثّله بصورة البشر كان لكي تأنس إليه ولا تنفر منه وترتعب إذا رأته بغير الصورة التي تألفها. وحين رأته :

١٨ ـ (قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا) : فمريم عليها‌السلام لمّا رأت جبرائيل عليه‌السلام في ذلك المكان استعاذت بالله منه ، واتّقته بالله واستجارت به عزّ وعلا ، وقالت : اعتصمت بالله منك (إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا) مطيعا لله متجنّبا لما يغضبه .. فلمّا رأى جبرائيل عليه‌السلام خوفها واستيحاشها :

١٩ ـ (قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ) ... أي أنا مرسل إليك من الله تعالى (لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا) لأمنحك من الله تبارك وتعالى ولدا ذكرا طاهرا من الأدناس ، أي من الشّرك وجميع الذنوب. وقال ابن عباس : المراد بالزكيّ هو كونه نبيّ. وعلى هذا يصير الكلام من باب ذكر اللازم وإرادة الملزوم وتسمية الملزوم باسم اللازم. فتعجّبت مريم عليها‌السلام من قول جبرائيل عليه‌السلام ، ثم :

٢٠ و ٢١ ـ (قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ) ... كيف يكون لي ولد ، وكيف يتم هذا الأمر (وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) والحال أنني لم يتزوّجني إنسان زواجا مشروعا. والمسّ هنا كناية عن النّكاح المشروع في عرف الشرع وذلك كقوله تعالى : (مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَ) ، وقوله سبحانه : (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) ، كما أن

٣٨٠