الجديد في تفسير القرآن المجيد - ج ٤

الشيخ محمّد السبزواري النجفي

الجديد في تفسير القرآن المجيد - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد السبزواري النجفي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التعارف للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٣

أخرى ، لكنّ ثمر الجنّتين كانت مستمرة دائما (وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً) لدوام شربهما ومزيد بهائهما.

٣٤ ـ (وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ) ... أي كان للكافر أثمار من أموال مثمرة نامية غير ثمر الكرم والنخل ، واختصاصهما بالذكر لغالبيّتهما ، والّا التّنكير للتعميم (فَقالَ لِصاحِبِهِ) اي قال الأخ الكافر لأخيه المؤمن (وَهُوَ يُحاوِرُهُ) من الحور وهو الرّجوع ، فالمراد هو الرجوع في الكلام ، أي يجادله ويفتخر ويتعالى عليه : (أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً) أي أقوى رهطا وخدما وأولادا وأعوانا.

٣٥ ـ (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) ... اي أدخل أخاه المؤمن معه في البستانين يطوف به فيهما ويفاخره بهما وبغيرهما من أمواله ويعيّره على إتلاف أمواله في سبيل ربّه بحيث ما أبقى عنده ما يصلح به أمر دنياه (وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) اي ضرّ لها بعجبه وكفره. وإفراد الجنّة إمّا لأنهما في حكم الواحدة لتواصلهما ، أو لإرادة الجنس ، أو لأنّه أدخله في واحدة منهما فقط دون الأخرى لأنّها كانت مختصّة به لطراوتها وبهجتها ونضارتها وسعتها وسائر الأمور المحسّنة فيها كما هو الظاهر من إضافتها إلى نفسه (قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً) اي ان تفنى هذه الجنة الّتي بنيت بهذه الكيفية ونمت بتلك الحيثية الجميلة الرائعة لكثرة ثمارها وحسن بهجتها وخضرتها فأعجبها فاغترّ بها فقال : (ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً) أي لا أحسب أنها تخرب وتفنى.

٣٦ ـ (وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً) : أي كائنة ، أو ما أظن أن القيامة آتية خلافا لقوله تعالى : (أَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها). وهذه المقالة كانت ثابتة منه تعالى في جميع الشرائع والأديان (وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي) بالبعث كما زعمت وتقول أيّها الأخ (لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً) أي والله لتكوننّ عاقبة أمري ومرجعي يوم القيامة خيرا من دنياي ومن تلك الجنان والنّعم ، لأنه كان معتقدا بأن استحقاقه الذاتي مقتض لكونه موردا لألطافه تعالى في الدنيا ، فإذا كانت العلّة هي هذه فهي باقية إلى يوم البعث. وحيث إن نعم

٣٤١

الدّنيا فانية لا محالة ونعم الآخرة باقية على زعم قائليها فهي خير منها.

٣٧ ـ (قالَ لَهُ صاحِبُهُ) ... (أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ) ... أي بما هو أصل مادّتك لأن النطفة خلقها الله تعالى بمجرى العادة ، وقال : (مِنْ تُرابٍ) لأن النّطفة من الغذاء الذي ينبت من تراب الأرض ويمتصّ لطائفها ، فجاز أن يقال : خلقك من تراب (ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) أي ما هو المادة القريبة (ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً) جعلك مستقيما عدلا إنسانا ذكرا بالغا مبلغ الرجال.

٣٨ ـ (لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي) ... أصله (لكن أنا) فحذف الهمز وأدغمت النّون في النون ، والكلام من تقدير القول ، يعني : أنا أقول هو الله الذي ربّاني بعد ما أوجدني وأوجد جميع العوالم الإمكانية (وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً) لا أعبد غيره معه.

٣٩ و ٤٠ ـ (وَلَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ) ... أي هلّا ، استفهام إنكاريّ معناه لم ما قلت حين دخلت جنّتك كلمة المشيئة ، أي ما شاء الله. وهذا تعليم للنّوع من باب إيّاك أعني واسمعي يا جارة. وروي عن أنس بن مالك انه قال ، قال رسول الله : كل من يرى شيئا وتعجبّ من حسنه فيقول ما شاء الله لا قوة الا بالله لا يصله عين سوء ولا تؤثر فيه. (إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً) أي وإن كنت تراني فقيرا لا مال عندي ولا أولاد (فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ) أي فأرجو وآمل أن يرزقني ربّي ما هو أحسن من جنّتك في الآخرة ، كما أنني أخشى أن تخرب جنّتك وتبيد (وَيُرْسِلَ) الله (عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ) أي يبعث عليها لكفرك عذابا أو شرّا أو بلاء من السّماء كالصّاعقة ونحوها (فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً) أي أرضا ملساء لا تثبت عليها قدم. وقيل أرضا محترقة.

٤١ ـ (أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً) ... غائرا : أي ذاهبا في الأرض (فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً) أي لن تجد حيلة تردّه بها.

٤٢ ـ (وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ) ... أي أهلكت أمواله ومخبّاته. وثمره كناية عن

٣٤٢

جميع أمواله ، فإن الأموال تجمع من الثمار وأمثالها. وأحيط من أحاط به العدو أي أهلكه (يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ) اي يحوّلهما من جانب إلى آخر ويضرب إحداهما على الأخرى كناية عن التندم والتحسّر (وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) أي أن الأبنية ساقطة عن دعائم كرومها فالكروم واقعة عن الدعائم بعد سقوطها. والضمير راجع إلى الجنة باعتبار ما قلناه. أو المراد بالعروش السقوف والضمير راجع إلى الأبنية والمعنى أن الأبنية واقعة على السقوف بعد سقوط السّقوف أوّلا. وعلى أيّ تقدير لمّا شاهد صاحب الجنّة العذاب صار يضرب يده على الأخرى ويقول (يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ) كأنّه تذكّر نصح أخيه ووعظه له وتنبّه إلى أن هذا العذاب من ناحية شركه.

٤٣ ـ (وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ) ... أي جماعة تعينه على مصيبته (وَما كانَ مُنْتَصِراً) أي ممتنعا بقوّته عن انتقام الله منه.

٤٤ ـ (هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِ) ... أي يوم القيامة ، أو في تلك الحال. والولاية بفتح الواو : هي النصرة ، وبكسرها السّلطان والملك. والحقّ : بالرفع صفة للولاية ، وبالكسر صفة لله سبحانه وتعالى (خَيْرٌ عُقْباً) أي عقابة أحسن.

* * *

(وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً (٤٥) الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً (٤٦))

٤٥ ـ (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا) ... أي اجعل يا محمد لقومك

٣٤٣

وللناس مثلا محسوسا ملموسا ، وهو هذه الحياة التي يعيشونها في الدنيا فإنها (كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ) كالمطر الذي انحدر من السماء ونزل على الأرض. فامتصّته وشربته (فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ) فنما وكبر ونضج واستحصد (فَأَصْبَحَ هَشِيماً) أي يابسا وهو ما تبقّى من الأرض المحصودة من قشّ يابس ، فصارت (تَذْرُوهُ الرِّياحُ) تنسفه وتطيّره بهبوبها. فمثل الإنسان كمثل هذا النبات ، نهب له الحياة فينمو ويكبر ويستتمّ ، ثم يشيخ ويعجز ويموت (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً) أي قادرا على الإنشاء والإفناء. وروي أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ما امتلأت دار حبرة ـ أي سرورا ـ إلّا امتلأت عبرة .. وسأل خالد بن الوليد بنت النّعمان بن المنذر : كيف صرتم إلى هذه المرتبة؟ قالت : طلعت الشمس علينا ولم تكن دابّة تدبّ على وجه الأرض إلّا وكانت تحت سلطاننا ، وغربت الشمس علينا فصرنا بحيث كلّ من يرانا يحترق قلبه لنا ويرحمنا.

٤٦ ـ (الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا) ... المال والبنون ممّا يتزيّن به في الحياة فالغنى والثروة مع الأهل والأولاد من خير ما يتجمّل به الإنسان في عيشه ، وهو غاية ما يسعى إليه ويطمع فيه (وَ) لكن (الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ) من أعمال الخير فالصلوات وبقية الطاعات وأداء الحقوق الشرعية ، هي (خَيْرٌ) ثوابا (عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً) وقيل إن الباقيات الصالحات هي الولاية ، وقيل هي التسبيحات الأربع وقيل الولد الصالح والكتاب النافع بحسب اختلاف الروايات ، فهي كلّ ما بقي من صالح عمل المؤمن على كل حال ، والله أعلم.

* * *

(وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً (٤٧) وَعُرِضُوا عَلى

٣٤٤

رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً (٤٨) وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (٤٩))

٤٧ ـ (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ) ... أي نحرّكها من مواضعها ونقلعها قلعا ونجعلها في الجوّ كالسّحاب تسير على وجه الأرض وتصير كالعهن المنفوش كما قال تعالى في آية أخرى ، ثم تعدم (وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً) ظاهرة من تحت الجبال ليس عليها ما يسترها من جبال وغيرها ، أو مبرزة ما في بطنها (وَحَشَرْناهُمْ) جمعناهم إلى الموقف (فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً) أي لم نترك أحدا إلا وقد جئنا به إلى الموقف.

٤٨ ـ (وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ) ... أي وقفوا للحساب بين يديه سبحانه (صَفًّا) مصفوفين ، فقلنا لهم بلسان الحال : (لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) أي أحضرناكم على الحالة التي أوجدناكم فيها حين خلقكم عراة ليس معكم من الأموال والأولاد شيء وها أنتم تعودون ترجعون إلينا في يوم الموعود وفي الحديث عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : يحشر الناس يوم القيامة عراة حفاة (بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً) الخطاب خاصّ بمنكر البعث فإن كلمة (بَلْ) للإضراب عن المذكور قبلها وجعله في حكم المسكوت عنه مع كونها للعطف نحو ما ذهب زيد بل عمرو ، ففي المقام كانت الخطابات القبلية لعامة البشر فخصص الخطاب في الآية الكريمة ببعضهم وجعل ما قبلها كأن لم يكن ، فلذا جيء بكلمة (بَلْ) للإشارة إلى هذه النكتة. ومعنى الشريفة : ايها المنكرون للبعث ليس الأمر كما

٣٤٥

تزعمون من أنّا لن نجعل لكم موعدا : وقتا للبعث والنشور والحساب. وهذا توبيخ لهم واستهزاء بهم.

٤٩ ـ (وَوُضِعَ الْكِتابُ) ... أي جنسه من صحائف الأعمال لبني آدم في الأيمان والشمائل أو هو كناية عن الحساب فعبّر عن الحساب بالكتاب لأنهم يحاسبون على أعمالهم المكتوبة (فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ) أي خائفين مما فيه من الذّنوب (وَيَقُولُونَ : يا وَيْلَتَنا) هذه لفظة يقولها الإنسان إذا وقع في شدّة وهمّ فيدعو على نفسه بالويل والثبور (ما لِهذَا الْكِتابِ) ما : للاستفهام في مقام التعجّب من شأن كتابه الذي (لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً) أي لا يترك الصغيرة ولا الكبيرة من السيئات والذنوب وغيرها من الأعمال ، وهذا عبارة عن الإحاطة (إِلَّا أَحْصاها) ظبطها وعدّها. وتأنيث الضمير باعتبار الجمع المستفاد من المقام ولذا أنّث الصّغيرة والكبيرة اللّتين جعلتا وصفين للذنب وقيل لمعنى الفعلة (وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً) مكتوبا في صحيفة العمل (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) بأن يكتب عليه ما لم يفعل أو ينقص ثواب محسن أو يزيد في عقاب مسيء ، وهذا بيان كيفيّة الظلم المنفي.

* * *

(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً (٥٠) ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً (٥١) وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ

٣٤٦

 يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً (٥٢) وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً (٥٣))

٥٠ ـ (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ) ... ذكر هذه القصّة تقريرا للتّشنيع على أهل الكبر من المنكرين للبعث وغيرهم من العصاة بأنّ ذلك من سنن إبليس وقد سبق ذكره مع تفسيره في سورة البقرة. وقيل : كرّره تعالى في مواضع لكونه مقدّمة للأمور المقصود بيانها في تلك المحالّ وهكذا كل تكرير في القرآن (أَوْلِياءَ) أي محبوبين (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً) فالظالمون بئس الّذي اختاروا لأنفسهم بدلا عن الله تعالى من الشيطان وذرّيته ، والحال أنّهم عدوّ لهم.

٥١ ـ (ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ... أي الشيطان وذرّيته ما أحضرتهم حين خلق السماوات والأرض اعتضادا بهم (وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً) أي عونا فلم أنتم تتخذونهم شركائي في الطاعة والعبادة.

٥٢ ـ (وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ) ... الله تعالى هو القائل : نادوا شركائي. والإضافة إليه تعالى على زعمهم توبيخا واستهزاء بهم (فَدَعَوْهُمْ) فنادوهم للإعانة (فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا) فلم يلبّوا النداء ولا ردّوا الجواب (وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ) اي بين الكفار وآلهتهم (مَوْبِقاً) حاجزا بين الكفار ومعبوديهم من الملائكة والمسيح وعزير ، فندخل الكفرة في النّار وهذين المعبودين في الجنة ، وفسّر الموبق بالمهلك وهو دار في الجحيم يشترك فيها العبدة وآلهتهم في العذاب.

٥٣ ـ (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها) ... أي أيقنوا الدّخول فيها (مَصْرِفاً) أي موضع فرار حيث إن النّار أحاطت بهم من كل جانب ومكان.

* * *

٣٤٧

(وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً (٥٤) وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلاً (٥٥) وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُواً (٥٦))

٥٤ ـ (وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ) ... أي بيّنا فيه مفصّلا (مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) أي من كل شيء يحتاجون إليه من قصص الأمم الماضية للعبرة ، ومن دلائل القدرة الكاملة ازديادا للبصيرة (جَدَلاً) أي خصومة وعنادا.

٥٥ ـ (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا) ... أي لم يحجزهم عن الإيمان غير طلب ما جرت العادة الإلهيّة عليه من إهلاك الظّلمة الماضين في الدّنيا ، و (الْعَذابُ) عذاب الآخرة (قُبُلاً) أي عيانا وبضمّتين جمع قبيل ، أي أنواعا.

٥٦ ـ (وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ) ... أي لم نبعث الأنبياء إلا ليرغّبوا الناس بالثواب والنعيم ، وليخوّفوهم من العقاب (وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي يخاصم الكفار أهل الحقّ دفاعا عن مذهبهم (بِالْباطِلِ) من إنكار إرسال البشر كقولهم للأنبياء : ما أنتم إلّا بشر مثلنا ، ولو شاء الله لا نزل ملائكة.

ومن اقتراحهم الآيات بعد ظهور المعجزات ، ومن نسبة السّحر والشّعر والكهانة إلى ما جاء به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله (لِيُدْحِضُوا بِهِ) أي ليزيلوا بالجدال (الْحَقَ) القرآن عن مقرّه أو الدّين القويم المحمّديّ. ولعل تأويل الكريمة أن غرض الكفار من جدالهم أن يستروا الحق ويظهروا الباطل ولو

٣٤٨

لم يكونوا قادرين على ذلك (آياتِي) يعني دلائل وجودي وقدرتي ، أو المراد آيات الكتاب (وَما أُنْذِرُوا) من ذكر القيامة وعذابها ، يعني القرآن ومواعيده الأخرويّة (هُزُواً) سخرية واستهزاء.

* * *

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً (٥٧) وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً (٥٨) وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً (٥٩))

٥٧ ـ (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ) ... سؤال استهجان ، أي ليس أظلم من الإنسان الذي ترشده إلى الحق فيعرض عنه وينسى ويتناسى ذنوبه وقبائحه (إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً) أي أغطية وستارا (أَنْ يَفْقَهُوهُ) كراهة أن يفهموا القرآن ، أو يقدّر الجارّ : أي لئلّا يفهموه (وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) صمما وثقلا ، كناية عن غباوة قلوبهم ومسامعهم عن قبوله ، فهم لا يهتدون أبدا.

٥٨ و ٥٩ ـ (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ) ... واضح المعنى ، وهو لا يؤاخذ الناس بذنوبهم ولا يعجّل لهم العذاب في الدّنيا (بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ) يوم القيامة و (مَوْئِلاً) ملجأ أو (الْقُرى) عاد وثمود وأمثالهم (لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً)

٣٤٩

أي لإهلاكهم وقتا معلوما لا يستأخرون عنه ولا يستقدمون. وفي القمّي : لما سأل اليهود النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عن قصة أصحاب الكهف وأخبرهم بها قالوا أخبرنا عن العالم الّذي أمر الله موسى أن يتّبعه وما قصّته فأنزل الله تعالى قوله :

* * *

(وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً (٦٠) فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً (٦١) فَلَمَّا جاوَزا قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً (٦٢) قالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً (٦٣) قالَ ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً (٦٤) فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً (٦٥))

٦٠ ـ (وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ) ... أي يوشع بن نون سمّي فتى لأنه كان حديث السنّ أو لأنه كان يتبعه ويخدمه ، ولذا يسمّى العبد فتى لخدمته مولاه وملازمته له (لا أَبْرَحُ) اي لا أزال أسير (حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ) أي ملتقى بحري فارس من طرف المشرق وبحر الروم مما يلي المغرب وهو المكان الذي وعد فيه موسى بلقاء الخضر عليهما‌السلام (أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً) أسير زمنا طويلا عن الباقر عليه‌السلام ، والحقب ثمانون سنة.

٣٥٠

٦١ ـ (فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما) ... أي ملتقى البحرين ، وكان هناك صخرة عند أعين ماء فقعدا عندها ليستريحا ، فنام موسى لكثرة تعب السفر واشتغل يوشع بالتوضّؤ من تلك العين وكانت عين الحياة ، فوقع من ماء وضوئه قطرة على الحوت المشوي أو المملوح فحلّته الحياة ، وقاما ليمضيا إلى مقصدهما و (نَسِيا حُوتَهُما) أي تركاه ذهولا عنه (فَاتَّخَذَ) أي سلك الحوت (سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً) بارزا وقيل أمسك الله جري الماء من الحوت فلا يلتئم ، وقيل معنى (سَرَباً) دخل في الماء واستتر به.

٦٢ ـ (فَلَمَّا جاوَزا) ... (آتِنا غَداءَنا) ... أي لمّا انصرفا وقطعا مسافة قال موسى ليوشع عليهما‌السلام : أعطنا ما نتغدّى. والغداء طعام الغداة كما أن العشاء طعام العشيّ .. و (نَصَباً) عناء ، ويفهم من الإشارة أنه في غير سفره هذا لا يتعب ولا يعنى بهذه المرتبة من العناء والتعب.

٦٣ ـ (قالَ أَرَأَيْتَ) ... أي : أو تدري (إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ) إذ استرحنا إليها (فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ) عندها وقد (أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ) فسهوت عنه ، وقد (اتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً) اي سار الحوت في البحر وكان بحيث يتعجّب منه لأنه كان ميّتا فصار حيّا ، وكان من كل مكان يسير فيه يمسكه الماء بحيث لا يلتئم كما أشرنا اليه آنفا.

٦٤ ـ (قالَ ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ) ... أي قال موسى ليوشع (ع) (ذلِكَ) أي فقدان الحوت (ما كُنَّا نَبْغِ) هو الّذي نطلبه حيث إنّه علامة لمن نريده ونطلبه ، والقميّ قال : ذلك الرّجل الذي رأيناه عند الصّخرة هو الذي نريده (فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما) فرجعا في الطريق الذي جاءا منه على آثار أقدامهما (قَصَصاً) رجوعا من حيث جاءا. فالقصص هو مصدر بمعنى الارتداد إلى الوراء ويقال له رجوع القهقرى. ولما وصلا إلى الموضع الذي نسيا حوتهما فوجدا الخضر عليه‌السلام مستلقيا فقال له موسى (ع) : السّلام عليك ، فقال : السلام عليك يا عالم بني إسرائيل. ثم وثب فأخذ

٣٥١

عصاه بيده فقال له موسى : إني قد أمرت أن أتّبعك على أن تعلّمني مما علمت رشدا ..

٦٥ ـ (فَوَجَدا عَبْداً ... آتَيْناهُ رَحْمَةً) ... أي النبوّة ، أو الولاية ، أو الوحي. وهذا يدل على النبوة (وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) أي من علم الغيب الذي لم يكتب في الألواح ، وكان موسى عليه‌السلام يظنّ أن جميع الأشياء التي يحتاج إليها موجودة في تابوته ، وأن جميع العلم كتب له في الألواح. وقد روي أنه جاء طير حينئذ فوقع على ساحل البحر ، ثم أدخل منقاره في ماء البحر وأخرجه فقال : يا موسى ، ما أخذت من علم ربّك مثل ما حمل ظهر منقاري من جميع البحر. وكان عمل هذا الطير تنبيها لموسى (ع) حيث يروى أنه خطر على قلبه أنه ليس في عرصة الدنيا اليوم أعلم منه فجاءه الخطاب : يا موسى ، كثير من عبادي أعلم منك ، وأحدهم الخضر (ع) وعن ابن عباس أن موسى (ع) سأل ربّه قائلا : ربّ إنه إن كان أحد أعلم منّي فاهدني إليه. فقال تعالى : نعم عبدي الخضر أعلم منك. فقال : يا ربّ أين هو؟ فجاءه النداء : على ساحل البحر قرب الصخرة. فقال : يا ربّ ما العلامة ، وبأيّ طريق أهتدي إليه؟ فقال تعالى : بالسّمك الذي في خان طعامكم حين يحيا ويتّخذ سبيله في البحر سربا ، فاتبع طريقك تجده عند مجمع البحرين قرب الصخرة.

وهكذا فعل موسى عليه‌السلام ، فوجد صاحبه وطلب منه المصاحبة فقال له :

* * *

(قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (٦٦) قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٦٧) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً (٦٨) قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ

٣٥٢

 اللهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً (٦٩) قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً (٧٠))

٦٦ ـ (قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ) ... أي هل تسمح لي بمصاحبتك والمضيّ معك لأجل أن تعلّمني ممّا عندك من غرائب العلوم التي أجهلها وأمرت بتعلّمها منك ، وهي بعض ما منحك الله تعالى إياه و (مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً) ممّا أفاضه الله تعالى عليك من الهداية؟

٦٧ و ٦٨ ـ (قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) : أجابه الخضر عليه‌السلام قائلا : إنك يثقل عليك الصبر بمرافقتي لأنني وكّلت بأمر لا تطيقه ، ووكّلت بعلم لا أطيقه (وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً) أي كيف يتأتّى لك الصبر على أشياء قد تقع أمامك ولا تعرف وجه الحكمة فيها. وهل تسكت عمّا يحدث أمامك وأنت لا تعرف السرّ في حدوثه؟ والخبر : هو العلم ، فقد يكون لأفعالي ظاهر منكر عندك لأنك لا تعلم باطنه حتى تصبر على ظاهره. وفي قول الخضر عليه‌السلام : لن تستطيع معي صبرا ، لا يريد أن ينفي الصبر عن موسى عليه‌السلام سواء علم أم لم يعلم ، بل نفاه لأنه يخفى عليه سرّ ما يفعله الخضر عليه‌السلام ، وهكذا فإن موسى عليه‌السلام كان ينفد صبره ، ويسأل ، ثم يعود فيعتذر عن السؤال قبل أن يأخذ الجواب.

٦٩ ـ (قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً) ... قال موسى (ع) : سترى أنني أصبر بمشيئة الله (وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً) وسأطيعك وأمتثل أوامرك أثناء مصاحبتي لك.

٧٠ ـ (قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ) ... أجابه الخضر عليه‌السلام : إذا أردت مصاحبتي ومرافقتي فلا تسأل عن شيء تراني أفعله أثناء صحبتنا (حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً) أي حتى أبتدئك بتفسيره وتعليل

٣٥٣

سبب فعلي. وعن الإمام الرضا عليه‌السلام أنه قال له : لا تسألني عن شيء أفعله ، ولا تنكره عليّ حتى أخبرك أنا بخبره. قال : نعم.

* * *

(فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها قالَ أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً (٧١) قالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٧٢) قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً (٧٣) فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ قالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً (٧٤) قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٧٥) قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً (٧٦) فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً (٧٧) قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (٧٨))

٧١ ـ (فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ) ... فمضيا معا وسارا حتى راكبا سفينة ف (خَرَقَها) الخضر عليه‌السلام ، أي ثقبها وعابها وصنع بها ما يعطّلها ويجعلها غير صالحة (قالَ) موسى (ع) : (أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها)

٣٥٤

لتعرّض ركّابها للغرق في البحر؟ (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً) أي فعلت شيئا عظيما أو منكرا ، لأن هذا العمل كان بنظره ظلما لأصحاب السفينة ظاهرا.

٧٢ و ٧٣ ـ (قالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ) ... قال الخضر مجيبا موسى عليهما‌السلام : ألم أقل لك سلفا : إنك لا تقدر على الصبر أثناء متابعتي لأنك لا تعرف وجه الحكمة في أفعالي؟ (قالَ) موسى (ع) : (لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ) آمل العفو عمّا نسيته من شرط متابعتك (وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً) أي لا تعاملني بالعسر في مرافقتك ، ولا تكلّفني ما لا أطيق في اعتراضي عليك واستباقي للحوادث.

٧٤ ـ (فَانْطَلَقا ، حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ) ... ثم نزلا إلى البر ومشيا فصادفا في طريقهما فتى فقتله الخضر عليه‌السلام ، ف (قالَ) موسى عليه‌السلام : (أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً) نفسا طاهرة من الذنوب (بِغَيْرِ نَفْسٍ) بدون أن تستحق القتل ، كمن يقتل نفسا فيقتل بها (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً) فعلت فعلا منكرا بقتل هذا الغلام الذي لم نعرف جريرته وهو لم يقتل أحدا ، بل لمّا يزل دون الحلم.

٧٥ و ٧٦ ـ (قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ) ... مرّ تفسيرها ، ف (قالَ) موسى عليه‌السلام : (إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي) إذا استفهمت منك عن شيء تفعله من الآن وصاعدا فلا ترافقني ولا تتّخذني صاحبا (قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً) أي أنك معذور من جانبي لأنني أنا الذي لم يلتزم بشرط مصاحبتك.

٧٧ ـ (فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ) ... فتابعا سيرهما إلى أن دخلا قرية روي عن الصادق عليه‌السلام أنها هي الناصرة وإليها ينسب النصارى ، وكان عادتهم أن يسدّوا باب القرية عند غروب الشمس ، وبعد ذلك لا يفتحون لأحد إلى طلوعها. وموسى والخضر ويوشع عليهم‌السلام وردوا على تلك القرية بعد الغروب ، وكلّما اجتهدوا وطلبوا منهم أن يفتحوا لهم الباب لم يجيبهم أحد. وقد (اسْتَطْعَما أَهْلَها) أي طلبا الطعام إذا

٣٥٥

قالا : إذا لم تؤونا فإننا جوعانون فجيئونا بطعام وشراب. لم يجبهما أحد من أهل القرية (فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما) فبقيا دون أكل خارج سور القرية إلى أن أصبح الصباح (فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَ) أي رأيا في ضاحية القرية حائطا يكاد ينهدم وهو مشرف على الانهيار (فَأَقامَهُ) بناه الخضر وساعده موسى ويوشع عليهم‌السلام ولكنه (قالَ) له : (لَوْ شِئْتَ) أردت وطلبت (لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً) أجرة نشتري بها طعاما نقتات به.

٧٨ ـ (قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ) ... أي أن قولك : لو شئت لاتّخذت عليه أجرا ، صار سببا لمفارقتك أخذا بقولك السابق إذ قلت : إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني ، وقد ذكر الفراق ثم كرّر ذكر البين ليؤكد عدم مصاحبته بعدها (سَأُنَبِّئُكَ) سأخبرك (بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) أي بحكمة الأشياء التي لم تقدر على السكوت عليها حتى تعرف وجه الحكمة فيها. والتأويل هو إرجاع الكلام وصرفه عن معناه الظاهر إلى معنى أخفى منه ، وهو مأخوذ من آل إذا رجع. ويقال : تأوّل فلان الآية ، أي : نظر إلى ما يؤول إليه معناها.

* * *

(أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً (٧٩) وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً (٨٠) فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً (٨١) وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما

٣٥٦

وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (٨٢))

٧٩ ـ (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ) ... أمّا السّفينة التي خرقتها فإنها ملك لبعض الفقراء من البحّارة ، وقد أحدثت فيها ثقبا (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها) قصدت أن أجعل فيها عيبا لتصير غير صالحة للاستعمال الفوري رأفة بأصحابها المساكين إذ (كانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ) ظالم مستبدّ (يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً) من أصحابها ليسخّرها في مصالحه الشخصيّة. وبذلك أعفيت سفينتهم من التسخير في هذه النّوبة. وقد قال بعض أرباب التفاسير : كما يطلق (الوراء) على الخلف ، يطلق على الأمام. ويحتمل أن يكون المقصود هنا الخلف ، بمعنى أن ذلك الملك كان يتعقّب البحارة ويأخذ السّفن السليمة الصالحة بعلم أصحابها أو بدون علمهم ، وقد علم الخضر عليه‌السلام بذلك ففعل ما فعله لمصلحة المساكين الذين كانوا غافلين عن إحداث عيب بسفينتهم لإعفائها من المصادرة.

٨٠ و ٨١ ـ (وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ) ... أي الفتى الذي قتلته هو ابن لمؤمنين مرضيّين وهو مكتوب في جبينه أنه كافر ، وقد عرف ذلك الخضر عليه‌السلام بعد أن تأمّله بدقّة ، وبعد أن رأى حسنه وأدرك تعلّق أبويه به ففعل ما فعله من قتله وعلّل ذلك لموسى بقوله : (فَخَشِينا) أي خفنا (أَنْ يُرْهِقَهُما) يثقل كاهلي أبويه بما يحمّلهما إياه (طُغْياناً) عنادا وظلما و (كُفْراً) بسبب تعلقهما به وافتتانهما به ، فقتلناه و (فَأَرَدْنا) رغبنا وطلبنا (أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً) أن يرزقهما غيره ولدا خيرا منه طهارة وصلاحا (وَأَقْرَبَ رُحْماً) أي أشد عطفا عليهما ورحمة بهما. وقد قال الإمام الصادق عليه‌السلام : أبدلهما الله جارية ، فولدت سبعين نبيّا. وقيل تزوّجها نبيّ فولدت سبعين نبيّا.

٨٢ ـ (وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ) ... وأمّا الحائط

٣٥٧

الذي بناه في المدينة دون أجر فهو لولدين فقدا أبويهما (وَكانَ تَحْتَهُ) أي تحت الجدار (كَنْزٌ لَهُما) الكنز هو المال المدفون في الأرض من ذهب أو فضة. وفي الكافي عن الصادق عليه‌السلام أنه سئل عن هذا الكنز فقال : أما إنه ما كان ذهبا ولا فضة ، وإنما كان أربع كلمات : لا إله إلّا أنا ، من أيقن لم يضحك سنّه ، ومن أيقن بالحساب لم يفرح قلبه ، ومن أيقن بالقدر لم يخش إلّا الله. وروي في هذا الكنز أخبار لا حاجة لسردها. (وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً) مؤمنا بالله مطيعا له ، فعن الصادق عليه‌السلام أيضا : إن الله ليحفظ ولد المؤمن إلى ألف سنة. وإن الغلامين كان بينهما وبين أبويهما سبعمائة سنة ، وقيل سبعة آباء ، فيؤخذ من هذه الآية الكريمة أن صلاح الآباء ينفع الأبناء ويفيد الأحفاد وأبناءهم. (فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما) شاء أن يصلا في العمر إلى الوقت الذي يعرفان فيه ما ينفعهما وما يضرهما ، أي أن يكبرا ويعقلا (وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما) يكشفانه (رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) لطفا منه بهما (وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي) يعني أنني ما قمت ببناء الجدار من تلقاء نفسي ، بل أمرني بذلك ربّي. وفي المجمع عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : وددنا أن موسى عليه‌السلام كان صبر حتى يقصّ علينا من خبرهما. (ذلِكَ تَأْوِيلُ) تفسير (ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) هي : تستطع وقد حذفت التاء تخفيفا.

ولهذه القصة فوائد جمة ، منها أن لا يعجب المرء بنفسه وبعلمه ، وأن لا يبادر إلى إنكار ما لا يعرفه أو لا يستحسنه أو لا يدرك سرّه ، ومنها أن يداوم على التعلّم ويتذلّل للمعلّم ويراعي الأدب في المقال وتوجيه السؤال وغير ذلك من قواعد حسن السلوك.

* * *

(وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً (٨٣)

٣٥٨

إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً (٨٤) فَأَتْبَعَ سَبَباً (٨٥) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً (٨٦) قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً (٨٧) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً (٨٨))

٨٣ ـ (وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ) ... أي يسألك يا محمد كفار المدينة ويهودها عن الروح وأصحاب الكهف والخضر (ع) وذي القرنين كما ذكرنا سابقا ، ف (قُلْ) لهم : (سَأَتْلُوا) أقرأ (عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً) أي خبرا وبيانا عن حاله. وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن ذا القرنين كان غلاما من أهل الروم ، ثم ملك وأتى مطلع الشمس ومغربها وبنى السدّ في المشرق. وعن عليّ عليه‌السلام : كان ذو القرنين عبدا صالحا أحبّ الله فأحبّه ، فأمر قومه بتقوى الله فضربوه على قرنه فغاب. ثم رجع فدعاهم فضربوه على قرنه الآخر ، فبذلك سمّي ذا القرنين ، وقيل لأنه ملك فارس والروم ، أو المشرق والمغرب وهما طرفا الكرة الأرضية ، والقرن جاء بمعنى الطرف ، وذكر وجوه أخر في سبب التسمية لا فائدة من سردها.

٨٤ ـ (إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ) ... أي جعلنا له فيها سلطانا وقدرة كاملة حتى استولى عليها وقام بمصالحها. فقد روي عن عليّ عليه‌السلام أنه قال : سخّر الله له السحاب فحمله عليها ، ومدّ له في الأسباب ، وبسط له النور فكان الليل والنهار عليه سواء ، فهذا هو من معاني تمكينه في الأرض مضافا إلى تسهيل المسير فيها وتذليل طرقها وحزونها. فقد يسّرنا له ذلك كلّه (وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً) أي أعطيناه من كل شيء في الأرض سببا

٣٥٩

وطريقة توصله إلى ما يريد وتبلغه ما يقصده.

٨٥ و ٨٦ ـ (فَأَتْبَعَ سَبَباً) : أي فاتّخذ طريقا وسلكه نحو الغرب (حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ) أي وصل إلى المحل الذي يتراءى له فيه غروبها من سطح الأرض. ومعناه أنه انتهى إلى آخر أمكنة العمران من جهة المغرب (وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) أي وجد الشمس تغيب عن ناظريه في عين كثيرة الحمأ أي الطّين الأسود المنتن ، وقرئ : (في عين حامية) أي حارّة. فقد وجد الشمس تغرب هناك وإن كانت بالحقيقة لا تغرب في مرمى بصر ولكن ظلّها في الماء خيّل له ذلك لأن الشمس في واقع الأمر لا تزايل الفلك ولا تدخل في عين ماء يعيش قربها قوم ويقيمون آمنين من الاحتراق بحرارتها ، بل هي لا تبارح مجاريها في النظام الكونيّ ، وإنما ذكر القرآن الكريم ما يتراءى للعالمين من شروق الشمس وغروبها بهذا الوصف الدقيق المعجز الرائع .. والحاصل أن ذا القرنين لمّا بلغ ذلك الموضع رأى كأنّ الشمس تغيب في تلك العين ، التي هي في الواقع ساحل المحيط الأطلسي ، حيث وصل إلى هناك (وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً) أي في تلك البقعة من الأرض وجد أناسا كفرة فجرة (قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ) موحين له وملهمين : (إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ) هؤلاء القوم بقتلهم والفتك بهم لكفرهم (وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً) أو أن تسلك فيهم طريقة الإحسان إليهم بهدايتهم إلى الإيمان والهدى.

٨٧ و ٨٨ ـ (قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ) ... أي قال ذو القرنين في نفسه : إنني سأدعوهم إلى الإيمان فإن أصرّوا على الكفر فقد ظلموا أنفسهم ، فنعذّب المصرّ بالقتل أو بالأسر في دار الدنيا (ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ) بعد الموت (فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً) أي منكرا تبلغ شدته بحيث لا يكون معهودا مثله. (وَأَمَّا مَنْ آمَنَ) صدّق واعتقد بالله تعالى وبالدّين (وَعَمِلَ) عملا (صالِحاً) حسنا مرضيّا (فَلَهُ) منّا ومن ربّه عزوجل (جَزاءً

٣٦٠