الجديد في تفسير القرآن المجيد - ج ٤

الشيخ محمّد السبزواري النجفي

الجديد في تفسير القرآن المجيد - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد السبزواري النجفي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التعارف للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٣

والباطل فيه (لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ) أي إمهال لتنظر بمعنى آية وآية ، وسورة وسورة كي يسهل فهمه وحفظه ولتتفكّروا فيه ، وعلى حسب الحوائج ووقوع الحوادث (وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً) حسب المقتضيات

١٠٧ ـ (قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا) ... أي قل يا محمّد بهؤلاء المشركين : سواء آمنتم بالقرآن أم لا ، فإن إيمانكم لا يوجب مزيّة له ، ولا عدم إيمانكم يوجب نقصا فيه. وهذا تهديد لهم حيث إنه كاشف عن عدم الاهتمام بشأنهم و (الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) من المؤمنين (إِذا يُتْلى) يقرأ عليهم (يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً) أي يسقطون على وجوههم تذلّلا وخشوعا لله تعالى. وقد خصّ الذّقن لأن من سجد كان أقرب شيء منه إلى الأرض ذقنه. وتسمّى هذه السّجدة سجدة العلماء لاختصاصها بهم على ما يتراءى من ظاهر الكريمة فأهل الكتاب الذين آمنوا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبقوله (مِنْ قَبْلِهِ) أي من قبل نزول القرآن ، هؤلاء يسجدون لعظمة القرآن حين يسمعون تلاوته.

١٠٨ ـ (وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً) : أي ننزّهه تعالى عن خلف الوعد. و (إِنْ) مخفّفة (إِنْ) يعني : إنّ وعد ربّنا كان مفعولا : كائنا لا محالة.

١٠٩ ـ (وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ) ... ويزيدهم خشوعا : أي أنّهم يسجدون عند سماع تلاوة القرآن ويزيدهم ذلك خضوعا وتذلّلا لازدياد علمهم به ويقينهم بصدق ما جاء فيه.

* * *

(قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (١١٠) وَقُلِ

٣٢١

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (١١١))

١١٠ ـ (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) ... لمّا نزلت هذه الآية الشريفة قال المشركون عند ما سمعوا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يتلوها : يقول : يا الله يا رحمان؟ نهانا أن نعبد إلهين وهو يدعو إلهين؟ وقد سها عن بالهم أن جواب كلامهم السخيف هو منها وفيها ، إذ (أَيًّا ما تَدْعُوا) من هذين الاسمين الأقدسين تكونوا قد دعوتم الله الواحد الأحد وبأيّ اسم من أسمائه الحسنى تدعونه فهو حسن (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها ، وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) أي اسلك طريقا وسطا في صلاتك ولا تخالف المتعارف فاقرأ بقدر ما تسمع نفسك ولا ترفع صوتك عاليا في الجهريّة ولا تجعل الاخفاتيّة دون الهمس.

١١١ ـ (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) ... أي احمد الله عزّ اسمه ، ونزّهه عن الولد والشّريك ، ووحّده وعظّمه عن كل ما لا يليق بألوهيّته. وقد قال رجل عند الإمام الصادق عليه‌السلام : الله أكبر .. فقال (ع) : من أيّ شيء؟ قال : من كلّ شيء. فقال عليه‌السلام : حدّدته. فقال الرجل : كيف أقول؟ قال (ع) : قل : الله أكبر من أن يوصف .. تمّت هذه السورة المباركة والحمد لله ربّ العالمين.

* * *

٣٢٢

سورة الكهف

مكية إلّا آية ٣٨ ومن الآية ٨٣ إلى الآية ١٠١ فمدنية. وآياتها ١١٠ نزلت بعد الغاشية.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (١) قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (٢) ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً (٣) وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً (٤) ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً (٥) فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً (٦) إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (٧) وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً (٨))

١ ـ (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ) ... بدأ سبحانه هذه السورة بحمد نفسه لأنه ليس أولى منه بالحمد على إنزال هذا الكتاب العظيم ـ القرآن ـ على عبده ورسوله محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وقد مرّ بيان

٣٢٣

فضل العبوديّة له عزوجل وتفسير كلمة «عبد» في أول سورة الإسراء ـ وشمل الحمد أنه تعالى (لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً) أي لم يجعل في القرآن الكريم اختلالا في ألفاظه ، ولا تناقضا في معانيه ، بل كان به اعتدال واستقامة تامّان من جميع الحيثيّات وكافّة الوجوه ، ثم جعله سبحانه :

٢ و ٣ و ٤ ـ (قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ) ... أي سوّاه على حد الاعتدال ، لا إفراط فيه ولا تفريط. وقد نصب : قيّما ، بفعل محذوف تقديره : جعله. وفي كتاب تأويلات الكاشي رحمه‌الله أن الضمير في (لَهُ) راجع إلى العبد ، فالعوج صفة منفيّة عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكذلك (قَيِّماً) فإنها صفة له (ص) والمعنى أنه تعالى لم يجعل عبده مائلا لغيره تعالى ، بل جعله معتدلا ومستقيما في جميع أحواله (لِيُنْذِرَ) يحذّر الكافرين (بَأْساً شَدِيداً) قوة وبطشا كعذاب الاستئصال والقتل ، يأتيهم (مِنْ لَدُنْهُ) من قبله تعالى حين يقضي بإهلاكهم لعنادهم وشدة كفرهم ، ول (يُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ) يخبرهم الخبر السارّ بنجاتهم وفوزهم في الدنيا وب (أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً) ثوابا جميلا جزيلا في الآخرة (ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً) مقيمين في النّعيم إلى أبد الأبد و (لِيُنْذِرَ) يحذّر (الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) المشركين من اليهود والنصارى الذين قالوا بأن عزيرا والمسيح عليهما‌السلام ابنان لله ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا ، إذ قالوا ذلك و :

٥ ـ (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ) ... أي ليس لهؤلاء القائلين بهذا القول الشنيع معرفة وإدراك ، كما لم يكن لآبائهم وأسلافهم الذين مضوا قبلهم وكانوا على مثل ما هم عليه اليوم ، وانما قالوا ذلك عن جهل وتقليد ، ومن غير حجة وبرهان صحيح.

٦ ـ (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ) : أي قاتل نفسك (عَلى آثارِهِمْ) اي آثار قومك الذين قالوا لن نؤمن لك تمرّدا منهم على ربّهم (إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً) متعلق بباخع نفسك. وهو اي الأسف الحزن المفرط والغضب الشديد كأنّهم إذ ولّوا عن الإيمان ، فارقوه فشبهه بمن فارقته أعزّته فهو

٣٢٤

يتحسّر على آثارهم بحيث يقرب من الهلكة ، أو يهلك نفسه تلهّفا على فراقهم وبعدهم. والحديث : هو هنا القرآن الذي لم يصدّقوا به.

٧ ـ (إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ) ... أي من زخارفها (زِينَةً لَها) أي ما يصلح لأن يكون زينة لها ولأهلها (أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) أي لآخرته وهو من زهد فيها ولم يغترّ بها وقنع منها بالكفاف.

٨ ـ (وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ... صَعِيداً جُرُزاً) : أي أرضا لا نبات فيها ، أو أرضا انقطع ماؤها أو انقطع عنها المطر ، أو أرضا يابسة.

* * *

(أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً (٩) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً (١٠) فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً (١١) ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً (١٢))

٩ ـ (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ) ... أي بل ظننت أن أصحاب الكهف ، وهم فتية هربوا من ملكهم دقيانوس إلى مغارة وسيعة في الجبل الذي كان حوالي تلك القرية وكان اسم القرية أفسوس وكان الملك يعبد الأصنام. وقيل : كان مدّعيّا للألوهيّة يقتل من يخالفه وكان جبارا عاتيا (وَالرَّقِيمِ) هم النّفر الثلاثة الذين دخلوا في الغار لا فرارا بل لرفع العتب والاستراحة ، فانقطع حجر عظيم من الجبل ووقع على باب الغار فانسدّ عليهم ، وقصّتهم معروفة كقصّة أصحاب الكهف. وقيل معاني أخر للرّقيم

٣٢٥

في كتب التفاسير والتواريخ من أرادها فليراجعها (عَجَباً) أي ما كان عجبا ، فإن خلق السّماوات والأرض وما فيهن من العجائب والأسرار أعجب.

١٠ ـ (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ) ... أي التجأوا إلى الغار لما ذكر آنفا وكانوا من خواصّ دقيانوس ولكنّهم مخالفون له في دينه إذ كانوا مؤمنين بالله تعالى يسترون إيمانهم ولما استقروا في الكهف (فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً) أي الأمن من الملك وأعوانه والفرج ممّا نزل بنا من التحيّر في أمرنا (وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً) أعطنا أمنا من السّلطان وسبّب لنا طريقا نهتدي به في أمر ديننا.

١١ ـ (فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ) ... أي ألقينا على آذانهم ستارا من النّعاس والنوم المانع عن نفوذ الأصوات إليها يمنع السماع ، لأن النّائم إنما ينتبه بسماع الصوت. وقد بيّن سبحانه بهذه العبارة أنهم لم يموتوا وكانوا نياما في أمن وراحة من جميع الجهات فاستجاب الله دعاءهم في كلا الأمرين المذكورين. وهذا من فصيح لغات القرآن التي لا يمكن أن يترجم بمعنى يوافق ظاهر اللفظ (فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً) اي ذوات عدد كثير. وتستفاد الكثرة من التّنوين ، ويحتمل الحمل على القلّة حيث إن مدة لبثهم في الغار بمنزلة بعض من اليوم عند ربّهم كقوله تعالى : (لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ). بيان ذلك أنه تلاحظ في السنين جهتان : الأولى : من حيث عددها وأنها بهذه الحيثيّة كثيرة لأنه قيل كان مدة لبثهم في الكهف إلى زمان استيقاظهم ثلاثمائة سنة ونيّفا. والثانية : من حيث الزمان ولحاظ نسبته بأزمنة الربوبيّة ، فبهذه الجهة قليلة ، كأن يوما واحدا منها أي من الأزمنة الربوبيّة كان مقداره خمسين ألف سنة ممّا تعدّون. فثلاثمائة سنة من الأزمنة المتعارفة عندنا إذا لاحظناها بالنسبة لأزمنة الربوبيّة تعدّ قليلا جدّا. هذا ، ويمكن أن تلاحظ مدة اللّبث بالنسبة إلى الكهفيّين أنفسهم ، فإنّ أمده عندهم كان (يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) فكان عدده عندهم أيضا قليلا جدّا من حيث الزمان.

٣٢٦

١٢ ـ (ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ) ... أي أيقظناهم ونبّهناهم من نومتهم (لِنَعْلَمَ) لنعرف أي الحزبين : الفريقين اللّذين اختلفا في أمر أصحاب الكهف. و (أَيُ) فيه معنى الاستفهام ، ولذلك علّق فيه (لِنَعْلَمَ) فلم يعمل فيه ، وذلك كقوله تعالى : (أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها). فأيّ هنا للاستفهام فقط. والطائفتان اللتان اختلفتا فيهم كانت منهما من تنكر البعث والنشور وتكفر بهما ، ومن تؤمن به وتصدّق. فهما تكنّيان عن الفئة المؤمنة بنبيّ زمانها والفئة الكافرة به وبدعوته التي جاء بها من عند ربه.

وقيل إنه يعني ب (الْحِزْبَيْنِ) أصحاب الكهف وأنّهم لمّا استيقظوا اختلفوا في مقدار لبثهم ، وذلك قوله تعالى : (وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ) ، الآية. والمعنى انه لم يزل سبحانه عالما بذلك وإنما أراد بقوله (لِنَعْلَمَ) ما تعلّق به العلم الأزلي من ظهور الأمر لهم ليزدادوا إيمانا بالنسبة إلى المؤمنين من القوم لو كان المراد بالحزبين الطائفتان : أعني من كانوا كافرين ومؤمنين. وكذا بالإضافة إلى أنفسهم إذا كان المراد من الحزبين وهم ، أي أصحاب الكهف على قول ، لتؤمن بالبعث والنشور الطائفة الكافرة وبعبارة أخرى قوله (لِنَعْلَمَ) أي ليقع علمنا الأزلي على المعلوم بعد وقوعه ، ويظهر لهم مقدار مكثهم فيؤمن المنكرون بالبعث والحشر (أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً) أحصى ، فعل ماض معناه ضبط وحفظ غاية زمان مكثهم. والأمد غاية الشيء ونهايته ، ليس بأفعل التفضيل في شيء لأنه لا يبنى عن غير الثلاثي المجرّد. وحاصل المعنى : لنعلم : أي لننظر أي الحزبين من المؤمنين والكافرين من قوم أصحاب الكهف عدّ وضبط مدّة لبثهم ، وعلم ذلك. وكأنّه وقع بينهم تنازع في مدّة لبثهم في الكهف بعد خروجهم من بينهم فبعثهم الله لتبيّن ذلك ويظهر فيدفع التنازع والترافع.

* * *

٣٢٧

(نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً (١٣) وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً (١٤) هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْ لا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً (١٥) وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً (١٦))

١٣ ـ (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِ) ... أي بما هو الواقع في نفس الأمر (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ) شباب ، وفي الكافي عن الصّادق عليه‌السلام أنه قال لرجل : ما الفتى عندكم؟ فقال له : الشباب فقال عليه‌السلام : لا ، الفتى المؤمن. إنّ أصحاب الكهف كانوا شيوخا فسمّاهم الله فتية بإيمانهم ، وعلى هذا الحديث قوله تعالى : (آمَنُوا بِرَبِّهِمْ) بيان للفتية. وقيل إن الفتوّة هي اجتناب المحارم واستعمال المكارم (زِدْناهُمْ هُدىً) بالتوفيق والتثبيت.

١٤ ـ (وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ) ... أي قوّيناها بالألطاف فأظهروا الحق ردّا على دقيانوس ، وصبروا على المشاق ، فقوّيناها على تحمّل المكروه في نصرة الدّين (إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فهزّوا عرش دقيانوس (لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً) قولا ذا شطط أي : ذا بعد عن الحق مفرطا في الظلم إن دعونا إلها غيره تعالى.

١٥ ـ (هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) ... أي قالوا فيما بينهم : إن

٣٢٨

قومنا أشركوا بالله تعالى وجعلوا غيره آلهة من الأصنام يتعبّدون لها (لَوْ لا يَأْتُونَ) ليتهم يجيئون (عَلَيْهِمْ) على آلهتهم ومعبوداتهم (بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ) أي بحجة ظاهرة ولكنهم ليس لهم حجة على ذلك (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) تعجب من افتراء قولهم الكذب على الله جلّ وعلا.

١٦ ـ (وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ) ... هذا قول بعض أصحاب الكهف لبعض ، أي لمّا أعرضتم عنهم وعن عملهم من الشّرك حيث إنهم كانوا يعبدون الأصنام. ولذا استثنوا الله من معبوداتهم (فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ) اي التجأوا إليه واستقرّوا فيه (يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ) يبسط لكم بعض نعمه وآلائه في الدنيا ، والبقية في الباقي (يُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً) أي يسهّل لكم ما تنتفعون به وتصلحون به أمركم. وكان صدور هذا القول منهم عن عقيدة راسخة ويقين ثابت لشدة وثوقهم واعتمادهم عليه تعالى وعلى فضله. والمرفق مصدر معناه المعاملة برفق ولطف.

* * *

(وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً (١٧) وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً (١٨))

١٧ ـ (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ) ... أي لو كنت عندهم وتنظر إلى

٣٢٩

الشمس حين طلوعها لترى أنها (تَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ) أي تميل عنه (ذاتَ الْيَمِينِ) إلى جهة يمين الكهف (وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ) أي حين غروبها تعدل وتجاوزهم لجهة الشمال من الكهف ، فلا تدخل كهفهم ولا تصيبهم ، تمرّ بالكهف منحرفة عنهم لئلّا تؤذيهم ، وذلك لأن باب الكهف واقعة مقابلة للقطب الشمالي ومواجهة لبنات نعش ، فتطلع مائلة عن الكهف عند مقابلته بجانبه الأيمن ، وتعزب محاذية لجانبه الأيسر ، فيقع شعاعها على جنبيهم لا على أجسادهم مع تمام المحاذاة حتى لا تفسد أجسادهم وتبلى ثيابهم ، بل بمقدار تعدّل هواء الكهف وتصفيه من العفونات المتولّدة عن الأبخرة الأرضية والأنفسية والجوّية في بعض الفصول والأوقات بمقتضى الطبع والطبيعة وقيل إن الكهف واقع في الجهة الجنوبية من جبال بناقلوس أي الروم (وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ) أي في فضاء متّسع من الكهف بحيث ينالهم برد النسيم وروح الهواء فلا يؤذيهم كرب الغار ولا حرّ الشمس في طلوعها وغروبها (ذلِكَ) أي المذكور (مِنْ آياتِ اللهِ) من دلائل قدرته وعظمته (مَنْ يَهْدِ اللهُ) بالتوفيق والإعانة (فَهُوَ الْمُهْتَدِ) كأصحاب الكهف (وَمَنْ يُضْلِلْ) كدقيانوس وأصحابه (فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً) أي من يلي أمره ويرشده إلى الصواب والحق.

١٨ ـ (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً) ... أي لو رأيتهم لحسبتهم منتبهين وهم رقود : نائمون في الحقيقة. وقيل لأنهم مفتحة عيونهم يتنفّسون كأنهم يريدون أن يتكلّموا ولا يتكلّمون. وقيل إنهم ينقلبون كما ينقلب اليقظان. وعن الباقر عليه‌السلام : ترى أعينهم مفتوحة. وروي أن معاوية غزا الرّوم فمرّ بالكهف فقال لو كشف لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم. فقال له ابن عباس : ليس لك ذلك ، قد منع الله من هو خير منك. فقال : لو اطّلعت عليهم لولّيت منهم فرارا. فلم يسمع ، فبعث ناسا فلما دخلوا جاءت ريح فأحرقتهم. قال ابن عباس وأكثر المفسرين : إنّهم هربوا من ملكهم ليلا فمرّوا براع معه كلب فتبعهم على دينهم ومعه كلبه فطردوه ، فقال لهم

٣٣٠

الكلب : ما تريدون منّي فأنا أحبّ أولياء الله فدعوني حتّى أحرسكم ، فذهب معهم إلى الغار فنام في عتبة الكهف وهم ناموا في فضائه كما أخبر تعالى : (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ) أي فناء الغار من جهة الدّاخل. وقيل كان ذلك كلب صيدهم.

* * *

(وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً (١٩) إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً (٢٠) وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً (٢١))

١٩ ـ (وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ) ... أي كما أنمناهم بقدرتنا كذلك أيقظناهم آية لقدرتنا (لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ) عن مدة لبثهم فيعرفوا صنع الله بهم فيزدادوا يقينا (يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) ظنّا منهم. المستفاد من النوم المعتاد إذ لا ضبط

٣٣١

للنّائم. فلما رأوا تغيير أحوالهم من طول أظفارهم وشعورهم صار الأمر ملتبسا عليهم (قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ) فأخذوا في كشف الواقع ورفع الشبهة ولم يجدوا طريقا لذلك إلّا من خارج الغار. وأيضا أحسّوا الجوع فقالوا (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ) الورق جمع مفرده ورقة وهي الفضّة سواء كانت مسكوكة أو غير مسكوكة ، والمراد بها هنا دراهم عليها رسم الملك دقيانوس (إِلَى الْمَدِينَةِ) أي مدينة أفسوس (فَلْيَنْظُرْ أَيُّها) أي أيّ أهلها (أَزْكى طَعاماً) أي أحلّ وأطيب. وعن ابن عباس : أحلّ ذبحه ، قال لأن أكثرهم كانوا مجوسا وفيهم قوم مؤمنون يخفون إيمانهم (فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ) أي بما تشتهون أكله وترزقون (وَلْيَتَلَطَّفْ) أي : وليدقّق النظر ويتحيّل حتّى لا يطّلع عليه أحد من أهل المدينة فيعرفه. وقيل وليتلطّف في الشراء فلا يماكس البائع ولا ينازعه (وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً) أي لا يخبرنّ بكم ولا بمكانكم أحدا.

٢٠ ـ (إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ) ... أي لو يطّلعوا عليكم يقتلوكم (بالرجم) وهو أشدّ قتلا وأخبثه. (أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ) يرجعوكم إلى دينهم (وَلَنْ تُفْلِحُوا) لن تنجحوا أبدا.

٢١ ـ (وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ) ... أي كما أنمناهم بعثناهم لتزداد بصيرتهم وأطلعنا عليهم أهل مصرهم (لِيَعْلَمُوا) بعد اطّلاعهم على حالهم وبعد التفكير بعظمة الله سبحانه وبالخلق والموت والبعث ، ليعلموا (أَنَّ وَعْدَ اللهِ) بالبعث والنشور (حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ) لآتية (لا رَيْبَ فِيها) وفي الحديث : كما تنامون تستيقظون ، وكما تموتون تبعثون ، النّوم أخ الموت. وبالجملة من يقدر على توقية النفوس والتحفّظ على الأبدان لنائمين مدة ثلاثمائة وتسع سنين مفترشين بأبدانهم الأرض ، يقدر على توقية نفوس وأرواح البشر إلى أن يحشر الأبدان فيردّ الأرواح إليها .. (إِذْ يَتَنازَعُونَ) الظرف متعلّق بأعثرنا يعني أعثرنا عليهم حين كانوا يتنازعون (بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ) أي أمر دينهم من بعث الأرواح فقط ، أو مع الأجساد ، أو لا

٣٣٢

بعث ولا حشر. أو المراد أمر الفتية فقد قيل ماتوا ، وقيل ناموا وظاهر ذيل الآية أن الأمر المتنازع فيه هو الموت أي موتهم بعد بعثهم. ولذا (فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً) كالمقابر حتى يخفوا عن أعين الناس الكفرة. فالله تعالى قال : (رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ) أي لم تقولون ما لا تعلمون؟ نحن العالمون أنّهم نائمون أم ميّتون. فهذا الذيل يدلّنا على أن المراد بالأمر المتنازع فيه هو أمر الفتية لا غير (قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ) قيل إن المراد أمر الفتية. والمراد بالموصول الملك المؤمن وأعوانه ، أو هم وسائر المؤمنين ، أو خصوص المؤمنين ولكن الظاهر بعد التأمّل التّام في الكريمة أن المراد من الضمير المضاف إليه هو أهل بلد الفتية لا الفتية ، والأمر أمر أهل البلد بقرينة غلبوا ، حيث إن الغالبين أي المتولين والقاهرين إمّا الملك وأعوانه ، أو أركان البلد ورؤوساؤهم ، فإنهم الغالبون على أمور الناس من أهل البلد ، لا على أمر الفتية الذين ماتوا بعد البعث أم ناموا حتى يغلبوا وأما البناء أو المسجد فهما من أعمال أهل البلد وأفعالهم لا فعل الفتية وأمرهم بحيث يصح أن يقال : إن الملك وأعوانه غلبوا على أمر الناس لبناء مسجد يصلّي فيه المسلمون ويكون ذكرى وعبرة لمنكري البعث والحشر ، لأن من صلّى في مسجد أصحاب الكهف قهرا يتذكر أمرهم ولو لم يعرف قصّتهم فلا بد وان يسأل عنها حتى يعرفها.

* * *

(سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً (٢٢) وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي

٣٣٣

فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (٢٣) إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً (٢٤) وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً (٢٥) قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (٢٦))

٢٢ ـ (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ) ... أي أهل المدينة وملكهم كما سبق تنازعهم في الموت والنّوم وفي البناء أو المسجد الذي يصلّى فيه ويكون ذكرى لهم ودالّا على صحة القول بالبعث والنشر بالأبدان والأرواح بل بالأكفان الفانية ، كما أن الكهفيّين بعثوا هكذا أي مع ألبستهم مضافا إلى أجسادهم وأرواحهم. أو المراد بالمتنازعين في العدد ، وهم أهل الكتاب والمؤمنون في عهد نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله كما جاء به الحديث. فكما اختلفوا في مدة لبثهم في الغار كذلك اختلفوا في عددهم ، فمن قائل هم ثلاثة ، ومن قائل هم خمسة ، إلى قائل : هم سبعة (رَجْماً بِالْغَيْبِ) أي يقولون قولا من حيث لا علم لهم بالغيب ولا معرفة لهم بعددهم. وهذا الكلام راجع إلى القولين السّابقين في مقام تزييفهما والطعن عليهما. وهو يدلّ على صحة القول الثالث ، وإلّا لوقع بعد تمام الأقوال الثلاثة مضافا إلى روايات وردت من الخاصة والعامّة تدلّ على القول الثالث. هذا مع أنه تعالى خصّ هذا القول الأخير بزيادة حرف وهو الواو الّتي تدخل على الجملة الواقعة صفة للنكرة ، نحو جاءني رجل ومعه آخر. وفائدتها توكيد ثبوت الصّفة للموصوف. ففيما نحن فيه يدل على صدق القول الذي خصّ بهذه الزيادة. وهذه فائدة مهمّة ترتّبت على زيادة هذا الحرف (أي الواو) في (وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) ، (ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا

٣٣٤

قَلِيلٌ) وهم النبيّ وأوصياؤه ومن تعلّم منهم. قال ابن عباس : انا من ذلك القليل (فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً) أي لا تجادل في أمر الفتية وشأنهم إلّا أن تتلو عليهم ما أوحي إليك بلا تعنيف ودون أن تتعمّق فيه (وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً) اي لا تسأل في شأن الفتية من أهل الكتاب أحدا وحسبك ما قصصنا عليك فيهم.

٢٣ و ٢٤ ـ (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً) ... أي لا تصدر إلّا عن مشيئة الله تعالى ، وإلّا متلبّسا بها ، قائلا : إن شاء الله. قال الأخفش فيه إضمار القول ، وتقديره : إلّا أن تقول إن شاء الله. والنّهي في الآية للتّنزيه لا نهي تحريم ومولويّ بل إرشاد إلى أمر مطلوب. وهو خروج قولك بهذا الاستثناء عن الكذب إذا قلت كلاما جزما وعن قطع ، فلا يلزم كذب وحنث إذا حلفت ولم تفعل لمانع (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ) أي إذا نسيت الاستثناء والتّقييد فاستثن متى ذكرت أنّك لم تستثن ولم تقيّد كلامك ، فقل : إن شاء الله. وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام : الاستثناء في اليمين متى ما ذكرت وإن كان بعد أربعين صباحا ، ثم تلا هذه الآية وفي بعض الرّوايات : وإن كان الذكر بعد سنة ، وقيل : أذكره إذا اعتراك نسيان شيء لتذكر المنسيّ (وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي) أي أرجو من ربّي أن يلهمني ويعطيني ما هو أقرب وأوضح دلالة على نبوّتي من قصة أصحاب الكهف وإخباري بها ، وقد فعل وإنه تعالى قد أخبره بحوادث نازلة في الأعصار المستقبلة إلى يوم القيامة وبأمور أخر ، منها الإخبار عن مدّة لبثهم في الغار ومقدارها الواقع حقّا بقوله تعالى :

٢٥ ـ (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ) ... أي ثلاثمائة سنة و (تِسْعاً) نياما. وقوله : سنين : بدل إذا قرئت ثلاثمائة بلا إضافة ، وإلّا كان من باب وضع الجمع موضع الواحد وفصّل (وَازْدَادُوا تِسْعاً) لنكتة هي أن اللّبث من حين الدخول إلى يوم البعث كانت بالسنيّ الشمسيّة ثلاثمائة تماما وبالسنيّ القمريّة تزاد تقريبا تسع سنوات. وإنما قلنا تقريبا لأنّ التفاوت بين

٣٣٥

الشمسيّة والقمرية في كلّ سنة أحد عشر يوما تقريبا فيصير التفاوت أزيد من ذلك ـ اي من التسع ـ بشهرين وتسعة عشر يوما على ما في التفسير الكبير.

٢٦ ـ (قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا) ... أي أعرف من الذين اختلفوا فيه من أهل الكتاب ، فلا بدّ من أن يؤخذ بما أخبر به الله وأن يترك قول أهل الكتاب. وروي أنه سأل يهودي عليّا عليه‌السلام عن ذلك فأخبره بما في القرآن ، فقالّ : في كتبنا ثلاثمئة. فقال عليه‌السلام : ذلك بسنيّ الشمس ، وهذا بسنيّ القمر (لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي علم الغيب مختصّ به تعالى (أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ) أي بالله تعالى وهي صيغة تعجّب أي ما أبصره بكل موجود وما أسمعه لكل مسموع والهاء فاعل والباء زائدة (ما لَهُمْ) أي لأهل السّماوات والأرض (فِي حُكْمِهِ) أي في قضائه (مِنْ وَلِيٍ) يتولّى مصالحهم ويفوّضون أمرهم إليه (وَلا) الله تعالى (يُشْرِكُ) يشارك ويقاسم (فِي حُكْمِهِ) قضائه وسلطانه (أَحَداً) من مخلوقاته المفتقرة إليه.

* * *

(وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (٢٧) وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (٢٨) وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها

٣٣٦

وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً (٢٩))

٢٧ ـ (وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ) ... أي اقرأ على الناس ما ننزله عليك من الوحي المكتوب في القرآن أو في اللوح المحفوظ ، دون أن تتعدّى ذلك إلى غيره لأن ربّك (لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ) لا مغيّر لها ولا صارف لها عمّا نزلت به (وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) وليس لك ملجأ ولا موئل غيره سبحانه وتعالى. ويقال : التحد إلى فلان ، بمعنى : مال إليه وأوى إلى حماه.

٢٨ ـ (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ) ... أي احبسها. و (يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) أي رضاه وطاعته (وَلا تَعْدُ عَيْناكَ) لا تجاوز عينيك عن المؤمنين إلى غيرهم من أهل الدنيا (تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا) أي مجالسة الأشراف وأصحاب الأموال الذين تزيّنوا بزينة الحياة الدّنيا ، طمعا في إيمانكم (وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) أي إفراطا وتجاوزا للحدّ ومتقدّما على الحق.

٢٩ ـ (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ) ... أي أنّ القرآن من عند ربّكم (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ) فليقبل (فَلْيَكْفُرْ) أي فليأب ، فإن له الاختيار. وهذا تهديد ووعيد بصورة الأمر ، ولذلك عقّبه بقوله (إِنَّا أَعْتَدْنا) هيّأنا (لِلظَّالِمِينَ) الكافرين الّذين ظلموا أنفسهم بعبادة غيره تعالى هيّأنا لهم (ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها) أي فسطاطها ، شبّه به النار المحيطة بهم ، أو دخانها ولهبها (وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا) ... (كَالْمُهْلِ) أي القيح المختلط بالدّم من الميّت خاصّة ، أو ما هو المذاب من المعدنيّات كالنحاس. وهذا على التشبيه (يَشْوِي الْوُجُوهَ) ينضجها الحرّ إذا يدنو للشرب (بِئْسَ الشَّرابُ) أي المهل. وهذا الذّم يؤكد فرط حرارته (وَساءَتْ مُرْتَفَقاً) أي متّكأ. فان الارتفاق هو نصب المرفق تحت الخدّ ، وذكره للمقابلة والمشاكلة بقوله (وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً). وإلّا

٣٣٧

أين المخدّة والمتّكأ وأهل النّار؟ وبعد الوعيد لأهل النار أردفه بوعد المؤمنين فقال تعالى :

* * *

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (٣٠) أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (٣١))

٣٠ ـ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) ... (أَحْسَنَ عَمَلاً) : أي لا نترك أعمالهم تذهب ضياعا ، بل نجازيهم ونوفّيهم من غير بخس. والآية تدل على أن العمل شرط لحصول هذه المثوبات فان اللطف يدل على المغايرة ، والإيمان المجرّد عن العمل مقتض لا أنه علة لها ، وكذلك يدل على أن المؤمن يستوجب بحسن عمله تلك المثوبات لا أن الاستيجاب يحصل بحكم الوعد أو لذات الفعل وهو الإيمان كما عليه المعتزلة.

٣١ ـ (أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ) ... الظاهر أن هذه الشريفة خبر لقوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) في صدر الآية الشريفة السابقة. وقوله تعالى : (إِنَّا لا نُضِيعُ) إلى آخرها ، جملة مستأنفة لا أنه خبر ، وإن شئت عبّر عنها بالمعترضة ولعله أحسن. والله أعلم (جَنَّاتُ عَدْنٍ) أي جنات إقامة لأنهم يبقون فيها ببقاء الله دائما. وقيل عدن هو بطنان الجنة أي وسطها والجمع باعتبار سعتها أو باعتبار أن كلّ ناحية منها تصلح أن تكون جنّة (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ) إمّا باعتبار أنهم على غرف في الجنّة كما قال : وهم في الغرفات آمنون ، أو لأنّ أنهار الجنة تجري في أخاديد وأقنية مرتبة في الأرض وتحت الغرف

٣٣٨

والقصور (يُحَلَّوْنَ فِيها) أي يجعل لهم فيها حليّ من أساور من فضة وذهب ولؤلؤ وياقوت ، وهذه لباس الزينة ، وأمّا لباس التستّر فقوله : (وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً) وهي أبهى الألوان (مِنْ سُنْدُسٍ) اي ما رقّ من الديباج الرقيق الناعم (وَإِسْتَبْرَقٍ) أي ما غلظ منه (عَلَى الْأَرائِكِ) جمع أريكة وهي السّرير في بيت زيّن للعروس (نِعْمَ الثَّوابُ) أي الجنّة ونعيمها (وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً) أي السّرر من حيث الاتّكاء عليها والارتياح بها في تلك الجنّات. ثم إنه ضرب مثلا للمطيعين من عباده وللعاصين منهم فقال تعالى :

* * *

(وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً (٣٢) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً (٣٣) وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً (٣٤) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً (٣٥) وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً (٣٦) قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً (٣٧) لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً (٣٨) وَلَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ إِنْ تَرَنِ

٣٣٩

أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً (٣٩) فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً (٤٠) أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً (٤١) وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً (٤٢) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَما كانَ مُنْتَصِراً (٤٣) هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً (٤٤))

٣٢ ـ (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ) : أمر الله تعالى نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله بأن يضرب للكفرة الذين افتخروا على المسلمين بثروتهم وأموالهم مثل الرجلين اللّذين كانا أخوين في بني إسرائيل على ما روي عن ابن عباس أنه قال : يريد الله بالرّجلين ابني ملك كان في بني إسرائيل توفّي وترك ابنين ومالا جزيلا فأخذ أحدهما حقه منه وهو المؤمن منهما فتقرّب به إلى الله تعالى وتصدّق به ، وأخذ الآخر وهو الكافر حقه متملّك به ضياعا ، منها هاتان الجنتان اللّتان ذكرهما الله تعالى ومنها دار بني بألف دينار وتزوّج بامرأة بألف دينار ثم اشترى خدما بألف دينار ، فوصف الله سبحانه البساتين بصفات منها كونهما جنّتين بظلّ الأشجار. فان أصل معنى كلمة الجنّة : الستر والتغطية ، والصفة الثانية قوله سبحانه : (وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ) أي جعلنا النخل محيطا بالجنّتين ، والثالثة كون الزرع بينهما بكيفيّة خاصّة بهما ، إلى آخر الأوصاف المذكورة.

٣٣ ـ (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها) ... آتت أكلها : أي أعطت ثمرها وكل ما يؤكل منها (وَلَمْ تَظْلِمْ) لم تنقص (مِنْهُ شَيْئاً) من الثمر المعهود ، بل أدّته تماما على خلاف العادة الجارية في الفواكه فإنها تأتي سنة وتنقص في

٣٤٠