الجديد في تفسير القرآن المجيد - ج ٤

الشيخ محمّد السبزواري النجفي

الجديد في تفسير القرآن المجيد - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد السبزواري النجفي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التعارف للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٣

يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُوراً (٦٤) إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً (٦٥))

٦١ ـ (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) ... مرّ تفسيرها سابقا و (طِيناً) منصوب بنزع الخافض ، أي : من طين. ولا يخفى ما فيها في تحقير إبليس اللعين للإنسان والإنسان يطيعه ويتولّاه ، فتأمّل وأنظر إليه وهو ـ بين يدي الخالق عزوجل ـ يتهدّد ذريّة آدم ويقول :

٦٢ ـ (قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَ) ... كلمة (هذَا) مفعول أول ل (رأى) والكاف للخطاب ولا محلّ لها من الإعراب وقد زيد لتأكيد الخطاب فقط (الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَ) المفعول الثاني مقدّر ، أي : أخبرني عن هذا ، الّذي فضّلته عليّ ، بالأمر بتعظيمه ، لم فضّلته عليّ؟ (لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ) أي لأقودنّهم من أحناكهم ـ والحنك أسفل الذقن ـ كما تقاد الدابّة إذا جعلت في حنكها الأسفل حبلا تقودها به والمعنى لأقودنهم بالإغواء ولأستولين عليهم ولأضعنّ حبل مكري وحيلي في أعناقهم ، لأجرّهم إلى اطاعتي ومعصيتك كما يضع صاحب الأنعام والدّواب الحبل في أعناق دوابّه ويتمكّن منهم إلى مقصده. فادّعى اللّعين هذا الأمر فجرّب بوسوسة لآدم فلم يجد له عما فعلم استنباطا أن أولاده أضعف منه أو استنبط من قول الملائكة أتجعل فيها من يفسد فيها إلخ .. أو تفرّس اللّعين من خلق البشر حيث أنه علم ركوز الشهوة والغضب في طبائعهم فعرف أن السّلطة عليهم سهلة.

٦٣ ـ (قالَ اذْهَبْ) ... هذا الأمر أمر إهانة وإبعاد ، يعني طرده تعالى عن مقام قربه ورحمته على وجه التهديد والوعيد والتخلية بينه وبين عمله المبغوض للمولى بما سوّلت له نفسه. ويستفاد منه أنه تعالى أجاب دعاءه بتأجيله و (جَزاءً مَوْفُوراً) أي مكملا تامّا غير منقوص.

٣٠١

٦٤ ـ (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ) ... أي استخفّ واستنزل أو استنهض بخفّة وسهولة (مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ) اي بدعوتك إيّاهم إلى الفساد. وعند بعض القرّاء صوت الشيطان هو الغناء والمزامير. لعل المراد من الصّوت هنا هو هذا المعنى فان التعبير عن الدّعوة بهذه اللّفظة دالّ على هذا المعنى كما لا يخفى على من تأمّل في أسرار التعابير ورموز ألفاظ القرآن (وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ) يمكن أن يكون مشتقّا من أجلب القوم أي جمعهم ، أو من جلب بمعنى ساق ، أو من أجلب على الفرس أي صاح عليه بشدة وخشونة والظاهر أن المراد هو الأخير بقرينة «على» الجارة ولأن الثاني متعدّ بنفسه. أي صح على ولد آدم بخشونة وانزعاج بفرسانك وراجليك حتى تستأصلهم (وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ) المكتسبة من الحرام (وَالْأَوْلادِ) المتولّدين من الزّنى (وَعِدْهُمْ) بالأمور الباطلة كنفي البعث وشفاعة الآلهة وتأخير التوبة لطول الآمال (وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً) أي تزيين الخطأ بما يوهم أنه صواب ، فهو يعدهم بالغش.

٦٥ ـ (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) : أي المؤمنين المخلصين بقرينة الإضافة التشريفية وهي الإضافة إلى ذاته المقدسة ، ولقوله : إلّا عبادك منهم المخلصين فهؤلاء ليس لك عليهم سلطان ، أي أنك لا تقدر أن تغويهم حيث إنّهم لا يغترّون بك ولا يسمعون قولك ولا يطيعونك فلا نفاذ لك عليهم ، و (وَكِيلاً) حافظا من الشّرك لمن التجأ إليه.

* * *

(رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (٦٦) وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً (٦٧)

٣٠٢

أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً (٦٨) أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً (٦٩) وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً (٧٠))

٦٦ ـ (رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ) ... أي يجريها بالأرياح التي تجري السفن بها أو انها تساعد الفلك في جريها لو كان الجري بأسباب أخر ومن خلق الماء الذي على وجهه يمكن جري السّفن ، وجعل الفلك بكيفيّة تركبون عليها وتطلبون ما فيه صلاح أمر دنياكم من التجارة وممّا يخرج من البحر من الأمتعة النفيسة بأقسامها من فضله تعالى ، ومن الأمن من الغرق (إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً) حيث أنعم عليكم بهذه النعم.

٦٧ ـ (وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ) ... أي خوف الغرق بسكون الرياح واحتباس السفن فيطول مدة وصول الركبان إلى المقصد أو باضطراب الأمواج وغيره من أهوال البحر (ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ) اي غاب عن خواطركم كلّ من تدعونه في حوادثكم وحوائجكم وتعبدونه من آلهتكم فلا تدعون حين الضرّ (إِلَّا إِيَّاهُ) إلّا الله إذ لا يكشف الضرّ سواه (فَلَمَّا نَجَّاكُمْ) من الغرق وأوصلكم إلى خارج البحر (أَعْرَضْتُمْ) عنه تعالى ورجعتم إلى ما كنتم عليه من الكفر والجحود والطغيان (وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً) هذا بمنزلة التعليل للأعراض فهو يكفر بنعمة ربه.

٦٨ ـ (أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ) ... أي أن الّذي يقدر أن يغرقكم

٣٠٣

ويهلككم في الماء إذا كنتم فيه هو القادر أن يهلككم في التراب إذا كنتم على وجه البسيطة في البرّ فلا تأمنوا من أن يخسف بكم جانب البرّ أي طرفه ، والإضافة بيانيّة (أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً) من الريح الشديد التي تحصب أي ترمي بالحصى (ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً) حافظا من ذلك.

٦٩ ـ (أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى) ... أي في البحر مرّة أخرى بتقوية دواعيكم إلى أن ترجعوا فتركبوا البحر (قاصِفاً) أي كاسرا شديدا يكسر الفلك والشجر ويقلع الأشجار والأبنية و (تَبِيعاً) مطالبا يتبعنا بثأركم أو دافعا عنكم أو ناصرا لكم والحاصل ليس لأحد أن يخاصمنا في فعلنا حيث إنّا نفعل ما نشاء.

٧٠ ـ (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ) ... بالعقل والنّطق واعتدال الخلق وتسخير الأشياء له وخصوصيات أخر تختص به كتدبير أمر المعاش والمعاد وتسخير جميع الحيوانات ، إلخ .. (وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) أي على الدوابّ والسّفن بل في الجوّ على المراكب الجوّيّة بأقسامها من الحربيّة وغيرها الّتي بلغت اليوم مبلغا كبيرا من الأنواع المختلفة ولا حاجة لذكرها (وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا) والمراد هو التفضيل بفنون النعم الدّنيوية وأقسام الملاذّ وممّا لم يجعله لشيء من الحيوان كتسخير الكائنات لبني آدم وكالثواب على العمل فإن المراد بالتفضل هو التفضّل البدويّ والمستثنى هو جنس الملائكة فيسقط الاستدلال بهذه الآية على تفضيل الملائكة على الأنبياء ويلزم القول بان المراد من التفضيل هو الثواب على الأعمال والتكاليف.

* * *

(يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٧١) وَمَنْ كانَ فِي

٣٠٤

هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً (٧٢))

٧١ ـ (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) ... قيل إن الظرف متعلّق بقوله تعالى : فضّلناهم ، وقيل بأذكر المقدّر ، وقيل بقوله تعالى : يعيدكم في الآية ٦٤ وعلى كلّ اختلف في الإمام على أقوال ، ولعل الحق هو ما روي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام من أن المراد به هو من ائتمّوا به في الدّنيا من نبيّ أو وصيّ نبيّ ، أو شقيّ. وعن الصادق عليه‌السلام في رواية أخرى قال : بإمامهم الذي بين أظهرهم ، وهو قائم أهل زمانه. ويكون المعنى على هذا أن ينادى يوم القيامة فيقال : تعالوا يا متّبعي إبراهيم ، هاتوا متّبعي موسى ، تعالوا يا متّبعي عيسى ، هاتوا متّبعي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيقوم متّبعو الحق الذين اتّبعوا الأنبياء فيأخذون كتبهم بأيديهم اليمنى. ثم يقال هاتوا متّبعي الشيطان ، وتعالوا يا متّبعي رؤساء الضّلالة والغيّ فيعطوا صحائف أعمالهم بأيديهم اليسرى ، وهذا آية أنهم أهل النار فيساقون إلى جهنّم وبئس المصير ، والاوّلون إلى الجنة ونعم المصير (فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) فيفرحون ويسرّون بقراءتهم لما في الكتاب من الأعمال الحسنة ولا ينقصون من حقّهم مقدار ما في شقّ النواة من المفتول الذي فيه كالخيط بين شحم التمرة وبزرها.

٧٢ ـ (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى) ... أي أن الذي في الدّنيا أعمى البصر والبصيرة عن الآيات الدالّة على الصانع سبحانه وتعالى ، وعن الحقائق الموجودة المؤدّية به إلى الإيمان بالواحد الأحد (فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ) يوم القيامة يكون (أَعْمى) أكثر عمى (وَأَضَلُّ سَبِيلاً) باعتبار أنه قد فاتته الفرصة وزال استعداده للتعويض عمّا فرّط ، وذهبت المهلة التي كان يتمتّع بها في دار الدّنيا ، ولذلك فإنه أعمى العينين وأعمى القلب لا يهتدي إلى طريق النجاة أي طريق الجنّة.

* * *

٣٠٥

 (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (٧٣) وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً (٧٤) إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً (٧٥) وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً (٧٦) سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً (٧٧))

٧٣ ـ (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ) ... كلمة (إِنْ) مخفّفة ، أي الشأن قاربوا أنّهم يستنزلونك (عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) من الأحكام. وحاصل الشريفة أن المشركين الذين تقدّم ذكرهم في هذه السّورة همّوا وقاربوا أن يزيلوك ويوقعوك في الفتنة ويصرفوك عمّا أوحينا من القرآن وما فيه من الأحكام. واللام في (لَيَفْتِنُونَكَ) فارقة بين كون (إِنْ) مخفّفة وكونها نافية (لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ) أي لتخترع علينا غير ما أوحينا إليك ، وعندئذ يتّخذونك (خَلِيلاً) صاحبا.

٧٤ ـ (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ) ... أي ثبتنا قلبك على الحق والرشد بالعصمة وقيل بالألطاف الخفيّة (لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) تركن : تطمئنّ إلى قولهم بعض الاطمئنان.

٧٥ ـ (إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ) : أي لعذّبناك عذابا مضاعفا في الحياة وكذا بعد الممات ، لأن الذنب من النبيّ الأكرم (ص) أعظم (ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً) أي دافعا عنك وناصرا ينصرك.

٣٠٦

٧٦ ـ (وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ) ... (إِنْ) مخفّفة ، أي قارب أهل مكة ليزعجونك ويستخفّونك بمعاداتهم (مِنَ الْأَرْضِ) أرض مكة ولو أخرجوك منها (لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ) بعدك (إِلَّا قَلِيلاً) أي زمانا يسيرا لان كثيرين منهم ، وهم رؤوس أهل مكة وقوّاد الضلالة والفتنة ، قتلوا ببدر بعد خروج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وهجرته إلى المدينة. وقيل كان ذلك بعد الهجرة بسنة ، وقرئ : خلفك.

٧٧ ـ (سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ) ... أي جرت عادتنا على أن نهلك من الأمم الّذين فعلوا بأنبيائهم مثل ما فعلوا بك من الاستخفاف والإهانة والإزعاج مقدّمة للإخراج. وإضافة السنّة إلى الرّسل لا إلى المرسل مع أنها له. ويقال سنّة الله ويدل عليه ذيل الآية حيث إنه تعالى أضافها إلى نفسه المقدّسة فقال : لسنتّنا وقد جعلت الإضافة إليهم لأن تشريع هذه السنّة وجعلها كان لهم عليهم‌السلام (وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً) أي سننّا على أنه مهما كان حال الرّسل بين أممهم فالأمم مأمونون من العذاب إلى أن يشاء الله. وإذا أخرجوا الرّسل من بين أظهرهم عذّبناهم واستأصلناهم. وهذه عادتنا من قبل في الأمم ، ولا تجد لعادتنا تغييرا ولا تبديلا. ثم انه تعالى بعد إقامة البيّنات وذكر الوعد والوعيد أمر بإقامة الصّلاة وقال سبحانه :

* * *

(أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً (٧٨) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً (٧٩)

٣٠٧

وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً (٨٠) وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً (٨١))

٧٨ ـ (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) ... أي عند زوالها أو وقت الزوال بناء على أن اللام بمعنى الوقت. وزوال الشمس هو ميلها إلى طرف الغرب وهو أول الظّهر. وأصل الدّلك هو الانتقال ومنه الدلّاك لأن يده لا تستقرّ في مكان واحد. فالإضافة بهذا الاعتبار لأنّ الشمس تنتقل وتميل عن الاستواء إلى ناحية المغرب ، أو لأن الناظر إليها لمعيّن انتصاف النهار دلك عينيه لدفع شعاع الشمس. (إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ) أي ظلامه وهو وقت العشاءين. وعنهم عليهم‌السلام دلوكها زوالها ففيما بينهما إلى غسق الليل وهو انتصافه أربع صلوات ، هذا بناء على أحد المعنيين للغسق ، أي اشتداد ظلمة اللّيل ، فينطبق على انتصافه فإنه غاية اشتدادها. وعلى معناه الآخر وهو أوّل بدء الظّلمة فالكريمة لا تشمل أزيد من ثلاث صلوات الظّهرين والمغرب ، فلا تكون في مقام بيان أوقات الصّلوات كلّها ، والحمل على الأول أقوى وأولى ، ويستفاد من قوله تعالى : أقم الصّلاة إلى قوله إلى غسق أن امتداد وقت الظّهرين من الزوال إلى الغسق ، وامتداد العشاءين إلى نصف الليل ، لأن (اللام) للتوقيت و (إِلى) لانتهاء الغاية. والغسق على الأصح هو شدة الظّلمة فوقت أربع صلوات تمتدّ من الزوال إلى انتصاف الليل. وبالإجماع ثبت أن غاية وقت الظّهرين هو الغروب الشرعي بحيث إن الغاية خارجة عن المغيّا وهو أول وقت العشاءين فثبت أن أوقات الصّلوات الأربع موسّعة بالكيفيّة المزبورة. (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) أي صلاة الصّبح ، وتسميتها قرآنا لتضمّنها له ، كتسمية الشيء باسم جزئه (كانَ مَشْهُوداً) يشهده ملائكة اللّيل والنهار ويكتبان في ديوانهما ثم إنّه بعد فرض الصلوات الخمس أمر ترغيبا بصلاة الليل التي هي أفضل النّوافل.

٧٩ ـ (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ) ... الخطاب للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ،

٣٠٨

لكنّة يستفاد من الاخبار والإجماع أنها ليست منحصرة به. نعم اختلفوا في أنها واجبة عليه أم لا؟ ففي التهذيب عن الصّادق عليه‌السلام قال : فريضة على رسول الله. وعنه عليه‌السلام : عليكم بصلاة الليل فإنها سنّة نبيّكم ودأب الصّالحين قبلكم ، ومطردة الدّاء من أجسادكم. و (الهجود) من الأضداد يطلق على النوم والسّهر ، والمعنيّ : يا محمد ترك النوم في بعض الليل للصّلاة المشتملة على القرآن. هذا على أن المراد بالقرآن هو مرجع الضمير إلى الكتاب المنزل. ويحتمل أن يكون المراد به الصّلاة حيث قلنا إنه يطلق القرآن على الصّلاة من باب تسمية الشيء باسم جزئه فمعناه : الأمر بالتهجد أي بالسّهر والاشتغال بالقرآن بصلاة الليل يعني : اسهر بصلاة الليل التي وجبت عليك خاصة ، فهي (نافِلَةً لَكَ) أي فريضة زائدة على الفرائض بناء على وجوبها عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله أو فضيلة لك تخصّك زائدة على فضائلك ، وأمّتك بناء على عدم الوجوب وهذا يعني عدم وجوبها على الآمّة (أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) أي يقيمك مقاما محمودا ، اي يوصلك درجة يمدحك بها جميع الخلائق منه ، والمراد بالمقام المحمود لعلّه هو الشفاعة أو إعطاؤه لواء الحمد الذي يحمده فيه جميع الأنبياء ويغبطه به الأوّلون والآخرون ، فعسى أن يوصلك ربّك إلى درجة يمدحك بها سائر الخلق في يوم الدّين.

٨٠ ـ (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ) ... أي فيما حمّلتني من الرسالة ، أو في مكة ، أو عند البعث ، أو في جميع ما أرسلتني به و (مُدْخَلَ صِدْقٍ) يعني إدخالا مرضيّا (وَأَخْرِجْنِي) من أعباء الرّسالة بأدائهما ، أو من مكة ، أو عند البعث (مُخْرَجَ صِدْقٍ) إخراجا لا أرى فيه مكروها (وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً) أي قوة وعزّا تنصرني بهما على أعدائك وأقهر بها العصاة ، أو حجة أتقوّى بها على أعدائي من الجحدة والعندة والجهلة ، فاستجاب الله دعاءه ونصره بالرّعب من مسيرة شهر. وفي المحاسن عنه عليه‌السلام : إذا دخلت مدخلا تخافه فاقرأ هذه الآية : ربّ أدخلني إلخ ... وإذا عاينت الّذي تخافه فاقرأ آية الكرسي.

٣٠٩

٨١ ـ (وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ) ... أي جاء الإسلام واضمحلّ الشّرك والكفر. وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال : دخل النبيّ (ص) مكة وحول البيت ثلاثمئة وستون صنما فجعل يطعنها بمخصرة في يده ويقول صلوات الله عليه وآله : جاء الحقّ وزهق الباطل ، فجعل الصنم ينكبّ لوجهه حين يقرأ (ص) هذه الآية ، وكان أهل مكة يقولون : ما رأينا رجلا أسحر من محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

* * *

(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَساراً (٨٢) وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً (٨٣) قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً (٨٤))

٨٢ ـ (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ) ... أي أنّ في آيات القرآن ومعانيه شفاء للأرواح من الأمراض الروحية كالعقائد الفاسدة والأخلاق الذميمة ، وفي ألفاظه شفاء للأبدان ، وببركة قراءته وتلاوته نور للقلوب وجلاء للأبصار والبصائر. وقد روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : من لم يستشف بالقرآن فلا شفاه الله. وأمّا كونه رحمة للمؤمنين فلأنهم المعتقدون به فينتفعون به دون غيرهم (وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً) أعني الظالمين الذين لم يؤمنوا به ، بل كذبوه ولم يقبلوا كونه من عند الله فلا يزيدهم إلّا خسارا في الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين.

٨٣ ـ (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ) ... بالصّحة والسّعة في الرزق والكثرة في الولد (أَعْرَضَ) عن ذكرنا (وَنَأى) بعد أو نهض (بِجانِبِهِ) أي

٣١٠

بشخصه مستكبرا يرى نفسه مستغنيا عنّا فيكون مستبدّا برأيه (وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ) من مرض أو فقر (كانَ يَؤُساً) آيسا يأسا شديدا من رحمة ربّه.

٨٤ ـ (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) ... أي على طبيعته وعادته الّتي يعتادها ويتخلّق بها (فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً) أوضح طريقا وأصوب دينا. وعن الصادق عليه‌السلام : النية أفضل من العمل ، ثم تلا : قل كلّ يعمل على شاكلته يعني على نيّته ، وعنه عليه‌السلام : إنّما خلّد أهل النار في النار لأن نيّاتهم كانت في الدنيا أن لو خلّدوا فيها أن يعصوا الله أبدا ، وإنما خلّد أهل الجنّة في الجنّة لأن نيّاتهم كانت في الدنيا أن لو بقوا فيها أن يطيعوا الله أبدا ، فبالنّيات خلّد هؤلاء وهؤلاء ، ثم تلا : قل كلّ يعمل على شاكلته. وحكي أن النضر بن الحارث وأبيّ بن أبي خلف وعتبة بن أبي معيط أرسلوا من مكة إلى المدينة حتى يسألوا يهود يثرب مجاري أمره وشرح أحواله. ولما جاؤوا واستفسروا منه صلى‌الله‌عليه‌وآله تعجّب اليهود وقالوا : يا سادة العرب وصناديد قريش نحن عرفنا بأنه يقرب ظهور نبيّ ، ويظهر من كلامكم أنه هو ، فإن كنتم تريدون أن تعرفوه حق المعرفة ، وتخبرون قومكم بواقع الأمر وبحقيقته ، فلا بد وأن تلقوه وتسألوه عن أمور ثلاثة إن أجابكم بجميعها أو سكت عنها جميعا فاعلموا أنه ليس بنبيّ ، وإن أجاب عن اثنين وسكت عن واحد فهذا الذي تذكرونه هو ذاك النبيّ (ص) فالأمر الأوّل أنّه من الذي سار المشرق والمغرب وطافهما ، والثاني من هم الشباب الذين خرجوا من قريتهم وفقدوا في قديم الزمن ، والثالث ما هو الروح؟ فجاءوا إليه (ص) وسألوه عنها فاستمهلهم ، فنزلت في الأول : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ) إلخ وفي الثاني (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً) ، وفي الثالث : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ) :

* * *

٣١١

(وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (٨٥) وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً (٨٦) إِلاَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً (٨٧) قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (٨٨) وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً (٨٩))

٨٥ ـ (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) : أي حصل بإرادته المعبّر عنها ب (كُنْ) بلا مادّة. وهو من الأمور التي خصّ علمه به تعالى ، فأبهم في الجواب كما جعله اليهود آية لنبوّته (ص) وتفسير الروح بتفاسير أخر واستقصاؤها خلاف ما هو المقصود في الكتاب (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) أي فوق كلّ ذي علم عليم.

٨٦ ـ ٨٧ ـ (وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) : أي القرآن لو ذهبنا به ومحوناه من المصاحف والصّدور (ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً) أي من يتوكّل علينا باسترداده وإرجاعه. (إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) أي إلا أن يرحمك ربّك فيردّه إليك محفوظا. هذا بناء على كون الاستثناء منقطعا. وأمّا بناء على الاتصال يصير المعنى كأن رحمته تعالى تتوكل باسترداده أو رحمة ربّك أبقته عليك. ولا يبعد ان يقال على الوجهين الأخيرين أيضا هو منقطع فليتأمّل .. (إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً) عظيما حيث اختارك للنبوّة

٣١٢

وخصّك بالقرآن وأبقاه. قال ابن عباس : يريد حيث جعلك سيد ولد آدم وختم بك النبيّين وأعطاك المقام المحمود.

٨٨ ـ (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ) : أي في الفصاحة والبلاغة وحسن النظم وجامعيّة المعاني مع إيجاز (لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ) مع أن فيهم الفصحاء والبلغاء ، و (ظَهِيراً) معينا وهذا ردّ لقولهم : (لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا) وفي الخرائج في أعلام الصادق (ع) أن ابن أبي العوجاء وثلاثة نفر من الدهريّة اتّفقوا على أن يعارض كلّ واحد منهم ربع القرآن ، وكانوا بمكة وعاهدوا على أن يجيئوا بمعارضته في العام القابل. فلما حال الحول واجتمعوا عند مقام إبراهيم / موعدهم / قال أحدهم إني لمّا رأيت قوله (يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ) كففت عن المعارضة ، وقال الآخر وكذا أنا لمّا وجدت قوله (فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا) آيست عن المعارضة. وكانوا يسترون ذلك إذ مرّ عليهم الصّادق (ع) فالتفت إليهم وقرأ عليهم : قل لئن اجتمعت الجن والإنس الآية ، فبهتوا عليهم اللعنة.

٨٩ ـ (وَلَقَدْ صَرَّفْنا) ... أي كرّرنا وبيّنّا (مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) ليعتبروا من ترهيبنا وترغيبنا فلم يقبلوا ولم يزدهم (إِلَّا كُفُوراً) أي جحودا وإنكارا للحق ، ولفظ «أبى» معناه النفي مضافا بأنه سوّغ الاستثناء معنى النفي. ثم إن صناديد قريش طلبوا منه صلى‌الله‌عليه‌وآله أمورا ستّة ، هي :

* * *

(وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً (٩٠) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً (٩١) أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ

٣١٣

 قَبِيلاً (٩٢) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً (٩٣))

٩٠ ـ (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ) ... أي قال المكابرون من الجبابرة لن نصدّقك (حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) فتجري لنا الماء في بطاح مكة فنستقي ونزرع ونستغني عن الناس.

٩١ ـ (أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ) ... أي أن تأتي بآية من السماء فتجعل لنفسك جنّة وارفة الأشجار كثيرة الثمار (فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً) وتجعل المياه تتدفّق في أنحائها ونحن نرى ذلك بأم العين.

٩٢ ـ (أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً) ... أي توقعها علينا على ما أوعدتنا وهدّدتنا. والكسف جمع كسف كقطع جمع قطع لفظا ومعنى ، (أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً) كفيلا من قبل به يقبل قبالة أي كفل وضمن وجاء قبيل بمعنى الكثرة ، أي جئنا بجماعة من الملائكة يشهدون بصدقك ، أو جئنا بهما شاهدين على صدق دعواك وضامنين لك فيما ادّعيت من أنك رسول من عند الله.

٩٣ ـ (أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ) ... بحيث تملك قصرا فخما جميلا مزيّنا (أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ) تصعد إليها بمعجزة ونحن ننظر إليك ونرى صعودك. ثم إذا صعدت ونزلت ونحن ننظر (لَنْ نُؤْمِنَ) ونصدّقك (حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ) ونطّلع عليه. (قُلْ سُبْحانَ رَبِّي) تنزّه وتقدّس (هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً) يعني إظهار الآيات المقترحة ليس بإرادتي ، بل هي أمور تحت قدرته تعالى واختياره إن شاء ينزلها وإلّا فلا ، وأنا رسول إليكم وما على الرّسول إلّا البلاغ. وإنّ ربّي منزّه عما تقولون من أن أجيء به فإنه ليس بجسم كما تزعمون وتقيسون على آلهتكم ، وإنه لا

٣١٤

يخلو منه زمان ولا مكان إلّا أنه لا يرى بالعين الظاهرة بل تراه العقول بأعينها الباطنة وقواها الفكرية المؤدية من المعلومات الى علّتها الذاتية. وما أنا إلّا بشر مثلكم أرسلني الله تعالى لهدايتكم.

* * *

(وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلاَّ أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً (٩٤) قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً (٩٥) قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (٩٦) وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً (٩٧) ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (٩٨) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً (٩٩) قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً (١٠٠))

٣١٥

٩٤ ـ (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا) : أي ما صرف المشركين عن التصديق بالله ورسوله ، هو معنى الإيمان (إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى) أي الحجج الظاهرة الواضحة (إِلَّا أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً) دخلت عليهم الشبهة في أنّه لا يجوز أن يبعث الله بشرا رسولا ولا بدّ من أن يكون الرسول من الملائكة ، كما دخلت عليهم الشبهة في أن عبادتهم لا تصلح لله فوجّهوها إلى الأصنام فعظّموا الله بجهلهم بما ليس فيه تعظيم ، وعبدوا بما فيه المعصية ، فنعوذ بالله من الجاهل المتنسّك. هذا ما قال به بعض أرباب التفاسير ، ولكنّ الظاهر خلاف ذلك فإن قولهم : أبعث الله بشرا رسولا ما كان من حيث دخول الشّبهة عليهم في أنه لا يجوز أن يكون الرسول من جنس البشر ، بل قولهم هذا من باب الجحد والعناد والعذر غير الموجّه ، فإنهم كانوا عالمين بأنبياء السّلف من آدم على عيسى بن مريم عليهم‌السلام. ولو لم يعرفوا لما كانوا يراجعون أحبار اليهود ورهبان النصارى فقد كانوا متعبّدين بأقوالهم. فكيف يمكن أن يقول الإنسان إنّهم لم يعرفوا أنبياء السّلف ولم يسمعوا بآدم وعيسى وموسى وأنهم عليهم‌السلام كانوا رسلا من قبل الله تعالى إلى البشر. والحاصل أن قولهم هذا وأمثاله كان من الحقد والحسد والعناد ، لأنهم كانوا مصرّحين بأنه كيف صار يتيم أبي طالب مبعوثا إلينا مع كونه فقيرا يتيما؟

٩٥ ـ (قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ) ... أي يا محمّد قل جوابا لهم ، وهذا الجواب من باب التنزّل والمماشاة مع الخصم. وحاصله أن أهل الأرض لو كانوا ملائكة (يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ) كما يمشي بنو آدم ، وقاطنين متوطّنين فيها (لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً) لكان من اللّازم أن يكون رسولهم من الملائكة لأن ذلك مشروط بنوع من التّناسب والتجانس ، أي لا بدّ من تجانس الرسل والمرسل إليهم لأن الجنس إلى الجنس أميل فيمكنهم إدراكه والتلقّي منه. وأما إرسال الملك إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فلتمكّنه من ذلك لقوّة نفسه. فعلى هذا لو كان أهل الأرض بشرا

٣١٦

لكان من الواجب ان يكون رسولهم بشرا بقانون التجانس والتسانخ كما بيّناه. وفي اللّباب منقول أن كفار قريش قالوا يا محمد من يصدّقك على ما تدّعي ومن الشاهد على رسالتك؟ فنزلت الشريفة :

٩٦ ـ (قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً) ... أي أنا لا احتاج إلى غير ربيّ فإنه يكفيني وهو الشاهد (بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) ولا يخفى أن شهادة الله هو إظهار المعجزة على يد النبيّ فإنّها بلسان الحال تنطق بأنّ المتحدّي ومدعي النبوّة نبيّ لأنها تجري مجرى الشاهد بالنبوة وهذا الجواب في الحقيقة تهديد للقوم.

٩٧ ـ (وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ) ... أي من وفّقه الله وكان أهلا للهداية (وَمَنْ يُضْلِلْ) لأنه ليس أهلا للهدى (فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ) يتولّون الدفاع عنهم وعن مصالحهم (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا) فيمشي الكفار يوم الحشر على هيئة مشي البهائم على وجوههم أي على أربع قوائم. وقد سئل النبيّ كيف يحشر الكفار على وجوههم؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الذي أمشاهم على رجلين قادر على أن يمشيهم على وجوههم يوم القيامة ، عميا وبكما وصمّا لا يبصرون ما تتلذذ به أعينهم ولا يسمعون ما تتلذذ به مسامعهم ولا ينطقون بما ينفعهم ، وهذا جزاؤهم مقابلا لما عملوا في الدنيا لأنهم لم يستبصروا بالآيات والعبر وتصامّوا عن استماع الحق وأبوا أن ينطقوا به. فيستفاد من الكريمة أنهم يحشرون يوم القيامة وهم كالبهائم في جميع شؤونهم لا أنهم مثلهم في المشي فقط ، بل في قواهم الظاهرية لا يتلذّذون لذة تامّة كما أن البهائم كذلك (مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ) اي انطفأت وذهب لهبها وخمدت نيرانها وزبانيتها (زِدْناهُمْ سَعِيراً) أي لهبا واشتعالا بهم بإعادتهم بعد إفنائهم وهذا كقوله تعالى : (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها) إلخ ..

٩٨ ـ (ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا) ... أي أن إدخالهم النار وازدياد السعير كلما خبت وخمدت لكفرانهم بالآيات والبراهين الواضحة الدلالة

٣١٧

على وجود الصّانع الحكيم وعلى النبوّة والرّسالة ، والثاني لإنكارهم المعاد وتعجّبهم من عودة أجسامهم بعد فنائها.

٩٩ ـ (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ) ... أي أن القادر على الأعظم كخلق السّماوات والأرض قادر على الأدون كما قال تعالى : (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ)؟ وليست الإعادة أصعب عليه تعالى من الإبداء. والمراد بالمثل إما هو الإعادة مثل الأول ، أو المراد بالمثل أنفسهم. ويعبّر أهل العربيّة عن النفس بالمثل كما يقال مثلك لا ينجل أي أنت لا تبخل (وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً) مدّة معيّنة لا شك فيها وهو الموت أو البعث (فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً) أي امتنعوا عن كلّ شيء ممّا نزّلناه إلّا الكفر والجحد ونسيان الحق مع وضوحه. ولمّا بيّن تعالى بعض الأوصاف المذمومة للمشركين ، نحو كفرهم بالله وتكذيب النبيّ ، وإنكار المعجزات والآيات ، والمعاد عن جحود ، ذكر بعضا آخر وهو الصفة القبيحة من الشحّ والبخل ، فإن الكفار والظلمة أكثرهم شحيح وممسك بخلاف المؤمنين فإنهم الأجواد والمؤثرون على أنفسهم غيرهم ، وأهل العواطف بخلاف الظالمين الذين لا عاطفة لهم ولا رحمة ، بل قلوبهم قاسية كالحجارة أو أشدّ قسوة فقهرا كانوا ممسكين مقتّرين بخلاء خائفين من الإنفاق ، ولذلك قال سبحانه :

١٠٠ ـ (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ) إلخ ... أي يا محمد قل لهؤلاء المشركين لو أن خزائن أرزاق العباد كانت تحت سلطتكم وكنتم مالكين لها (إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ) لبخلتم وامتنعتم من أن تنفقوا وتعطوا الناس خوفا من النفاد بالإنفاق لعدم التوكل وعدم التصديق بما أنزل ربّكم عليكم في كتابه من قوله سبحانه : (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ ..)(وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً) أي بخيلا طبعا. وهذا الذيل تأكيد لما في صدر الآية وتثبيت لما تشتمل عليه من كونهم ممسكين ، وبيان لعلّة الحكم بكونهم بخلاء أشحّاء.

* * *

٣١٨

(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً (١٠١) قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً (١٠٢) فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً (١٠٣) وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً (١٠٤))

١٠١ ـ (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ) ... عن الصادق عليه الصّلاة وعلى آبائه : هي الجراد والقمّل والضفادع والدم والطوفان والبحر والحجر والعصا ويده البيضاء (فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ) عمّا جرى بين موسى وفرعون ، أو عن الآيات ، ليظهر للمشركين صدقك فتتسلّى نفسك عن التكذيب ، لأنك إن سألتهم أخبروك بأن فرعون رمى موسى بالكذب والسحر واختلاط العقل وغير ذلك ، فإذا علمت بأن الأنبياء عليهم‌السلام قد نسب إليهم الجنون والسحر وغيرهما ، تهون عليك أذيّة قومك ويخف عليك وقع تكذيبهم. فاسألهم (إِذْ جاءَهُمْ) موسى عليه‌السلام. وهذه الجملة متعلّقة ب (آتَيْنا) وهي منصوبة محلّا بهذا الفعل على الظرفية. (فَقالَ) له فرعون : (إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً) فقد اتّهمه بالسحر لمّا ظهرت معجزته الخارقة.

١٠٢ ـ (قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ) ... أي قال موسى عليه‌السلام لفرعون : لقد علمت : تيقّنت أنه ما أنزل هذه الآيات عليّ (إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي خالقهما ، وقد أنزلهنّ (بَصائِرَ) دلائل تتبصّرون بها وتستوضحون طريق الحق عند ما تنظرونها بعين العقل حال كون الآيات

٣١٩

واضحة الدلالة على أنّي صادق في دعواي ولكن أنت لمّا كنت معاندا أو جاحدا لا تصدّق ولا تقبل فأظنّك (مَثْبُوراً) أي مشرفا على الهلاك أو مهلكا أو مصروفا عن الخير أو ملعونا.

١٠٣ ـ (فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ) ... أي يستخفّ ويزعج موسى وقومه بالنفي من أرض مصر أو بالقتل فأخذناه وقومه بالإغراق على نقيض مراده. وهذا معنى قوله تعالى : (فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً).

١٠٤ ـ (وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ) ... أي الأرض التي أراد فرعون أن يبعدكم عنها أرض مصر. و (وَعْدُ الْآخِرَةِ) قيام السّاعة (جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً) أي جميعا أو مختلطين أنتم وهم للحكم والجزاء.

* * *

(وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (١٠٥) وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً (١٠٦) قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (١٠٧) وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً (١٠٨) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (١٠٩))

١٠٥ ـ (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ) ... أي ما أردنا من إنزال القرآن الّا تركيز الحق في مركزه (وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) اي ما نزل إلّا بالدّعوة إلى الحقّ ، ولست (إِلَّا مُبَشِّراً) للمطيع بالثواب (وَنَذِيراً) للعاصي بالعقاب.

١٠٦ ـ (وَقُرْآناً فَرَقْناهُ) ... أي أنزلنا قرآنا. عطف على : وبالحق (فَرَقْناهُ) تشديدا وتخفيفا أي فصلناه وجعلناه قطعا متمايزة من حيث الإنزال ، نجوما في نحو نيّف وعشرين سنة أو فرقناه من حيث بيان الحقّ

٣٢٠