الجديد في تفسير القرآن المجيد - ج ٤

الشيخ محمّد السبزواري النجفي

الجديد في تفسير القرآن المجيد - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد السبزواري النجفي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التعارف للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٣

للقوالب والقلوب وللظواهر والبواطن وللأبدان والأرواح وفرق عظيم بين ما يخرج من بطون الزنابير وبطونهم عليهم‌السلام وتابعيهم وشيعهم.

* * *

(وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (٧٠) وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ (٧١) وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (٧٢))

٧٠ ـ (وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ) ... ثم شرّع تعالى في بيان نعمه علينا من خلقنا وإخراجنا من العدم إلى الوجود فقال والله خلقكم أي أوجدكم وأنعم عليكم بأقسام النعم الدّنيوية والأخرويّة الظاهرية والباطنية (ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ) بقرينة السياق يستفاد أن الموت من النعم وهو كذلك كما لا يخفى على المتأمل وكما نشير عما قريب الى وجهه في الجملة إن شاء الله تعالى وفي سورة عبس أيضا ذكر تعالى الإقبار في عداد النعم وسياقها (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ) أي أدونه وأخسّه حتى يصير إلى حال الهرم والخرف الذي يشابه الطفولية فيظهر النقصان في جوارحه وحواسّه وعقله. وروي عن عليّ عليه‌السلام : أن أرذل العمر خمس وسبعون سنة ، وروي مثل ذلك عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله. وعن البعض أنه تسعون سنة (لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً) أي لينسى ما كان عليه حال شبابه لأجل الكبر وتختلط

٢٤١

معلوماته بمجهولاته. ولا تخفى دناءة هذه الحالة ولا وضاعتها ، وإذا كان العمر متعقبا بهذه الظاهرة فالموت فيما دون تلك المرحلة نعمة ، وكيف إذا زاد عن ذلك فصار نقمة بلا شبهة وبلا أدنى ريب؟ (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ) بما ينبغي وما يليق بكم من مقادير الأعمار (قَدِيرٌ) على أن يعمّركم إلى أرذل العمر أو إلى أدناه.

٧١ ـ (وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ) ... أي أنه هو الذي زاد الملّاك والسادة والأغنياء رزقا وملكا لحكمة تخفى عليكم (فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا) أي فليس هؤلاء المزادين رزقا (بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) بمرجعيه إلى عبيدهم ، ولا هم جاعلون رزقهم لمواليهم (فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ) أي السادة والموالي ، أو الأغنياء والفقراء ينبغي أن يعيشوا فيه سواء دون منّة من السيّد على عبده فليس واحد منهما أفضل من الثاني ، فقد قيل إن ابن عباس كان يطعم عبيده ممّا يطعم ويلبسهم ممّا يلبس ، وفي الجوامع أن أبا ذرّ رضوان الله عليه سمع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : إنّما هم إخوانكم ، فاكسوهم ممّا تكسون ، وأطعموهم ممّا تطعمون ، فما رؤي عبده بعد ذلك إلّا ورداؤه رداؤه ، وإزاره إزاره من غير تفاوت.

والحاصل أنه لا يجوز أن يعتبر السادة أنهم يرزقون المماليك من عندهم بل الجميع مرزوقون من عنده تعالى أغنياء وفقراء وسادة وخدما. ولمّا ثبت أن المنعم الحقيقيّ والرازق للجميع هو الله تبارك وتعالى ، فكلّ سيد وعبد وخادم ومخدوم وغنيّ وفقير ، هم مرزوقون منه جلّ جلاله لأنه قد أجرى أرزاق هؤلاء على أيدي هؤلاء وجعلهم درجات ليخدموهم ويقوموا بشؤونهم ، فكيف تجوز عبادة غير هذا المنعم المفضل ، وكيف تجحد نعمه وهو الذي يقول : (أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ؟) أي يكفرون.

٧٢ ـ (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) ... أي : خلق لكم من جنس أنفسكم ـ مثلكم ـ نساء تأنسون بهنّ ، ويمكن أن تكون الآية الكريمة

٢٤٢

إشارة إلى خلق أمّنا حوّاء من آدم عليهما‌السلام كما أشير إلى ذلك في بعض الأخبار (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً) أي وهبكم أبناء وبنات ، وأبناء أبناء وأبناء بنات. وعن الصادق عليه‌السلام في هذه الآية قال : الحفدة بنو البنت ، ونحن حفدة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. وقيل إن الحفدة أبناء الأبناء ، وفي الموضوع أقوال أخر (وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) ممّا أنعم به عليكم (أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ ، وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) يعني أهم مع ذلك يؤمنون بما يعتقدونه من ربوبيّة الأصنام وشفاعتها ويكفرون بالمنعم الحقيقي الذي نعمه ظاهرة للعيان؟ وهو استفهام إنكاريّ يعني آمنوا بالله ولا تجعلوا له أشباها وشركاء في الألوهيّة.

وقد قال الطبيعيّون أن المنيّ إذا انصبّ إلى الخصبة اليمنى من الذكر وانصبّ منها إلى الجانب الأيمن من الرّحم كان النسل ذكرا تامّا في الذّكورة وإن انصبّ إلى الخصية اليسرى من الذكر وانصبّ منها إلى الجانب الأيسر من الرّحم كان النسل أنثى تامّة الأنوثة. أما إذا انصبّ إلى الخصية اليمنى من الذكر ثم انصبّ منه الى الجانب الأيسر من الرّحم كان الولد ذكرا في طبيعة الإناث ، وإن انصبّ إلى الخصية اليسرى من الذكر ثم انصبّ إلى الجانب الأيمن من الرّحم كان الولد أنثى في طبيعة الرجال ، والله أعلم بصحة ما قالوه وبفساده ، فإن كلّ ذلك يتمّ بتقدير العزيز العليم وما وراء ذلك كلّه أسباب ومسببات.

* * *

(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ (٧٣) فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٧٤) ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ

٢٤٣

رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٧٥) وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧٦))

٧٣ ـ (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) ... أي الكافرون والمشركون يتعبّدون لغيره سبحانه ويقدّسون (ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي ليس في قدرته إنزال المطر ولا إنبات الزرع والشجر وإعطاء الرزق ولا يملك (شَيْئاً) ومعبوداتهم التي لا تعقل ولا تسمع والتي أنزلوها منزلة الألوهيّة لا تقدر على شيء (وَلا يَسْتَطِيعُونَ) خلقا ولا رزقا.

٧٤ ـ (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ) ... فلا تجعلوا له أشباها وأندادا ولا تنصبوا خشبا وأحجارا وتسمّوها أربابا ، أو أنه سبحانه وتعالى خاطب المؤمنين قائلا : لا تتعبوا أنفسكم مع هؤلاء الكفرة المشركين لتقنعوهم بألوهية الله ووحدانيته ، ودعوهم وشأنهم (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ) حكمة ما خلق (وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ذلك.

٧٥ ـ (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً) ... أي أنه تعالى ضرب مثلا لنفسه ولما يشرك به (عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ) عبدا عاجزا عن التصرّف. وهذا مثل للأصنام (وَمَنْ) أي وحرّا (رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً) مالا وافرا (فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً) يتصرّف فيه كيف يشاء وهو مثله تعالى (هَلْ) هي للإنكار ، ومعناها : لا (يَسْتَوُونَ) ولعلّ معناه إذا لم يستو هذان مع تشاركهما في الجنسية والمخلوقية فكيف تستوي الأصنام التي هي أعجز المخلوقات ، مع الغنيّ القادر على كل شيء؟ (الْحَمْدُ لِلَّهِ) أي لا

٢٤٤

يستحقّه سواه (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) لا يعرفون اختصاص الحمد به ، ثم ضرب سبحانه مثلا آخر لإبطال عبادة الأصنام ، فقال عزوجل :

٧٦ ـ (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ) ... الأبكم هو الذي انعقد لسانه عن الكلام ولم يسمع له صوت وصار غير قادر على شيء من الأمور حقيرا كان أو جليلا ، وصفته الثانية : (وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ) أي ثقيل عليه وصفته الثالثة : (أَيْنَما يُوَجِّهْهُ) أي بأيّ جهة يرسله مولاه لأمر من الأمور يرجع خائبا كما قال سبحانه (لا يَأْتِ بِخَيْرٍ) فهذا مثل الأصنام (هَلْ يَسْتَوِي هُوَ) للاستفهام والإنكار ، يعني لا يستوي هذا الرجل مع (مَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ) أي مع رجل فصيح آمر بالحق يدعو الى الخير والرشد (وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) أي دين قويم لا عوج فيه ، وهو مثل لذاته المقدّسة. والحاصل أن الأبكم العاجز لا يكون مساويا في الفضل للناطق الكامل مع استوائهما في البشرية ، فكيف يحكم بأن الجماد يكون مساويا لربّ العالمين؟ في المعبودية مع عدم السنخية بينهما؟ وهل هذا حكم عقل أم حكم صدر عن جحود وغير شعور؟. وحيث إن كفّار قريش كانوا يستعجلون في وقوع يوم القيامة ولم يزالوا يطلبونها منه صلوات الله عليه استهزاء فنزلت الشريفة التالية :

* * *

(وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٧٧) وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٧٨) أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ

٢٤٥

إِلاَّ اللهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٧٩) وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ (٨٠) وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (٨١) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٨٢))

٧٧ ـ (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ... أي جميع المعلومات الغيبية والأسرار والمكنونات السمّاوية والأرضيّة ، ومنها القيامة الكبرى تنحصر وتختصّ به تعالى ، والإتيان بها عنده تعالى في السرعة والسهولة (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ) القيامة (إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ) كارتداد الطّرف (أَوْ هُوَ أَقْرَبُ) فإن لمح البصر ذا فعلين : وضع الجفن ورفعه بخلاف إيقاع القيامة فإنه فعل واحد. أو المراد بأمر السّاعة إحياء الأموات فإنه أمر دفعيّ وما يقع دفعة واحدة بخلاف لمح البصر لأنه فعلان كما قلنا (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) لا يعجزه شيء.

٧٨ ـ (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ) ... بالولادة ، وأنتم عندها (لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً) بل تجهلون أنفسكم (وَجَعَلَ) بعد ذلك (لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ) أي ركّب فيكم هذه الأدوات والآلات حتى تعرفوا جزئيّات الأشياء بمشاعركم وتتعقّلوها بقلوبكم لتحصل لكم العلوم البديهيّة ولتكتسبوا العلوم النظريّة فإن تلك الأدوات والقوى من أعظم النّعم

٢٤٦

وأشرفها على الإنسان وقد جعل القلوب سلاطين عليها ومنّ على القلوب بأن جعل مسندها وعرشها القوّة العقلية فبالتعقل تتميّز تلك المستفادات والاستفاضات (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) تحمدون الله على هذه النعم الجزيلة والآلاء الوارفة ، ثم نبّه على النظر في دلائل القدرة بقوله سبحانه :

٧٩ ـ (أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ) ... ألا ينظر الأوادم ، وقرئ بتاء الخطاب (مُسَخَّراتٍ) أي مذلّلات خاضعات طائرات بأسباب هوائية وآلات جوّية كالأرياش والأجنحة (فِي جَوِّ السَّماءِ) ما بين الأرض والسّماء ولذا كانت محتاجة إلى الإمساك ، وليس الممسك إلّا هو تعالى وإلّا فإنّ كلّ جسم ثقيل بحسب طبعه يقتضي الميل إلى مركزه والسّقوط عليه بلا ممسك من فوقه وبلا دعامة من تحته (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي في طيران الطيور المسخّرات في الجو على خلاف طباعها (لَآياتٍ) علامات على ممسكها والمسخّر لها ما جعلها فوق الطبع والطبيعة. ثم بيّن نعمة أخرى من نعمه فقال سبحانه :

٨٠ ـ (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً) ... السكن ما يسكنه الإنسان ويأنس فيه ويرتاح. فقد جعل لكم مساكن وبيوتا تتخذونها في الحجر والمدر والخشب والحديد وغير ذلك مما تنتقلون إليه وتقيمون فيه آوين إلى الراحة والطمأنينة (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ) أي بيوتا من نوع آخر وهي قباب الأدم والخيم والمضارب المتّخذة من الجلود أو الوبر أو الصوف أو الشعر ، فهي بيوت خفيفة الحمل تنقلونها حين ظعنكم : سفركم وحين إقامتكم : مكثكم في المكان (وَ) جعل لكم (مِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها) أي ممّا تأخذونه من جلود الأنعام حين جزّ صوفه وقصّ شعره ، جعل لكم (أَثاثاً) فراشا وأكسية (وَمَتاعاً) أدوات تتمتعون وتنتفعون بها (إِلى حِينٍ) إلى وقت الموت أو وقت فنائها. ولأنها تفنى ولأنكم تفنون فلا ينبغي لكم أن تؤثروها على نعيم الآخرة الدائم.

٢٤٧

٨١ ـ (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً) ... أي من الشجر والبيوت وكل ما تستظلّ به مطلقا ، و (أَكْناناً) جمع كنّ وهو ما يستكنّ به ويستثر كالكهوف والغيران والبيوت المنقورة والمنحوتة في الجبال ، و (سَرابِيلَ) مفردها : سربال وهو القميص من القطن أو الكتّان أو الصوف وغيره ، و (سَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ) أي دروعا وجواشن وكلّ ما يلبس للوقاية من بأساء وضرّاء الحرب ويقف في وجه الطعن والضرب والقتل (كَذلِكَ) أي كما أنعم عليكم بهذه الأشياء وبما سبق ذكرها (يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ) كاملة (لَعَلَّكُمْ) تنظرون في جميع تلك النّعم و (تُسْلِمُونَ) فتؤمنون وتصدّقون بأنه المنعم ، فتنقادون إلى حكمه تبارك وتعالى.

٨٢ ـ (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ) : أي إذا انصرفوا عن قولك ولم يأبهوا لوعدك ووعيدك ، فلا تبتئس ولا تحزن عليهم لأنك رسول مبلّغ موضح معالم الطريق للنّاس ونحن نحاسب على الأعمال.

* * *

(يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ (٨٣) وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٨٤) وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذابَ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٨٥) وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ (٨٦) وَأَلْقَوْا إِلَى

٢٤٨

اللهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٨٧) الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ (٨٨))

٨٣ ـ (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها) ... عن الصّادق عليه‌السلام : نحن والله نعمة الله الّتي أنعم بها على عباده ، وبنا فاز من فاز ، وفي الكافي عنه عن أبيه عن جدّه عليهم‌السلام جميعا في هذه الآية قال : لمّا نزلت : إنّما وليّكم الله ورسوله والّذين آمنوا الآية .. اجتمع نفر من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في مسجد المدينة فقال بعضهم لبعض : ما تقولون في هذه الآية؟ فقال بعضهم : إن كفرنا بهذه الآية نكفر بسائرها ، وإن آمنّا فهذا ذلّ حين يسلّط علينا ابن أبي طالب عليه‌السلام فقالوا قد علمنا أنّ محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله صادق فيما يقول ولكنّا لا نتولّاه ولا نطيع عليّا فيما أمرنا ، قال فنزلت هذه الآية يعرفون نعمة الله إلخ يعني ولاية عليّ عليه‌السلام (وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ) بها المنكرون لها.

٨٤ ـ (وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً) ... اي نبيّها وإمامها القائم مقامه يشهد لهم وعليهم بالإيمان والكفر (ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) في الاعتذار حيث لا عذر لهم بدلالة عدم الإذن فإنه تعالى عادل ولا يظلم شيئا (وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) ولا هم يسترضون ، يعني لا يقال لهم أرضوا ربّكم بإتيان عمل هو تعالى يحبّه فيرضى به عنكم ، فإن الآخرة ليست بدار عمل وإن هي دار جزاء الأعمال ، أو ولا يعاتبون لأن العتاب لا يكون الّا بين الأحبّاء ولذا إنّما يقع العتاب إذا كان الأمر على طريق إذا عاتبه رجع غالبا إلى الرّضا ، وعدم العتاب دليل على أنّه سبحانه راسخ في غضبه.

٨٥ ـ (وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذابَ) ... أي حين يشاهدونه يوم

٢٤٩

القيامة يثقل عليهم (فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ) والجزاء محذوف وهو ثقل عليهم (وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) أي يمهلون.

٨٦ ـ (وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ) ... أي الذين جعلوهم شركاء الله في عبادتهم إيّاهم من الأصنام والشياطين الذين أشركوهم معه في العبادة وفي امتثال أوامرهم كامتثال أوامر الله تعالى. وقيل سمّاهم شركاء لأنّهم جعلوا لهم نصيبا من الزّرع والأنعام ، فهم على زعمهم شركاؤهم (هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا) الّذين أشركناهم معك في الإلهيّة والعبادة بأمرهم فأضلّونا عن دينك فحمّلهم بعض عذابنا (فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ) أي أنطق الله الأصنام فقالت الأصنام : إنكم لكاذبون فيما أسندتم إلينا من أنّا أمرناكم بأن تعبدوننا ، ولكنكم اخترتم الضّلال بسوء اختياركم لأنفسكم بأن قلتم بإلهيّتنا فعبدتمونا.

٨٧ ـ (وَأَلْقَوْا إِلَى اللهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ) ... أي استسلموا لحكمه وانقادوا يوم القيامة لأمره ، أي المشركون وما عبدوه ذلّوا بعبد الإباء والاستكبار في دار الدّنيا (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) أي ضاع وبطل عنهم ما كانوا يقولونه كذبا وافتراء من أن الأصنام وسائر معبوداتهم شركاء الله في العبادة أو أنهم ينصرونهم ويشفعون لهم :

٨٨ ـ (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) : أي منعوا عن الإسلام وحملوا النّاس على الكفر (زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ) أما أصل العذاب ، فلكفرهم ، وأما الزيادة فللصّدّ لأنهم مفسدون.

* * *

(وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً

٢٥٠

 وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (٨٩) إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٩٠))

٨٩ ـ (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً) ... أي من الأئمة (عَلى هؤُلاءِ) أي على قومك وأمّتك ، وإنما أفرده بالذكر تكريما وتشريفا له ، وقيل إن الأئمة شهداء على الناس ونبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله شهيد على الأئمة ، والأنبياء يكونون شهداء على أممهم (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ) أي القرآن (تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) أي بيانا بليغا لكلّ أمر ومشكل ممّا يحتاج الخلق إليه في أمر دينهم إمّا بالتنصيص عليه تفصيلا أو إجمالا ، وإما بالإحالة إلى ما يوجب العلم من بيان نبيّ أو من يقوم مقامه من الأوصياء ، أو إجماع الأمّة فيكون حكم الجميع مستفادا من القرآن (وَهُدىً وَرَحْمَةً) أي القرآن دالّ على الرّشد والنّعمة (وَبُشْرى) أي بشارة لهم بالثواب الدّائم.

٩٠ ـ (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) ... أي الإنصاف التامّ (وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى) لعلّ المراد به صلة الرّحم (وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ) أي ما جاوز حدود الله (وَالْبَغْيِ) أي التطاول على الناس بغير حق ، أو الكبر كما في المعاني عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، والعدل والإنصاف والإحسان : التّفضّل ، وروي أن الفحشاء والمنكر والبغي فلان وفلان وفلان ، وقيل لو لم يكن في القرآن غير هذه الآية لصدق عليه أنّه تبيان لكلّ شيء.

* * *

(وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ

٢٥١

بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (٩١) وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٩٢) وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٩٣))

٩١ ـ (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ) ... أي ما يجب الوفاء به أو البيعة للرّسول (بَعْدَ تَوْكِيدِها) أي بعد الحلف والتوثيق باسم الله تعالى إذ جعلتموه (عَلَيْكُمْ كَفِيلاً) أي شهيدا بالوفاء (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) من النّقض أو الوفاء.

٩٢ ـ (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها) ... أي كالمرأة التي أفسدت ما غزلته من بعد أن أحكمته (أَنْكاثاً) هو ما ينكث فتله أي يحلّ نسجه ، جمع : نكث بالكسر. ومعنى الشريفة تشبيه ناقض العهد بمن فعلت ذلك مطلقا وقيل عنت الآية ريطة بنت عمرو القرشيّة وكانت حمقاء خرفاء هذا شأنها ، فصار عملها من الأمثال السّائرة (دَخَلاً) أي خيانة وخديعة. والدّخل أن يكون في الباطل ، وهؤلاء المشركون والفسقة كانوا حين عهدهم يضمرون الخيانة (أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ) أي لأن تكون جماعة (هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ) أي أكثر من أخرى. يعني لا تنقضوا العهد بسبب أن تكون جماعة ـ وهم كفرة قريش ـ أزيد عددا وأوفر مالا. من جماعة المؤمنين (إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ) أي يختبركم بكونكم أربى لينظر وفاءكم بعهده أم تغترّون بكثرة

٢٥٢

قريش وثروتهم وقلة المؤمنين وفقرهم (وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ) الآية الكريمة تهديد وتحذير من نقض العهد ومخالفة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله. ويستفاد من الآية أن حكم العهد واليمين واحد حيث عقّب قوله : (أَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ) ، بقوله : (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها).

٩٣ ـ (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) ... أي لو اقتضت الحكمة أن يجعلكم أمة إسلامية لكان قادرا ، والمراد المشيئة الإلجائيّة والقسرية (وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ) أي يخذل من يشاء من الّذين رأوا الآيات والمعاجز الواضحة ومع ذلك لفرط عنادهم جحدوا واختاروا الكفر والضلالة بسوء اختيارهم وما نظروا في الآيات والبراهين حتى يتبيّن لهم الرشد من الغيّ (وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) بلطفه وكرمه ممّن كان من أهله فيوفّقه ويؤيّده لتحصيل الرشد وتمييز الهداية من الضلالة واختيارها عليها بلا كره ولا جبر (وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) سؤال مجازاة وتقريع والغلبة بالحجّة.

* * *

(وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٩٤) وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّما عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٩٥) ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٦) مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٧))

٢٥٣

٩٤ ـ (وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً) ... كرّر تأكيدا. والتصريح بالنّهي مبالغة في قبح المنهيّ عنه شديدة (فَتَزِلَّ قَدَمٌ) عن محجّة الإسلام (بَعْدَ ثُبُوتِها) استقرارها عليها والمراد بالقدم هو الأقدام ، والتوحيد والتنكير للدّلالة على أنّ زلل قدم واحد عظيم عنده تعالى فكيف بأقدام كثيرة؟ وهو مثل لمن وقع في بلاء بعد عافية (وَتَذُوقُوا السُّوءَ) أي العذاب في الدّنيا (بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) بامتناعكم ومنعكم عن الوفاء ، أو بصدكم غيركم عنه لكي يقتدي بسنّتكم ، (عَذابٌ عَظِيمٌ) في الآخرة. وهذا تهديد عظيم لضعفاء المسلمين الذين أرادوا الرّجوع عن عهدهم مع النبيّ لوعد قريش إيّاهم بالمنافع الوافية الكثيرة إذا رجعوا ونقضوا أيمانهم معه صلى‌الله‌عليه‌وآله.

٩٥ ـ (وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ) ... أي ولا تستبدلوا عهد الله وبيعة رسوله (ثَمَناً قَلِيلاً) بعرض قليل من متاع الدّنيا تنقضونها لأجله (إِنَّما عِنْدَ اللهِ) من الثواب على الوفاء بالعهد (هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) عن عرض الدّنيا (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) تدركون وتفهمون.

٩٦ ـ (ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ) ... ما تملكونه من متاع الدّنيا ينقضي ويفنى (وَما عِنْدَ اللهِ) من الثواب والأجر (باقٍ) لا ينقطع ولا ينفد. وهذا علة لكون ما عند الله هو خير ، لأن القليل الذي يبقى خير من الكثير الذي يفنى ، فكيف بالكثير الذي يبقى في مقابلة القليل الذي يفنى؟

٩٧ ـ (مَنْ عَمِلَ صالِحاً) ... حياة طيّبة .. أي يعيش عيشا طيّبا. وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنها القناعة والرضا بما قسم الله. فذو العمل الصالح له أجر عظيم ذكرا كان أو أنثى.

* * *

٢٥٤

(فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (٩٨) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٩٩) إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (١٠٠))

٩٨ ـ (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) ... أي إذا أردت قراءته وهذا كما يقال : إذا أكلت فاغسل يديك ، وإذا صلّيت فكبرّ ، ومنه : إذا قمتم الى الصّلاة فاغسلوا وجوهكم. والاستعاذة استدفاع الأدنى بالأعلى على وجه الخضوع ، والتذلّل ، وتأويله : استعذ (بِاللهِ) من وسوسة (الشَّيْطانِ) عند قراءتك لتسلم في التّلاوة من الزّلل ، وفي التأويل من الخطل. والاستعاذة عند التّلاوة مستحبّة بلا خلاف في الصلاة وخارجها. وكيفيتها هكذا : أعوذ بالله السّميع العليم من الشيطان الرجيم ، على ما عن سدير عن الصّادق عليه الصّلاة والسّلام وعن ابن مسعود أنه قال : قرأت على رسول الله هكذا : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرّجيم ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا ابن أم عبد قل : أعوذ بالله من الشيطان الرّجيم ، هكذا أقرأنيه جبرائيل عن القلم عن اللّوح المحفوظ. ولفظ القرآن موافق لهذا ولعلّ أصحّ من القول الأول. وعند العامة أن الاستعاذة من سنن الصلاة ، ولذا قالوا باستحبابها على المأموم ولو لم يقرأ أو كان مسبوقا. وعندنا أنها من سنن القراءة ولفظ القرآن دالّ عليه ، ولذا نقول إنّها من وظيفة القارئ بالنسبة إلى الركعة الأولى فقط ، وسيرة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة عليهم‌السلام دالّة عليه. ويستحب الإخفات بها ولو كانت الصّلاة جهريّة إجماعا ـ والآيتان ٩٩ و ١٠٠ بعد هذه تدلان على فائدة الاستعاذة كما لا يخفى على من تدبّر فيهما.

٢٥٥

٩٩ ـ (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا) ... أي أن الشيطان اللّعين ليس له تسلّط ولا قدرة ولا حكم على المؤمنين لأنهم لا يستمعون لوسوسته ولا يصغون للأهواء التي يرمي بها النفوس ، فهم من الذين أخلصوا النيّة وصدّقوا بعداوته وغشّه وَهم (عَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) يفوّضون أمورهم إليه ، فلا سلطان للشيطان عليهم.

١٠٠ ـ (إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ) ... فقد حصر سبحانه وتعالى سلطان الشيطان على الّذين اتّخذوه وليّا وقائدا ، واستجابوا لنفثه وإغرائه (وَ) هم (الَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) أي بسببه يشركون ، أو بالله يشركون. والظاهر أن الضمير راجع إلى الشيطان بقرينة السّياق ، وقد روي أن أهل مكة وكفرتها حين ما نسخت بعض الأحكام قالوا إن محمدا (ص) سخر بقومه لأنه اليوم يأمرهم بشيء وغدا ينهاهم ، فمعلوم أن كلامه من تلقاء نفسه ، فنزلت الآية :

* * *

(وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٠١) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (١٠٢) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (١٠٣) إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ

٢٥٦

لا يَهْدِيهِمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٠٤) إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ (١٠٥))

١٠١ ـ (وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ) ... أي أتينا بآية ناسخة بدلا عن المنسوخة لمصالح العباد حسب اقتضاء الأوقات إمّا بنسخ الحكم والتّلاوة ، وإما بنسخ الحكم فقط (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ) أي بمصالح العباد حسب الأزمان لأنه من الجائز أن يكون الحكم ذا مصلحة في زمان دون زمان آخر ، وبعبارة أخرى يمكن كون الحكم ذا مصلحة موقّتة فإذا مضت الأوقات يصير الحكم بلا مصلحة فينسخ لأن بقاءه يمكن أن ينتج عنه مفسدة في غير ذلك الزمان ، فلا بد من نسخه ورفعه فيؤتى بحكم يناسب ذاك الزمان فيقولون للرسول (ص) : (إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ) على الله فيما تقول (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) فوائد النسخ وحكمة الأحكام.

١٠٢ ـ (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ) ... أي جبرائيل (ع) والقدس بضم الدال أو بسكونها بمعنى الطهر وإضافة الروح إلى القدس من قبيل حاتم الجود. وقيل إن قريشا قالوا إن محمدا يتعلّم القرآن من سلمان الفارسي أو من غلام يقال له أبو فكيهة وكان بالليل يجيء إلى حضرة النبيّ (ص) ويعلّمه القرآن ، وكان الغلام من أهل الكتاب ولم يزل يقرأ الإنجيل والتوراة وكان روميّا فنزلت الكريمة ردّا عليهم والله ينزل الوحي لتثبيت المؤمنين وليهديهم ويبشّرهم.

١٠٣ ـ (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ) ... أي يضيفون إليه التعليم على يد (أَعْجَمِيٌ) أي غير فصيح (وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) أي فصيح ذو بيان. وفي القمّي : لسان الّذي يلحدون إليه هو لسان أبي فكيهة مولى ابن

٢٥٧

الحضرمي كان أعجميّ اللّسان ، وكان قد اتّبع النبيّ (ص) وآمن به وكان من أهل الكتاب ، وقلنا إنّه كان روميّا. فقالت قريش هذا والله يعلّم محمدا علّمه بلسانه ، فردّ الله عليهم بقوله الذي يعني إذا كانت العرب تعجز عن الإتيان بمثله وهو بلغتهم فكيف يتأتّى لأعجميّ بمثله ، وهذا الكلام منهم عجيب غريب وكان من غير روية.

١٠٤ ـ (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ) ... يعني بهم الكفرة والمشركين الّذين لم يقتنعوا بدلائل الله وبراهينه ، فإن الله تعالى (لا يَهْدِيهِمُ) لأنهم ليسوا مستحقّين لعنايته ورحمته بسبب عنادهم الشديد (وَلَهُمْ) في الآخرة (عَذابٌ أَلِيمٌ) وجيع.

١٠٥ ـ (إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) ... أي أنكم أيها المتّهمون رسولنا (ص) بالافتراء علينا ، أنتم أهل الافتراء والكذب لأنكم لم تصدّقوا (بِآياتِ اللهِ) وأنتم أنتم أهل الكذب والافتراء.

* * *

(مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠٦) ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (١٠٧) أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (١٠٨) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٠٩))

٢٥٨

١٠٦ ـ (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ) ... جزاء الشرط محذوف بقرينة سوق الكلام ، أي : فهو في معرض غضب الله وسخطه ، إلّا في حالة واحدة نزلت الآية بسببها (وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً) أي كفر معتقدا الكفر طيّبة نفسه به (فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ) جواب الشرط (وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) فقد أكره جماعة على الارتداد في بدء الدعوة إلى الإسلام ، منهم عمّار بن ياسر وأبواه ، فقتلوا أبويه لإصرارهما على التوحيد ، وأعطاهم عمّار بلسانه ما أرادوا مكرها ، فقال قوم : كفر عمّار ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : كلّا ، إنّه مليء إيمانا من قرنه إلى قدمه ، واختلط الإيمان بلحمه ودمه. فأتاه عمار يبكي ، فمسح (ص) عينيه بيده الشريفة وقال : إن عادوا لك فعد لهم ، فنزلت الشريفة : إلّا من أكره وقلبه مطمئن.

١٠٧ ـ (ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا) ... أي آثروها (عَلَى الْآخِرَةِ) وغرّتهم زهرتها وبهجتها لكفرهم بالآخرة ، فحرمهم الله تعالى هدايته وعنايته.

١٠٨ ـ (أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) ... ختم عليها حتى لا يدركوا قول الحق (وَسَمْعِهِمْ) كيلا يسمعوا كلام الحق (وَأَبْصارِهِمْ) لئلا يشاهدوا الآيات الدالة على الحق فامتنعوا عن الاعتراف بالحق بتاتا وضيّعوا أعمارهم بصرفها في ما يفضي إلى العذاب الدائم بغفلتهم عن سوء المصير. أما إسناد الطبع على قلوبهم إلى الله فعلى سبيل المجاز الدالّ على منعهم من اللّطف حين أبوا قبول الحق وأعرضوا عنه وجحدوا ولم يصغوا ولم يتدبرّوا.

١٠٩ ـ (لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ) : مرّ تفسيرها ، وقد وجب كونهم خاسرين يوم القيامة قطعا.

* * *

٢٥٩

(ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١١٠) يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١١١))

١١٠ ـ (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا) ... عطف هذه الشريفة على الكريمتين اللتين سبقتاها فقال سبحانه : وكذلك الذين هاجروا من مكة هربا من جور عتاة قريش (مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا) أي بعد أن عذّبوا واختبروا وأكرهوا على التبرئة كعمّار وغيره (ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا) على الآلام والمشقّات التي لاقوها من الكفار أثناء الجهاد (إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها) من بعد ذلك العذاب وتلك المشقّات (لَغَفُورٌ) متجاوز عما فعلوا من قبل (رَحِيمٌ) رؤف بهم. و (لَغَفُورٌ) خبر (إِنَ) الأولى والثانية جميعا ، ونظير هذا كثير ومكرر في القرآن الكريم.

١١١ ـ (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها) ... أي تحاجّ عن ذاتها وتخاصم وتدافع عنها إذ لا يهمها غيرها لشدّة أهوال يوم القيامة ، فتسعى للخلاص وتعتذر بكل وسيلة ، (وَ) لكنّها (تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ) تعطى يومئذ استحقاق (ما عَمِلَتْ) أي جزاء عملها إن خيرا فخير وإن شرّا فشرّ (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) ولا يظلم ربّك أحدا لأنه منزّه عن الجور.

* * *

(وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ

٢٦٠