الجديد في تفسير القرآن المجيد - ج ٣

الشيخ محمّد السبزواري النجفي

الجديد في تفسير القرآن المجيد - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد السبزواري النجفي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التعارف للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٨

مُبِينٌ) أي أنه أرسل مخوّفا للناس من عذاب الله ليتّقوه ، ودالّا على ما يؤدي إلى الأمن منه فيسلكون طريقه.

١٨٥ ـ (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ...) يعني : ألم يتفكروا في هذا الملك العظيم الذي لا يحدّه فكر ولا يحيط به نظر ، ولم يلاحظوا عجيب هذا الصّنع فيعتبروا ويعترفوا بخالق السماوات والأرض وبأنه مالكهما (وَما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ) أي : ولم ينظروا بعين البصيرة إلى أصناف خلقه وعظيم قدرته فيستدلّوا بذلك على توحيده وإثبات وجوده (وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ) ولم يتفكّروا في أنه قد يكون قد اقترب أجل موتهم ووفاتهم فيدعوهم ذلك لأن يحتاطوا لأنفسهم ويختاروا الصالح لها بعد الموت وموافاة الأجل ويزهدوا بالدنيا وما فيها من التفاخر بالمال والولد. وهذا معناه : لعل أجلهم قريب وهم ساهون عن ذلك (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ) بعد القرآن (يُؤْمِنُونَ) مع ما في القرآن الكريم من معجز. وقد سمّى القرآن حديثا لأنه محدث غير قديم كما لا يخفى.

١٨٦ ـ (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ ...) قد مرّ تفسيره فيما مضى (وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) أي ونتركهم متحيّرين في ضلالتهم وعمه قلوبهم. والعمه يكون في القلب ، كالعمى الذي يكون في العيون والعياذ بالله من كليهما.

* * *

(يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (١٨٧) قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلاَّ ما شاءَ اللهُ

٢٤١

وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١٨٨))

١٨٧ ـ (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها ...) أي : يستفهمون منك يا محمد عن الساعة : ساعة القيامة التي تتحدّث لهم عنها حين يحشرهم الله تعالى للحساب والثواب والعقاب ويقولون : (أَيَّانَ مُرْساها) متى موعدها؟ وأيّان معناه : متى ، وهو سؤال عن الزمان ، والإرساء الإثبات ، ورسا الشيء ثبت واستقر. فهم يسألونك عن الوقت الثابت المستقر لساعة البعث والحساب. والكاف في : يسألونك ، مفعول به أول ، وعن الساعة في موضع المفعول الثاني. والتقدير : يسألونك وقت الساعة ، قائلين : أيان مرساها ، أي منتهاها (قُلْ) يا محمد : (إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي) أي علم وقت حدوثها وقيام القيامة عند الله سبحانه وتعالى لا يعرفه أحد غيره ولم يطلع عليه أحدا من عباده ليبقى الناس على حذر منه ، وذلك يخيفهم من سوء العاقبة ويدعوهم إلى الطاعة. فالساعة (لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها) أي لا يظهرها ويبيّن وقتها ولا يأتي بها (إِلَّا هُوَ) سبحانه وتعالى فقد استأثر لنفسه بعلمها وبكل ما يواكبها (ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي ثقل علمها على أهلهما لأن الذي يخفى عليه سرّ شيء يكون إدراكه له ثقيلا عليه ، بعكس من يعلمه فإنه تكون خفيفة عليه معرفته. وقيل معناه : ثقل وقوعها على أهل السماوات والأرض ، وقيل : عظمت عليهم ، وقيل أيضا : إن السماوات والأرض لا تطيق حملها لشدّتها لما يصيبهما من الانشقاق والانفطار ، فهي (لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً) أي فجأة لتكون أشد هولا وإخافة يسألونك كأنك حفي بها أي كأنك عالم بها. والحفيّ لغة هو الذي يستقصي في السؤال حتى يكون محيطا بجميع نواحي ما سأل عنه. فهم يسألونك كأنك قد اطّلعت على وقت حدوثها وعرفت سائر تفصيلاتها ، أي كأنك معنيّ بالسؤال عنها فسألت عنها حتى علمتها ، ولذلك وصل السؤال ب : عن (قُلْ) يا محمد : (إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ)

٢٤٢

أي علمها محصور به عزّ اسمه ، لا يعلمها إلّا هو. وقد كرر سبحانه هذا القول لوصله بقوله : (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) وقت حدوثها مع جميع ما يحدث أثناءها وبعدها ، فكل الناس لا يعلمون وقتها ، وأكثرهم لا يعلمون شيئا عنها وعمّا يرافقها.

وقيل إن جماعة من اليهود قالوا : يا محمد أخبرنا عن الساعة متى هي إن كنت نبيّا ، فنزلت هذه الآية.

١٨٨ ـ (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا ...) أي : قل يا محمد لجميع الناس : إنني لا أملك جلب نفع ولا دفع ضر (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) سوى ما أراد الله أن يملّكني إياه فأملكه بأمره وتقديره. وقيل إن أهل مكة قالوا للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : ألا يخبرك ربّك بالسعر الرخيص قبل أن يغلو فتشتريه فتربح فيه ، وبالأرض التي تريد أن تجدب فترتحل عنها إلى أرض قد أخصبت؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وأمره الله سبحانه بذلك القول (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ) وفي هذه الجملة حذف هو قوله (ص): ولا أعلم الغيب إلّا ما شاء الله أن يطلعني عليه ، ولو كنت أعلمه لادّخرت من أيام الخصب لأيام الجدب ، ومن أيام الرّخص لأيام الغلاء ، ثم كنت أختار الأفضل دائما في عمل الدّنيا وعمل الآخرة ، ولكن الغيب محجوب عني (وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ) ما أصابني الفقر والحاجة والضر ، وقيل : معناه وما أصابني جنون كما تزعمون (إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ) مخوّف بالعذاب (وَبَشِيرٌ) مبشّر بالثواب (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) لجماعة يصدقونني فيما أقول. وقد خصّهم سبحانه بالذكر لأنهم هم وحدهم المنتفعون بإنذاره وتبشيره وإن كان ينذر ويبشّر غيرهم أيضا.

* * *

(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا

٢٤٣

أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (١٨٩) فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٩٠) أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (١٩١) وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (١٩٢) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ (١٩٣))

١٨٩ ـ (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ...) أي أن الله تعالى خلقكم يا بني آدم عليه‌السلام (وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها) أي خلق حواء عليها‌السلام من تلك النفس ، والزوج يطلق على المذكّر والمؤنّث ، خلقناها (لِيَسْكُنَ) آدم (ع) الذي هو زوجها (إِلَيْها) ويأنس بها ويلتذّ بعشرتها (فَلَمَّا تَغَشَّاها) أي حين وطأها وأصابها كما يصيب الرجل زوجته بمجامعتها (حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً) وهو الماء الذي استقرّ في رحمها وكان حمله خفيفا حين استقراره فيه (فَمَرَّتْ بِهِ) أي استمرت على الخفة بحركتها وقيامها وقعودها ولم يمنعها ذلك عن أي تصرف من تصرفاتها (فَلَمَّا أَثْقَلَتْ) أي : حين أحسّت بثقل الحمل لمّا كبر وصار جنينا وأخذ يتحرك في بطنها (دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما) يعني سألاه وطلبا منه وهما آدم وحواء (ع) قالا : (لَئِنْ آتَيْتَنا) إذا أعطيتنا (صالِحاً) ولدا معافى سليما سويّا ، وقيل ذكرا (لَنَكُونَنَ) لنصيرنّ (مِنَ الشَّاكِرِينَ) الحامدين لك المعترفين بنعمتك علينا. وقد قالا ذلك إذ أحبّا أن يكون لهما ولد يؤنسهما في وحدتهما إذ كانا لا يزالان فردين وحيدين إذا غاب واحد منهما عن الثاني أخذته الوحشة والخوف. وهذا القول يصح أن يقال في كل زوج وزوجة حين تكون الزوجة حاملا فإنهما يدعوان الله طالبين

٢٤٤

ولدا صالحا.

١٩٠ ـ (فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ ...) أي فلمّا آتاهما الله ولدا صالحا كما طلبا (جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما) وقد اختلف المفسرون في من يعود الضمير الموجود في : جعلا. فقيل انه يرجع إلى النسل الصالح المعافى في خلقه وبدنه لا في دينه ، وإنما ثنّاه سبحانه لأن : حواء عليها‌السلام كانت تلد في كل بطن ذكرا أو أنثى ، وهذا يعني أن ذلك الذكر وتلك الأنثى جعلا لله شركاء فيما أعطاهما من النعمة ، فأضافا تلك النعمة إلى من اتّخذوهم آلهة من دون الله كما ورد عن الجبائي. وقيل إنه يرجع إلى النفس وزوجها من سائر ولد آدم ، لا إلى آدام وحواء بالذات لأنه سبحانه إنما يتكلّم هنا عن النوع كما عن الحسن وقتادة وغيرهما ، فلكل نفس زوج هو من جنسها ، فلما تغشّى كل زوج زوجه وحملت منه دعا كل منهما بأن يولد لهما صالح ، وكانت من عادة الجاهليين أن يئدوا البنت ويدفنوها في التراب حيّة ، أي أنهم كانوا يرضون بالذكر ويرفضون الأنثى ، فلسان حال كل أب وأم : إذا أعطيتنا ذكرا لنشكرنّك ، وإن أعطيتنا أنثى فلن نرضى بها (فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) أي : فسما وتقدس وارتفع الله سبحانه عن شركهم. وقوله : يشركون ، يدل على أن الكناية في الآية لا تتعلّق بآدم وحواء بل بجميع الناس ، إذ لو تعلّقت بهما لقال : فتعالى الله عمّا يشركان. والحديث في هذه الآية الشريفة يتناول حال الكفار والمشركين بالله ، ويجوز أن يذكر العموم ويخصّ البعض بالذكر ، وهذا كثير في لغة العرب ، فقد أخبرت الآية عن حالة بعض البشر من نسل آدم وحواء ، وهو نظير قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ، حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ ...) إلخ .. حيث خاطب الجماعة بالتسيير ، ثم خص ركاب البحر بالذكر والوصف.

وفي إرجاع الضمير قول آخر ذكره صاحب المجمع قدس سرّه ، وهو أن الضمير يعود لآدم وحواء ، ويكون التقدير : جعل أولادهما له شركاء ،

٢٤٥

فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فصار : جعلا. وهذا مثل قوله تعالى : (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً) ، والتقدير : وإذ قتل أسلافكم نفسا ، ويقوّيه ختام الآية : (فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ).

١٩١ ـ (أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) : أي : كيف يشركون مع الله الخالق القادر غيره ممّا لا يستطيع أن يخلق شيئا ، بل هم ـ أي من أشركوهم معه ـ مخلوقون أوجدهم الله تبارك وتعالى؟ .. وهذا توبيخ للمشركين الذين يعبدون مع الله جمادات لا تسمع ولا تعقل ، قد أحدثها الله تعالى بقدرته. وقد قال سبحانه : وهم يخلقون ، على لفظ العقلاء لأنه أراد بذلك الأصنام والعابدين لها جميعا فغلّب ما يعقل على ما لا يعقل.

١٩٢ ـ (وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ) : أي أن المشركين يعبدون أصناما لا تقدر على نصر عابديها ، ولا نصر أنفسها إن حلّ بها ضيق. ومن كانت هذه حاله فهو في غاية العجز والضعف فكيف يجوز أن يكون معبودا؟

١٩٣ ـ (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ ...) أي وإن تدعوا هؤلاء المشركين إلى الهدى والحق لا يسمعوا دعوتكم لإصرارهم على الكفر ، ولذلك كان (سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ) أي أن دعاءكم لهم وسكوتكم عن دعوتهم للإيمان سواء ، فإنهم لا يسمعون دعوتكم ولا يستجيبون لقولكم.

* * *

(إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٩٤) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها قُلِ

٢٤٦

ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ (١٩٥))

١٩٤ ـ (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ ...) أي أن ما تدعونه آلهة من دون الله كالأصنام وغيرها ، هي عباد مخلوقة مملوكة مثلكم. وقيل إنهم عباد لأنهم مسخّرون مذلّلون لأمر الله تعالى. فالأصنام والأوثان غير ممتنعة عن قدرة الله تعالى ، وهي بهذا المعنى كانت عبادا لله معبّدة موطّأة كالطرق المعبّدة الموطوءة ، وقوله تعالى : عبّدت بني إسرائيل ، أي ذلّلتهم وجعلتهم خدما وعبيدا (فَادْعُوهُمْ) أي اطلبوا منهم حاجاتكم ومهمّاتكم وكشف السوء عنكم (فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ) أي فليجيبوا طلباتكم إذا قدروا عليها. وهذا تعجيز لعبدة الأصنام لأن الأصنام لا تستجيب. واللام هنا هي لام الأمر. فادعوهم أيها المشركون (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أنها تنفع وتضر وتستجيب الدعاء وتثيب وتعاقب وتنصر وتذل. ثم استهزأ بأصنامهم ومعبوداتهم ، وفضّل الإنسان عليها فقال سبحانه :

١٩٥ ـ (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها ...) أي ليس يملكون أرجلا يمشون بها لمصالحكم ولما تدعونهم إليه (أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها) ومعنى البطش الأخذ بشدة والضرب بقسوة ، فليس لهم أيد يدفعون بها عنكم (أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها) ويرون الطائع من العاصي والعابد من المستهزئ بهم (أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها) ويصغون إلى من يدعوهم وإلى من يسخر منهم؟ لا ، ليس لهم هذه الأعضاء ولا تلك الحواس ، والناس أفضل منهم ، فكيف يعبد المشركون من لا يستطيع الحركة والسمع ويفتقر إلى الحياة بكاملها؟ ف (قُلِ) يا محمد : (ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ) أي ادعوا هذه الأوثان التي تشركونها في أموالكم وضحاياكم ونذوركم (ثُمَّ كِيدُونِ) واستعملوا ما عندكم من تدبير وتعاونوا معهم على ذلك جميعكم (وَلا تُنْظِرُونِ) أي لا تؤخّروني ، فإن ربي ومعبودي ينصرني ويدفع عني كيد الكائدين ومكر الماكرين ، في حين أن معبودكم عاجز عن نصركم والدفاع عنكم ، فلا تمهلوني في الكيد فإن ربّي يردّ كيد الكافرين عني.

* * *

٢٤٧

(إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (١٩٦) وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (١٩٧) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (١٩٨) خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (١٩٩) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٠٠))

١٩٦ ـ (إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ ...) أمر الله سبحانه نبيّه أن يقول للمشركين الذين دفعتهم حجته : إن حافظي وولي أمري وناصري عليكم ، هو الله الذي أنزل عليّ هذا القرآن ، وهو يؤيّدني بنصره كما أنزله عليّ ليحفظني ويحفظه (وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) أي هو الله سبحانه يتولّى أمور المطيعين له الكافّين أنفسهم عن معاصيه المؤتمرين بأوامره المنتهين عن نواهيه.

١٩٧ ـ (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ ...) أي الذين تسمّون من دون الله ، وتدعونهم آلهة (لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ) لا يقدرون على معاونتكم ونصركم في المهمات ، ولا يدفعون عنكم ضرّا (وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ) قد كرّر سبحانه ذلك ليبيّن الفرق بين من تصحّ عبادته ومن لا تصح عبادته وربوبيته. فكأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لهم : من أعبده ينصرني ، ومن تعبدونه لا يستطيع أن ينصركم لأنه عاجز عن نصر نفسه.

١٩٨ ـ (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا ...) أي إذا دعوتم هذه الأصنام التي تعبدونها إلى الهدى لا تسمع ولا تعي ولا تعرف الرشد (وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ) أي مفتوحة أعينهم نحوكم كما رسموها ونحتوها

٢٤٨

(وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) أي لا يرون ولا يبصرون الحجة ولا يدركون شيئا مما حولهم.

١٩٩ ـ (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ ...) أي : خذ يا محمد ما عفا وما فضل من أموال الناس للنفقة ـ كما هي عادتك من أخذ فضل أموال المسلمين ـ وهذا قبل نزول آية الزّكاة ـ وقيل : خذ بالعفو عمّا في سلوك الناس وأخلاقهم ، واقبل الميسور وكن متساهلا واقبل أعذار المعتذرين. وفي المجمع أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سأل جبرائيل عن ذلك حين نزول هذه الآية فقال لا أدري حتى أسأل العالم. ثم أتاه فقال : يا محمد ، إن الله يأمرك أن تعفو عمّن ظلمك ، وتعطي من حرمك ، وتصل من قطعك. فأمر بالعرف : أي بالمعروف وبكل ما هو حسن بنظر العقل (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) أي اتركهم وانصرف عنهم بعد قيام الحجة عليهم وبعد أن تيأس من قبولهم حجتك.

٢٠٠ ـ (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ ...) النزغ هو الإزعاج بالإغراء ، ويكون أكثر ما يكون عند الغضب ، ونزغ الشيطان هو إفساده ووسوسته. فإذا أصابك يا محمد شيء من ذلك وأصابك نخسة في القلب عند الغضب فاستعذ بالله ، واسأله أن يعيذك ويجيرك (إِنَّهُ سَمِيعٌ) كثير السمع شديدة (عَلِيمٌ) عارف بكل ما خفي خبير به.

* * *

(إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (٢٠١) وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ (٢٠٢) وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ

٢٤٩

وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٢٠٣))

٢٠١ ـ (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ ...) أي أن الذين تجنّبوا معاصي الله وائتمروا بأوامره ، إذا مسّهم : أي عرض لهم وسواس من الشيطان وأغراهم بمعصية الله جلّ وعلا. والطائف هو خطرة من الشيطان كالوسوسة وغيرها. وهو كالطيف يراه الإنسان فالمتّقون إذا أصابهم ذلك (تَذَكَّرُوا) الله سبحانه وذكروه ورجعوا عمّا فكّروا به وتركوه وأقلعوا عن الوقوع في الذنب واتّباع وسوسة الشيطان (فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ) راؤون طريق الرشد متبصّرون للحقيقة.

٢٠٢ ـ (وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ...) أي أن إخوان المشركين من شياطين الجن وشياطين الإنس ، يشجّعونهم على الضلال واتّباع همزات الشياطين ويزيّنون لهم ما هم فيه (ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ) أي لا يكفّون ولا يمتنعون عن التزيين لهم والإغواء ، فلا يقصر هؤلاء الضالون عن سلوك طريق الغيّ كما يقصر المتّقون.

٢٠٣ ـ (وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ ...) أي إذا سكتّ عنهم يا محمد ولم تأتهم بحجة أو ببيّنة وأبطأت عنهم في ذلك (قالُوا) لك : (لَوْ لا اجْتَبَيْتَها) أي لولا اخترتها من عندك ولم تنتظر الوحي كما تدّعي ، وذلك حين يقترحون عليه الآية فينتظر (ص) نزول الوحي. أي فهلّا جئت بها من عندك واستغنيت عن أن تسأل ربك؟ ف (قُلْ) لهم يا محمد : (إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي) أي لا أجيء بالآيات من قبل نفسي ، وإنما يفعل ذلك الله جلّ وعلا ، وأنا أتّبع وحيه إليّ وأمره لي ، فهو الذي ينزّل الآيات ويظهرها على حسب ما يعلم من المصلحة ، ولا يكون ذلك باقتراح الناس ولا رغبات البشر ، وأنا لا أسأله الآيات إلّا بعد إذنه ورضاه (هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ) أي هذا القرآن الكريم هو دلائل واضحة وحجج وبراهين ساطعة من ربكم تبصرون به أمور دينكم وَهو (هُدىً وَرَحْمَةٌ) لأنه يهدي إلى الحق والرشاد ، وهو رحمة ولطف في الدنيا

٢٥٠

والآخرة (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) أي للذين يصدّقون دون غيرهم لأنهم هم الذين ينتفعون بهداه ويستفيدون من مواعظه. وفي هذه الآية الكريمة دلالة على أن أقوال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأفعاله كانت تابعة للوحي لأنه كان : لا ينطق عن الهوى إن هو إلّا وحي يوحى.

* * *

(وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٢٠٤) وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ (٢٠٥) إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (٢٠٦))

٢٠٤ ـ (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا ...) هذا أمر من الله تعالى للناس بالاستماع إلى القرآن عند تلاوته وبالإنصات والتفكر في معانيه. وقد اختلف المفسرون في الوقت الذي أمروا بالإنصات فيه ، فقيل إنه في الصلاة خاصة خلف الإمام كما عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام وابن عباس ومجاهد وغيرهم ، إذ كان المسلمون يتكلّمون في صلاتهم ويسلّم بعضهم على بعض. وقيل أمروا بالاستماع له في الخطبة والصلاة جميعا ، والأول أقوى. وفي العياشي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قرأ ابن الكوا خلف أمير المؤمنين : لئن أشركت ليحبطنّ عملك ولتكوننّ من الخاسرين ، فأنصت أمير المؤمنين عليه‌السلام. وفي المجمع عن عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت له : الرجل يقرأ القرآن ، أيجب على من سمعه الإنصات له والاستماع؟ قال : نعم ، إذا قرئ عندك القرآن وجب عليك الإنصات والاستماع .. (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) أي بأمل أن تصيبكم الرحمة بذلك لاعتباركم بمواعظة ولالتزامكم بأوامره.

٢٥١

٢٠٥ ـ (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ ...) الخطاب هنا للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والمراد به عامّ لسائر المكلّفين. وقيل إن المقصود به هو مستمع تلاوة القرآن يذكر ربّه في نفسه بالكلام الخفيّ من التسبيح والتكبير والتحميد والتهليل. وفي المجمع أن زرارة روى عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : معناه إذا كنت خلف الإمام تأتمّ فأنصت وسبّح في نفسك ، أي أثناء القراءة التي لا يجهر بها الإمام. وسواء كان هذا أو ذاك فأنت مأمور أن تذكر ربّك في نفسك في تلك الحالات (تَضَرُّعاً وَخِيفَةً) أي بتضرّع ، يعني بدعاء وخشوع وابتهال وخوف من الله جلّ وعلا. وقد خصّ الذكر في النفس لأنه يكون أبعد عن الرياء كما عن الجبائي (وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ) أي ارفع صوتك قليلا ولا تجهر به كثيرا بليغا ، وهذا بمعنى قوله سبحانه : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها) ، فاذكره كذلك (بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) أي في الغدوات ـ صباحا ـ وفي العشيّات ـ مساء ـ ففي هذين الوقتين يكون القلب فارغا عن طلب الدنيا والمعاش (وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ) لا تغفل عمّا أمرتك به من الذّكر والدعاء والتسبيح. وعلى هذا فلا ينبغي رفع الصوت فوق المألوف عند الدعاء.

٢٠٦ ـ (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ ...) أي إن الملائكة المقرّبين مع عظمة خلقهم وجلال قدرهم وسموّ شأنهم يعبدون الله تعالى ولا يأنفون من عبادته ولا يتكبّرون عن طاعته ، فلا ينبغي للناس ـ وهم أدنى منهم شأنا ومنزلة ـ أن يستكبروا عن عبادته. ولا يخفى أنه عزّ اسمه قال : عند ربّك ، تشريفا للملائكة وتعظيما لشأنهم ، لا أنه أضافهم إلى نفسه يريد قرب مكانهم منه جلّ وعلا ، وذلك كقول الناس عند الملك كذا وكذا من الجند ، يريدون أنهم تحت أمره لا أنهم في قصره. وقال الزجاج : من قرب من رحمة الله وفضله فهو عند الله ، وهو قريب من فضله وإحسانه ... فهؤلاء الذين عند ربّك يعبدونه غير مستكبرين عن عبادته (وَيُسَبِّحُونَهُ) يعني ينزّهونه عمّا ليس من شأنه ولا يليق بعظمته (وَلَهُ يَسْجُدُونَ) أي يخضعون أو يصلّون ، أو يسجدون في الصلاة وفي مناسبات الشكر والحمد على النّعم.

٢٥٢

سورة الأنفال

مدنية ، خمس وسبعون آية.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤))

١ ـ (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ ...) أي يسألك يا محمد أصحابك عن الأنفال ، وهي جمع نفل وهو الزيادة على الشيء كالنافلة التي هي زيادة على الصلاة ، ونفلته إذا أعطيته زيادة عن حقه. وقيل هو العطية تطوّعا ومن غير واجب. فأصحابك يسألونك عن الغنائم التي غنمتها يوم بدر ويطلبون تقسيمها. وفي المجمع عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام أنهما قالا : إن الأنفال كل ما أخذ من دار الحرب بغير قتال ، وكل أرض انجلى أهلها عنها بغير قتال. ويسميها الفقهاء الفيء وميراث من لا وارث له ، وقطائع الملوك غير المغصوبة والأودية وبطون الآجام والأرض

٢٥٣

الموات ، وقالا : هي لله وللرسول ، وبعده لمن قام مقامه فيصرفه حيث شاء من مصالح نفسه ليس لأحد فيه شيء. وقالا : إن غنائم بدر كانت للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله خاصة ، فسألوه أن يعطيهم ... وقد صح أن قراءة أهل البيت عليهم‌السلام : يسألونك الأنفال ، وكذلك قراءة ابن مسعود وكثيرين غيره. وقد قال سبحانه لنبيّه (ص) : (قُلِ) يا محمد : (الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) فهي لهما دون غيرهما ولا يجب تقسيمها ولا إعطاؤها سهاما (فَاتَّقُوا اللهَ) خافوه وتجنّبوا سخطه وما يغضبه ولا تطلبوا ما ليس لكم. وقيل إن أصحابه لم يسألوه تقسيم الأنفال وإنما سألوه عن حكمها ولذلك جاء الجواب على هذا الشكل ، ونزع الله الغنائم وجعلها لرسوله يفعل بها ما يشاء فقسمها بينهم بالسوية. وقال ابن عباس ـ كما في المجمع ـ : كانت الغنائم لرسول الله خاصة ليس لأحد فيها شيء ، وما أصاب سرايا المسلمين من شيء أتوه به فمن حبس منه إبرة أو سلكا فهو غلول ، فسألوا رسول الله (ص) أن يعطيهم منها فنزلت الآية. فالأنفال لله والرسول يقسمان منها ما شاءا ، فاحذروا مخالفة أمرهما (وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ) أي ما بينكم من الخصومة والنزاع ، وكونوا مجتمعين على ما أمر الله سبحانه ورسوله وأصلحوا حالكم (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) أي ارضوا بما أمرتم به في الأنفال والغنائم وغيرها وأقبلوا بحكم الله فيها (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) إذا كنتم مصدّقين بما جاء به النبيّ (ص) عن الله. وفي تفسير الكلبي أن الخمس لم يكن مشروعا يومئذ وإنما شرع يوم أحد ، ولما نزلت هذه الآية عرف المسلمون أنه لا حقّ لهم في الغنيمة وأنها لرسول الله فقالوا : يا رسول الله سمعا وطاعة فاصنع ما شئت فنزلت آية الخمس.

٢ ـ (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ...) بعد أن قال سبحانه : (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) في آخر الآية السابقة ، بيّن في هذه الآية صفة المؤمنين فقال : إن المؤمنين يخافون الله عند ذكره ، وتفزع قلوبهم تعظيما له وخوفا من معصيته وعقابه ورغبة في طاعته وثوابه ، وعلما بقدرته ومعرفة

٢٥٤

برحمته ورأفته. فالمؤمنون توجل قلوبهم وتضطرب نفوسهم إذا ذكروا معاصيهم (وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً) أي إذا قرئت عليهم آيات القرآن زادتهم بصيرة ومعرفة ويقينا فيزداد تصديقهم (وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) أي يفوّضون إليه أمورهم فيما يخافون وفيما يرجون.

٣ ـ (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) : قد مرّ تفسيرها في أول سورة البقرة. وقد خص الصلاة والزكاة بالذكر لعظم أمرهما وليحث الناس على فعلهما والاستدامة عليه.

٤ ـ (أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ...) يعني أن المؤمنين الّذين تكون صفتهم بحسب ما ذكر في الآيتين السابقتين ، هم المؤمنون حقّا وحقيقة. وقد نصبت لفظة : حقّا ، بما دلّت عليه الجملة : أولئك هم المؤمنون. والمعنى : أحق ذلك حقّا (لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ) هي الدرجات التي في الجنة يرتقون إليها بأعمالهم ، ويستحقونها بما فعلوه من خير في أيام حياتهم. فلهم تلك الدرجات (وَ) لهم (مَغْفِرَةٌ) لذنوبهم (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) كبير دائم لا ينفد ولا يعتريه كدر ولا يخشى نقصانه.

ويظهر من هذه الآيات أن المنافق لا تدخل قلبه خشية الله عند ذكره ، وأن هذه الأوصاف لا تكون إلّا عند المؤمن المصدّق.

* * *

(كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ (٥) يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٦))

٥ ـ (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ ...) الكاف في قوله : (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ) ، يتعلق بما دلّ عليه قوله : (قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) ، لأن معنى ذلك نزعها من أيديهم بالحق كما أخرجك ربّك من بيتك بالحق.

٢٥٥

فالأنفال ثابتة لله ورسوله حقّا ، مثلما أخرجك ربّك من بيتك. فيا محمد قل لأصحابك : إن الأنفال لله ورسوله قد نزعها عنكم مع كراهتكم لذلك فإن ذلك أصلح لكم ، كما أن خروجكم للقتال كان أصلح لكم. فهذا خير لكم كما كان ذاك أيضا خيرا لكم. وجاء في حديث أبي حمزة الثمالي أن معناه : فالله ناصرك كما أخرجك من بيتك. وقوله : (بِالْحَقِ) أي بواسطة الوحي ، وذلك إن جبرائيل عليه‌السلام أتاه وأمره بالخروج. فخرج ومعه الحق في قتال المشركين والمعاندين وفي إعلان الجهاد (وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) أي طائفة منهم (لَكارِهُونَ) غير راغبين في ذلك الخروج للمشقة التي يتحمّلونها ، وهم (يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ) أي يناقشونك فيما ندبتهم إليه بعد ما علموا صحته وعرفوا صدقك. ومجادلتهم كانت تتجلّى في قولهم : هلّا أخبرتنا بذلك القتال لنستعدّ له ، وهم يعلمون أنك لا تأمرهم عن الله إلا بما هو حق ، ومجادلتهم كانت وسيلة للحصول على رخصة لهم بالتخلّف عنه أو في تأخير الخروج إلى مناسبة أخرى ، فهم (كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ) أي كأن هؤلاء المجادلين الذين لم يكونوا مستعدين للجهاد ، كانوا بمنزلة من يساق إلى الموت وهو يراه بعينيه وينظر إلى أسبابه وقرب حلوله.

* * *

(وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ (٧) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (٨))

٧ ـ (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ ...) أي اذكروا إذ يعدكم الله أن العير أو النفير تكون لكم. وصاحب العير كان أبو سفيان بن

٢٥٦

حرب وقد رغبوا فيها لأنه لا تلحقهم مشقة دونها ، والنفير هو الجيش الذي نفر للقتال من قريش (وَتَوَدُّونَ) تحبّون (أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ) أي العير التي لا تكلفهم حربا وتعبا كانوا يرغبون بها. أما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فكان يرغب بذات الشوكة ، أي بالنفير. وذات الشوكة كناية عن الحرب والسلام (وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ) فانه أعلم بالمصلحة منكم ، ويريد أن يظهر الحق بلطفه وأن يظفركم على الأعداء ذوي الشوكة ويعز الإسلام بإهلاك جبابرة قريش على أيديكم. وبكلماته أي بأمره إياكم بالقتال ليقتلهم (وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ) يعني يستأصلهم ولا يبقي منهم أحدا.

٨ ـ (لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ ...) أي ليظهر الإسلام الذي هو الحق (وَيُبْطِلَ الْباطِلَ) يذهب الكفر بقتل العتاة والكافرين (وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) أي برغم كره الكافرين لذلك ، فهم مجرمون بحق أنفسهم وبحق غيرهم بتمسكهم بالباطل وحثّ الآخرين عليه.

أما غزوة بدر فقال عنها أصحاب السير : أقبل أبو سفيان بعير قريش من الشام ، وفيها أموالهم التي اشتروا بها الطّيب وغيره ، وفيها أربعون راكبا من قريش : فانتدب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أصحابه للخروج إليها لأخذها وقال : لعلّ الله أن ينفلكموها : فخفّ بعضهم وتثاقل البعض وظنوا أن رسول الله (ص) لن يلقى كيدا ولا حربا ، وخرجوا يريدون أبا سفيان وركبه ويرون ذلك غنيمة لا تكلفهم مشقة كبيرة. فلما سمع أبو سفيان بمسير النبيّ (ص) وصحبه استأجر ضمضم بن عمرو الغفاري وبعثه إلى مكة ليأتي قريشا ويستنفرهم ويخبرهم بغزو المسلمين لقافلة تجارتهم ، فخرج ضمضم سريعا في مهمته. وكانت عاتكة بنت عبد المطلب (ع) قد رأت فيما يرى النائم ـ قبل وصول ضمضم إلى مكة ـ رأت كأنّ راكبا أقبل على بعيره ونادى : يا آل غالب اغدوا إلى مصارعكم. ثم صعد بجمله جبل أبي قبيس وأخذ حجرا ودحرجة من الجبل فما ترك دارا من دور قريش إلا أصابته منه

٢٥٧

فلذة ، فانتبهت فزعة وأخبرت أخاها العباس بذلك فأخبر به عتبة بن ربيعة فقال عتبة : هذه مصيبة تحدث في قريش. وانتشر خبر الرؤية فبلغت أبا جهل فقال : هذه نبيّة ثانية في بني عبد المطلب. واللات والعزّى لننظرنّ ثلاثة أيام فإن كان ما رأت حقّا وإلا لنكتبنّ كتابا بيننا أنه ما من أهل بيت من العرب أكذب رجالا ونساء من بني هاشم.

فلما كان اليوم الثالث أتاهم ضمضم ينادي بأعلى صوته : يا آل غالب اللطيمة اللطيمة العير العير أي أدركوا الطّيب والعطور والعير ـ أدركوا وما أراكم تدركون. إن محمدا والصّباة من أهل يثرب قد خرجوا يتعرّضون لعيركم. فتهيأوا للخروج ولم يبق أحد من عتاة قريش إلّا أخرج مالا لتجهيز الجيش ، وقالوا : من لم يخرج نهدم داره ، ثم أخرجوا معهم القيان يضربون على الدفوف.

أما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فخرج في ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلا وسار ، إلى أن كان بقرب بدر أخذ عينا كان يتجسّس لقريش فأخبره بهم. ثم بعث (ص) عينا له على عير قريش اسمه عدي ، فلما قدم عليه أخبره أين فارق العير. ثم نزل جبرائيل عليه‌السلام فأخبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بنفير المشركين من مكة ، فاستشار أصحابه في طلب العير وحرب النفير ، فقام ابو بكر فقال : يا رسول الله إنها قريش وخيلاؤها ، ما آمنت منذ كفرت ، ولا ذلّت منذ عزّت ، ولم تخرج على هيئة الحرب. ثم قال : فنحن والقوم على ماء بدر يوم كذا وكذا كأنّا فرسا رهان. ثم قام عمر فقال مثل ذلك ، ثم قام المقداد فقال : يا رسول الله ، إنها قريش وخيلاؤها ، وقد آمنّا بك وصدّقنا وشهدنا أنّ ما جئت به حق. والله لو أمرتنا أن نخوض جمر الغضا وشوك الهراس لخضناه معك. والله لا نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى (ع) : اذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون. ولكنّا نقول : امض لأمر ربّك فإنّا معك مقاتلون. فجزاه النبيّ (ص) على قوله خيرا وقال : أشيروا عليّ أيها الناس ـ يريد الأنصار لأنه في ذمّتهم وعليهم نصره ـ فقام سعد بن معاذ فقال : بأبي أنت وأمي يا

٢٥٨

رسول الله ، كأنك أردتنا؟ فقال : نعم. قال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، قد آمنّا بك وصدّقناك ، وشهدنا أن ما جئت به حق من عند الله ، فمرنا بما شئت ، وخذ من أموالنا ما شئت ، واترك منها ما شئت. والله لو أمرتنا أن نخوض هذا البحر لخضناه معك ، ولعلّ الله عزوجل أن يريك منّا ما تقرّ به عينك. فسر بنا على بركة الله.

فقال رسول الله (ص) : سيروا على بركة الله فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين ، ولن يخلف الله وعده. والله لكأني أنظر إلى مصرع أبي جهل بن هشام ، وعتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، وفلان وفلان ، ثم أمر بالرحيل إلى بئر بدر.

وأقبلت قريش فأرسلت عبيدها ليستقوا من الماء فأخذهم أصحاب رسول الله (ص) وقالوا لهم : من أنتم؟ قالوا : نحن عبيد قريش. قالوا : فأين العير؟ قالوا : لا علم لنا بالعير. فأقبلوا يضربونهم في حين كان النبيّ (ص) يصلي ، فانفتل من صلاته وقال : إن صدقوكم ضربتموهم وإن كذبوكم تركتموهم؟ فأتوه بهم فقال لهم : من أنتم؟ قالوا : يا محمد نحن عبيد قريش. قال : كم القوم؟ قالوا : لا علم لنا بعددهم. قال : كم ينحرون في كل يوم من جزور؟ قالوا : تسعة إلى عشرة. فقال رسول الله (ص) : القوم تسعمئة إلى ألف رجل. ثم أمر بهم فحبسوا. وبلغ ذلك قريشا فخافوا وندموا على مسيرهم. ولقي عتبة بن ربيعة أبا البختري بن هشام فقال : أما ترى هذا البغي ، والله ما أبصر موضع قدمي. خرجنا لنمنع عيرنا وقد أفلتت ، فجئنا بغيا وعدوانا. والله ما أفلح قوم بغوا قط. ولوددت أن ما في العير من أموال عبد مناف ذهبت ولم نسر هذا المسير. فقال له أبو البختري : إنك سيد من سادات قريش ، فسر في الناس وتحمّل العير التي أصابها محمد وأصحابه ، وتحمّل دم ابن الحضرمي فإنه حليفك. فقال له : عليّ ذلك وما على أحد منّا خلاف إلّا ابن الحنظلية ـ يعني أبا جهل ـ فصر إليه وأعلمه أني حملت العير ودم ابن الحضرمي وعليّ عقله. قال : فقصدت خباءه وأبلغته ذلك فقال : إن

٢٥٩

عتبة يتعصب لمحمد فإنه من بني عبد مناف ، وابنه معه يريد أن يخذّل بين الناس. لا واللات والعزى حتى نقحم عليهم يثرب ونأخذهم أسارى فندخلهم مكة وتتسامع العرب بذلك.

وكان أبو حذيفة بن عتبة مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. وكان أبو سفيان لما جاز بالعير بعث إلى قريش قد نجّى الله عيركم فارجعوا ودعوا محمدا والعرب وادفعوه بالراح ما اندفع ، وإن لم ترجعوا فردّوا القيان. فلحقهم الرسول (ص) بالجحفة فأراد عتبة أن يرجع فأبى أبو جهل وبنو مخزوم ، وردّوا القيان من الجحفة ... وفزع أصحاب النبيّ (ص) لمّا بلغهم كثرة قريش واستغاثوا وتضرّعوا فأنزل الله سبحانه : (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ ...) (وستأتي بقية قصة غزاة بدر بعد صفحات قليلة).

* * *

(إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (٩) وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (١٠))

٩ ـ (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ ، فَاسْتَجابَ لَكُمْ ...) أي : واذكروا أيها المسلمون إذ تستجيرون بربكم وتطلبون منه الغوث قبل نصركم يوم بدر. والعامل في إذ قوله : ويبطل الباطل ، وقيل هو محذوف أي واذكروا إذ كنتم تستغيثون. وعلى الوجه الأول يكون الكلام متصلا بما قبله ، وعلى الوجه الثاني يكون الكلام مستأنفا ... فيوم كنتم تستجيرون بربكم استجاب لكم وكشف الضرّ عنكم ووافق على مسألتكم وأجاب دعاءكم (أَنِّي مُمِدُّكُمْ) أي مرسل لكم مدادا (بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ) أي متبعين ألفا آخر لأن مع كل واحد منهم ردفا. وقيل بل هم ألف واحد

٢٦٠