تذكرة الفقهاء - ج ٨

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٨

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-051-X
الصفحات: ٥٠٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

ولو اغتسل ثم نام قبل دخولها ، استحب إعادته ؛ لأنّ عبد الرحمن بن الحجّاج سأل الكاظم عليه‌السلام ـ في الصحيح ـ عن الرجل يغتسل لدخول مكة ثم ينام [ فيتوضّأ ] (١) قبل أن يدخل الحرم ، قال : « لا يجزئه ، لأنّه إنّما دخل بوضوء » (٢) .

ويستحب له أن يدخل مكة بسكينة ووقار حافياً ؛ لأنّه أبلغ في الطاعة .

ولأنّ الصادق عليه‌السلام فَعَله (٣) .

مسألة ٤٤٦ : دخول مكة واجب للمتمتّع ، أوّلاً يطوف بالبيت ويسعىٰ ويقصّر ثم يُنشئ إحرام الحجّ ، أمّا القارن والمفرد فلا يجب عليهما ذلك ؛ لأنّ الطواف والسعي إنّما يجب عليهما بعد الموقفين ونزول منىٰ وقضاء بعض مناسكها ، لكن يجوز لهما أيضاً دخول مكة والمقام بها علىٰ إحرامهما حتىٰ يخرجا إلىٰ عرفات ، فإن أرادا الطواف بالبيت استحباباً ، جاز ، غير أنّهما يجدّدان التلبية عقيب كلّ طواف وسعي حتىٰ يخرجا إلىٰ عرفات .

وقد بيّنّا أنّ كلّ مَنْ دخل مكة يجب أن يكون مُحْرماً ، إلّا المتكرّر ، كالحطّاب والمرضىٰ والرُّعاة والمقاتل شرعاً ، والعبد ؛ لأنّ السيّد لم يأذن له بالتشاغل عن خدمته .

ومَنْ يجب عليه دخول مكة بإحرام لو دخلها بغير إحرام ، لم يجب عليه القضاء ـ وبه قال الشافعي (٤) ـ لأصالة البراءة .

__________________

(١) أضفناها من المصدر .

(٢) الكافي ٤ : ٤٠٠ / ٨ ، التهذيب ٥ : ٩٩ / ٣٢٥ .

(٣) الكافي ٤ : ٣٩٨ / ١ ، التهذيب ٥ : ٩٧ / ٣١٧ .

(٤) الحاوي الكبير ٤ : ٢٤٢ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٠٢ ، المجموع ٧ : ١٣ و ١٦ ، المغني ٣ : ٢٢٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٤ .

٨١
 &

وقال أبو حنيفة : عليه أن يأتي بحجّة أو عمرة ، فإن فعل في سنته لحجّة الاسلام أو منذورة أو عمرة منذورة ، أجزأه ذلك عن عمرة الدخول [ استحساناً ] (١) ، وإن لم يحجّ من سنته ، استقرّ القضاء (٢) .

مسألة ٤٤٧ : الحائض والنفساء يستحب لهما الاغتسال لدخول مكّة ؛ لأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر عائشة لمّا حاضت : ( افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت ) (٣) .

ويجوز دخول مكّة ليلاً ونهاراً إجماعاً ؛ للأصل .

وحكي عن عطاء أنّه كره دخولها ليلاً (٤) .

وقال إسحاق : دخولها نهاراً أولىٰ (٥) . وحكي ذلك عن النخعي (٦) .

والأصل أنّه عليه‌السلام دخلها تارةً ليلاً وتارةً نهاراً (٧) .

مسألة ٤٤٨ : إذا أراد دخول المسجد الحرام ، استحبّ له أن يغتسل ؛ لما تقدّم (٨) . وأن يدخله علىٰ سكينة ووقار حافياً بخشوع وخضوع من باب بني شيبة ؛ لأنّ هبل الصنم مدفون تحت عتبة باب بني شيبة ، فاستحبّ الدخول منها ليطأه الداخل برجله . ويدعو بالمنقول .

__________________

(١) في « ف ، ط ، ن » والطبعة الحجرية : استحباباً . والصحيح ما أثبتناه من المغني والشرح الكبير .

(٢) المغني ٣ : ٢٢٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٤ .

(٣) صحيح البخاري ١ : ٨٤ و ٢ : ١٩٥ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٧٣ ـ ٨٧٤ / ١٢٠ ، سنن البيهقي ٥ : ٣ و ٨٦ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٤ .

(٤) كما في الخلاف ٢ : ٣١٩ ، المسألة ١٢١ ، وفي المجموع ٨ : ٧ : وممّن استحب دخولها نهاراً : . . . عطاء .

(٥ و ٦) الحاوي الكبير ٤ : ١٣١ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٥ ، المجموع ٨ : ٧ .

(٧) اُنظر : صحيح مسلم ٢ : ٩١٩ / ٢٢٦ و ٢٢٧ ، وسنن أبي داود ٢ : ١٧٤ / ١٨٦٥ ، وسنن النسائي ٥ : ١٩٩ ، وسنن الدارمي ٢ : ٧٠ ، وسنن البيهقي ٥ : ٧٢ .

(٨) تقدّم في المسألة ٤٤٥ .

٨٢
 &

الفصل الثالث في الطواف‌

وفيه مباحث :

الأوّل : في مقدّماته .

مسألة ٤٤٩ : الطهارة شرط في الطواف الواجب ، فلا يصحّ طواف المحدث عند علمائنا ـ وبه قال مالك والشافعي (١) ـ لما رواه العامّة : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : ( الطواف بالبيت صلاة إلّا أنّكم تتكلّمون فيه ) (٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه‌السلام ـ في الصحيح ـ : « لا بأس أن تقضي المناسك كلّها علىٰ غير وضوء إلّا الطواف بالبيت ، والوضوء أفضل » (٣) .

ولو شرع في الطواف الواجب علىٰ غير طهارة فذَكَر ، أعاده ؛ لأنّ زرارة سأل الباقرَ عليه‌السلام : عن الرجل يطوف بغير وضوء أيعتدّ بذلك الطواف ؟ قال : « لا » (٤) وهو يتناول العامد والساهي .

ولو ذكر في الأثناء أنّه محدث ، أعاد الطواف من أوّله ؛ لأنّ علي بن جعفر سأل الكاظم ـ في الصحيح ـ : عن رجل طاف بالبيت وهو جنب فذكر

__________________

(١) بداية المجتهد ١ : ٣٤٣ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٤٤ ، الوجيز ١ : ١١٨ ، فتح العزيز ٧ : ٢٨٦ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٢٨ ، المجموع ٧ : ١٥ و ١٧ ، المغني ٣ : ٣٩٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٠٩ .

(٢) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٣٩٧ ، والشرح الكبير ٣ : ٤٠٩ ، وبتفاوت يسير في سنن الترمذي ٣ : ٢٩٣ / ٩٦٠ ، وسنن البيهقي ٥ : ٨٧ .

(٣) الفقيه ٢ : ٢٥٠ / ١٢٠١ .

(٤) الكافي ٤ : ٤٢٠ / ١ ، التهذيب ٥ : ١١٦ / ٣٧٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٢١ / ٧٦٢‌ .

٨٣
 &

وهو في الطواف ، فقال : « يقطع طوافه ولا يعتدّ به » (١) .

وقال أبو حنيفة : ليست الطهارة شرطاً (٢) . واختلف أصحابه ، فقال بعضهم بالأوّل (٣) ، وبعضهم بالثاني (٤) .

وعن أحمد روايتان : إحداهما كقولنا ، والثاني : أنّ الطهارة ليست شرطاً . فمتىٰ طاف للزيارة غير متطهّر ، أعاد ما دام مقيماً بمكّة ، فإن خرج إلىٰ بلده ، جبره بدم (٥) .

مسألة ٤٥٠ : لا تُشترط الطهارة في طواف النافلة وإن كانت أفضل ؛ لقول الصادق عليه‌السلام : في رجل طاف علىٰ غير وضوء : « إن كان تطوّعاً فليتوضّأ وليصلّ » (٦) .

وسأل عبيدُ بن زرارة الصادقَ عليه‌السلام : إنّي أطوف طواف النافلة وإنّي علىٰ غير وضوء ، فقال : « توضّأ وصلّ وإن كنت (٧) متعمّداً » (٨) .

مسألة ٤٥١ : يشترط خُلوّ البدن والثوب من النجاسة‌ في صحّة

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٢٠ / ٤ ، التهذيب ٥ : ١١٧ / ٣٨١ ، وفيهما : « . . . ولا يعتدّ بشي‌ء ممّا طاف » .

(٢) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٣٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٢٩ ، المغني ٣ : ٣٧٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٠٩ ، بداية المجتهد ١ : ٣٤٣ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٤٤ ، المجموع ٨ : ١٧ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٦ .

(٣) أي : اشتراط الطهارة .

(٤) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٣٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٢٩ ، المغني ٣ : ٣٧٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٠٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٦ ـ ٣٢٧ .

(٥) المغني ٣ : ٣٩٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٠٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٦ ، المجموع ٨ : ١٧ .

(٦) التهذيب ٥ : ١١٧ / ٣٨٢ ، الإستبصار ٢ : ٢٢٢ / ٧٦٦ .

(٧) في النسخ الخطّية « ط ، ف ، ن » والطبعة الحجرية : « كان » بدل « كنت » وما أثبتناه من المصدر .

(٨) التهذيب ٥ : ١١٧ / ٣٨٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٢ / ٧٦٧ .

٨٤
 &

الطواف ، سواء كانت النجاسة دماً أو غيره ، قلّت أو كثرت ؛ لقوله عليه‌السلام : ( الطواف بالبيت صلاة ) (١) .

ولأنّها شرط في الصلاة ، فتكون شرطاً في الطواف .

[ والستر شرط في الطواف ] (٢) ـ والخلاف فيه كما تقدّم ـ لقوله عليه‌السلام : ( الطواف بالبيت صلاة ) (٣) .

وقوله عليه‌السلام : ( لا يحجّ بعد العام مشرك ولا عريان ) (٤) .

ولأنّها عبادة متعلّقة بالبدن ، فكانت الستارة شرطاً فيها ، كالصلاة .

والختان شرط في الطواف للرجل مع القدرة دون المرأة ؛ لقول الصادق عليه‌السلام ـ في الصحيح ـ : « الأغلف لا يطوف بالبيت ولا بأس أن تطوف المرأة » (٥) .

مسألة ٤٥٢ : يستحب أن يغتسل لدخول المسجد‌ ويدخل من باب بني شيبة بعد أن يقف عندها ؛ لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله دخل منها (٦) .

ويسلّم علىٰ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويدعو بالمأثور .

ويكون دخوله بخضوع وخشوع ، وعليه سكينة ووقار ، ويقول إذا نظر إلىٰ الكعبة : الحمد لله الذي عظّمك وشرّفك وكرّمك وجعلك مثابة للناس وآمناً مباركاً وهدىٰ للعالمين .

__________________

(١) سنن النسائي ٥ : ٢٢٢ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٤ ، سنن البيهقي ٥ : ٨٥ و ٨٧ ، المستدرك ـ للحاكم ـ ١ : ٤٥٩ و ٢ : ٢٦٧ ، المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ١١ : ٣٤ / ١٠٩٥٥ .

(٢) أضفناها من منتهىٰ المطلب ٢ : ٦٩٠ ـ للمصنّف ـ لأجل السياق .

(٣) المصادر في الهامش (١) .

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٨٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٨٢ / ١٣٤٧ ، سنن النسائي ٥ : ٢٣٤ ، سنن البيهقي ٥ : ٨٧ ـ ٨٨ ، وفيها ( . . . ولا يطوف بالبيت عريان ) .

(٥) التهذيب ٥ : ١٢٦ / ٤١٣ .

(٦) سنن البيهقي ٥ : ٧٢ .

٨٥
 &

البحث الثاني : في كيفية الطواف .

مسألة ٤٥٣ : يجب في الطواف : النيّة ، وهي شرط ؛ لقوله عليه‌السلام : ( لا عمل إلّا بالنيّة ) (١) .

وهو أن ينوي الطواف للحجّ أو العمرة واجباً أو ندباً قربةً إلىٰ الله تعالىٰ .

ويجب أن يبتدئ في الطواف من الحجر الأسود الذي في الركن العراقي ؛ فإنّ البيت له أربعة أركان : ركنان يمانيّان ، وركنان شاميّان ، وكان لاصقاً بالأرض ، وله بابان : شرقيّ وغربيّ ، فهدمه السيل قبل مبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعشر سنين ، وأعادت قريش عمارته علىٰ الهيئة التي هو عليها اليوم ، وقصرت الأموال الطيّبة والهدايا والنذور عن عمارته ، فتركوا من جانب الحجر بعض البيت .

روت عائشة : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( ستّة أذرع من الحِجْر من البيت ) (٢) .

فتركوا بعض البيت من جانب الحجر خارجاً ؛ لأنّ النفقة كانت تضيق عن العمارة ، وخلّفوا الركنين الشاميّين عن قواعد إبراهيم عليه‌السلام ، وضيّقوا عرض الجدار من الركن الأسود إلىٰ الشامي الذي يليه ، فبقي من الأساس شبه الدكان مرتفعاً ، وهو الذي يسمّىٰ : الشاذروان .

وروي أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعائشة : ( لولا حدثان قومك بالشرك

__________________

(١) أمالي الطوسي ٢ : ٢٠٣ .

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٩٦٩ ـ ٩٧٠ / ٤٠١ وفيه أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعائشة ( . . . وزِدْتُ فيها ستة أذرعٍ من الحِجْر . . . ) وكذا في سنن البيهقي ٥ : ٨٩ .

٨٦
 &

لهدمت البيت وبنيته علىٰ قواعد إبراهيم عليه‌السلام ، فألصقته بالأرض ، وجعلتُ له بابين شرقيّاً وغربيّاً ) (١) .

ثم هدمه ابن الزبير أيّام ولايته ، وبناه علىٰ قواعد إبراهيم عليه‌السلام ، كما تمنّاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ثم لمّا استولىٰ عليه الحجّاج ، هدمه ، وأعاده علىٰ الصورة التي عليه اليوم ، وهي بناء قريش والركن الأسود ، والباب في صوب الشرق والأسود ، وهو أحد الركنين اليمانيّين ، والباب بينه وبين أحد الشاميّين ، وهو الذي يسمّىٰ عراقيّاً أيضاً ، والباب إلىٰ الأسود أقرب منه إليه ، ويليه الركن الآخر الشامي ، والحجر بينهما ، والميزاب بينهما ، ويلي هذا الركن اليماني الآخر الذي عن يمين الأسود .

مسألة ٤٥٤ : ويجب أن يحاذي بجميع بدنه الحجر الأسود‌ في مروره (٢) حين الابتداء به في الطواف ، فلو ابتدأ الطائف من غير الحجر الأسود ، لم يعتد بما فَعَله حتىٰ ينتهي إلىٰ الحجر الأسود ، فيكون منه ابتداء طوافه إن جدّد النيّة عنده أو استصحبها فعلاً .

ولو نسيها واستمرّ علىٰ نيّته الاُولىٰ ، لم يعتد بذلك الشوط ، فإن جدّد النيّة في ابتداء الشوط الثاني ، وإلّا بطل طوافه .

وينبغي أن يمرّ عند الابتداء بجميع بدنه علىٰ الحِجْر الأسود بأن لا يقدّم جزءاً من الحجر ، فلو حاذاه ببعض البدن ، لم يعتد بذلك الطواف ،

__________________

(١) أورده نصّاً الرافعي في فتح العزيز ٧ : ٢٩٠ ، وبتفاوت يسير في صحيح مسلم ٢ : ٩٦٩ ـ ٩٧٠ / ٤٠١ ، وسنن النسائي ٥ : ٢١٦ ، وسنن البيهقي ٥ : ٨٩ .

(٢) في « ف ، ن » والطبعة الحجرية : بروزه . والأنسب ما أثبتناه ، علماً بأنّ الكلمة علىٰ اختلافها لم ترد في « ط » لسقوطها .

٨٧
 &

وهو الجديد للشافعي (١) ـ وقال في القديم : يعتد به (٢) ـ لما رواه العامّة عن جابر أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بدأ بالحجر ، فاستلمه ، وفاضت عيناه من البكاء (٣) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه‌السلام ـ في الصحيح ـ : « من اختصر في الحِجْر الطواف فليعد طوافه من الحِجْر الأسود » (٤) والأمر للوجوب ، ولا نعلم فيه خلافاً .

مسألة ٤٥٥ : وكما يجب الابتداء بالحجر الأسود يجب الختم به‌ هكذا سبعة أشواط ، فلو ترك ولو خطوة منها ، لم يجزئه ، ولا تحلّ له النساء حتىٰ يعود إليها ، فيأتي بها ؛ لأنّ رعاية العدد شرط في صحة الطواف عندنا ـ وبه قال الشافعي ومالك وأحمد (٥) ـ لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله طاف بالبيت سبعاً (٦) .

وقال عليه‌السلام : ( خُذوا عنّي مناسككم ) (٧) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه الحلبي ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه‌السلام ، قال : قلت : رجل طاف بالبيت فاختصر شوطاً واحداً في الحجر ، قال : « يعيد ذلك الشوط » (٨) .

__________________

(١ و ٢) الوجيز ١ : ١١٨ ، فتح العزيز ٧ : ٢٩٣ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٢٩ ، المجموع ٨ : ٣٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٩ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٣٤ ـ ١٣٥ .

(٣) سنن البيهقي ٥ : ٧٤ .

(٤) الكافي ٤ : ٤١٩ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٤٩ / ١١٩٨ .

(٥) الوجيز ١ : ١١٨ ، فتح العزيز ٧ : ٣٠٣ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٢٨ ، المجموع ٨ : ٢١ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٥١ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٨ ، المغني ٣ : ٤٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٥١١ .

(٦) صحيح البخاري ٢ : ١٨٩ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٩٨٦ / ٢٩٥٩ ، سنن النسائي ٥ : ٢٢٥ و ٢٣٥ ، سنن البيهقي ٥ : ٧٣ ـ ٧٤ .

(٧) سنن البيهقي ٥ : ١٢٥ .

(٨) التهذيب ٥ : ١٠٩ / ٣٥٣ .

٨٨
 &

ولأنّها عبادة واجبة ذات عدد فلا يقوم أكثر عددها مقام كلّها ، كالصلاة .

ولأنّه مأمور بعدد ، فلا يخرج عن العهدة ببعضه ؛ إذ الفائت لا بدل له مطلقاً .

وقال أبو حنيفة : إذا طاف أربعة أشواط ، فإن كان بمكة ، لزمه إتمام الطواف ، وإن خرج ، لزمه جبرها بدم ، لأنّ أكثر الشي‌ء يقوم مقام الجميع ، فإنّ مَنْ أدرك ركوع الإمام أدرك ركعته ؛ لأنّه أدرك أكثرها (١) .

وهو خطأ ؛ فإنّ الفائت هو القراءة والإمام ينوب فيها ، بخلاف صورة النزاع .

مسألة ٤٥٦ : ويجب أن يطوف علىٰ يساره‌ بأن يجعل البيت عن يساره ، ويطوف علىٰ يمين نفسه ، فلو نكس وجعل البيت عن يمينه ومرّ علىٰ وجهه نحو الركن اليماني وطاف ، لم يجزئه ، ووجب عليه الإعادة عند علمائنا ـ وبه قال الشافعي ومالك وأحمد (٢) ـ لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ترك البيت في طوافه علىٰ جانبه اليسار (٣) .

وقال عليه‌السلام : ( خُذوا عنّي مناسككم ) (٤) فيجب اتّباعه .

__________________

(١) الهداية ـ للمرغيناني ـ ١ : ١٦٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٨ ، فتح العزيز ٧ : ٣٠٣ ـ ٣٠٤ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٥١ ، المجموع ٨ : ٢٢ ، المغني ٣ : ٤٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٥١١ .

(٢) الحاوي الكبير ٤ : ١٥٠ ، فتح العزيز ٧ : ٢٩٢ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٢٩ ، المجموع ٨ : ٣٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٧ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٣٩ ، المغني ٣ : ٤٠٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٠٧ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٤٤ .

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٨٩٣ / ١٥٠ ، سنن الترمذي ٣ : ٣١١ / ٨٥٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٩٠ .

(٤) سنن البيهقي ٥ : ١٢٥ .

٨٩
 &

وقال أبو حنيفة : يعيد الطواف ما دام بمكة ، فإن فارقها ، أجزأه دم شاة ، لأنّه أتىٰ بالطواف ، وإنّما ترك هيئةً من هيئاته ، فلا يمنع إجزاءه كما لو ترك الرمل (١) .

والفرق ندبية الرمل .

مسألة ٤٥٧ : ويجب أن يجعل البيت علىٰ جانبه الأيسر‌ ويطوف كذلك الأشواط السبعة ، فلو استقبل البيت بوجهه وطاف معترضاً ، لم يصح ـ وهو أحد وجهي الشافعيّة (٢) ـ لأنّه لم يُولّ الكعبة شقّه الأيسر ، كما أنّ المصلّي لمّا اُمر بأن يولّي الكعبة صدره ووجهه ، لم يجز له أن يولّيها شقّه .

والوجه الثاني للشافعية : الجواز ؛ لحصول الطواف في يسار البيت (٣) .

وكذا يجري الخلاف فيما لو ولّاها (٤) بشقّه الأيمن ومرّ القهقرىٰ نحو الباب أو استدبر ومرّ معترضاً .

ومن صحّح الطواف فالمعتبر عنده أن يكون تحرّك الطائف ودورانه في يسار البيت .

مسألة ٤٥٨ : ويجب أن يكون بجميع بدنه خارجاً من البيت ، فلا يجوز أن يمشي علىٰ شاذروان البيت ؛ لأنّه من البيت ، والطواف المأمور به هو الطواف بالبيت .

قال الله تعالىٰ : ( وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) (٥) وإنّما يكون طائفاً به لو كان خارجاً عنه ، وإلّا كان طائفاً فيه .

__________________

(١) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٤٤ ، فتح العزيز ٧ : ٢٩٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٥٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٧ ، المغني ٣ : ٤٠٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٠٧ .

(٢ و ٣) فتح العزيز ٧ : ٢٩٢ ، المجموع ٨ : ٣٢ .

(٤) في « ط ، ف ، ن » والطبعة الحجرية : لو لاقاها . والصحيح ما أثبتناه .

(٥) الحج : ٢٩ .

٩٠
 &

ويجب أن يدخل الحِجْر في طوافه ، وهو الذي بين الركنين الشاميّين ، وهو موضع محوّط عليه بجدار قصير بينه وبين كلّ واحد من الركنين فتحة ، والميزاب منصوب عليه ، فلو مشىٰ على حائطه أو دخل من إحدىٰ الفتحتين وخرج من الاُخرىٰ وسلك الحِجْر ، لم يجزئ ؛ لأنّه يكون ماشياً في البيت ، بل يجب أن يطوف حول الحِجْر ـ وهو أحد قولي الشافعي (١) ـ لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كذا طاف (٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه‌السلام : « من اختصر في الحِجْر الطواف فليعد طوافه من الحجر الأسود » (٣) .

وكتب إبراهيم بن سفيان إلىٰ الرضا عليه‌السلام : امرأة طافت طواف الحج ، فلمّا كانت في الشوط السابع اختصرت ، فطافت في الحِجْر ، وصلّت ركعتي الفريضة ، وسعت وطافت طواف النساء ، ثم أتت منىٰ ، فكتب : « تعيد » (٤) .

والقول الثاني للشافعي : إنّ الذي هو من البيت من الحِجْر قدر ستّة أذرع تتّصل بالبيت ؛ لأنّ عائشة قالت : نذرتُ أن اُصلّي ركعتين في البيت ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( صلّي في الحِجْر ، فإنّ ستّة أذرع منه من البيت ) (٥) (٦) .

ومنهم مَنْ يقول : ستّة أو سبعة أذرع ، بنوا الأمر فيه علىٰ التقريب (٧) .

وقال أبو حنيفة : إذا سلك الحِجْر ، أجزأه (٨) . وليس بجيّد .

__________________

(١) الوجيز ١ : ١١٨ ، فتح العزيز ٧ : ٢٩٥ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٢٨ ، المجموع ٨ : ٢٥ و ٢٦ .

(٢) سنن البيهقي ٥ : ٩٠ .

(٣) الكافي ٤ : ٤١٩ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٤٩ / ١١٩٨ .

(٤) الفقيه ٢ : ٢٤٩ / ١١٩٩ .

(٥) أورده الرافعي في فتح العزيز ٧ : ٢٩٦ .

(٦ و ٧) فتح العزيز ٧ : ٢٩٦ ، المجموع ٨ : ٢٥ .

(٨) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣٢٤ ، المسألة ١٣٢ .

٩١
 &

ولو دخل إحدىٰ الفتحتين وخرج من الاُخرىٰ ، لم يحسب له ـ وبه قال الشافعي في أحد قوليه (١) ـ ولا طوافه بعده حتىٰ ينتهي إلىٰ الفتحة التي دخل منها .

ولو خلّف القدر الذي هو من البيت ثم اقتحم الجدار وتخطّىٰ الحِجْر ، ففي صحّة طوافه للشافعية وجهان (٢) ، وعندنا لا يصحّ ؛ لما تقدّم .

مسألة ٤٥٩ : لو كان يطوف ويمسّ الجدار بيده في موازاة الشاذروان أو أدخل يده في موازاة ما هو من البيت من الحِجْر ، فالأقرب عدم الصحّة‌ ـ وهو أحد وجهي الشافعية (٣) ـ لأنّ بعض بدنه في البيت ، ونحن شرطنا خروج بدنه بأسره من البيت .

والثاني للشافعية : الجواز ؛ لأنّ معظم بدنه خارج ، وحينئذٍ يصدق أن يقال : إنّه طائف بالبيت (٤) .

وهو ممنوع ؛ لأنّ بعض بدنه في البيت ، كما لو كان يضع إحدىٰ رجليه أحياناً علىٰ الشاذروان ويقف بالاُخرىٰ .

مسألة ٤٦٠ : ويجب أن يكون الطواف (٥) داخل المسجد ، فلا يجوز الطواف خارج المسجد ، كما يجب أن لا يكون خارج مكّة والحرم .

إذا عرفت هذا ، فإنّه يجب عندنا أن يكون الطواف بين البيت والمقام ويدخل الحِجْر في طوافه ، فلو طاف في المسجد خلف المقام ، لم يصح طوافه ؛ لأنّه خرج بالتباعد عن القدر الواجب ، فلم يكن مجزئاً .

__________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٢٩٦ ـ ٢٩٧ ، المجموع ٨ : ٢٥ .

(٢) الموجود في فتح العزيز ٧ : ٢٩٧ ، والمجموع ٨ : ٢٥ صحّة طوافه .

(٣ و ٤) فتح العزيز ٧ : ٢٩٧ ـ ٢٩٨ ، المجموع ٨ : ٢٤ .

(٥) في « ط ، ف ، ن » : أن يطوف .

٩٢
 &

روىٰ محمد بن مسلم ، قال : سألته عن حدّ الطواف بالبيت الذي مَنْ خرج منه لم يكن طائفاً بالبيت ، قال : « كان [ الناس ] (١) علىٰ عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يطوفون بالبيت والمقام ، وأنتم اليوم تطوفون ما بين المقام وبين البيت ، فكان الحدّ من موضع المقام اليوم ، فمن جازه فليس بطائف ، فالحدّ قبل اليوم واليوم واحد قدر ما بين المقام وبين البيت ومن نواحي البيت كلّها ، فمن طاف فتباعد من نواحيه أكثر من مقدار ذلك كان طائفاً بغير البيت بمنزلة مَنْ طاف بالمسجد ، لأنّه طاف في غير حدّ ، ولا طواف له » (٢) .

وقد روىٰ الصدوق عن أبان عن محمد الحلبي عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن الطواف خلف المقام ، قال : « ما أحبّ ذلك وما أرىٰ به بأساً فلا تفعله إلّا أن لا تجد منه بُدّاً » (٣) .

وهو يُعطي الجواز مع الحاجة كالزحام .

وقال الشافعي : لا بأس بالحائل بين الطائف والبيت ، كالسقاية والسواري ، ولا بكونه في آخر باب المسجد وتحت السقف وعلىٰ الأروقة والسطوح إذا كان البيت أرفع بناءً علىٰ ما هو اليوم ، فإن جعل سقف المسجد أعلىٰ ، لم يجز الطواف علىٰ سطحه ، ويستلزم أنّه لو انهدمت الكعبة ـ والعياذ بالله ـ لم يصح الطواف حول عرصتها ، وهو بعيد .

ولو اتّسعت خطّة المسجد ، اتّسع المطاف ، وقد جعلته العبّاسية أوسع ممّا كان في عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤) .

__________________

(١) أضفناها من المصدر .

(٢) الكافي ٤ : ٤١٣ ( باب حدّ موضع الطواف ) الحديث ١ ، التهذيب ٥ : ١٠٨ / ٣٥١ .

(٣) الفقيه ٢ : ٢٤٩ ـ ٢٥٠ / ١٢٠ .

(٤) فتح العزيز ٧ : ٣٠١ ـ ٣٠٢ ، المجموع ٨ : ٣٩ .

٩٣
 &

وهذا كلّه عندنا باطل .

مسألة ٤٦١ : إذا فرغ من طواف سبعة أشواط تامّة ، صلّىٰ ركعتي الطواف في مقام إبراهيم عليه‌السلام حيث هو الآن ـ وهو سنة ثمان عشرة وسبعمائة ـ لأنّ إبراهيم بن أبي محمود قال للرضا عليه‌السلام : اُصلّي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام حيث هو الساعة أو حيث كان علىٰ عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قال : « حيث هو الساعة » (١) .

فإن كان الطواف مستحبّاً ، كانت هاتان الركعتان مستحبّتين ، وإن كان الطواف فرضاً ، كانت الركعتان فرضاً عند أكثر علمائنا (٢) ـ وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه (٣) ـ لقوله تعالىٰ : ( وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ) (٤) .

ولأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله صلّاهما ، وتلا قوله تعالىٰ : ( وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ) (٥) فأفهم الناس أنّ هذه الآية أمر بهذه الصلاة ، والأمر للوجوب .

ولأنّه عليه‌السلام فَعَلَهما وقال : ( خُذوا عنّي مناسككم ) (٦) .

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٢٣ ـ ٤٢٤ / ٤ ، التهذيب ٥ : ١٣٧ / ٤٥٣ .

(٢) منهم : الشيخ الطوسي في النهاية : ٢٤٢ ، والمبسوط ١ : ٣٦٠ ، والخلاف ٢ : ٣٢٧ ، المسألة ١٣٨ ، وابن إدريس في السرائر : ١٣٥ ، والمحقّق في شرائع الإسلام ١ : ٢٦٧ .

(٣) بدائع الصنائع ٢ : ١٤٨ ، الوجيز ١ : ١١٨ ، فتح العزيز ٧ : ٣٠٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٤ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٥٣ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٣٠ ، المجموع ٨ : ٥١ ، المغني ٣ : ٤٠٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٤١٤ .

(٤) البقرة : ١٢٥ .

(٥) سنن الترمذي ٣ : ٢١١ / ٨٥٦ ، سنن النسائي ٥ : ٢٣٥ .

(٦) سنن البيهقي ٥ : ١٢٥ .

٩٤
 &

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه‌السلام ـ في الصحيح ـ : « إذا فرغت من طوافك فأت مقام إبراهيم عليه‌السلام ، فصلّ ركعتين ، واجعله أمامك ، واقرأ فيهما سورة التوحيد : قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ . وفي الثانية : قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ، تم تشهّد واحمد الله وأثن عليه وصلّ علىٰ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وسَلْه أن يتقبّل منك ، وهاتان الركعتان هُما الفريضة ليس يكره أن تصلّيهما أيّ الساعات شئْتَ : عند طلوع الشمس وعند غروبها ، ولا تؤخّرها ساعة تطوف وتفرغ فصلّهما » (١) .

وقال مالك والشافعي في القول الثاني ، وأحمد : أنّهما مستحبّتان ـ وهو قول شاذّ من علمائنا (٢) ـ لأنّها صلاة لم يشرع لها أذان ولا إقامة ، فلا تكون واجبةً (٣) .

قلنا : تكون واجبةً ، ولا يسنّ لها الأذان ، وكذا العيد الواجب والكسوف .

مسألة ٤٦٢ : يجب أن يصلّي هاتين الركعتين في المقام‌ ـ عند أكثر علمائنا (٤) ـ في طواف الفريضة ، وفي النفل يصلّيهما حيث كان من المسجد ؛ لقول أحدهما عليهما‌السلام : « لا ينبغي أن تصلّي ركعتي طواف الفريضة إلّا عند مقام إبراهيم ، فأمّا التطوّع فحيثما شئت من المسجد » (٥) .

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٢٣ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٣٦ / ٤٥٠ .

(٢) كما في السرائر : ١٣٥ .

(٣) بداية المجتهد ١ : ٣٤١ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٥٣ ، الوجيز ١ : ١١٨ ، فتح العزيز ٧ : ٣٠٧ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٣٠ ، المجموع ٨ : ٥١ و ٦٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٤ ، المغني ٣ : ٤٠٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٤١٤ ـ ٤١٥ .

(٤) منهم : الشيخ الطوسي في النهاية : ٢٤٢ ، والمبسوط ١ : ٣٦٠ ، وابن إدريس في السرائر : ١٣٥ ، والمحقّق في شرائع الإسلام ١ : ٢٦٨ .

(٥) الكافي ٤ : ٤٢٤ / ٨ ، التهذيب ٥ : ١٣٧ / ٤٥٢ .

٩٥
 &

وبه قال الثوري ومالك (١) ؛ لما تقدّم (٢) من الآية والأحاديث .

ولقول الصادق عليه‌السلام : « ليس لأحد أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة إلّا خلف المقام ، لقول الله تعالىٰ : ( وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ) (٣) فإن صلّيتهما في غيره فعليك إعادة الصلاة » (٤) .

وقال الشيخ في الخلاف : يستحب فعلهما خلف المقام ، فإن لم يفعل وفَعَل في غيره ، أجزأه (٥) . وبه قال الشافعي ؛ لأنّها صلاة ، فلا تختص بمكان كغيرها من الصلوات (٦) .

والقياس لا يعارض القرآن والسنّة .

إذا عرفت هذا ، فلو كان هناك زحام ، صلّىٰ خلف المقام ، فإن لم يتمكّن ، صلّىٰ حياله علىٰ أحد جانبيه ؛ لأنّ الحسين بن عثمان قال : رأيت أبا الحسن عليه‌السلام يصلّي ركعتي الفريضة بحيال المقام قريباً من الظلال لكثرة الناس (٧) .

وقال الشافعي : يستحب أن يصلّيهما خلف المقام ، فإن لم يفعل ، ففي الحجر ، فإن لم يفعل ، ففي المسجد ، فإن لم يفعل ، ففي أيّ موضع

__________________

(١) المجموع ٨ : ٦٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٤ ، وانظر : الحاوي الكبير ٤ : ١٥٤ ، والخلاف ـ للشيخ الطوسي ـ ٢ : ٣٢٧ ، المسألة ١٣٩ .

(٢) تقدّم في المسألة السابقة .

(٣) البقرة : ١٢٥ .

(٤) التهذيب ٥ : ١٣٧ / ٤٥١ .

(٥) الخلاف ٢ : ٣٢٧ ، المسألة ١٣٩ .

(٦) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٣٠ ، المجموع ٨ : ٥٣ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٥٣ ، فتح العزيز ٧ : ٣٠٩ .

(٧) التهذيب ٥ : ١٤٠ / ٤٦٤ .

٩٦
 &

شاء من الحرم وغيره (١) .

والقرآن (٢) يُبطله .

ولا تجزئ الفريضة عن هاتين الركعتين .

وقال الشافعي : إن قلنا بعدم وجوبهما ، فلو صلّىٰ فريضةً بعد الطواف ، حُسبت عن ركعتي الطواف اعتباراً بتحيّة المسجد ، ذكره في القديم (٣) ، واستبعده الجويني (٤) .

مسألة ٤٦٣ : قد بيّنّا أنّ ركعتي طواف المندوب مندوبتان .

وللشافعية طريقان : أحدهما : القطع بعدم الوجوب ؛ لأنّ أصل الطواف ليس بواجب فكيف يكون تابعه واجباً ! ؟ والثاني : طرد القولين .

ولا يبعد اشتراك الفرض والنفل في الشرائط كاشتراك صلاة الفرض والتطوّع في الطهارة وستر العورة ، وكذا يشتركان في الأركان كالركوع والسجود (٥) .

مسألة ٤٦٤ : لو نسي ركعتي طواف الفريضة ، رجع إلىٰ المقام ، وصلّاهما فيه مع القدرة ، فإن شقّ عليه الرجوع ، صلّىٰ حيث ذكر ؛ لأنّ محمد بن مسلم روىٰ ـ في الصحيح ـ عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : سُئل عن رجل طاف طواف النساء ولم يصلّ لذلك الطواف حتىٰ ذكر وهو بالأبطح ،

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٣٠ ، المجموع ٨ : ٥٣ ، فتح العزيز ٧ : ٣٠٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٤ .

(٢) البقرة : ١٢٥ .

(٣) فتح العزيز ٧ : ٣١٠ ، المجموع ٨ : ٥٢ .

(٤) فتح العزيز ٧ : ٣١٠ .

(٥) فتح العزيز ٧ : ٣١١ ، المجموع ٨ : ٥١ .

٩٧
 &

قال : « يرجع إلىٰ المقام فيصلّي الركعتين » (١) .

وسأل أبو بصير ـ في الصحيح ـ الصادقَ عليه‌السلام : عن رجل نسي أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام وقد قال الله تعالىٰ : ( وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ) (٢) قال : « فإن كان ارتحل فإنّي لا أشقّ عليه ولا آمره أن يرجع ولكن يصلّي حيث ذكر » (٣) .

ولو صلّىٰ في غير المقام ناسياً ثم ذكر ، تداركه ، ورجع إلىٰ المقام ، وأعاد الصلاة ؛ لأنّ المأمور به لم يقع ، فيبقىٰ في العهدة .

ولأنّ عبد الله الأبزاري سأل الصادقَ عليه‌السلام : عن رجل نسي فصلّىٰ ركعتي طواف الفريضة في الحِجْر ، قال : « يعيدهما خلف المقام ، لأنّ الله تعالىٰ يقول : ( وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ) يعني بذلك ركعتي [ طواف ] (٤) الفريضة » (٥) .

ولو لم يتمكّن من الرجوع ، استناب مَنْ يصلّي عنه في المقام ؛ لأنّ ابن مسكان قال : حدّثني مَنْ سأله عن الرجل ينسىٰ ركعتي طواف الفريضة حتىٰ يخرج ، فقال : « يوكّل » (٦) .

وقد اختصّت هذه الصلاة عن غيرها من الصلوات بجريان النيابة فيها ، فإنّ الأجير يؤدّيها عن المستأجر .

مسألة ٤٦٥ : وقت ركعتي الطواف وقت فراغه منه‌ وإن كان أحد

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٢٦ / ٦ ، التهذيب ٥ : ١٣٨ / ٤٥٥ ، وليس فيهما « الركعتين » .

(٢) البقرة : ١٢٥ .

(٣) التهذيب ٥ : ١٤٠ / ٤٦١ ، الاستبصار ٢ : ٢٣٥ ـ ٢٣٦ / ٨١٨ .

(٤) أضفناها من المصدر .

(٥) التهذيب ٥ : ١٣٨ / ٤٥٤ .

(٦) التهذيب ٥ : ١٤٠ / ٤٦٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٣٤ / ٨١٣ .

٩٨
 &

الأوقات المكروهة إن كان الطواف فرضاً ، وإن كان ندباً ، أخّرهما إلىٰ بعد طلوع الشمس أو بعد المغرب ؛ لقول الصادق عليه‌السلام : « صلّ ركعتي طواف الفريضة بعد الفجر كان أو بعد العصر » (١) .

وأمّا التأخير في النفل : فلما رواه محمد بن مسلم ـ في الصحيح ـ عن أحدهما عليهما‌السلام : عن الرجل يدخل مكة بعد الغداة أو بعد العصر ، قال : « يطوف ويصلّي الركعتين ما لم يكن عند طلوع الشمس أو عند احمرارها » (٢) .

ولو طاف في وقت فريضة ، قال الشيخ رحمه‌الله : قدّم الفريضة علىٰ صلاة الطواف (٣) .

ولو صلّىٰ المكتوبة بعد الطواف ، لم تُجزئه عن الركعتين ـ وبه قال الزهري ومالك وأصحاب الرأي (٤) ـ لأنّها فريضة ، فلا يجزئ غيرها عنها ، كغيرها من الفرائض المتعدّدة . وطواف النافلة (٥) سنّة ، فلا تجزئ الفريضة عنه ، كركعتي الفجر .

وروي عن ابن عباس وعطاء وجابر بن زيد والحسن وسعيد بن جبير وإسحاق : أنّ الفريضة تُجزئه ـ وعن أحمد روايتان (٦) ـ لأنّهما ركعتان شُرّعتا للنسك ، فأجزأت عنهما المكتوبة ، كركعتي الإحرام (٧) .

والجواب : النافلة (٨) في الإحرام بدل عن الإحرام عقيب الفريضة ،

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٤١ / ٤٦٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٣٦ / ٨١٩ .

(٢) التهذيب ٥ : ١٤١ / ٤٦٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٣٧ / ٨٢٣ .

(٣) الاستبصار ٢ : ٢٣٧ ـ ٢٣٨ ذيل الحديث ٨٢٦ .

(٤) المغني ٣ : ٤٠٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٤١٥ ، المجموع ٨ : ٦٣ .

(٥) قوله : « وطواف النافلة . . . » كذا في النسخ الخطية والحجرية .

(٦) المغني ٣ : ٤٠٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٤١٥ .

(٧) المجموع ٨ : ٦٣ ، المغني ٣ : ٤٠٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٤١٥ .

(٨) قوله : « النافلة . . . » كذا في النسخ الخطية والحجرية .

٩٩
 &

بخلاف صورة النزاع .

مسألة ٤٦٦ : يستحب أن يقرأ في الاُولىٰ بعد الحمد : التوحيد ، وفي الثانية : الجحد‌ ـ وروي العكس (١) ـ رواه العامّة عن النبي (٢) صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والخاصّة عن الصادق (٣) عليه‌السلام .

وأن يدعو عقيب الركعتين بالمنقول .

ولو نسي الركعتين حتىٰ مات ، قضىٰ عنه وليّه واجباً إن كان الطواف واجباً ، وإلّا ندباً ؛ لقول الصادق عليه‌السلام : « مَنْ نسي أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة حتىٰ يخرج من مكة فعليه أن يقضي ، أو يقضي عنه وليّه ، أو رجل من المسلمين » (٤) .

ولو نسيهما حتىٰ شرع في السعي ، قطع السعي ، وعاد إلىٰ المقام ، فصلّىٰ الركعتين ، ثم عاد فتمّم السعي ؛ لما رواه محمد بن مسلم ـ في الصحيح ـ عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : سألته عن رجل يطوف بالبيت ثم ينسىٰ أن يصلّي الركعتين حتىٰ يسعىٰ بين الصفا والمروة خمسة أشواط أو أقلّ من ذلك ، قال : « ينصرف حتىٰ يصلّي الركعتين ثم يأتي مكانه الذي كان فيه فيتمّ سعيه » (٥) .

ويستحب أن يدعو عقيب الركعتين بالمنقول .

مسألة ٤٦٧ : يستحب للحاج والمعتمر إذا دخل المسجد للطواف‌ أن

__________________

(١) سنن الترمذي ٣ : ٢٢١ / ٨٦٩ ، سنن النسائي ٥ : ٢٣٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٩١ .

(٢) سنن الترمذي ٣ : ٢٢١ / ٨٧٠ ، سنن البيهقي ٥ : ٩١ .

(٣) الكافي ٤ : ٤٢٣ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٣٦ / ٤٥٠ ، و ٢٨٦ / ٩٧٣ .

(٤) التهذيب ٥ : ١٤٣ / ٤٧٣ .

(٥) التهذيب ٥ : ١٤٣ / ٤٧٤ .

١٠٠