تذكرة الفقهاء - ج ٨

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٨

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-051-X
الصفحات: ٥٠٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

والجديد : لا ـ وبه قال أبو حنيفة (١) ـ كما لا يجب في سائر المنازل .

ويستحب أن يفترقا من حين الإحرام .

وقال مالك بوجوبه (٢) .

مسألة ٤٢٩ : لو عرضت الردّة في خلال الحجّ والعمرة ، فالوجه : فساد النسك‌ إن كان قبل فعل ما يبطل الحجّ تركه عمداً .

وللشافعية وجهان :

أحدهما : أنّه لا تُفسدهما ، لكن لا يعتدّ بالمأتي به في زمان الردّة علىٰ ما مرّ نظيره في الوضوء والأذان .

وأصحّهما عندهم : الفساد ، كما تُفسد الصوم والصلاة .

ولا فرق علىٰ الوجهين بين أن يطول زمانها أو يقصر .

وعلىٰ القول بالفساد فوجهان :

أظهرهما : أنّه يبطل النسك بالكلّية حتىٰ لا يمضي فيه لا في الردّة ولا إذا عاد إلىٰ الإسلام ؛ [ لأنّ الردّة محبطة للعبادة .

والثاني : أنّ سبيل الفساد هاهنا كسبيله عند الجماع ، فيمضي فيه لو عاد إلىٰ الإسلام ] (٣) لكن لا تجب الكفّارة ، كما أنّ فساد الصوم بالردّة لا تتعلّق به الكفّارة .

ومَنْ قال بالأوّل فرّق [ بينها وبين الجماع بمعنىٰ الإحباط .

وأيضاً فإنّ ابتداء الإحرام لا ينعقد مع الردّة بحال .

وفي انعقاده مع الجماع ] (٤) ثلاثة أوجه :

__________________

(١) بدائع الصنائع ٢ : ٢١٨ .

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٧٦ ، المجموع ٧ : ٣٩٩ ، المغني ٣ : ٣٨٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣١١ ، بداية المجتهد ١ : ٣٧١ .

(٣ و ٤) ما بين المعقوفين من فتح العزيز .

٦١
 &

أحدها : أنّه ينعقد علىٰ الصحة ، فإن نزع في الحال ، فذاك ، وإلّا فسد نسكه ، وعليه البدنة ، والقضاء ، والمضيّ في الفاسد .

والثاني : أنّه ينعقد فاسداً ، وعليه القضاء ، والمضيّ فيه ، مكث أو نزع [ ولا تجب الفدية إن نزع ] (١) في الحال ، وإن مكث ، وجبت الكفّارة .

وهل هي بدنة أو شاة ؟ يخرّج علىٰ القولين في نظائر هذه الصورة .

الثالث : لا ينعقد أصلاً ، كما لا تنعقد الصلاة مع الحدث (٢) .

البحث السابع : في اللواحق .

مسألة ٤٣٠ : يجوز لُبْس السلاح للمُحْرم إذا خاف العدوّ ، ولا كفّارة ؛ لقول الصادق عليه‌السلام ـ في الصحيح ـ أيحمل المُحْرم السلاح ؟ فقال : « إذا خاف المُحْرم عدوّاً أو سرقاً فليلبس السلاح » (٣) .

ويجوز للمُحْرم أن يؤدّب غلامه وهو مُحْرمٌ عند الحاجة ؛ لقول الصادق عليه‌السلام ـ في الصحيح ـ : « لا بأس أن يؤدّب المُحْرم عبده ما بينه وبين عشرة أسواط » (٤) .

ولو اقتتل اثنان في الحرم ، لزم كلّ واحد منهما دم ؛ لقول الصادق عليه‌السلام ، في رجلين اقتتلا وهُما مُحْرمان : « سبحان الله بئس ما صنعا » قلت : قد فعلا ، ما الذي يلزمهما ؟ قال : « علىٰ كلّ واحد منهما دم » (٥) .

مسألة ٤٣١ : إذا اجتمعت أسباب مختلفة ، كاللُّبْس والقَلْم والطيب ،

__________________

(١) ما بين المعقوفين من فتح العزيز .

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٧٩ .

(٣) التهذيب ٥ : ٣٨٧ / ١٣٥٢ .

(٤) التهذيب ٥ : ٣٨٧ / ١٣٥٣ .

(٥) الكافي ٤ : ٣٦٧ / ٩ ، التهذيب ٥ : ٤٦٣ ـ ٤٦٤ / ١٦١٨ .

٦٢
 &

لزمه عن كلّ واحد كفّارة ، سواء اتّحد الوقت أو تعدّد ، كفّر عن الأوّل أو لا ؛ لأنّ كلّ واحد منها سبب مستقلّ في إيجاب الكفّارة ، والحقيقة باقية عند الاجتماع ، فيوجد أثرها .

ولو اتّحد نوع الفعل ، فأقسامه ثلاثة :

الأوّل : إتلاف علىٰ وجه التعديل ، كقتل الصيد ، فإنّه يعدل به ، ويجب فيه مثله ، ويختلف بالصغر والكبر ، فعلىٰ أيّ وجه فَعَله وجب عليه الجزاء .

ولو تكرّر تكرّرت إجماعاً ؛ لأنّ المثل واجب ، وهو إنّما يتحقّق بالتعدّد لو تعدّدت الجناية .

الثاني : إتلاف مضمون لا علىٰ وجه التعديل ، كحلق الشعر وتقليم الأظفار ، فهُما جنسان ، فإن حلق أو قلّم دفعةً واحدة ، كان عليه فدية واحدة ، وإن فعل ذلك في أوقات ، كأن يحلق بعض رأسه غدوةً وبعضه عشيّةً ، تعدّدت الكفّارة عليه ، وإن كان في دفعة واحدة ووقت واحد ، وجبت فدية واحدة .

الثالث : الاستمتاع باللُّبْس والطيب والقُبْلة ، فإن فَعَله دفعةً بأن لبس كلّ ما يحتاج إليه دفعةً ، أو تطيّب بأنواع الطيب دفعةً واحدة ، أو قبّل وأكثر منه ، لزمه كفّارة واحدة ، وإن فعل ذلك في أوقات متفرّقة ، لزمه عن كلّ فعل كفّارة ، سواء كفَّر عن الأوّل أو لم يكفّر ـ وبه قال أبو حنيفة (١) ـ لأنّه مع تعدّد الوقت يتعدّد الفعل ، وقد كان كلّ واحد سبباً تامّاً في إيجاب الكفّارة ، فكذا مع الاجتماع .

__________________

(١) المغني ٣ : ٥٢٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٨٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٩ .

٦٣
 &

وقال الشافعي : إن كفّر عن الأوّل ، لزمه كفّارة اُخرىٰ عن الثاني ، وإن لم يكفّر ، لم يكن عليه سوىٰ كفّارة واحدة (١) .

وهو إحدىٰ الروايتين عن أحمد ، وفي الاُخرىٰ : إن كان السبب واحداً ، اتّحدت الكفّارة ، كمن لبس ثوبين للحَرِّ ، وإن تعدّد ، تعدّدت ، كمن لبس ثوباً للحَرِّ وثوباً للمرض (٢) .

وقال مالك : تتداخل كفّارة الوطء دون غيره (٣) .

مسألة ٤٣٢ : لو جنّ بعد إحرامه ففَعَل ما يفسد به الحجّ من الوطء قبل الوقوف بالموقفين ، لم يفسد حجّه ؛ لأنّ العاقل لو فعل ذلك ناسياً ، لم يبطل حجّه ، فهنا أولىٰ .

ولقوله عليه‌السلام : ( رفع القلم عن المجنون حتىٰ يفيق ) (٤) .

وأمّا الصيد فيضمنه بإتلافه ؛ لأنّ حكم العمد والسهو فيه واحد .

وأمّا الصبي فإذا قتل صيداً ، ضمنه ، كالبالغ .

وإن تطيّب أو لبس ، فإن كان ناسياً ، لم يكن عليه شي‌ء ، وإن كان عامداً ، فإن قلنا : إنّ عمده وخطأه واحد ، فلا شي‌ء عليه أيضاً ، وإن قلنا : إنّ عمده في غير القصاص عمد ، وجبت الكفّارة .

قال الشيخ رحمه‌الله : الظاهر أنّ الكفّارة تتعلّق به علىٰ وليّه وإن قلنا : إنّه لا يتعلّق به شي‌ء ؛ لما روي عنهم عليهم‌السلام من أنّ عمد الصبي

__________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٨٤ ، المجموع ٧ : ٣٧٨ ، المغني ٣ : ٥٢٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥١ .

(٢) المغني ٣ : ٥٢٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥٠ ـ ٣٥١ .

(٣) المغني ٣ : ٥٢٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥١ .

(٤) سنن أبي داود ٤ : ١٤٠ / ٤٤٠٠ ، سنن ابن ماجة ١ : ٦٥٨ / ٢٠٤١ ، سنن النسائي ٦ : ١٥٦ ، سنن البيهقي ٤ : ٣٢٥ و ١٠ : ٣١٧ .

٦٤
 &

وخطأه سواء ، والخطأ في هذه الأشياء لا تتعلّق به الكفّارة من البالغين ، كان قويّاً (١) .

وأمّا قتل الصيد : فإنّه يضمنه علىٰ كلّ حال .

وأمّا الحلق وتقليم الأظفار ، فإنّ حكمهما عندنا كحكم اللُّبْس والطيب من أنّ عمده مخالف لخطئه .

وأمّا إذا وطئ بشهوة ، فإنّه قد يحصل من الصبي قبل بلوغه فإنّما يبلغ بالإنزال لا بالوطء وشهوته ، فإذا فَعَل ، فإن كان ناسياً أو جاهلاً ، لم يكن عليه شي‌ء ، كالبالغ .

وإن كان عامداً واعتبرنا عمده ، فسد حجّه إن وطئ قبل الوقوف بالموقفين ، ووجبت البدنة .

وإن كان خطأً ، لم يكن عليه شي‌ء .

وإذا وجبت البدنة علىٰ تقدير العمد ، ففي محلّ وجوبها وجهان :

أحدهما : عليه .

والثاني : علىٰ وليّه .

وإذا قلنا بفساد الحجّ ، فهل يجب عليه القضاء ؟ وجهان :

أحدهما : الوجوب ؛ لأنّه وطئ عمداً قبل الوقوف بالموقفين ، فوجب القضاء ؛ عملاً بالعموم .

ولأنّ كلّ مَنْ وجبت البدنة في حقّه للإفساد وجب عليه القضاء ، كالبالغ .

والثاني : عدم الوجوب ؛ لأنّه غير مكلّف ، فلا يتوجّه عليه الأمر

__________________

(١) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٢٩ .

٦٥
 &

بالوجوب في القضاء ، كما لا يتوجّه في الأداء . وهو الأقوىٰ .

وإذا أوجبنا عليه القضاء ، هل يجزئه أن يقضيه في حال صغره أم لا ؟ فيه تردّد .

قال مالك وأحمد : لا يجزئه ؛ لأنّها حجّة واجبة ، فلم تقع منه في صغره ، كحجة الاسلام (١) .

وقال الشافعي في أحد القولين : يجزئه ؛ لأنّ أداء هذه العبادة يصحّ منه في حال الصغر ، كذلك قضاؤها ، بخلاف حجّة الإسلام (٢) .

وإذا أوجبنا علىٰ الصبي القضاء فقضىٰ في حال بلوغه ، فهل يجزئه عن حجّة الاسلام ؟ الوجه : التفصيل ، وهو أن يقال : إن كانت الحجّة التي أفسدها لو صحّت أجزأته ـ بأن يكون قد بلغ قبل مضيّ وقت الوقوف ـ أجزأه القضاء ، وإن كان لو بلغ فيها بعد الوقوف ، لم يجزئه القضاء ، ووجب عليه حجّة اُخرىٰ للإسلام .

تذنيب : لو خرجت قافلة إلىٰ الحج فاُغمي علىٰ واحد منهم ، لم يصر مُحْرماً بإحرام غيره عنه‌ ـ وبه قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد (٣) ـ لأنّه بالغ ، فلا يصير مُحْرماً بإحرام غيره عنه ، كالنائم .

ولأنّه لو أذن في ذلك وأجازه لم يصح .

وقال أبو حنيفة : يصير مُحْرماً بإحرام بعض الرفقة ؛ لأنّه علم ذلك من

__________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٢٦ .

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٢٦ ، المجموع ٧ : ٣٥ .

(٣) المجموع ٧ : ٣٨ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ١٦٠ ، المغني ٣ : ٢١١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧٣ .

٦٦
 &

قصده ، وتلحقه المشقّة في ترك ذلك ، فأجزأ عنه إحرام غيره (١) .

والجواب : أنّا قد بيّنّا أنّه لو أذن له فيه لم يصح ، فكيف مع علم القصد المجرّد عن الإذن ! ؟

مسألة ٤٣٣ : لو قبّل امرأته بعد طواف النساء ، فإن كانت هي قد طافت ، لم يكن عليهما شي‌ء‌ ؛ لأنّه بعد طواف النساء تحلّ له النساء ، وإن كانت لم تطف ، فقد روي أنّ عليه دماً يهريقه ، لأنّ القُبْلة بالنسبة إليها حرام ، وقد فَعَلها هو ، فكانت عليه العقوبة ؛ لقول الصادق عليه‌السلام ـ في الحسن ـ عن رجل قبَّل امرأته وقد طاف طواف النساء ولم تطف هي : « عليه دم يهريقه من عنده » (٢) .

ولو قلع ضرسه مع الحاجة إليه ، لم يكن عليه شي‌ء ، وإن كان لا مع الحاجة ، وجب عليه دم شاة ، قاله الشيخ (٣) رحمه‌الله ؛ لرواية (٤) مرسلة .

مسألة ٤٣٤ : لو اُحصر فبعث بهديه ثم احتاج إلىٰ حلق رأسه لأذىٰ قبل أن يبلغ الهدي محلّه ، جاز له أن يحلقه ، ويتصدّق‌ بالنسك أو الإطعام أو الصيام علىٰ ما قلناه ؛ لأنّ غير المحصر كذلك ، فكذا المحصر .

ولقول الصادق عليه‌السلام : « إذا اُحصر الرجل فبعث بهديه فأذاه رأسه قبل أن ينحر هديه فإنّه يذبح شاة مكان الذي اُحصر فيه أو يصوم أو يتصدّق علىٰ ستة مساكين ، والصوم ثلاثة أيّام والصدقة نصف صاع لكلّ مسكين » (٥) .

__________________

(١) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ١٦٠ ، المجموع ٧ : ٣٨ ، المغني ٣ : ٢١١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧٣ .

(٢) الكافي ٤ : ٣٧٨ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٣٢٣ / ١١٠٩ .

(٣) النهاية : ٢٣٥ ، المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٥٠ ، التهذيب ٥ : ٣٨٥ ذيل الحديث ١٣٤٣ .

(٤) التهذيب ٥ : ٣٨٥ / ١٣٤٤ .

(٥) التهذيب ٥ : ٣٣٤ / ١١٤٩ ، الاستبصار ٢ : ١٩٦ / ٦٥٨ .

٦٧
 &

المطلب الرابع في أحكام الإحرام‌

مسألة ٤٣٥ : الإحرام ركن في الحجّ إذا أخلّ به عامداً ، بطل الحجّ ، وإن كان ناسياً حتىٰ أكمل المناسك ، قال الشيخ رحمه‌الله : يصحّ حجّه إذا كان قد عزم علىٰ فعله أوّلاً (١) ، كما لو نسي الطواف أو السعي .

وقوله عليه‌السلام : ( رُفع عن اُمّتي الخطأ والنسيان ) (٢) .

ولأنّ علي بن جعفر سأل أخاه الكاظم عليه‌السلام ـ في الصحيح ـ عن رجل نسي الإحرام بالحجّ ، فذكره وهو بعرفات ، ما حاله ؟ قال : « يقول : اللّهم علىٰ كتابك وسنّة نبيّك ، فقد تمّ إحرامه » (٣) .

فإن جهل أن يُحْرم يوم التروية بالحجّ حتىٰ يرجع إلىٰ بلده ، فإن كان قد قضىٰ مناسكه كلّها ، فقد تمّ حجّه .

وروىٰ جميل بن درّاج عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما‌السلام : في رجل نسي أن يُحْرم أو جهل وقد شهد المناسك كلّها وطاف وسعىٰ ، قال : « يجزئه إذا كان قد نوىٰ ذلك فقد تمّ حجّه وإن لم يُهلّ » (٤) .

وقال ابن إدريس من علمائنا : تجب عليه الإعادة ؛ لقوله عليه‌السلام : ( لا عمل إلّا بنيّة ) (٥) وهذا عمل بغير نيّة (٦) . وليس بشي‌ء .

__________________

(١) النهاية : ٢١١ ، المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣١٤ .

(٢) كنز العمّال ٤ : ٢٣٣ / ١٠٣٠٧ نقلا عن الطبراني في المعجم الكبير .

(٣) التهذيب ٥ : ١٧٥ / ٥٨٦ و ٤٧٦ / ١٦٧٨ .

(٤) الكافي ٤ : ٣٢٥ / ٨ ، التهذيب ٥ : ٦١ / ١٩٢ .

(٥) أمالي الطوسي ٢ : ٣٠٣ .

(٦) السرائر : ١٢٤ .

٦٨
 &

مسألة ٤٣٦ : لا يقع الإحرام إلّا من مُحِلٍّ ، فلو كان مُحْرماً بالحجّ ، لم يجز له أن يُحْرم بالعمرة ، وهو أصحّ قولي الشافعي [ والثاني : جواز إدخال العمرة علىٰ الحج ] (١) (٢) وبه قال أبو حنيفة (٣) .

وكذا لا يجوز إدخال الحجّ علىٰ العمرة .

وقال جميع العامّة بجوازه (٤) .

ويبطله قوله تعالىٰ : ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) (٥) ومع الإدخال لا يتحقّق الإتمام .

وقد جوّز علماؤنا للمُفْرد فسخ حجّه إلىٰ التمتّع وبالعكس لمن ضاق عليه الوقت ، أو مَنَعه عذر الحيض والمرض وشبهه ، كما أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أصحابه بالأوّل (٦) ، وعائشة بالثاني (٧) .

وليس للقارن نقل حجّه إلىٰ التمتّع ؛ لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر أصحابه بأنّ

__________________

(١) أضفناها اعتماداً علىٰ المصادر التالية وعلىٰ حكاية المصنّف لقولي الشافعي في ج ٧ ص ١٧٩ ، المسألة ١٣٢ ، ومنتهىٰ المطلب ٢ : ٦٨٥ .

(٢) فتح العزيز ٧ : ١٢٥ ، والمجموع ٧ : ١٧٣ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٨ ، وكما في الخلاف ٢ : ٢٦٢ ، المسألة ٢٧ ، والمعتبر : ٣٣٨ و ٤٤١ .

(٣) تحفة الفقهاء ١ : ٤١٣ ، فتح العزيز ٧ : ١٢٥ ، المغني ٣ : ٥١٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٥ ، وكما في الخلاف ٢ : ٢٦٢ ، المسألة ٢٧ ، والمعتبر : ٣٣٨ و ٤٤١ .

(٤) كما في الخلاف ٢ : ٢٦٢ ، المسألة ٢٧ ، والمعتبر : ٣٣٨ ، وانظر : الحاوي الكبير ٤ : ٣٨ ، وفتح العزيز ٧ : ١٢١ ـ ١٢٢ ، والمجموع ٧ : ١٢٧ ، والمغني ٣ : ٥١٤ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٤٥ .

(٥) البقرة : ١٩٦ .

(٦) صحيح البخاري ٢ : ١٧٦ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٨٥ / ١٤٣ ، سنن البيهقي ٤ : ٣٥٦ و ٥ : ٣ ، المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ٧ : ١٤٥ / ٦٥٧١ .

(٧) صحيح البخاري ٢ : ١٧٢ و ٣ : ٤ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٧٠ / ١٢١١ ، سنن أبي داود ٢ : ١٥٣ / ١٧٨١ ، سنن النسائي ٥ : ١٦٦ ، سنن البيهقي ٤ : ٣٥٣ .

٦٩
 &

مَنْ لم يكن معه هدي فليحلّ ، وتأسّف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله علىٰ فوات المتعة (١) ، ولو جاز العدول كالمفرد ، لفَعَلها عليه‌السلام ؛ لأنّها الأفضل .

ولا يجوز أن يقرن إحراماً واحداً للنسكين ، فلو قرن بين الحجّ والعمرة في إحرامه ، لم ينعقد إحرامه إلّا بالحجّ ، قاله الشيخ في الخلاف (٢) ، فإن أتي بأفعال الحجّ ، لم يلزمه دم .

وإن أراد أن يأتي بأفعال العمرة ويُحِلّ ويجعلها متعةً ، جاز ذلك ، ويلزمه الدم ـ وبه قال الشافعي ومالك والأوزاعي والثوري وطاوُس وأبو حنيفة وأصحابه (٣) ـ لأصالة براءة الذمّة من الدم لو أتىٰ بأفعال الحجّ بانفراده ، فيقف شغلها علىٰ دليل ، ولم يثبت .

وقال الشعبي : عليه بدنة (٤) .

وقال داوُد : لا شي‌ء عليه (٥) .

واستُفتي محمد ـ ابْنُه ـ عن هذا بمكّة ، فأفتىٰ بمذهب أبيه ، فجرّوا برِجْله (٦) .

مسألة ٤٣٧ : يجوز للقارن والمُفْرد إذا قدما مكّة الطوافُ ، لكنّهما يجدّدان التلبية ؛ ليبقيا علىٰ إحرامهما .

ولو لم يجدّد التلبية ، قال الشيخ رحمه‌الله : أحلّا وصارت حجّتهما مفردةً (٧) .

وقال في التهذيب : إنّما يحلّ المُفْرد لا القارن (٨) .

وأنكر ابن إدريس ذلك ، وقال : إنّما يحلّان بالنيّة لا بمجرّد الطواف

__________________

(١) المصادر في الهامش (٦) من ص ٦٩ .

(٢) الخلاف ٢ : ٢٦٤ ، المسألة ٣٠ ، وتقدّم في ج ٧ ص ١٧٩ ، المسألة ١٣٣ .

(٣ ـ ٦) كما في الخلاف ٢ : ٢٦٤ ـ ٢٦٥ ، المسألة ٣٠ .

(٧) النهاية : ٢٠٨ و ٢٠٩ .

(٨) التهذيب ٥ : ٤٤ ذيل الحديث ١٣١ .

٧٠
 &

والسعي (١) .

والشيخ ـ رحمه‌الله ـ استدلّ : بما رواه العامّة عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إذا أهلّ الرجل بالحجّ ثم قدم مكّة وطاف بالبيت وسعىٰ بين الصفا والمروة فقد حلّ وهي عمرة ) (٢) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه معاوية بن عمّار ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن المفرد للحجّ هل يطوف بالبيت بعد طواف الفريضة ؟ قال : « نعم ما شاء ، ويجدّد التلبية بعد الركعتين ، والقارن بتلك المنزلة يعقدان ما أحلّا من الطواف بالتلبية » (٣) .

قال الشيخ : فقه هذا الحديث : أنّه قد رخص للقارن والمفرد أن يقدّما طواف الزيارة قبل الوقوف بالموقفين ، فمتىٰ فَعَلا ذلك فإن لم يجدّدا التلبية ، يصيرا مُحلّين ، ولا يجوز ذلك ، فلأجله أمر المفرد والسائق بتجديد التلبية مع أنّ السائق لا يحلّ وإن كان قد طاف ؛ لسياقه الهدي (٤) .

مسألة ٤٣٨ : إذا أتمّ المتمتّع أفعال عمرته وقصّر ، فقد أحلّ ، وإن كان قد ساق هدياً ، لم يجز له التحلّل ، وكان قارناً ـ قاله الشيخ في الخلاف (٥) ، وبه قال ابن أبي عقيل (٦) ـ لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( مَنْ لم يكن ساق الهدي فليتحلّل ) (٧)

__________________

(١) السرائر : ١٢٣ .

(٢) سنن أبي داود ٢ : ١٥٦ / ١٧٩١ ، جامع الاُصول ٣ : ٣١٥ / ١٦٢٢ .

(٣) التهذيب ٥ : ٤٤ / ١٣١ .

(٤) التهذيب ٥ : ٤٤ ذيل الحديث ١٣١ .

(٥) الخلاف ٢ : ٢٨٢ ، المسألة ٥٧ .

(٦) حكاه عنه المحقّق في المعتبر : ٣٣٩ .

(٧) أورده المحقّق في المعتبر : ٣٣٩ بتفاوت يسير في اللفظ ، ونحوه في صحيح مسلم ٢ : ٩٠٧ / ١٢٣٦ ، وسنن النسائي ٥ : ٢٤٦ وسنن البيهقي ٥ : ١٨ ، ومسند أحمد ٣ : ٢٩٢ .

٧١
 &

شرط في التحلّل عدم السياق .

وقال الشافعي : يتحلّل ، سواء ساق هديه أو لم يسق (١) .

وقال أبو حنيفة : إن لم يكن ساق ، تحلّل ، وإن كان ساق ، لم يتحلّل ، واستأنف إحراماً للحجّ ، ولا يحلّ حتىٰ يفرغ من مناسكه (٢) .

وهو باطل ؛ لأنّ تجديد الإحرام إنّما يمكن مع الإحلال ، أمّا المُحْرم فهو باقٍ علىٰ إحرامه ، فلا وجه لتجديد الإحرام .

ولأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يتحلّل ، وعلّل بأنّه ساق الهدي (٣) ، وقال عليه‌السلام : ( لا يتحلّل سائق الهدي حتىٰ يبلغ الهدي محلّه ) (٤) .

مسألة ٤٣٩ : إذا فرغ المتمتّع من عمرته وأحلّ ثم أحرم بالحجّ ، فقد استقرّ دم التمتّع بإحرام الحجّ عليه‌ ـ وبه قال أبو حنيفة والشافعي (٥) ـ لقوله تعالىٰ : ( فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) (٦) فجعل الحجّ غايةً لوجوب الهدي ، والغاية وجود أوّل الحجّ دون إكماله ، كما في قوله تعالىٰ : ( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ) (٧) .

__________________

(١ و ٢) فتح العزيز ٧ : ١٢٧ ، المجموع ٧ : ١٨٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٥٦ ، وحكىٰ قولهما المحقّق في المعتبر : ٣٣٩ .

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٨٨٨ / ١٢١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٤ / ١٩٠٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٣ / ٣٧٤ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٦ ، المحرّر في الحديث ١ : ٣٩٧ / ٦٨٥ ، وكما في المعتبر : ٣٣٩ .

(٤) أورده المحقّق في المعتبر : ٣٣٩ بتفاوت يسير في اللفظ .

(٥) المغني ٣ : ٥٠٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٥١ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦٢ ، فتح العزيز ٧ : ١٦٨ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٠٩ ، المجموع ٧ : ١٨٤ ، وحكاه عنهما الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٢٧٣ ، المسألة ٤٤ .

(٦) البقرة : ١٩٦ .

(٧) البقرة : ١٨٧ .

٧٢
 &

وما رواه العامّة عن ابن عمر قال : تمتّع الناس علىٰ عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : ( مَنْ كان معه هدي فإذا أهلّ بالحجّ فليهد ، ومن لم يكن معه هدي فليصم ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة إذا رجع إلىٰ أهله ) (١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقَ عليه‌السلام : « مَنْ تمتّع في أشهر الحجّ ثم أقام بمكة حتىٰ يحضر الحج فعليه شاة ، ومَنْ تمتّع في غير أشهر الحجّ ثم جاوز حتىٰ يحضر الحج فليس عليه دم ، إنّما هي حجّة مفردة ، وإنّما الأضحىٰ علىٰ أهل الأمصار » (٢) .

مسألة ٤٤٠ : المتمتّع إذا طاف وسعىٰ للعمرة ثم أحرم بالحجّ قبل أن يقصّر ، قال الشيخ : بطلت متعته‌ وكانت حجّته مبتولةً ، وإن فعل ذلك ناسياً فليمض فيما أخذ فيه ، وقد تمّت متعته ، وليس عليه شي‌ء (٣) .

لرواية العلاء بن الفضيل ، قال : سألته عن رجل تمتّع فطاف ثم أهلّ بالحجّ قبل أن يقصّر ، قال : « بطلت متعته ، وهي حجّة مبتولة » (٤) .

ودلّ علىٰ حال النسيان : ما رواه عبد الله بن سنان ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه‌السلام : عن رجل متمتّع نسي أن يقصّر حتىٰ أحرم بالحجّ ، قال : « يستغفر الله » (٥) .

__________________

(١) أورده كما في المتن الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٢٧٣ ، المسألة ٤٤ ، وفي صحيح مسلم ٢ : ٩٠١ / ١٢٢٧ وسنن أبي داود ٢ : ١٦٠ / ١٨٠٥ ، وسنن النسائي ٥ : ١٥١ ، وسنن البيهقي ٥ : ١٧ بتفاوت يسير .

(٢) الكافي ٤ : ٤٨٧ ( باب من يجب عليه الهدي . . . ) الحديث ١ ، التهذيب ٥ : ١٩٩ / ٦٦٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٥٩ / ٩١٣ .

(٣) النهاية : ٢١٥ .

(٤) التهذيب ٥ : ٩٠ / ٢٩٦ ، الاستبصار ٢ : ١٧٥ ـ ١٧٦ / ٥٨٠ .

(٥) الكافي ٤ : ٤٤٠ / ١ ، التهذيب ٥ : ٩٠ / ٢٩٧ ، الاستبصار ٢ : ١٧٥ / ٥٧٧ .

٧٣
 &

وقال بعض علمائنا في الناسي : عليه دم (١) .

وقال بعضهم : يبطل الإحرام الثاني ، سواء وقع عمداً أو سهواً ، ويبقىٰ علىٰ إحرامه الأوّل (٢) .

مسألة ٤٤١ : قد تقدّم (٣) أنّ إحرام المتمتّع والمُفْرد ينعقد بالتلبية ، وأنّ إحرام القارن ينعقد بها أو بالإشعار أو التقليد ، فإن عقد بالتلبية ، استحبّ له الإشعار أو التقليد ـ وبه قال الشافعي ومالك (٤) ، إلّا أنّ الشافعي قال : الإحرام ينعقد بمجرّد النيّة وإن لم يُلبِّ ولا أشعر ولا قلّد (٥) ـ لما رواه العامّة عن ابن عباس : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله دعا ببدنة فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن ثم سلت الدم (٦) عنها (٧) .

وعن عروة [ عن المِسْوَر ] (٨) بن مخرمة ومروان ، قالا : خرج

__________________

(١) كالشيخ الطوسي في الجُمل والعقود ( ضمن الرسائل العشر ) : ٢٣٢ ، والقاضي ابن البرّاج في المهذّب ١ : ٢٢٣ ـ ٢٢٥ ، وابن حمزة في الوسيلة : ١٦٨ .

(٢) ابن إدريس في السرائر : ١٣٦ .

(٣) تقدّم في ج ٧ ص ٢٤٨ ، المسألة ١٨٦ .

(٤) الاُم ٢ : ٢١٦ ، مختصر المزني : ٧٣ ـ ٧٤ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٧٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣٦٣ ، المجموع ٨ : ٣٥٨ ، المغني ٣ : ٥٩١ ، المحلّىٰ ٧ : ١١٢ ، بداية المجتهد ١ : ٣٧٧ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٦٢ ، المنتقىٰ ـ للباجي ـ ٢ : ٣١٢ ، التفريع ١ : ٣٣٢ ، وحكاه عنهما الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٤٣٩ ، المسألة ٣٣٧ ، والمحقّق في المعتبر : ٣٣٩ .

(٥) الحاوي الكبير ٤ : ٨١ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢١٢ ، المجموع ٧ : ٢٢٤ و ٢٢٥ ، الوجيز ١ : ١١٦ ، فتح العزيز ٧ : ٢٠١ ـ ٢٠٢ ، المغني ٣ : ٢٤٦ ـ ٢٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣٧ ، بداية المجتهد ١ : ٣٣٧ .

(٦) سلت الدم : أي أماطه . النهاية ـ لابن الأثير ـ ٢ : ٣٨٧ « سلت » .

(٧) صحيح مسلم ٢ : ٩١٢ / ١٢٤٣ ، سنن أبي داود ٢ : ١٤٦ / ١٧٥٢ ، سنن الدارمي ٢ : ٦٦ .

(٨) أضفناها من المصادر .

٧٤
 &

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلمّا كان بذي الحليفة قلّد الهدي وأشعره (١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه‌السلام : « مَنْ أشعر بدنته فقد أحرم وإن لم يتكلّم بقليل ولا كثير » (٢) .

وقال أبو حنيفة : الإشعار مُثْلة وبدعة وتعذيب للحيوان ، ولم يعرف تقليد الغنم (٣) .

وهو مدفوع بما تقدّم (٤) .

وبما رواه العامّة عن جابر الأنصاري قال : كان هدايا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله غنماً مقلّدة (٥) .

وعن عائشة أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أهدىٰ غنماً مقلّدة (٦) .

مسألة ٤٤٢ : إذا قصّر المتمتّع من عمرته ، أحرم للحجّ من مكّة ، وفَعَل حالة الإحرام يوم التروية كما فَعَله أوّلاً عند الميقات من أخذ الشارب وقَلْم الأظفار والاغتسال وغير ذلك ؛ لأنّه أحد الإحرامين ، فاستحبّ فيه ما استحبّ في الآخر .

__________________

(١) صحيح البخاري ٢ : ٢٠٧ ، سنن أبي داود ٢ : ١٤٦ / ١٧٥٤ ، سنن النسائي ٥ : ١٧٠ ، سنن البيهقي ٥ : ١٣١ .

(٢) التهذيب ٥ : ٤٤ / ١٣٠ .

(٣) المجموع ٨ : ٣٥٨ ، صحيح مسلم بشرح النووي هامش إرشاد الساري ٥ : ٣٦٤ ، معالم السنن ـ للخطابي ـ ٢ : ٢٩١ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٧٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣٦٤ ، المغني ٣ : ٥٩١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٧٩ ، وحكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٤٣٩ ، المسألة ٣٣٧ ، والمحقّق في المعتبر : ٣٣٩ .

(٤) تقدّم آنفاً .

(٥) أورده الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٤٤٠ ذيل المسألة ٣٣٨ ، والمحقّق في المعتبر : ٣٣٩ .

(٦) سنن أبي داود ٢ : ١٤٦ / ١٧٥٥ ، وأورده الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٤٤٠ ذيل المسألة ٣٣٨ ، والمحقّق في المعتبر : ٣٣٩ .

٧٥
 &

ولقول الصادق عليه‌السلام : « إذا أردت أن تُحْرم يوم التروية فاصنع كما صنعت حين أردت أن تُحْرم » (١) الحديث ، إلّا أنّه هنا يلبّي بالحجّ .

مسألة ٤٤٣ : إحرام المرأة كإحرام الرجل إلّا في أمرين : رفع الصوت بالتلبية ، وقد تقدّم (٢) ، ولُبْس المخيط ، فإنّه جائز لهنّ ؛ لما رواه العامّة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه نهىٰ النساء في إحرامهنّ عن القُفّازين والنقاب وما مسّه الوَرْس من الثياب ، ولتلبس بعد ذلك ما أحبّته من ألوان الثياب (٣) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه‌السلام : « المرأة المُحْرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير والقُفّازين » وكره النقاب وقال : « تسدل الثوب علىٰ وجهها » قال : حدّ ذلك إلىٰ أين ؟ قال : « إلىٰ طرف الأنف قدر ما تبصر » (٤) .

مسألة ٤٤٤ : إحرام المرأة في وجهها‌ ، فلا تخمره ، ولا يجوز لها أن تغطّيه بمخيط ولا بغيره بإجماع العلماء ؛ لما رواه العامّة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( لا تتنقّب المرأة ولا تلبس القُفّازين ) (٥) .

ومن طريق الخاصّة : قول الباقر عليه‌السلام : « المُحْرمة لا تتنقّب لأنّ إحرام المرأة في وجهها وإحرام الرجل في رأسه » (٦) .

إذا عرفت هذا ، فإنّه يجوز لها أن تسدل الثوب علىٰ رأسها إلىٰ طرف

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٥٤ / ٢ ، التهذيب ٥ : ١٦٨ / ٥٥٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٥١ / ٨٨١ .

(٢) تقدّم في ج ٧ ص ٢٥٠ ـ ٢٥١ ، المسألة ١٨٨ .

(٣) سنن أبي داود ٢ : ١٦٦ / ١٨٢٧ ، سنن البيهقي ٥ : ٥٢ .

(٤) الكافي ٤ : ٣٤٤ / ١ ، التهذيب ٥ : ٧٣ ـ ٧٤ / ٢٤٣ .

(٥) صحيح البخاري ٣ : ١٩ ، سنن أبي داود ٢ : ١٦٥ / ١٨٢٥ ، سنن الترمذي ٣ : ١٩٤ ـ ١٩٥ / ٨٣٣ ، سنن النسائي ٥ : ١٣٥ ـ ١٣٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٤٦ .

(٦) الكافي ٤ : ٣٤٦ / ٧ ، الفقيه ٢ : ٢١٩ / ١٠٠٩ .

٧٦
 &

أنفها ، وتستر المُحْرمة سائر جسدها إلّا وجهها ، ولها سدل الثوب علىٰ وجهها بحيث لا يمسّه ؛ لأنّه ليس بستر حقيقة ، ولهذا جاز للمُحْرم أن يظلّل علىٰ نفسه حالة النزول .

ولو أصاب الثوب وجهها ، قال بعض العامّة : إن إزالته في الحال ، فلا شي‌ء عليها ، وإلّا وجب عليها دم (١) .

ولا يجوز لها لُبْس البُرْقع ؛ للرواية (٢) .

ويجوز لها لُبْس السراويل ؛ لأنّ الحلبي سأل الصادق عليه‌السلام : عن المرأة إذا أحرمت أتلبس السراويل ؟ قال : « نعم إنّما تريد بذلك الستر » (٣) .

ويجوز لها أن تلبس الغلالة إذا كانت حائضاً لتحفظ ثيابها من الدم ؛ لأنّ الصادق عليه‌السلام قال : « تلبس المرأة المُحْرمة الحائض تحت ثيابها غلالة » (٤) .

__________________

(١) المغني ٣ : ٣١٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٠ .

(٢) الكافي ٤ : ٣٤٥ / ٦ ، التهذيب ٥ : ٧٥ / ٢٤٧ ، الاستبصار ٢ : ٣٠٩ / ١١٠١ .

(٣) الكافي ٤ : ٣٤٦ / ١١ ، الفقيه ٢ : ٢١٩ / ١٠١٣ ، التهذيب ٥ : ٧٦ / ٢٥٢ .

(٤) الفقيه ٢ : ٢١٩ / ١٠١١ ، التهذيب ٥ : ٧٦ / ٢٥١ .

٧٧
 &

تذكرة الفقهاء الجزء الثامن العلامة الحلي

٧٨
 &

الفصل الثاني في دخول مكّة‌

إذا فرغ المتمتّع من إحرام العمرة من الميقات ثم صار إلىٰ مكّة فقارب الحرم ، استحبّ له أن يغتسل قبل دخوله ؛ لأنّ أبان بن تغلب كان مع الصادق عليه‌السلام ، لمّا انتهىٰ إلىٰ الحرم نزل واغتسل وأخذ نعليه بيديه ثم دخل الحرم حافياً ، فصنعتُ مثل ما صنع ، فقال : « يا أبان مَنْ صنع مثل ما رأيتني صنعتُ تواضعاً لله عزّ وجلّ محىٰ الله عنه مائة ألف سيّئة ، وكتب له مائة ألف حسنة ، وبنىٰ له مائة ألف درجة ، وقضىٰ له مائة ألف حاجة » (١) .

ولو لم يتمكّن من الغسل عند دخول الحرم ، جاز له أن يؤخّره إلىٰ قبل دخول مكة ، فإن لم يتمكّن ، فبعد دخولها ؛ للرواية (٢) .

مسألة ٤٤٥ : يستحب له مضغ شي‌ء من الإذخر عند دخول الحرم ؛ ليطيب فمه .

ولقول الصادق عليه‌السلام : « إذا دخلت الحرم فتناول من الإذخر فامضغه » وكان يأمر اُمّ فروة بذلك (٣) .

ويستحب له الدعاء عند دخول الحرم بالمنقول ، فإذا نظر إلىٰ بيوت مكة ، قطع التلبية ، وحدّها عقبة المدينين . ولو أخذ علىٰ طريق المدينة ، قطع التلبية إذا نظر إلىٰ عريش مكة ، وهي عقبة ذي طُوىٰ ـ وهو من سواد

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٩٨ / ١ ، التهذيب ٥ : ٩٧ / ٣١٧ .

(٢) الكافي ٤ : ٣٩٨ / ٥ ، و ٤٠٠ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٩٧ ـ ٩٨ / ٣١٨ و ٣١٩ .

(٣) الكافي ٤ : ٣٩٨ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٩٨ / ٣٢٠ .

٧٩
 &

مكة قريب منها ـ بضم الطاء ، وقد تُفتح وتُكسر .

ويستحب له أن يدخل مكة من أعلاها إذا كان داخلاً من طريق المدينة ، ويخرج من أسفلها ؛ لأنّ يونس بن يعقوب سأل الصادقَ عليه‌السلام : من أين أدخل مكة وقد جئتُ من المدينة ؟ قال : « ادخل من أعلىٰ مكة ، وإذا خرجت تريد المدينة فاخرج من أسفل مكة » (١) .

وروىٰ العامّة : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يدخل من الثنيّة العُلْيا ويخرج من الثنيّة السُفْلىٰ (٢) .

وهذا في حقّ مَنْ يجي‌ء من المدينة والشام ، فأمّا الذين يجيئون من سائر الأقطار فلا يؤمرون بأن يدوروا ليدخلوا من تلك الثنيّة . وكذا في الاغتسال بذي طُوىٰ .

وقيل : بل هو عام ، ليحصل التأسّي بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ويستحب له أن يغتسل لدخول مكّة من بئر ميمون أو فخّ ؛ لما روىٰ العامّة أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فَعَله (٣) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه‌السلام : « إنّ الله عزّ وجلّ يقول في كتابه : ( طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ) (٤) وينبغي للعبد أن لا يدخل مكة إلّا وهو طاهر قد غسل عرقه والأذىٰ وتطهّر » (٥) .

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٩٩ ( باب دخول مكة ) الحديث ١ ، التهذيب ٥ : ٩٨ / ٣٢١ .

(٢) صحيح البخاري ٢ : ١٧٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٩١٨ / ١٢٥٧ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٩٨١ / ٢٩٤٠ ، سنن أبي داود ٢ : ١٧٤ / ١٨٦٦ ، سنن النسائي ٥ : ٢٠٠ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٠٩ / ٨٥٣ .

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٩١٩ / ٢٢٧ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٠٨ / ٨٥٢ ، سنن البيهقي ٥ : ٧١ .

(٤) البقرة : ١٢٥ .

(٥) الكافي ٤ : ٤٠٠ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٩٨ ـ ٩٩ / ٣٢٢ .

٨٠