تذكرة الفقهاء - ج ٨

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٨

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-051-X
الصفحات: ٥٠٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

والفرق : أنّ الوطء قبل الوقوف يكون أكثر أفعال الحجّ لم يقع بَعْدُ ، بخلاف ما بعده .

وقال مالك وأحمد : يفسد حجّه إن كان قبل التحلّل الأوّل ، وإن كان بعد التحلّل الأوّل بالرمي والحلق ، لم يفسد إحرامه الماضي ، ويفسد ما بقي من إحرامه ، ويجب عليه أن يُحرم بعمرة ويأتي بالطواف في إحرام صحيح ، وتلزمه شاة (١) .

مسألة ٤١٢ : لو كان الوطء بعد الوقوف بعرفة قبل الوقوف بمزدلفة ، فسد حجّه‌ أيضاً ، قاله أكثر العلماء (٢) ؛ لما رواه العامّة عن ابن عباس أنّه قال : مَنْ وطئ بعد التحلّل فقد تمّ حجّه ، وعليه بدنه (٣) .

والظاهر أنّه قاله نقلاً عن الرسول عليه‌السلام ، وهو يدلّ بمفهومه علىٰ عدم التمام لو وطئ قبل التحلّل .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه‌السلام : « إذا وقع الرجل بامرأته دون المزدلفة ، أو قبل أن يأتي مزدلفة ، فعليه الحجّ من قابل » (٤) .

وقال أبو حنيفة : لا يفسد ، ويجب عليه بدنة ؛ لما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( الحجّ عرفة مَنْ وقف بعرفة فقد تمّ حجّه ) (٥) .

__________________

(١) المغني ٣ : ٥١٦ و ٥١٩ ـ ٥٢٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢١ و ٣٢٦ ـ ٣٢٨ ، المجموع ٧ : ٤٠٧ ـ ٤٠٨ ، و ٤١٤ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧١ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢١٩ .

(٢) المغني ٣ : ٥١٦ و ٣٢٣ ـ ٣٢٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢١ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢١٧ ، الاستذكار ١٢ : ٢٩٤ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧١ ، المجموع ٧ : ٤١٤ .

(٣) الحاوي الكبير ٤ : ٢١٩ .

(٤) التهذيب ٥ : ٣١٩ / ١٠٩٩ .

(٥) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ١١٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢١٧ ، النتف ١ : ٢١٣ ، الاختيار لتعليل المختار ١ : ٢١٨ ، المغني ٣ : ٣٢٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢١ ،

٤١
 &

وهو لا يدلّ علىٰ المطلوب إلّا بالمفهوم ، وهو لا يقول به .

مسألة ٤١٣ : لو كرّر الوطء وهو مُحْرم ، وجب (١) عليه بكلّ وطء كفّارة ، وهي بدنة ، سواء كفّر عن الأوّل أو لا ـ وهو إحدىٰ الروايتين عن أحمد (٢) ـ لأنّه وطء صادف إحراماً لم يتحلّل منه ، فوجب به البدنة ، كما لو كان الإحرام صحيحاً .

ولأنّ الإحرام الفاسد كالصحيح في سائر الكفّارات .

وقال الشافعي : إن وطئ بعد أن كفّر عن الأوّل ، وجب عليه الكفّارة .

وهل الكفّارة الثانية شاة أو بدنة ؟ قولان .

وإن وطئ قبل أن يكفّر ، فأقوال ثلاثة : أحدها : لا شي‌ء عليه . والثاني : شاة . والثالث : بدنة (٣) .

وقال أبو حنيفة : تجب عليه شاة ، سواء كفّر عن الأوّل أو لا ، إلّا أن يتكرّر الوطء في مجلس واحد علىٰ وجه الرفض للإحرام ، بأن ينوي به رفض الإحرام ؛ لأنّه وطء صادف إحراماً نقضت حرمته ، فلم تجب به الفدية ، كما لو وطئ بعد التحلّل (٤) .

والفرق : أنّ الوطء بعد التحلّل لم يصادف الإحرام ، أو قد تحلّل من

__________________

= الحاوي الكبير ٤ : ٢١٧ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧١ ، المجموع ٧ : ٤١٤ ، الاستذكار ١٢ : ٢٩٤ ، والرواية في الاختيار والبدائع .

(١) في « ن » والطبعة الحجرية : كان .

(٢) المغني ٣ : ٣٢٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥٠ .

(٣) الحاوي الكبير ٤ : ٢٢٠ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧٢ ـ ٤٧٣ ، المجموع ٧ : ٤٠٧ ، وحكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣٦٦ ، المسألة ٢٠٤ .

(٤) المغني ٣ : ٣٢٨ ـ ٣٢٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥١ ، وانظر : فتح العزيز ٧ : ٤٧٣ ، والمجموع ٧ : ٤٢٠ ، وبداية المجتهد ١ : ٣٧١ .

٤٢
 &

معظم محظوراته ، بخلاف الوطء في الإحرام الكامل .

وقال مالك : لا يجب عليه بالوطء الثاني شي‌ء ؛ لأنّه وطء لا يتعلّق به إفساد الحج ، فلا تجب به الكفّارة ، كما لو كان في مجلس واحد (١) .

والجواب : أنّ عدم تعلّق الإفساد به لا يمنع وجوب الكفّارة ، كقتل الصيد ولُبْس الثوب وغيرهما من أنواع المحظورات .

وقال أحمد في الرواية الثانية : إن كفّر عن الأوّل ، وجب عليه عن الثاني بدنة ؛ لأنّه وطئ في إحرام لم يتحلّل منه ، ولا أمكن تداخل كفّارته في غيره ، فأشبه الوطء الأوّل (٢) .

والشيخ ـ رحمه‌الله ـ تردّد في الخلاف في تكرّر الكفّارة مع عدم التكفير في الأوّل (٣) ، وجزم في المبسوط بالتكرّر مطلقاً (٤) .

مسألة ٤١٤ : لو جامع بعد الموقفين قبل طواف الزيارة ، وجب عليه جزور‌ إن كان موسراً ، فإن عجز ، وجب عليه بقرة ، فإن عجز ، فشاة ؛ لما تقدّم من أنّ مَنْ جامع بعد التحلّل الأوّل وجب عليه بدنة ، وقد سبق (٥) الخلاف فيه .

ولما رواه معاوية بن عمّار ـ في الحسن ـ عن الصادق عليه‌السلام ، أنّه سأله : عن متمتّع وقع علىٰ أهله ولم يَزُرْ ، قال : « ينحر جزوراً » (٦) .

__________________

(١) بداية المجتهد ١ : ٣٧١ ، المغني ٣ : ٣٢٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧٣ .

(٢) المغني ٣ : ٣٢٨ ـ ٣٢٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٥٠ .

(٣) الخلاف ٢ : ٣٦٦ ـ ٣٦٧ ، المسألة ٢٠٤ .

(٤) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٣٧ .

(٥) سبق في المسألة ٤١١ .

(٦) الكافي ٤ : ٣٧٨ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٣٢١ / ١١٠٤ .

٤٣
 &

وسأله عيص بن القاسم : عن رجل واقع أهله حين ضحّىٰ قبل أن يزور البيت ، قال : « يُهريق دماً » (١) .

ولو جامع بعد أن طاف من طواف الزيارة شيئاً ، وجب عليه الكفّارة : بدنة . وكذا لو أتمّ طوافه ثم جامع بعد أن سعىٰ شيئاً من سعيه ، وجبت البدنة . وكذا لو كان بعد تمام السعي قبل طواف النساء ، وجب عليه البدنة ، وحجّه صحيح ؛ لأنّه وطئ في إحرام ، فكان عليه بدنة ، كما لو جامع بعد الموقفين قبل طواف الزيارة .

ولما رواه معاوية بن عمّار ـ في الصحيح ـ أنّه سأل الصادقَ عليه‌السلام : عن رجل وقع [ علىٰ ] (٢) امرأته قبل أن يطوف طواف النساء ، قال : « عليه جزور سمينة ، وإن كان جاهلاً ، فليس عليه شي‌ء » (٣) .

إذا عرفت هذا ، فلو جامع قبل طواف الزيارة أو بعده قبل طواف النساء جاهلاً بالتحريم أو ناسياً ، لم تجب عليه كفّارة ؛ لأنّهما عذران يُسقطان الكفّارة في الوطء قبل الموقفين ، فهنا أولىٰ .

مسألة ٤١٥ : لو جامع بعد أن طاف شيئاً من طواف النساء ، قال الشيخ رحمه‌الله : إن كان قد طاف أكثر من النصف ، بنىٰ عليه بعد الغسل ، ولا شي‌ء عليه ، وإن كان أقلّ من النصف ، وجب عليه الكفّارة وإعادة الطواف (٤) ؛ لموافقته الأصل ، وهو : براءة الذمّة .

ولأنّ معظم الشي‌ء يعطى حكم ذلك الشي‌ء غالباً .

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٧٩ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٣٢١ / ١١٠٥ .

(٢) أضفناها من المصدر .

(٣) الكافي ٤ : ٣٧٨ ذيل الحديث ٣ ، التهذيب ٥ : ٣٢٣ / ١١٠٩ .

(٤) النهاية : ٢٣١ ، المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٣٧ .

٤٤
 &

ولأنّ حمران بن أعين سأل الباقرَ عليه‌السلام : عن رجل كان عليه طواف النساء وحده ، فطاف منه خمسة أشواط ثم غمزه بطنه فخاف أن يبدره فخرج إلىٰ منزله فنقض ثم غشي جاريته ، قال : « يغتسل ثم يرجع فيطوف بالبيت طوافين تمام ما كان بقي عليه من طوافه ، ويستغفر ربّه ولا يعود ، وإن كان طاف طواف النساء فطاف منه ثلاثة أشواط ثم خرج فغشي فقد أفسد حجّه ، وعليه بدنة ، ويغتسل ثم يعود فيطوف اُسبوعاً » (١) .

مسألة ٤١٦ : ولا فرق في الوطء بين أن يطأ في إحرام حجّ واجب أو مندوب‌ ؛ لأنّه بعد التلبّس بالإحرام يصير المندوب واجباً ، ويجب عليه إتمامه ، كما يجب عليه إتمام الحجّ الواجب .

ولأنّ الحجّ الفاسد يجب عليه إتمامه ، فالمندوب أولىٰ .

إذا عرفت هذا ، فكلّ موضع قلنا : إنّه يفسد الحجّ الواجب فيه ، كالوطء قبل الموقفين ، فإنّه يفسد الحجّ المندوب فيه أيضاً ، فلو وطئ قبل الوقوف بالموقفين في الحجّ المندوب ، فسد حجّه ، ووجب عليه إتمامه وبدنة والحجّ من قابل ، ولو كان بعد الموقفين ، وجب عليه بدنة لا غير .

وكذا لا فرق بين أن يطأ امرأته الحُرّة أو جاريته المُحْرمة أو المُحِلّة إذا كان مُحْرماً ؛ فإنّ الحكم في الجميع واحد .

فإن كانت أمته مُحْرمةً بغير إذنه ، أو مُحِلّةً ، فإنّه لا تتعلّق بها كفّارة ولا به عنها .

ولو كانت مُحْرمةً بإذنه ، فطاوعته ، فالأقرب : وجوب الكفّارة ، كما في العبد المأذون إذا أفسد .

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٧٩ / ٦ ، التهذيب ٥ : ٣٢٣ / ١١١٠ .

٤٥
 &

ولو أكرهها ، فإن قلنا في المطاوعة بوجوب الكفّارة عنها ، تحمّلها السيّد ، وإلّا فلا .

مسألة ٤١٧ : لو وطئ أمته وهو مُحِلٌّ وهي مُحْرمة ، فإن كان إحرامها بغير إذنه ، فلا عبرة به ، ولا كفّارة عليه ، وإن كان بإذنه ، وجب عليه بدنة أو بقرة أو شاة ، فإن لم يجد ، فشاة أو صيام ثلاثة أيّام ؛ لأنّه هتك إحراماً صحيحاً .

ولرواية إسحاق بن عمّار عن الكاظم عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل مُحِلّ وقع علىٰ أمة مُحْرمة ، قال : « موسراً أو معسراً ؟ » قلت : أجبني عنهما ، قال : « هو أمرها بالإحرام أو لم يأمرها أو أحرمت من قِبَل نفسها ؟ » قلت : أجبني عنها ، قال : « إن كان موسراً وكان عالماً أنّه لا ينبغي له وكان هو الذي أمرها بالإحرام ، فعليه بدنة ، وإن شاء بقرة ، وإن شاء شاة ، وإن لم يكن أمرها بالإحرام ، فلا شي‌ء عليه موسراً كان أو معسراً ، وإن كان أمرها وهو معسر ، فعليه دم شاة أو صيام » (١) .

إذا ثبت هذا ، فلو كانا مُحْرمين أو كان هو مُحْرماً ، وجبت عليه الكفّارة .

ولو كان هو مُحِلّاً وهي مُحْرمة بإذنه ، وجبت عليه البدنة لا غير ، سواء كان قبل الوقوف بالموقفين أو بعده ، وسواء طاوعته أو أكرهها ، لكن لو طاوعته ، فسد حجّها ، ووجب عليه أن يأذن لها في القضاء ؛ لأنّه أذن لها في الابتداء وأحرمت إحراماً صحيحاً ، وكان الفساد منه ، فوجب عليه الإذن في القضاء ، كالصيام .

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٧٤ ـ ٣٧٥ / ٦ ، التهذيب ٥ : ٣٢٠ / ١١٠٢ ، الاستبصار ٢ : ١٩٠ / ٦٣٩ .

٤٦
 &

ولو زنىٰ بامرأة ، تعلّق به من الأحكام ما يتعلّق بالوطء الصحيح ؛ لأنّه أبلغ في هتك الإحرام ، فكانت العقوبة واجبةً عليه .

مسألة ٤١٨ : مَنْ وجب عليه بدنة في إفساد الحجّ فلم يجد ، كان عليه بقرة ، فإن لم يجد ، فسبع شياه علىٰ الترتيب ، فإن لم يجد ، فقيمة البدنة دراهم أو ثمنها طعاماً يتصدّق به ، فإن لم يجد ، صام عن كلّ مُدّ يوماً ، وبه قال الشافعي (١) .

وفي [ أصحابه ] مَنْ قال : هو مخيّر (٢) .

واستدلّ عليه الشيخ ـ رحمه‌الله ـ بإجماع الفرقة وأخبارهم وطريقة الاحتياط (٣) .

وابن بابويه قال : مَنْ وجبت عليه بدنة في كفّارة فلم يجد ، فعليه سبع شياه ، فإن لم يقدر ، صام ثمانية عشر يوماً بمكّة أو في منزله (٤) .

وعن أحمد روايتان ، إحداهما : أنّها علىٰ التخيير إن شاء أخرج أيّ هذه الخمسة (٥) ، التي ذكرناها ، أعني : البدنة والبقرة وسبع شياه وقيمة البدنة والصيام .

لنا : أنّ الصحابة والأئمّة عليهم‌السلام أوجبوا البدنة في الإفساد ، وذلك

__________________

(١) الاُم ٢ : ٢١٨ ، فتح العزيز ٨ : ٧٥ ـ ٧٦ ، المجموع ٧ : ٤٠١ و ٤١٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣١١ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٢٤ .

(٢) الكلام من بداية المسألة إلىٰ هنا من كلام الشيخ الطوسي في الخلاف ، ونقله المصنّف في المنتهىٰ ٢ : ٨٤١ مصدّراً بقوله : قال الشيخ . وما بين المعقوفين أثبتناه من الخلاف ، وفي « ف » والطبعة الحجرية : ( وفي أصحابنا ) أمّا في « ط ، ن » فلم يتبيّن لنا اللفظ ؛ لسقوطه .

(٣) الخلاف ٢ : ٣٧٢ ، المسألة ٢١٣ .

(٤) المقنع : ٧٨ .

(٥) حلية العلماء ٣ : ٣١٢ ، المجموع ٧ : ٤١٦ .

٤٧
 &

يقتضي تعيّنها ، والبقرة دونها جنساً وقيمةً .

ولقوله عليه‌السلام : ( مَنْ راح في الساعة الاُولىٰ فكأنّما قرّب بدنةً ، ومَنْ راح في الثانية فكأنّما قرّب بقرةً ) (١) يعني إلىٰ الجمعة .

ولأنّ ذلك سبب يجب به القضاء ، فكانت كفّارته علىٰ الترتيب ، كالفوات .

وأحمد قاس علىٰ قتل النعامة .

والفرق : أنّ الانتقال في قتل النعامة إلىٰ القيمة ، فكان مخيّراً فيها ، وهنا ينتقل إلىٰ ما هو دونها .

مسألة ٤١٩ : لو وطئ في العمرة قبل السعي ، فسدت عمرته ، ووجب عليه بدنة وقضاؤها ـ وبه قال الشافعي (٢) ـ لأنّها عبادة تشتمل علىٰ طواف وسعي ، فوجب بالوطء فيها بدنة ، كالحجّ .

ولرواية مسمع عن الصادق عليه‌السلام : في الرجل يعتمر عمرة مفردة فيطوف بالبيت طواف الفريضة ثم يغشىٰ أهله قبل أن يسعىٰ بين الصفا والمروة ، قال : « قد أفسد عمرته ، وعليه بدنة ، ويقيم بمكّة مُحلّاً حتىٰ يخرج الشهر الذي اعتمر فيه ثم يخرج إلىٰ الوقت الذي وقّته رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأهل بلاده ، فيُحْرم منه ويعتمر » (٣) .

وقال أبو حنيفة : إذا وطئ قبل أن يطوف أربعة أشواط ، فسدت

__________________

(١) صحيح البخاري ٢ : ٣ ، صحيح مسلم ٢ : ٥٨٢ / ٨٥٠ ، الموطّأ ١ : ١٠١ / ١ ، سنن أبي داود ١ : ٩٦ / ٣٥١ ، سنن النسائي ٣ : ٩٩ ، سنن الترمذي ٢ : ٣٧٢ : ٤٩٩ .

(٢) الحاوي الكبير ٤ : ٢٣٢ ـ ٢٣٣ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧١ ، المجموع ٧ : ٤٢٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٥ .

(٣) الكافي ٤ : ٥٣٨ ـ ٥٣٩ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٧٥ / ١٣٤٤ ، التهذيب ٥ : ٣٢٣ ـ ٣٢٤ / ١١١١ .

٤٨
 &

عمرته ، ووجب عليه القضاء وشاة ؛ لأنّها عبادة لا تتضمّن الوقوف ، ولا يجب عليه بالوطء فيها بدنة ، كما لو قرنها بحجّه (١) .

ونمنع حكم الأصل .

وقال أحمد : يجب بالوطء القضاء وشاة إذا وجد في الإحرام (٢) .

إذا عرفت هذا ، فالبدنة والإفساد يتعلّقان بالوطء في إحرام العمرة قبل السعي ولو كان بعد الطواف ـ وبه قال الشافعي (٣) ـ لرواية مسمع عن الصادق عليه‌السلام (٤) .

وقال أبو حنيفة : إذا وطئ بعد أربعة أشواط ، لم تفسد عمرته ، ووجبت الشاة ؛ لأنّه وطئ بعد ما أتىٰ بركن العبادة ، فأشبه ما إذا وطئ بعد الوقوف في الحج ، وإنّما وجبت الشاة ؛ لأنّ الشاة تقوم مقام الطواف والسعي في حقّ المحصر ، فقامت مقام بعض ذلك هنا (٥) .

والجواب : أنّ محظورات الإحرام سواء مثل الطيب واللباس والصيد تستوي قبل الإتيان بأكثر الطواف وبعده ، كذلك الوطء .

مسألة ٤٢٠ : القارن عندنا هو الذي يسوق إلىٰ إحرامه هدياً ، وعندهم هو مَنْ يقرن الإحرامين علىٰ ما مضىٰ (٦) الخلاف فيه ، فلو أفسد القارن

__________________

(١) الهداية ـ للمرغيناني ـ ١ : ١٦٥ ، المغني ٣ : ٥١٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٥ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٥ .

(٢) المغني ٣ : ٥١٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٥ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٥ .

(٣) الحاوي الكبير ٤ : ٢٣٢ ـ ٢٣٣ ، المجموع ٧ : ٤٢٢ .

(٤) تقدّمت الرواية في صدر المسألة .

(٥) بدائع الصنائع ٢ : ٢١٩ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٥٨ ، المغني ٣ : ٥١٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٥ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٥ ، المجموع ٧ : ٤٢٢ .

(٦) مضىٰ في ج ٧ ص ١٢٥ ، المسألة ٩٥ .

٤٩
 &

حجّه ، وجب عليه بدنة ، وليس عليه دم القران ، ويجب عليه القضاء ؛ لأنّه أفسد حجّاً ، فكان عليه بدنة ، كالمتمتّع والمفرد .

وقال الشافعي : إذا وطئ القارن ـ علىٰ تفسيرهم ـ لزمه بدنة بالوطء ودم القران ، ويقضي قارناً ، ويلزمه دم القران في القضاء أيضاً ، فإن قضىٰ مفرداً ، جاز ، ولا يسقط عنه دم القران الذي يلزمه في القضاء (١) . وبه قال أحمد إلّا أنّه قال : إذا قضىٰ مفرداً ، لم يجب دم القران (٢) .

وقال أبو حنيفة : يفسد إحرامه ، وتجب عليه شاة لإفساد الحجّ ، وشاة لإفساد العمرة ، وشاة القران ، إلّا أن يكون قد وطئ بعد ما طاف في العمرة أربعة أشواط (٣) .

مسألة ٤٢١ : إذا قضىٰ الحاجّ والمعتمر ، فعليه في قضاء الحجّ الإحرامُ من الميقات ، وعليه في إحرام العمرة الإحرامُ من أدنىٰ الحِلّ ـ وبه قال أبو حنيفة ومالك (٤) ـ لأنّه لا يجوز الإحرام قبل الميقات علىٰ ما تقدّم (٥) ، فلا يجوز في القضاء ؛ لأنّه تابع .

وأمّا في العمرة : فلأنّ الإحرام من أدنىٰ الحِلّ هو الواجب في الأداء ، فكذا في القضاء .

__________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٧٦ ـ ٤٧٧ ، المجموع ٧ : ٤١٦ ، المغني ٣ : ٥١٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٦ .

(٢) المغني ٣ : ٥١٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٦ .

(٣) انظر : بدائع الصنائع ٢ : ٢١٩ ، والمبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ١١٩ ، وفتح العزيز ٧ : ٤٧٧ ، والمجموع ٧ : ٤١٦ ، والمغني ٣ : ٤٩٩ و ٥١٨ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٢٥ و ٣٢٦ .

(٤) المجموع ٧ : ٤١٥ ـ ٤١٦ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧٥ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٣٣ .

(٥) تقدّم في ج ٧ ص ١٩٥ ، المسألة ١٤٩ .

٥٠
 &

ولأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر عائشة أن تقضي عمرتها من التنعيم (١) .

وقال الشافعي : إذا أفسد الحجّ والعمرة ، لزمه القضاء من حيث أحرم بالأداء ـ وبه قال أحمد ـ لأنّ كلّ مسافة وجب عليه قطعها مُحْرماً في الأداء وجب عليه في القضاء ، كما لو أحرم قبل الميقات (٢) .

ونحن نقول بموجبه ؛ لأنّه لا يجب عليه قطع المسافة مُحْرماً إلّا من الميقات .

وينتقض : بأنّه لا يجب عليه في القضاء سلوك طريق الأداء إجماعاً ، لكنّ الشافعي أوجب الإحرام من المحاذي للأوّل (٣) .

مسألة ٤٢٢ : إذا أفسد في القضاء ، وجب عليه بدنة اُخرىٰ ، وإتمام القضاء ، والقضاء من قابل‌ ؛ للعمومات ، ويلزمه أن يأتي بالقضاء ، ولا يتكرّر عليه ، بل إذا أتىٰ بحجّة واحدة ، كفاه .

وكذلك إن تكرّر إفساد القضاء ، كفاه قضاء واحد ؛ لأنّ الحجّ الواجب واحد ، فإذا لم يأت به علىٰ وجهه ، وجب عليه الإتيان به علىٰ وجهه .

ولا يجب عليه أن يأتي بقضاء آخر عوضاً عن إفساد القضاء بمفرده ، بل إذا أتىٰ في السنة الثالثة بحجّة صحيحة ، كفاه عن الفاسد ابتداءً وقضاءً .

ولو أفسد الثالث ، كفاه في الرابعة إتيان حجّة صحيحة عن جميع ما تقدّمه ؛ لأنّ الفاسد إذا انضمّ إليه القضاء ، أجزأ عمّا كان يجزئ عنه الأداء لو لم يفسده ، فهذا القضاء الذي أفسده إذا أتىٰ بعده بالقضاء ، أجزأ عمّا كان

__________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ٤ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٨٠ / ١٣٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٩٩٧ ـ ٩٩٩ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٧٣ / ٩٢٤ .

(٢) الحاوي الكبير ٤ : ٢٣٣ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧٤ ، المجموع ٧ : ٣٨٩ ـ ٣٩٠ و ٤١٥ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٠ ، المغني ٣ : ٣٨٤ ـ ٣٨٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٤ .

(٣) المجموع ٧ : ٣٩٠ .

٥١
 &

يجزئ عنه الفاسد لو كان صحيحاً ، ولو كان صحيحاً ، سقط به قضاء الأوّل ، كذلك إذا قضاه ، وهذا يقتضي أن يكون هذا القضاء عن القضاء الفاسد .

مسألة ٤٢٣ : لو عقد المُحْرم لمُحْرمٍ علىٰ امرأة ودخل المُحْرم ، وجبت علىٰ العاقد الكفّارة‌ ، كما تجب علىٰ الواطئ . وكذا لو كان العاقد مُحِلّاً ، لرواية سماعة عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « لا ينبغي للرجل الحلال أن يُزوّج مُحْرماً يعلم أنّه لا يحلّ له » قلت : فإن فعل فدخل بها المُحْرم ، قال : « إن كانا عالمين فإنّ علىٰ كلّ واحد منهما بدنة ، وعلىٰ المرأة إن كانت مُحْرمةً ، وإن لم تكن مُحْرمةً ، فلا شي‌ء عليها إلّا أن تكون قد علمت أنّ الذي تزوّجها مُحْرم ، فإن كانت علمت ثم تزوّجته فعليها بدنة » (١) .

مسألة ٤٢٤ : لو نظر إلىٰ غير أهله فأمنىٰ ، لم يفسد حجّه‌ ، ووجب عليه بدنة ، فإن عجز ، فبقرة ، فإن عجز ، فشاة ، عند علمائنا ـ وبعدم الإفساد قال ابن عباس وأبو حنيفة والشافعي وأحمد (٢) ـ لأنّه إنزال عن غير مباشرة ، فأشبه الإنزال عن الفكر والاحتلام .

وقال مالك : إن ردّد النظر حتىٰ أمنىٰ ، وجب عليه الحجّ من قابل ـ وبه قال الحسن البصري وعطاء ـ لأنّه إنزال بفعل محظور ، فأشبه الإنزال بالمباشرة (٣) .

والفرق : أنّ المباشرة أبلغ في اللذّة ، وآكد في استدعاء الشهوة ، والفاحشة فيها أعظم .

ولو نظر إلىٰ غير أهله ولم يكرّر النظر أو كرّره حتىٰ أمنىٰ ، وجب عليه البدنة عندنا ؛ لأنّه إنزال بفعل محظور ، فأوجب البدنة ، كالجماع فيما

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٧٢ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٣٣٠ ـ ٣٣١ / ١١٣٨ .

(٢ و ٣) المغني ٣ : ٣٣٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٩ ، المجموع ٧ : ٤١٣ .

٥٢
 &

دون الفرج .

ولقول الباقر عليه‌السلام في رجل مُحْرم نظر إلىٰ غير أهله فأنزل : « عليه جزور أو بقرة ، فإن لم يجد فشاة » (١) .

وقال ابن عباس وأحمد في إحدىٰ الروايتين : إن كرّر النظر ، وجبت بدنة ، وإن لم يكرّر ، فشاة (٢) .

وقال في الاُخرىٰ : تجب شاة مطلقاً . وهو قول سعيد بن جبير وإسحاق (٣) .

وقال أبو ثور : لا شي‌ء عليه مطلقاً (٤) . وبه قال أبو حنيفة ـ حكايةً (٥) عنه ـ [ و ] (٦) الشافعي (٧) .

ولو كرّر النظر حتىٰ أمذىٰ ، لم يجب عليه شي‌ء ؛ لأصالة براءة الذمّة .

وقال أحمد : يجب به دم ؛ لأنّه جزء من المني (٨) . وليس بشي‌ء .

ولو كرّر النظر ولم يقترن به مني ولا مذي ، لم يكن عليه شي‌ء ، ولا نعلم فيه خلافاً ، إلّا رواية عن أحمد أنّه مَنْ جرّد امرأته ولم يكن منه غير التجريد : أنّ عليه شاة (٩) . وليس بشي‌ء .

ولو فكّر فأنزل ، لم يكن عليه شي‌ء ؛ لأنّ الفكر يعرض الإنسان من

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٢٥ / ١١١٦ .

(٢ ـ ٤) المغني ٣ : ٣٣٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٩ ، المجموع ٧ : ٤١٣ .

(٥) « حكاية » : صحّفت في « ف ، ط » والطبعة الحجرية إلىٰ « حكاه » وسقطت في « ن » والصحيح ما أثبتناه اعتماداً علىٰ منتهىٰ المطلب ـ للمصنّف ـ ٢ : ٨٤٢ والمغني ٣ : ٣٣٦ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٤٩ .

(٦) أضفناها لأجل السياق .

(٧) المغني ٣ : ٣٣٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٩ ، المجموع ٧ : ٤١٣ .

(٨) المغني ٣ : ٣٣٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٩ .

(٩) المغني ٣ : ٣٣٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٩ ـ ٣٥٠ .

٥٣
 &

غير اختيار ، فلا تتعلّق به عقوبة .

مسألة ٤٢٥ : لو نظر إلىٰ أهله مَنْ غير شهوة ، لم يكن عليه شي‌ء ، سواء أمنىٰ أو لا ؛ لأنّ النظر إلىٰ الزوجة سائغ ، بخلاف الأجنبية .

ولأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادقَ عليه‌السلام ـ في الصحيح ـ عن مُحْرم نظر إلىٰ امرأته فأمنىٰ أو أمذىٰ وهو مُحْرم ، قال : « لا شي‌ء عليه » (١) .

وإن نظر إليها بشهوة فأمنىٰ ، كان عليه بدنة ، عند علمائنا ـ ولم يفرّق العامّة بين الزوجة والأجنبية ، بل حكموا بما قلناه عنهم أوّلاً (٢) مطلقاً ـ لقول الصادق عليه‌السلام ـ في الصحيح ـ : « ومَنْ نظر إلىٰ امرأته نظرة بشهوة فأمنىٰ فعليه جزور » (٣) .

مسألة ٤٢٦ : لو مسّ امرأته بشهوة ، فعليه شاة ، سواء أمنىٰ أو لم يُمْن ، وإن كان بغير شهوة ، لم يكن عليه شي‌ء ، سواء أمنىٰ أو لم يُمْن ، ويكون حجّه صحيحاً علىٰ كلّ تقدير ، سواء كان ذلك قبل الوقوف بالموقفين أو بعده ، عند علمائنا ـ وبه قال الشافعي وأبو حنيفة (٤) ـ لأنّه استمتاع لا يجب بنوعه الحدّ ، فلا يفسد الحجّ ، كما لو أنزل . وإنّما وجبت الشاة ؛ لأنّه فَعَل مُحرَّماً في إحرامه ، فوجبت الفدية .

ولأنّ محمّد بن مسلم سأل الصادقَ عليه‌السلام ـ في الصحيح ـ عن رجل حمل امرأته وهو مُحْرم فأمنىٰ أو أمذىٰ ، فقال : « إن حملها أو مسّها بشهوة فأمنىٰ أو لم يُمْن ، أمذىٰ أو لم يُمْذ ، فعليه دم يهريقه ، فإن حملها أو مسّها

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٧٥ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣٢٥ / ١١١٧ ، الاستبصار ٢ : ١٩١ / ٦٤٢ .

(٢) في المسألة السابقة .

(٣) الكافي ٤ : ٣٧٦ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٣٢٦ / ١١٢١ ، الاستبصار ٢ : ١٩١ / ٦٤١ .

(٤) المجموع ٧ : ٤١١ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٩٥ ، المغني ٣ : ٣٣١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٨ .

٥٤
 &

بغير شهوة فأمنىٰ أو لم يُمْن ، فليس عليه شي‌ء » (١) .

وقال مالك : إذا أنزل مع المسّ ، فسد حجّه ـ وهو إحدىٰ الروايتين عن أحمد ـ لأنّها عبادة يفسدها الوطء ، فأفسدها الإنزال عن المباشرة ، كالصوم (٢) .

والفرق : أنّ الصوم يفسد بفعل جميع ما وجب الإمساك عنه لأجله ، بخلاف الحجّ .

مسألة ٤٢٧ : لو قبَّل امرأته ، فإن كان بشهوة ، كان عليه جزور ، وإن كان بغير شهوة ، كان عليه شاة ، ولا يفسد حجّه علىٰ كلّ تقدير ، وسواء كان قبل الوقوف بالموقفين أو بعده ـ ووافقنا علىٰ عدم الإفساد سعيد بن المسيّب وعطاء وابن سيرين والزهري وقتادة والثوري والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي (٣) ـ لأنّه إنزال بغير وطء ، فلم يفسد به الحجّ ، كالإنزال عن نظر .

وقال مالك : إن أنزل ، فسد حجّه ـ وهو إحدىٰ الروايتين عن أحمد ، ورواية عن سعيد بن جبير ـ لأنّه إنزال عن سبب مُحرَّم ، فأفسد الحجّ ، كالإنزال عن الجماع (٤) .

والفرق ظاهر ؛ فإنّ الجماع أبلغ أنواع الاستمتاع ، ولهذا أفسد الحجّ مع الإنزال وعدمه .

إذا عرفت هذا ، فالشيخ ـ رحمه‌الله ـ أوجب الشاة في التقبيل بغير شهوة

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٢٦ / ١١٢٠ .

(٢) المغني ٣ : ٣٣١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٨٠ .

(٣) المغني ٣ : ٣٣٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٥ ، المجموع ٧ : ٤٢١ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢١٦ .

(٤) المغني ٣ : ٣٣٢ و ٣٣٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٨٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٥ .

٥٥
 &

مطلقاً ، والبدنة فيه مع الشهوة مطلقاً (١) ، ولم يعتبر الإنزال ؛ لأنّ علي بن أبي حمزة سأل الكاظمَ عليه‌السلام : عن رجل قبَّل امرأته وهو مُحْرم ، قال : « عليه بدنة وإن لم ينزل ، وليس له أن يأكل منه » (٢) .

وقال ابن إدريس : إن قبَّل بشهوة وأنزل ، وجبت البدنة ، وإن لم ينزل ، وجبت الشاة (٣) ؛ للأصل .

ولما رواه مسمع ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه‌السلام : « إنّ حال المُحْرم ضيّقة ، إن قبَّل امرأته علىٰ غير شهوة وهو مُحْرم ، فعليه دم شاة ، ومَنْ قبَّل امرأته علىٰ شهوة ، فعليه جزور ، ويستغفر الله » (٤) .

وهو الأقرب .

ويجوز للمُحْرم أن يُقبِّل اُمّه حال الإحرام ؛ لأنّ الحسين بن حمّاد سأل الصادقَ عليه‌السلام : عن المُحْرم يُقبِّل اُمّه ، قال : « لا بأس به ، هذه قُبْلة رحمة ، إنّما تكره قُبْلة الشهوة » (٥) .

ولو لاعب امرأته وهو مُحْرمٌ فأمنىٰ ، كان عليه بدنة ؛ لأنّه إنزال عن سبب مُحرَّم ، فوجبت البدنة ، كما لو أنزل عن نظر .

وهل يجب عليها الكفّارة ؟ نصّ الشيخ في التهذيب والمبسوط عليه (٦) ؛ لأنّه أنزل بملاعبة منها لَه ، فوجب عليها بدنة ، كالجماع .

ولأنّ عبد الرحمن بن الحجّاج سأل الصادقَ عليه‌السلام : عن الرجل يعبث

__________________

(١) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٣٨ .

(٢) الكافي ٤ : ٣٧٦ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٣٢٧ / ١١٢٣ .

(٣) السرائر : ١٣٠ .

(٤) الكافي ٤ : ٣٧٦ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٣٢٦ / ١١٢١ ، الاستبصار ٢ : ١٩١ / ٦٤١ .

(٥) الكافي ٤ : ٣٧٧ / ٩ ، التهذيب ٥ : ٣٢٨ / ١١٢٧ .

(٦) التهذيب ٥ : ٣٢٧ ذيل الحديث ١١٢٣ ، المبسوط ١ : ٣٣٨ .

٥٦
 &

بامرأته حتىٰ يمني وهو مُحْرم من غير جماع ، أو يفعل ذلك في شهر رمضان ، ماذا عليهما ؟ فقال : « عليهما جميعاً الكفّارة مثل ما علىٰ الذي يجامع » (١) .

ولو سمع كلام امرأة أو استمع علىٰ مَنْ يجامع من غير رؤية لهما فتشاهىٰ فأمنىٰ ، لم يكن عليه شي‌ء ؛ لتعذّر التحرّز عن مثل ذلك ، فلو وجبت العقوبة لزمه الحرج .

أمّا لو كان برؤية ، فإنّه تجب عليه الكفّارة علىٰ ما تقدّم ؛ لأنّ أبا بصير سأل الصادقَ عليه‌السلام ـ في الحسن ـ عن رجل سمع كلام امرأة من خلف حائط وهو مُحْرم فتشاهىٰ حتىٰ أنزل ، قال : « ليس عليه شي‌ء » (٢) .

وسأله سماعة بن مهران في مُحْرم استمع علىٰ رجل يجامع أهله فأمنىٰ ، قال : « ليس عليه شي‌ء » (٣) .

قال المفيد رحمه‌الله : لو قبَّل امرأته وهو مُحْرم ، فعليه بدنة ، أنزل أو لم ينزل ، فإن هوت المرأة ذلك ، كان عليها مثل ما عليه (٤) .

مسألة ٤٢٨ : قد بيّنّا أنّه إذا أفسد حجّه ، وجب عليه إتمامه ، خلافاً لجماعة الظاهرية (٥) .

وقال مالك : يجعل الحجّة عمرةً ، ولا يقيم علىٰ الحجّ الفاسد (٦) .

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٧٦ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٣٢٧ / ١١٢٤ .

(٢) الكافي ٤ : ٣٧٧ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٢٧ ـ ٣٢٨ / ١١٢٥ .

(٣) التهذيب ٥ : ٣٢٨ / ١١٢٦ .

(٤) المقنعة : ٦٨ .

(٥) المحلّىٰ ٧ : ١٨٩ ـ ١٩٠ ، المجموع ٧ : ٤١٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٣ .

(٦) الشرح الكبير ٣ : ٣٢٣ .

٥٧
 &

وليس بجيّد ؛ لما تقدّم .

ولا يحلّ من الفاسد ، بل يجب عليه أن يفعل بعد الفساد كلّ ما يفعله لو كان صحيحاً ، ولا يسقط عنه توابع الوقوف من المبيت بالمزدلفة والرمي وغيرهما .

ويحرم عليه بعد الفساد كلّ ما كان مُحرَّماً عليه قبله من الوطء ثانياً وغيره من المُحرّمات .

ولو جنىٰ في الإحرام الفاسد ، وجب عليه ما يجب في الإحرام الصحيح .

ويجب عليه القضاء من قابل ، سواء كانت الفاسدة واجبةً بأصل الشرع أو النذر ، أو كانت تطوّعاً ، ولا نعلم فيه خلافاً . ويجب علىٰ الفور .

ولو أفسد القضاء ، لم يجب قضاؤه ، وإنّما يقضي عن الحجّ الأوّل .

ولو أحصر في حجّ فاسد ، فله التحلّل إجماعاً ؛ لأنّه يباح له في الصحيح ففي الفاسد أولىٰ .

فلو أحلّ فزال الحصر وفي الوقت سعة ، فله أن يقضي في ذلك العام ، ولا يتصوّر القضاء في عام الإفساد في غير هذه الصورة .

ولو حجّ تطوّعاً فأفسده ثم اُحصر ، كان عليه بدنة للإفساد ودم للإحصار ، ويكفيه قضاء واحد في القابل ؛ لأنّ المقضي واحد .

ويجب القضاء علىٰ الفور ـ وهو أحد قولي الشافعي (١) ـ لأنّه لزم وتضيّق بالشروع .

ولقول الصحابة والأئمّة عليهم‌السلام : إنّه يقضي من قابل .

وللشافعي قول آخر : إنّه علىٰ التراخي ، كالأصل .

__________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٧٣ ـ ٤٧٤ .

٥٨
 &

ولأنّ الوقت قد فات ، واستوت بعده الأوقات (١) .

وقد بيّنّا فساده .

وله ثالث : إنّه إن وجبت الكفّارة بعُدْوان فعل ، فعلىٰ الفور ؛ لأنّ التراخي نوع [ ترفيه ] (٢) وإن لم يكن بعُدوان ، فعلىٰ التراخي (٣) .

وأجرىٰ الجويني الخلاف في التعدّي بترك الصوم هل هو علىٰ الفور أو علىٰ التراخي ؟ وكذا الصلاة .

أمّا ما يجب فيه القتل ، كترك الصلاة عمداً مع تخلّل التعزير ثلاث مرّات ، فإنّه يجب فيه الفور (٤) .

وأمّا ما لا عدوان فيه ، فللشافعي وجهان تقدّما :

أحدهما : الفور ؛ لقوله عليه‌السلام : ( فليصلّها إذا ذكرها ) .

والثاني : جواز التأخير ؛ لما رووه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه فاتته صلاة الصبح ، فلم يصلّها حتىٰ خرج من الوادي (٥) .

وقد عرفت أنّه يُحْرم في القضاء من الميقات .

وقال الشافعي : إن أحرم قبل الميقات ، أحرم في القضاء من ذلك المكان . وقد سبق (٦) .

ولو جاوزه ، أراق دماً ، كما لو جاوز الميقات الشرعي .

وإن كان قد أحرم من الميقات ، فعليه في القضاء مثله .

وإن كان قد أحرم بعد مجاوزة الميقات ، فإن كان مُسيئاً بتجاوزه ،

__________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٧٣ .

(٢) « ترفيه » : صحّفت في « ف » والطبعة الحجرية بـ « تفرقة » ولم يتبيّن لنا اللفظ في « ط ، ن » لسقوطه فيهما ، وما أثبتناه من المصدر .

(٣ و ٤) فتح العزيز ٧ : ٤٧٤ .

(٦) سبق في المسألة ٤٢١ .

٥٩
 &

لزمه في القضاء أن يُحْرم من الميقات ، وليس له أن يُسي‌ء ثانياً ، وإن جاوزه غير مُسي‌ء بأن لم يرد النسك ثم بدا له فأحرم ثم أفسد ، فوجهان :

أحدهما : أنّه يحرم في القضاء من الميقات الشرعي ؛ لأنّه الواجب في الأصل .

وأصحّهما عندهم : أنّه يُحْرم من ذلك الموضع ، ولا يلزمه الميقات الشرعي ؛ سلوكاً بالقضاء مسلك الأداء .

ولهذا لو اعتمر المتمتّع من الميقات ثم أحرم بالحجّ من مكّة وأفسده ، لا يلزمه في القضاء أن يُحْرم من الميقات ، بل يكفيه أن يُحْرم من جوف مكّة (١) .

ولو أفرد الحج ثم أحرم بالعمرة من أدنىٰ الحلّ ثم أفسدها ، يكفيه أن يُحرم في قضائها من أدنىٰ الحلّ .

والوجهان (٢) مفروضان فيما إذا لم يرجع إلىٰ الميقات فما فوقه ، أمّا إذا رجع ثم عاد ، فلا بُدّ من الإحرام من الميقات .

وإذا خرجت المرأة للقضاء ، ففي وجوب ما زاد من النفقة بسبب السفر علىٰ الزوج وجهان (٣) .

وإذا خرجا معاً للقضاء ، فليفترقا في الموضع الذي اتّفقت الإصابة فيه .

وللشافعي قولان في وجوبه :

ففي القديم : نعم ـ وبه قال أحمد (٤) ـ لقول ابن عباس : فإذا أتيا المكان الذي أصابا فيه ما أصابا تفرّقا (٥) .

__________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٧٤ .

(٢ و ٣) الوجهان في فتح العزيز ٧ : ٤٧٥ و ٤٧٦ .

(٤) المغني ٣ : ٣٨٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٤ .

(٥) سنن البيهقي ٥ : ١٦٥ ، المغني ٣ : ٣٨٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٤ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧٦ .

٦٠