تذكرة الفقهاء - ج ٨

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٨

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-051-X
الصفحات: ٥٠٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

ويستحب له أن يشرب من زمزم إجماعاً ؛ لما رواه العامّة : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا أفاض نزع (١) هو لنفسه بدلو من بئر زمزم ولم ينزع معه أحد ، فشرب ثم أفرغ باقي الدلو في البئر (٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه‌السلام : « ثم ائت زمزم فاشرب منها ثم اخرج » (٣) .

مسألة ٦٩٦ : الحائض لا طواف عليها للوداع ولا فدية عليها‌ بإجماع فقهاء الأمصار . ويستحب لها أن تودّع من أدنىٰ باب من أبواب المسجد ، ولا تدخله إجماعاً .

وروي عن عمر وابنه أنّهما قالا : تقيم الحائض لطواف الوداع (٤) .

وليس بمعتمد ؛ لما رواه العامّة : أنّ اُم سليم بنت ملحان استفتت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد حاضت أو ولدت بعد ما أفاضت يوم النحر ، فأذن لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فخرجت (٥) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه‌السلام : « إذا أرادت الحائض أن تودّع البيت فلتقف علىٰ أدنىٰ باب من أبواب المسجد فلتودّع البيت » (٦) .

__________________

(١) نزعت الدلو : إذا أخرجتها . النهاية ـ لابن الأثير ـ ٥ : ٤١ « نزع » .

(٢) لم نعثر عليه في مظانّه ، والموجود في المصادر التالية في صفة حجّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله هكذا : . . . ثم أفاض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلىٰ البيت فصلّىٰ بمكّة الظهر ، ثم أتىٰ بني عبد المطلب وهم يسقون علىٰ زمزم فقال : ( انزعوا بني عبد المطلب ، فلو لا أن يغلبكم الناس علىٰ سقايتكم لنزعت معكم ) فناولوه دلواً فشرب منه . صحيح مسلم ٢ : ٨٩٢ ذيل الحديث ١٢١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٦ / ١٩٠٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٧ / ٤٠٧٤ ، سنن البيهقي ٥ : ١٤٦ ـ ١٤٧ .

(٣) الكافي ٤ : ٥٣٠ ـ ٥٣١ / ١ ، التهذيب ٥ : ٢٨٠ ـ ٢٨١ / ٩٥٧ .

(٤) المغني ٣ : ٤٩٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٠٥ .

(٥) الموطّأ ١ : ٤١٣ / ٢٢٩ .

(٦) الكافي ٤ : ٤٥٠ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٣٩٨ / ١٣٨٣ .

٣٨١
 &

ولأنّ إلزامها بالمقام مشقّة عظيمة .

والمستحاضة تودّع بطواف ، ولو فقدت الماء تيمّمت وطافت .

ولو طهرت الحائض قبل مفارقة بنيان مكّة ، استحبّ لها العود والاغتسال والطواف . وأوجبه الموجبون ، وإن كان بعد مفارقة البنيان ، لم تعد إجماعاً ؛ للمشقّة ، بخلاف مَنْ خرج متعمّداً ، فإنّه يعود ما لم يبلغ مسافة القصر ؛ لأنه ترك واجباً ، فلا يسقط بمفارقة البنيان ، وها هنا لم يجب ، فلا يجب بعد الانفصال إذا أمكن ، كما يجب علىٰ المسافر إتمام الصلاة في البنيان ، ولا يجب بعد الانفصال .

مسألة ٦٩٧ : يستحبّ لمن أراد الخروج من مكّة أن يشتري بدرهم تمراً يتصدّق به ليكون كفّارةً لما دخل عليه حال الإحرام من فعل حرام أو مكروه .

قال الصادق عليه‌السلام ـ في الصحيح ـ : « يستحبّ للرجل والمرأة أن لا يخرجا من مكّة حتىٰ يشتريا بدرهم تمراً يتصدّقان به لما كان منهما في إحرامهما ، ولما كان في حرم الله عزّ وجلّ » (١) .

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٩٠ / ١٤٣٠ .

٣٨٢
 &

المقصد الرابع في اللواحق‌

وفيه فصول :

٣٨٣
 &

تذكرة الفقهاء الجزء الثامن العلامة الحلي

٣٨٤
 &

الأول في الحصر والصدّ‌

وفيه مباحث :

الأوّل : في الصدّ .

مسألة ٦٩٨ : الحصر عندنا هو المنع من تتمّة أفعال الحجّ بالمرض خاصّة ، والصدّ بالعدوّ ، وعند العامّة هما واحد من جهة العدوّ (١) . والأصل عدم الترادف .

قال الصادق عليه‌السلام ـ في الصحيح ـ : « المحصور غير المصدود ، فإنّ المحصور هو المريض ، والمصدود هو الذي يردّه المشركون كما ردّوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ليس من مرض ، والمصدود تحلّ له النساء ، والمحصور لا تحلّ له » (٢) .

والقارن إذا اُحصر ، فليس له أن يتمتّع في القابل ، بل يفعل مثل ما دخل فيه .

مسألة ٦٩٩ : إذا أحرم الحاجّ ، وجب عليه إكمال ما أحرم له من حجّ أو عمرة‌ ، فإذا صدّه المشركون أو غيرهم عن الوصول إلىٰ مكّة بعد إحرامه ، ولا طريق له سوىٰ موضع الصدّ ، أو كان له طريق لا تفي نفقته بسلوكه ، تحلّل بالإجماع .

__________________

(١) المغني ٣ : ٣٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٠ ، تفسير القرطبي ٢ : ٣٧١ .

(٢) التهذيب ٥ : ٤٢٣ / ١٤٦٧ .

٣٨٥
 &

قال الله تعالىٰ : ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) (١) أي : إذا اُحصرتم فتحلّلتم أو أردتم التحلّل فما استيسر من الهدي ؛ لأنّ نفس الإحصار لا يوجب هدياً .

وروىٰ العامّة : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر أصحابه يوم حُصروا في الحديبية ـ وهي اسم بئر خارج الحرم ـ أن ينحروا ويحلقوا ويحلّوا (٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه‌السلام : « المصدود تحلّ له النساء » (٣) .

وسواء كان الإحرام للحجّ أو العمرة وبأيّ أنواع الحجّ أحرم جاز له التحلّل مع الصدّ ، عند علمائنا ـ وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد (٤) ـ لعموم الآية (٥) .

ولأنّها نزلت في صدّ الحديبيّة ، وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه مُحْرمين بعمرة فتحلّلوا جميعاً .

وقال مالك : المعتمر لا يتحلّل ؛ لأنّه لا يخاف الفوات (٦) .

ولو كان له طريق غير موضع الصدّ ، فإن كان معه نفقة تكفيه ، لم يكن له التحلّل ، واستمرّ علىٰ إحرامه ، ووجب عليه سلوكها وإن بعدت ، سواء خاف الفوات أو لا .

__________________

(١) البقرة : ١٩٦ .

(٢) صحيح البخاري ٣ : ١٢ ، المغني ٣ : ٣٧٤ .

(٣) الكافي ٤ : ٣٦٩ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٣٠٤ ـ ٣٠٥ / ١٥١٢ ، التهذيب ٥ : ٤٢٣ / ١٤٦٧ .

(٤) المغني ٣ : ٣٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٠ ، الاُمّ ٢ : ١٦٢ ، مختصر المزني : ٧٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٤٥ ـ ٣٤٦ ، المجموع ٨ : ٢٩٤ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٧٧ .

(٥) البقرة : ١٩٦ .

(٦) المغني ٣ : ٣٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٠ ، فتح العزيز ٨ : ٤ ، المجموع ٨ : ٣٥٥ .

٣٨٦
 &

فإن كان مُحرماً بعمرة لم تفت ، فلا يجوز له التحلّل ، وإن كان بحجٍّ ، صبر حتىٰ يتحقّق الفوات ثم يتحلّل بعمرة ، وليس له قبله التحلّل والإتيان بالعمرة بمجرّد خوف الفوات ؛ لأنّ التحلّل إنّما يجوز بالحصر لا بخوف الفوات ، وهذا غير مقصود هنا ، فإنّه يجب أن يمضي علىٰ إحرامه في ذلك الطريق ، فإذا أدرك الحجّ ، أتمّه ، وإن فاته ، تحلّل بعمرة وقضاه .

ولو قصرت نفقته ، جاز له التحلّل ؛ لأنّه ممنوع مصدود ولا طريق له سوىٰ موضع المنع لعجزه عن الباقي ، فيتحلّل ويرجع إلىٰ بلده .

قال الصادق عليه‌السلام ـ في الصحيح ـ : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث صدّه المشركون يوم الحديبيّة نحر بدنة ورجع إلىٰ المدينة » (١) .

مسألة ٧٠٠ : المصدود يتحلّل بالهدي ونيّة التحلّل خاصّةً .

أمّا الهدي : فعليه فتوىٰ أكثر العلماء (٢) ؛ للآية (٣) .

قال الشافعي : لا خلاف بين المفسّرين في أنّ قوله تعالىٰ : ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ ) (٤) نزلت في حصر الحديبيّة (٥) .

ولأنّه عليه‌السلام حيث صدّه المشركون يوم الحديبيّة نحر بدنة ، ورجع إلىٰ المدينة (٦) ، وفِعْلُه بيان للواجب .

ولأنّه اُبيح له التحلّل قبل أداء نسكه ، فكان عليه الهدي ، كالفوات .

وقال ابن إدريس من علمائنا : الهدي مختصّ بالمحصور لا بالصدّ (٧) ؛

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٢٤ / ١٤٧٢ .

(٢) المغني ٣ : ٣٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٠ .

(٣ و ٤) البقرة : ١٩٦ .

(٥) المغني ٣ : ٣٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٠ .

(٦) التهذيب ٥ : ٤٢٤ / ١٤٧٢ .

(٧) كذا ، والظاهر : المصدود .

٣٨٧
 &

لأصالة البراءة ، ولقوله تعالىٰ : ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ ) (١) أراد : بالمرض ؛ لأنّه يقال : أحصره المرض وحصره العدوّ (٢) . وبه قال مالك ؛ لأنّه تحلّل اُبيح له من غير تفريط فأشبه مَنْ أتمّ حجّه (٣) .

والفرق : أنّ مَنْ أتمّ حجّه لم يبق عليه شي‌ء من النسك ، فتحلّله لأداء مناسكه ، بخلاف المصدود الذي لم يتم نسكه .

وأمّا النيّة : فلأنّه خروج من إحرام ، فيفتقر إليها ، كالداخل فيه . ولأنّ الذبح إنّما يختصّ بالتحلّل بالنيّة . ولأنّه عمل فيفتقر إلىٰ النيّة ، وبه قال الشافعي (٤) .

ولو نوىٰ التحلّل قبل الهدي ، لم يتحلّل ، وكان علىٰ إحرامه حتىٰ ينحر الهدي ؛ لأنّه اُقيم مقام أفعال الحجّ ، فلا يحلّ له ، كما لا يتحلّل القادر علىٰ أفعال الحجّ قبل فعلها ، ولا فدية عليه في نيّة التحلّل ، لعدم تأثيرها في العبادة ، فإن فَعَل شيئاً من محظورات الإحرام قبل الهدي ، فعليه الفداء ؛ لأنّه مُحْرم فَعَلَ محظوراً في إحرام صحيح ، فكان عليه فديته ، كالقادر .

مسألة ٧٠١ : لا بدل لهدي التحلّل‌ ، فلو عجز عنه وعن ثمنه ، لم ينتقل إلىٰ غيره ، ويبقىٰ علىٰ إحرامه ، ولو تحلّل لم يحلّ ـ وبه قال مالك وأبو حنيفة والشافعي في أحد القولين (٥) ـ لقوله تعالىٰ : ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا

__________________

(١) البقرة : ١٩٦ .

(٢) السرائر : ١٥١ .

(٣) بداية المجتهد ١ : ٣٥٥ و ٣٥٧ ، تفسير القرطبي ٢ : ٣٧٣ ، المغني ٣ : ٣٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٠ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٥٠ .

(٤) فتح العزيز ٨ : ١٦ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٤١ ، المجموع ٨ : ٣٠٤ .

(٥) تفسير القرطبي ٢ : ٣٧٣ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٨٠ ، المغني ٣ : ٣٧٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٤ ، فتح العزيز ٨ : ٨٠ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٥٤ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٤١ ، المجموع ٨ : ٣٠٣ ، روضة الطالبين ٢ : ٤٥٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٥٦ ـ ٣٥٧ .

٣٨٨
 &

اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) (١) ولو كان الصوم أو الإطعام بدلاً ، لجاز الحلق قبل الهدي .

ولأنّ الهدي اُقيم مقام الأعمال ولو قدر علىٰ الأعمال لم يتحلّل إلّا بها ، فإذا عجز لا يتحلّل إلّا ببدلها .

والقول الثاني للشافعي ـ وهو الصحيح عندهم ـ : إنّه يتحلّل في الحال ، فينتقل إلىٰ صوم التعديل في قول ، وفي آخر : إلىٰ الإطعام ، وفي ثالث : إلىٰ الصوم ، ويحلّ به ، وهو أن يقوّم شاة وسط بالطعام ، فيصوم بإزاء كلّ مُدٌّ يوماً ، وفي رابع : يتخيّر بين الإطعام والصيام (٢) .

وعلىٰ قوله الأوّل بعدم الانتقال يكون في ذمّته ، ففي جواز التحلّل حينئذٍ له قولان : أحدهما : أنّه يبقىٰ مُحْرماً إلىٰ أن يهدي ، والثاني ـ وهو الأشبه ـ أنّه يحلّ ثم يهدي إذا وجد (٣) .

وقال أحمد : إنّه ينتقل إلىٰ صيام عشرة أيّام (٤) .

إذا عرفت هذا ، فإذا ذبح هل يجب عليه الحلق أو التقصير أم لا ؟ قال أحمد في إحدىٰ الروايتين : لا بدّ مَنْ أحدهما ؛ لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حلق يوم الحديبيّة (٥) (٦) .

__________________

(١) البقرة : ١٩٦ .

(٢) فتح العزيز ٨ : ٨٠ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٥٤ ـ ٣٥٥ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٤١ ، المجموع ٨ : ٣٠٣ ، روضة الطالبين ٢ : ٤٥٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٥٧ .

(٣) الحاوي الكبير ٤ : ٣٥٤ ـ ٣٥٥ ، حلية العلماء ٣ : ٣٥٧ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٤١ ، المجموع ٨ : ٣٠٤ .

(٤) المغني ٣ : ٣٧٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٤ ، فتح العزيز ٨ : ٨٠ .

(٥) صحيح البخاري ٣ : ١٢ ، سنن البيهقي ٥ : ٢١٤ .

(٦) المغني ٣ : ٣٨٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٥ .

٣٨٩
 &

ويحتمل العدم ؛ لأنّه تعالىٰ ذكر الهدي وحده ، ولم يشرط سواه .

إذا ثبت هذا ، فلو كان المصدود قد ساق هدياً في إحرامه قبل الصدّ ثم صُدّ ، ففي الاكتفاء بهدي السياق عن هدي التحلّل قولان : أحدهما : الاكتفاء ؛ لقوله تعالىٰ : ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ ) (١) .

وقيل : لا بدّ من هدي آخر للسياق كما لو لم يسق .

مسألة ٧٠٢ : لا يختصّ مكان ولا زمان لنحر هدي التحلّل‌ وذبحه في المصدود ، بل يجوز نحره في موضع الصدّ ، سواء الحلّ والحرم ، ومتىٰ صُدّ جاز له الذبح في الحال ، والإحلال ؛ لقوله تعالىٰ : ( فَمَا اسْتَيْسَرَ ) (٢) ولم يعيّن زماناً خصوصاً مع الإتيان بالفاء ـ وبه قال مالك والشافعي (٣) ـ لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله نحر بالحديبيّة (٤) ، وهي خارج الحرم .

ولأنّه يؤدّي إلىٰ تعذّر الحلّ ؛ لتعذّر وصول الهدي محلّه مع مقاومة العدوّ .

وقال الصادق عليه‌السلام : « المحصور والمضطرّ ينحران بدنتهما في المكان الذي يضطرّان فيه » (٥) .

وقال الحسن وابن مسعود والشعبي والنخعي وعطاء وأبو حنيفة : لا ينحر إلّا بالحرم يبعث به ويواطئ مَنْ بعثه معه علىٰ نحره في وقت يتحلّل فيه ؛ لقوله تعالىٰ : ( وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) (٦) ثمّ

__________________

(١ و ٢) البقرة : ١٩٦ .

(٣) بداية المجتهد ١ : ٣٥٥ ، التمهيد ١٢ : ١٥٠ و ١٥ : ٢١٤ ، فتح العزيز ٨ : ١٧ ، المجموع ٨ : ٣٥٥ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٥٠ .

(٤) صحيح البخاري ٣ : ١٢ ، سنن البيهقي ٥ : ٢١٤ و ٢١٧ .

(٥) الفقيه ٢ : ٣٠٥ / ١٥١٣ .

(٦) البقرة : ١٩٦ .

٣٩٠
 &

قال : ( ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) (١) (٢) .

والآية في حقّ غير المصدود ، ولا يمكن قياس المصدود عليه ؛ لأنّ تحلّله في الحِلّ ، وتحلّل غيره في الحرم .

مسألة ٧٠٣ : لو صُدّ عن مكّة قبل الموقفين ، فهو مصدود‌ إجماعاً ، يجوز له التحلّل . ولو صُدّ عن الموقفين ، فكذلك عندنا ـ وبه قال الشافعي (٣) ـ لعموم الآية (٤) .

وقال أبو حنيفة ومالك : ليس له أن يتحلّل ، وليس بمصدود ، بل إن قدر علىٰ الأداء ، أدّىٰ ، وإن دام العجز حتىٰ مضىٰ الوقت ، فحكمه حكم مَنْ فاته الحجّ يتحلّل بأفعال العمرة ؛ لأنّ العجز في الحرم ليس مثل العجز خارج الحرم (٥) .

ويبطل بقوله [ تعالىٰ ] : ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ ) (٦) وهو عامّ .

ولو مُنع عن أحد الموقفين ، قال الشيخ رحمه‌الله : إنّه مصدود (٧) أيضاً .

ولو مُنع بعد الوقوف بالموقفين عن العود إلىٰ منىٰ لرمي الجمار والمبيت بها فلا صدّ ، وقد تمّ حجّه فيتحلّل ويستنيب مَنْ يرمي عنه .

__________________

(١) الحج : ٣٣ .

(٢) المغني ٣ : ٣٧٦ ـ ٣٧٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٣ ، بداية المجتهد ١ : ٣٥٥ ، التمهيد ١٢ : ١٥٠ و ١٥ : ٢١٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣٥٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٥٠ ـ ٣٥١ ، المجموع ٨ : ٣٥٥ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٧٩ ، أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ ١ : ٢٧٢ .

(٣) فتح العزيز ٨ : ٦٠ ، المجموع ٨ : ٣٠١ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٤٩ .

(٤) البقرة : ١٩٦ .

(٥) فتح العزيز ٨ : ٦٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٥٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٤٩ .

(٦) البقرة : ١٩٦ .

(٧) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٣٣ .

٣٩١
 &

ولو صُدّ بعد الوقوف بالموقفين قبل طواف الزيارة والسعي ، تحلّل أيضاً ؛ لأنّ الصدّ يفيد التحلّل من جميعه فمن بعضه أولىٰ . وله أن يبقىٰ علىٰ إحرامه ، فإن لحق أيّام منىٰ ، رمىٰ وحلق وذبح ، وإن لم يلحق ، أمر مَنْ ينوب عنه في ذلك ، فإذا تمكّن ، أتىٰ مكة فطاف طواف الحجّ وسعىٰ وتمّ حجّه أيضاً ، ولا قضاء عليه ، وإن لم يُقم علىٰ إحرامه حتىٰ يطوف ويسعىٰ وتحلّل ، كان عليه الحجّ من قابل ليأتي بأركان الحجّ من الطواف والسعي ، أمّا لو طاف وسعىٰ ومُنع من المبيت بمنىٰ والرمي ، فإنّ حجّه تامّ ؛ لما تقدّم .

ولو تمكّن من المبيت (١) وصُدّ عن الموقفين أو عن أحدهما ، جاز له التحلّل ؛ للعموم (٢) ، فإن لم يتحلّل وأقام علىٰ إحرامه حتىٰ فاته الوقوف ، فقد فاته الحجّ ، وعليه التحلّل (٣) بعمرة ، ولا دم عليه لفوات الحجّ .

وهل يجوز له فسخ نيّة الحجّ إلىٰ العمرة قبل الفوات ؟ إشكال ، قال به بعض الجمهور (٤) ؛ لأنّا أبحنا له ذلك من غير صدّ ، فمعه أولىٰ . ولا دم عليه .

ولو طاف وسعىٰ للقدوم ثم صُدّ حتىٰ فاته الحجّ ، طاف وسعىٰ ثانياً لعمرة اُخرىٰ ، ولا يجتزئ بالأوّل ؛ لأنّه لم يقصد به طواف العمرة ولا سعيها بل يجتزئ بالإحرام الأوّل ، ولا يجدّد إحراماً آخر ، وبه قال أحمد والشافعي وأبو ثور (٥) .

__________________

(١) أي : المبيت بمنىٰ . والظاهر أنّها تصحيف البيت .

(٢) البقرة : ١٩٦ .

(٣) في الطبعة الحجرية : وعليه أن يتحلّل .

(٤) المغني ٣ : ٣٧٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٦ .

(٥) المغني ٣ : ٣٧٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٦ .

٣٩٢
 &

وقال مالك : يخرج إلىٰ الحِلّ ، فيفعل ما يفعله المعتمر (١) .

وقال الزهري : لا بدّ أن يقف بعرفة (٢) .

وقال محمد بن الحسن : لا يكون محصراً بمكّة (٣) .

مسألة ٧٠٤ : إذا تحلّل وفاته الحجّ ، وجب عليه القضاء في القابل‌ إن كان الحجّ الفائت واجباً ، كحجّة الإسلام والنذر وغيره ، ولا يجب قضاء النفل عند علمائنا . وكذا العمرة يجب قضاء الواجب منها ، كعمرة الإسلام والنذر وغيره ، ولو كانت نفلاً ، لم يجب القضاء ؛ لأصالة براءة الذمّة .

وقال الشافعي : لا قضاء عليه بالتحلّل ، فإن كانت حجّة تطوّع أو عمرة تطوّع ، لم يلزمه قضاؤها بالتحلّل ، وإن كانت حجّة الإسلام أو عمرته وكانت قد استقرّت في ذمّته قبل هذه السنة ، فإذا خرج منها بالتحلّل ، فكأنّه لم يفعلها ، وكان باقياً في ذمّته علىٰ ما كان عليه ، وإن وجبت في هذه السنة ، سقط وجوبها ولم يستقرّ ؛ لفقدان بعض شرائط الحجّ ، فحينئذٍ التحلّل بالصدّ لا يوجب القضاء بحال (٤) . وبه قال مالك وأحمد في إحدىٰ الروايتين (٥) .

وقال أبو حنيفة : إذا تحلّل ، لزمه القضاء ، ثم إن كان إحرامه بعمرة مندوبة ، قضاها واجباً ، وإن كان بحجّة مندوبة فاُحصر ، تحلّل ، وعليه أن يأتي بحجّة وعمرة ، وإن كان قرن بينهما فاُحصر وتحلّل ، لزمه حجّة

__________________

(١) المغني ٣ : ٣٧٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٧ .

(٢ و ٣) المغني ٣ : ٣٧٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٦ .

(٤) فتح العزيز ٨ : ٥٦ ـ ٥٧ ، المجموع ٨ : ٣٠٦ ، روضة الطالبين ٢ : ٤٥٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٥٨ ، المغني ٣ : ٣٧٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٦ ، وحكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٤٢٦ ، المسألة ٣١٩ .

(٥) المغني ٣ : ٣٧٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٦ ، فتح العزيز ٨ : ٥٦ ، المجموع ٨ : ٣٥٥ .

٣٩٣
 &

وعمرتان : عمرة لأجل العمرة ، وحجّة وعمرة لأجل الحجّ (١) .

ويجي‌ء علىٰ مذهبه : إذا أحرم بحجّتين ، فإنّه ينعقد بهما ، وإنّما ينتقص عن أحدهما إذا أخذ في السير ، فإن اُحصر قبل أن يسير ، تحلّل منهما ، ولزمه حجّتان وعمرتان (٢) .

مسألة ٧٠٥ : لا فرق بين الصدّ العامّ ـ وهو الذي يصدّه المشركون وأصحابه ـ وبين الصدّ الخاصّ ، كالمحبوس بغير حقّ ومأخوذ اللصوص وحده ؛ لعموم النصّ (٣) ، ووجود المقتضي لجواز التحلّل ، وكذا يجب القضاء في كلّ موضع يجب فيه الصدّ العامّ ، وما لا يجب هناك لا يجب هنا ـ وهو أحد قولي الشافعي (٤) ـ لأصالة البراءة ، والعمومات . وفي الثاني : يجب القضاء (٥) .

والمحبوس بدَيْنٍ إن كان قادراً علىٰ أدائه ، فليس بمصدود ، وليس له التحلّل ، وإن كان عاجزاً ، تحلّل . وكذا يتحلّل لو حُبس ظلماً .

ولو كان عليه دَيْنٌ مؤجّل يحلّ قبل قدوم الحاجّ فمنعه صاحبه من الحجّ ، كان له التحلّل ؛ لأنّه معذور ؛ لعجزه .

ولو أحرم العبد مطلقاً أو الزوجة تطوّعاً بغير إذن السيّد والزوج ، كان لهما منعهما من الإتمام ، وتحلّلا من غير دم .

__________________

(١) بدائع الصنائع ٢ : ١٨٢ ـ ١٨٣ ، فتح العزيز ٨ : ٥٦ ، المجموع ٨ : ٣٥٥ ، حلية العلماء ٣ : ٣٥٨ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٥٢ ، المغني ٣ : ٣٧٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٦ ، وحكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٤٢٦ ، المسألة ٣١٩ .

(٢) كما في الخلاف ٢ : ٤٢٦ ، المسألة ٣١٩ .

(٣) البقرة : ١٩٦ .

(٤ و ٥) الوجيز ١ : ١٣٠ ، فتح العزيز ٨ : ٥٩ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٤١ ، المجموع ٨ : ٣٠٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٥٨ .

٣٩٤
 &

وكلّ موضع جوّزنا فيه التحلّل من إحرام الحجّ يجوز التحلّل من إحرام العمرة ، وهو قول أكثر العلماء (١) ، خلافاً لمالك ؛ فإنّه قال : لا يحلّ من إحرام العمرة ؛ لأنّها لا تفوت (٢) .

مسألة ٧٠٦ : يستحب له تأخير الإحلال ؛ لجواز زوال العذر ، فإذا أخّر وزال العذر قبل تحلّله ، وجب عليه إتمام نسكه‌ إجماعاً ؛ لقوله تعالىٰ : ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) (٣) .

ولو خشي الفوات ، لم يتحلّل ، وصبر حتىٰ يتحقّق ثم يتحلّل بعمرة . فلو صابر ففات الحجّ ، لم يكن له التحلّل بالهدي بل بعمرة ، ويقضي واجباً إن كان واجباً ، وإلّا فلا .

ولو فات الحجّ ثم زال الصدّ بعده ، قال بعض العامّة : يتحلّل بالهدي ، وعليه هدي آخر للفوات (٤) .

وقال الشيخ رحمه‌الله : يتحلّل بعمرة ، ولا يلزمه دم لفوات الحجّ (٥) .

ولو غلب علىٰ ظنّه انكشاف العدوّ قبل الفوات ، جاز له أن يتحلّل ؛ للعموم (٦) ، لكنّ الأفضل البقاء علىٰ إحرامه ، فإن فات الوقوف ، أحلّ بعمرة .

ولو أفسد حجّه فصُدّ ، كان عليه بدنة ، ودم التحلّل ، والحجّ من قابل .

ولو انكشف العدوّ في وقت يتّسع لاستئناف القضاء ، وجب ، وهو

__________________

(١) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ١٠٩ ، فتح العزيز ٨ : ٤ ، المجموع ٨ : ٣٥٥ ، حلية العلماء ٣ : ٣٥٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٤٥ ، المغني ٣ : ٣٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٠ .

(٢) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ١٠٩ ، فتح العزيز ٨ : ٤ ، المجموع ٨ : ٣٥٥ ، حلية العلماء ٣ : ٣٥٦ ، المغني ٣ : ٣٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٠ .

(٣) البقرة : ١٩٦ .

(٤) المغني ٣ : ٣٧٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٤ .

(٥) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٣٣ .

(٦) البقرة : ١٩٦ .

٣٩٥
 &

حجّ يقضي لسنته ، ولو ضاق الوقت ، قضىٰ من قابل .

وإن لم يتحلّل من الفاسد ، فإن زال الصدّ والحجّ لم يفت ، مضىٰ في الفاسد ، وتحلّل ، كالصحيح ، وإن فاته ، تحلّل بعمرة ، وتلزمه بدنة للإفساد ، ولا شي‌ء عليه للفوات . والقضاء من قابل واجب ، سواء كان الحجّ واجباً أو ندباً .

ولو كان العدوّ باقياً ، فله التحلّل ، فإذا تحلّل ، لزمه دم التحلّل وبدنة الإفساد ، والقضاء من قابل ، وليس عليه أكثر من قضاء واحد .

ولو صُدّ فأفسد حجّه ، جاز له التحلّل ؛ للعموم (١) ، وعليه دم التحلّل ، وبدنة للإفساد ، والحجّ ، ويكفيه قضاء واحد .

مسألة ٧٠٧ : ينبغي للمُحْرم أن يشترط علىٰ ربّه حالة الإحرام‌ ـ خلافاً لمالك (٢) ـ فإذا شرط في ابتداء إحرامه أن يحلّ متىٰ مرض ، أو ضاعت نفقته أو نفدت ، أو منعه ظالم ، أو غير ذلك من الموانع ، فإنّه يحلّ متىٰ وجد ذلك المانع .

وفي سقوط هدي التحلّل قولان .

والشرط لا يؤثّر في سقوط القضاء إن كان الحجّ واجباً ، خلافاً لبعض العامّة (٣) .

وينبغي أن يشترط ما لَه فائدة . ولو قال : أن تحلّني حيث شئت ، فليس له ذلك .

ولو قال : أنا أرفض إحرامي وأحلّ ، فلبس وذبح الصيد [ وعمل

__________________

(١) البقرة : ١٩٦ .

(٢) تفسير القرطبي ٢ : ٣٧٥ ، المغني ٣ : ٢٤٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣٨ .

(٣) المغني ٣ : ٣٨٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٩ .

٣٩٦
 &

غيرهما ] (١) من تروك الإحرام من غير صدّ أو حصر ، لم يحلّ ، ووجبت الكفّارة ؛ لأنّ الإحرام لا يفسد برفضه ؛ لأنّه عبادة لا يخرج منها بالفساد ، فلا يخرج منها برفضها ، بخلاف سائر العبادات التي يخرج منها بإفسادها ، كالصلاة .

وإن وطئ قبل الموقفين ، أفسد حجّه ، ووجب إتمامه ، وبدنة ، والحجّ من قابل ، سواء كان الوطء قبل ما فَعَله من الجنايات أو بعده ، فإنّ الجناية علىٰ الإحرام الفاسد توجب الجزاء ، كالجناية علىٰ الإحرام الصحيح ، وليس عليه لرفضه شي‌ء ؛ لأنّه مجرّد نيّة لم تؤثّر شيئاً .

مسألة ٧٠٨ : العدوّ الصادّ إن كان مسلماً ، فالأولىٰ الانصراف عنه‌ ؛ لأنّ في قتاله مخاطرةً بالنفس والمال ، إلّا أن يدعوهم الإمام أو نائبه إلىٰ قتالهم ، ويجوز قتالهم ؛ لأنّهم تعدّوا علىٰ المسلمين بمنعهم الطريق . وإن كانوا مشركين ، لم يجب علىٰ الحاجّ قتالهم .

قال الشيخ رحمه‌الله : وإذا لم يجب قتالهم ، لم يجز ، سواء كانوا قليلين أو كثيرين (٢) .

وللشافعي قول بوجوب القتال (٣) إذا لم يزد عدد الكفّار علىٰ الضِّعْف (٤) .

والوجه : أنّه إذا (٥) غلب ظنّ المسلمين بالغلبة ، جاز قتالهم ، ويجوز

__________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك » والطبعة الحجرية : وغيره . وما أثبتناه يقتضيه السياق .

(٢) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٣٤ .

(٣) في الطبعة الحجرية : قتالهم .

(٤) فتح العزيز ٨ : ٥ ، المجموع ٨ : ٢٩٥ .

(٥) في « ق ، ك » : إن .

٣٩٧
 &

تركه ، فيتحلّل الحاجّ .

ولو ظنّ المسلمون الانقهار ، لم يجز قتالهم ؛ لئلّا يغزوا بالمسلمين ، فلو احتاج الحاجّ إلىٰ لبس السلاح وما تجب فيه الفدية لأجل الحرب ، جاز ، وعليهم الفدية ، كما لو لبسوا (١) لدفع الحرّ والبرد . ولو قتلوا أنفساً (٢) وأتلفوا مالاً ، لم يضمنوا .

ولو قتل المسلمون صيد الكفّار ، كان عليهم الجزاء لله ، ولا قيمة للكفّار ؛ إذ لا حرمة لهم .

ولو بذل العدوّ الطريق وكانوا معروفين بالغدر ، جاز التحلّل والرجوع ، وإلّا فلا . ولو طلب العدوّ مالاً لتخلية الطريق ، فإن لم يوثق بهم ، لم يجب بذله إجماعاً ؛ لبقاء الخوف ، وإن كانوا مأمونين ، فإن كثر ، لم يجب ، بل يكره إن كان العدوّ كافراً ؛ لما فيه من الصغار وتقوية الكفّار ، وإن قلّ ، قال الشيخ : لا يجب بذله (٣) ، كما لا يجب في ابتداء الحجّ بذل مال ، بل يتحلّل .

مسألة ٧٠٩ : إذا تحلّل المصدود بالهدي ، فإن كان الحجّ واجباً ، قضىٰ ما تحلّل منه ، إن كان حجّاً ، وجب عليه حجّ لا غير ـ وبه قال الشافعي (٤) ـ لأنّه اُحصر عن الحجّ ، فلا يلزمه غيره ، كمن اُحصر عن العمرة لا يلزمه غيرها .

وقال أبو حنيفة : يجب عليه حجّ وعمرة معاً ؛ لأنّ المصدود فائت

__________________

(١) في الطبعة الحجرية : لبس .

(٢) كذا ، والظاهر : نفساً .

(٣) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٣٤ .

(٤) مختصر المزني : ٧٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٥٢ ، فتح العزيز ٨ : ٥٧ ، المجموع ٨ : ٣٠٦ .

٣٩٨
 &

الحجّ ، وفائت الحجّ يتحلّل بأفعال العمرة ، فإذا لم يأت بأفعال العمرة في الحال ، يجب عليه قضاؤها (١) .

ونمنع مساواة الصدّ لفائت الحجّ .

والصدّ قد يتحقّق في العمرة ـ وبه قال أبو حنيفة (٢) ـ لقوله تعالىٰ : ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ ) (٣) ذكر ذلك عقيبهما ، فينصرف إلىٰ كلٌّ منهما .

وسُئل ابن مسعود عن معتمر لُدغ ، فقال : ابعثوا عنه هدياً ، فإذا ذُبح عنه فقد حلّ (٤) .

ولأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا صُدّ كان معتمراً (٥) .

وقال مالك : لا يتحقّق ؛ لأنّه ليس للعمرة وقت معلوم ، فيمكنه اللبث إلىٰ أن يزول الإحصار ثم يؤدّي (٦) .

وهو يستلزم الحرج ؛ لعدم العلم بالغاية .

مسألة ٧١٠ : إذا صُدّ عن المضيّ إلىٰ مكّة أو الموقفين ، كان له التحلّل بالهدي‌ علىٰ ما تقدّم (٧) .

هذا إذا منع من المضيّ ، دون الرجوع والسير في صوب آخر ، وأمّا إذا أحاط العدوّ بهم من جميع الجهات كلّها ، فكذلك عندنا ـ وهو أصحّ

__________________

(١) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ١٠٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٨٢ ، الاختيار لتعليل المختار ١ : ٢٢٤ ، بداية المجتهد ١ : ٣٥٥ ، تفسير القرطبي ٢ : ٣٧٦ .

(٢) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ١٠٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٧٧ .

(٣) البقرة : ١٩٦ .

(٤) شرح معاني الآثار ٢ : ٢٥١ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٢١ .

(٥) فتح العزيز ٨ : ٤ ، وسنن البيهقي ٥ : ٢١٦ .

(٦) اُنظر : فتح العزيز ٨ : ٤ ، والمغني ٣ : ٣٧٤ ، والشرح الكبير ٣ : ٥٣٠ .

(٧) تقدّم في المسألة ٧٠٣ .

٣٩٩
 &

قولي الشافعي (١) ـ لأنّهم يستفيدون به الأمن من العدوّ الذي بين أيديهم .

والثاني : ليس لهم التحلّل ؛ لأنّهم لا يستفيدون به أمناً ، فأشبه المريض ليس له التحلّل (٢) .

والأصل ممنوع .

ولا بدل لهدي التحلّل علىٰ ما تقدّم (٣) ، خلافاً للشافعي في أحد قوليه (٤) ، وعلىٰ القولين لا بدّ من نيّة التحلّل (٥) .

وهل يجب الحلق ؟ للشافعي قولان : إن قلنا : إنّه نسك ، فنعم ، وإلّا فلا ، فخرج من هذا أنّا إذا اعتبرنا الذبح والحلق مع النيّة ، فالتحلّل يحصل بثلاثتها ، وإن أخرجنا الذبح عن الاعتبار ، فالتحلّل يحصل بالحلق مع النيّة أو بمجرّد النيّة ؟ فيه وجهان (٦) .

مسألة ٧١١ : إحرام العبد منعقد ، سواء كان بإذن السيّد أو بدونه .

ثمّ إن أحرم بإذنه ، لم يكن له تحليله ، سواء بقي نسكه صحيحاً أو أفسده . ولو باعه والحال هذه ، لم يكن للمشتري تحليله ، لكن له الخيار مع جهله بإحرامه .

وإن أحرم بغير إذنه ، يستحب له الإذن في الإتمام ، وله تحليله ؛ لأنّ

__________________

(١ و ٢) فتح العزيز ٨ : ٧ ـ ٨ ، المجموع ٨ : ٢٩٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٥٨ .

(٣) تقدّم في المسألة ٧٠١ .

(٤) فتح العزيز ٨ : ٨٠ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٥٤ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٤١ ، المجموع ٨ : ٣٠٣ ، روضة الطالبين ٢ : ٤٥٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٥٧ .

(٥ و ٦) فتح العزيز ٨ : ١٦ ، المجموع ٨ : ٣٠٤ .

٤٠٠