الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-051-X
الصفحات: ٥٠٢
العامّة : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله كان يرمي الجمار إذا زالت الشمس قدر ما إذا فرغ من رميه صلّىٰ الظهر (١) ، ومعلومٌ أنّه عليهالسلام كان يبادر إلىٰ فعل الفريضة في أوّل وقتها ، فدلّ علىٰ أنّ الرمي قبل الزوال .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « الرمي ما بين طلوع الشمس إلىٰ غروبها » (٢) .
وللشيخ ـ رحمهالله ـ قول آخر في الخلاف : لا يجوز الرمي إلّا بعد الزوال (٣) ، وهو قول الفقهاء الأربعة (٤) ، إلّا أنّ أبا حنيفة جوّز الرمي يوم النفر قبل الزوال استحساناً (٥) .
إذا ثبت هذا ، فالرمي عند الزوال أفضل ؛ لقول الصادق عليهالسلام : « ارم في كلّ يوم عند الزوال » (٦) وبعد الزوال في الأداء أفضل .
ورُخّص للعليل والخائف والرعاة والعبيد الرمي ليلاً لحاجتهم .
وقال الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « لا بأس أن يرمي الخائف بالليل ويضحّي ويفيض بالليل » (٧) .
وفي الموثّق عنه عليهالسلام « رخّص للعبد والخائف والراعي في الرمي ليلاً » (٨) .
__________________
(١) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠١٤ / ٣٠٥٤ .
(٢) الاستبصار ٢ : ٢٩٦ / ١٠٥٤ ، والتهذيب ٥ : ٢٦٢ / ٨٩١ ، وفيه : « رمي الجمار . . . » بدل « الرمي . . . » .
(٣) الخلاف ٢ : ٣٥١ ، المسألة ١٧٦ .
(٤) المدوّنة الكبرىٰ ١ : ٤٢٣ ، الوجيز ١ : ١٢٢ ، فتح العزيز ٧ : ٣٩٦ ـ ٣٩٧ ، المجموع ٨ : ٢٣٩ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٩٤ .
(٥) الحاوي الكبير ٤ : ١٩٤ .
(٦) الكافي ٤ : ٤٨٠ / ١ ، التهذيب ٥ : ٢٦١ / ٨٨٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٦ / ١٠٥٧ .
(٧) التهذيب ٥ : ٢٦٣ / ٨٩٥ .
(٨) التهذيب ٥ : ٢٦٣ / ٨٩٦ .
مسألة ٦٨٠ : يجب الترتيب بين الجمار الثلاث ، فلو نكس فبدأ بجمرة العقبة ثم الوسطىٰ ثم الاُولىٰ ، أعاد علىٰ الوسطىٰ وجمرة العقبة . وكذا لو بدأ بالوسطىٰ ورمىٰ الثلاث ، لم يجزئه إلّا الاُولىٰ . ولو رمىٰ جمرة العقبة ثم الاُولىٰ ثم الوسطىٰ ، أعاد علىٰ جمرة العقبة خاصّةً . وبالجملة يعيد علىٰ ما يحصل به الترتيب عند علمائنا ـ وبه قال مالك والشافعي وأحمد (١) ـ لأنّ النبي عليهالسلام رتّبها في الرمي ، وقال : ( خُذوا عنّي مناسككم ) (٢) .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ في رجل رمىٰ الجمار منكوسة : « يعيد علىٰ الوسطىٰ وجمرة العقبة » (٣) .
ولأنّه نسك متكرّر ، فيشترط فيه الترتيب ، كالسعي .
وقال الحسن البصري وعطاء وأبو حنيفة : لا يجب الترتيب ؛ لأنّها مناسك متكرّرة في أمكنة متفرّقة في وقت واحد ليس بعضها تابعاً لبعض ، فلا يشترط فيها الترتيب ، كالرمي والذبح (٤) .
ونمنع حكم الأصل ، ويبطل بالطواف والسعي .
مسألة ٦٨١ : يجب أن يرمي كلّ جمرة بسبع حصيات كملاً ، فلا يجوز له الإخلال بواحدة منها ـ وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي وأحمد في إحدىٰ الروايتين (٥) ـ لما رواه العامّة : أنّ النبي صلىاللهعليهوآله رمىٰ بسبع حصيات (٦) .
__________________
(١) المغني ٣ : ٤٨٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٨٧ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٩٤ .
(٢) سنن البيهقي ٥ : ١٢٥ ، وانظر : المغني ٣ : ٤٨٥ ، والشرح الكبير ٣ : ٤٨٨ .
(٣) الكافي ٤ : ٤٨٣ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٢٦٥ / ٩٠٣ .
(٤) المغني ٣ : ٤٨٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٨٧ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٩٤ .
(٥) الحاوي الكبير ٤ : ١٩٤ ، المجموع ٨ : ٢٣٩ ، المغني ٣ : ٤٨٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٨٨ .
(٦) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٠٨ / ٣٠٣٠ ، سنن البيهقي ٥ : ١٢٩ ، المغني ٣ : ٤٨٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٨٨ .
ومن طريق الخاصّة : رواية عبد الأعلىٰ عن الصادق عليهالسلام ، قال : قلت له : رجل رمىٰ الجمرة بست حصيات ووقعت واحدة ، قال : « يعيدها إن شاء من ساعته وإن شاء من الغد إذا أراد الرمي ، ولا يأخذ من حصىٰ الجمار » (١) .
وقال أحمد في الرواية الثانية : يجوز أن ينقص حصاة أو حصاتين لا أزيد (٢) ـ وبه قال مجاهد وإسحاق (٣) ـ لما رواه ابن أبي نجيح ، قال : سُئل طاوُس عن رجل ترك حصاة ، قال : يتصدّق بتمرة أو لقمة ، فذكرت ذلك لمجاهد ، فقال : إنّ أبا عبد الرحمن لم يسمع قول سعد ، قال سعد : رجعنا من الحجّة مع رسول الله صلىاللهعليهوآله بعضنا يقول : رميت بست ، وبعضنا يقول : رميت بسبع ، فلم يعب ذلك بعضنا علىٰ بعض (٤) .
ولا حجّة فيه ؛ لجواز أن يكون الترك لسهوٍ ، وحكاية الحال لا عموم لها .
مسألة ٦٨٢ : قد بيّنّا وجوب الترتيب في رمي الجمار ، فلو رمىٰ الاُولىٰ بأقلّ من أربع حصيات ثم رمي الثانية والثالثة ، لم يحصل الترتيب ، سواء كان عمداً أو سهواً .
وكذا لو رمىٰ الاُولىٰ بسبع ثم رمىٰ الثانية بثلاث ثم أكمل الثالثة ، فيجب أن يكمل الناقصة ثم يعيد علىٰ الاُخرىٰ .
ولو رمىٰ السابقة بأربع فما زاد ثم رمىٰ ما بعدها سهواً ، حصل له الترتيب ، ووجب عليه إكمال ما نسيه في السابقة .
__________________
(١) الكافي ٤ : ٤٨٣ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٢٦٦ / ٩٠٦ .
(٢ و ٣) المغني ٣ : ٤٨٥ ـ ٤٨٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٨٨ .
(٤) المغني ٣ : ٤٨٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٨٩ ، وانظر سنن النسائي ٥ : ٢٧٥ .
ولو كان النقص عمداً ، بطل الترتيب وإن كان قد رمىٰ أربعاً فما زاد ؛ لأنّ الأكثر يقوم مقام الشيء مع النسيان .
وقول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ في رجل رمىٰ الجمرة الاُولىٰ بثلاث والثانية بسبع والثالثة بسبع ، قال : « يعيد رميهنّ جميعاً بسبع سبع » [ قلت : ] (١) فإن رمىٰ الاُولىٰ بأربع والثانية بثلاث والثالثة بسبع ، قال : « يرمي الجمرة الاُولىٰ بثلاث والثانية بسبع ، ويرمي جمرة العقبة بسبع » قلت : فإنّه رمىٰ الجمرة الاُولىٰ بأربع والثانية بأربع والثالثة بسبع ، قال : « يعيد فيرمي الاُولىٰ بثلاث والثانية بثلاث ، ولا يعيد علىٰ الثالثة » (٢) .
إذا ثبت هذا ، فلو رمىٰ بستّ وضاعت واحدة ، فليُعدْها وإن كان من الغد ، ولا يسقط وجوبها ؛ للرواية (٣) .
ولو علم أنّه قد أخلّ بحصاة ولم يعلم من أيّ الجمار هي ، فليرم الثلاث بثلاث حصيات ؛ ليحصل يقين البراءة .
ولقول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ في رجل أخذ إحدىٰ وعشرين حصاة فرمىٰ بها فزاد واحدة فلم يدر من أيّهنّ نقص ، قال : « فليرجع فليرم كلّ واحدة بحصاة » وإن سقطت من رجل حصاة فلم يدر أيّتهنّ هي ، قال : « يأخذ من تحت قدميه حصاة يرمي بها » قال : « فإن رميت بحصاة فوقعت في محمل ، فأعد مكانها ، وإن هي أصابت إنساناً أو جملاً ثم وقعت في الجمار أجزأك » (٤) .
__________________
(١) أضفناها من المصدر .
(٢) التهذيب ٥ : ٢٦٥ ـ ٢٦٦ / ٩٠٤ .
(٣) الكافي ٤ : ٤٨٣ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٢٦٦ / ٩٠٦ .
(٤) الكافي ٤ : ٤٨٣ ـ ٤٨٤ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٢٦٦ ـ ٢٦٧ / ٩٠٧ .
ويجب أن يرمي السبع في سبع مرّات ، فإن رماها دفعةً أو أقلّ من سبعة ، لم يجزئه ؛ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله رمىٰ بسبع حصيات في سبع مرّات وقال : ( خذوا عنّي مناسككم ) (١) .
مسألة ٦٨٣ : يجوز الرمي راكباً والمشي أفضل ؛ لأنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله رمىٰ الجمار راكباً (٢) ، وكذا أبو جعفر الثاني الجواد عليهالسلام (٣) .
وقال الشافعي : يرمي في اليوم الأخير راكباً ، وفي الأوّلين ماشياً (٤) ؛ لأنّ النفر يتعقّب الرمي في الثالث ، فإذا كان راكباً ، مضىٰ عقيب الرمي وفي الأوّلين يكون مقيماً .
ويستحب أن يأخذ الحصىٰ في كفّه ويأخذ منها ويرمي ، ويكبّر عند رمي كلّ حصاة ، والمقام بمنىٰ أيّام التشريق ، وأن يرمي الجمرة الاُولىٰ عن يمينه ، ويقف ويدعو ، وكذا الثانية ، ويرمي الثالثة مستدبراً للقبلة مقابلاً لها ، ولا يقف عندها ، فلو أخلّ بشيء من ذلك ، لم يكن عليه شيء ، لا نعلم فيه خلافاً إلّا ما نُقل عن الثوري : أنّه لو ترك الوقوف والدعاء ، أطعم شيئاً ، وإن أراق دماً ، كان أحبّ (٥) .
مسألة ٦٨٤ : يجوز الرمي عن كلّ ذي عذر ، كالعليل والمبطون والمغمىٰ عليه والصبي ومَنْ أشبههم ؛ لقول الصادق عليهالسلام ـ في الحسن ـ :
__________________
(١) سنن البيهقي ٥ : ١٢٥ .
(٢) التهذيب ٥ : ٢٦٧ / ٩٠٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٨ / ١٠٦٣ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٤٣ / ١٢٩٧ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٤٤ / ٨٩٩ .
(٣) التهذيب ٥ : ٢٦٧ / ٩٠٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٨ / ١٠٦٢ .
(٤) فتح العزيز ٧ : ٤٠٦ ، المجموع ٨ : ١٨٣ ، صحيح مسلم بشرح النووي هامش إرشاد الساري ٥ : ٤٢١ .
(٥) المجموع ٨ : ٢٨٣ ، المغني ٣ : ٤٨٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٨٦ .
« الكسير والمبطون يُرمىٰ عنهما » قال : « والصبيان يُرمىٰ عنهم » (١) .
وفي الصحيح عن الصادق عليهالسلام : في رجل اُغمي عليه ، فقال : « يُرمىٰ عنه الجمار » (٢) .
وقال الكاظم عليهالسلام في المريض لا يستطيع أن يرمي الجمار : « يرمىٰ عنه » (٣) .
وسأل إسحاقُ بن عمّار الكاظمَ عليهالسلام : عن المريض يُرمىٰ عنه الجمار ؟ قال : « نعم يحمل إلىٰ الجمرة ويُرمىٰ عنه » (٤) .
مسألة ٦٨٥ : لو نسي رمي يوم بعض الجمرات أو جميعها ، أعاده من الغد ؛ لأنّ عبد الله بن سنان سأل الصادقَ عليهالسلام ـ في الصحيح ـ عن رجل أفاض من جمع حتىٰ انتهىٰ إلىٰ منىٰ فعرض له عارض فلم يرم حتىٰ غابت الشمس ، قال : « يرمي إذا أصبح مرّتين مرّة لما فاته ، والاُخرىٰ ليومه الذي يصبح فيه ، وليفرّق بينهما تكون إحداهما بكرة ، وهي للأمس ، والاُخرىٰ عند زوال الشمس » (٥) .
وللشافعي قولان : أحدهما : أنّ رمي كلّ يوم محدود الأوّل والآخر ، ففي السقوط بفوات وقته وجهان : أحدهما : السقوط ؛ لأنّ فوات الوقت المحدود يسقط الفعل المتعلّق به .
والثاني : أنّ الجميع كاليوم الواحد ، فيعيد في اليوم الثاني والثالث ما
__________________
(١) الكافي ٤ : ٤٨٥ / ١ ، الفقيه ٢ : ٢٨٦ / ١٤٠٤ ، التهذيب ٥ : ٢٨٦ / ٩١٤ .
(٢) التهذيب ٥ : ٢٦٨ / ٩١٦ .
(٣) التهذيب ٥ : ٢٦٨ / ٩١٧ .
(٤) الكافي ٤ : ٤٨٥ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٨٦ / ١٤٠٥ ، التهذيب ٥ : ٢٦٨ / ٩١٩ .
(٥) التهذيب ٥ : ٢٦٢ / ٨٩٣ .
فاته قبله (١) .
ونمنع التحديد أوّلاً ؛ لأنّهم رووا عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه رخّص للرعاة أن يتركوا المبيت بمنىٰ ، ويرموا يوم النحر جمرة العقبة ثم يرموا يوم النفر (٢) ، ولو كان محدوداً ، لما سوّغ التأخير حتىٰ يصير قضاءً .
وأمّا إذا فاته رمي يوم كملاً ، فقد قلنا بوجوب قضائه في غده .
وللشافعي ثلاثة أقوال : أحدها : السقوط إلىٰ الدم . والثاني : القضاء والدم ، كقضاء رمضان إذا أخّره إلىٰ رمضان آخر . والثالث : القضاء ولا شيء عليه ، كالوقوف إذا أخّره إلىٰ الليل (٣) .
والأصل براءة الذمّة من الدم .
ويستحب أن يرمي ما فاته بالأمس بكرةً ؛ للمبادرة إلىٰ القضاء ، والذي ليومه عند الزوال ؛ لأنّه وقت الفضيلة .
ويجب الترتيب يبدأ بقضاء الفائت ثم يعقب بالحاضر ، فلو بدأ برمي يومه ، لم يقع الذي لأمسه ؛ لعدم إرادته ، ولا الذي ليومه ؛ لوجوب الترتيب ، وهو أحد قولي الشافعي ، والثاني : سقوط الترتيب (٤) .
ولو رمىٰ جمرة واحدة بأربع عشرة حصاة : سبعاً ليومه ، وسبعاً لأمسه ، بطلت الاُولىٰ .
ولو فاته رمي يومين ، قضاه يوم الثالث مرتّباً . ولو فاته حصاة أو
__________________
(١) الحاوي الكبير ٤ : ١٩٦ ، فتح العزيز ٧ : ٤٠٢ ـ ٤٠٣ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٣٧ ، المجموع ٨ : ٢٤٠ .
(٢) فتح العزيز ٧ : ٣٩٣ .
(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٠٦ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٣٧ ، المجموع ٨ : ٢٤١ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤٩ .
(٤) فتح العزيز ٧ : ٤٠٣ ، المجموع ٨ : ٢٤٠ .
حصاتان أو ثلاث حتىٰ خرجت أيّام التشريق ، لم يكن عليه شيء ، وإن رماها في القابل ، كان أحوط .
وقال الشافعي : إن ترك واحدة ، فعليه مُدٌّ ، وإن ترك اثنتين ، فمُدّان ، وإن ترك ثلاثاً ، فدمٌ إن كان ذلك من الجمرة الأخيرة ، وإن كان من الأوّلتين ، بطل الرمي (١) .
والأصل براءة الذمّة .
مسألة ٦٨٦ : لو نسي الجمار كلّها في الأيّام بأجمعها حتىٰ جاء مكّة ، وجب عليه الرجوع إلىٰ منىٰ وإعادة الرمي إن كانت أيّام التشريق لم تخرج ، وإن خرجت ، قضاه من قابل في أيّام التشريق ، أو يأمر مَنْ يقضي عنه الرمي ، ولا دم عليه ؛ لأنّه مكلَّف بالرمي ، فلا يخرج عن العهدة إلّا به ، ولا كفّارة ؛ لأصالة البراءة .
ولقول الصادق عليهالسلام : « مَنْ أغفل رمي الجمار أو بعضها حتىٰ تمضي أيّام التشريق فعليه أن يرميها من قابل ، فإن لم يحجّ رمىٰ عنه وليّه ، فإن لم يكن له وليّ ، استعان رجلاً من المسلمين يرمي عنه ، فإنّه لا يكون رمي الجمار إلّا أيّام التشريق » (٢) .
ولو أخّر رمي جمرة العقبة يوم النحر ، أعادها في ثاني أيّام النحر ـ وهو أحد قولي الشافعي (٣) ـ لأنّه رمي فات وقته ، فكان عليه قضاؤه ، كرمي أيّام التشريق .
__________________
(١) فتح العزيز ٧ : ٤٠٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤٩ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٣٨ ، المجموع ٨ : ٢٤١ .
(٢) التهذيب ٥ : ٢٦٤ / ٩٠٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٧ / ١٠٦٠ .
(٣) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٣٨ ، المجموع ٨ : ٢٤١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٠٤ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٩٧ .
ولأنّ عبد الله بن سنان سأل الصادقَ عليهالسلام ـ في الصحيح ـ عن رجل أفاض من جَمْع حتىٰ انتهىٰ إلىٰ منىٰ ، فعرض له [ عارض ] (١) فلم يرم حتىٰ غابت الشمس ، قال : « يرمي إذا أصبح مرّتين : مرّة لما فاته ، والاُخرىٰ ليومه الذي يصبح فيه » (٢) .
والثاني : السقوط ، ولا تكون أيّام التشريق وقتاً له ؛ لأنّه يخالفها ، فلا يتعلّق رمي يوم النحر إلّا بجمرة العقبة ، فهو كجنس آخر ، بخلاف بعض الأيّام مع بعض (٣) .
ويستحب للنائب في الرمي عن المريض والصبي وشبهه أن يضع الحصىٰ في كفّ المنوب .
والمغمىٰ عليه إن كان قد أذن لغيره في الرمي قبل إغمائه ، لم يبطل إذنه ، ولو زال عقله قبل الإذن ، جاز له أن يرمي عنه أيضاً ؛ للعموم . فإن زال العذر والوقت باقٍ ، فالأقرب عدم وجوب الإعادة .
ووقت الرمي في الأداء والقضاء للمختار بعد طلوع الشمس إلىٰ غروبها .
مسألة ٦٨٧ : يستحب التكبير بمنىٰ أيّام التشريق عقيب خمس عشرة صلاة وفي غيرها عقيب عشر أوّلها ظهر يوم النحر ؛ لاشتغاله قبل ذلك بالتلبية ، ويستوي هو والحلال في ابتداء المدّة ، إلّا أنّ المُحْرم يكبّر عقيب خمس عشرة صلاة ، والمُحلّ عقيب عشر علىٰ ما قلناه .
قال الله تعالىٰ : ( وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ ) (٤) .
__________________
(١) أضفناها من المصدر .
(٢) التهذيب ٥ : ٢٦٢ / ٨٩٣ .
(٣) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٣٨ ، المجموع ٨ : ٢٤١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٠٤ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٩٧ .
(٤) البقرة : ١٨٥ .
واختلف علماؤنا في وجوبه ، فقال به السيّد المرتضىٰ (١) ؛ للأمر ( به ، والأمر للوجوب ) (٢) .
ولقول الصادق عليهالسلام : « التكبير واجب في دُبُر كلّ صلاة فريضة أو نافلة أيّام التشريق » (٣) .
وقال الشيخ رحمهالله : إنّه مستحب (٤) ؛ للأصل .
ولقول الصادق عليهالسلام في الرجل ينسىٰ أن يكبّر أيّام التشريق ، قال : « إن نسي حتىٰ قام من موضعه فليس عليه شيء » (٥) .
إذا ثبت هذا ، فلا تكبير عقيب النوافل ؛ لقول الصادق عليهالسلام : « التكبير في كلّ فريضة ، وليس في النافلة تكبير أيّام التشريق » (٦) .
والرواية الاُولىٰ ضعيفة السند .
وصورة التكبير هنا أن يقول : « الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلّا الله والله أكبر علىٰ ما هدانا ، الله أكبر علىٰ ما رزقنا من بهيمة الأنعام » رواه زرارة في الصحيح عن الباقر (٧) عليهالسلام .
وفي الصحيح عن الصادق عليهالسلام : « الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلّا الله والله أكبر ولله الحمد ، الله أكبر علىٰ ما هدانا ، الله أكبر علىٰ ما رزقنا من بهيمة الأنعام ، والحمد لله علىٰ ما أبلانا » (٨) .
__________________
(١) جُمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضىٰ ) ٣ : ٤٥ .
(٢) ما بين القوسين من الطبعة الحجرية .
(٣) التهذيب ٥ : ٢٧٠ / ٩٢٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٩ / ١٠٧٠ .
(٤) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٨٠ .
(٥) التهذيب ٥ : ٢٧٠ / ٩٢٤ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٩ / ١٠٧١ .
(٦) التهذيب ٥ : ٢٧٠ / ٩٢٥ ، الاستبصار ٢ : ٣٠٠ / ١٠٧٢ .
(٧) التهذيب ٥ : ٢٦٩ / ٩٢١ .
(٨) الكافي ٤ : ٥١٧ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٢٧٠ / ٩٢٢ .
مسألة ٦٨٨ : يستحب للإمام أن يخطب بعد الظهر يوم الثالث من أيّام النحر ، وهو الثاني من أيّام التشريق ، وهو النفر الأوّل ، فيودّع الحاج ويُعلمهم أنّ مَنْ أراد التعجيل ممّن اتّقىٰ فله ذلك ـ وبه قال الشافعي وأحمد وابن المنذر (١) ـ لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله خطب وسط أيّام التشريق (٢) ، يعني يوم النفر الأوّل .
وقال أبو حنيفة : لا يستحب ذلك ؛ لأنّه من أيّام التشريق ، فلا يستحب فيه كغيره من اليومين (٣) .
والفرق : حاجة الناس إلىٰ معرفة التعجيل ، وأنّ مَنْ تأخّر حتىٰ تغيب الشمس يلزمه المبيت والوداع وكيفيّته ، بخلاف اليومين .
البحث الرابع : في النفر من منىٰ .
مسألة ٦٨٩ : إذا رمىٰ الحاجّ الجمار الثلاث في اليوم الأوّل من أيّام التشريق وفي الثاني ، جاز له النفر من منىٰ ، ويسقط عنه رمي الثالث إن كان قد اتّقىٰ النساء والصيد في إحرامه ، بإجماع العلماء .
ولا فرق في جواز النفر الأوّل بين أهل مكّة وغيرهم ممّن يريد المقام بمكّة أو لا يريد ، وهو قول عامّة العلماء (٤) ؛ لعموم الآية (٥) .
__________________
(١) الحاوي الكبير ٤ : ١٩٨ ، فتح العزيز ٧ : ٣٥٦ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٣٨ ، المجموع ٨ : ٢٤٩ ، روضة الطالبين ٢ : ٣٧٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣٥١ ، المغني ٣ : ٤٨٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٩٦ .
(٢) سنن أبي داود ٢ : ١٩٧ / ١٩٥٢ ، سنن الدارقطني ٢ : ٢٢٧ / ٤٩ ، سنن البيهقي ٥ : ١٥١ .
(٣) المغني ٣ : ٤٨٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٩٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٥١ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٩٨ .
(٤) المغني ٣ : ٤٨٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٩٧ ، المجموع ٨ : ٢٨٤ ، تفسير القرطبي ٣ : ١٣ .
(٥) البقرة : ٢٠٣ .
ولما رواه العامّة عن رسول الله صلىاللهعليهوآله ، أنّه قال : ( أيّام منىٰ ثلاثة ، فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ، وَمَن تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ) (١) .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليهالسلام : « إذا أردت أن تنفر في يومين فليس لك أن تنفر حتىٰ تزول الشمس ، فإن تأخّرت إلىٰ آخر أيّام التشريق وهو يوم النفر الأخير فلا عليك أيّ ساعة نفرت ورميت قبل الزوال أو بعده » (٢) .
ولأنّه دفع من مكان ، فاستوىٰ فيه أهل مكّة وغيرهم ، كالدفع من عرفة ومزدلفة .
وقال أحمد : لا ينبغي لمن أراد المقام بمكة أن يتعجّل (٣) .
وقال مالك : مَنْ كان من أهل مكّة وله عذر ، فله أن يتعجّل في يومين ، فإذا أراد التخفيف عن نفسه من أمر الحجّ ، فلا ؛ لقول عمر : مَنْ شاء من الناس كلّهم أن ينفر في النفر الأوّل إلّا آل خزيمة فلا ينفروا إلّا في النفر الأخير (٤) .
وقول عمر ليس حجّةً ، ويُحمل علىٰ أنّهم لم يتّقوا ، لا علىٰ أنّهم من أهل مكّة .
مسألة ٦٩٠ : إنّما يجوز النفير في النفر الأوّل لمن اتّقىٰ النساء والصيد في إحرامه ، فلو جامع في إحرامه أو قتل صيداً فيه ، لم يجز له أن ينفر في الأوّل ، ووجب عليه المقام بمنىٰ والنفر في الثالث من أيّام التشريق ؛ لأنّه تعالىٰ شرط الاتّقاء (٥) .
__________________
(١) سنن أبي داود ٢ : ١٩٦ / ١٩٤٩ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٠٣ / ٣٠١٥ ، سنن البيهقي ٥ : ١٥٢ ، مسند أحمد ٤ : ٣٠٩ ـ ٣١٠ ، المغني ٣ : ٤٨٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٩٧ .
(٢) الكافي ٤ : ٥٢٠ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٨٧ ـ ٢٨٨ / ١٤١٤ ، التهذيب ٥ : ٢٧١ / ٩٢٦ ، الاستبصار ٢ : ٣٠٠ / ١٠٧٣ .
(٣) المغني ٣ : ٤٨٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٩٦ ، تفسير القرطبي ٣ : ١٣ .
(٤) المغني ٣ : ٤٨٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٩٦ ، تفسير القرطبي ٣ : ١٣ .
(٥) البقرة : ٢٠٣ .
ولقول الصادق عليهالسلام : « مَنْ أتىٰ النساء في إحرامه لم يكن له أن ينفر في النفر الأوّل » (١) .
وفي الصحيح عن الصادق عليهالسلام ، في قوله تعالىٰ : ( فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَىٰ ) (٢) قال : « يتّقي الصيد حتىٰ ينفر أهل منىٰ في النفر الأخير » (٣) .
وفي رواية عن الباقر عليهالسلام أنّه : « لِمَنِ اتَّقَىٰ الرفث والفسوق والجدال وما حرّم الله عليه في إحرامه » (٤) .
إذا عرفت هذا ، فإذا نفر في الأوّل نفر بعد الزوال ، ولا ينفر قبله ، إلّا لضرورة أو حاجة ؛ لقول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « إذا أردت أن تنفر في يومين فليس لك أن تنفر حتىٰ تزول الشمس ، وإن تأخّرت إلىٰ آخر أيّام التشريق وهو يوم النفر الأخير فلا عليك أيّ ساعة نفرت ورميت قبل الزوال أو بعده » (٥) .
والأقرب أنّه علىٰ الاستحباب .
أمّا النفر الثاني : فيجوز قبل الزوال إجماعاً .
وإنّما يجوز النفر في الأوّل إذا لم تغرب الشمس وهو بمنىٰ ، فإن غربت يوم النفر الأوّل وهو بمنىٰ ، وجب عليه المبيت تلك الليلة بمنىٰ ، عند علمائنا ـ وبه قال ابن عمر وجابر بن زيد وعطاء وطاوُس ومجاهد وأبان بن عثمان
__________________
(١) الكافي ٤ : ٥٢٣ / ١١ ، التهذيب ٥ : ٢٧٣ / ٩٣٢ .
(٢) البقرة : ٢٠٣ .
(٣) الفقيه ٢ : ٢٨٨ / ١٤١٥ .
(٤) الفقيه ٢ : ٢٨٨ / ١٤١٦ .
(٥) الكافي ٤ : ٥٢٠ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٨٧ ـ ٢٨٨ / ١٤١٤ ، التهذيب ٥ : ٢٧١ / ٩٢٦ ، الاستبصار ٢ : ٣٠٠ / ١٠٧٣ .
ومالك والشافعي والثوري وإسحاق وأحمد وابن المنذر (١) ـ لقوله تعالىٰ : ( فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ ) (٢) واليوم اسم النهار ، فمن أدركه الليل لم يتعجّل في يومين .
وما رواه العامّة عن عمر : من أدركه المساء في اليوم الثاني فليقم إلىٰ الغد حتىٰ ينفر الناس (٣) .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « إذا جاء الليل بعد النفر الأوّل فبتّ [ بمنىٰ ] (٤) فليس لك أن تخرج منها حتىٰ تصبح » (٥) .
وقال أبو حنيفة : له أن ينفر ما لم يطلع فجر اليوم الثالث ؛ لأنّه لم يدخل وقت رمي اليوم الأخير ، فجاز له النفر ، كما قبل الغروب (٦) .
والفرق أنّه قبل الغروب يتعجّل في اليومين ، وهاهنا بعد خروجهما .
ولو دخل عليه وقت العصر ، جاز له أن ينفر في الأوّل .
ومنع الحسن البصري منه (٧) . وليس بجيّد .
ولو رحل من منىٰ فغربت الشمس وهو راحل قبل انفصاله منها ، فالأقرب : عدم وجوب المبيت ؛ لمشقّة الرفع والحطّ . ولو كان مشغولاً
__________________
(١) المغني ٣ : ٤٨٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٩٧ ، المجموع ٨ : ٢٤٩ .
(٢) البقرة : ٢٠٣ .
(٣) فتح العزيز ٧ : ٣٩٦ ، المجموع ٨ : ٢٨٤ ، المغني ٣ : ٤٨٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٩٨ وفيها : . . . حتىٰ ينفر مع الناس .
(٤) أضفناها من المصدر .
(٥) الكافي ٤ : ٥٢١ / ٧ ، التهذيب ٥ : ٢٧٢ / ٩٣٠ .
(٦) المغني ٣ : ٤٨٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٩٧ .
(٧) المجموع ٨ : ٢٨٤ .
بالتأهّب فغربت الشمس ، فالأقرب : لزوم المقام .
ولو رحل قبل الغروب ثم عاد لأخذ متاع ، أو اجتياز ، أو زيارة ، لم يلزمه المقام ، فلو بات بمنىٰ ، احتمل لزوم الرمي ؛ لدخوله عليه فيها .
ويجوز لمن نفر في الأوّل إتيان مكّة والإقامة بها ؛ لعموم الترخّص .
وقول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « لا بأس أن ينفر الرجل في النفر الأوّل ثم يقيم بمكّة » (١) .
وينبغي للإمام أن ينفر قبل الزوال في النفر الأخير ، ويصلّي الظهر بمكّة ليُعلم الناس كيفية الوداع ، ولا بأس أن يقيم الإنسان بمنىٰ بعد النفر ؛ لأنّه فرغ من أداء مناسكه ، ولا يلزمه إتيان مكّة ، لكن يستحب ليطوف للوداع . وإذا نفر في الأوّل ، سقط عنه رمي الثالث إجماعاً .
ويستحب له دفن الحصىٰ المختصّ بذلك اليوم بمنىٰ .
وأنكره الشافعي (٢) .
مسألة ٦٩١ : يستحب للحاج أن يصلّي في مسجد الخيف بمنىٰ ، وسفح كلّ جبل يسمّىٰ خيفاً ، وكان مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآله عند المنارة التي في وسط المسجد ، وفوقها إلىٰ القبلة نحواً من ثلاثين ذراعاً ، وعن يمينها ويسارها كذلك ، فمن استطاع أن يكون مصلّاه فيه فليفعل .
ويستحب أن يصلّي فيه ست ركعات .
قال الصادق عليهالسلام : « صلّ ستّ ركعات في مسجد منىٰ في أصل الصومعة » (٣) .
__________________
(١) الكافي ٤ : ٥٢١ / ٦ ، الفقيه ٢ : ٢٨٩ / ١٤٢٥ ، التهذيب ٥ : ٢٧٤ / ٩٣٨ .
(٢) فتح العزيز ٧ : ٣٩٦ ، المجموع ٨ : ٢٤٩ .
(٣) الكافي ٤ : ٥١٩ / ٦ ، التهذيب ٥ : ٢٧٤ / ٩٤٠ .
ويستحب لمن ينفر في النفر الثاني أن يأتي المحصّب ، وينزل به ، ويصلّي في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآله فيه ، ويستريح فيه قليلاً ، ويستلقي علىٰ قفاه ، وليس للمسجد اليوم أثر ، فيستحب نزول المحصّب والاستراحة فيه قليلاً ؛ لأنّ العامّة رووا عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه نزل فيه وصلّىٰ الظهر والعصر والمغرب والعشاء وهجع هجعة (١) .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليهالسلام : « كان أبي ينزلها ثم يرتحل » (٢) .
واختلفوا في أنّه نسك (٣) ، والنزاع لفظي ؛ للإجماع علىٰ أنّه يثاب عليه ، وأنّه لا يعاقب بتركه .
البحث الخامس : في الرجوع إلىٰ مكّة .
مسألة ٦٩٢ : إذا قضىٰ الحاجّ مناسكه بمنىٰ ، استحبّ له العود إلىٰ مكّة لطواف الوداع ، ويستحب له دخول الكعبة .
قال الباقر عليهالسلام : « الدخول فيها دخول في رحمة الله ، والخروج منها خروج من الذنوب ، معصوم فيما بقي من عمره ، مغفور ما سلف من ذنوبه » (٤) .
ويستحب لمريد دخول الكعبة الاغتسال والدعاء والتحفّي .
قال الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « إذا أردت دخول الكعبة فاغتسل قبل أن تدخلها ولا تدخلها بحذاء ، وتقول » إلىٰ آخر الدعاء (٥) .
__________________
(١) سنن أبي داود ٢ : ٢١٠ / ٢٠١٣ .
(٢) التهذيب ٥ : ٢٧٥ / ٩٤١ .
(٣) اُنظر : المجموع ٨ : ٢٥٢ ـ ٢٥٣ ، والمغني ٣ : ٤٨٩ ، والشرح الكبير ٣ : ٤٩٨ ـ ٤٩٩ .
(٤) الكافي ٤ : ٥٢٧ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٢٧٥ ـ ٢٧٦ / ٩٤٤ .
(٥) الكافي ٤ : ٥٢٨ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٢٧٦ / ٩٤٥ .
ثم يصلّي بين الأسطوانتين علىٰ الرخامة الحمراء ركعتين يقرأ في الاُولىٰ حم ، وفي الثانية عدد آياتها من القرآن ، ويصلّي في زوايا البيت ويدعو بالمنقول قائماً مستقبل الحائط بين الركن اليماني والغربي يرفع يديه ويلتصق به ، ثم يتحوّل إلىٰ الركن اليماني فيفعل مثل ذلك ثم يفعل ذلك بباقي الأركان ثم ليخرج .
ويتأكّد استحباب دخولها للصرورة ، فلا ينبغي له تركه ، ويدخله بسكينة ووقار .
وتكره الفريضة جوف الكعبة .
روىٰ معاوية بن عمّار ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليهالسلام قال : « لا تصلّ المكتوبة في الكعبة ، فإنّ النبي صلىاللهعليهوآله لم يدخل الكعبة في حجّ ولا عمرة ولكنّه دخلها في الفتح فتح مكة ، وصلّىٰ ركعتين بين العمودين ومعه اُسامة بن زيد » (١) .
ويستحب الدعاء عند الخروج من الكعبة بالمنقول .
مسألة ٦٩٣ : يستحب وداع البيت إجماعاً .
روىٰ العامّة عن النبي صلىاللهعليهوآله ، قال : ( لا ينفرنّ أحد حتىٰ يكون آخر عهده بالبيت ) (٢) .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليهالسلام : « إذا أردت أن تخرج من مكّة وتأتي أهلك فودّع البيت » (٣) .
هذا إذا أراد الخروج من مكّة ، ولو نوىٰ الإقامة ، فلا وداع عليه .
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٢٧٩ / ٩٥٣ ، الاستبصار ١ : ٢٩٨ / ١١٠١ .
(٢) صحيح مسلم ٢ : ٩٦٣ / ١٣٢٧ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٠ / ٣٠٧٠ ، سنن أبي داود : ٢ : ٢٠٨ / ٢٠٠٢ ، سنن الدارمي ٢ : ٧٢ ، مسند أحمد ١ : ٢٢٢ .
(٣) الكافي ٤ : ٥٣٠ / ١ ، التهذيب ٥ : ٢٨٠ / ٩٥٧ .
واختلفت العامّة ، فقال الشافعي وأحمد : لا وداع عليه ، سواء نوىٰ الإقامة قبل النفر أو بعده ؛ لأنّه غير مفارق (١) .
وقال أبو حنيفة : إن نوىٰ الإقامة بعد أن حلّ له النفر ، لم يسقط عنه طواف الوداع (٢) .
والوجه : الأوّل ؛ لقول الصادق عليهالسلام : « إذا أردت أن تخرج من مكّة وتأتي أهلك فودّع البيت » (٣) .
مسألة ٦٩٤ : يستحب الوداع بطواف سبعة أشواط ، وليس هذا الطواف واجباً ، ولا يجب بتركه دم ، عند علمائنا ـ وهو أحد قولي الشافعي (٤) ـ لأصالة البراءة ، ولسقوطه عن الحائض ، فلا يكون واجباً .
ولأنّ هشام بن سالم سأل الصادقَ عليهالسلام ـ في الصحيح ـ عمّن نسي زيارة البيت حتىٰ رجع إلىٰ أهله ، فقال : « لا يضرّه إذا كان قد قضىٰ مناسكه » (٥) .
والقول الثاني للشافعي : أنّه نسك واجب يجب بتركه الدم (٦) ـ وبه قال الحسن والحكم وحماد والثوري وإسحاق وأحمد وأبو ثور (٧) ـ لقول ابن عباس : اُمر الناس أن يكون آخر عهدهم البيت إلّا أنّه خُفّف عن المرأة الحائض (٨) .
__________________
(١) المجموع ٨ : ٢٥٤ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢١٢ ، المغني ٣ : ٤٨٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٠٠ .
(٢) المغني ٣ : ٤٨٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٠٠ .
(٣) الكافي ٤ : ٥٣٠ / ١ ، التهذيب ٥ : ٢٨٠ / ٩٥٧ .
(٤) الحاوي الكبير ٤ : ٢١٢ ، المجموع ٨ : ٢٥٤ ، المغني ٣ : ٤٩٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٠١ .
(٥) التهذيب ٥ : ٢٨٢ / ٩٦١ .
(٦) الحاوي الكبير ٤ : ٢١٢ ـ ٢١٣ ، المجموع ٨ : ٢٥٤ ، تفسير القرطبي ١٢ : ٥٢ .
(٧) المغني ٣ : ٤٩٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٠١ .
(٨) صحيح مسلم ٢ : ٩٦٣ / ١٣٢٨ ، المغني ٣ : ٤٩٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٠١ .
والأمر هنا للاستحباب ؛ جمعاً بين الأدلّة .
ولا خلاف في أنّه ليس بركن في الحجّ ، ولهذا سقط عن الحائض ، بخلاف طواف الزيارة .
ووقته بعد فراغ المرء من جميع أشغاله ليكون البيت آخر عهده .
وإذا طاف للوداع وصلّىٰ ركعتيه ، فإن انصرف ، فلا بحث ، وإن أقام بعد ذلك علىٰ زيارة صديق أو شراء متاع أو شبه ذلك ، قال الشافعي : لا يجزئه الأوّل ، ويعيد طوافاً آخر ، وإن قضىٰ حاجةً في طريقه من أخذ الزاد وشبهه ، لم يؤثّر ذلك في وداعه ـ وبه قال أحمد وعطاء ومالك والثوري وأبو ثور ـ لأنّه بالإقامة يخرج عن كون فعله وداعاً (١) .
وقال أبو حنيفة : لا يعيد الوداع وإن أقام شهرين وأكثر ؛ لأنّه طاف للوداع بعد ما حلّ له النفر ، فأجزأه ، كما لو نفر عقيبه (٢) .
وهذا البحث عندنا ساقط ؛ لأنّه مستحبّ عندنا .
ولو كان منزله في الحرم ، قال أبو ثور : عليه الوداع (٣) . وهو قياس قول مالك (٤) وظاهر مذهبنا ؛ لأنّهم ينفرون ويخرجون من مكة ، فاستحبّ لهم الوداع كغيرهم .
وقال أصحاب الرأي : لا وداع عليهم . وهو إحدىٰ الروايتين عن أحمد (٥) .
ولو أخّر طواف الزيارة حتىٰ يخرج ، لم يسقط استحباب طواف
__________________
(١) الحاوي الكبير ٤ : ٢١٢ ، فتح العزيز ٧ : ٤١٣ ، المجموع ٨ : ٢٥٥ ، المغني ٣ : ٤٩١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٠٢ .
(٢) فتح العزيز ٧ : ٣١٣ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢١٢ ، المغني ٣ : ٤٩١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٠٢ .
(٣ ـ ٥) المغني ٣ : ٤٩٠ .
الوداع ؛ لأنّهما عبادتان ، فلا يتداخلان . ومَنْ أوجب الدم بترك طواف الوداع من العامّة اختلفوا ، فالأكثر أنّ القريب ـ وهو ما نقص عن مسافة التقصير ـ يرجع ويطوف للوداع ، والبعيد يبعث بالدم .
ولو رجع البعيد وطاف للوداع ، قال بعضهم : لا يسقط الدم ؛ لاستقراره ببلوغ مسافة القصر . وقال بعضهم : يسقط ؛ لأنّه واجب أُتي به ، فلا يجب بدله (١) .
ولو خرج من مكّة ولم يودّع ، يكون قد ترك الأفضل عندنا ، فلو رجع لطواف الوداع ، كان له ذلك إجماعاً ، فإن رجع وهو قريب لم يخرج من الحرم ، فلا بحث ، وإن خرج وقد بَعُد عن الحرم ، لم يجز له أن يتجاوز الميقات إلّا مُحْرماً ؛ لأنّه ليس من أهل الأعذار ، فحينئذٍ يطوف للعمرة لإحرامه ويسعىٰ ، ولا يجب عليه طواف الوداع عندنا . ولو رجع من دون الميقات ، أحرم من موضعه .
مسألة ٦٩٥ : وطواف الوداع سبعة أشواط كغيره ، ويستلم الحجر الأسود واليماني في كلّ شوط ، فإن تعذّر ، افتتح به وختم به ، ويأتي المستجار ، ويصنع عنده كما صنع يوم قدوم مكّة ، ويدعو ويلصق بطنه بالبيت ، ويحمد الله ويثني عليه ، ويدعو بالمنقول ، ثم يصلّي ركعتي الطواف .
وقال الصادق عليهالسلام : « ليكن آخر عهدك بالبيت أن تضع يدك علىٰ الباب وتقول : المسكين علىٰ بابك فتصدّق عليه بالجنّة » (٢) .
__________________
(١) المغني ٣ : ٤٩١ ـ ٤٩٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٠٤ ـ ٥٠٥ .
(٢) الكافي ٤ : ٥٣٣ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٢٨٢ / ٩٦٢ .