تذكرة الفقهاء - ج ٨

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٨

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-051-X
الصفحات: ٥٠٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

والشافعي وأحمد وأبو ثور وأصحاب الرأي وعطاء في إحدىٰ الروايتين (١) ـ لأنّه أزال ما منع من إزالته لأجل التنظيف والترفّه ، فوجبت الفدية ، كحلق الشعر .

وفي الرواية الاُخرىٰ عن عطاء : أنّه لا كفّارة ؛ لأنّ الشرع لم يرد فيه بفدية (٢) .

ونمنع عدم ورود الشرع علىٰ ما يأتي ، والقياس يدلّ عليه .

إذا عرفت هذا ، فإنّه يجب في الظفر الواحد مُدٌّ من طعام عند علمائنا أجمع ـ وبه قال أحمد والشافعي في أحد أقواله (٣) ـ لأنّ أبا بصير سأل الصادقَ عليه‌السلام ـ في الصحيح ـ : عن رجل قلّم ظفراً من أظافيره وهو مُحْرم ، قال : « عليه في كلّ ظفر قيمة مُدٌّ من طعام حتىٰ يبلغ عشرة » (٤) .

والثاني للشافعي : عليه درهم .

والثالث : ثُلْث دم ؛ لأنّ الدم عنده يجب في ثلاثة أظفار (٥) .

إذا ثبت هذا ، ففي الظفرين مُدّان ، وفي الثلاثة ثلاثة أمداد ، وهكذا يزيد في كلّ ظُفْر مُدٌّ إلى أن يستوعب القصّ أظفار يديه معاً ، فيجب عليه دم شاة عند علمائنا ؛ لأصالة البراءة من الدم ، فلا يثبت إلّا بدليل .

ولقول الصادق عليه‌السلام : « فإن قلّم أصابع يديه كلّها فعليه دم شاة » (٦) .

__________________

(١) المغني ٣ : ٥٣١ ـ ٥٣٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٢ ، بداية المجتهد ١ : ٣٦٧ ، الحاوي الكبير ٤ : ١١٧ ، المجموع ٧ : ٢٤٨ و ٣٧٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٩٤ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٧٧ .

(٢) المغني ٣ : ٥٣٢ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٧٧ .

(٣) المغني ٣ : ٥٣٢ ، الاُم ٢ : ٢٠٦ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٧ ، المجموع ٧ : ٣٧١ و ٣٧٦ .

(٤) التهذيب ٥ : ٣٣٢ / ١١٤١ ، الاستبصار ٢ : ١٩٤ / ٦٥١ ، والفقيه ٢ : ٢٢٧ / ١٠٧٥ .

(٥) فتح العزيز ٧ : ٤٦٧ ، المجموع ٧ : ٣٧١ و ٣٧٦ .

(٦) التهذيب ٥ : ٣٣٢ / ١١٤١ ، الاستبصار ٢ : ١٩٤ / ٦٥١ ، والفقيه ٢ : ٢٢٧ / ١٠٧٥ .

٢١
 &

وفي حديث الحلبي عنه عليه‌السلام « مُدّ في كلّ إصبع ، فإن هو قلّم أظافيره عشرتها فإنّ عليه دم شاة » (١) .

وقال أبو حنيفة : إن : قلّم خمس أصابع من يد واحدة ، لزمه الدم ، ولو قلّم من كلّ يد أربعة أظفار ، لم يجب عليه دم ، بل الصدقة . وكذا لو قلّم يداً واحدة إلّا بعض الظفر لم يجب الدم .

وبالجملة : فالدم عنده إنّما يجب بتقليم أظفار يد واحدة كاملة ـ وهو رواية لنا (٢) ـ لأنّه لم يستكمل منفعة اليد من التزيين والإرفاق الكامل ، بل تحصل بالشين في أعين الناس ، بخلاف اليد الواحدة (٣) .

وهو حجّة لنا ؛ فإنّ الإرفاق والتزيين إنّما يحصلان بتقليم اليدين معاً أو الرِّجْلين معاً ، لا بإحدىٰ اليدين أو إحدىٰ الرِّجلين .

وقال الشافعي : إن قلّم ثلاثة أظافير في مجلس واحد ، وجب الدم ، ولو كانت في ثلاثة أوقات متفرّقة ، ففي كلّ ظفر الأقوال الثلاثة . ولا يقول : إنّه يجب الدم عند التكامل ، وفي أصحابه مَنْ قال : عليه دم . وليس هو المذهب عندهم ؛ لأنّ الثلاثة جمع يقع عليها اسمه ، فأشبه ما لو قلّم خمساً من كلّ واحدة أو العشرة (٤) .

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٣٢ / ١١٤٢ ، الاستبصار ٢ : ١٩٤ / ٦٥٢ .

(٢) كما في الخلاف ـ للشيخ الطوسي ـ ٢ : ٣٠٩ ، المسألة ١٠٠ .

(٣) الهداية ـ للمرغيناني ـ ١ : ١٦٣ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٧٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٩٤ ، المغني ٣ : ٥٣٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ١١٧ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٨ ، المجموع ٧ : ٣٧٦ ، وحكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣٠٩ ، المسألة ١٠٠ .

(٤) انظر : المغني ٣ : ٥٣٢ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٧٢ ، والحاوي الكبير ٤ : ١١٧ ، والمجموع ٧ : ٣٦٩ و ٣٧٦ ، و ٣٨٠ ـ ٣٨١ ، وحكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣٠٩ و ٣١٠ ، المسألتان ١٠٠ و ١٠١ .

٢٢
 &

ونمنع تعلّق الدم بما يقع عليه اسم الجمع ، ولا عبرة به مع النصّ .

وقال محمّد : إذا قصّ خمسة أظفار من يدين أو رجلين أو منهما أو من واحدة منهما ، وجب الدم ؛ لأنّه ربع وزيادة ، فأشبه قصّ يد واحدة أو رِجْل واحدة (١) .

ونمنع ثبوت الحكم في الأصل .

فروع :

أ ـ الكفّارة تجب علىٰ كلّ مَنْ قلّم متعمّداً‌ ، ولا شي‌ء علىٰ الناسي ولا الجاهل عند علمائنا ـ وبه قال إسحاق وابن المنذر وأحمد (٢) ـ لما تقدّم .

ولقول الصادق عليه‌السلام : « وليس عليك فداء شي‌ء أتيته وأنت مُحْرمٌ جاهلاً به إذا كنت مُحْرماً في حجّك ولا عمرتك إلّا الصيد عليك الفداء بجهل كان أو عمد » (٣) الحديث .

ب ـ لو قصّ بعض الظفر ، وجب عليه ما يجب في جميعه .

ج ـ لو قصّ أظفار يديه ورجليه معاً ، فإن اتّحد المجلس ، وجب دم واحد ، وإن كان في مجلسين ، وجب دمان .

روىٰ أبو بصير ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه‌السلام ، قلت له : فإن قلّم أظافير رجليه ويديه جميعاً ، قال : « إن كان فَعَل ذلك في مجلس واحد ، فعليه دم ، وإن كان فَعَله متفرّقاً في مجلسين ، فعليه دمان » (٤) .

__________________

(١) بدائع الصنائع ٢ : ١٩٤ ، المجموع ٧ : ٣٧٦ .

(٢) الشرح الكبير ٣ : ٣٥٢ .

(٣) التهذيب ٥ : ٣٧٠ / ١٢٨٨ .

(٤) التهذيب ٥ : ٣٣٢ / ١١٤١ ، الاستبصار ٢ : ١٩٤ / ٦٥١ .

٢٣
 &

د ـ مَنْ أفتىٰ غيره بتقليم ظفره ، فقلّمه فأدماه ، وجب علىٰ المفتي دم شاة‌ ، لأنّه الأصل في إراقة الدم .

ولأنّ إسحاق الصيرفي سأل الكاظمَ عليه‌السلام : أنّ رجلاً أحرم فقلّم أظفاره ، وكانت إصبع له عليلة فترك ظفرها لم يقصّه ، فأفتاه رجل بعد ما أحرم ، فقصّه فأدماه ، قال : « علىٰ الذي أفتاه شاة » (١) .

البحث الرابع : في جزاء قتل هوامّ الجسد وقطع الشجر .

مسألة ٣٩٨ : يجب برمي القملة عن جسد المُحْرم أو قتلها كفٌّ من طعام‌ ـ وبه قال عطاء (٢) ـ لأنّه حصل به الترفّه والتنظّف ، فوجب عليه الفداء ، كحلق الرأس .

ولقول الصادق عليه‌السلام : « المُحْرم لا ينزع القملة من جسده ولا من ثوبه متعمّداً ، وإن فعل (٣) شيئاً من ذلك خطأً فليطعم مكانها طعاماً قبضةً بيده » (٤) .

وقال أصحاب الرأي : يتصدّق بمهما كان (٥) .

وقال إسحاق : يتصدّق بتمرة (٦) .

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٣٣ / ١١٤٦ .

(٢) المغني ٣ : ٢٧٤ ، المجموع ٧ : ٣٣٤ .

(٣) في المصدر : « وإن قتل » .

(٤) التهذيب ٥ : ٣٣٦ / ١١٦٠ ، الاستبصار ٢ : ١٩٦ ـ ١٩٧ / ٦٦١ .

(٥) بدائع الصنائع ٢ : ١٩٦ ، المغني ٣ : ٢٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٢ ، المجموع ٧ : ٣٣٤ .

(٦) المغني ٣ : ٢٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٢ ، المجموع ٧ : ٣٣٤ .

٢٤
 &

وقال مالك : حفنة من طعام (١) .

وقال طاوُس وسعيد بن جبير وأبو ثور وابن المنذر وأحمد في إحدىٰ الروايتين : لا شي‌ء عليه ؛ لأنّ ابن عباس سُئل : عن مُحْرم ألقىٰ قملة ثم طلبها فلم يجدها ، فقال : تلك ضالّة لا تبتغىٰ (٢) .

ولا دلالة فيه علىٰ عدم الفدية .

إذا عرفت هذا ، فإنّ الكفّارة تجب في العمد والسهو والخطأ ، كالصيد . وللرواية (٣) .

مسألة ٣٩٩ : يحرم قطع شجرة الحرم في قول العلماء كافّة ، وتجب في الكبيرة بقرة ، وفي الصغيرة شاة ، وفي أبعاضها قيمة ، قاله الشيخ (٤) رحمه‌الله .

وأوجب الشافعي وأحمد وأصحاب الرأي الضمان ، وهو مروي عن ابن عباس وعطاء (٥) .

لقوله عليه‌السلام : ( ولا يعضد شجرها ) (٦) .

ولقول ابن عباس : في الدوحة بقرة ، وفي الجزلة شاة (٧) .

ومن طريق الخاصّة : قول أحدهما عليهما‌السلام : « إذا كان في دار الرجل

__________________

(١) المغني ٣ : ٢٧٣ ـ ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٢ ، المجموع ٧ : ٣٣٤ .

(٢) المغني ٣ : ٢٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٢ ، المجموع ٧ : ٣٣٤ .

(٣) تقدّمت في صدر المسألة .

(٤) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٥٤ .

(٥) الاُم ٢ : ٢٠٨ ، مختصر المزني : ٧١ ، المجموع ٧ : ٤٩٤ و ٤٩٦ ، فتح العزيز ٧ : ٥١١ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٢ ، فتح الباري ٤ : ٣٥ ، المغني ٣ : ٣٦٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢١٠ ، بداية المجتهد ١ : ٣٦٥ .

(٦) صحيح البخاري ٣ : ١٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٨٩ / ٤٤٨ ، سنن أبي داود ٢ : ٢١٢ / ٢٠١٧ ، سنن النسائي ٥ : ٢١١ ، سنن البيهقي ٥ : ١٩٥ .

(٧) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٢٦ ، المغني ٣ : ٣٦٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٠ .

٢٥
 &

شجرة من شجر الحرم ولم تنزع ، فإن أراد نَزْعها ، نَزَعها ، وكفّر بذبح بقرة يتصدّق بلحمها علىٰ المساكين » (١) .

والرواية مرسلة .

وقال مالك : لا ضمان فيه ؛ لأنّ قطع شجر الحلّ لا يوجب الجزاء علىٰ المُحْرم ، فكذا قطع شجر الحرم ؛ لأنّ ما حرم بالإحرام لا يتفاوت ، كالصيد (٢) .

والجواب : أنّ هتك حرمة الحرم يحصل في الفرع (٣) دون الأصل ، فافترقا .

إذا عرفت هذا ، فالضمان ما قلناه عندنا وعند مَنْ أوجبه من العامّة ، إلّا أصحاب الرأي ؛ فإنّهم أوجبوا القيمة في الجميع ؛ لأنّه لا مقدّر فيه ، فأشبه الحشيش (٤) .

ونمنع الصغرىٰ .

البحث الخامس : فيما يجب بالفسوق والجدال .

مسألة ٤٠٠ : المُحْرم إذا جادل صادقاً مرّة أو مرّتين ، لم يكن عليه شي‌ء من الكفّارة‌ ؛ للأصل ، ويتوب ، فإن جادل ثلاثاً صادقاً ، وجب عليه دم شاة ؛ لارتكابه المحظور والمنهي عنه في قوله تعالىٰ : ( وَلَا جِدَالَ ) (٥) وهو يتناول الصادق والكاذب ؛ لقول الصادق عليه‌السلام : « إذا جادل فوق مرّتين

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٨١ / ١٣٣١ .

(٢) بداية المجتهد ١ : ٣٦٥ ، المغني ٣ : ٣٦٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٠ ، فتح العزيز ٧ : ٥١١ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٢ ، فتح الباري ٤ : ٣٥ .

(٣) الفرع هنا شجر الحرم باعتبار أنّه جُعل مقيساً علىٰ الأصل وهو شجر الحِلّ .

(٤) بدائع الصنائع ٢ : ٢١٠ ، المغني ٣ : ٣٦٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٠ ، المجموع ٧ : ٤٩٦ .

(٥) البقرة : ١٩٧ .

٢٦
 &

فعلىٰ المصيب دم يهريقه وعلىٰ المخطئ بقرة » (١) .

ولو جادل مرّةً كاذباً ، وجب عليه دم شاة ، فإن جادل مرّتين ، كان عليه بقرة ، فإن جادل ثلاثاً كاذباً ، كان عليه جزور ؛ لقول الصادق عليه‌السلام : « إذا جادل الرجل وهو مُحْرم وكذب متعمّداً فعليه جزور » (٢) .

هذا كلّه إذا فَعَله متعمّداً ، فإن فَعَله ساهياً ، لم يكن عليه شي‌ء .

مسألة ٤٠١ : الجدال : قول الرجل : لا والله وبلىٰ والله ؛ لأنّ معاوية بن عمّار روىٰ ـ في الصحيح ـ أنّه سأل الصادقَ عليه‌السلام : عن الرجل يقول : لا لعمري ، وهو مُحْرم ، قال : « ليس بالجدال ، إنّما الجدال قول الرجل : لا والله وبلىٰ والله ، وأمّا قوله : لاها ، فإنّما طلب الاسم ، وقوله : يا هناه ، فلا بأس به ، وأمّا قوله : لا بل شانئك ، فإنّه من قول الجاهلية » (٣) .

إذا عرفت هذا ، فهل الجدال مجموع اللفظتين ، أعني « لا والله » و« بلىٰ والله » أو إحداهما ؟ الأقرب : الثاني .

وأمّا الفسوق : فهو الكذب ، ولا شي‌ء فيه ؛ للأصل .

ولأنّ محمّد بن مسلم والحلبي قالا للصادق عليه‌السلام : أرأيت من ابتلىٰ بالفسوق ما عليه ؟ قال : « لم يجعل الله له حدّاً ، يستغفر الله ويلبّي » (٤) .

البحث السادس : فيما يجب بالاستمتاع .

مسألة ٤٠٢ : مَنْ وطئ امرأته وهو مُحْرم عالماً بالتحريم‌ عامداً قبل

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٣٧ / ١ ، الفقيه ٢ : ٢١٢ / ٩٦٨ .

(٢) التهذيب ٥ : ٣٣٥ / ١١٥٥ .

(٣) التهذيب ٥ : ٣٣٦ / ١١٥٧ .

(٤) الفقيه ٢ : ٢١٢ / ٩٦٨ .

٢٧
 &

الوقوف بالموقفين فسد حجّه بإجماع العلماء كافّة ؛ لما رواه العامّة عن ابن عباس : أنّ رجلاً سأله ، فقال : إنّي واقعت بامرأتي ونحن مُحْرمان ، فقال : أفسدت حجّك ، انطلق أنت وأهلك مع الناس فاقضوا ما يقضون ، وحلِّ إذا أحلّوا ، فإذا كان العام المقبل فاحجج أنت وامرأتك ، واهديا هدياً ، فإن لم تجدا ، فصُوما ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة إذا رجعتم (١) .

[ وفي حديث ابن عباس ] (٢) : ويتفرّقان من حيث يُحْرمان حتىٰ يقضيا حجّهما (٣) .

قال ابن المنذر : قول ابن عباس أعلىٰ شي‌ء روي فيمن وطئ في حجّه (٤) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه زرارة ، قال : سألته عن مُحْرم غشي امرأته وهي مُحْرمة ، فقال : « جاهلين أو عالمين ؟ » قلت : أجبني عن الوجهين جميعاً ، فقال : « إن كانا جاهلين ، استغفرا ربّهما ، ومضيا علىٰ حجّهما ، وليس عليهما شي‌ء ، وإن كانا عالمين ، فُرّق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه ، وعليهما بدنة ، وعليهما الحجّ من قابل ، فإذا بلغا المكان الذي أحدثا فيه ، فُرّق بينهما حتىٰ يقضيا مناسكهما ويرجعا إلىٰ المكان الذي أصابا فيه ما أصابا » قلت : فأيّ الحجّتين لهما ؟ قال : « الاُولىٰ التي أحدثا فيها ما أحدثا ، والاُخرىٰ عليهما عقوبة » (٥) .

إذا عرفت هذا ، فإنّه يجب عليه إتمام الحجّ الفاسد ، والحجّ من قابل ،

__________________

(١) المغني ٣ : ٣٢٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢١ .

(٢) أضفناها من المصدر .

(٣) المغني ٣ : ٣٢٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢١ .

(٤) المغني ٣ : ٣٢٣ ـ ٣٢٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢١ .

(٥) الكافي ٤ : ٣٧٣ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣١٧ / ١٠٩٢ .

٢٨
 &

ويكفّر ببدنة ، وإذا انتهيا إلىٰ المكان الذي أحدثا فيه ما أحدثا ، فُرّق بينهما بأن لا يخلوا بأنفسهما إلّا ومعهما ثالث محترم حتىٰ يقضيا مناسك القضاء إن حجّا علىٰ ذلك الطريق ـ وممّن قال بوجوب الفدية : ابن عباس وطاوُس وعطاء ومجاهد ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل وأبو ثور (١) لأنّه وطىء في إحرامٍ تامّ عامداً ، فوجب به عليه بدنة ، كما لو وطئ بعد الوقوف بالموقفين .

ولرواية معاوية بن عمّار ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل مُحْرم وقع علىٰ أهله ، فقال : « إن كان جاهلاً فليس عليه شي‌ء ، وإن لم يكن جاهلاً فإنّ عليه أن يسوق بدنة ، ويُفرّق بينهما حتىٰ يقضيا المناسك ويرجعا إلىٰ المكان الذي أصابا فيه ما أصابا ، وعليهما الحجّ من قابل » (٢) .

وقال أبو حنيفة : تجب عليه شاة ـ وقال الثوري وإسحاق : تجب عليه بدنة ، فإن لم يجد ، فشاة (٣) ـ لأنّه معنىٰ يتعلّق به وجوب القضاء ، فلا يتعلّق به وجوب البدنة ، كالفوات (٤) .

وهو باطل ؛ للفرق ، فإنّ الفوات لا تجب فيه الشاة بالإجماع ، بخلاف الإفساد ، وإذا ثبت الفرق ، بطل الإلحاق .

مسألة ٤٠٣ : يجب عليه إتمام الحجّ الفاسد‌ عند علمائنا ـ وهو قول

__________________

(١) المغني ٣ : ٣٢٤ ـ ٣٢٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٢ ، المجموع ٧ : ٣٨٧ و ٤١٤ و ٤١٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢١٥ ـ ٢١٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢١٧ .

(٢) التهذيب ٥ : ٣١٨ / ١٠٩٥ .

(٣) المغني ٣ : ٣٢٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٢ ، المجموع ٧ : ٤١٦ .

(٤) المغني ٣ : ٣٢٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢١٧ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٠ ، المجموع ٧ : ٤١٤ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢١٥ ـ ٢١٦ .

٢٩
 &

عامّة العلماء (١) ـ لقوله تعالىٰ : ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) (٢) وهو يتناول الفاسد .

ولما رواه العامّة عن علي عليه‌السلام ، وعمر وابن عباس وأبي هريرة أنّهم قالوا : مَنْ أفسد حجّه يمضي في فاسده ، ويقضي من قابل (٣) . ولم يعرف لهم مخالف ، فكان إجماعاً .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه‌السلام : « ويفرّق بينهما حتىٰ يقضيا المناسك » (٤) .

وقالت الظاهرية : يخرج من إحرامه ، ولا يجب عليه الإتمام ؛ لقوله عليه‌السلام : ( مَنْ عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو مردود ) (٥) (٦) .

والجواب : المضيّ في الفاسد مأمور به .

إذا عرفت هذا ، فإنّه يجب عليه القضاء في السنة المُقْبلة علىٰ الفور وجوباً عند علمائنا ـ وبه قال الشافعي (٧) ـ لما رواه العامّة : أنّ رجلاً أفسد حجّه ، فسأل عمر ، فقال : يقضي من قابل ، وسأل ابن عباس ، فقال كذلك ،

__________________

(١) الشرح الكبير ٣ : ٣٢٣ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢١٥ ـ ٢١٦ ، المجموع ٧ : ٣٨٨ و ٤١٤ .

(٢) البقرة : ١٩٦ .

(٣) الحاوي الكبير ٤ : ٢١٦ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٢٢ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧٢ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٣٢٣ ، المحلّىٰ ٧ : ١٩٠ ، سنن البيهقي ٥ : ١٦٧ .

(٤) التهذيب ٥ : ٣١٨ / ١٠٩٥ .

(٥) كتاب السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ ١ : ٢٨ / ٥٢ ، وبتفاوت في صحيح البخاري ٣ : ٩١ ، وصحيح مسلم ٣ : ١٣٤٣ ـ ١٣٤٤ / ١٨ ، ومسند أحمد ٦ : ١٤٦ و ١٨٠ و ٢٥٦ .

(٦) المحلّىٰ ٧ : ١٨٩ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢١٦ ، المجموع ٧ : ٣٨٨ و ٤١٤ .

(٧) الحاوي الكبير ٤ : ٢٢١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧٣ ـ ٤٧٤ ، المجموع ٧ : ٣٨٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٠ .

٣٠
 &

وسأل ابن عمر ، فقال كذلك (١) ، ولم يوجد لهم مخالف ، فكان إجماعاً .

ومن طريق الخاصّة : ما تقدّم في المسألة السابقة (٢) .

ولأنّه لمّا دخل في الإحرام تعيّن عليه ، فيجب أن يكون قضاؤه متعيّناً .

ولأنّ الحجّ واجب علىٰ الفور ، والتقدير أنّه لم يقع ؛ إذ الفاسد لا يُخرج المكلّف عن عهدة التكليف .

واختلف أصحاب الشافعي علىٰ قولين :

أحدهما كما قلناه .

والثاني أنّه علىٰ التراخي ؛ لأنّ الأداء واجب علىٰ التراخي ، فالقضاء أولىٰ ، فإنّ الصوم يجب علىٰ الفور ، وقضاؤه علىٰ التراخي (٣) .

ونمنع التراخي في الأداء ، وقد سبق (٤) .

مسألة ٤٠٤ : المرأة الموطوءة إذا كانت مُحْرمةً ، فإن طاوعت الزوج ، فسد حجّها ، ووجب إتمامه وبدنة والحجّ من قابل ، وإن أكرهها ، لم يكن عليها شي‌ء ، وتحمّل عنها البدنة خاصّةً ـ وبه قال ابن عباس وسعيد بن المسيّب والنخعي والضحّاك ومالك والحكم وأحمد (٥) ـ لوجود المقتضي ـ وهو الإفساد ـ في حقّها ، كوجوده في حقّه ، فتساويه في العقوبة .

ولما رواه علي بن أبي حمزة ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام : عن

__________________

(١) الحاوي الكبير ٤ : ٢١٦ ، المغني ٣ : ٣٢٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢١ .

(٢) من رواية زرارة .

(٣) الحاوي الكبير ٤ : ٢٢١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧٣ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٠ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٢٢ ، المجموع ٧ : ٣٨٩ .

(٤) سبق في ج ٧ ص ١٧ ، المسألة ٨ .

(٥) المغني ٣ : ٣٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٧ ، بداية المجتهد ١ : ٣٧١ .

٣١
 &

رجل مُحْرم واقع أهله ، فقال : « قد أتىٰ عظيماً » قلت : أفتني ، قال : « استكرهها أو لم يستكرهها ؟ » قلت : أفتني فيهما جميعاً ، فقال : « إن كان استكرهها ، فعليه بدنتان ، وإن لم يكن استكرهها ، فعليه بدنة ، وعليها بدنة ، ويفترقا من المكان الذي كان فيه ما كان حتىٰ ينتهيا إلىٰ مكّة ، وعليهما الحجّ من قابل لا بُدّ منه » (١) .

وقال الشافعي : يجزئهما هدي واحد ـ وبه قال عطاء وأحمد في إحدىٰ الروايتين ـ لأنّه جماع واحد ، فلم يوجب أكثر من بدنة ، كرمضان (٢) .

ونمنع الحكم في الأصل ؛ لقول ابن عباس : أهد ناقةً ، ولْتُهْدِ ناقةً (٣) .

ولأنّها أحد المجامعين من غير إكراه ، فلزمها بدنة ، كالرجل .

فروع :

أ ـ لو كانت المرأة مُحلّةً ، لم يتعلّق بها شي‌ء ، ولا يجب عليها كفّارة ولا حجّ ، ولا علىٰ الرجل بسببها ؛ لأنّه لم تحصل منها جناية في إحرام ، فلا عقوبة عليها .

ب ـ لو أكرهها ـ وهي مُحْرمة ـ علىٰ الجماع ، وجب عليه بدنتان : إحداهما عن نفسه ، والاُخرىٰ عنها ؛ لأنّ البدنتين عقوبة هذا الذنب ، وقد صدر بالحقيقة عنه ، فكانت العقوبة عليه ، وبه قال عطاء ومالك وأحمد في إحدىٰ الروايتين (٤) .

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٧٤ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٣١٧ ـ ٣١٨ / ١٠٩٣ .

(٢) الحاوي الكبير ٤ : ٢٢١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧٥ ، المجموع ٧ : ٣٩٥ ، المغني ٣ : ٣٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٧ .

(٣) المغني ٣ : ٣٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٧ .

(٤) المغني ٣ : ٣٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٧ ، بداية المجتهد ١ : ٣٧١ .

٣٢
 &

وقال في الاُخرىٰ : لا شي‌ء عليه عنها . وبه قال إسحاق وأبو ثور وابن المنذر (١) .

وعنه ثالثة : أنّ البدنة عليها (٢) .

وهو خطأ ؛ لما مرّ .

ولا يجب عليها حجّ ثانٍ ولا عليه عنها ، بل يحجّ عن نفسه في القابل ، لبقاء حجّتها علىٰ الصحّة .

ج ـ إذا كانت مطاوعةً ، وجب عليها قضاء الحجّ ؛ لما قلناه .

ونفقة الحجّ عليها لا علىٰ الزوج .

وللشافعية وجهان : هذا أحدهما ، والثاني : أنّ عليه غرامة الحجّ لها (٣) .

وهو غلط ؛ فإنّ نفقة الأداء لم تكن عليه ، فكذا القضاء .

احتجّوا : بأنها غرامة تعلّقت بالوطء ، فكانت علىٰ الزوج كالمهر (٤) .

والجواب : أنّ المهر عوض بُضْعها ، أمّا الكفّارة فإنّها عقوبة .

وعلىٰ هذا فثمن ماء غسلها عليها خاصّة ، خلافاً لهم (٥) .

مسألة ٤٠٥ : يجب عليهما أن يفترقا في القضاء إذا بلغا المكان الذي وطئها فيه إلىٰ أن يقضيا المناسك‌ إن حجّا علىٰ ذلك الطريق ـ وبه قال الشافعي في القديم ، وأحمد (٦) ـ لما رواه العامّة عن علي عليه‌السلام ، وعمر

__________________

(١ و ٢) المغني ٣ : ٣٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٧ .

(٣ و ٤) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٢٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٢١ .

(٥) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٢٢ ، المجموع ٧ : ٣٩٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣١١ .

(٦) الحاوي الكبير ٤ : ٢٢٢ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧٦ ، المجموع ٧ : ٣٩٩ ، المغني ٣ : ٣٨٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٤ ، بداية المجتهد ١ : ٣٧١ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢١٨ .

٣٣
 &

وعثمان وابن عباس (١) ، ولا مخالف لهم ، فكان إجماعاً .

ومن طريق الخاصّة : ما تقدّم (٢) في حديث زرارة : « وإن كانا عالمين فُرّق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه حتىٰ يقضيا مناسكهما ويرجعا إلىٰ المكان الذي أصابا فيه ما أصابا » .

واختلف أصحاب الشافعي علىٰ وجهين : أحدهما كما قلنا ، والثاني : أنّه مستحب (٣) .

وقال مالك : يفترقان من حيث يُحْرمان ـ ونقله في الموطّأ (٤) عن علي عليه‌السلام ـ لأنّ التفريق إنّما يكون لخوف مواقعة الوطء ، وذلك يوجد بإحرامهما (٥) .

والجواب : أنّ التفريق في جميع المسافة مشقّة عظيمة ، فاقتصر علىٰ موضع مواقعة المحظور ؛ لأنّه الذي به يحصل الداعي إلىٰ الوطء .

وقال أبو حنيفة : لا أعرف هذه التفرقة ؛ لأنّه لو وطئها في رمضان ، لم يجب التفريق بينهما في قضائه ، فكذا هنا (٦) .

والجواب : التفريق في الصوم مشقّة ؛ لأنّ السكنىٰ يجمعهما .

__________________

(١) المغني ٣ : ٣٨٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٤ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٢٢ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧٦ ، سنن البيهقي ٥ : ١٦٧ .

(٢) تقدّم في المسألة ٤٠٢ .

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٧٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٢٣ ، المجموع ٧ : ٣٩٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣١١ .

(٤) الموطّأ ١ : ٣٨١ ـ ٣٨٢ / ١٥١ .

(٥) المدوّنة الكبرىٰ ١ : ٤٥٤ ، بداية المجتهد ١ : ٣٧١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣١١ ، المغني ٣ : ٣٨٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٤ .

(٦) بدائع الصنائع ٢ : ٢١٨ ، الاختيار لتعليل المختار ١ : ٢١٧ ، حلية العلماء ٣ : ٣١١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٢٢ .

٣٤
 &

ولأنّ القضاء في رمضان لا يتعيّن ، وهنا متعيّن .

ولأنّ مشقّة إفساد قضاء رمضان أقلّ كثيراً من المشقّة هنا ، فكان الاحتراز هنا عمّا يفسده أشدّ من الاحتراز هناك .

إذا عرفت هذا ، فإنّ التفريق ينبغي أن يكون في القضاء من المكان الذي أحدثا فيه ما أحدثا حتىٰ يقضيا المناسك .

والروايات تعطي التفريق أيضاً في الحجّة الاُولىٰ من ذلك المكان حتىٰ يأتيها بها فاسدة أيضاً .

وهو جيّد ؛ لأنّ التحريم في الفاسد ثابت كالصحيح ، فوجبت التفرقة .

وحدّ الافتراق أن لا يخلوا بأنفسهما ، بل متىٰ اجتمعا كان معهما ثالث مُحترم ؛ لأنّ وجود الثالث يمنع من الإقدام علىٰ المواقعة ، كمنع التفريق .

ولقول الصادق عليه‌السلام : في المُحْرم يقع علىٰ أهله ، قال : « يفرّق بينهما ، ولا يجتمعان في خباء إلّا أن يكون معهما غيرهما حتىٰ يبلغ الهدي محلّه » (١) .

مسألة ٤٠٦ : لو وطئ ناسياً أو جاهلاً بالتحريم ، لم يفسد حجّه ، ولا شي‌ء عليه ـ وبه قال الشافعي في الجديد (٢) ـ لقوله عليه‌السلام : ( رُفع عن اُمّتي الخطأ والنسيان ) (٣) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه‌السلام : « إن كانا جاهلين استغفرا ربّهما ، ومضيا علىٰ حجّهما ، وليس عليهما شي‌ء » (٤) .

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣١٩ / ١١٠٠ .

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٧٨ ، المجموع ٧ : ٣٤١ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢١٩ ، المغني ٣ : ٣٣٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢١٧ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ١٢١ .

(٣) كنز العمّال ٤ : ٢٣٣ / ١٠٣٠٧ نقلاً عن الطبراني في المعجم الكبير .

(٤) الكافي ٤ : ٣٧٣ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣١٧ / ١٠٩٢ .

٣٥
 &

ولأنّها عبادة تجب بإفسادها الكفّارة ، فافترق وطء العامد والناسي فيها ، كالصوم .

وقال الشافعي في القديم : يفسد حجّه ، وتجب الفدية كالعامد ـ وبه قال مالك وأحمد وأصحاب الرأي ـ لأنّه سبب يتعلّق به وجوب القضاء ، فاستوىٰ عمده وسهوه كالفوات .

ولأنّه من محظورات الإحرام ، فاستوىٰ عمده وسهوه ، كقتل الصيد (١) .

والفرق : أنّ الفوات ترك ركن ، فاستوىٰ عمده وسهوه ، كغيره من الاُصول .

وجزاء الصيد ضمان الإتلاف ، وذلك يستوي في الاُصول عمده وسهوه .

تذنيب : لو اُكره علىٰ الجماع ، لم يفسد حجّه ، ولا كفّارة عليه عندنا ـ وللشافعي قولان كالناسي (٢) ـ لقوله عليه‌السلام : ( وما استكرهوا عليه ) (٣) .

ولأنّ الإكراه يرفع الفساد في حقّ المرأة ، فكذا في حقّ الرجل ؛ لعدم الفرق بينهما .

مسألة ٤٠٧ : لا فرق بين الوطء في القُبُل والدُّبُر من المرأة والغلام في وجوب الكفّارة وإفساد الحجّ‌ ـ وبه قال الشافعي ومالك وأحمد وأبو يوسف

__________________

(١) الحاوي الكبير ٤ : ٢١٩ ، المجموع ٧ : ٣٤١ ، بداية المجتهد ١ : ٣٧١ ، المغني ٣ : ٣٣٨ ـ ٣٣٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢١٧ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ١٢١ .

(٢) المجموع ٧ : ٣٤١ ـ ٣٤٢ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧٨ .

(٣) كنز العمّال ٤ : ٢٣٣ / ١٠٣٠٧ نقلاً عن الطبراني في المعجم الكبير .

٣٦
 &

ومحمّد (١) ـ لأنّه وطء في فرج يوجب الغسل ، فيوجب الإفساد ، كالقُبُل .

وللروايات الدّالة علىٰ إيجاب ما ذكرنا علىٰ مَنْ واقع أو غشي امرأته ، وهو صادق في المتنازع .

وقال أبو حنيفة : لا يفسد بالوطء في الدُّبُر ـ رواه عنه أبو ثور ـ لأنّه وطء لا يتعلّق به الإحصان والإحلال ، فأشبه الوطء فيما دون الفرج (٢) .

والفرق : أنّ وطء ما دون الفرج لا يوجب الغسل ، وليس كبيرةً في حقّ الأجنبية ، ولا يوجب مهراً ولا حدّاً ولا عدّة ، بخلاف المتنازع .

قال الشيخ رحمه‌الله : من أصحابنا مَنْ قال : إتيان البهيمة واللواط بالرجال والنساء بإتيانها في دُبُرها كلّ ذلك يتعلّق به فساد الحجّ . وبه قال الشافعي (٣) .

ومنهم مَنْ قال : لا يتعلّق الفساد إلّا بالوطء في قُبُل المرأة .

وقال أبو حنيفة : إتيان البهيمة لا يفسده ، والوطء في الدُّبُر علىٰ روايتين : المعروف : أنّه يفسده .

واستدلّ علىٰ الأوّل : بطريقة الاحتياط ، وعلىٰ الثاني : ببراءة الذمّة (٤) .

وهو يدلّ علىٰ تردّد الشيخ في تعلّق الإفساد بوطء دُبُر المرأة والغلام .

وجزم في المبسوط بتعلّق الفساد بوطء دُبُر المرأة (٥) .

__________________

(١) الحاوي الكبير ٤ : ٢٢٤ ، المجموع ٧ : ٤٠٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٤ ، المغني ٣ : ٣٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٢ .

(٢) بدائع الصنائع ٢ : ٢١٧ ، المغني ٣ : ٣٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٤ .

(٣) في الطبعة الحجرية زيادة : ومنهم من قال : لا يتعلّق به فساد الحجّ . وفي النسخ « ف ، ط ، ن » مضافاً إلىٰ ذلك زيادة : وبه قال الشافعي . ولم ترد في المصدر .

(٤) الخلاف ٢ : ٣٧٠ ـ ٣٧١ ، المسألة ٢١٠ .

(٥) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٣٦ .

٣٧
 &

وأمّا إتيان البهائم : فقال مالك وأبو حنيفة : لا يفسد به الحجّ ؛ لأنّه انعقد صحيحاً ، فلا يفسده إلّا دليل شرعي ، ولم يثبت (١) .

وقال الشافعي : يفسد الحجّ (٢) .

مسألة ٤٠٨ : لو استمنىٰ بيده ، قال الشيخ رحمه‌الله : حكمه حكم المجامع ، إن كان قبل الوقوف بالموقفين ، فسد حجّه ، ووجب عليه بدنة (٣) ؛ لأنّ إسحاق بن عمّار سأل أبا الحسن عليه‌السلام : ما تقول في مُحْرم عبث بذكره فأمنىٰ ، قال : « أرىٰ عليه مثل ما علىٰ مَنْ أتىٰ أهله وهو مُحْرم : بدنة والحجّ من قابل » (٤) .

ولأنّه هتك حرمة الإحرام بالإنزال علىٰ وجه أبلغ من الوطء ؛ لاقترانه (٥) في القبح ، فكان مساوياً له في العقوبة .

وقال ابن إدريس : لا يفسد الحجّ ، وتجب البدنة ؛ للأصل الدالّ علىٰ براءة الذمّة ، خرج وجوب الكفّارة ؛ للإجماع ، فيبقىٰ الباقي علىٰ أصله (٦) .

مسألة ٤٠٩ : لو وطئ فيما دون الفرج وأنزل ، وجب عليه بدنة ، ولا يفسد حجّه وإن كان قبل الموقفين ـ وبه قال أحمد في إحدىٰ الروايتين (٧) ـ لأنّه جماع ، فوجبت الفدية ، كالفرج .

__________________

(١) المغني ٣ : ٣٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٢ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧١ ، المجموع ٧ : ٤٢١ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٢٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٤ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢١٦ .

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٧١ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٢٤ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٢٣ ، المجموع ٧ : ٤٠٩ و ٤٢١ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٤ ، المغني ٣ : ٣٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٢ .

(٣) النهاية : ٢٣١ ، التهذيب ٥ : ٣٢٤ ذيل الحديث ١١١٢ .

(٤) التهذيب ٥ : ٣٢٤ / ١١١٣ .

(٥) الظاهر ـ كما في هامش الطبعة الحجرية ـ : لمشابهته إيّاه .

(٦) السرائر : ١٢٩ .

(٧) المغني ٣ : ٣٣١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٨ .

٣٨
 &

ولأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادقَ عليه‌السلام ـ في الصحيح ـ عن رجل وقع علىٰ أهله فيما دون الفرج ، قال : « عليه بدنة ، وليس عليه الحجّ من قابل » (١) .

وفي الصحيح عن معاوية بن عمّار عن الصادق عليه‌السلام : في المُحْرم يقع علىٰ أهله ، قال : « إن كان أفضىٰ إليها ، فعليه بدنة ، والحجّ من قابل ، وإن لم يكن أفضىٰ إليها ، فعليه بدنة ، وليس عليه الحجّ من قابل » (٢) .

ولأنّه استمتاع لا يجب بنوعه الحجّ ، فلم يُفسد الحج ، كالتقبيل .

وقال أحمد في الرواية الاُخرىٰ : تجب عليه بدنة ، ويفسد حجّه ـ وبه قال الحسن وعطاء ومالك وإسحاق ـ لأنّها عبادة يفسدها الوطء ، فأفسدها الإنزال عن مباشرة ، كالصيام (٣) .

والفرق : أنّ الصوم يخالف الحجّ في المفسدات .

وقال الشافعي وأصحاب الرأي : عليه شاة ؛ لأنّه مباشرة فيما دون الفرج ، فأشبه القُبْلة (٤) .

والفرق : أنّه أفحش ذنباً من القُبْلة ، فالعقوبة فيه أشدّ .

ولو لم ينزل ، قال العامّة : تجب الشاة (٥) .

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣١٨ ـ ٣١٩ / ١٠٩٧ ، الاستبصار ٢ : ١٩٢ / ٦٤٤ .

(٢) الكافي ٤ : ٣٧٣ ـ ٣٧٤ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٣١٩ / ١٠٩٨ ، الاستبصار ٢ : ١٩٢ / ٦٤٥ .

(٣) المغني ٣ : ٣٣٠ ـ ٣٣١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٨ ، بداية المجتهد ١ : ٣٧١ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٨٠ .

(٤) الحاوي الكبير ٤ : ٢٢٣ ، فتح العزيز ٧ : ٤٨٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٥ ، المجموع ٧ : ٢٩١ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ١٢٠ ، المغني ٣ : ٣٣١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٨ .

(٥) المغني ٣ : ٣٣٠ .

٣٩
 &

مسألة ٤١٠ : لو وطئ قبل التلبية أو الإشعار أو التقليد ، لم يكن عليه شي‌ء‌ وإن تلبّس بالإحرام ؛ لأنّ انعقاد الإحرام بأحد الثلاثة ، فإذا وطئ قبلها ، لم يصادف إحراماً منعقداً ؛ لأنّ حريزاً روىٰ ـ في الحسن ـ عن الصادق عليه‌السلام : « في الرجل إذا تهيّأ للإحرام فله أن يأتي النساء ما لم يعقد التلبية أو يلبّي » (١) .

مسألة ٤١١ : لو جامع بعد الوقوف بالموقفين ، لم يفسد حجّه ، وعليه بدنة لا غير ، عند علمائنا ـ وبه قال أبو حنيفة (٢) ـ لما رواه العامّة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( مَنْ أدرك عرفة فقد تمّ حجّه ) (٣) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه‌السلام ـ في الصحيح ـ : « إذا واقع الرجل دون المزدلفة أو قبل أن يأتي مزدلفة ، فعليه الحجّ من قابل » (٤) دلّ بمفهومه علىٰ عدم وجوب الحجّ لو جامع بعد الوقوف بالمزدلفة .

وقال الشافعي : لا فرق بين الجماع قبل الوقوف وبعده في الإفساد إذا كان قبل التحلّل الأوّل ، ولو كان بعد التحلّل الأوّل بالرمي والحلق ، لم يفسد إحرامه الماضي ، ويأتي بالطواف ، وعليه الكفّارة ؛ لأنّه وطء عمد صادف إحراماً تامّاً ، فأفسده ، كما لو كان قبل الوقوف (٥) .

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٣٠ / ٧ ، التهذيب ٥ : ٣١٦ ـ ٣١٧ / ١٠٩٠ ، الاستبصار ٢ : ١٩٠ / ٦٣٧ .

(٢) النتف ١ : ٢١٣ ، الاختيار لتعليل المختار ١ : ٢١٨ ، المغني ٣ : ٣٢٤ و ٣٢٥ و ٥١٦ و ٥١٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢١ ، المجموع ٧ : ٤١٤ .

(٣) المغني ٣ : ٥١٦ .

(٤) التهذيب ٥ : ٣١٩ / ١٠٩٩ .

(٥) الحاوي الكبير ٤ : ٢١٧ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧١ ، المجموع ٧ : ٣٨٧ ـ ٣٨٨ و ٤١٤ ، المغني ٣ : ٥١٦ .

٤٠