تذكرة الفقهاء - ج ٨

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٨

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-051-X
الصفحات: ٥٠٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

فعل ، وقال : « خُذوا عنّي مناسككم » (١) .

ولقوله عليه‌السلام : ( بمثلها فارموا ) (٢) أوجب استناد الرمي إلينا .

ولو رمىٰ بحصاة فوقعت علىٰ الأرض ثم مرّت علىٰ سننها أو أصابت شيئاً صلباً كالمحمل وشبهه ثم وقعت في المرمىٰ بعد ذلك ، أجزأه ؛ لأنّ وقوعها في المرمىٰ بفعله ورميه ، بخلاف المزدلف في المسابقة ، فإنّه لا يعتدّ به في الإصابة ؛ لأنّ القصد إبانة الحذق ، فإذا ازدلف السهم فقد عدل عن السنن ، فلم تدلّ الإصابة علىٰ حذقه ، فلهذا لم يعتد به ، بخلاف الحصاة ؛ فإنّ الغرض إصابة الجمرة بفعله كيف كان .

أمّا لو وقعت الحصاة علىٰ ثوب إنسان فنفضها فوقعت في المرمىٰ ، فإنّه لا يجزئه ـ وبه قال الشافعي (٣) ـ لأنّه لم يمتثل أمر الإصابة بفعله .

وقال أحمد : يجزئه ؛ لأنّ ابتداء الرمي من فعله ، فأشبه ما لو أصاب موضعاً صلباً ثم وقعت في المرمىٰ (٤) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ المأخوذ عليه الإصابة بفعله ولم تحصل ، فأشبه ما لو وقعت في غير المرمىٰ فأخذها غيره فرمىٰ بها في المرمىٰ .

وكذا لو وقعت علىٰ ثوب إنسان فتحرّك فوقعت في المرمىٰ ، أو علىٰ عنق بعير فتحرّك فوقعت في المرمىٰ ؛ لإمكان استناد الإصابة إلىٰ حركة

__________________

(١) سنن البيهقي ٥ : ١٢٥ .

(٢) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٠٨ / ٣٠٢٩ ، سنن النسائي ٥ : ٢٦٨ ، سنن البيهقي ٥ : ١٢٧ ، بتفاوت يسير .

(٣) الاُم ٢ : ٢١٣ ، مختصر المزني : ٦٨ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٨٠ ، فتح العزيز ٧ : ٣٩٩ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٣٥ ، المجموع ٨ : ١٧٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤١ .

(٤) المغني ٣ : ٤٦٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٥٨ ، فتح العزيز ٧ : ٣٩٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤١ .

٢٢١
 &

البعير والإنسان .

ولو رماها نحو المرمىٰ ولم يعلم هل حصلت في المرمىٰ أم لا ، فالوجه أنّه لا يجزئه ـ وهو قول الشافعي في الجديد (١) ـ لأصالة البقاء ، وعدم يقين البراءة .

وقال في القديم : يجزئه ؛ بناءً علىٰ الظاهر (٢) .

ولو رمىٰ حصاة فوقعت علىٰ حصاة فطفرت الثانية في المرمىٰ ، لم يجزئه ؛ لأنّ التي رماها لم تحصل في المرمىٰ ، والتي حصلت لم يرمها ابتداءً .

ولو رمىٰ إلىٰ غير المرمىٰ فوقع في المرمىٰ ، لم يجزئه ؛ لأنّه لم يقصده ، بخلاف ما لو رمىٰ إلىٰ صيد فوقع في غيره ، صحّت تذكيته ؛ لعدم القصد في الذكاة ، والرمي يعتبر فيه القصد .

ولو وقعت علىٰ مكان أعلىٰ من الجمرة فتدحرجت في المرمىٰ ، فالأقرب الإجزاء ؛ لحصولها في المرمىٰ بفعله ، خلافاً لبعض الشافعيّة (٣) .

ولو رمىٰ بحصاة فالتقمها طائر قبل وصولها ، لم يجزئه ، سواء رماها الطائر في المرمىٰ أو لا ؛ لأنّ حصولها في المرمىٰ لم يكن بفعله .

ولو رمىٰ بحصاة كان قد رماها فأصابت غير المرمىٰ فأصاب المرمىٰ ثانياً ، صحّ .

ولو أصابت الحصاة إنساناً أو غيره ثم وقعت علىٰ المرمىٰ ، أجزأه ؛ لقول الصادق عليه‌السلام ـ في الصحيح ـ : « وإن أصابت إنساناً أو جَمَلاً ثم وقعت

__________________

(١) الاُمّ ٢ : ٢١٣ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٨١ ، فتح العزيز ٧ : ٣٩٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤١ ، المجموع ٨ : ١٧٥ .

(٢) الحاوي الكبير ٤ : ١٨١ ، المجموع ٨ : ١٧٥ .

(٣) الحاوي الكبير ٤ : ١٨١ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٣٥ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤٢ .

٢٢٢
 &

علىٰ الجمار أجزأك » (١) .

مسألة ٥٦٥ : ويرمي كلّ حصاة بانفرادها‌ ، فلو رمىٰ الحصيات دفعةً واحدة ، لم يجزئه ؛ لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله رمىٰ متفرّقاً (٢) ، وقال : ( خُذوا عنّي مناسككم ) (٣) وبه قال مالك والشافعي وأحمد وأصحاب الرأي (٤) .

وقال عطاء : يجزئه (٥) .

وهو مخالف لما فَعَله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ويرمي جمرة العقبة من بطن الوادي من قِبَل وجهها مستحبّاً إجماعاً ؛ لما روىٰ العامّة أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رمىٰ الجمرة من بطن الوادي وهو راكب يكبّر مع كلّ حصاة (٦) .

ومن طريق الخاصّة : قول الرضا عليه‌السلام : « وارمها من بطن الوادي ، واجعلهنّ علىٰ يمينك كلّهنّ » (٧) .

ويستحب أن يرميها مستقبلاً لها مستدبراً للكعبة ، بخلاف غيرها من الجمار ، وهو قول أكثر العلماء ؛ لما روىٰ العامّة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه رمىٰ جمرة العقبة مستدبراً للقبلة (٨) .

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٨٣ ـ ٤٨٤ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٢٨٥ / ١٣٩٩ ، التهذيب ٥ : ٢٦٦ ـ ٢٦٧ / ٩٠٧ .

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٨٩٢ / ١٢١٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٠٨ / ٣٠٣١ و ١٠٢٦ / ٣٠٧٤ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٦ / ١٩٠٥ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٩ ، سنن البيهقي ٥ : ١٢٩ .

(٣) سنن البيهقي ٥ : ١٢٥ .

(٤) المدوّنة الكبرىٰ ١ : ٤٢١ ، الاُم ٢ : ٢١٣ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٣٥ ، فتح العزيز ٧ : ٣٩٩ ، المجموع ٨ : ١٨٥ ، المغني ٣ : ٤٦٠ ـ ٤٦١ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٥٧ .

(٥) المغني ٣ : ٤٦١ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٥٧ ، المجموع ٨ : ١٨٥ .

(٦) سنن أبي داود ٢ : ٢٠٠ / ١٩٦٦ ، سنن البيهقي ٥ : ١٣٠ .

(٧) الكافي ٤ : ٤٧٨ / ٧ ، التهذيب ٥ : ١٩٧ / ٦٥٦ .

(٨) الكامل في الضعفاء ـ لابن عدي ـ ٥ : ١٨٧٨ ، وأورده الشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٣٦٩ .

٢٢٣
 &

وينبغي أن يرميها من قِبَل وجهها ، ولا يرميها من أعلاها ؛ لقول الصادق عليه‌السلام ـ في الحسن ـ : « ثم ائت الجمرة القصوىٰ التي عند العقبة فارمها من قِبَل وجهها ولا ترمها من أعلاها » (١) .

قال الشيخ رحمه‌الله : جميع أفعال الحجّ يستحب أن تكون مستقبل القبلة من الوقوف بالموقفين ورمي الجمار إلّا جمرة العقبة يوم النحر ، فإنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله رماها مستقبلها مستدبراً للكعبة (٢) .

إذا عرفت هذا ، فلا ينبغي أن يرميها من أعلاها .

وروىٰ العامّة أنّ عمر جاء والزحام عند الجمرة فصعد فرماها من فوقها (٣) .

وهو ممنوع ؛ لما رووه عن عبد الرحمن بن يزيد (٤) أنّه مشىٰ مع عبد الله بن مسعود وهو يرمي الجمرة ، فلمّا كان في بطن الوادي اعترضها فرماها ، فقيل له : إنّ ناساً يرمونها من فوقها ، فقال : من هاهنا ـ والذي لا إله غيره ـ رأيت الذي نزلت عليه سورة البقرة رماها (٥) .

ومن طريق الخاصّة : قول الرضا عليه‌السلام : « ولا ترم أعلىٰ الجمرة » (٦) .

وقول الصادق عليه‌السلام : « ولا ترمها من أعلاها » (٧) .

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٧٨ ـ ٤٧٩ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٩٨ / ٦٦١ .

(٢) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٦٩ .

(٣) المغني ٣ : ٤٥٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٥٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٨٤ .

(٤) في « ق ، ك » والطبعة الحجرية : عبد الله بن سويد ، بدل عبد الرحمن بن يزيد ، وما أثبتناه من المصادر .

(٥) صحيح البخاري ٢ : ٢١٧ ـ ٢١٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٤٣ ـ ٩٤٤ / ٣٠٥ ـ ٣٠٩ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٤٥ ـ ٢٤٦ / ٩٠١ ، سنن البيهقي ٥ : ١٢٩ ، المغني ٣ : ٤٥٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٥٦ .

(٦) التهذيب ٥ : ١٩٧ / ٦٥٦ .

(٧) المصدر في الهامش (١) .

٢٢٤
 &

مسألة ٥٦٦ : ويستحب له أن يرميها خذفاً‌ بأن يضع كلّ حصاة علىٰ بطن إبهامه ويدفعها بظفر السبّابة ؛ لقول الرضا عليه‌السلام : قال : « تخذفهنّ خذفاً وتضعها [ علىٰ الإبهام ] (١) وتدفعها بظفر السبّابة » (٢) .

ولو رماها علىٰ غير هذه الصفة أجزأ .

ويستحب أن يكون بينه وبين الجمرة قدر عشرة أذرع إلىٰ خمسة عشر ذراعاً ؛ لقول الصادق عليه‌السلام : « وليكن فيما بينك وبين الجمرة قدر عشرة أذرع أو خمسة عشر ذراعاً » (٣) .

ويستحبّ أن يكبّر مع كلّ حصاة ، ويدعو بالمنقول .

قال الشافعي : ويقطع التلبية إذا ابتدأ بالرمي ؛ لأنّ التلبية شعار الإحرام ، والرمي أخذ في التحليل (٤) .

وقال القفّال : إذا رحلوا من مزدلفة ، مزجوا التلبية بالتكبير في ممرّهم ، فإذا انتهوا إلىٰ الجمرة وافتتحوا الرمي ، محضوا التكبير (٥) .

البحث الرابع : في الأحكام .

مسألة ٥٦٧ : يجب الإتيان إلىٰ منىٰ لقضاء المناسك بها‌ من الرمي والذبح والحلق أو التقصير .

وينبغي أن يأخذ علىٰ الطريق الوسطىٰ التي تخرج علىٰ الجمرة

__________________

(١) أضفناها من المصدر .

(٢) الكافي ٤ : ٤٧٨ / ٧ ، التهذيب ٥ : ١٩٧ / ٦٥٦ .

(٣) الكافي ٤ : ٤٧٨ ـ ٤٧٩ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٩٨ / ٦٦١ .

(٤) فتح العزيز ٧ : ٣٧٠ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٣٥ ، المجموع ٨ : ١٦٩ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٨٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤٠ ، المغني ٣ : ٤٦١ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٥٨ .

(٥) فتح العزيز ٧ : ٣٧٠ ـ ٣٧١ ، المجموع ٨ : ١٦٩ .

٢٢٥
 &

الكبرىٰ ؛ لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله سلكها (١) .

وحدّ منىٰ من العقبة إلىٰ وادي محسّر ؛ لقول الصادق عليه‌السلام : « حدّ منىٰ من العقبة إلىٰ وادي محسّر » (٢) .

وهو قول عطاء والشافعي (٣) .

مسألة ٥٦٨ : لا يشترط في الرمي الطهارة‌ وإن كانت أفضل ، فيجوز للمحدث والجنب والحائض وغيرهم الرمي إجماعاً ؛ لما رواه العامّة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه أمر عائشة بالإتيان بأفعال الحجّ سوىٰ الطواف ، وكانت حائضاً (٤) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه‌السلام ـ في الحسن ـ : « ويستحب أن يرمي الجمار علىٰ طهر » (٥) .

ويجوز الرمي راجلاً وراكباً ، والأوّل أفضل ؛ لما رواه العامّة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه كان لا يأتيها ـ يعني جمرة العقبة ـ إلّا ماشياً ذاهباً وراجعاً (٦) .

ومن طريق الخاصّة : قول الكاظم عليه‌السلام ـ في الصحيح ـ عن آبائه عليهم‌السلام ، قال : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يرمي الجمار ماشياً » (٧) .

__________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٨٩١ ـ ٨٩٢ / ١٢١٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٦ / ٣٠٧٤ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٦ / ١٩٠٥ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٩ ، سنن البيهقي ٥ : ١٢٩ .

(٢) الفقيه ٢ : ٢٨٠ / ١٣٧٥ .

(٣) المغني ٣ : ٤٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٥٥ ، الاُم ٢ : ٢١٥ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٨٣ ، المجموع ٨ : ١٣٠ .

(٤) صحيح البخاري ١ : ٨٤ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٧٣ ـ ٨٧٤ / ١١٩ ـ ١٢١ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٩٨٨ / ٢٩٦٣ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٨١ / ٩٤٥ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٤ .

(٥) الكافي ٤ : ٤٧٨ ـ ٤٧٩ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٩٨ / ٦٦١ .

(٦) سنن أبي داود ٢ : ٢٠٠ ـ ٢٠١ / ١٩٦٩ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٤٤ ـ ٢٤٥ / ٩٠٠ ، سنن البيهقي ٥ : ١٣١ .

(٧) التهذيب ٥ : ٢٦٧ / ٩١٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٨ / ١٠٦ .

٢٢٦
 &

وقد روىٰ العامّة عن جعفر الصادق عليه‌السلام عن أبيه الباقر عليه‌السلام عن جابر ، قال : رأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يرمي علىٰ راحلته يوم النحر ، ويقول : ( لتأخذوا عنّي مناسككم فإنّي لا أدري لعلّي لا أحجّ بعد حجّتي هذه ) (١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه‌السلام ـ في الصحيح ـ وقد سأله معاوية بن عمّار عن رجل رمىٰ الجمار وهو راكب ، فقال : « لا بأس به » (٢) .

ويستحب أن يرفع يده في الرمي حتىٰ يرىٰ بياض إبطه ، قاله بعض العامّة (٣) ؛ لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فَعَله (٤) .

وأنكر ذلك مالك (٥) .

ويستحب أن لا يقف عند جمرة العقبة ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لأنّ ابن عباس وابن عمر رويا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا رمىٰ جمرة العقبة انصرف ولم يقف (٦) .

ومن طريق الخاصّة : قول الرضا عليه‌السلام : « ولا تقف عند جمرة العقبة » (٧) .

مسألة ٥٦٩ : يجوز الرمي من طلوع الشمس إلىٰ غروبها .

قال ابن عبد البرّ : أجمع علماء المسلمين علىٰ أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رماها ضحىٰ ذلك اليوم (٨) .

__________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٩٣٤ / ١٢٩٧ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٠١ / ١٩٧٠ ، سنن النسائي ٥ : ٢٧٠ ، سنن البيهقي ٥ : ١٣٠ .

(٢) التهذيب ٥ : ٢٦٧ / ٩١١ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٨ / ١٠٦٥ .

(٣) المغني ٣ : ٤٦١ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٩٥ ، المجموع ٨ : ١٧٠ .

(٤) صحيح البخاري ٢ : ٢١٩ .

(٥) المدوّنة الكبرىٰ ١ : ٤٢٣ .

(٦) صحيح البخاري ٢ : ٢١٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٠٩ / ٣٠٣٢ و ٣٠٣٣ .

(٧) الكافي ٤ : ٤٧٨ / ٧ ، التهذيب ٥ : ١٩٧ / ٦٥٦ .

(٨) المغني ٣ : ٤٥٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٠ .

٢٢٧
 &

وقال جابر : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يرمي الجمرة ضحىٰ يوم النحر وحده (١) .

وقال ابن عباس : قدمنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اُغيلمة بني عبد المطلب علىٰ حُمُرات لنا من جَمْع فجَعَل يلطح (٢) أفخاذنا [ ويقول : ] ٣) ( اُبينيَّ (٤) لا ترموا الجمرة حتىٰ تطلع الشمس ) (٥) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه‌السلام : « الرمي (٦) ما بين طلوع الشمس إلىٰ غروبها » (٧) .

وقد رُخّص للمعذور ـ كالخائف والعاجز والمرأة والراعي والعبد ـ في الرمي ليلاً من نصفه ؛ للعذر ، أمّا غيرهم فليس لهم الرمي إلّا بعد طلوع الشمس ـ وبه قال مجاهد والثوري والنخعي (٨) ـ لما رواه العامّة : أنّ

__________________

(١) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٤٥٨ ، والشرح الكبير ٣ : ٤٦٠ ، وفي صحيح مسلم ٢ : ٩٤٥ / ٣١٤ ، وسنن ابن ماجة ٢ : ١٠١٤ / ٣٠٥٣ ، وسنن النسائي ٥ : ٢٧٠ ، وسنن الترمذي ٣ : ٢٤١ / ٨٩٤ ، وسنن البيهقي ٥ : ١٣١ بتفاوت يسير .

(٢) اللَّطْحُ : الضرب بالكفّ ، وليس بالشديد . النهاية ـ لابن الأثير ـ ٤ : ٢٥٠ « لطح » .

(٣) أضفناها من المصادر .

(٤) اُبيني ، قال ابن الأثير في النهاية ١ : ١٧ « أبن » : وقد اختُلف في صيغتها ومعناها ، فقيل : إنّه تصغير ابنىٰ ، كأعمىٰ واُعيمىٰ ، وهو اسم مفرد يدلّ علىٰ الجمع . وقيل : إنّ ابناً يُجمع علىٰ أبناء مقصوراً وممدوداً . وقيل : هو تصغير ابن . وفيه نظر . وقال أبو عبيدة : هو تصغير بنيَّ جمع ابن مضافاً إلىٰ النفس .

(٥) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٠٧ / ٣٠٢٥ ، سنن النسائي ٥ : ٢٧١ ـ ٢٧٢ ، سنن البيهقي ٥ : ١٣٢ ، المغني ٣ : ٤٥٩ .

(٦) في المصدر : « رمي الجمار » .

(٧) التهذيب ٥ : ٢٦٢ / ٨٩٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٦ / ١٠٥٤ .

(٨) المغني ٣ : ٤٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٨٥ .

٢٢٨
 &

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر اُمّ سلمة ليلة النحر ، فرمت جمرة العقبة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت (١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه‌السلام : « لا بأس بأن يرمي الخائف بالليل ويضحّي ويفيض بالليل » (٢) .

وجوّز الشافعي وعطاء وابن أبي ليلىٰ وعكرمة بن خالد الرميَ ليلاً من نصفه الأخير للمعذور وغيره (٣) .

وعن أحمد أنّه لا يجوز الرمي إلّا بعد طلوع الفجر ، وهو قول مالك وأصحاب الرأي وإسحاق وابن المنذر (٤) .

مسألة ٥٧٠ : يجوز تأخير الرمي إلىٰ قبل الغروب بمقدار أداء المناسك .

قال ابن عبد البرّ : أجمع أهل العلم علىٰ أنّ مَنْ رماها يوم النحر قبل المغيب فقد رماها في وقت لها وإن لم يكن ذلك مستحبّاً (٥) ؛ لأنّ ابن عباس قال : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يسأل يوم النحر بمنىٰ ، قال رجل : رميت بعد ما أمسيت ، فقال : ( لا حرج ) (٦) .

__________________

(١) سنن أبي داود ٢ : ١٩٤ / ١٩٤٢ ، سنن البيهقي ٥ : ١٣٣ .

(٢) التهذيب ٥ : ٢٦٣ / ٨٩٥ .

(٣) الحاوي الكبير ٤ : ١٨٥ ، فتح العزيز ٧ : ٣٨١ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤٢ ، المجموع ٨ : ١٨٠ ، المغني ٣ : ٤٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٠ .

(٤) المغني ٣ : ٤٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦٠ ، المدوّنة الكبرىٰ ١ : ٤١٨ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٤٤ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٨٥ ، فتح العزيز ٧ : ٣٨١ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤٢ .

(٥) المغني ٣ : ٤٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦١ .

(٦) صحيح البخاري ٢ : ٢١٤ ـ ٢١٥ ، سنن النسائي ٥ : ٢٧٢ ، سنن الدارقطني ٢ : ٢٥٣ ـ ٢٥٤ / ٧٧ ، سنن البيهقي ٥ : ١٥٠ .

٢٢٩
 &

إذا عرفت هذا ، فلو غابت الشمس فقد فات الرمي ، فليرم من غده ـ وبه قال أبو حنيفة وأحمد (١) ـ لما رواه العامّة عن ابن عمر ، قال : مَنْ فاته الرمي حتىٰ تغيب الشمس فلا يرم حتىٰ تزول الشمس من الغد (٢) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه عبد الله بن سنان ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل أفاض من جمع حتىٰ انتهىٰ إلىٰ منىٰ ، فعرض له [ عارض ] (٣) فلم يرم حتىٰ غابت الشمس ، قال : « يرمي إذا أصبح مرّتين : مرّة لما فاته ، والاُخرىٰ ليومه الذي يصبح فيه ، وليفرّق بينهما تكون إحداهما بكرة وهو للأمس والاُخرىٰ عند زوال الشمس » (٤) .

وقال الشافعي ومحمد وابن المنذر ويعقوب : يرمي ليلاً (٥) ؛ لقوله عليه‌السلام : ( إرم ولا حرج ) (٦) .

وجوابه : أنّه إنّما كان في النهار ؛ لأنّه سأله في يوم النحر ، ولا يكون اليوم إلّا قبل الغروب .

وقال مالك : يرمي ليلاً . ثم اضطرب قوله ، فتارةً أوجب الدم حينئذٍ ، وتارةً أسقطه (٧) .

__________________

(١) المغني ٣ : ٤٥٩ ـ ٤٦٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦١ .

(٢) المغني ٣ : ٤٦٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦١ وفي سنن البيهقي ٥ : ١٥٠ بتفاوت يسير .

(٣) أضفناها من المصدر .

(٤) التهذيب ٥ : ٢٦٢ / ٨٩٣ .

(٥) الاُم ٢ : ٢١٤ ، المغني ٣ : ٤٦٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦١ .

(٦) صحيح البخاري ١ : ٣١ و ٤٣ و ٢ : ٢١٥ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٤٨ / ١٣٠٦ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٣٣ / ٨٨٥ و ٢٥٨ / ٩١٦ ، سنن أبي داود ٢ : ٢١١ / ٢٠١٤ ، سنن الدارقطني ٢ : ٢٥٤ / ٧٨ .

(٧) المنتقىٰ ـ للباجي ـ ٣ : ٥٢ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٦٧ ، المغني ٣ : ٥٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦١ .

٢٣٠
 &

مسألة ٥٧١ : يستحب الرمي عند زوال الشمس ؛ لقول الصادق عليه‌السلام ـ في الصحيح ـ : « ارم في كلّ يوم عند زوال الشمس » (١) .

ويستحب أن لا يقف عند جمرة العقبة إجماعاً ؛ لقول الصادق عليه‌السلام ـ في الصحيح ـ : « ثم تمضي إلىٰ الثالثة وعليك السكينة والوقار . . . ولا تقف عندها » (٢) .

ولأنّ يعقوب بن شعيب سأل ـ في الصحيح ـ الصادقَ عليه‌السلام : عن الجمار ، فقال : « قُمْ عند الجمرتين ولا تقم عند جمرة العقبة » فقلت : هذا من السنّة ؟ قال : « نعم » قلت : ماذا أقول إذا رميت ؟ قال : « كبّر مع كلّ حصاة » (٣) .

قال الشيخ رحمه‌الله : وقت الاستحباب لرمي جمرة العقبة بعد طلوع الشمس من يوم النحر بلا خلاف ، ووقت الإجزاء من طلوع الفجر اختياراً ، فإن رمىٰ قبل ذلك ، لم يجزئه ، ولصاحب العذر الرمي ليلاً .

وبمثل ما قلناه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق .

وقال الشافعي : أوّل وقت الإجزاء إذا انتصفت ليلة النحر . وبه قال عطاء وعكرمة (٤) .

مسألة ٥٧٢ : قدر حصىٰ الجمار سبعون حصاة : سبع منها لجمرة العقبة ترمىٰ يوم النحر خاصّة ، ويرمىٰ كلّ يوم من أيّام التشريق الجمار الثلاث كلّ جمرة بسبع حصيات يبدأ بالاُولىٰ ـ وهي العظمىٰ ـ ثم الوسطىٰ ثم جمرة

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٨٠ / ١ ، التهذيب ٥ : ٢٦١ / ٨٨٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٦ / ١٠٥٧ .

(٢) الكافي ٤ : ٤٨٠ ـ ٤٨١ / ١ ، التهذيب ٥ : ٢٦١ / ٨٨٨ .

(٣) الكافي ٤ : ٤٨١ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٢٦١ ـ ٢٦٢ / ٨٨٩ .

(٤) الخلاف ٢ : ٣٤٤ ـ ٣٤٥ ، المسألة ١٦٧ .

٢٣١
 &

العقبة إجماعاً .

ويستحب غسل الحصىٰ ـ وبه قال ابن عمر وطاوُس (١) ـ لأنّ ابن عمر غسله (٢) ، والظاهر أنّه توقيف .

ولاحتمال ملاقاته لنجاسة ، فمع الغسل يزول الاحتمال وإن لم يكن معتبراً شرعاً .

ولو كان الحجر نجساً ، استُحبّ له غسله ، فإن لم يغسله ورمىٰ به ، أجزأه ؛ لحصول الامتثال .

وقال عطاء ومالك : لا يستحب (٣) . وعن أحمد روايتان (٤) .

وسيأتي باقي مباحث الرمي إن شاء الله تعالىٰ .

الباب الثاني : في الذبح .

وفيه مباحث :

الأوّل : الهدي .

مسألة ٥٧٣ : إذا فرغ من جمرة العقبة ، ذبح هديه أو نَحَره‌ إن كان من الإبل ؛ لما رواه العامّة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنّه رمىٰ من بطن الوادي ثم انصرف إلىٰ المنحر فنحر ثلاثاً وستّين بدنة بيده ثم أعطىٰ عليّاً عليه‌السلام فنحر ما غبر (٥) وأشركه في هديه (٦) .

__________________

(١ و ٤) المغني ٣ : ٤٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٥٥ .

(٥) أي : ما بقي . النهاية ـ لابن الأثير ـ ٣ : ٣٣٧ « غبر » .

(٦) صحيح مسلم ٢ : ٨٩٢ / ١٢١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٦ / ١٩٠٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٦ ـ ١٠٢٧ / ٣٠٧٤ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٩ .

٢٣٢
 &

ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه‌السلام ـ في الصحيح ـ في صفة حجّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « فلمّا أضاء له النهار أفاض حتىٰ انتهىٰ إلىٰ منىٰ ، فرمىٰ جمرة العقبة ، وكان الهدي الذي جاء به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أربعاً وستّين أو ستّاً وستّين ، وجاء علي عليه‌السلام بأربع وثلاثين أو ستّ وثلاثين ، فنحر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ستّاً وستّين ، ونحر علي عليه‌السلام أربعاً وثلاثين بدنة » (١) .

مسألة ٥٧٤ : هدي التمتّع واجب بإجماع العلماء .

قال الله تعالىٰ : ( فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) (٢) .

وروىٰ العامّة عن ابن عمر ، قال : تمتّع الناس مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالعمرة إلىٰ الحجّ ، فلمّا قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال للناس : ( مَنْ لم يسق الهدي فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصّر ثم ليهلّ بالحجّ ويهدي ، فمَنْ لم يجد الهدي فليصم ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة إذا رجع إلىٰ أهله ) (٣) .

ومن طريق الخاصّة : قول الباقر عليه‌السلام ـ في الصحيح ـ في المتمتّع « وعليه الهدي » فقلت : وما الهدي ؟ فقال : « أفضله بدنة ، وأوسطه بقرة وأخسّه شاة » (٤) .

ولا فرق بين المكّي وغيره ، فلو تمتّع المكّي ، وجب عليه الهدي ؛ للعموم .

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٥٤ ـ ٤٥٧ / ١٥٨٨ .

(٢) البقرة : ١٩٦ .

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٩٠١ / ١٢٢٧ ، سنن أبي داود ٢ : ١٦٠ / ١٨٠٥ ، سنن النسائي ٥ : ١٥١ ، سنن البيهقي ٥ : ١٧ و ٢٣ .

(٤) التهذيب ٥ : ٣٦ / ١٠٧ ، وفيه : « . . . وأخفضه شاة » .

٢٣٣
 &

مسألة ٥٧٥ : وإنّما يجب الهدي علىٰ غير أهل مكّة وحاضريها‌ ؛ لأنّ فرضهم التمتّع ، أمّا أهل مكّة وحاضروها : فليس لهم أن يتمتّعوا ؛ لأنّ فرضهم القِران أو الإفراد ، فلا يجب عليهم الهدي إجماعاً ؛ لأنّ الله تعالىٰ قال : ( ذَٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) (١) .

وقال الصادق عليه‌السلام ـ في الحسن ـ عن المفرد ، قال : « ليس عليه هدي ولا اُضحية » (٢) .

وأمّا القارن : فإنّه يكفيه ما ساقه إجماعاً ، وتستحب له الاُضحية ؛ لأصالة براءة الذمّة .

وقال الشافعي ومالك وأبو حنيفة : إذا قرن بين الحجّ والعمرة ، لزمه دم (٣) .

وقال الشعبي : تلزمه بدنة (٤) .

وقال داود : لا يلزمه شي‌ء (٥) .

مسألة ٥٧٦ : قد بيّنّا أنّ فرض المكّي القِران أو الإفراد‌ ، فلو تمتّع قال الشيخ : يسقط عنه الفرض ، ولا يلزمه دم . وقال الشافعي : يصحّ تمتّعه وقرانه ، وليس عليه دم . وقال أبو حنيفة : يكره له التمتّع والقران ، فإن خالف وتمتّع ، فعليه دم المخالفة دون التمتّع والقران .

واستدلّ الشيخ بقوله تعالىٰ : ( فَمَن تَمَتَّعَ ـ إلىٰ قوله ـ ذَٰلِكَ لِمَن

__________________

(١) البقرة : ١٩٦ .

(٢) التهذيب ٥ : ٤١ ـ ٤٢ / ١٢٢ .

(٣) الاُمّ ٢ : ١٣٣ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٩ ، المجموع ٧ : ١٩٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦٠ ، المدوّنة الكبرىٰ ١ : ٣٧٨ ، النتف ١ : ٢١٢ .

(٤) الحاوي الكبير ٤ : ٣٩ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦٠ .

(٥) حلية العلماء ٣ : ٢٦٠ ، المجموع ٧ : ١٩١ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٥٢ .

٢٣٤
 &

لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) (١) .

قال : معناه أنّ الهدي لا يلزم إلّا مَنْ لم يكن من حاضري المسجد ، ويجب أن يكون قوله : ( ذَٰلِكَ ) راجعاً إلىٰ الهدي لا إلىٰ التمتّع ؛ لأنّ مَنْ قال : مَنْ دخل داري فله درهم ذلك لمن لم يكن غاصباً ، فُهم منه الرجوع إلىٰ الجزاء لا إلىٰ الشرط .

ثم قال : ولو قلنا : إنّه راجع إليهما ، وقلنا : إنّه لا يصحّ منهم التمتّع أصلاً ، كان قويّاً (٢) .

مسألة ٥٧٧ : دم التمتّع نسك عند علمائنا‌ ـ وبه قال أصحاب الرأي (٣) ـ لقوله تعالىٰ : ( وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا ) (٤) أخبر بأنّه جعلها من الشعائر ، وأمر بالأكل منها ، فلو كان جبراناً ، لما أمرنا بالأكل منها .

وقال الشافعي : إنّه جبران ؛ لإخلاله بالإحرام من الميقات ؛ لأنّه مرّ به وهو مُريد للحجّ والعمرة وحَجَّ من سنته (٥) .

وهو ممنوع ؛ فإنّ ميقات حجّ التمتّع عندنا مكّة وقد أحرم منه .

والمتمتّع إذا أحرم بالحجّ من مكّة لزمه الدم إجماعاً ، أمّا عندنا : فلأنّه نسك ، وأمّا عند المخالف : فلأنّه أخلّ بالإحرام من المواقيت .

فلو أتىٰ الميقات وأحرم منه ، لم يسقط عنه الدم عندنا .

__________________

(١) البقرة : ١٩٦ .

(٢) الخلاف ٢ : ٢٧٢ ، المسألة ٤٢ .

(٣) الهداية ـ للمرغيناني ـ ١ : ١٨٦ ، التفسير الكبير ٥ : ١٦٨ ، المجموع ٧ : ١٧٦ .

(٤) الحجّ : ٣٦ .

(٥) الحاوي الكبير ٤ : ٤٥ ـ ٤٦ ، المجموع ٧ : ١٧٦ ، التفسير الكبير ٥ : ١٦٨ .

٢٣٥
 &

وقالت العامّة بسقوطه (١) .

ويبطل بقوله تعالىٰ : ( فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) (٢) .

ولو أحرم المفرِد بالحجّ ودخل مكّة ، جاز له أن يفسخه ، ويجعله عمرةً يتمتّع بها ، قاله علماؤنا ، خلافاً لأكثر العامّة ، وادّعوا أنّه منسوخ (٣) .

وليس بجيّد ؛ لثبوت مشروعيّته ؛ فإنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر أصحابه بذلك (٤) ، ولم يثبت النسخ .

ويجب عليه الدم ؛ لثبوت التمتّع المقتضي له .

مسألة ٥٧٨ : إذا أحرم بالعمرة وأتىٰ بأفعالها في غير أشهر الحجّ ثم أحرم بالحجّ في أشهره ، لم يكن متمتّعاً ، ولا يجب عليه الدم ؛ لأنّه لم يأت بالعمرة في زمان الحجّ ، فكان كالمفرد ، فإنّ المفرد إذا أتىٰ بالعمرة بعد أشهر الحجّ ، لم يجب عليه الدم إجماعاً .

ولو أحرم بالعمرة في غير أشهر الحجّ وأتىٰ بأفعالها في أشهره من الطواف وغيره وحجَّ من سنته ، لم يكن متمتّعاً ، قاله الشيخ (٥) ، ولا يلزمه دم ـ وهو أحد قولي الشافعي ، وبه قال أحمد (٦) ـ لأنّه أتىٰ بركن من أركان

__________________

(١) المغني والشرح الكبير ٣ : ٢٢٥ .

(٢) البقرة : ١٩٦ .

(٣) الشرح الكبير ٣ : ٢٥٤ ، المجموع ٧ : ١٦٦ ـ ١٦٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦٨ ، أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ ١ : ٢٩١ .

(٤) صحيح مسلم ٢ : ٨٨٨ / ١٢١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٤ / ١٩٠٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٣ ـ ١٠٢٤ / ٣٠٧٤ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٦ .

(٥) الخلاف ٢ : ٢٧٠ ، المسألة ٣٨ ، المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٠٧ .

(٦) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٠٨ ، المجموع ٧ : ١٧٦ ، فتح العزيز ٧ : ١٣٨ ـ ١٤٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦٠ ـ ٢٦١ ، المغني ٣ : ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٦ .

٢٣٦
 &

العمرة في غير أشهر الحجّ ، وهو يستلزم إيقاع أركانها فيه .

وقال الشافعي في القول الثاني : يجب به الدم ، ويكون متمتّعاً ؛ لأنّه أتىٰ بأفعال العمرة في أشهر الحجّ ، واستدامة الإحرام بمنزلة ابتدائه ، فهو كما لو ابتدأ بالإحرام في أشهر الحجّ (١) .

وقال مالك : إذا لم يتحلّل من إحرام العمرة حتىٰ دخلت أشهر الحجّ ، صار متمتّعاً (٢) .

وقال أبو حنيفة : إذا أتىٰ بأكثر أفعال العمرة في أشهر الحجّ ، صار متمتّعاً (٣) .

مسألة ٥٧٩ : إذا أحرم المتمتّع من مكّة بالحجّ ومضىٰ إلىٰ الميقات ثم منه إلىٰ عرفات ، لم يسقط عنه الدم‌ ؛ للآية (٤) ، وقد بيّنّا أنّ الدم نسك لا جبران .

وقال الشافعي : إن مضىٰ من مكّة إلىٰ عرفات ، لزمه الدم قولاً واحداً ، وإن مضىٰ إلىٰ الميقات ثم منه إلىٰ عرفات ، فقولان : أحدهما : لا دم عليه ؛ لأنّه لو أحرم من الميقات ، لم يجب الدم ، فإذا عاد إليه مُحْرماً قبل التلبّس بأفعال الحجّ ، صار كأنّه أحرم منه . والثاني : لا يسقط ، كما قلناه ـ وبه قال مالك (٥) ـ لأنّ له ميقاتين يجب مع الإحرام من أحدهما الدم ، فإذا أحرم منه ، وجب الدم ، ولم يسقط بعد ذلك ، كما لو عاد بعد التلبّس بشي‌ء من المناسك (٦) .

__________________

(١) فتح العزيز ٧ : ١٣٨ ـ ١٣٩ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦٠ ـ ٢٦١ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٠٨ ، المجموع ٧ : ١٧٦ .

(٢) حلية العلماء ٣ : ٢٦١ ، المنتقىٰ ـ للباجي ـ ٢ : ٢٢٨ .

(٣) الهداية ـ للمرغيناني ـ ١ : ١٥٨ ، فتح العزيز ٧ : ١٤٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦١ ، المغني ٣ : ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٧ .

(٤) البقرة : ١٩٦ .

(٥) حلية العلماء ٣ : ٢٦١ ، الحاوي الكبير ٤ : ٧٣ .

(٦) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٠٨ ، المجموع ٧ : ١٧٧ و ٢٠٧ ، الحاوي الكبير ٤ : ٧٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦١ .

٢٣٧
 &

وقال أبو حنيفة : لا يسقط الدم حتىٰ يعود إلىٰ بلده (١) ؛ لأنّه لم يُلمّ (٢) بأهله ، فلم يسقط دم التمتّع ، كما لو رجع إلىٰ ما دون الميقات . وليس بجيّد ؛ لأنّ بلده موضع لا يجب عليه الإحرام منه بابتداء الشرع ، فلا يتعلّق سقوط دم التمتّع بالعود إليه ، كسائر البلاد ، ودون الميقات ليس ميقات بلده .

مسألة ٥٨٠ : قد بيّنّا أنّ ميقات حجّ التمتّع مكّة ، فإذا فرغ المتمتّع من أفعال العمرة ، أنشأ الإحرام بالحجّ من مكّة ، فإن خالف وأحرم من غيرها ، وجب عليه أن يرجع إلىٰ مكّة ، ويُحْرم منها ، سواء أحرم من الحِلّ أو من الحرم إذا أمكنه ، فإن لم يمكنه ، مضىٰ علىٰ إحرامه ، وتمّم أفعال الحجّ ، ولا يلزمه دم لهذه المخالفة ؛ لأنّ الدم يجب للتمتّع ، فإيجاب غيره منفيّ بالأصل .

وقال الشافعي : إن أحرم من خارج مكّة وعاد إليها ، فلا شي‌ء عليه ، وإن لم يَعُد إليها ومضىٰ علىٰ وجهه إلىٰ عرفات ، فإن كان أنشأ الإحرام من الحِلّ ، فعليه دم قولاً واحداً ، وإن أنشأ من الحرم ، ففي وجوب الدم قولان :

أحدهما : لا يجب ؛ لأنّ الحكم إذا تعلّق بالحرم ولم يختص ببقعة منه ، كان الجميع فيه سواءً ، كذبح الهدي .

والثاني : يجب ؛ لأنّ ميقاته البلد الذي هو مقيم فيه ، فإذا ترك ميقاته ، وجب عليه الدم وإن كان ذلك كلّه من حاضري المسجد الحرام (٣) .

مسألة ٥٨١ : يشترط في التمتّع : النيّة ، علىٰ ما سبق ، فلو لم يَنْوه ، لم يكن متمتّعاً ولم يجب الدم ، وهو أحد قولي الشافعي .

وفي الآخر : يكون متمتّعاً ويجب الدم ؛ لأنّه إذا أحرم بالعمرة من

__________________

(١) حلية العلماء ٣ : ٢٦١ .

(٢) لمّ به وألمَّ والتمَّ : نزل . لسان العرب ١٢ : ٥٥٠ « لمم » .

(٣) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٢٦٥ ، المسألة ٣١ .

٢٣٨
 &

الميقات وحجّ من سنته ، فقد صار جامعاً بينهما فيجب الدم (١) .

والحقّ خلافه .

والقارن والمفرد إذا أكملا حجّهما ، وجب عليهما الإتيان بعمرة مفردة بعد الحجّ يُحرمان بها من أدنىٰ الحِلّ ، فلو أحرما من الحرم ، لم يصح ، ولو طافا وسَعَيا ، لم يكونا معتمرين ، ولا يلزمهما دم .

وللشافعي قولان : أحدهما كما قلناه ، لكن خلاف الشافعي في المفرد خاصّةً ، والثاني : تكون عمرةً صحيحةً ، ويجب الدم (٢) .

لنا : أنّه يجب أن يقدّم الخروج إلىٰ الحِلّ قبل الطواف والسعي ثم يعود ويطوف ويسعىٰ ؛ ليكون جامعاً في نسكه بين الحِلّ والحرم ، بخلاف المتمتّع حيث كان له أن يُحْرم من مكّة ؛ لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا فسخ علىٰ أصحابه الحجّ إلىٰ العمرة ، أَمَرهم أن يُحْرموا بالحجّ من جوف مكّة (٣) .

ولأنّ الحاجّ لا بدّ له من الخروج إلىٰ الحِلّ للوقوف ، فيكون جامعاً في إحرامه بين الحِلّ والحرم ، بخلاف المتمتّع .

احتجّ : بأنّه ترك قطع مسافة لزمه قطعها بإحرام ، وذلك لا يمنع من الاحتساب بأفعال العبادة .

والجواب : أنّه لم يأت بالعبادة علىٰ وجهها ، فلا تكون مجزئةً .

ولو أفرد الحجّ عن نفسه فلمّا فرغ من الحجّ خرج إلىٰ أدنىٰ الحرم فاعتمر لنفسه ولم يعد إلىٰ الميقات ، لا دم عليه . وكذا مَنْ تمتّع ثم اعتمر

__________________

(١) فتح العزيز ٧ : ١٦١ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦٢ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٠٨ ، المجموع ٧ : ١٧٨ ـ ١٧٩ .

(٢) حكاهما عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٢٦٦ ، المسألة ٣٢ .

(٣) اُنظر : صحيح البخاري ٢ : ٢٠٥ ـ ٢٠٦ ، وسنن أبي داود ٢ : ١٦٠ / ١٨٠٥ ، وسنن البيهقي ٥ : ١٧ .

٢٣٩
 &

بعد ذلك من أدنىٰ الحرم . وكذا لو أفرد عن غيره أو تمتّع أو قرن ثم اعتمر من أدنىٰ الحِلّ ، كلّ هذا لا دم عليه ؛ لتركه الإحرام من الميقات بلا خلاف .

وأمّا إن أفرد عن غيره ثم اعتمر لنفسه من خارج الحرم دون الحِلّ ، قال الشافعي في القديم : عليه دم (١) .

وقال أصحابه : علىٰ هذا لو اعتمر عن غيره ثم حجّ عن نفسه فأحرم بالحجّ من جوف مكّة ، فعليه دم ؛ لتركه الإحرام من الميقات (٢) .

وعندنا أنّه لا دم عليه ؛ للأصل .

ولو اعتمر في أشهر الحجّ ولم يحج في ذلك العام بل حجَّ من العام المقبل مفرداً له عن العمرة ، لم يجب الدم ؛ لأنّه لا يكون متمتّعاً ، وهو قول عامّة العلماء ، إلّا قولاً شاذّاً عن الحسن البصري فيمن اعتمر في أشهر الحجّ فهو متمتّع حجَّ أو لم يحجّ (٣) .

وأهل العلم كافّة علىٰ خلافه ؛ لقوله تعالىٰ : ( فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ ) (٤) وهو يقتضي الموالاة بينهما .

ولأنّ الإجماع واقع علىٰ أنّ من اعتمر في غير أشهر الحجّ ثم حجَّ من عامه ذلك ، فليس بمتمتّع ، فهذا أولىٰ ؛ لكثرة التباعد بينهما .

مسألة ٥٨٢ : قد بيّنّا أنّ المتمتّع بعد فراغه من العمرة لا ينبغي له أن يخرج من مكّة حتىٰ يأتي بالحجّ ؛ لأنّه صار مرتبطاً به ؛ لدخولها فيه ؛ لقوله عليه‌السلام : ( دخلت العمرة في الحجّ هكذا ) وشبّك بين أصابعه (٥) .

__________________

(١ و ٢) حكاه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٢٨١ ، المسألة ٥٦ .

(٣) المغني ٣ : ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٤٧ .

(٤) البقرة : ١٩٦ .

(٥) صحيح مسلم ٢ : ٨٨٨ / ١٢١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٤ / ١٩٠٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٤ / ٣٠٧٤ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٦ ـ ٤٧ .

٢٤٠