جواهر البلاغة

السيّد أحمد الهاشمي

جواهر البلاغة

المؤلف:

السيّد أحمد الهاشمي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مديرية العامة للحوزة العلمية في قم
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٥
ISBN: 964-6918-33-6
الصفحات: ٣٥٤

من السؤال ، وسائل الثاني : من السَّيلان.

واللذان يحمعهما شبه اشتقاق ، نحو قوله عزوجل : (قال إنِّي لِقَتلِكُمْ مِنَ الْقالين).

(ب) رد العجز على الصدّر : (في النظم) هو أن يكون أحدهما في آخر البيت ، والآخر يكون ، إمّا في صدر المصراع الأوّل ، أو في حشوه ، أو في آخره (١). وإمّا في صدر المصراع الثاني.

نحو قوله :

سريعٌ إلى ابن العم يلطم وجهه

وليس إلى داعي الندى بسريع

وقوله :

تمتع من شميم عرار نجد

فما بعد العشية من عرار

نحو :

ومنا لا مرئ طول الخلود وإنما

فما بعدَ العَشِيَّة من عرار

١٠ ـ ما لا يستحيل بالانعكاس

مالا يستحيل بالأنعكاس : هو كون اللفظ يقرا طرداً : وعكساً نحو : كن كما أمكنك ، (وربك فكبر) ، وكقوله :

مودته تدوم لكل هولٍ

وهل كل مودته تدوم

١١ ـ المواربة

المُواربة : هي أن يجعل المتكلم كلامه بحيث يمكنه أن يغير معناه بتحريف ، أو تصحيف ، أو غيرهما ، ليسلم من المؤاخذة ـ كقول أبي نواس :

لقد ضاع شعري على بابكم

كما ضاع عقدٌ على خالصه

__________________

(١) كقوله :

ومن كان بالبيض الكواعب مغرما

فما زلت بالبيض القواضب مغرما

٣٤١

فلمّا أنكر عليه (الرشيد) ذلك ، قال (أبو نُواس) : لم اقل إلا :

لقد ضاء شعري على بابكم

كما ضاء عقد على خالصه

١٢ ـ ائتلاف اللفظ مع اللفظ

إئتلاف اللفظ مع اللفظ : هو كونُ ألفاظ العبارة من وَادٍ واحد في الغرابة والتأمل ـ كقوله تعالى (تالله تفتأ تذكر يُوسفُ) لما أتى (بالتَّاء) التي هي أغرب حروف القسم ، أتى «بتفتأ» التي هي أغربُ أفعال الاستمرار.

١٣ ـ التسميط

التسميط : هو أن يجعل الشاعر بيته على أربعة أقسام :

ثلاثة منها على سجع واحد ، بخلاف قافية البيت كقول جنوب الهذلية :

وحرب وثغرٍ سددتَ

وعلج شددت عليه الحبالا

وقوله :

في ثغره لعس عبسٌ في خدّه قبسٌ

في قدَّ ميس جسمه ترف

١٤ ـ الانسجام أو السهولة

الانسجام أو السهولة : هو سلامة الألفاظ ، وسهولة المعاني مع جزالتهما وتناسبهما ـ كقول الشاعر :

ما وهب الله لامرىء هبةً

أفضل من عقله ومن أدبه

هما كمالُ الفتى فان فُقدا

ففقدُه للحياة أليقُ به

٣٤٢

١٥ ـ الاكتفاء

الاكتِفاء : هو ان يحذف الشاعر من البيت شيئاً ، يُستغنى عن ذكره ، بدلالة العقل عليه ، كقول الشاعر :

فإنّ المنيَّة من يخشها

فسوف تصادُمه أينما

أي أينما توجه (١).

١٦ ـ التطريز

التطريز : هو أن يكون صدر النَّثر أو الشعر مُشتملا على ثلاثة أسماء مختلفة المعاني ، ويكون العجزُ صفةً متكرّرة بلفظ واحد كقول القائل :

وتسقيني وتشربُ من رحيق

خليقٍ أن يُلقب بالخلُوق

كأنّ الكأس في يدها وفيها

عقيق في عقيق في عقيق

__________________

(١) وكقوله :

ما للنوى ذنب ومن أهوى معي

إن غاب عن إنسان عيني فهو في

وكقوله :

يا لائمي في هواها

أفرطت في اللوم جهلا

ما يعلم الشوق إلا

ولا الصبابة إلا

وكقوله :

ضلوا عن الماء لما أن سروا سحرا

قومي فظلوا حيارى يلهثون ظما

والله أكرمني بالماء بعدهم

فقلت ياليت قومي بعلمون بما

وكقوله :

الدمع قاض بافتضاحي في هوى

ظبي يغار الغصن منه إذا مشى

وغدا بوجدي شاهد وأوشى بما

أخفى فيالله من قاض وشا

وكقوله :

لا أنتهى لا أنثنى لا أرعوي

ما دمت في قيد الحياة ولا إذا

٣٤٣

نموذج

بين ما في الأبيات الآتية من المُحسنات اللفظية :

(١) عضّنا الدهر بنابه

ليت ما حلّ بنابه (١)

(٢) إلى حتفي سعى قدمي

أرى قدمي أراق دمي (٢)

(٣) لئن أخطأتُ في مديحـ

ك ما أخطأت في منعي (٣)

لقد أنزلت حاجاتي

بواد غير ذي زرع

__________________

(١) فيه جناس تام : بين (بنابه) ، أحد أنياب الأسنان (وبنابه) الثانية المركبة من (بنا) و (به).

(٢) فيه جناس تام : بين أرى قدمي ، أي أنظر قدمي ، وأراق دمي ، أي صب وأهذر دمي ، أي قتلني بلا دية.

(٣) في الشطر الأخير من البيت الثاني ، اقتباس من الآية الكريمة (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم).

٣٤٤

خاتمة

في السرقات الشعرية وما يتبعها

السَّرقةُ : هي أن يأخذَ الشخص كلام الغير ، وينسبه لنفسه وهي ثلاثة أنواع : نسخٌ ، ومسخٌ ، وسلخٌ.

(١) النَّسخ : ويسمى انتحالاً أيضاً هو أن يأخذ السارق اللفظ والمعنى معاً ، بلا تغيير ولا تبديل ، أو بتبديل الألفامظ كلّها ، أو بعضها بمرادفها ، وهذا مذموم ، وسرقة محضة ـ كما فعل عبد الله بن الزبير بقول مُعن بن أوس (١) :

إذا أنت لم تنصف أخاك وجدته

على طرف الهجران إن كان يعقل

ويركبُ حد السف من أن تضميه

إذا لم يكن عن شفرة السيف مزحل

وأمّا تبديل الألفاظ بمُرادفها ، كما فعل بقول الحطيئة :

دع المكارم لا ترحل لبُغيتها

واقعد فانك أنت الطاعم الكاسيِ

فقال الآخر :

ذَرَا المآثر لا تذهب لمطلبها

واجلس فانك أنت الآكل اللابس

وقريب منه : تبدّل الألفاظ بضدّها ، مع رعاية النظم والترتيب كما فعل بقول حسان رضي الله عنه.

بيض الوجوه كريمةٌ أحسابُهم

شم الأنوف من الطراز الأول

فقال غيره :

سود الوجوه لئيمةٌ أحسابهم

فطس الأنوف من الطراز الآخر

(ب) والمسخ : أو الإغارة : هو أن يأخذ بعض اللفظ ، أو يغير بعض النّظم ، فان امتاز الثاني بحسن السبك فممدوح ، نحو قول الآخر :

من راقب الناس لم يظفر بحاجته

وفاز بالطيبات الفاتك اللهج

__________________

(١) الزبير بفتح فكسر في هذا ، ويوجد اسم آخر بضم ففتح ، ومعن بضم وفتح ، ومعن بن زائدة بفتح فسكون.

٣٤٥

مع قول غيره :

من راقب الناس مات همّا

وفاز باللّذات الجسور

فان الثاني أعذب وأخصر.

وان امتاز الأول فقط فالثاني مذموم وان تساويا فالثاني لا يذم ولا يمدح ، والفضل للسابق.

ج ـ والسلخُ : ويسمى إلماماً ن وهو أن يأخذ السارق المعنى وحده فان امتاز الثاني فهو أبلغ ـ نحو قول الشاعر :

هو الصنع أن يعمل فخير وان يرث

فللرّيثُ في بعض المواضع أنفع

مع قول غيره :

ومن الخير بطء سيبك عنى

اسرع السّحب في المسير الجهام

وان امتاز الأول : فالثاني مذموم ، وان تماثلا فهو أبعد عن الذم ، كقوله :

ولم يك أكثر الفتيان مالا

ولكن كان أرحبهم ذراعا

مع قول الآخر :

وليس بأوسعهم في الغنى

ولكن معروفه أوسع

ويتصل بالسرقات الشعرية : ثمانية أمور ، الاقتباس ، والتضمين ، والعقد ، والحلّ ، والتّلميح ، والابتداء ، والتّخلّص ، والانتهاء.

(١) الاقتباس : هو أن يضمّن المتكلم منثوره ، أو منظومه ، شيئاً من القرآن ، أو الحديث ، على وجه لا يشعر بأنه منهما ، فمثاله من (النثر) (فلم يكن إلا كلمح البصر أو هو أقرب) ، حتى أنشد فأغرب ، ونحو قول الحريري ، أنا أنبئكم بتأويله ، وأميز صحيح القول من عليله وكقول عبد المؤمن الأصفهاني لا تغرنّك من الظلمة كثرة الجيوش والأنصار.

٣٤٦

(إنما نؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار) ومثاله من (الشعر) قوله (١) :

وثغر تنضّد من لؤلؤ

بألباب أهل الهوى يلعب

إذا ما ادلهمّت خطوب الهوى

يكاد سنا برقه يذهب

وكقول الشاعر الآخر :

ان كنت أزمعت على هجرنا

من غير ما جرمٍ فصبرٌ جميل

وان تبدّلت بنا غيرنا

فحسبنا الله ونعم الوكيل

وكقول القائل الآخر :

لا تكن ظالماً ولا ترض بالظلم

وأنكر بكل ما يستطاع

يوم يأتي الحساب ما لظلوم

من حميم ولا شفيع يطاع

وكقول بعضهم :

ان كانت العشاق من أشواقهم

جعلوا النسيم إلى الحبيب رسولا

فأنا الذي أتلو لهم يا ليتني

كنت اتخذت مع الرسول سبيلا

وكقول الشاعر :

ارحلوا فلستُ مسائلا عن دارهم

«أنا باخعٌ نفسي على آثارهم»

وكقول الآخر :

ولاح بحكمتي نور الهدى

في ليالٍ للضلالة مدلهمّه

يريد الجاهلون ليطفئوه

ويأبى الله إلا أن يتمَّه

__________________

(١) ولا باس بتغيير يسر في اللفظ المقتبس للوزن أو غيرء ، نحو :

قد كان ما خفت أن يكونا

إنا إلى الله راجعونا

وفي القرآن (إنا لله وإنا إليه راجعون) ويكون الاقتباس مذموماً في الهزل ، كقوله :

أوحى إلى عشاقه طرفه

هيهات هيهات لما توعدون

وردف ينطق من خلفه

لمثل هذا فليعمل العاملون

٣٤٧

مثاله من الحديث في (النثر) قول الحريري : شاهت الوجوه ، وقبح اللكع ومن يرجوه ، وكقول الحريري أيضاً ، وكتمان الفقر زهاده ، و «انتشار الفرج بالصبر» عباده.

ومثاله من الحديث في (الشعر) ، قول الشاعر :

قال لي إن رقبي

سيء الخُلق فداره

قلت دعني وجهك «الج

ـ نة حُفَّت بالمكاره»

وكقول الشاعر الآخر :

فلو كان الأخلاق تحوى وراثة

ولو كانت الأراء لا تتشعبُ

لأصبح كل الناس قد ضمّهم هوى

كما أن كل الناس قد ضمّهم أب

ولكنها الأقدار «كل ميسرٌ

لما هو مخلوق له» ومُقرّبُ

وكقول القائل :

لا تعادِ الناس في أوطانهم

قلّما يرعى غريبُ الوطن

وإذا ما شئت عيشاً بينهم

خالق الناس بخلقٍ حسنِ (١)

__________________

(١) وينقسم الاقتباس : إلى ضربين.

الأول : ضرب منه لا ينقل فيه اللفظ المقتبس عن معناه الأصلي إلى معنى آخر ، كما تقدم.

اثاني : ما ينقل إلى معنى آخر ، كقول ابن الرومي :

لئن أخطأت في مديح

ك ما أخطأت في منعي

لقد أنزلت حاجاتي

بواد غير ذي زرع

فقد كنى بلفظ (واد) ، عن رجل لا يرجى نفعه ، ولا خير فيه ، وهو في الآية الكريمة : بمعنى (واد) لا ماء فيه ولا نبات ، وقد أجازوا تغيير اللفظ المقتبس بزيادة فيه أو نقص أو تقديم أو تأخير ـ كما سبق واعلم أن الاقتباس ثلاثة أقسام.

١ ـ مقبول : وهو ما كان في الخطب والمواعظ

٢ ـ ومباح : وهو ما يكون في الغزل والرسائل والقصص.

٣ ـ ومردود : وهو ما كان في الهزل ـ كما تقدم ذكره

٣٤٨

(٢) والتضمين : هو أن يضمن الشاعر كلامه (شيئاً من مشهور شعر الغير) مع التنبيه عليه (١) إن لم يكن مشهوراً لدى نقّاد الشعر ، وذوي اللُّسن ، وبذلك يزداد شعرهُ حسناً كقوله الصاحب بن عبّاد :

أشكو إليك زماناً ظل يعرُ كني

عرك الأديم ، ومن يعدو على الزمنِ

وصاحباً كنتُ مغبوطاً بصُحبته

دهراً فغادرني فرداً بلا سكن ِ

وباع صفو ودادٍ كنت أقصُره

عليه مُجتهداً في السِّر والعلَن

كأنه كان مطويّا على إحن

ولم يكن في قديم الدهر أنشَدني

(إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا

من كان يألفهم في المنزل الخشن)

__________________

(١) أما تضمينه بلا : تنبيه عليه لشهرته : فكقوله :

أولى البرية طرا أن تواسيه

عند السرور الذي واسك في الحزن

(إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا

من كان بألفهم في المنزل الخشن)

وكقوله :

قد قلت لما اطلعت وجناته

حول الشقيق الغض روضة آس

أعذاره الساري العجول ترفقا

ما في وقوفك ساعة من باس

فالمصراع الأخير ، مطلع قصيدة مشهورة لأبي تمام :

ما في وقوفك ساعة من باس

تقضي حقوق الأربع الأدراس

وأحسن التضمين : أن يزيد المضمن في كلامه نكتة لا توجد في الأصل كالتورية والتشبيه ، كما في قول ابن أبي الاصبع : مضمنا

إذا الوهم أبدى لي لماها وثغرها

«تذكرت ما بين العذيب وبارق»

ويذكرني من قدها ومدامعي

«مجرى عوالينا ومجرى السوابق»

فالمصرعان الاخيران مطلع قصيدة لأبي الطيب المتنبي :

تذكرت ما بين العذيب وبارق

مجرى عوالينا ومجرى السوابق

يريد المتنبي : أنهم كانوا نزولا بين هذين الموضعين ، يجرون الرماح عند مطاردة الفرسان ، ويسابقون على الخيل ، أما الشاعر الآخر : فاراد بالعذيب تصغير العذب وعني به شفة الحبيبة ، وأراد ببارق ثغرها الشبيه بالبرق ، وبما بينهما ريقها ، وهذه تورية بديعة نادرة في بابها ، وشبه تبختر قدها بتمايل الرماح ، وتتابع دموعه بجريان الخيل السوابق.

٣٤٩

وكقوله :

إذا ضاق صدري وخفتُ العدا

تمثلتُ بيتاً بحالي يليقُ

فبالله أبلغ ما أرتجى

وبالله ادفع مالا أطيق

وكقول الحريري : يحكى ما قاله الغلام الذي عرضه (أبو زيد) للبيع :

على أنى سأنشد عند بيعي

أضاعوني وأي فتى أضاعوا (١)

فالمصراع الأخير (للعرجي) وهو محبوس وأصله :

اضاعوني وأي فتى أضاعوا

ليوم كريهةٍ وسدادِ ثغرِ

وصبر عند مُعترك المنايا

وقد شُرعت أسنتها بنحري

(٣) والعقد : هو (نظم النثر) مطلقاً لا على وجه الاقتباس ، ومن شروطه أن يؤخذ (المنثور) بجملة لفظه أو بمعظمه ، فيزيد الناظم فيه وينقص ، ليدخل في وزن الشعر.

فعقد القرآن الكريم ، كقوله :

أنلني بالذي استقرضتَ خطا

وأشهد معشراً قد شاهدوه

فان الله خلاّق البرايا

عنت لجلال هيبته الوجوه

يقول «إذا تداينتم بدين

إلى أجل مسمى فاكتبوه»

وكقوله :

واستعمل الحلم واحفظ قول بارئنا

سبحانه خلق الإنسان من عَجل

__________________

(١) ولا باس من التغيير اليسير : كقوله :

أقول لمعشر غلطوا وغضوا

من الشيخ الرشيد وأنكروه

هو ابن جلا وطلاع الثنايا

متى يضع العمامة تعرفوه

وكقوله :

طول حياة مالها طائل

تغص عندي كل ما يشتهي

أصبحتت مثل الطفل في ضعفه

تشابه المبدأ والمنتهى

فلم تلم سمعي إذا خانني

إن الثمانين وبلغتها

٣٥٠

وعقد الحديث الشريف ، كقوله :

إن القلوبَ لأجنادٌ مجندة

بالأذن من ربّها تهوى وتأتلفُ

فما تعارف منها فهو مُؤتلفٌ

وما تناكر منها فهو مختلف

وكقوله :

واستعمل الحلم واحفظ قول بارئنا سبحانه خلق الانسان من عجل

(٤) والحل : هو (نثر النظم) وإنما يقبل إذا كان جيد السبك ، حسن الموقع كقوله :

إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه

وصّدق من يعتاده من توهُّم

(٥) والتلميح : هو الاشارة إلى قصة معلومة ، أو شعر مشهور أو مثل سائر ، من غير ذكره ، فالأول : وهو الاشارة إلى قصة معلومة ـ نحو

يابدر أهلكَ جاروا

وعلّموك التَجرى

وقبحوا لك وصلى

وحسنّوا لك هجري

فليفعلوا ما أرادوا

فانّهم أهل بدر

وكقوله تعالى (هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل) أشار يعقوب في كلام هنا لأولاده بالنسبة إلى خيانتهم السابقة في أمر أخيهم يوسف ونحو قول الشاعر :

فو الله ما أدرى أأحلام نائم

ألَمّت بنا أم كان في الركب يوشع (١)

والثاني : وهو الاشارة إلى شعر مشهور نحو قول الشاعر

لعمرو مع الرَّمضاء والنار تلتظى

أرقُ وأحفى منك في ساعة الكرب

إشارة إلى قول الآخر :

ألمستجير بعمرو عند كربته

كالمستجير من الرمضاء بالنار

والثالث : وهو الاشارة إلى مثل سائر من غير ذكره ، نحو قول الشاعر :

من غاب عنكم نسيتموه

وقلبه عندكم رهينه

أظنّكم في الوفاء ممّن

صُحبته صُحبة السّفينه

__________________

(١) اشارة إلى استيقاف يوشع للشمس ، يروى أنه عليه السلام : قاتل الجبارين يوم الجمعة ، فلما أدبرت الشمس خاف أن تغرب قبل أن يفرغ من قتالهم ، ويدخل يوم السبت ، فلا يحل له قتالهم فيه ، فدعا الله ، فابقي له الشمس ، حتى فرغ من قتالهم

٣٥١

(٦) وحسن الابتداء ، أو براعة المطلع : هو أن يُجعل أول الكلام رقيقاً سهلاً ، واضح المعاني ، مُستقلا عمّا بعده ، مناسباً للمقام ، بحيث يجذب السامع إلى الاصغاء بكلّيته ، لانه أول ما يقرع السمع ، وبه يُعرف ممّا عنده قال ابن رشيق : إن حسن الافتتاح داعية الانشراح ، ومطية النجاح وذلك كقول الشاعر :

المجد عوفى إذ عوفيتَ والكرم

وزال عنك إلى أعدائك السَّقم

وتزداد براعة المطلع حسناً ، إذا دلت على المقصود باشارة لطيفة وتسمى براعة استهلال (١) وهي أن يأتي الناظم ، أو الناثر : في ابتداء كلامه بما يدلّ على مقصوده منه ، بالاشارة لا بالتصريح ، كقول ابي محمد الخازن مُهنّأ الصاحب ابن عباد بمولود :

بُشرى فقد أنجز الاقبال ما وعدا

وكوكب المجد في أفق العلا صعدا

وكقول غيره : في التهنئة ببناء قصر :

قصر عليه تحيّة وسلام

خلعت عليه جمالها الأيام

وكقول المرحوم أحمد شوقي بك في الرثاء.

أجلٌ وان طال الزمان موافى

أخلى يديك من الخليل الوافي

وكقول آخر في الاعتذار :

لنار الهم في قلبي لهيبُ

فعفواً أيها الملك المهيبُ

وقد جاء في الأخبار أن الشعر قفل ، وأوّله مفتاحه.

__________________

(١) وبراعة الطلب ، هي أن يشير الطالب إلى ما في نفسه ، دون أن يصرح بالطلب ، نحو (ونادى نوح ربه فقال رب ان ابني من أهلي) اشارة إلى طلب النجاة لابنه ، وكقوله :

وفي النفس حاجات وفيك

فطانة سكوتي بيان عندها وخطاب

٣٥٢

(٧) والتّخلص : هو الخروج والانتقال مما ابتدىء به الكلام إلى الغرض المقصود ، برابطة تجعل المعاني آخذاً بعضها برقاب بعض ، بحيث لا يشعر السامع بالانتقال من نسيب ، إلى مدح ، أوغيره ، لشدة الالتئام والانسجام كقوله :

وإذا جلست إلى المدَام وشربها

فاجعل جديثك كله في الكاس ِ

وإذا نزعت عن الغواية فليكن

(لله) ذاك النزع لا للناس

وإذا أردت مديح قوم لم تلم

في مدحهم فامدح بني العباس

وقوله :

دعت النوى بفراقهم فتشتَّتوا

وقضى الزمان بينهم فتبدَّدوا

وقد يُنتقل مما افُتتح به الكلام إلى الغرض المقصود مباشرة ، بدون رابطة بينهما ، ويسّمى ذلك اقتضابا كقول ابي تمام :

لو راى الله أنّ في الشيب خيراً

جاورته الأبرار في الخُلد شيبا

كل يوم تُبدى صروف اللّيالي

خلقا من أبي سعيد غريبا

(٨) و «حسن الانتهاء» ويقال له «حسن الختام» هو أن يجعل المتكلم آخر كلامه ، عذب اللفظ ، حسن السبّك ، صَحيح المعنى ، مشعراً بالتّمام حتى تتحقق براعة المقطع بحسن الختام ، إذ هو آخر ما يبقى منه في الأسماع وربما حُفظ من بين سائر الكلام ، لقرب العهد به.

يعني : أن يكون آخر الكلام مُستعذباً حسناً ، لتبقى لذتُه في الأسماع مُؤذناً بالانتهاء ، بحيث لا يبقى تشوقاً إلى ما وراءه ، كقول أبي نُوَاس :

وإني جدير إذ بَلَغتك بالمنى

وأنت بما أمَّلتُ فيك جدير

فان تُولِني منك الجميل فأهله

وإلا فاني عاذرٌ وشكورُ

وقول غيره :

بقيت بقاء الدهر يا كهف أهله

وهذا دعاء للبريَّة شامل

٣٥٣

وقول ابن حجَّة :

عليكَ سلام نشره كلّما بدى

به يتغالى الطِّيب والمسك يختم

وقول غيره :

ح ما أسأل الله إلا أن يدومَ لَنَا

لا أن تزيد معاليه فقد كمُلت

* * *

والحمْد لله الذى وفّق عبده المفتاق الى رحمته تعالى السيد حميد الجزايري لتصحيح هذا الكتاب القيّم. وقد تمّ فى شهر رجب المرجّب عام ١٤٢٣ (ه. ق). ونسأل الله تعالى أن يمنّ علينا بصيانة الحوزات العلمية في جميع انحاء العالم. ونسأله لتعجيل في ظهور الام الحجّة صلوات الله وسلامه عليه وعلى آبائه الطيّبين الطّاهرين المعصومين.

٣٥٤