بدايع الاصول

السيد علي الشفيعي

بدايع الاصول

المؤلف:

السيد علي الشفيعي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات خوزستان
المطبعة: مطبعة الهادي
الطبعة: ٠
ISBN: 964-6511-21-x
الصفحات: ٢٥٦

المفردات بل من الجملة. ويرد عليه. انّ هذا اشتباه لهذه الجملة بالكناية. وكم فرق بينها وبين المجاز حيث أن فيها قد استعمل اللفظ في معناه وأريد لازمه. فالوضع في المركبات ليس بجملتها فلا حقيقة فيها ولا مجاز وما عن الفصول وغيره في تصحيح ذلك ففي غير محله.

٦١

استعمال اللفظ

في فرده ونوعه وشخصه

ومن جملة ما وقع بينهم موقع البحث هو أنّ بعض القضايا غير منطبق على موازين الأدلة كقولنا ضرب فعل ماض ومن حرف جر وزيد اسم. أما النحاة فقد تعرضوا لهذه المسألة وذكروا أنّ عنوان المسند اليه انّما يخص الاسم مع انّهم يقولون ضرب ماض ومن حرف أو قولهم جسق مهمل وأمثال ذلك. وقد أجابوا عن ذلك اجمالا بأنّ هذه الكلمات في تلك القضايا اسم ففي قولك من حرف. كان لفظة من اسما ل (من) الحرفية وهكذا في ضرب ماض. ضرب اسم ل (ضرب) الفعلية وفي المثال الأخير جسق اسم لذلك المهمل ويشهد لذلك أنّه لو كان من في المثال الأول حرفا لاحتاج الى متعلق ومدخول. مع انّ في المثال لا احتياج اليهما وكذا (ضرب فعل) ليس لضرب فاعل ولا طرف وهكذا ما ذكره السيوطي من ان (ليت يقولها المحزون) ليت مبتدأ ومجرد عن الحرفية واختص بالاسمية ولو كان حرفا لاحتاج الى اسم وخبر.

وأما الأصوليون. فقالوا انّ الشأن في (زيد اسم) هو تسمية الشخص للنوع وكذا في ضرب ماض بمعنى أنّ نوع ضرب عبارة عن الماضي أي هذه الحروف المترتبة الخاصة المتهيئة بهذه الهيئة من أي صادر صدرت ولها وجودات متكررة. ضرب. ضرب. ضرب. فالمادة المتهيئة بالهيئة المخصوصة نوع واذا قلت ضرب ماض. فضرب. هذا فرد صار اسما لنوعه وهذه الاسمية ليست بوضع بل لازمه بسبب المناسبة الذاتية فاختلف الدال والمدلول. فلا اشكال في هذه القضايا. هذا.

٦٢

أقول. كل من كلامي النحاة والأصوليين لا يمكن تصديقه. أما كلام النحاة.

فيرد عليه. ان هذه لو صارت أسامي ولكن لا خفاء في أن مسمياتها أفعال وفي الحروف حروف. فهذا المحمول هل هو محمول الاسم أو محمول المسمى فإنّ المحمولات في القضايا بعضها محمولات لنفس اللفظ سواء كان هنا مسمى أو لم يكن مثل زيد ثلاثي. جعفر رباعي. ولكن في زيد قائم فليس القائم محمولا للفظ بل لمسمى زيد. ولا شك أن في ضرب ماض ومن حرف. انّ المحمول هو محمول المسمى والمسمى في الأول فعل وفي الثاني حرف وهما لا يقعان مسندا اليه فليس هذا إلّا كرا على ما فرّوا منه.

وأما كلام أهل الأصول. فيرد عليه. ان النوع والشخص ليسا أمرين متباينين بل هما أمر واحد مع اضافة خصوصيات في أحدهما فلا يصح أن يكون النوع المشخص اسما للنوع الغير المشخص.

والتحقيق. هو ما أشار اليه ابن المالك صاحب الألفية انّ الاسناد اللفظي ليس من خصايص الاسم بل انّ ما يخصه هو الاسناد المعنوي ففي (من حرف) يكون كلمة (حرف) محمولا للفظ من وقد عرفت انّ المحمول تارة يكون محمول اللفظ وقد يكون محمول المسمى كزيد قائم لوضوح انّ اللفظ ليس بقائم ولا قاعد وأما في (زيد ثلاثي) فالثلاثي محمول لنفس لفظ زيد فهنا انّما ذكر الموضوع بلا واسطة وأما القائم في المثال فهو لاراءة الموضوع أي شخص زيد وذلك بتوسط اللفظ. ففي القضايا التي يحصل الاحتياج فيها الى لفظ يكون مرآتا لاراءة الموضوع يكون الاسناد معنويا لا لفظيا.

فالمسند اليه ان كان موضوعا لنفس اللفظ والمحمول أيضا كذلك فهذا الاسناد لفظي فيجري في الاسم المهمل والمستعمل وفي الفعل والحرف وأما اذا كان المحمول محمولا للفظ بتوسط لفظ المحمول وكان مرآة للموضوع فهذا لاسناد معنوي يختص

٦٣

بالاسم ويكون من علاماته ولا يجري في الفعل والحرف ولا في الاسم المهمل.

والعجب من ابن هشام حيث لم يفهم مراد ابن مالك ولذا طعن على أبي حيان ونسبه الى التقليد لوهم ابن مالك مع انّ كلام ابن مالك وأبي حيان منبعث عن تحقيق في المقام ولكنه لم يصل الى مرادهما فقال (أي ابن هشام) : ان ضرب في (ضرب ماض) ليس فعلا لعدم وجود فاعل له. مع انّك عرفت ما فيه بأنّ فعلية الفعل ليست بتوسط الاستعمال بل يكفي بالوضع فضرب فعل استعمل فيه أو لم يستعمل. إذ انّ اللفظ له لحاظان فتارة يلقى في مقام التعداد من غير استعمال فتقول. فرس. زيد. كتاب. أسد. فالألفاظ هنا لم تقع واسطة لمعنى وتارة يلقى بعد الوضع في مقام الاستعمال فاللفظ أما اسم أو فعل أو حرف استعمل أم لا؟ وعدم وجود الفاعل والمدخول والمتعلق فرع عدم الاستعمال فقط. فإن قلت. انّ اللفظ الصادر شخص من نوع وقولك (اسم) صفة للنوع. قلت. نعم ولكن المحمول هنا مع قطع النظر عن الشخص فقولك زيد اسم أي اللفظ المتهيئ بهذه الهيئة اسم. فلاحظ.

استعمال

اللفظ في أكثر من معنى

إنّ الحق في هذه المسألة يتبين من مطاوي كلماتنا السالفة. وهو انّه لا يجوز ذلك بل لا مجال له فانّ عنوان المسمى الذي يقع مرآتا لذات المسمى يكون عمومه بدليا بالبداهة لا شموليا مع انّ لازم ارادة معنيين من اللفظ الواحد يستلزم كون عمومه شموليا وهو لا يجامع العموم البدلي المفروض وذلك لأنّ محل البحث في هذه المسألة على حسب تصريحهم بذلك هو أن يكون كل من المعنيين أو المعاني مستقلا في الحكم ومناطا للنفي والاثبات كذلك بأن يكون كل منهما كذلك في عرض الآخر و

٦٤

منافاة ذلك للعموم البدلي واضح. وكأنّ ذلك كان مرتكزا في نظر صاحبي المعالم والقوانين قدس‌سرهما لكنهما لم يحققاه تماما ولهذا وقعا موقع الاعتراض والايراد ممن أتى بعدهما أما صاحب المعالم فلذهابه الى أخذ الموضوع له مقيدا بقيد الوحدة ولازم استعمال اللفظ في أكثر من معنى اسقاط القيد المذكور والغائه وهذا ينتج استعمال اللفظ في جزء معناه ولهذا أجاز ذلك بعنوان المجاز دون الحقيقة (١). وفيه. ان قيد الوحدة ليست جزء ما وضع له والوحدة انّما هي في عنوان المسمى الذي ه ه واسطة ولو زالت هذه الواسطة لم يكن الاستعمال بصحيح أصلا وهذا العنوان يكون بالنسبة الى كل من المعنيين بدليا واستعمال اللفظ في أكثر من معنى متوقف على كون العموم شموليا. فلذا لا يجوز هذا النحو من الاستعمال فهو قدّس الله سره قد التفت الى وحدة في البين إلّا أنّه تخيل انّها في طرف الموضوع له ولذا قال انّه بعد حذفها لا مناص من القول بالتجوز لاستعمال الكل في الجزء.

وأما صاحب القوانين. فهو قدس‌سره قد التفت الى أن الوحدة ليست قيدا للموضوع له ولذا ذهب الى أنّ الموضوع له وضع له اللفظ في حال الوحدة فالواضع وضع اللفظ للمعنى في حال وحدة المعنى وانفراده وهذا الحال ينافي استعمال اللفظ في أكثر من معنى أي في غير حال الانفراد إلّا برخصة من الواضع فيجوز حينئذ ولكن الرخصة مفقوده فالمرجع هو عدم الجواز (٢) وقد أورد عليه صاحب الفصول (٣) بأن حال الانفراد مما لا يفيد فائدة في حد نفسه نعم لو كان قيدا في جانب المعنى فالاستعمال غير جائز وليس ممنوعا عند عدم اشتراط الوحدة ضرورة ان الأسماء تصدق عند تفسير الحال

__________________

(١) معالم الأصول : ص ٣٣ ، طبعة عبد الرحيم الحجرية.

(٢) القوانين المحكمة : ج ١ ، ص ٦٧ ، طبعة عبد الرحيم الحجرية.

(٣) الفصول الغروية : ص ٥٥ ، الطبعة الحجرية.

٦٥

في مسمياتها حيث لم يعتبر بقائها في التسمية فزيد زيد في صغره وفي كبره وأما لو كان الانفراد قيدا في الوضع فهو معنى بشرط الوحدة وقد أنكره.

والحاصل ان عنوان المسمى ينطبق على كل واحد من المعاني لا مجموعها وهذا العنوان لازم حتى يكون محل الانطباق معلوما من قبله لا ان اللفظ قد استعمل في محل الانطباق بل هو وجود المسمى وهو لا ينفك عن الوحدة اذ معنونه دائما واحد بعنوان التعيين بدلا لا شمولا.

ومن هنا يتبين انّ ما في الرواية الشريفة (انّ الاسم ما أنبأ عن المسمى) من جملة أسراره ونكاته هو استحالة هذا النحو من الاستعمال.

ومما نسب الى السكاكي في المقام من انّه لو أريد أحد المعنيين أو المعاني لا على التعيين كان الاستعمال حقيقة فإذا قلت جئني بعين. أي عين واحدة لا معينا. وأورد عليه التفتازاني بأن هذا ناش من وضع هذا اللفظ لكل واحد من المعاني فيتعلق بأحدها بتبع هذا الوضع فردّ على السكاكي بأنّ الوضع تعلق بكل منها على سبيل البدل وهذا ينافي الاستعمال في أكثر من معنى.

ولكن قد ظهر بما بينّاه أن السكاكي كان ملتفتا للأمر اذ عنوان المسمى لما كان على سبيل الحقيقة منطبقا على المحل فقد أريد المعنى المنطبق عليه فهو حقيقة فيه فهو منظور كذلك بعمومه البدلي.

تعارض الأحوال

اذا دار أمر اللفظ بين أمرين فلا حجية لأحدهما على الآخر ولا دليل على ترجيح بعض من دون الرجوع الى الموارد بل الحال كذلك غالبا حتى بعد الرجوع اليها. مثال ذلك. اذا دار الأمر بين الاشتراك اللفظي والمعنوي فالترجيح للثاني في

٦٦

الأغلب حتى قال بعضهم بعدم وجود الاشتراك بتاتا وهذا كما ترى ليس سوى ادعاء فمن جملة موارده كلمة الادراك فتوهم بعض باشتراكه لفظيا بين الاتيان بالفعل (كما في من أدرك ركعة من الوقت الخ) وبين الكون تقول أدركت عصر فلان أي كنت في عصره وبين العلم مثل أدركت المطلب أي علمته وبين البلوغ والوصول وغير ذلك. ولكن هذا من الاشتراك المعنوي لوجود الجامع بين موارده وهو عبارة عن الوصول واللحوق كما مر سابقا وهذا يعبّر عنه في المطالب المعقولة بالعلم وأما في المحسوسات فالحسي لو كان مأتيا به كان الادراك بمعنى الاتيان وإلّا فبمعنى الكون وبمعنى الأخذ في مثل يا مدرك الهاربين اذ المراد بدرك الهارب أي الوصول اليه وأخذه. والحاصل انّ الموارد هي التي تعطى الخصوصيات وإلّا فأصل المعنى هو الجامع ولو كان الاشتراك لفظيا لزم استعمال العلم في مورد الفعل مثلا فتقول من أدرك ركعة أي من علم ركعة اذ استعمال اللفظ في أحد المعاني المشتركة (اذا صلح المورد) أمر اختياري لا ممنوع.

ومن الأمثله. صيغة أفعل لاستعماله في الوجوب والندب والاباحة والتعجيز والسخرية والتهكم وغير ذلك على ما يأتي تفصيله موضوعا وحكما.

ومنها. العلم (على ما سبق سابقا) فقد ذكر له صاحب الفصول خمسة معان. التصديق والعرفان والادراك الجامع بين التصور والتصديق والحال والملكة والمسائل.

ويرد عليه ما أوردناه فيما مضى أنّ هذه ليست معاني عديدة حتى يتوهم اشتراكه بينها بل انّ المعنى الجامع للعلم هو الانكشاف وهو امّا ثبوتي أو تميزي فانكشاف زيد تميزه عن عمر وبكر وخالد واذا علمت انّه قاعد أو قائم كان الانكشاف ثبوتيا لانكشاف ثبوت القيام له فالجهل امّا من حيث ثبوت النسبة وامّا بالموضوع من حيث عدم التميز وأما الادراك فلو أريد به الخطور الذهني تبعا لتوهم

٦٧

التفتازاني لذلك فالمعلوم ان العلم لغة لم يوضع له وأما العرفان فهو مرحلة من العلم وأما الحال والملكة فهما وصفان لمفهوم واحد من حيث رسوخ العلم وعدمه وأما المسائل فهي ليست علما مطلقا واطلاقه عليها حقيقة غلط إلّا باعتبار انّها عبارة عن انكشاف الجزئيات فلذا كانت معدة للعلم فإطلاق العلم عليها مبالغة كاطلاق عدل على زيد.

ومنها العين. وهذا أيضا من المشترك المعنوي والجامع هو التعين فعين البلد هو شريفه وشاخصه تقول الأعيان والأشراف فكأنّ تعين البلد بهم. وأعضاء البدن تعينها بالباصرة فيقال لها عين الى آخر معانيها.

والمتحصل. إنّا لا ننفي الاشتراك اللفظي لكنّه اشتبه الأمر في كثير من الموارد لكونها من الاشتراك المعنوي ولكن اشتبه باللفظي (١).

__________________

(١) لا يخفى انّ هذا المبحث وان انعقد بعنوان تعارض الأحوال لكن المقدار المحرر منه في المقام أنسب بأن يندرج في بحث المشترك لعدم تعرض فيه لمسألة أحوال اللفظ الخمسة (الاشتراك والمجاز والتخصيص والنقل والاضمار) وحكم تعارضها وترجيح بعضها على البعض الآخر حسب ما اصطلح عليه في كتب الأصول ومن المظنون ان الأستاذ المحقق قدس‌سره قد بحث هذا المقدار قاصدا الورود في باقي أحوال اللفظ وتعارضها لكنه لم نوفق نحن للحضور في باقي جلسات درس هذا المبحث ولا يحضرني الآن (مع بعد الزمان) ما هو السبب في بقاء هذه المسألة ناقصة والكمال لله تعالى وحده. المقرر

٦٨

الحقيقة والمجاز

اللفظ ان استعمل فيما وضع له فحقيقة وإلّا فمجاز والمصحح للاستعمال المجازي وجود العلاقة بين المعنيين الحقيقي والمجازي وقد قسموا ما به يصح هذا الاستعمال الى الاستعارة والمجاز المرسل فإن وجدت الشباهة التامة في أظهر الخواص فهو الأول وإن لم يكن كذلك بل كانت العلاقة بالجزء والكل أو عكسه أو السبب والمسبب أو الحال والمحل أو العموم والخصوص أو عكسه أو غير ذلك فهو الثاني وتسمى هذه بالعلائق المرسلة. ثم انهم قد اعترفوا بثبوت الاطراد في الاستعارة سواء في ذلك الأحكام والموارد وليست كذلك العلائق المرسلة فإنّها لا اطراد فيها فيصح أن يقال عتق رقبة وفك رقبة وملك رقبة وتحرير رقبة دون مجيء رقبة وإطعام رقبة وذهاب رقبة مع انّها الجزء الأعظم فلذا توجه عليهم الاشكال بأن لازم كون هذه العلائق مصححة للاستعمال ثبوت الاطراد بالنسبة اليها أيضا كما في الاستعارة.

وقد تفضى عنه بعضهم بأن الشباهة علة تامة للتجوز بخلاف العلائق فانّها مقتضيات له وامكان اقتران المقتضى بالمانع وعدم ترتب الأثر على المقتضى حينئذ أمر معلوم وإن لم يعلم المانع بعينه وذهب صاحب القوانين قدّس الله سرّه الى أنّ الاقتضاء انّما هو في صنف من الأصناف أو نوع من الأنواع وان لم يكن معلوما بعينه وبعض المتأخرين الى أنّها مصححة للاستعمال فيما اذا استحسنه أهل اللسان دون ما كان مستهجنا عندهم (١).

وهذه الأجوبة كلها مردودة. أما الأول فلأنّه تخرص بالغيب لامكان ان

__________________

(١) القوانين المحكمة : ج ١ وساير الكتب الأصولية مبحث مقدمة مباحث الألفاظ.

٦٩

يكون الوجه في صحة الاستعمال مع عدم الاطراد أمرا آخر غير ما ذكر فلا موجب لاستنادها الى علاقة الجزء والكل أو غيرها حتى يتطرق امكان المانع ويوجب الاحالة الى أمر مجهول وسيوافيك تحقيق الحق فيها عن قريب وهكذا الحال بعينه بالنسبة الى الجواب الثاني على أنّ فيه ترجيحا بلا مرجح وأما الثالث فأوضح فسادا اذ توقف صحة الاستعمال على عدم الاستهجان يفضي الى الدور كما هو ظاهر بأدنى تأمل. على انّه لا يفيد ضابطة في المقام تكون مرجعا يتمسك بها. ومع الرجوع الى أهل اللسان وتحصيل موارد استهجانهم واستحسانهم لا احتياج الى وضع العلائق والبحث عنها وتضييع العمر بذلك. هذا

والذي يتحصل بعد اعطاء النظر حقه انّ العلائق المرسلة لا تكون منشأ لصحة الاستعمال بل المنشأ أمر آخر وتحقيق ذلك يتوقف على بيان مقدمة. فنقول :

إنّ الاتحاد بين المعنيين الحقيقي والمجازي له ثلث مراتب مختلفة في الشدة والضعف. إحداها التشبيه نحو زيد كالأسد والثانية الحمل تقول زيد أسد أو الأسد زيد والثالثة الاستعمال نحو جاءني أسد فكل هذه المراتب تكشف عن وجود اتحاد بين المعنيين إلّا أن الاستعمال أقوى من الحمل وهو أقوى من التشبيه اذ المغايرة غير ملحوظة في مورد الاستعمال بوجه بل يعامل معها معاملة المعدوم ولكنها في الحمل موجودة وأما التشبيه فلحاظ المغايرة فيها أوكد منها في الحمل. ومن هذا التقسيم تعرف انّه لو كانت العلائق المرسلة مصححة للاستعمال والاتحاد لزم ان تكون منشأ للاتحاد في الحمل الذي هو أضعف من الاستعمال بطريق أولى اذ من الواضح لزوم كون منشأ الصحة في الاستعمال الذي هو أقوى مراتب الاتحاد موجودا في المرتبة التي دونها في القوة أعني الحمل مع انّه لا يصح قولك زيد رقبة وهذا أدلّ دليل على أنّها ليس لها أي أثر في الحمل فكيف في الاستعمال.

فإن قلت. هذا هدم لما بناه القوم ومع ذلك فإنّا نرى بقاء صحة الاستعمال فما

٧٠

هو المستند له؟

قلت. ان الاستعمال في هذه الموارد لا يخلو عن أحد وجوه ثلثه. فإنّ بعضها حقايق من دون أي تجوز وبعضها من الاستعارة المقيدة والبعض الآخر تجوز في الاسناد. أما الأول فكقوله سبحانه وتعالى : (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ)(١) فبما انّه لا يمكن جعل جميع الاصبع في الأذن سوى الأنملة ذهبوا الى ان ذلك مجاز بعلاقة استعمال الكل في الجزء ولكنك خبير بأنّ في تعلق شيء بشيء على وجه الحقيقة لا يلزم سوى أدنى تلبس وإلّا لزم ان يكون قولك رفست فلانا برجلي وضربته بيدي ولطمت وجهه مجازا مع ان هذه حقايق ولم يجعلوها من باب استعمال الكل في الجزء وأما الثاني فكقول الشاعر : أسد علىّ وفي الحروب نعامة فإنّ الشباهة بالأسد في الشجاعة حيث اختصت هنا بمورد خاص فلا بد من ذكره مع قيده وهكذا الحال في عين القوم ولسان القوم وسيف الله ويد الله وأسد الله فانّ الملاك فيها وفي أمثالها واحد وهو اختصاص الشباهة بمورد خاص والاستعارة المقيدة لا تخص علاقة الجزء والكل والدليل عليه صحة قولك عين الله وسيف الله ونحو ذلك مما مرّ وكذا لا تكون صحة الاستعمال دائرا مدار الجزء وإلّا لم يصح قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عليّ منّي بمنزلة هارون من موسى (٢) أو علي هارون محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله بل يدور مدار أمر قد ينطبق على الجزء والكل احيانا وقد ينطبق على غير ذلك وأما الثالث فمنه عتق الرقبة وفك رقبة وملك رقبة وتحرير رقبة والاستعمال في هذا القسم لا يكون مطردا وان كان الجزء رئيسيا ينتفي بانتفائه الكل فإنّ هذه الصفة غير مختصة بالجزء بل تترتب على فرى الأوداج وأخذ الدم ونحوهما أيضا مع ان الاستعمال فيها غير صحيح. واذا بلغ الكلام الى هنا

__________________

(١) سورة البقرة : آية ١٩.

(٢) حديث المنزلة. المتواترة في كتب الفريقين فراجعها.

٧١

فينبغي تحقيق معنى الاستعمال لتتضح حقيقة الحال. فنقول :

ان مفروض الكلام من قبيل تشبيه المعقول بالمحسوس فيكون أطرافه بمنزلة أطرافه فإنّ التصرف الحسي على أفراد من الملك يتحقق بالقاء حبل على غارب المملوك والأخذ بطرف الحبل وهذا بالنسبة الى المالك يسمى ملك اليمين وبالنسبة الى المملوك يسمى ملك الرقبة فانّ للمالك سلطنة على المملوك وإحاطة فقد شبّه التصرف والملك المعنوي بالحسي وهذا مخصوص بمسألة الملك وما يرتبط به من الفك والتحرير والعتق دون مثل الذهاب والاياب والتعلم والتعليم وغير ذلك فلا يطرد فيها.

فإن قلت. فالرقبة بناء على ما ذكر لم تستعمل إلّا في معناه الحقيقي وانّما الملك الذي يسند الى الشخص قد أسند هنا الى الرقبة فما الوجه في اسناد الايمان اليها في قوله سبحانه وتعالى : (رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) لوضوح انه صفة لا ارتباط لها بالملكية؟

قلت. لما كان اسناد العتق الى الرقبة نازلا منزلة الشخص فلنزول الايمان أيضا منزلته مجال فهذا تجوز في الاسناد يعني اسناد الشيء الى غير من هو له بعد تنزيله منزلته.

فإن قلت. لو كان المقام من قبيل تشبيه المعقول بالمحسوس لزم صحة استعمال ما يرادف الرقبة من جيد وعنق ونحوهما مكانها مع ان ذلك لا يصح.

قلت. إنّا لا نسلم وقوع الترادف في اللغة بل كل ما يعدّ من المترادفات انّما هي ألفاظ متقاربة المعنى يفترق كل منها عن غيرها في خصوصية (١) فاختصاص الرقبة بالملك انّما هو بملاحظة خصوصيات في الرقبة لا توجد في ما يقاربها من الألفاظ منها امتيازها عن غيرها بمصاحبتها معنى الاحاطة والسلطة والتفوق على صاحبها وهذا

__________________

(١) راجع للتعرف على ذلك مبحث الترادف في هذا الكتاب ، ص ٩١.

٧٢

أمر يطرد في الشرعيات أيضا كما تقول لي حق على رقبة فلان وكذا عتق الرقبة وتحريرها وفكها. وأما الجيد فهو مأخوذ من الجيّد في مقابل الرديء حيث أنه محل للتزيين وتقليد القلادة عليه وأما قوله سبحانه وتعالى : (فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ)(١) فتعريض كما لا يخفى. وأما العنق فيمتاز بارتباطه بمورد المسد والضرب فيستعمل فيها.

والحاصل ان كل مورد توهم فيه التجوز باعتبار علاقة الجزء والكل أو غيرها من العلائق المرسلة فخطأ وذهول فلنذكر جملة منها وبيان ما هو الحق ليتّضح الأمر.

فمنها. علاقة الحال والمحل كما في (سْئَلِ الْقَرْيَةَ) أي أهلها. فذهب بعضهم الى انّه مجاز في الحذف وبعضهم الى انّه مجاز في الكلمة. ولا يكون شيء منهما في محله. أما الأول فلأنّ حذف الأهل واسناد السؤال الى القرية لا بد له من مصحح وإلّا لم يصح الحذف والاسناد ثم لا دليل على تعيين المصحح في مجاز الحذف فإنّ معنى هذا المجاز هو صحة النسبة باعتبار المحذوف ولو كان الأمر كذلك لم يكن محل للاسناد الى القرية بل لا بد من الاضافة الى القرية وتقدير المضاف فاللازم تحقيق ان المصحح هل هو التجوز في الكلمة أو شيء آخر؟ سيّما وانّه لو كان أصل الحال والمحل علاقة لزم ان يكون مطردا ومن البديهي عدم صحة قولك أسأل البساط أو أسأل الحصير.

فنقول : انه اذا اشتهر أمر في بلد بحيث ذاع وشاع فيه وصار من الواضحات هناك صح اسناده الى نفس البلد باعتبار انّه من متعلقاته بحيث يرتفع معه تعين الأشخاص ومعلوميته لدى فرد أو جماعة معينين فلا احتياج الى السؤال عنه واستطلاعه من العالمين به والمطلعين عليه بل يقال : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها)(٢). ومما يرشد الى ما أوضحناه انّه لو كان الحال والمحل علاقة للزم ان يكون الركوب أيضا من جملة العلائق ويزاد عليها علاقة الركوب لقوله سبحانه وتعالى بعد ذلك (وَالْعِيرَ الَّتِي

__________________

(١) سورة أبي لهب : آية ٥.

(٢) سورة يوسف : آية ٨٢.

٧٣

أَقْبَلْنا) مع انه واضح البطلان بل لم يتفوه بهذه العلاقة أحد.

ومنها. علاقة السبب والمسبب. وقد مثلوا لها بأمثلة. منها البيع حيث اختلف في انّه هل هو حقيقة في السبب ومجاز في المسبب أو بالعكس فقد يطلق تارة على السبب كتعريف الشهيد له بأنّه الايجاب والقبول الدالان على نقل الملك (١) وأخرى على المسبب كالتعريف الآخر له بأنّه مبادله مال بمال (٢) وعلى هذا فالفسخ ليس راجعا الى أصل الانشاء بل يكون ناقضا للأثر المترتب عليه اذ لو كان نقضا للانشاء لرجع الى بطلان البيع من أول الأمر مع انه نقض للآثار من حين الفسخ. ومن الأمثلة الطهارة فإنّها تطلق تارة على نفس الوضوء والغسل والتيمم كما عرفها الشهيد قدس‌سره (٣) بأنّها استعمال طهور مشروط بالنية وأخرى على الأثر الحاصل من الأفعال الثلاثة فالحدث لا ينقض الأفعال من أول الأمر بل يزيل الأثر المترتب عليها.

والتحقيق. ان السبب والمسبب قد يكونان متباينين وقد يتحدان وجودا ويختلفان بالاعتبار والأول كالخالق والمخلوق والنجار والسرير والبناء والبناء. فهنا لا يمكن اطلاق أحدهما على الآخر بداهة ان قول القائل فرضا رأيت السرير قاصدا به النجار أو العكس غلط فاضح وأما الثاني فكالتأديب بالنسبة الى الضرب والاتحاد هنا أمر منتزع ومن المعلوم ان وجود المنتزع خارجا عين وجود منشائه ولكن نقول من باب المقدمة انّ الانتزاع قسمان انتزاع من حدوث وانتزاع من وجود. توضيحه ان الأمر المنتزع قد يدور مدار منشأ الانتزاع حدوثا وبقاء كالفوقية والتحتية المنتزعتين من تقابل الجهتين فيدور المنتزع مدار التقابل فلو زال التقابل زالت الجهتان وقد لا يدور

__________________

(١) اللمعة الدمشقية : ص ١٠٩.

(٢) راجع المتاجر للشيخ الأعظم الأنصاري قدس‌سره.

(٣) اللمعة الدمشقية ، ص ٢.

٧٤

بقاء الأمر المنتزع مدار منشائه كحدوث علقة الازدواج الذي يستند الى صدور (انكحت وقبلت) فلا يستند بقاء الأثر الى بقاء الانشاء لزوال الانشاء وهكذا حال ساير العقود والايقاعات وكانتزاع الطهارة عن الأفعال الثلاثة وانتزاع الحدث عن سببه. وبناء على ما ذكرنا من عينيّة الأمر المنتزع لمنشا الانتزاع صح اطلاق الطهارة على الأفعال المذكورة لعدم وجود مغايرة في الخارج بين الأمرين وكذا البيع والنكاح وغيرهما فجميع الموارد التي ينتزع فيها المسبب عن السبب لا يكون من الاستعمال في غير ما وضع له حتى يستند الى علاقة السببية والمسببية فالطهارة أطلقت على معناها الحقيقي سببا كان أم مسببا فإنّها عين الوضوء والغسل والتيمم لاتحاد الأمرين في الخارج كما في زيد قائم وعليه فلا مجال لتوهم المجاز أصلا كما انه لم يكن اطلاق أحدهما على الآخر في الصورة الأولى أصلا حتى يكون على وجه الحقيقة أو المجاز.

ثم انّه. قد تبين مما حققنا ان ما اشتهر بينهم وتسالموا عليه قديما وحديثا من ادراج مفعول في جملة المفاعيل يسمى مفعولا لأجله باطل لا أساس له. بيان ذلك. ان في قولك ضربت زيدا تأديبا لا يلحظ التركيب من حيث العليّة بين التأديب والضرب بل النظر انّما هو الى جهة الاتحاد بينهما اذ الشروط الثلاثة التي هي المنشأ بعد اجتماعها لنصب الكلمة في المقام أعني كونها مصدرا واتحاد فاعل المصدر مع فاعل الفعل والاتحاد بينهما في الوقت انّما تنظر الى الاتحاد بين السبب والمسبب لا الى الاختلاف بالعلية والمعلولية وإلّا لكان لازم ذلك صحة التركيب في كل مورد صحّ فيه ورود لام التعليل. وبعبارة أخرى. انّهم قد قسموا التميز الى ما يرفع الابهام عن النسبة وما يرفعه عن الذات فإنّ المميّز (بالفتح) قد يكون مبهما في حد نفسه ومع قطع النظر عن النسبة كالعدد فإذا أتى بالتميز وقيل : منوان عسلا وتمرا فقد ارتفع الابهام وقد يطرأ الابهام من جهة النسبة كما في طاب زيد فزيد مع قطع النظر عن الطبيب معلوم لا جهل به وانّما عرضه الابهام من جهة الطبيب وهل انّه من جهة

٧٥

العلم أو الأب أو النفس فإذا قلت طاب زيد نفسا زال الابهام العارض من قبل المسند اليه. هذا.

ولكن لا يخفى عدم اختصاص الابهام في النسبة بالمسند اليه بل هنا قسم آخر وهو عروضه من طرف المسند كما في ضربته تأديبا فالضرب مبهم لا مكان انّه صدر امّا عن ظلم أو تأديب أو قصاص أو غير ذلك فإذا جئت بالمصدر أي التأديب تعين فيه وارتفع الابهام. فظهر ان اقسام الابهام ثلثه وان محل البحث عن الابهام في المسند هو مبحث التميز لا المفاعيل فلا وجه لزيادة مفعول عليها.

نعم. قد تفطن الزجاج من بينهم الى ذلك حيث ذكر انّ النظر في المفعول لأجله انّما هو الى جهة الاتحاد بين الفعل والمصدر ولكنه لم يكمل التحقيق في المقام فإنّ معنى (المفعول لأجله) هو انّ النظر في التركيب الى كون الضرب معلولا عن التأديب وبذلك يرجع الاشكال المتقدم وهو استلزام ما ذكروه ان تكون الهيئة التركيبية مفاد لام التعليل وهذا واضح البطلان سيّما وانّه لو كان كذلك لما كان الأمر منوطا باجتماع الشرائط الثلاثة المتقدمة اذ اجتماعها انّما هو باعتبار تحقق اجتماع المصدر مع الفعل.

تنبيه. ان الحقّ في أكثر موارد الاختلاف في أمثال هذه المسائل إنّما هو مع الكوفيين ومذاهبهم أصوب غالبا من البصريين فانّ الأولين يئول أمرهم الى أبي الأسود الدئلي وهو الذي أخذ النحو وتعلّمه من مولانا عليّ أمير المؤمنين عليه وآله الصلاة والسلام ثم زاد عليه ونشره بأمره المطاع وأما البصريون فيستندون كثيرا الى انظارهم واستنباطاتهم فلذا وقع في أغلبها الخطاء والخلف.

ومنها علاقة العموم والخصوص وهي قسمان استعمال العام في الخاص وعكسه أما الأول فقد مثلوا لها بأمثلة منها الاستثناء حيث انّ العلماء في قولك اكرم العلماء إلّا البصريين عام واذا جاء الاستثناء فلو بقى العام على عمومه لزم التناقض بين صدر الكلام وذيله وبناء على ذلك فقد استعمل العلماء من أول الأمر في غير

٧٦

البصريين فالمستعمل عام والمراد به هو الخاص والقرينة قيام الاستثناء.

والصحيح. أنّ هذه الأمثلة والموارد ليست من باب استعمال العام في الخاص ليكون مجازا ويحتاج الى علاقة فانّ ما ألزمهم الى القول بالتجوز فيها هو توهم التناقض المذكور ولكن من المعلوم عدم تطرقه في المقام بوجه اذ التناقض انّما يتصور فيما اذا استقرّ الأمر في العموم واستعمل العام فيه وهذا غير متحقق من أول الأمر فإنّ للمتكلم ما دام متكلما أن يلحق بكلامه ما شاء من اللواحق وهذا كلام أشهر من أن يخفى وأظهر من أن ينسى فلو قال أحد لفلان علىّ ألف درهم. لم يحكم عليه بالاقرار فورا وبمجرد صدور هذا الكلام منه إلّا اذا تم كلامه وسكت ولم يقيد فيحكم عليه بذلك واما لو قال عقيب كلامه من غير فصل (إلّا ثلاثمائة) فلا يحكم عليه إلّا بسبعمائة فقط وهذا واضح اذ لو كان كلامه مستقرا في الاقرار ابتداء لزم منه الانكار بعد الاقرار فيما اذا أعقبه بقوله إلّا ثلاثمائة ولزم أيضا أن يكون القائل بكلمة لا إله إلّا الله كافرا ثم يصير مؤمنا ـ والحاصل انّه لا يستقر الكلام في أيّ معنى إلّا بعد فراغ المتكلم عنه وسكوته عليه وإلّا فبمجرد اطلاق العام واستعماله في العموم لا يحكم بذلك مع قابليته لأن يخصص واحتمال وروده عليه فإذا سكت ولم يخصص فهو محكوم بالعموم وان أتى بالخاص فلا. فظهر انّه لا مجال لتوهم تناقض أو تجوز وإن شئت تفصيل البحث فنقول :

اذا قيل اكرم العلماء إلّا زيدا لا يكون الاستثناء تخصيصا في عموم الموضوع لعدم خروج زيد بذلك من أفراد العلماء بل انّما التخصيص في عموم الحكم وانّه لا يجب اكرام زيد العالم. وعموم الحكم يستفاد من هيئة التركيب ولفظ العلماء قبل ضم لزوم الاكرام لا نظر له الى حكم فوضعه الافرادي راجع الى عموم الموضوع وهذا العموم يتبعه عموم الحكم بمعنى انّه اذا صدر الأمر بالاكرام وكان لفظ العلماء مفيدا للعموم فلزوم الاكرام يشمل الجميع فلا يستند عموم الحكم كما عرفت الى اللفظ

٧٧

بل الى الهيئة التركيبية وهي التي تفيد العموم لكن لا على الاطلاق حتى يتوهم التناقض بل عموما اقتضائيا أي يفيده لو لا عروض قيد له والتقييد ليس تناقضا كما لا يخفى وهذا معنى قولهم للمتكلم ما دام متكلما ان يلحق بكلامه ما شاء ويرشد الى ما ذكرنا من كون مفاد الهيئة هو العموم الاقتضائي انّه لا فرق بين قوله اكرم زيدا وقوله اكرم العلماء فإنّ مفادهما واحد لوحدة النسبة إلّا انه في الأول خاص لخصوصية مورده وفي الثاني عام لعموميته وعلى هذا فعمومية العموم انّما تكون باعتبار المورد فلا ينافيه مجيء الخصوص عقبيه بل هو مستلزم لتخصيص المورد بهذا المقدار فالنتيجة الى حد الآن انّ العام لا يستعمل في العموم ابتداء حتى يكون الخاص مستلزما للتجوز فيه لنحتاج الى قرينة بل التخصيص انّما هو في عموم الحكم وهو غير مستند الى وضع الهيئة خصوصا بناء على ما ذهب اليه (ابن مالك) وغيره من انّ دلالة الهيئة التركيبية عقلية لا وضعية مستدلين عليه بأنّ الألفاظ المعهودة معانيها من قبل أهل اللغة اذا ركّبت بعضها مع بعض كزيد قائم أفاد الحمل بمجرد التركيب والعرف يفهم ذلك ويعرفه. هذا أولا.

وأما ثانيا ـ فإنّه لو صح ما ذكره القوم لزم أن يكون مطردا مع ان عدم الاطراد أمر واضح وهم معترفون به اذ لو أطرد استعمال العام في الخاص أوجب ذلك امكان استفادة الخاص من كل عام مثل ان تقول جاءني هذا الحيوان وتقصد به زيدا. مع انّه كما ترى.

وأما القسم الثاني. وهو استعمال الخاص في العام. مثل لفظ زيد حيث انّه قد يستعمل في معناه الأصلي وأخرى في المسمى بزيد على وجه العموم وبهذا الاعتبار يقبل التثنية والجمع اذ مع فرض استعماله في الخصوص لم يقبل التعدد وان اكتفى بعضهم بالاتفاق في اللفظ لكنه بعيد فإنّ أداة التثنية والجمع وضعت لتعدد مدخولها إن كان المدخول مما يقبل التعدد وهذا الشرط يتحقق فيما اذا كان المعنى خاصا نحو قول

٧٨

الشاعر : (على زيدنا يوم النقى رأس زيدكم) حيث أريد في كل من الموردين زيد خاص والحاصل ان لفظ زيد يستعمل تارة في ذات المسمى وهو الشخص المعين وأخرى في عنوان المسمى والاستعمال الأول حقيقي مستند الى وضع اللفظ والثاني مجازي غير مستند كذلك.

أقول : هذا القسم أيضا مما لا أصل له ولا أساس والوجه في ذلك :

أولا. اعترافهم مع قضاء البداهة بعدم اطراد استعمال الخاص في العام وهذا دليل على عدم صحة الاستعمال والألزم ان تصح ارادة الجسم النامي أو الجسم المطلق من استعمال لفظ الانسان ثم يحمل الانسان على الحجر فيقال هذا الحجر انسان ويلزم صحة ان تقول هذا الحمار انسان أو تقول ركبت على انسان أي على حمار فالمصحح للاستعمال لا بد وان يكون أمرا آخر.

ثانيا. الاستعمال في المقام نوعان على ما هو المدعى أحدهما في المسمى والثاني في ذات وضع لها اللفظ مع حفظ علقة التسمية بين لفظ زيد ومعناه. فلا بد هنا من تحقيق في المقام حتى يتضح الحق. فنقول :

الوصف الذي يؤخذ في موضوع القضية اللفظية على ثلاثة أقسام اذ قد يكون تارة معرفا للموضوع فقط من دون ان يكون له مدخلية في الحكم أصلا كما في قولك قلّد هذا الجالس فالتقليد لا يرتبط بالجلوس كما هو واضح وقد يكون للتنبيه على عموم الحكم بمعنى ترتيب الحكم على هذا الوصف لدفع توهم سقوط الحكم كما تقول تجب الصلاة على المريض فإنّه مثلا لما كان الصوم ساقطا عنه فلتوهم سقوط الصلاة عنه أيضا مجال فيؤتى بالوصف ويقال تجب الصلاة على المريض أي كما تجب على الصحيح وقد يكون الوصف عنوانا يدور مداره الحكم كقولك قلد المجتهد العادل الأعلم فيكون الحكم تابعا لهذه الأوصاف الثلاثة فباجتماعها يثبت الحكم ففي هذا القسم يكون موضوع الحكم ابتداء هذا العنوان الكلي ومعروض الوصف موضوع

٧٩

ثانوي للحكم كما قوله سبحانه وتعالى : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ)(١) الخ فزيد الفقير يستحق الزكاة لا من باب انّه زيد بل من باب انطباق عنوان الفقر عليه فلو زال الفقر زال استحقاق الزكاة فكلما وجد الوصف وجد الحكم وكلما ارتفع ارتفع. ومحل هذا العنوان هو كل مورد يكون فيه مبدأ الوصف علة لثبوت الحكم بحيث يدور مداره حدوثا وبقاء فالوصف هنا موضوع للحكم كما في الآية الشريفة.

اذا تبين ذلك فلا بد من تحقيق انّ الاستعمال هل هو نوعان أحدهما في الذات والآخر في المسمى أو ليس في البين استعمال واحد وعلى الثاني فهل هو حقيقي أو مجازي؟ فنقول :

قد عرفت انّه اذا كان مبدأ الوصف علة للحكم فالوصف عنوان للحكم ومن المعلوم كما مرّ اعتبار بقاء علقة التسمية بين اللفظ ومعناه وأما تطبيق ذلك على المقام فيظهر مما قال مولانا علي أمير المؤمنين عليه‌السلام في حديث أبي الأسود الدئلي في تعريف الاسم (الإسم ما أنبأ عن المسمى) ومن البديهي انّ علقة التسمية بين اللفظ والمفهوم هي العلة للإنباء اذ لفظ زيد قبل وضعه لرجل معين ما كان له ارتباط به كلفظ زيد بالنسبة الى الرجل وانّما حصل الارتباط بسبب علقة التسمية فإذا كانت علة فيكون الموضوع الابتدائي هو الوصف أي عنوان المسمى وإلّا لم يكن اللفظ منبأ عن مفهوم فمسمى زيد ينبئ ويحكي عن المسمى به أي عن عنوان المسمى المنطبق على هذا الشخص فالاستعمال يكون دائما في عنوان المسمى إلّا ان هذا العنوان يلاحظ تارة آليا وأخرى استقلاليا كما في المرأة فإنّها تارة تكون ملحوظة بالأصالة من دون توطئة لاراءة الصورة وأخرى يكون النظر فيها آلة لرؤية الصورة. فلا يحصل في المقام إنباء ما لم ينتزع الوصف عن المبدا فالمسمى بزيد قد يكون واسطة لاراءة

__________________

(١) سورة التوبة : آية ٦٠.

٨٠