بدايع الاصول

السيد علي الشفيعي

بدايع الاصول

المؤلف:

السيد علي الشفيعي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: انتشارات خوزستان
المطبعة: مطبعة الهادي
الطبعة: ٠
ISBN: 964-6511-21-x
الصفحات: ٢٥٦

فتطالب بدليل جواز العمل لأنّ الأصل الثابت عند الخاصة هو عدم جواز العمل بالظن إلّا ما أخرجه الدليل.

لا يقال : انّ الظاهر من المحكم ووجوب العمل بالمحكم اجماعي.

لأنّا نمنع الصغرى اذ المعلوم عندنا مساواة المحكم للنص وأما شموله للظاهر فلا (١).

أقول :

قد ذكرنا سابقا في البحث عن ان أصالة الحقيقة هل هو أمر خارج عن الظن أو انّه أصل برأسه ان مرجع هذه الأصول إنّما هو الى العلم لا الى الجهل ولا الى الشك بل انّ تمام الأصول سوى الاستصحاب من باب العمل بالعلم لكن اقتضاء أي ما لم يثبت العلم بالخلاف فكلها معمول بها كذلك فالأصول مطلقا بابها غير باب الظن فليست داخلة فيه حتى تخرج عنه بمخرج فأصالة الحقيقة مرجعها الى قاعدة المقتضى والمانع بل وهكذا الاستصحاب حتى بناء على قول الشيخ قدس‌سره فيه. نعم انّه قد ضم ملاحظة الحالة السابقة الى المقتضى والمانع. والخلاصة انّ القول بأصالة عدم حجية الظن أمر صحيح لكن جعل أصالة الحقيقة من باب الظن فهو غير مقبول وبناء العقلاء على اعتبار الرجوع الى أصالة الحقيقة ولا مجال لتوهم انّ العقلاء ـ ومنهم المولى ـ قد وضعوا قانونا في ذلك مثل حمل اللفظ الصادر على المعنى الحقيقي بل بنائهم على اعتبار الحقيقة وقد سمّوه أصلا فهم قد نظر والى ذات الحقيقة لا انّهم وضعوا وجعلوا من عندهم أمرا اذ المعلوم انّ العقلاء ليس لهم الولاية في أمثال هذه الأمور.

والمتحصل ان هذا ـ أي جعل أصالة الحقيقة من الظنون ـ في مقام الرد على السيد الصدر قدس‌سره لا مجال له.

__________________

(١) فرائد الأصول ج ١ ص ١٥٠ ـ الى ـ ١٥٢.

١٨١

الاجماع

ومن جملة الظنون الخارجة عن الأصل في الجملة الاجماع المنقول بخبر الواحد عند كثير ممن يقول باعتبار الخبر بالخصوص نظرا الى انّه من أفراده فيشمله أدلته وإلّا فالقائل بحجية الخبر من جهة الانسداد يرى كل ظن حجة من دون نظر الى كون الاجماع من أفراد الخبر.

وقد استقوى الشيخ عدم الملازمة بين حجية الخبر وحجية الاجماع المنقول به وأوضح ما استقواه بأمرين :

أحدهما ـ انّ المراد بحجية خبر الواحد هل تصويب المخبر (بالكسر) ولو كان اخباره عن نظر أو المراد نفي احتمال تعمد كذبه؟ فإن كان الأول فله النفع في المقام وإن كان الثاني فيختص اعتبار الخبر بما كان عن حس اذ في مورد عدم كون الخبر عن حس ينتفي تعمد الكذب لكن لا ينفع في تصويب خبر المخبر لكونه من باب النظر والاستنباط فمع عدم تعمد كذبه يكون الخطاء محتملا ومقتضى آية النبإ هو اختصاصه بما كان عن حس وإلّا فلو كان كل خبر عادل منشأ لتصويب المخبر لكان جميع الفتاوى حجة سيّما فتاوى العلامة والمحقق وغيرهما ممن كان في أعلى درجة العدالة ومن البديهي ان الاخبار لا عن حس لا اعتبار به فلا فرق بين ان يكون المخبر عادلا أم لا ولو كان هناك اعتبار فإنّما هو في إقامة الدليل.

وثانيهما ـ انّه لا حجية للاجماع في حد نفسه عند الخاصة بل الأصل له العامة كما انّه الأصل لهم حيث قالوا هو اتفاق جميع الأمة ولو في عصر واحد ثم انّه لما لم يتيسر لهم ذلك حدّوه في اتفاق أهل المدينة ليتوصلوا به الى ما لهم من الأغراض فلما لم يحصل لهم الاتفاق المذكور ضيقوه باتفاق أهل الحل والعقد. وأما الامامية فقد

١٨٢

وافقهم في مجرد اصطلاح فقالوا انّه حجة باعتبار اشتماله على قول المعصوم عليه‌السلام فلو اتفق جماعة قليلة من الفقهاء على رأي ووافق رأيهم قول الامام فهذا حجة ومن الواضح ان هذا صرف فرض لا واقع له في الاجماعات المنقولة في كلمات الأصحاب فانّى يحصل في زمان الغيبة اجماع يقطع بكون الامام معهم فلذا اعتبروا وجود مجهول النسب فيه ليحتمل انّه الامام ولكن هذا أيضا كما ترى.

وأما الشيخ قدس‌سره فقد تشبث في المسألة بقاعدة اللطف (١) ليكون مرجعه الى تضمن الاجماع لقول الامام وفسروا اللطف بالتقريب الى الطاعة والتبعيد عن المعصية بل بنوا عليها أيضا وجوب بعث النبي ونصب الوصي لكن لا يخفى انّها لا ارتباط لها بوجوب بعث الأنبياء ونصب الأوصياء أولا اذ تشريع الشرع أمر أوضح من ان يتمسك فيه بقاعدة اللطف حيث انه سبحانه وتعالى بعد خلقه الخلق واعطائهم قبول التكاليف وان له سبحانه محبوبات ومبغوضات فلا بد من تشريع شرع لهم بمقتضى حكمته لتمييز ما أراده مما كرهه وإلّا كان ايجادهم بمكان من اللغو تعالى الله عن ذلك فلا مناص عن بعث نبي لهم واذا دنى أجله وشرعه باق الى الأبد فاللازم نصب خليفة يقوم مقامه ويتصدى أمر الدين وأهله وإلّا كان لغوا آخر والحاصل انّ مرجع هذه الأمور ليس الى قاعدة اللطف.

وأما في المقام ـ فنقول انّه لا بد من ميزان للقاعدة وبيان حدها في مفروض البحث مع انّه لا يحصل ذلك فإنّه اذا أخطاء جماعة في الرأي ولم يصل نظرهم الى الحق افترى انّه لا يقتضى اللطف أن يبعدهم الامام عن الخطاء ويقرّبهم الى الحق؟ والحال ان ملاك ذلك موجود حاصل؟ مع انّ الشيخ لا يقول ذلك بل يخصّها بما اذا اتفقوا على الخطاء.

__________________

(١) راجع للتعرّف على هذا المسلك كتاب عدة الأصول للشيخ الطوسي قدس‌سره.

١٨٣

فالقاعدة لا تختص بما ذكره الشيخ قدس‌سره من المورد بل يلزم أن يكون عاما في جميع الموارد كما ذكرنا فان قيل ان الخطاء الحاصل للبعض كما ذكرت معذر بمقتضى حديث التخطئة قلنا فهو معذر حتى فيما اذا أخطأ الجميع ـ فالمتحصل انّه لا اعتماد على القاعدة في المقام لما ذكرنا من الايراد ولسائر الايرادات الواردة عليها ولعله لهذا وهذه قد هدم السيد المرتضى قدّس الله سره أساس التمسك بها في مسئلة الاجماع ونفاه هنا صريحا وإن كان ما نسب اليه نفسه وهو القول بالاجماع التضمني أو الدخولي أيضا في غير محله لما آنفنا من ان هذا بالنسبة الى زمان حضور الامام عليه‌السلام بمكان من الامكان دون حين غيبته.

ولما رأى بعضهم فساد هذه المذاهب التجئوا في المسألة بالكشف (١) بتقريب ان الرعية اذا أجمعت على أمر يكشف عن موافقة سلطانهم وقائدهم لهم في ذلك وانّ التلاميذ اذا خرجوا عن مجلس درسهم واتفقوا على ما جرى في مجلسهم يكشف ذلك عن انّ استاذهم أيضا وافقهم فيه.

وهذا أيضا لا يتم على اطلاقه لاختصاص ذلك بما اذا لم يكن اتفاقهم عن نظر وحدس واستنباط بل كان عن حس وإلّا فلا فائدة فيه كما عرفت.

فملخص المقال في هذا المجال انّ أدلة حجية الخبر لا تشمل مورد الحدس والنظر ولما لم يكن الاجماع حجة بنفسه فلا عبرة بنقل الاجماع ومنه يظهر انّ الاجماع المنقول بالمتواتر أيضا لا اعتبار به فإنّ التواتر إنّما يثبت الاجماع ولما لم يكن في نفسه حجة فما الفائدة فيه ـ ولا يحتاج المقام الى كثير بسط في الكلام.

__________________

(١) راجع الرسائل للشيخ الأعظم قدس‌سره وكشف القناع في وجوه حجية الاجماع للمحقق الفقيه الشيخ أسد الله الكاظمي الدزفولي قدس‌سره.

١٨٤

الشهرة

فقد توهم اعتبارها في الفتوى بالخصوص سواء حصلت من فتوى جلّ الفقهاء المعروفين ولم يعلم مخالف أو علم.

ومنشأ توهم الاعتبار أمران أحدهما مفهوم الموافقة والثاني دلالة المقبولة والمرفوعة وقد أسقط الشيخ قدس‌سره كلا من الدليلين عن الاعتبار والتحقيق ان ما أفاده في المقام حق متين أما الأول فالبديهي ان مسئلة النظر والاستنباط غير مسئلة الاخبار عن الحس كما عرفت فيما قبل واعتبار خبر العادل بناء على اعتباره واستفادته من آية النبإ يخص الخبر الحسي دون غيره والعدالة إنّما تمنع عن الكذب لا عن الخطاء والسهو كما هو واضح.

لا يقال ان خبر العادل يدل على أنّ خبر عدلين حجة بطريق أولى وهكذا في العادل والاعدل.

لأنّا نقول نعم ولكنهما اذا كانا من سنخ واحد وأما الاخبار عن الحس غير مسانخ لمسألة النظر والحدس فلا يجرى مفهوم الموافقة. وأما الثاني. فمورد البحث هو السؤال عن الخبرين المتعارضين كما لا يخفى.

فلا اعتبار بالشهرة فهي باقية تحت العموم المتقدم ولا مخرج لها عنه بل ان الظنون التي ادعى الشيخ اعتبارها وخروجها عن الأصل مثل أصالة الحقيقة والاطلاق والعموم ونحوها قد عرفت منا ان مرجعها وركونها انّما هو الى المقتضي وعدم الاعتداد باحتمال المانع وهكذا الأدلة الأربعة فإنّ مرجعها الى العلم الاقتضائي أو الفعلي بالبيانات السابقة فإنّ اللفظ الملقى يقتضى الحمل على المعنى الحقيقي وإنّما الشك في القرينة الصارفة وان هذا الشك هل يقوى على المنع عن المقتضى أم لا؟

١٨٥

وإن كان ذلك أصلا لفظيا ودليلا اجتهاديا لا عمليّا إلّا إنّا قد ذكرنا انّ هذا الأصل لما كان في مورد الدليل فهو متمم للدليل لا نفسه فإنّ الكلام الملقى معلول عما في الضمير وكونه معلولا سبب لحصول دلالة المعلول على العلة ولكن اذا كان ما في الضمير مرددا بين المعنى الحقيقي والمجازي فإن كان المعنيان في عرض واحد كالمشترك فهذا يرجع الى السقوط ولا أصل بل يكون مجملا واذا كانت الوجهة الاولية للفظ الى المعنى الحقيقي وصلحت وجهته الثانوية للمجازية بمعونة القرينة الصارفة فالمقتضي محرز ويشك في وجود المانع فيلغى احتمال وجوده فالدليل اللفظي يتم بأصالة الحقيقة مثلا فهذه الأصالة شأنها شأن الاستصحاب إلّا انّها في مورد الدليل ومتممة له وهكذا الحال في العموم والاطلاق.

وأما الأصول الأربعة فمرجعها الى العلم الاقتضائي أو الفعلي بالبيانات السابقة وعلى هذا لم يبق مورد خارج عن الأصل سوى خصوص مورد الشك في الأخيرتين من الرباعية لورود النص فيه فلذا لو انقلب الظن الى الشك فينقلب حكمه أيضا فهو معتبر ما دام ظنا.

والحاصل انّه لا مورد لاعتبار الظن ومن البديهي انّ الشهرة الفتوائية هي الشهرة في الاستنباط واشتهار الاستنباط مع ما كان عليه من عدم الحجية في نفسه غير كاف نعم يحصل الظن ان هذه الشهرة وهذا الاستنباط لا بد وان يكون عن مدرك فيمكن ان تكون تأييدا لدليل لا ان يركن اليها سيّما اذا علمنا بمستندها ورأينا أن مدركه غير تام في نظرنا فأيّ وقع للشهرة حينئذ بل وهكذا الحال في بعض الاجماعات أيضا حيث نرى بعد التأمل في أطرافها انّها لا أصل لها ولنذكر شاهدا واحدا من كتاب الارث وهو مسئلة ابن العم الأبويني مع العم الأبي.

بيان ذلك : ان ابن العم مؤخر درجة ومرتبة عن العم كما ان ابن الأخ مؤخر عن الأخ بلا نزاع بين ان يكون ابن الأخ من أبويه أو من أبيه أو من أمه كل ذلك

١٨٦

مؤخر عن الأخ. وأما في ابن العم الأبويني فقد ذهبوا الى تقدمه على العم الأبى بل انعقد الاجماع عليه ولعله باق على انعقاده الى اليوم بل فرعوا على المسألة فروعا وصورا كابن العمة من أبوين وغيره.

وقد تمسكوا للتقدم المذكور بالنص وهو رواية حسن بن عماره حيث قال له أحدهما عليه‌السلام ان ابن عم لأب وأم وعم لأب أيّهما أقرب فقال ابن عماره : قد بلغنا عن أبي الحسن ان الأعيان من بني أم أولى من بني العلّات فاستوى عليه‌السلام جالسا وقال جئت بها من عين صافيه ان أبا طالب أخو عبد الله لأبيه وأمه. انتهى (١) ـ ولا بد وان يعطف عم على ابن عم حتى يكون بالضم فيكون معطوفا على المضاف لا على العم الأول وهو المضاف اليه حتى يقرأ بالكسر.

أقول ـ والحقّ خلاف ما ذكروا وفاقا لبعض المحققين حيث لم ير أصلا لأساس الاجماع المذكور في المسألة ـ أما أولا ـ فلأنه لا شاهد على عطف العم الثاني على ابن عم حتى يقرأ بالضم بل يحتمل عطفه على المضاف اليه وهو العم الأول فيقرأ بالكسر ويؤيده قوله سبحانه : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ)(٢) وكذا الأقرب يمنع الأبعد وهذا أصل مسلّم لا يخرج عنه إلّا بدليل غير عليل ـ فإذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال.

وثانيا ـ سلمنا ذلك ـ لكنه قال عليه‌السلام له أيّهما أقرب ولم يقل أيهما يرث حتى يتم مدّعاهم مع انهم تسالموا على أن العم أقرب من ابن العم لكنهم خرجوا عن ذلك هنا لوجود النص وقد عرفت ما في مسلكهم فلم يخرج ذلك بهذا النص وإلّا لما

__________________

(١) وسائل الشيعة ج ١٧ ص ٥٠٨ ب ٥ من كتاب الفرائض والمواريث وتهذيب الشيخ ج ٩ ص ٣٢٦ ح ١١ ـ وفيه : انّ عبد الله أبا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أخو أبي طالب لأبيه وأمه.

(٢) سورة الأحزاب : آية ٦.

١٨٧

طابق سؤاله عليه‌السلام جواب الحسن : قد بلغنا عن أبي الحسن ان أعيان بني أم أولى من بني العلات. فانّ الاخوة من أب وأم متحد في الدرجة مع الاخوة من الأب فلا ربط للرواية بابن العم الأبويني مع العم الأبي.

سيّما وقد قال له الامام جئت بها من عين صافيه فمعلوم ان جوابه كان مطابقا لسؤاله عليه‌السلام عنه.

وأما قوله ان أبا طالب الخ فقد زعموا ان مراده عليه‌السلام ان كون أبي طالب أخا لعبد الله لأبيه وأمه كناية عن ان عليا عليه‌السلام ابن عم لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من أب وأم وأما العباس فهو عم النبي لأب والحق في الخلافة مع علي لا العباس ـ وأنت خبير بأن هذا وإن كان صحيحا. لكن كان في زمن الصادقين عليهما‌السلام نزاع في أمر الخلافة فقال بعض بأن العباس خليفة ووصي دون علي بن أبي طالب عليه‌السلام وبعضهم على العكس في ذلك والكلام الواقع بين علي والعباس إنّما كان لافهام أبي بكر ـ وكان بنو العباس أرادوا جعل أنفسهم في عرض الأئمة عليهم‌السلام بدعوى أننا أولاد العباس وأنتم أولاد أبي طالب فنحن وأنتم بنو الأعمام ولا فضل لكم علينا فالائمة عليهم‌السلام أرادوا الزام المخالفين استنادا الى عدة وجوه ـ أحدها ـ ما ذكرناه من أنّا بنو العم الأبويني (باعتبار أبي طالب) وأنتم بنو العم الأبي (باعتبار العباس) والأول مقدم على الثاني ـ والحاصل ان الرواية غير منطبق على ابن العم والعم أصلا ـ عند التأمل.

خبر الواحد

وهو أيضا من جملة الظنون التي توهموا خروجها عن حرمة أصالة العمل بالظن فقد اعتبره المشهور بل أفاد الشيخ الأعظم قدس‌سره قربها الى حد الاجماع (١).

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ١ ص ٢٣٧.

١٨٨

ثم قال : ان اثبات الحكم الشرعي بالاخبار يتوقف على ثلاث مقدمات. صدور الكلام عن المعصوم عليه‌السلام. وكون الصدور لأجل بيان حكم الله لا على وجه آخر من تقيّة وغيرها. وثبوت دلالته على الحكم المدعى. انتهى بمعناه (١).

ثم قال بعد كلام له : أما المقدمة الأولى فهي التي عقد لها مسئلة حجية أخبار الآحاد فمرجع هذه المسألة الى ان السنّة أعنى قول الحجة أو فعله أو تقريره هل تثبت بخبر الواحد أم لا يثبت إلّا بما يفيد القطع من التواتر والقرينة. انتهى بألفاظه (٢).

ولكن هذا الكلام ليس بتمام. لا لما أورد عليها بعضهم من ان ثبوت السنة بخبر الواحد إنّما هو مفاد كان التامة الذي هو إفادة الوجود لا مفاد كان الناقصة الذي هو إفادة الحال. مع ان الموضوع ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية وهذا ليس بحثا عن العوارض بل بحث عن وجود شيء ... (٣).

فإنّ هذا الايراد في غير محله وهو غير وارد على الشيخ قدس‌سره فإنّ المراد بثبوت السنة لو كان هو الوجود الخارجي لكان الايراد على الشيخ في محله فإنّ هذا مفاد كان التامة لا الناقصة. ولكن الصواب انّ المراد بالثبوت هو العلم يعني هل تعلم السنة بخبر الواحد وتنكشف به أم لا؟ والعلم من الحالات فهو مفاد كان الناقصة فلو كانت السنة ثابتة فالخبر حاك لها ولو لم تكن كذلك فالحكاية غير تامة وهذا الثبوت غير الثبوت الذي هو في مقابل العلم.

فالوجه. في عدم تمامية ما ذكره الشيخ قدس‌سره هو انّ محل البحث في المقام إنّما هو حجية الخبر بأنه هل للخبر هذه الحجية والحكاية أم لا؟ لا ما ذكره قدس‌سره من انّه هل تثبت السنة بالخبر أم لا؟ والفرق واضح ـ فإنّه تارة يقال : هل هذا الدواء نافع

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ١ / ٢٣٧.

(٢) نفس المصدر ج ١ / ٢٣٨.

(٣) كفاية الأصول ص ٨.

١٨٩

للمريض أم لا. فيقول آخر انّه ليس البحث عن الدواء بل عن ان هذا المريض هل يشفي ويبرئ بهذا الدواء أم لا؟ وكم فرق بينهما وإن كان بينهما التلازم لكن لا بد وان يتحفظ على محل البحث وهو حجية خبر الواحد (عقلا أو شرعا) أو عدمها وهذا يلازم ثبوت السنة به بعد ثبوت حجيته لكن البحث ابتداء ليس عن السنة بل عن الخبر.

هذا. وقد أفاد الشيخ الأعظم قدس‌سره ان أصل وجوب العمل بالاخبار المدوّنة في الكتب المعروفة مما أجمع عليه في هذه الأعصار بل لا يبعد كونه ضروري المذهب. وإنّما الخلاف في مقامين. أحدهما كونها مقطوعة الصدور أو غير مقطوعه. الى أن قال : الثاني انّها مع عدم قطعية صدورها معتبرة بالخصوص أم لا؟

وقال : ان المحكي عن السيّد والقاضي وابن زهره والطبرسي وابن ادريس قدس سرّهم.

المنع (عن اعتبار الروايات بالخصوص) وربّما نسب الى المفيد رحمه‌الله حيث حكى عنه في المعارج انه قال : ان خبر الواحد القاطع للعذر هو الذي يقترن اليه دليل يفضي بالنظر الى العلم وربّما يكون ذلك اجماعا أو شاهدا من عقل (١). وربّما ينسب الى الشيخ كما سيجيء عند نقل كلامه وكذا الى المحقق بل الى ابن بابويه بل في الوافية : انه لم يجد القول بالحجية صريحا ممن تقدم على العلّامة ، وهو عجيب (٢).

أقول : لو كان مقصود المحقق وصاحب الوافية هو ان أخبار الأصول

__________________

(١) قال الشيخ الأجل المفيد قدس‌سره في كتابه التذكرة بأصول الفقه (ص ٤٤ ـ طبعة المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد ـ سنة ١٤١٣ ق) ما هذا لفظه : فأما الخبر الواحد القاطع للعذر فهو الذي يقترن اليه دليل يفضى بالناظر فيه الى العلم بصحة مخبره وربما كان الدليل حجة من عقل وربما كان شاهدا من عرف وربما كان اجماعا بغير خلف فمتى خلا خبر الواحد من دلالة يقطع بها على صحة مخبره فانّه كما قدمناه ليس بحجة ولا موجب علما ولا عملا على كل وجه. انتهى.

(٢) فرائد الأصول : ج ١ ص ٢٣٩ و ٢٤٠.

١٩٠

الأربعمائة المدوّنة في الكتب الأربعة لا اعتبار في حجيتها ـ كان للتعجب مجال. لكن المسلّم انّه ليس مرادهما ذلك بل انكم صرّحتم أنفسكم ان أخبار الكتب الأربعة معمول بها ولكن مقصودهما هو عدم اعتبار خبر الواحد العاري عن القرائن. وفي الأزمنة المتقدمة على زمان العلّامة أيضا ما كانوا يعملون بهذا القسم من الأخبار العارية عن قرائن الصحة بل كانوا يعملون بأخبار الكتب الأربعة فقط.

قال قدس‌سره : وأما القائلون بالاعتبار فهم مختلفون من جهة ان المعتبر فيها هل كل ما في الكتب الأربعة كما يحكى عن بعض الاخباريين أيضا وتبعهم بعض المعاصرين من الأصوليين بعد استثناء ما كان مخالفا للمشهور أو ان المعتبر بعضها؟ ...

١٩١

أدلة حجية خبر الواحد

١ ـ آية النبإ

قال الشيخ قدس‌سره : وأما المجوّزون فقد استدلوا على حجيته بالأدلة الأربعة. أما الكتاب فقد ذكروا منه آيات ادعوا دلالتها.

منها. قوله تعالى في سورة الحجرات : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ)(١). والمحكى في وجه الاستدلال بها وجهان (٢).

أقول : إنّ التمسك بمفهوم الشرط لا يفيد ولا يعطى حجية الخبر فان مرجع الشرط الى بيان الموضوع وانّ الموضوع للتبين هو مجيء الفاسق بالخبر ففي صورة عدمه يكون وجوب التبين سالبة بانتفاء الموضوع.

وأما التمسك بمفهوم الوصف فهو يتفرع على أمرين. أحدهما أن يكون الفاسق مقابلا للعادل حتى تكون النتيجة : ان جاءكم عادل بخبر فلا يجب التبين. والثاني. اعتبار مفهوم الوصف في نفسه. وكلا الأمرين ممنوعان.

أما الأول. فلأنّ الفسق في الآية الشريفة عبارة أخرى عن الكفر فالمراد بالفاسق هو الكافر ولو كان الفاسق أعمّ من الكافر ومن دونه لزم ان يكون خبر العادل وخبر مطلق المسلم كلاهما حجة. وأما في صورة كون الفسق عبارة عن الكفر يلزم شمول الحجية لخبر المسلم فإذا كان الكافر مقابلا للمسلم والفاسق مقابلا

__________________

(١) سورة الحجرات : آية ٦.

(٢) فرائد الأصول : ج ١ ص ٢٥٤.

١٩٢

للعادل فخبر المسلم الذي لا يكون فاسقا وخبر العادل كلاهما معتبر والحال ان خبر المسلم لا يعتنى به بمجرد اسلام مخبره. ويلزم أيضا ان يكون خبر من لم يكن عادلا ولا فاسقا معتبرا أيضا مع وضوح ان الأمر ليس كذلك ولا تقولون به.

إن قلت : ان عموم الآية يشمل هذا كله إلّا ما خرج.

قلت. ان الكلام فيما يوجب عندكم الخروج. فإنّه غير ثابت.

والحاصل. انّ مفهوم الوصف الشامل للفاسق لو أخذ بمعنى الكافر فيلزم منه ما لا تقولون أنتم به ولو أخذ بمعنى الأعم من الكفر والفسق لزم ان تشمل كلا الموردين.

وأما. اعتبار مفهوم الوصف في نفسه. فالاعتبار فرع ذكر الوصف في المورد الذي يكون الحكم فيه معلقا على الوصف باعتبار مدخلية الوصف في الحكم لكن مجرد ذكر الوصف لا ينحصر وجهه في ذلك.

إذ قد يكون الوصف معرفا للموضوع فقط كما يقال : (قلّد هذا الجالس) أو (اقبل شهادة هذا الجالس).

وقد يكون الوصف منبها على عموم الحكم وذلك فيما اذا كان وصف موهما للخلاف كما تقول (تجب الصلاة على المريض) فليس معناه نفي الصلاة عن الصحيح بل معناه ان الصلاة واجبة حتى على المريض فضلا عن الصحيح. وذلك في مقابل الصوم الثابت وجوبه على الصحيح فقط.

وقد يكون الوصف سؤالا عن مطلب فيه هذا الوصف فيؤتى بالجواب مطابقا للسؤال.

والحاصل ان مجرد ذكر الوصف ليس منشأ لاعطاء المفهوم إلّا فيما كان عنوانا للحكم فيكون الحكم دائرا مدار الوصف ليكون الوصف دخيلا في الحكم فالعلّية واعتبار الوصف هنا ثابت.

١٩٣

ونقول (مضافا الى ذلك كله) : انّ آية النبإ دالة على انّ ما لا يفيد العلم لا اعتبار به والتبين ليس المراد به هو السؤال فقط فإنّ مادة التبين (بان يبين) بمعنى الفاصلة والبينونة لكنه يطلق على الأمر الواضح (البيّن) وذلك بجهة انفكاكه عن احتمال الخلاف.

ويطلق (بان) في مورد قطع اليد أيضا. ويقال : طلاق باين أي ما لا رجعة فيه. والحاصل انّ ذلك يختلف باختلاف الخصوصيات.

فالمراد بقوله تعالى : (فَتَبَيَّنُوا) أيّ حققوا المطلب وبيّنوه حتى لا يكون فيه احتمال الخلاف وبما ان أخبار الفاسق لا تبيّن فيه وليس مفيدا للعلم ومجرد الفسق كاف في عدم الاعتناء به فالآية الشريفة دلالته على خلاف ما استدل به أقوى مما استدل به اذ حاصله ان كل ما لا يفيد ولا يثبت العلم يجب فيه التحقيق والتبين فاسقا كان المخبر أم عادلا. نعم ان مورد الآية الكريمة هو الوليد الفاسق وإلّا فوجوب التبين ثابت في كل ما لا علم فيه لئلا تصيبوا قوما بجهالة.

فالآية ناظرة الى مورد خاص وهو الوليد الفاسق وليس فيه عموم العلة وإلّا لزم أن يكون كلاما مطردا في جميع الموارد.

والحاصل ان آية النبإ لا دلالة فيها على اعتبار خبر الواحد حتى يكون خبر العادل العاري عن القرينة حجة بل تدل على خلاف ذلك.

فإنّ التبين معناه الكشف وثبوت المطلب فتدل الآية الشريفة على لزوم التبين في خبر الفاسق حتى يصل الى مرحلة التحقيق والثبوت وخبر العدل أيضا كذلك فكل ما احتاج الى التبين يجب ذلك فيه وإن كان المورد هو خبر الوليد الفاسق.

١٩٤

٢ ـ آية النفر

قال قدس‌سره : ومن جملة الآيات قوله تعالى : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)(١) دلّت على وجوب الحذر عند انذار المنذرين من دون افادة خبرهم العلم لتواتر أو قرينة فيثبت وجوب العمل بخبر الواحد ... (٢).

ومحصل الاستدلال هو انّ كل من هاجر وتفقه في الدين ثم أنذر وحذّر وجب تصديقه وهذا معنى اعتباره وحجيته وإلّا كان هذا منافيا لوجوب الهجرة والتفقه.

أقول : هذا المقدار من دلالة الآية الشريفة واضح ومقبول إلّا أنّ مسئلة الرواية وقبولها غير مسئلة التفقه في الدين والقبول عنه وتصديقه فلا تدل الآية الشريفة على وجوب قبول الرواية المجردة عن القرائن.

كما انّه قد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : رحم الله امرءا سمع مقالتي فوعاها ثم بلغها من لم يسمعها فرب حامل فقه وليس بفقيه ورب حامل فقه الى من هو أفقه منه (٣).

وهذه الرواية شأنها الاتعاظ بها كما انّ الآية ناطقة بأن عليه ان يتفقه في الدين واما انّه لو كان هناك كلام ولم نعلم هل انّه حجة أم لا؟ يجب علينا قبوله فالآية غير ناظرة الى هذا.

بل ان أخبار من بلغ (٤) في دلالتها أحسن من دلالة هذه الآية حيث ان مرجعها

__________________

(١) سورة البراءة : آية ١٢٢.

(٢) فرائد الأصول : ج ١ ص ٢٧٧.

(٣) الخصال أبواب الثلاثيات.

(٤) وسائل الشيعة ج ١ ص ٥٩ (أبواب مقدمة العبادات) الباب ١٨ ـ استحباب الاتيان بكل عمل مشروع روى له ثواب منهم عليهم‌السلام. الحديث ١ و ٣ و ٤ و ٦ و ٧ و ٨ و ٩.

١٩٥

الى الأجر والثواب على العمل بما بلغه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأما الاعتبار الشرعي فلا.

والحاصل : انّ آية النفر دالة على وجوب تحصيل العلم على العالم وهداية قومه وانذارهم. لا أكثر من ذلك.

ولا يخفى انّ الهداية والانذار ليس بمجرد القول والكلام بل مع انضمام الحجة والبرهان ولهذا فإن كان هناك إخبار ورواية يلزم ان تكون محفوفة بالقرائن العلميه.

٣ ـ آية الذكر

قال الشيخ قدّس الله سره : ومن جملة الآيات التي استدل بها بعض المعاصرين قوله تعالى : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(١) بناء على انّ وجوب السؤال يستلزم وجوب قبول الجواب وإلّا لغى وجوب السؤال واذا وجب قبول الجواب وجب قبول كل ما يصح ان يسأل عنه ويقع جوابا له لأن خصوصية المسبوقية بالسؤال لا دخل فيه قطعا ... (٢).

أقول : لا يخفى انّ الاستدلال بهذه الآية على حجية خبر الواحد بمكان من البعد يوجب التعجب. وذلك لأنه :

أولا ـ انّ المراد بأهل الذكر هم أهل البيت عليهم الصلاة والسلام على ما ورد في الأحاديث والروايات الواردة.

وثانيا ـ لو فسرنا الآية بالأعم من أهل البيت لكن نقول : ان قوله تعالى :

__________________

(١) سورة النحل : آية ٤٣ ـ سورة الأنبياء : آية ٧.

(٢) فرائد الأصول : ج ١ ص ٢٨٨. وفي تعليقات هذه الطبعة من الرسائل انّ المراد من بعض المعاصرين المستدل بهذه الآية الكريمة هو صاحب الفصول قدس‌سره في الصفحة ٢٧٦ من ذلك الكتاب.

١٩٦

(بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ) امّا يكون متعلقا بقوله : (لا تَعْلَمُونَ). أو بقوله : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ). وعلى كلا التقديرين فتدل الآية على ان مورد الأمر بالسؤال هو ما يكون جوابه موجبا للعلم فكأنّه قال : اذا لم تعلم ولم تعرف فاسئل حتى يحصل لك العلم والمعرفة. وإلّا فلو كان جواب المجيب خاليا عن البينة والبرهان فالسؤال عنه لا موقع له ولا مجال.

فالمقصود من الأمر بالسؤال ليس هو وجوب تصديق المسئول عنه بمجرد جوابه وكلامه ولأجل ذلك ان أهل السنة والجماعة فسّروا أهل الذكر بأهل الكتاب وقد اعترض عليهم الامامية (أيدهم الله بنصره) بأن الذي يأمرنا الله بالسؤال عنه يجب ان يكون ممن يلزم تصديقه ويحصل الحجة من قوله ومن المعلوم ان أهل الكتاب ليسوا كذلك ولا في كلامهم وجوابهم هذه المزيّة.

والحاصل ان عبدة الأوثان كانوا يتكلمون بكلمات فنزلت الآية الشريفة فإن قلنا ان أهل الذكر هم أهل الكتاب فهذا مناسب للآية الكريمة حيث ان أهل الكتاب ليسوا مسلمين ولا مشركين. واما ان فسرنا أهل الذكر بأهل البيت عليهم‌السلام فربما يستشكل بأن الوثنيين لم يصدقوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فبالطريق الأولى لا يصدّقون أهل بيته.

ولكن أقول : لو كان المقصود في السؤال عن المسئول عنه لزم ان يكون المسئول عنه معتمدا عند السائل. ولو كان المقصود هو السؤال مقرونا بالدليل والبرهان مثل ان يسأل السائل فيجيبه المسئول عنه بالرجوع الى من هو محل للاعتماد عند السائل والمسئول عنه كليهما. لكن قد يكون السائل عاميا جاهلا لكنه يورد ويعترض فالمسئول عنه حينئذ يرجع السائل الى عالم بالأمر من دون تصديق وتوثيق فيكون المعنى ان الجواب ليس عندي ولكن عند ذلك العالم.

والسؤال المأمور به في الآية من هذا القبيل بمعنى انّه اذا لم يكن عندكم بينة وبرهان فاسألوا أهل الذكر والعلم حتى يرشدوكم الى الدليل والبرهان والمعلوم ان

١٩٧

أهل الذكر والعلم الذين قولهم مقرون بالدليل ورأيهم مصحوب بالبرهان واقعا وحقيقة هم أهل البيت عليهم‌السلام فالاشكال المشار اليه مندفع.

هذا بعض المهم مما استدلوا به على حجية خبر الواحد وقد عرفت ان شيئا منها لا يدل على المدّعى.

ولو فرضنا دلالة بعض هذه الوجوه على اعتبار خبر الواحد فهو يتم فيما اذا كنّا قائلين بانسداد باب العلم وأما اذا فرضناه مفتوحا فلا.

وأما ما ذهب اليه الشيخ في رسالة الظن ان مع وجود الانفتاح قد اعتبر الشارع الامارات الشرعية لأجل مصالح فيها (١) ـ فهذا بعيد منه قدس‌سره فإنّ هذا الكلام فرع السببية والحال انّ الامارات متصفة بالطريقية فمع فتح باب العلم لا مجال للقول بالرجوع الى خبر الواحد وساير موجبات الظن.

وقد تحصّل مما ذكرناه انه لا مجال لاثبات حجية أخبار الآحاد بدليل الانسداد وانّ الاجماع المدّعى في المقام خاص بأخبار الكتب الأربعة وسيرة الأعلام والأصحاب أيضا على العمل بأخبار هذه الكتب وهكذا تصريحاتهم بهذا الأمر وانّ ما في هذه المجموعات هي الأصول الأربعمائة المتلقاة عن الأئمة الأطهار عليهم الصلاة والسلام مع تهذيبها وتنقيحها في طول هذه المدة المديدة فدعوى وجود قرائن قد خفيت علينا غير مسموعة اذ لم يحدث حادث يمنع ويخدش حجيتها فهي باقية الى زماننا هذا.

حتى انّ القائلين بالانفتاح (الذين أورد الشيخ قدس‌سره أسماء عدة منهم) أيضا يرون الأخبار قطعي الصدور فإنّ أوّل مدع للانفتاح هو السيد المرتضى علم الهدى قدس‌سره الذي كان زمانه قريبا من الصدر الأوّل وان باقي الفقهاء لم ينكروا الانفتاح في ذلك

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ١ ص ١١٤ مبحث المصلحة السلوكية.

١٩٨

الزمان فلم يحرز حصول الانفتاح بعد هذا العصر وقد صرح السيد المرتضى في عدة مواضع من كتابه (الذريعة) انّ المراد بالعلم هو سكون النفس والاطمينان الذي هو العلم العادي لا التحقيقي.

وعلى هذا فمع هذا الاهتمام الذي كان للأئمة عليهم‌السلام في تهذيب الأحاديث حتى انّه قد تمهّدت وحصلت ٤٠٠ أصلا في زمن الصادقين عليهما‌السلام وقد طرحت وطردت الأخبار الضعاف منها وكان العمل على الأصول الأربعمائة وقد تداولوها يدا بيد وأصدروا الاجازة لقراءتها وروايتها ووجادتها كل ذلك يدل دلالة قاطعة على حفظ هذه الروايات ولم يحصل فيها دسّ أو غشّ أو غير ذلك. ولو كان عبر التاريخ شيء يوجب محو الأخبار ودسّها لوصل الينا ونقل لنا.

فإذا كان العلم بها مفتوحا ولم يعرضها صدمة أو خلل فيما بعد. فإلى الحال أيضا كذلك.

انظر الى كلام القدماء من الأصحاب في ذلك العصر كالسيد المرتضى قدس‌سره مثلا أو غيره فإذا قرأته وتلوته في عصرك وزمانك هذا فلا تشك انّه هو ذلك الكلام بعينه مع انّه لم يهتم بكلامه في حفظه وضبطه كالاهتمام الذي بذلوه في حفظ الروايات وضبطها وفي ألفاظها وحالاتها فالروايات وكلماتها وعباراتها في عصرنا هذا هي بعينها تلك الألفاظ والعبارات الثابتة في ذلك الزمان بعينها ولو كان هناك ترديد في شيء من ارتباط الكلمات بعضها ببعض فلا ينافى ما ذكرناه.

ولهذا كله فلا مجال للتخلف عن الروايات من دون عذر بوجه من الوجوه فانفتاح باب العلم بالروايات ـ بالمعنى الذي أفاده السيد المرتضى قدس‌سره باق وموجود بحاله ولم يحصل بسبب طول المدة ما يوجب انسداد باب العلم. فلا وقع لتوهم انّ في زمان العلامة حصل حادثة أو كارثة سلبت اعتبار الأحاديث وكلمات المعصومين سلام الله عليهم أجمعين.

١٩٩

والوجه في قبولهم للتقسيمات الأربعة المعروفة في الروايات (الصحيح والموثق والحسن والضعيف) المنسوبة الى العلّامة عليه الرحمة هو ما ذكره بنفسه في محكى كتابه خلاصة الأقوال من عدم الحاجة الى هذا التقسيم وان رواياتنا في غنى عن ذلك لكن بما ان أهل السنة والجماعة كان لهم هذا التقسيم الرباعي وكانوا يطعنون علينا بالغفلة عنه فنحن أيضا أوردنا هذا التقسيم لأجل التبري عن هذه الغفلة المفترى علينا ولكنا لا نعمل بذلك وذلك لأجل القرائن الموجودة الدالة على صدق الأحاديث المروية عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام.

فالانصاف انّه لا ترديد في صحة الروايات. والحمد لله رب العالمين.

٢٠٠