دراسات في الأصول - ج ٤

السيد صمد علي الموسوي

دراسات في الأصول - ج ٤

المؤلف:

السيد صمد علي الموسوي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات مركز فقه الأئمة الأطهار عليهم السلام
المطبعة: ياران
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-7709-95-8
ISBN الدورة:
978-964-7709-96-5

الصفحات: ٤٨٠

موارد الدوران بين النسخ والتخصيص

وكيف كان ، فصور الدوران ثلاث :

الاولى : ما إذا كان العامّ متقدّما والخاصّ متأخّرا بعد حضور وقت العمل بالعامّ ، ودار الأمر بين كون المتأخّر ناسخا أو مخصّصا ؛ لاحتمال كون العموم حكما ظاهريّا ، والخاصّ حكما واقعيّا ، فلا محذور في تأخير بيانه عن وقت العمل.

الثانية : ما إذا كان الخاصّ متقدّما والعامّ متأخّرا ، ودار الأمر بين تخصيص العامّ وكونه ناسخا للخاصّ ، بأن يكون صدور المخصّص بعنوان البيان قبل صدور العامّ وقبل حضور وقت العمل به ، فيكون مخصّصا ، أو يكون صدور العامّ بعد حضور وقت العمل بالخاصّ ، فيكون ناسخا ، فيكون إكرام العالم الفاسق ـ مثلا ـ على القول بالنسخ واجبا ، وعلى القول بالتخصيص حراما.

الثالثة : ما إذا ورد عامّ وخاصّ ولم يعلم المتقدّم منهما من المتأخّر ودار الأمر بين النسخ والتخصيص.

ثمّ إنّ النسخ عبارة عن انتهاء أمد الحكم وزوال استمراره المستفاد من ظهور دليل الحكم المنسوخ ، فيكون تعارض الدليل الناسخ في الحقيقة مع ظهور الدليل المنسوخ في الاستمرار من حيث الزمان لا مع أصل الدليل ، بخلاف التعارض الابتدائي في العامّ والخاصّ ؛ إذ التعارض فيهما يكون في أصل

٤٠١

ثبوت الحكم لمورد الاجتماع.

ثمّ إنّ منشأ ظهور الدليل المنسوخ في استمرار الحكم هو امور مختلفة ؛ إذ الاستمرار قد يستفاد من إطلاق الدليل وتماميّة مقدّمات الحكمة ، ولعلّه كثيرا ما يكون كذلك ، وقد يستفاد من عمومه الراجع إلى كلّ ما وجد وكان فردا له ، وهو الذي يعبّر عنه بالقضيّة الحقيقيّة ، كما في قوله تعالى : (لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)(١) ، وقد يستفاد من الدليل اللفظيّ كقوله عليه‌السلام : «حلال محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله حلال إلى يوم القيامة وحرامه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، حرام إلى يوم القيامة» (٢) ، وقول المولى ـ مثلا ـ : هذا الحكم يستمرّ إلى يوم القيامة.

إذا عرفت ذلك فنقول : إذا كانت صورة الدوران بين النسخ والتخصيص من قبيل الصورة الاولى من الصور الثلاثة المتقدّمة التي هي عبارة عن تقدّم العامّ ودوران الأمر بينهما في المتأخّر ، وفرض استفادة الاستمرار الزماني من إطلاق الدليل العامّ ـ أي كان لقوله : «أكرم العلماء» عموما أفراديّا وإطلاقا أزمانيّا ، ودار الأمر بين النسخ والتخصيص بمعنى التصرّف في إطلاقه الزماني أو عمومه الأفرادي ـ فقد يقال فيها : بأنّ مرجع هذا الدوران إلى الدوران بين التخصيص والتقييد ، وحيث قد رجّح الثاني على الأوّل كما مرّ فلا بدّ من الالتزام بتقديم النسخ عليه.

ولكنّه يرد عليه : بأنّ ترجيح التقييد على التخصيص فيما سبق إنّما هو فيما إذا كان العامّ والمطلق متنافيين بأنفسهما ولم يكن في البين دليل ثالث ، بل كان الأمر دائرا بين ترجيح العامّ وتقييد المطلق وبين العكس في مادّة الاجتماع ،

__________________

(١) آل عمران : ٩٧.

(٢) الكافي ١ : ١٩ ، الحديث ٥٨.

٤٠٢

كقوله : «أكرم العلماء» مع قوله : «لا تكرم الفاسق» ، وفي ما نحن فيه لا منافاة بين العامّ والمطلق ـ أي العموم الأفرادي والإطلاق الأزماني المستفادان من قوله :«أكرم العلماء» أصلا ، بل التعاند بينهما إنّما نشأ من أجل دليل ثالث لا يخلو أمره من أحد أمرين : كونه مخصّصا للعموم الأفرادي ، ومقيّدا للإطلاق الأزماني ، ولا دليل على ترجيح أحدهما على الآخر بعد كون كلّ واحد منهما دليلا تامّا ، بخلاف ما هناك ؛ فإنّ التعارض من أوّل الأمر كان بين العامّ الذي هو ذو لسان ، وبين المطلق الذي هو ألكن (١) ، ومن الواضح أنّه لا يمكنه أن يقاوم ذا اللسان كما لا يخفى.

ثمّ أنّه قد يقال : بأنّ الأمر في المقام دائر بين التخصيص والتقييد معا ، وبين التقييد فقط ؛ ضرورة أنّه في التخصيص لا بدّ من الالتزام بتقييد الإطلاق المقامي الدّال على الاستمرار الزماني أيضا ، وهذا بخلاف العكس.

ومن الواضح أنّه مع كون الأمر هكذا لا مجال للإشكال في ترجيح التقييد ، كما هو واضح.

ويرد عليه : منع كون التخصيص مستلزما للتقييد أيضا ؛ ضرورة أنّه بالتخصيص يستكشف عدم كون مورد الخاصّ مرادا من الأمر ، ومعه لا يكون الدليل الدالّ على الاستمرار الزمانيّ شاملا له من رأس ؛ لعدم كونه موضوعا له ؛ ضرورة أنّ موضوعه هو الحكم الثابت في زمان.

وقد يقال في المقام أيضا : بأنّ العلم الإجمالي بالتخصيص أو النسخ يرجع إلى دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر ؛ لأنّ عدم ثبوت حكم العامّ بالنسبة إلى مورد الخاصّ بعد ورد الخاصّ متيقّن على أيّ تقدير ، سواء كان على نحو

__________________

(١) اللكنة : عجمة في اللسان وعيّ ؛ يقال : رجل ألكن بيّن اللكنة ؛ الصحاح ٦ : ٢١٩٦ (لكن).

٤٠٣

التخصيص أو النسخ ، وثبوته بالنسبة إلى مورده قبل ورود الخاصّ مشكوك ومتفرّع على كون الخاصّ نسخا ، فالأمر يدور بين الأقلّ المتيقّن ـ أي عدم شمول الحكم العامّ لمورد الخاصّ بعد وروده ـ والأكثر المشكوك ـ أي شموله لمورد الخاصّ قبل وروده ـ فينحلّ العلم الإجمالي بالعلم التفصيلي بالنسبة إلى الأقلّ المتيقّن ، والشكّ البدوي بالنسبة إلى الأكثر ، ومقتضى استصحاب عدم الوجوب أو جريان البراءة في المشكوك عدم كونه محكوما بحكم العامّ ، وحينئذ تتحقّق نتيجة التخصيص وتقدّمه على النسخ.

والتحقيق : أنّ هذا الكلام صحيح على القول بانحلال العلم الإجمالي ، إلّا أنّ العلم الإجمالي الواقعيّ لا التخيّليّ لا يكون قابلا للانحلال ؛ إذ لا يعقل أن يكون ما هو قوامه به من الاحتمالين سببا لإفنائه ومؤثّرا في انقلابه إلى العلم التفصيلي والشكّ البدوي ؛ فإنّه مستلزم لكون الشيء سببا لانعدام نفسه ، فدعوى أنّ العلم الإجمالي بالتخصيص والنسخ يتولّد منه تعيّن التخصيص ممّا لا ينبغي الإصغاء إليه. كما قال به استاذنا السيّد الإمامقدس‌سره (١).

مضافا إلى عدم صحّة جريان الأصل على القول بالانحلال أيضا ؛ إذ الغرض من جريانه إثبات الحكم الظاهري للعالم الفاسق في فاصلة صدور العامّ وصدور الخاصّ ، مع أنّا نعلم بوجوب إكرامه في هذا الزمان بحكم العامّ بلا إشكال ، ولكن لا نعلم أنّ وجوب إكرامه يكون بنحو الحكم الواقعيّ ، أو بنحو الحكم الظاهري فيما كان الخاصّ مخصّصا للعامّ ، فلا مجال لجريان أصالة البراءة والاستصحاب.

هذا كلّه إذا كان الاستمرار الزمانيّ مستفادا من الإطلاق المقامي ، وأمّا إذا

__________________

(١) معتمد الاصول ٢ : ٣٦١.

٤٠٤

كان الاستمرار الزمانيّ مستفادا من عموم القضيّة الحقيقيّة بمعنى كلّ من وجد في الخارج واتّصف بكونه عالما يجب إكرامه ـ مثلا ـ ، ودار الأمر بين النسخ والتخصيص بالخاصّ المتأخّر ، ويرجع النسخ هنا إلى التخصيص ، فالظاهر ترجيح تخصيص العموم المستفاد منه الاستمرار الزماني على تخصيص العموم الأفرادي ؛ لأنّ الأمر وإن كان دائرا بين التخصيصين إلّا أنّه لمّا كان النسخ الذي مرجعه إلى تخصيص العموم الدالّ على الاستمرار الزماني مستلزما لقلّة التخصيص يخالف تخصيص العموم الأفرادي ، فالترجيح معه كما هو ظاهر.

وأمّا إذا كان الاستمرار الزمانيّ مستفادا من الدليل اللفظيّ ، كما إذا قال المولى : «إكرام كلّ عالم حلال» ، ثمّ قال : «حلال محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله حلال إلى يوم القيامة» ، ثمّ قال بعد مضي يومين ـ مثلا ـ : «إكرام العالم الفاسق حرام» ودار الأمر بين نسخ الاستمرار الزماني وتخصيص العموم الأفرادي ، فإن قلنا بدلالة الدليل اللفظي على العموم ـ نظرا إلى أنّ المفرد أو المصدر المضاف يفيد العموم ـ ، فحكمه حكم الصورة السابقة التي يستفاد الاستمرار الزماني فيها من العموم ، وإن لم نقل بذلك فحكمه حكم الصورة التي يستفاد الاستمرار من الإطلاق. هذا تمام الكلام في الصورة الاولى.

وأمّا في الصورة الثانية وهي : ما إذا كان الخاصّ متقدّما والعامّ متأخّرا ، كما إذا قال المولى : «لا تكرم الفسّاق من العلماء» ثمّ قال بعد حضور وقت العمل به : «أكرم كلّ عالم» ودار الأمر بين تخصيص العامّ وكونه ناسخا للخاصّ ، فإن كان استمرار الحكم الخاصّ مستفادا من الإطلاق فالظاهر ترجيح التخصيص على النسخ ؛ لأن النسخ وإن كان مرجعه حينئذ إلى تقييد الإطلاق المقاميّ الدالّ على استمرار الزمان ، وقد قلنا : إنّ التقييد مقدّم على التخصيص ، إلّا أنّ

٤٠٥

ذلك إنّما هو فيما إذا كانت النسبة بين الدليلين العموم من وجه كقوله : «أكرم العلماء» و«لا تكرم الفاسق».

وأمّا لو كانت النسبة بين الدليلين العموم مطلقا ـ كما في ما نحن فيه ـ فالظاهر هو ترجيح التخصيص على التقييد ؛ لأنّه لا يلاحظ في العامّ والخاصّ قوّة الدلالة وضعفها كما عرفت مقتضى التحقيق من كون بناء العقلاء على تقديم الخاصّ على العامّ من دون فرق بين كونه متقدّما عليه أو متأخّرا عنه.

وأمّا لو كان الاستمرار مستفادا من العموم الثابت للخاصّ لكونه قضيّة حقيقيّة ، فلا إشكال هنا في تقدّم التخصيص أصلا ؛ لقوّة دلالة الخاصّ على ثبوت الحكم لمورده حتّى بعد ورود العامّ ، فلا بدّ من كونه مخصّصا له.

كما أنّه لو كان الاستمرار مستفادا من الدليل اللفظي لا بدّ من ترجيح التخصيص ؛ لأنّ الخاصّ وإن لم يكن قويّا من حيث هو ، إلّا أنّه يتقوّى بذلك الدليل اللفظيّ الذي يدلّ على استمرار حكمه حتّى بعد ورود العامّ ، ومعه يخصّص العامّ لا محالة ، هذا في الصورة الثانية.

وأمّا في الصورة الثالثة التي دار الأمر فيها بين النسخ والتخصيص ولم يعلم المتقدّم من العامّ والخاصّ عن المتأخّر ، فالظاهر فيها ترجيح التخصيص أيضا ؛ لغلبته وندرة النسخ.

ودعوى أنّ هذه الغلبة لا تصلح للترجيح ، مدفوعة بمنع ذلك واستلزامه لعدم كون الغلبة مرجّحة في شيء من الموارد ؛ لأنّ هذه الغلبة من الأفراد الظاهرة لها ، كيف؟ وندرة النسخ لا تكاد تتعدّى الموارد القليلة المحصورة ، وأمّا التخصيص فشيوعه إلى حدّ قيل : «ما من عامّ إلّا وقد خصّ». واحتمال النسخ بعد تحقّق هذه الغلبة أضعف من الاحتمال الذي لا يعتني به العقلاء في الشبهة غير المحصورة ، فعدم اعتنائهم به أولى ، كما لا يخفى.

٤٠٦

دوران الأمر بين تقييد الإطلاق وحمل الأمر على الاستحباب

ومن الموارد التي قيل باندراجها في الأظهر والظاهر ما إذا دار الأمر بين تقييد المطلق وحمل الأمر في المقيّد على الاستحباب وكون المأمور به أفضل الأفراد ، أو حمل النهي فيه على الكراهة وكون المنهي أخسّ الأفراد وأنقصها ، كما إذا دار الأمر بين تقييد قوله : «إن ظاهرت فاعتق رقبة» وبين حمل قوله : «إن ظاهرت فاعتق رقبة مؤمنة» على الاستحباب ، وكون عتق الرقبة المؤمنة أفضل ، أو حمل قوله : «إن ظاهرت فلا تعتق رقبة كافرة» على الكراهة ، وكون عتق الرقبة الكافرة أبغض ، كما في قوله : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) ، وقوله : «صلّ في المسجد» وقوله : «لا تصلّ في الحمّام».

فالذى حكاه استاذنا السيّد الإمام قدس‌سره عن شيخه المحقّق الحائري قدس‌سره في هذا الفرض أنّه قال : «وممّا يصعب عليّ حمل المطلقات الواردة في مقام البيان على المقيّد وتقييدها بدليله مع اشتهار الأوامر في الاستحباب والنواهي في الكراهة ، خصوصا بملاحظة ما أفاده صاحب المعالم (١) في باب شيوع استعمال الأوامر في المستحبّات».

ولكن ذكر استاذنا السيّد الإمام قدس‌سره هنا تفصيلا جيّدا ، وهو : أنّ المطلقات

__________________

(١) معالم الدين : ٥٣.

٤٠٧

على قسمين : قسم ورد في مقابل من يسأل عن حكم المسألة والواقعة لأجل ابتلائه بها ، ومنظوره السؤال عن حكمها ثمّ العمل على طبق الحكم الصادر عن المعصوم عليه‌السلام في تلك الواقعة ، وقسم آخر يصدر لغرض الضبط ، كما إذا كان السائل مثل زرارة ممّن كان غرضه من السؤال استفادة حكم الواقعة لأجل ضبطه لمن يأتي بعده ممّن لا يكاد تصل يده إلى منبع العلم ومعدن الوحي.

وما أفاده المحقّق الحائري قدس‌سره إنّما يتمّ في خصوص القسم الأوّل ، وأمّا في القسم الثاني فلا ، خصوصا على القول بدلالة هيئت «افعل» على الوجوب بدلالة وضعيّة ، وكون حمل المطلق على المقيّد من الامور المتداولة.

هذا كلّه بالنسبة إلى التعارض الابتدائي بين الدليلين ، النصّ والظاهر أو الأظهر والظاهر.

٤٠٨

القول

فيما إذا كان التعارض بين أكثر من دليلين

إذا ورد عامّ وخاصّان بينهما تباين :

وأمّا إذا كان التعارض بين أزيد من دليلين ، بأن كان هنا عامّ ـ مثلا ـ وخاصّان كقوله : «أكرم العلماء» و«لا تكرم النحويّين منهم» ، و«لا تكرم الصرفيّين منهم» ؛ فإنّ النسبة بين كلّ من الأخيرين مع الأوّل هو العموم والخصوص مطلقا ، والكلام فيه يقع في مقامين :

أحدهما : أنّه يتحقّق في ملاحظة العامّ مع كلّ من المخصّصين أربع احتمالات :

الأول : أنّه يلاحظ مع كلّ منهما قبل تخصيصه بالآخر بحيث يكون الخاصّان في عرض واحد.

الثاني : أنّه يخصّص بواحد منهما ثمّ تلاحظ النسبة بعد التخصيص بينه وبين الخاصّ الآخر ، وربّما تنقلب النسبة من العموم المطلق إلى العموم من وجه كما في المثال ؛ فإنّ قوله : «أكرم العلماء» بعد تخصيصه بقوله «لا تكرم الصرفيّين منهم» ، يرجع إلى وجوب إكرام العالم الغير الصرفيّ ، ومن المعلوم أنّ النسبة بين العالم الغير الصرفي وبين العالم النحوي عموم من وجه ؛ فإنّ مورد الاجتماع هو العالم النحوي الغير الصرفي مثل الطبيب النحوي ، ومادة افتراق العالم النحوي

٤٠٩

عبارة عن النحوي العالم بالصرف ، ومادة افتراق العالم الغير الصرفي عبارة عن العالم بالطب فقط.

الثالث : هو التفصيل بين المخصّص اللفظي واللبّي ، بأن يلاحظ العامّ مع المخصّص اللبّي ، ثمّ يلاحظ العامّ المخصّص مع المخصّص اللفظي ، وأمّا في المخصّصات اللفظيّة فيلاحظ كلّ واحد منهما مع العامّ قبل تخصيصه بالآخر.

الرابع : هو التفصيل بين بعض المخصّصات اللبّيّة والمخصّصات اللفظيّة وبين بعض آخر من المخصّصات اللبّيّة.

ثانيهما : أنّه لو فرض كون الخاصّين في عرض واحد ، ولكن كان تخصيص العامّ بهما مستهجنا أو مستلزما للاستيعاب وبقاء العامّ بلا مورد ، فهل المعارضة حينئذ بين العامّ ومجموع الخاصّين كما اختاره الشيخ قدس‌سره (١) وتبعه غير واحد من المحقّقين المتأخّرين عنه (٢) ، أو أنّ المعارضة بين نفس الخاصّين ، كما هو الأقوى ، لما يأتي؟

أمّا الكلام في المقام الأوّل فلا إشكال في تعيّن الاحتمال الأوّل فيما إذا كان الخاصّان دليلين لفظيّين ، ولا مجال لتوهّم تقديم أحدهما على الآخر بعد اتّحادهما في النسبة مع العامّ ؛ إذ لا وجه لتقديم ملاحظة العامّ مع أحدهما على ملاحظته مع الآخر ، خصوصا إذا لم يعلم المتقدّم منهما صدورا عن المتأخّر كما هو الغالب.

وأمّا لو كان أحد الخاصّين دليلا لبّيّا فلا بدّ من الالتزام بالاحتمال الرابع بأنّ الدّليل اللبّي إن كان كالدليل العقليّ الذي يكون كالقرينة المتّصلة بالكلام ،

__________________

(١) فرائد الاصول ٢ : ٧٩٤ ـ ٧٩٥.

(٢) فوائد الاصول ٤ : ٧٤٣.

٤١٠

بحيث لم يكن يستفاد من العامّ عند صدوره من المتكلّم إلّا العموم المحدود بما دلّ عليه العقل ـ كما أنّه لو فرض أنّه لا يستفاد عند العقلاء من قوله : «أكرم العلماء» إلّا وجوب إكرام العدول منهم ـ فلا شبهة حينئذ في أنّه لا بدّ من ملاحظته بعد التخصيص بدليل العقل مع الخاصّ الآخر ، بل لا يصدق عليه التخصيص وانقلاب النسبة.

وإن كان الدليل اللبّي كالإجماع ونحوه فلا ترجيح له على الخاصّ اللفظيّ أصلا ؛ لعين ما ذكر في الدليلين اللفظيين.

وأمّا الاحتمال الثالث فهو التفصيل بين المخصّص اللبّي المنفصل ـ كالإجماع ـ والمخصّص اللفظيّ المنفصل ، وإن نقل عن بعض المحقّقين ولكن لا وجه ولا مناط له ؛ لعدم الفرق بينهما أصلا ، لا في أنّه بعد ملاحظة الخاصّ يستكشف تضييق دائرة المراد الجدّى من أوّل الأمر وأنّ صدور العامّ كان بنحو التقنين وإفادة الحكم على النحو الكلّي ، ولا في أنّه قبل العثور على المخصّص ـ لفظيّا كان أو لبّيّا ـ تكون أصالة العموم متّبعة ، وبعد الظفر به ترفع اليد عنه ، فلا فرق بينهما أصلا.

وأمّا الكلام في المقام الثاني فقد عرفت أنّه ذهب الشيخ قدس‌سره إلى وقوع التعارض بين العامّ ومجموع الخاصّين ؛ نظرا إلى أنّ تخصيص العامّ بكلّ واحد منهما لا يوجب محذورا ، بل تخصيصه بهما يوجب الاستهجان أو الاستيعاب ، فلا بدّ من ملاحظة الترجيح فيهما ، وفي صورة فقده التساقط أو التخيير.

ولكن استاذنا السيّد الإمام قدس‌سره مخالف لهذا النظر ويقول : إنّ مجموع الخاصّين لا يكون أمرا ثالثا ورائهما ، والمفروض أنّه لا معارضة لشيء منهما مع العامّ ، فلا وجه لترتيب أحكام المتعارضين عليه وعليهما ، غاية الأمر أنّه حيث لا يمكن

٤١١

تخصيص العامّ بمجموعهما يرجع ذلك إلى عدم إمكان الجمع بين الخاصّين ، لا من حيث أنفسهما ، بل من جهة أنّ تخصيص العامّ بهما يوجب الاستهجان أو الاستيعاب ، فيقع التعارض بينهما تعارضا عرضيّا ـ كما أنّ العلم الإجمالي بنجاسة أحد الإنائين يوجب التعارض العرضي بين استصحاب طهارة كلّ منهما ـ فلا بدّ من معاملة الخاصّين حينئذ معاملة المتعارضين ، وعلى هذا فإن قلنا بعدم اختصاص الأخبار العلاجيّة بالتعارض الذاتي وشمولها للتعارض العرضي أيضا فلا بدّ من الرجوع إلى المرجّحات المذكورة فيها ، وإن قلنا بعدم شمولها له فلا بدّ من الرجوع إلى ما تقتضيه القاعدة في المتعارضين مع قطع النظر عن تلك الأخبار من السقوط على ما هو التحقيق ، أو التخيير كما سيأتي (١).

ومن المعلوم أنّ التحقيق والدقّة في المسألة يقتضي الالتزام بما ذكره الإمام قدس‌سره بخلاف ما ذكره الشيخ قدس‌سره ومن تبعه. كما لا يخفى.

وما ذكرناه من وقوع التعارض بين الخاصّين إنّما هو فيما لو لم يعلم بثبوت الملازمة بينهما ، وأمّا إذا علم من الخارج بتحقّق الملازمة بينهما بحيث لا يمكن التفكيك بينهما من حيث الحكم فتكون هنا صورتان ؛ إذ يعلم تارة بعدم اختلاف موردهما من حيث الحكم وثبوت الملازمة بين موردهما فقط ، كما إذا علم في المثال المتقدّم بأنّه لو كان إكرام النحويّين من العلماء حراما لكان إكرام الصرفيّين منهم أيضا كذلك.

واخرى يعلم بعدم الاختلاف بين جميع أفراد العامّ مع حيث الحكم أصلا ، كما إذا علم بأنّ حكم إكرام جميع أفراد العلماء واحد وأنّه إن كان الإكرام واجبا

__________________

(١) معتمد الاصول ٢ : ٣٦٧ ـ ٣٦٨.

٤١٢

فهو واجب في الجميع ، وإن كان حراما كذلك ، وهكذا.

ففي الاولى يقع التعارض بين العامّ وبين كلّ واحد من الخاصّين.

وفي الثاني يقع التعارض بين الجميع ، العامّ مع كلّ واحد منهم ، وهو مع الآخر ، كما لا يخفى ، إلّا أنّ العلم بالملازمة قليلا ما يتّفق وفرض نادر جدّا.

هذا كلّه فيما إذا كانت النسبة بين الخاصّين التباين كما فيما عرفت من المثال.

إذا ورد عامّ وخاصّان بينهما عموم وخصوص مطلق

وأمّا لو كانت النسبة بين الخاصّين أيضا العموم والخصوص مطلقا ، كالنسبة بين كلّ واحد منهما مع العامّ كقوله : «أكرم العلماء» ، و«لا تكرم النحويّين منهم» ، و«لا تكرم الكوفيّين من النحويّين» ، فقد ذكر المحقّق النائيني قدس‌سره على ما في التقريرات : «أنّ حكم هذا القسم حكم القسم السابق من وجوب تخصيص العامّ بكلّ من الخاصّين إن لم يلزم التخصيص المستهجن أو بقاء العامّ بلا مورد ، وإلّا فيعامل مع العامّ ومجموع الخاصّين معاملة المتعارضين» (١).

والتحقيق أن يقال : إنّ لهذا الفرض صورا متعدّدة ؛ فإنّه قد يكون الخاصّان متوافقين من حيث الحكم إثباتا أو نفيا ، وقد يكونان متخالفين ، وعلى التقديرين قد يلزم من تخصيص العامّ بكلّ منهما التخصيص المستهجن بمعنى استلزام التخصيص بكلّ ذلك ، وقد لا يلزم التخصيص المستهجن إلّا من التخصيص بالخاصّ دون الأخصّ ، وقد لا يلزم شيء منهما ، ومرجعه إلى عدم لزوم التخصيص المستهجن من التخصيص بالخاصّ ؛ ضرورة أنّه مع عدم

__________________

(١) فرائد الاصول ٤ : ٧٤٣.

٤١٣

استلزامه ذلك يكون عدم استلزامه من التخصيص بالأخصّ بطريق أولى ، ثمّ إنّه في صورة اختلاف الخاصّين من حيث الحكم قد يلزم من تخصيص الخاصّ بالأخصّ الاستهجان ، وقد لا يلزم.

وفي صورة توافق الخاصّين قد يستفاد وحدة الحكم من وحدة السبب ـ مثلا ـ وقد لا يستفاد ذلك ، بل لا طريق لنا لإحراز وحدة الحكم ؛ لكونهما حكمين مستقلّين.

وتفصيل حكم هذا الصور أن يقال : إذا كان الخاصّان متوافقين من حيث الحكم ، واحرز وحدة الحكم المشتمل على النهي في مقابل العامّ من طريق وحدة السبب أو من طرق أخر ، فلا بدّ من تخصيص الخاصّ بالأخصّ إن لم يلزم من تخصيصه به الاستهجان ، ثمّ تخصيص العامّ بالخاصّ المخصّص ، وإن لزم منه الاستهجان ، فيصير الخاصّ والأخصّ متعارضين ، فيعامل معهما معاملة المتعارضين ؛ لإحراز وحدة الحكم وعدم إمكان التخصيص ، فلا بدّ من الأخذ بأحدهما ، إمّا ترجيحا وإمّا تخييرا ، وتخصيص العامّ به.

وإن لم يحرز وحدة الحكم بل الظاهر كلاهما حكمان مستقلّان ولم يلزم من تخصيص العامّ بكلّ منهما الاستهجان ، فلا بدّ من تخصيص العامّ ، فيقال في المثال المذكور بوجوب إكرام العلماء غير النحويّين مطلقا كوفيّين كانوا أو غيرهم.

وإن لزم من تخصيص العامّ الاستهجان ، فتارة يلزم الاستهجان من التخصيص بالخاصّ فقط دون الأخصّ ، فاللازم حينئذ تخصيص الخاصّ بالأخصّ ، ثمّ تخصيص العامّ بالخاصّ المخصّص ؛ لأنّه الطريق المنحصر لرفع الاستهجان ومع إمكان ذلك لا وجه لطرح الخاصّ ، فإنّ الطرح إنّما هو مع عدم إمكان الجمع المقبول عند العقلاء ، وما ذكرنا مورد لقبولهم.

٤١٤

واخرى يلزم الاستهجان من التخصيص بكلّ منهما ، غاية الأمر أنّ التخصيص بالأخصّ أقلّ استهجانا من التخصيص بالخاصّ ، فالعامّ حينئذ يعارض الاثنين معا ، ولا بدّ من الرجوع إلى المرجّحات المذكورة في الأخبار العلاجيّة.

وأمّا الخاصّان المتخالفان من حيث الحكم كقوله : «أكرم العلماء» و«لا تكرم النحويّين منهم» ، و«يستحبّ إكرام الكوفيّين من النحويّين» ، فإن لم يلزم من تخصيص الخاصّ بالأخصّ الاستهجان فاللازم تخصيصه به ، ثمّ تخصيص العامّ بالخاصّ المخصّص ، وإن لزم الاستهجان من تخصيص الخاصّ بالأخصّ ، فيقع التعارض بين الخاصّين ، وبعد إعمال قواعد التعارض وترجيح أحد الخاصّين يخصّص العامّ بما رجّح إن لم يلزم من تخصيص العامّ به الاستهجان ، وإلّا فيقع التعارض بين مجموع أدلة العامّ وكلّ واحد من الخاصّين ، ولا بدّ معها من معاملة المتعارضات والرجوع إلى الأخبار العلاجيّة.

إذا ورد عامّ وخاصّان بينهما عموم من وجه :

وأمّا إذا كانت النسبة بين الخاصّين العموم والخصوص من وجه ، كقوله : «أكرم العلماء» و«لا تكرم النحويّين من العلماء» و«لا تكرم الفسّاق منهم» ، فإن كان الخاصّان متوافقين من حيث الحكم إيجابا وسلبا ـ كما في المثال ـ فلا شبهة في تخصيص العامّ بكليهما إن لم يلزم من تخصيصه بهما الاستهجان ، وإلّا فيقع التعارض بين الخاصّين ، ويؤخذ بأحدهما ، إمّا ترجيحا وإمّا تخييرا ، ويخصّص العامّ به.

وإن كانا مختلفين من حيث الإيجاب والسلب ، كما إذا كان الخاصّ الثاني هو قوله : «يستحبّ إكرام الفسّاق من العلماء» ، فهنا أدلّة ثلاث ، بعضها يدلّ على

٤١٥

وجوب إكرام جميع العلماء ، وثانيها على حرمة إكرام النحويّين منهم ، وثالثها على استحباب إكرام الفساق من العلماء.

ولا ريب في لزوم تخصيص العامّ بكلّ منهما بالنسبة إلى مورد افتراقهما ، فإنّه لا شبهة في تخصيص العامّ بنحويّ عادل ، وكذا بالفاسق الغير النحوي ، وإنّما الإشكال في النحوي الفاسق حيث يدلّ العامّ على وجوب إكرامه ، وأحد الخاصّين على حرمته ، والآخر على استحبابه.

والظاهر أنّه لا بدّ من رعاية قواعد التعارض بين الجميع في النحوي الفاسق ؛ لأنّ العامّ وإن كانت نسبته مع كلا الخاصّين العموم المطلق ، إلّا أنّه بعد تخصيصه بمورد الافتراق من كلّ من الخاصّين تصير نسبته مع الخاصّ الآخر العموم من وجه ، فإنّه بعد تخصيصه بالنحوي العادل تصير النسبة بين العامّ ـ أي أكرم العالم الغير النحوي العادل ـ وبين قوله : «يستحبّ إكرام الفسّاق من العلماء» العموم من وجه ، كما أنّه بعد تخصيصه بالفاسق الغير النحوي تصير النسبة بين العامّ وبين قوله : «لا تكرم النحويّين من العلماء» العموم من وجه أيضا.

ولكنّ التحقيق : أنّ الأخبار العلاجيّة مختصّة بالخبرين المتعارضين بالتباين ، ولا تكون شاملة للدليلين المتعارضين بالعموم والخصوص من وجه ، فلا بدّ من الرجوع إلى القاعدة كما سيأتي ، ومقتضى القاعدة هو التساقط لا التخيير ، ففي مادّة الاجتماع ـ أي النحوي الفاسق ـ بعد تعارض الخاصّين وتساقطهما وصيرورتهما فيها كالعدم ، فما المانع من الرجوع إلى العموم؟ والعامّ حجّة ، وليست هنا حجّة أقوى على خلافه ، ولا دليل للتخصيص بالنسبة إلى مادّة الاجتماع ، فلا بدّ من الرجوع إلى العامّ.

٤١٦

إذا ورد عامّان من وجه وخاصّ.

وفي هذه الصورة إن كان مفاد الخاصّ ، إخراج مادّة الاجتماع تنقلب النسبة ، فلا يبقى تعارض في البين ، كما إذا قال : «أكرم كلّ عالم» ، ثمّ قال : «لا تكرم كلّ فاسق» ، ومادّة اجتماعهما عبارة عن العالم الفاسق ، والأوّل يحكم بوجوب إكرامه ، والثاني يحكم بحرمة إكرامه ، وإذا قال بعد ذلك : «لا تكرم العالم الفاسق» ، وصارت دائرة العامّ الأوّل محدودة بالعالم الغير الفاسق فلا مجال للتعارض بين العامّين.

وإن كان مفاد الخاصّ إخراج مورد افتراق أحد العامّين تنقلب النسبة إلى العموم المطلق ، كما إذا ورد بعد قوله : «أكرم العلماء ولا تكرم الفسّاق» ، قوله :«أكرم الفاسق الغير العالم» ، فمادّة الاجتماع عبارة عن العالم الفاسق ، ومادّة الافتراق للأوّل هو العالم الغير الفاسق ، وللثاني هو الفاسق الغير العالم ، وبعد إخراجه عن تحت العامّ الثاني صار عنوانه : «لا تكرم الفسّاق من العلماء» ، فيصير مخصّصا للعامّ الأوّل بعد انقلاب النسبة بهذه الكيفيّة.

إذا ورد عامّان متباينان وخاصّ

وأمّا هذه الصورة فهي ما إذا ورد دليلان متعارضان بالتباين ، فقد يوجب الدليل الخاصّ الوارد في مقابلهما انقلاب النسبة من التباين إلى العموم المطلق ، وقد يوجب انقلابها إلى العموم من وجه.

فالأوّل كقوله : «أكرم العلماء» وقوله : «لا تكرم العلماء» ، ثمّ ورد دليل ثالث بقوله : «لا تكرم العالم الفاسق» ، وبعد تخصيص العامّ الأوّل به ومحدوديّة مفاده من حيث الحجّيّة بالعالم الغير الفاسق ، كأنه يقول : «أكرم العلماء الغير الفسّاق» وإذا لاحظناه مع العامّ الثاني تصير النسبة بينهما العموم المطلق ، فالعامّ الأوّل

٤١٧

يصير مخصّصا للثاني.

والثاني كما إذا ورد في المثال دليل رابع وخصّص قوله : «أكرم العلماء» بالفقهاء ، فإنّ النسبة بينه بعد تخصيصه بالفقهاء وبين قوله : «لا تكرم العلماء» بعد تخصيصه بما عدا العدول ، هو العموم من وجه.

٤١٨

فصل

في عدم شمول الأخبار العلاجيّة للعامين من وجه

قد تحقّق أنّ موضوع البحث في المقام هو الخبران المتعارضان ، وأنّ الروايات الواردة في هذا الباب موردها هو المتعارضان أو المختلفان عنوانا أو مصداقا ، بمعنى أنّه ورد في بعضها عنوان الاختلاف والمختلفين ، وفي بعضها مصداق هذا العنوان ، مثل ما ورد في بعضها من قول السائل في بيان الخبرين الواردين : «أحدهما يأمر والآخر ينهى» (١).

وبعد ما تحقّق أنّ المرجع في تشخيص عنوان التعارض والاختلاف هو العرف والعقلاء فلا إشكال في تحقّق هذين العنوانين في الدليلين المتعارضين بالتباين ، مثل ما إذا دلّ أحدهما على وجوب إكرام جميع العلماء ، والآخر على حرمة إكرامهم.

كما أنّه لا إشكال في عدم تحقّقهما في العامّ والخاصّ المطلق في محيط التقنين ؛ لتحقّق الجمع العقلائي بينهما ، وهو التخصيص ، إن لم يكن مستهجنا.

إنّما الإشكال في العموم والخصوص من وجه ، وكذا في المتعارضين

__________________

(١) الوسائل ٢٧ : ١٠٨ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٥.

٤١٩

بالعرض ، كما في الدليلين اللذين علم بكذب أحدهما من غير أن يكونا بأنفسهما متناقضين، كما إذا دلّ دليل على وجوب صلاة الجمعة يوم الجمعة ، ودليل آخر على وجوب صلاة الظهر ذلك اليوم ، وعلم بعدم كون الواجب منهما إلّا واحدا ، وكما إذا ورد عامّ وخاصّان متباينان ، مثل قوله : «أكرم العلماء» ، وقوله : «لا تكرم النحويّين» ، وقوله : «لا تكرم الصرفيّين» ، وكان تخصيصه بكليهما مستلزما للاستهجان ، وقد تحقّق أن التعارض يكون بين الخاصّين لا بينهما وبين العامّ ، إلّا أنّ التعارض بينهما تعارض عرضي ؛ لعدم تناقضهما في حدّ نفسهما أصلا.

وكذا الإشكال في المتعارضين بالالتزام بأن لم يكن الدليلان متعارضين إلّا من حيث لازم مدلولهما ، كما إذا فرضنا المفهوم من المدلول الالتزامي مثل : أن يقول في رواية : صلاة الجمعة واجبة عند زوال يوم الجمعة ، ومفهومها عدم وجوب صلاة الظهر ، وفي رواية اخرى: صلاة الظهر واجبة يوم الجمعة في زمن الغيبة ، ومفهومها عدم وجوب صلاة الجمعة ، وكلّ منهما ينفي الآخر بمدلوله الالتزامي ، وهذا يوجب التعارض بينهما ونسمّيه بالتعارض بالالتزام.

لا يتوهّم خروج العامّين من وجه من الأخبار العلاجيّة بأنّه اجتمع في مادّة الاجتماع ـ أي العالم الفاسق ـ حكمان : وجوب الإكرام باعتبار أنّه عالم ، وحرمة الإكرام باعتبار أنّه فاسق ، كما في الصلاة في الدار المغصوبة ، بعد القول بجواز اجتماع الأمر والنهي في محلّه.

فإنّه يتحقّق الفرق بين ما نحن فيه ومسألة اجتماع الأمر والنهي ، فإنّ من شرائط اجتماع الأمر والنهي إحراز تحقّق مقتضى كلا الحكمين في مادّة الاجتماع ، فتتحقّق هنا مسألة التزاحم لا التعارض ، وأمّا في العموم من وجه فيتحقّق

٤٢٠