دراسات في الأصول - ج ٤

السيد صمد علي الموسوي

دراسات في الأصول - ج ٤

المؤلف:

السيد صمد علي الموسوي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات مركز فقه الأئمة الأطهار عليهم السلام
المطبعة: ياران
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-7709-95-8
ISBN الدورة:
978-964-7709-96-5

الصفحات: ٤٨٠

المقام الأوّل : في العنوان الذاتي المنطبق على المستصحب الشامل للنوع والجنس والفصل ، والمقام الثاني : في العناوين العرضيّة وقوله بالتفصيل بين خارج المحمول والمحمول بالضميمة.

أمّا المقام الأوّل فالإشكال فيه أنّ جريان الاستصحاب في الفرد وترتّب أثر الكلّي عليه يكون من الاصول المثبتة ؛ إذ المستصحب شيء ومعروض الأثر شىء آخر ، ومجرّد الاتّحاد الوجودي لا يوجب أن يكون أثر الكلّي أثرا للفرد ، وقد مرّ مفصّلا في بحث استصحاب الكلّي أنّه لا يمكن ترتّب أثر الفرد على استصحاب بقاء الكلى وبالعكس ، فإنّ حيثيّة مقام الموضوع والموضوعيّة للحكم غير مقام الاتّحاد في الوجود ، والاتّحاد في الوجود الخارجي لا يوجب الاتّحاد في الموضوعيّة.

وهذا الإشكال يجري في جميع الاستصحابات الموضوعيّة ، ويوجب انسداد باب الاستصحاب في الموضوعات ، فإنّ استصحاب خمريّة هذا المائع المشكوك ، أي الفرد الخارجي وترتّب الحرمة عليه ، والقول بأنّ الخمر حرام ، أي الخمر الكلّي حرام ، فهذا المائع حرام يكون من مصداق استصحاب الفرد وترتّب أثره الكلّي عليه ، مع أنّنا قلنا : إنّ استصحاب بقاء زيد في الدار لا يوجب ترتّب أثر الإنسان عليه وبالعكس ؛ لمغايرتهما من حيث المفهوم والأثر.

وقال بعض الأعلام رحمه‌الله في مقام الجواب عنه : «إنّ الأثر أثر لنفس الفرد لا للكلّي ؛ لأنّ الأحكام وإن كانت مجعولة على نحو القضايا الحقيقيّة إلّا أنّ الحكم فيها ثابت للأفراد لا محالة ، غاية الأمر أنّ الخصوصيّات الفرديّة لا دخل لها في ثبوت الحكم ، وإلّا فالكلّي بما هو لا حكم له وإنّما يؤخذ موضوع الحكم ليشار

٢٦١

به إلى أفراده ، مثلا : إذا حكم بحرمة الخمر فالحرام هو الخمر الخارجي لا الطبيعة الكلّيّة بما هي» (١).

ويرد عليه : أنّ تأويل قوله : «الخمر حرام» ـ مع كونه مصدّرا بألف ولام الجنس ووضع لفظ الخمر للطبيعة والماهيّة ـ بكلّ مائع وجد في الخارج وكان خمرا فهو حرام ، وانصراف الحكم من الطبيعة وإرجاعه إلى الموجودات الخارجيّة من محقّقة الوجود أو مقدّرة الوجود لا ينطبق مع ظواهر الروايات والآيات.

ويستفاد من كلام استاذنا السيّد طريق آخر لحلّ المسألة وحاصل كلامه :أنّ هاهنا امورا ثلاثة : أحدها : عنوان الكلّي بما أنّه كلّي ، والثاني : عنوان الفرد الذي هو متّحد معه خارجا ومختلف اعتبارا وحيثيّة ، والثالث : عنوان الكلّي المتحقّق في الخارج المتشخّص في العين ، ويجري الاستصحاب في الأوّل والثالث لترتيب آثار العنوان الكلّي دون الثاني.

أمّا في الأوّل فلا كلام فيه ، وأمّا في الثالث فلا ينبغي الإشكال فيه ، فإنّ متعلّق الحكم عنوان يسري إلى مصداقه الخارجي ، فإذا شكّ في بقاء عنوان الخمر المنطبق على المائع الخارجي يستصحب بقاء الخمر ويترتّب على المائع الخارجي أثر الخمر ؛ إذ يتحقّق الفرق بين استصحاب الفرد لترتيب آثار الكلّي وبين استصحاب العنوان المنطبق على الخارج لترتيب أثره عليه ، فإنّ ذلك استصحاب نفس العنوان المتحقّق في الخارج ، فهو كاستصحاب نفس الكلّي لترتيب آثاره ، فإذا تعلّق حكم بعنوان الخمر يكون هذا الحكم متعلّقا بكلّ ما هو خمر في الخارج بعنوان أنّه خمر ، فترتيب آثار الخمريّة باستصحاب خمريّة

__________________

(١) مصباح الاصول ٣ : ١٧١.

٢٦٢

المائع الخارجي ممّا لا مانع منه ، وأمّا استصحاب وجود المائع الخارجي أو الوجود الخارجي المتّحد مع الخمر لترتيب آثار الخمريّة فلا يجري إلّا على القول بالأصل المثبت (١).

فلا يكون استصحاب خمريّة هذا المائع استصحاب الفرد ، بل هو استصحاب الكلّي المتشخّص في الخارج ، فلا مانع من ترتيب آثار الكلّي ، وهكذا في أكثر الاستصحابات الموضوعيّة ؛ لعدم الفرق بين استصحاب إنسانيّة هذا الموجود وخمريّة هذا المائع في الكليّة.

نعم ، استصحاب بقاء وجود هذا المائع وإن كان وجوده ملازما لخمريّته إلّا أنّه لا يوجب ترتّب آثار الخمريّة.

وهذا طريق جيّد لحلّ الإشكال.

وأمّا المقام الثاني ، أي التفصيل بين ما يعبّر عنه بخارج المحمول وما يعبّر عنه بالمحمول بالضميمة من الأعراض ، فاستشكل عليه بعض الأعلام رحمه‌الله بأنّ ما ذكره من جريان الاستصحاب في خارج المحمول وعدم جريانه في المحمول بالضميمة إن كان المراد منه أنّ الاستصحاب يصحّ جريانه في الفرد من الأمر الانتزاعي لترتيب أثر الكلّي عليه ـ فيصحّ استصحاب ملكيّة زيد لمال ؛ لترتيب آثار الملكيّة الكلّيّة ، من جواز التصرّف له ، وعدم جواز تصرّف الغير فيه بدون إذنه ـ فالكلام فيه هو الكلام في الأمر الأوّل ، مع أنّ هذا لا يكون فارقا بين الخارج المحمول والمحمول بالضميمة ، فإذا شكّ في بقاء فرد من أفراد المحمول بالضميمة ـ كعدالة زيد مثلا ـ فباستصحاب هذا الفرد تترتّب آثار مطلق العدالة ، كجواز الاقتداء به ونحوه ، فلا وجه للفرق بين الخارج المحمول

__________________

(١) الاستصحاب : ١٦٤.

٢٦٣

والمحمول بالضميمة.

وإن كان مراده أنّ الاستصحاب يجري في منشأ الانتزاع ويترتّب عليه أثر الأمر الانتزاعي الذي يكون لازما له على فرض بقائه ، فهذا من أوضح مصاديق الأصل المثبت ، فإذا علمنا بوجود جسم في مكان ثمّ علمنا بوجود جسم آخر في أسفل من المكان الأوّل مع الشكّ في بقاء الجسم الأوّل في مكانه لم يمكن ترتيب آثار فوقيّته على الجسم الثاني باستصحاب وجوده في مكان الأوّل ، فإنّه من أوضح أنحاء الأصل المثبت.

وكذلك لا يمكن إثبات زوجيّة امرأة خاصّة لزيد مع الشكّ في حياتها وإن علم أنّها على تقدير حياتها تزوجت به يقينا (١).

وعلى المبنى المختار يكون المستصحب في الجميع الكلّي المنطبق على الخارج ، فيجري الاستصحاب فيها بلا فرق بين استصحاب خمريّة هذا المائع وملكيّة زيد لهذا المال وعدالته إن كان مجرى الاستصحاب نفس هذه العناوين.

وأمّا إن كان المجرى خارجا عنها فلا يرتبط بالبحث.

الأمر الثاني :

أنّه لا تفاوت في الأثر المستصحب أو المترتّب عليه بين أن يكون مجعولا شرعا بالاستقلال أو بمنشإ انتزاعه ، فباستصحاب الشرط تترتّب الشرطيّة ، وباستصحاب المانع تترتّب المانعيّة (٢).

والظاهر أنّ صاحب الكفاية رحمه‌الله أراد بذلك دفع الإشكال المعروف في جريان

__________________

(١) مصباح الاصول ٢ : ١٧١.

(٢) كفاية الاصول ٢ : ٣٣٠.

٢٦٤

الاستصحاب في الشرط والمانع.

بيان الإشكال : أنّ الشرط بنفسه ليس مجعولا بالجعل التشريعي ، بل لا يكون قابلا له ؛ لكونه من الامور الخارجيّة التكوينيّة كالاستقبال والستر للصلاة ، ولا يكون له أثر شرعي أيضا ، فإنّ جواز الدخول في الصلاة ـ مثلا ـ ليس من الآثار الشرعيّة للاستقبال ، بل الأحكام العقليّة ، فإنّ المجعول الشرعي هو الأمر المتعلّق بالصلاة مقيّدة بالاستقبال بحيث يكون التقيّد داخلا والقيد خارجا.

وبعد تحقّق هذا الجعل من الشارع يحكم العقل بجواز الدخول في الصلاة مع الاستقبال وعدم جواز الدخول فيها بدونه ؛ لحصول الامتثال معه وعدمه بدونه ، وحصول الامتثال وعدمه من الأحكام العقليّة ، فليس الشرط بنفسه مجعولا شرعيا ولا ممّا له أثر شرعي ، فلا بدّ من الحكم بعدم جريان الاستصحاب فيه.

وكذا الكلام بعينه في المانع ، فأراد صاحب الكفاية رحمه‌الله دفع هذا الإشكال بأنّ الشرطيّة من المجعولات بالتبع ، فلا مانع من جريان الاستصحاب في الشرط لترتّب الشرطيّة عليه ؛ لأنّ المجعولات بالتبع كالمجعولات بالاستقلال في صحّة ترتّبها على الاستصحاب.

ويرد عليه : أنّ جريان الاستصحاب في جميع الموارد يكون بداعي استفادة حكم المستصحب الذي وقع الشكّ فيه ورفع الشكّ عنه ، مثل استفادة حرمة الارتكاب والشرب من استصحاب خمريّة هذا المائع فإنّ المجهول عند الشاكّ هو الحكم.

وأمّا المجهول والمشكوك في استصحاب الشرط فهو بقاؤه ووجوده

٢٦٥

الخارجي لا الشرطيّة ، فكيف تترتّب الشرطيّة التي لا شكّ فيها على استصحاب بقاء الوضوء.

مع أنّه لا ارتباط بينهما ؛ إذ الشرطيّة ترتبط بمرحلة جعل الحكم ؛ وتحقّق الشرط وعدمه يرتبط بمقام الامتثال والخارج.

ثمّ إنّه يتحقّق إشكال مهم آخر في جريان استصحاب الشرط ، وهو : أنّ جريان استصحاب بقاء الوضوء ـ مثلا ـ يكون بداعي وقوع الصلاة لا محالة مع الوضوء وتحقّقها مع التقيّد به ، وهو ليس بأثر شرعي ولا يترتّب عليه أثر شرعيّ ، بل هو أثر عقلي ويترتّب عليه أثر عقلي آخر ، مثل : كونها موافقة للأمر ومسقطة للتكليف ، فلا يكون من الأثر الشرعي هنا أثر ولا خبر.

مع أنّ إنكار جريان الاستصحاب في الشرط أصلا ينافي قوله عليه‌السلام في الصحيحة الاولى لزرارة : «وإلّا فإنّه على يقين من وضوئه ، ولا ينبغي له أن ينقض اليقين بالشكّ أبدا» ، وقوله عليه‌السلام في الصحيحة الثانية له : «لأنّك كنت على يقين من طهارتك فشككت ، وليس ينبغي لك أنّ تنقض اليقين بالشكّ أبدا» ، ولا شكّ في دلالتهما بالصراحة على جريان الاستصحاب في شرائط الصلاة.

وأراد صاحب الكفاية رحمه‌الله أن يجيب عن هذا الإشكال بما ذكره من جريان الاستصحاب في الشرط وترتّب الشرطيّة عليه ، وقلنا : إنّ الشرطيّة ليست من أثر الشرط مع عدم كونها مشكوكة.

ويمكن أن يقال في الجواب عن الإشكال : إنّ الطهارة من شرائط المصلّي لا الصلاة ، وعدم المأكوليّة من موانع الصلاة بحسب الأدلّة ، فإحراز طهارة المصلّي بالاستصحاب يكفي لصحّة صلاته ، لكنّ استصحاب عدم لابسيّة المصلّي لغير المأكول لا يثبت تقيّد الصلاة بعدم كونها مع المانع إلّا بالأصل المثبت ، فلذا

٢٦٦

يكون جريان الاستصحاب في الشرط ممّا لم يقع فيه الإشكال بخلاف استصحاب عدم المانع.

والجواب عنه : أوّلا : أنّ ظاهر الأدلّة يقتضي اشتراط الصلاة بالطهارة ، كقوله : لا صلاة إلّا بطهور» (١) ، كما أنّ ظاهر الأدلّة الواردة في النهي عن الصلاة في النجس يقتضي مانعيّته عن الصلاة كالأدلّة الواردة في عدم جوازها في غير المأكول ، مثل : قوله : «لا تجوز الصلاة في شعر ووبر ما لا يؤكل لحمه» (٢) من غير فرق بينهما.

وثانيا : أنّ الشرطيّة للمصلّي بأيّ معنى كانت لا محالة ترجع إلى الشرطيّة للصلاة ، فإنّ معنى قولنا : إنّ المصلّي بما أنّه مصلّي لا بدّ له أن يكون واجدا للطهارة أنّ الصلاة مشروطة بالطهارة ، وأنّ الصلاة الفاقدة لها باطلة.

وهذا المعنى يستفاد من الصحيحتين المذكورتين أيضا.

وقال استاذنا السيّد الإمام رحمه‌الله : «والذي يمكن أن يقال : إنّ الميزان في التخلّص من الأصل المثبت ـ كما ذكرنا ـ أن يصير المستصحب مندرجا تحت كبرى شرعيّة ، فإذا استصحب الطهارة الخبثيّة أو الحدثيّة يصير الموضوع مندرجا تحت الكبرى المستفادة من قوله: «لا صلاة إلّا بطهور» ، فإنّ المستفاد منه أنّ الصلاة متحقّقة بالطهور بعد حفظ سائر الجهات ، فإذا قال الشارع : «إنّ الصلاة تتحقّق بالطهور» ، وقال في دليل آخر : «إنّ الطهور متحقّق» يحكم بصحّة الصلاة المتحقّقة مع الطهور الاستصحابي ويجوز الاكتفاء بالصلاة معه» (٣).

__________________

(١) الوسائل ١ : ٢٥٨ ، الباب ٢ ، من أبواب الوضوء ، الحديث ٣.

(٢) الوسائل ٣ : ٢٥١ ، الباب ٢ ، من أبواب لباس المصلّي ، الحديث ٧.

(٣) الاستصحاب : ١٦٧.

٢٦٧

وجوابه ـ كما أشار استاذنا السيّد الإمام رحمه‌الله ـ : أنّ مثل قوله : «لا صلاة إلّا بطهور» إنّما هو بصدد جعل شرطيّة الطهور أو الإرشاد إليها وأمّا صحّة الصلاة أو تحقّقها مع وجود الشرط ، أو فسادها وعدم تحقّقها مع وجود المانع ، فعقلي لا شرعي ، مع أنّ قوله: «لا صلاة إلّا بطهور» ناظر إلى مقام الجعل والتقنين ، ولا يمكن أن يكون الكبرى لمقام الامتثال ، وما هو مورد الشكّ والترديد في الخارج ، فلا يمكن حلّ الإشكال بهذا الطريق أيضا.

وكلامه رحمه‌الله هاهنا لا يخلو من اضطراب.

والتحقيق في الجواب عن الإشكال : أنّ منشأه ما هو المعروف بين المحقّقين من أنّه يعتبر في الاستصحاب أن يكون المستصحب بنفسه مجعولا شرعيا أو موضوعا له ، مع أنّه لا دليل لاعتبار ذلك من آية أو رواية وإنّما المعتبر في الاستصحاب كون المستصحب مرتبطا بالشارع ، بمعنى إمكان الدخل والتصرّف فيه نفيا وإثباتا من الشارع بما أنّه شارع ، وهذا المعنى يتحقّق في جميع الشرائط ، سواء كان الشرط من الامور العباديّة أو من الأحكام الوضعيّة أو من الامور التكوينيّة فإنّا نستفيد من قوله : «لا تنقض اليقين بالشكّ» بعد ملاحظة في جنب قوله : «لا صلاة إلّا بطهور» توسعة دائرة الطهارة التي تكون من شرائط الصلاة وعدم انحصارها بالواقعيّة وكفاية الطهارة الاستصحابيّة في مقام تحقّق الشرط ، وهذه التوسعة ترتبط بمقام الجعل لا بمقام الامتثال.

وهكذا في سائر الشرائط إذا لاحظنا دليل الشرط مع قوله «لا تنقض اليقين بالشكّ» يستفاد هذا المعنى بلا إشكال ، فيكون مفاد الدليل الحاكم والمحكوم : أنّ الشرط في الصلاة مطلق الطهور ، أعمّ من الطهارة الظاهريّة والواقعيّة مع أنّ

٢٦٨

الطهارة بما أنّها حالة نفسانيّة قابلة للدوام والبقاء حكم شرعي وضعي ، وجريان الاستصحاب فيها لا يحتاج إلى حكم شرعي آخر.

وكان لبعض الأعلام رحمه‌الله بيان يشبه هذا المعنى ، إلّا أنّ إرجاعه المسألة إلى مقام الامتثال ليس بصحيح ، فإنّه قال : «الظاهر أنّ الحكم بوجود الشرط قابل للتعبّد ، ومعنى التعبّد به هو الاكتفاء بوجوده التعبّدي وحصول الامتثال ، فإنّ لزوم إحراز الامتثال وإن كان من الأحكام العقليّة إلّا أنّه معلّق على عدم تصرّف الشارع بالحكم بحصوله ، كما في قاعدتي الفراغ والتجاوز ، فإنّه لو لا حكم الشارع بجواز الاكتفاء بما أتى به المكلّف فيما إذا كان الشكّ بعد الفراغ أو بعد التجاوز لحكم العقل بوجوب الإعادة لإحراز الامتثال من باب وجوب دفع الضرر المحتمل ، لكنّه بعد تصرّف الشارع وحكمه بجواز الاكتفاء بما أتى به ارتفع موضوع حكم العقل ؛ لكونه مبنيّا على دفع الضرر المحتمل ، ولا يكون هناك احتمال الضرر ، فكذا الحال في المقام فإنّ معنى جريان الاستصحاب في الشرط هو الاكتفاء بوجوده الاحتمالي في مقام الامتثال بالتعبّد الشرعي» (١).

ويرد عليه : أنّه لا بدّ من إرجاع الاكتفاء بوجوده الاحتمالي في مقام الامتثال إلى التوسعة في مقام الجعل والتقنين ؛ إذ لا يعقل أن يكون المعتبر لصلاة الشاكّ جزءا أو شرطا واقعيّا ولكن يكتفى الشارع بفاقده في الواقع في مقام الامتثال ، ومعناه نفى الجزئيّة أو الشرطيّة عن صلاته ، فكيف يجمع بين بقاء الجزئيّة أو الشرطيّة بقوّتها واكتفاء الشارع بما هو ناقص وباطل في مقام الامتثال؟! وحلّ المعضلة منحصر بتوسعة دائرة الشرطيّة والجزئيّة في مقام الجعل والتقنين.

وهذا المعنى يجري بعينه في استصحاب وجود المانع ، فإنّ معناه توسعة

__________________

(١) مصباح الاصول ٣ : ١٧٤.

٢٦٩

دائرة المانعيّة كما لا يخفى.

وأمّا استصحاب عدم المانع فلا يجري إلّا على القول بالأصل المثبت ؛ إذ الغرض من جريانه ، إثبات أنّ الماء وصل إلى جميع البشرة وتحقّق الوضوء أو الغسل صحيحا وتامّا ، وهذا لازم عقلي لعدم المانع ، فلا يترتّب على الاستصحاب.

الأمر الثالث :

أنّه لا تفاوت في المستصحب أو الأثر المترتّب عليه بين أن يكون وجوديّا أو عدميّا ، فلا مانع من جريان استصحاب عدم الحرمة أو استصحاب عدم الخمريّة لترتّب عدم الحرمة ، فإنّ نفي التكليف بيد الشارع وقابل للتعبّد به كثبوته.

ثمّ إنّ صاحب الكفاية رحمه‌الله في مقام دفع توهّم أنّ المستصحب لا بدّ وأن يكون حكما شرعيّا أو موضوعا له مع أنّ عدم الوجوب أو عدم الحرمة ليس بحكم شرعي ، قال : «وعدم إطلاق الحكم على عدمه غير ضائر ، إذ ليس هناك ما دلّ على اعتبار إطلاق الحكم بعد صدق نقض اليقين بالشكّ برفع اليد عن الحكم كصدقه برفع اليد من طرف ثبوته (١) فيجري الاستصحاب العدمي مثل الاستصحاب الوجودي بلا فرق بينهما ، ولا نحتاج في جريان استصحاب عدم الوجوب أو عدم الحرمة إلى أثر شرعي آخر.

__________________

(١) كفاية الاصول ٢ : ٣٣١.

٢٧٠

التنبيه التاسع

في ترتّب جميع آثار الحكم الظاهري

قال صاحب الكفاية رحمه‌الله : «لا يذهب عليك أنّ عدم ترتّب الأثر الغير الشرعي ولا الشرعي بواسطة غيره من العادي أو العقلي بالاستصحاب إنّما هو بالنسبة إلى ما للمستصحب واقعا ، فلا يكاد يثبت به من آثاره إلّا أثره الشرعي الذي كان له بلا واسطة أو بوساطة أثر شرعي آخر حسبما عرفت فيما مرّ ، لا بالنسبة إلى ما كان للأثر الشرعي مطلقا [ظاهريّا أو واقعيّا] كان بخطاب الاستصحاب أو بغيره من أنحاء الخطاب ، فإنّ آثاره شرعيّة كانت أو غيرها تترتّب عليه إذا ثبت ولو بأن يستصحب أو كان من آثار المستصحب ؛ وذلك لتحقّق موضوعها حينئذ حقيقة ، فما للوجوب عقلا يترتّب على الوجوب الثابت شرعا باستصحابه أو باستصحاب موضوعه ، من وجوب الموافقة وحرمة المخالفة واستحقاق العقوبة إلى غير ذلك ، كما يترتّب على الثابت بغير الاستصحاب بلا شبهة» (١).

والتحقيق : أنّ هذا مطلب واضح وقابل للقبول ، ولكن اعترض عليه استاذنا السيّد الإمام رحمه‌الله بقوله : «ولا يخفى ما فيه من التسامح ؛ لأنّ حرمة المخالفة

__________________

(١) المصدر السابق.

٢٧١

ووجوب الموافقة واستحقاق العقوبة كلّها من آثار الحكم الواقعي عقلا ، وأمّا الأحكام الظاهريّة فليس في موافقتها ولا مخالفتها من حيث هي شيء ؛ لأنّها أحكام طريقيّة للتحفّظ على الواقع ، فخطاب : «لا تنقض» كخطاب : «صدق العادل» ـ مثلا ـ ليس من الخطابات النفسيّة التي يحكم العقل بوجوب موافقتها وحرمة مخالفتها من حيث هي ، ولا يكون في موافقتها ثواب ولا في مخالفتها عقاب إلّا انقيادا أو تجرّيا ، وإنّما يحكم العقل بلزوم الإتيان بمؤدياتها ؛ لكونها حجّة على الواقع ، فيحكم العقل من باب الاحتياط بلزوم موافقتها لا لكونها أحكاما ظاهريّة ، بل لاحتمال انطباقها على الواقع ، فاستحقاق العقوبة إنّما هو على مخالفة الواقع لا الحكم الظاهري» (١).

__________________

(١) الاستصحاب : ١٧٠.

٢٧٢

التنبيه العاشر

في عدم لزوم كون المستصحب ذا أثر شرعي قبل الاستصحاب

قال صاحب الكفاية رحمه‌الله : «إنّه قد ظهر ممّا مرّ لزوم أن يكون المستصحب حكما شرعيّا أو ذا حكم كذلك ، لكنّه لا يخفى أنّه لا بدّ أن يكون كذلك بقاء ولو لم يكن كذلك ثبوتا ، فلو لم يكن المستصحب في زمان ثبوته حكما ولا له أثر شرعا وكان في زمان استصحابه كذلك ـ أي حكما أو ذا حكم ـ يصحّ استصحابه كما في استصحاب عدم التكليف ، فإنّه وإن لم يكن بحكم مجعول في الأزل ولا ذا حكم إلّا أنّه حكم مجعول فيما لا يزال ؛ لما عرفت من أنّ نفيه كثبوته في الحال مجعول شرعا ، وكذا استصحاب موضوع [مثل حياة زيد] لم يكن له حكم ثبوتا [أي قبل موت أبيه] أو كان ولم يكن حكمه فعليّا ، وله حكم كذلك بقاء [مثل كونه وارثا لأبيه] وذلك لصدق نقض اليقين بالشكّ على رفع اليد عنه والعمل كما إذا قطع بارتفاعه يقينا ، ووضوح عدم دخل أثر الحالة السابقة ثبوتا فيه (١).

وهذا كلام متين لا شبهة فيه لنظارة أدلّة الاستصحاب إلى البقاء كما لا يخفى.

__________________

(١) كفاية الاصول ٢ : ٣٣٢ ـ ٣٣٣.

٢٧٣
٢٧٤

التنبيه الحادى عشر

في مجهولى التاريخ

لا إشكال في جريان الاستصحاب فيما إذا كان الشكّ في أصل تحقّق حكم أو موضوع ، وأمّا إذا كان الشكّ في تقدّمه وتأخّره ـ بعد القطع بتحقّقه وحدوثه في زمان ـ مثل يوم الجمعة ، فالكلام فيه تارة يقع فيما إذا لوحظ التأخّر والتقدّم بالنسبة إلى أجزاء الزمان ، واخرى فيما إذا لوحظ بالنسبة إلى حادث آخر ، فهنا مقامان :

أمّا المقام الأوّل فلا إشكال فيه في جريان استصحاب عدم تحقّقه في الزمان الأوّل ـ أي يوم الخميس مثلا ـ إلى زمان العلم بالتحقّق فتترتّب آثار عدم التحقّق حينئذ ، كما إذا علمنا بوجود زيد يوم الجمعة وشككنا في حدوثه يوم الخميس أو يوم الجمعة ، فيجري الاستصحاب وتترتّب آثار العدم إلى يوم الجمعة ، لكن لا يثبت بهذا الاستصحاب تأخّر وجوده عن يوم الخميس إن كان لعنوان التأخّر أثر ، فإنّ التأخّر عن يوم الخميس لازم عقلي لعدم الحدوث يوم الخميس ، فإثباته باستصحاب عدم الحدوث يوم الخميس متوقّف على القول بالأصل المثبت ، وكذا لا يثبت به الحدوث يوم الجمعة ، فإنّ الحدوث أمر بسيط ، وهو الوجود المسبوق بالعدم ، فإثبات الحدوث يوم الجمعة

٢٧٥

باستصحاب عدم الحدوث يوم الخميس متوقّف على القول بالأصل المثبت.

نعم ، لو كان الحدوث مركّبا من أمرين ـ أي الوجود يوم الجمعة ـ مثلا ـ وعدم الوجود يوم الخميس ـ لترتّبت آثار الحدوث بالاستصحاب المذكور ؛ لكون أحد الجزءين محرزا بالوجدان ، وهو الوجود يوم الجمعة ، والجزء الآخر بالأصل ، وهو عدم الوجود يوم الخميس ، لكنّه خلاف الواقع ، فإنّه أمر بسيط كما قلنا.

وأمّا المقام الثاني وهو ما إذا كان الشكّ في تقدّم حادث وتأخّره بالنسبة إلى حادث آخر ، كما إذا علم بعروض حكمين ـ أي وجوب صلاة الجمعة وحرمتها مثلا ـ أو موت متوارثين وشكّ في المتقدّم والمتأخّر منهما فإن كانا مجهولي التاريخ ، فتارة يكون الأثر الشرعي مترتّبا على وجود أحدهما بنحو خاصّ من التقدّم أو التأخّر أو التقارن لا للآخر ولا له بنحو آخر ، مثلا : تقدّم موت الوالد الكافر على موت الولد المسلم يكون موضوعا للإرث ، لا أصل تحقّق موته ولا تأخّره ولا تقارنه ، لا تقدّم موت الولد ؛ لكون والده ممنوع عن الإرث لكفره ، وهذا الوجود الخاصّ قد يكون موضوعا للأثر بنحو كان التامّة ـ أي تقدّم موت الوالد على موت الولد ـ وقد يكون بنحو كان الناقصة.

واخرى يكون الأثر الشرعي مترتّبا على وجودهما بنحو خاصّ منها ، مثلا : تقدّم موت الوالد يكون موضوعا لإرث الولد ، وتقدّم موت الولد يكون موضوعا لإرث الوالد ، وفي صورة تحقّق الأثر لوجود أحدهما قد يتحقّق لكلّ نحو من أنحاء وجوداته الثلاثة أثر خاصّ.

كان أمّا إذا كان الأثر الشرعي لوجود أحدهما بنحو خاصّ منها بنحو التامّة ، مثل : تقدّم موت الوالد على موت الولد ، فيكون جريان استصحاب

٢٧٦

عدم التقدّم بلا معارض فينتفي الأثر الشرعي المترتّب على التقدّم.

وأمّا إذا كان الأثر لكلّ من أنحاء وجوده بنحو كان التامّة فلا مجال لاستصحاب العدم في واحد ؛ للمعارضة باستصحاب العدم في آخر لتحقّق أركانه في كلّ منها ، مع أنّا نعلم إجمالا ببطلان أحد الاستصحابات ؛ إذ لا يمكن نفي تقدّم هذا الحادث وتقارنه وتأخّره بالنسبة إلى الحادث الآخر.

وهكذا إذا كان الأثر لوجود كلّ من الحادثين بنحو خاصّ ، فلا مجال لاستصحاب العدم.

وأمّا إذا كان الأثر لتقدّم أحد الحادثين وتأخّره دون تقارنه مع الحادث الآخر فلا مانع من جريان استصحاب تقدّمه وتأخّره معا ؛ إذ لا يتحقّق العلم الإجمالي بكذب أحد الاستصحابين.

وأمّا إذا كان الأثر لتقدّم أحد الحادثين وتقارن الآخر فيجري كلا الاستصحابين وينفى تقدّم الحادث الأوّل وتقارن الحادث الثاني ، فيستفاد تقدّم الحادث الثاني مثلا.

فالمعيار لعدم جريان الاستصحاب وجريانه في مجهولي التاريخ تحقّق العلم الإجمالي بالكذب أو العلم بعدم قابليّة الاجتماع في الخارج ، وعدمه.

وأمّا إن كان الأثر مترتّبا على ما إذا كان متّصفا بالتقدم أو بأحد ضدّيه الذي كان مفاد كان الناقصة ، مثل قولنا كان موت الوالد المفروض تحقّقه متقدّما على موت الولد موضوعا للأثر الشرعي ، فلا مورد هاهنا للاستصحاب ؛ لعدم اليقين السابق فيه بلا ارتياب ؛ إذ اليقين بأنّ موت زيد كان متّصفا بالتقدّم ، أو غير متّصف به لا يمكن تحقّقه حتّى يجري استصحاب العدم أو الوجود ، إلّا على القول بصحّة جريان استصحاب العدم في القضيّة السالبة

٢٧٧

بانتفاء الموضوع ، كقولنا : ليس موت الوالد متقدّما على موت الولد قبل تحقّق الحادثة وعدم الموت ، ونستصحب بعد تحقّق الموضوع ـ أي الموت ـ وزمان الشكّ في التقدّم والتأخّر عدم التقدّم السابق الآن.

كما قال صاحب الكفاية رحمه‌الله في باب العامّ والخاصّ بجريان استصحاب عدم قرشية المرأة على هذا الأساس ، لكنّه في ما نحن فيه عدل عن هذا المبنى واختار عدم جريانه في مفاد كان الناقصة والقضيّة السالبة بانتفاء الموضوع ؛ لعدم صدق اتّحاد القضيّة المتيقّنة والمشكوكة ، كما هو التحقيق.

هذا كلّه بالنسبة إلى الأثر المترتّب على وجود خاصّ لأحد الحادثين أو كليهما.

وأمّا إذا كان الأثر الشرعي لعدم أحد الحادثين في زمان وجود الآخر ، وكان العدم موضوعا للأثر بنحو مفاد ليس الناقصة الذي يعبّر عنه بالعدم النعتي كقولنا : ليس موت الوالد متّصفا بالتقدّم على موت الولد ، فلا يجري الاستصحاب فيه ؛ لفقدان الحالة السابقة المتيقّنة ، وإن كان بنحو مفاد ليس التامّة الذي يعبّر عنه بالعدم المحمولي ، وحينئذ قد يكون عدم كلّ من الحادثين موضوعا لأثر في زمان حدوث الآخر ، وقد يكون عدم أحدهما موضوعا للأثر ، فإن كان عدم كليهما موضوعا للأثر فلا يجري استصحاب العدم أصلا ؛ لتحقّق التعارض بين الاستصحابين والتساقط عند الشيخ الأنصاري رحمه‌الله ، وعدم تماميّة أركان الاستصحاب عند صاحب الكفاية رحمه‌الله.

وأمّا إن كان عدم أحدهما موضوعا للأثر في زمان وجود الآخر فيجري الاستصحاب ؛ لعدم المعارضة عند الشيخ رحمه‌الله ، ولا يجري ؛ لعدم تماميّة الأركان عند صاحب الكفايةرحمه‌الله.

٢٧٨

وأمثلته كثيرة :

منها : ما لو علمنا بكرّيّة الماء القليل وملاقاته النجس ، وشككنا في تقدّم الكرّيّة على الملاقاة وتأخّرها عنها ، وما هو موضوع للأثر الشرعي عبارة عن عدم الكرّيّة في زمان الملاقاة من الانفعال والنجاسة ، ولا أثر لعدم الملاقاة في زمان الكرّيّة.

ومنها : ما لو علمنا بموت الوالد واسلام الولد ، وشككنا في تقدّم موت الوالد على إسلام الولد وتأخّره عنه ، ويترتّب الأثر على عدم إسلام الولد إلى زمان موت الوالد ، وهو عدم إرثه منه ، ولا أثر لعدم موت الوالد إلى زمان إسلام الولد.

ففي مثل هذه الأمثلة يجري الاستصحاب على مسلك الشيخ رحمه‌الله في أحد الطرفين لعدم المعارض ؛ لعدم الأثر للاستصحاب في الطرف الآخر.

ولا يجري الاستصحاب على مذهب صاحب الكفاية رحمه‌الله وتوضيح كلامه يحتاج إلى بيان مقدّمتين :

الاولى : المعتبر في الاستصحاب اتّصال زمان الشكّ باليقين ، بمعنى أن لا يتخلّل بين اليقين المتعلّق بشىء وبين الشكّ في بقائه يقين آخر مضادّ له ، فإنّه مع تخلّل اليقين المضادّ لا يعقل الشكّ في البقاء ؛ لعدم صدق نقض اليقين بالشكّ بالنسبة إلى اليقين الأوّل ، بل يصدق نقض اليقين باليقين ، فالمقصود من زمان اليقين والشكّ هو زمان المتيقّن والمشكوك لا زمان نفس صفة اليقين والشكّ.

الثانية أنّه مرّ في باب العامّ والخاصّ أنّ التمسّك بالعامّ في شبهة مصداقيّة المخصّص ليس بجائز عند أكثر المحقّقين ، بخلاف بعض ، مثل صاحب العروة رحمه‌الله ، وأمّا التمسّك بالدليل في شبهة مصداقيّة نفس الدليل فلا شكّ في عدم جوازه ؛

٢٧٩

لعدم إمكان إثبات شبهة مصداقيّة الدليل بنفس الدليل ، فإن شككنا في صدق نقض اليقين بالشكّ وعدمه في مورد لا يجوز التمسّك بقوله : «لا تنقض اليقين بالشكّ» لإحرازه ، فإنّه أيضا من قبيل التمسّك بالدليل في شبهة مصداقيّته.

إذا عرفت ذلك فنقول : لا بدّ لنا من فرض أزمنة ثلاثة : زمان اليقين بعدم حدوث كلا الحادثين ، وزمان حدوث أحدهما بلا تعيين ، وزمان حدوث الآخر كذلك ، فنفرض أنّ الماء كان قليلا بدون الملاقاة والكرّيّة في يوم الخميس ، فعدم الكرّيّة وعدم الملاقاة كلاهما متيقّن يوم الخميس ، وعلمنا بحدوث أحدهما لا بعينه يوم الجمعة ، وبحدوث الآخر يوم السبت ، ولا ندري أنّ الحادث يوم الجمعة ، هي الملاقاة حتّى ينفعل الماء ، أو الكرّيّة حتّى لا ينفعل ؛ إذ الملاقاة بعد الكرّيّة لا توجب الانفعال ، فإن لوحظ الشكّ في حدوث كلّ من الحادثين بالنسبة إلى عمود الزمان يكون زمان الشكّ متّصلا بزمان اليقين ، فإنّ زمان اليقين بالعدم يوم الخميس ، وزمان الشكّ في حدوث كلّ واحد من الحادثين يوم الجمعة ، وهما متّصلان ، فلا مانع من جريان استصحاب عدم الكرّيّة يوم الجمعة.

إلّا أنّه لا أثر لهذا الاستصحاب ، فلا بدّ من جريان استصحاب عدم الكرّيّة في زمان حدوث الملاقاة ، وزمان حدوث الملاقاة مردّد بين الجمعة والسبت ، فإن كان حدوثها يوم الجمعة فزمان الشكّ متّصل بزمان اليقين ، وإن كان يوم السبت فزمان الشكّ غير متّصل بزمان اليقين ؛ لأنّ زمان اليقين يوم الخميس على الفرض ، وزمان الشكّ يوم السبت ، فيوم الجمعة فاصل بين زمان اليقين وزمان الشكّ ؛ إذ معناه تحقّق الكرّيّة يوم الجمعة ، فإن كان كذلك انتقض اليقين بعدم الكرّيّة ، ومع احتمال انفصال زمان الشكّ عن زمان اليقين لا مجال للتمسّك

٢٨٠