دراسات في الأصول - ج ٤

السيد صمد علي الموسوي

دراسات في الأصول - ج ٤

المؤلف:

السيد صمد علي الموسوي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات مركز فقه الأئمة الأطهار عليهم السلام
المطبعة: ياران
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-7709-95-8
ISBN الدورة:
978-964-7709-96-5

الصفحات: ٤٨٠

الشكّ بالاستصحاب.

ثالثا : أنّه قال بجريان الاستصحاب في القسم الثاني من الحكم الكلّي ومثّل بقوله : «الماء المتغيّر نجس» بخلاف القسم الثالث الذي نسمّيه بالاستصحاب التعليقي ، مثل : قوله : «العنب المغلي يحرم» مع أنّه لا فرق بين هاتين العبارتين ، فما الدليل على تحقّق الحكم الكلّي في الأوّل وجواز استصحابه وعدم تحقّقه في الثاني وعدم جواز استصحابه؟

ومبنى الشيخ الأنصارى رحمه‌الله هو إنكار الواجب المشروط وإرجاع جميع القيود إلى المادّة والموضوع دون الهيئة ، ومعنى قوله : «إن جاءك زيد فأكرمه» عبارة عن «أكرم زيدا الجائي» فلا يبقى مجال لاستصحاب الحكم التعليقي عنده هاهنا.

ولذلك عدل عن الاستصحاب التعليقي فيما نحن فيه إلى جريان الاستصحاب التنجيزي بأنّ الغليان حال العنبيّة كان سببا للحرمة ، فالاستصحاب بقاء السببيّة حال الزبيبيّة أيضا أو بقاء الملازمة بين الغليان والحرمة حال الزبيبيّة ، وهذه السببيّة متحقّقة بالفعل من دون التعليق ؛ لأنّها مستفادة من حكم الشارع بأنّ العصير العنبي يحرم إذا غلى ، فيستفاد أنّ الزبيب بعد الغليان يصير نجسا وحراما (١).

والتحقيق : أنّ الأقوال في الأحكام الوضعيّة ثلاثة :

الأوّل : عدم كونها قابلة للجعل ، لا بالأصالة والاستقلال ولا بالتبع ، كما قال به المحقّق النائيني رحمه‌الله.

الثاني : كونها قابلة للجعل الاستقلالي ، مثل : أن يقول الشارع : «جعلت

__________________

(١) فوائد الاصول ٢ : ٧٧٠.

٢٢١

البيع سببا للملكيّة» و«جعلت النكاح سببا للزوجيّة» ، وهذا المعنى يستفاد من قوله تعالى (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) كما قال به استاذنا السيّد الإمام رحمه‌الله ، وهو الحقّ عندي.

الثالث : كونها قابلة للجعل التبعي لا الاستقلالي ؛ لكونها منتزعة من الأحكام التكليفيّة ، كما قال به الشيخ الأنصاري رحمه‌الله.

أمّا على مبنى المحقّق النائيني رحمه‌الله فلا تكون السببيّة قابلة للاستصحاب ؛ إذ لا بدّ وأن يكون المستصحب حكما شرعيّا أو موضوعا للحكم الشرعي والسببيّة ليست كذلك ، وأمّا على المبنى التحقيق فلا مانع من استصحاب السببيّة الشرعيّة ؛ لترتّب المسبّب عند وجود السبب وإن كان ترتّب المسبّب عند وجود السبب أمرا عقليّا ، ومثبتا ، إلّا أنّه قد ذكرنا فيما تقدّم أنّ المستصحب إن كان المجعول الشرعي فتترتّب عليه الآثار العقليّة كما يترتّب على استصحاب وجوب صلاة الجمعة حكم العقل بوجوب الإطاعة.

وأمّا على مبنى الشيخ رحمه‌الله فلا معنى ـ بعد الالتزام بكون الأحكام الوضعيّة منتزعة من الأحكام التكليفيّة ـ للالتزام بعدم جريان الاستصحاب في منشأ الانتزاع وهو التكليف ، وجريان الاستصحاب في الأمر الانتزاعي وهو السببيّة ؛ إذ المفروض في المقام عدم تحقّق التكليف الفعلي حتّى تنتزع منه السببيّة.

واستشكل المحقّق النائيني وبعض الأعلام قدس‌سرهم على الشيخ رحمه‌الله وذكروا بأنّه لا يمكن جريان الاستصحاب في السببيّة ولو قيل بأنّها من المجعولات المستقلّة ؛ وذلك لأنّ الشكّ في بقاء السببيّة إن كان في بقائها في مرحلة الجعل لاحتمال النسخ فلا إشكال في جريان استصحاب عدم النسخ فيه ، ولكنّه خارج عن

٢٢٢

محلّ الكلام ، وإن كان في بقائها بالنسبة إلى مرتبة الفعليّة فلم تتحقّق السببيّة الفعليّة بعد حتّى نشكّ في بقائها ؛ لأنّ السببيّة الفعليّة هي بعد تماميّة الموضوع بأجزائه ، والمفروض في المقام عدم تحقّق بعض أجزائه وهو الغليان (١).

وأجاب عنه استاذنا السيّد الإمام رحمه‌الله بأنّ الشكّ ليس في بقاء الملازمة والسببيّة بين تمام الموضوع والحكم ؛ ضرورة عدم الشكّ في حرمة العصير العنبي المغلي ، وإنّما الشكّ في العصير الزبيبي ، وليس منشؤه الشكّ في نسخ الحكم الأوّل ، بل في أنّ سببيّة الغليان للحرمة هل هي مجعولة بنحو تدور مدار العنبيّة أم لا؟ وفي مثله لا يكون الشكّ في النسخ ، ولعمري إنّ هذا بمكان من الوضوح ، تدبّر (٢).

حال معارضة الاستصحاب التعليقي مع التنجيزي

إن بنينا على جريان الاستصحاب التعليقي في نفسه فهل يعارضه الاستصحاب التنجيزى ، فيسقطان بالمعارضة أم لا؟ ربما يقال بالمعارضة فلا ثمرة للقول بجريان الاستصحاب التعليقي ؛ لتحقّقها دائما.

بيان المعارضة : أنّ مقتضى الاستصحاب التعليقي في مسألة الزبيب ـ مثلا ـ هو الحرمة الفعليّة بعد الغليان ، ولكن مقتضى الاستصحاب التنجيزي الحلّيّة ، فإنّه كان حلالا قبل الغليان ونشكّ في بقاء حليّته بعده ، فمقتضى الاستصحاب بقاؤها فيقع التعارض بين الاستصحابين فيسقطان.

وأجاب عنه الشيخ الأعظم رحمه‌الله بحكومة الاستصحاب التعليقي على

__________________

(١) فوائد الاصول ٤ : ٤٧٢ ، مصباح الاصول ٣ : ١٣٩.

(٢) الاستصحاب : ١٣٧.

٢٢٣

الاستصحاب التنجيزي (١) ، ولم يذكر وجهها ولذا وقع الكلام فيها ، فقال المحقّق الخراساني رحمه‌الله في «تعليقته» ما محصّله :

إن الشكّ في الإباحة بعد الغليان مسبّب عن الشكّ في حرمته المعلّقة قبله ، فاستصحاب حرمته كذلك المستلزم لنفي إباحته بعد الغليان يكون حاكما على استصحاب الحلّيّة والترتّب وإن كان عقليّا ، لكن الأثر العقلي المترتّب على الأعمّ من الحكم الواقعي والظاهري يترتّب على المستصحب ، فيكون استصحاب الحرمة حاكما عليه بهذه الملاحظة.

وبالجملة ، أنّ استصحاب الحرمة التعليقيّة تترتّب عليه الحرمة الفعليّة بعد الغليان وينفي الإباحة بعده ، لأنّ نفي الإباحة لازم عقلي للحكم بالحرمة الفعليّة ، أعمّ من أن تكون واقعيّة أو ظاهريّة ، فيرتفع المسبّبي (٢).

وما ذكره في الكفاية أنّه : إن قلت : نعم ـ أي سلّمنا جريان الاستصحاب التعليقي في نفسه ـ ولكنّه لا مجال لاستصحاب المعلّق ؛ لمعارضته باستصحاب ضدّه المطلق ، فيعارض استصحاب الحرمة المعلّقة للعصير باستصحاب حلّيّته المطلقة.

قلت : لا يكاد يضرّ استصحابه على نحو كان قبل عروض الحالة التي شكّ في بقاء الحكم المعلّق بعده ؛ ضرورة أنّه ـ أي الحكم بالحلّيّة ـ كان مغيّا بعدم ما علّق عليه المعلّق ، أي الغليان ؛ فمفاد قوله : «العنب إذا غلى يحرم» أنّ الحلّيّة مغيّاة بالغليان ، والحرمة معلّقة بالغليان ، ولا منافاة بينهما ، وما كان كذلك ـ أي إذا كانت الحلّيّة مغيّاة ـ لا يكاد يضرّ ثبوته ـ أي الحكم بالحلّيّة بعده ـ أي بعد

__________________

(١) فرائد الاصول ٢ : ٧٧٠.

(٢) حاشية الآخوند على الرسائل : ٢٠٨ ـ ٢٠٩.

٢٢٤

عروض الحالة ـ بالقطع فضلا عن الاستصحاب ؛ لعدم المضادّة بينهما ـ أي الحرمة التعليقيّة والحلّيّة المغيّاة ـ فيكونان بعد عروضها بالاستصحاب كما كانا معا بالقطع قبله بلا منافاة أصلا.

وقضيّة ذلك ـ أي مقتضى عدم تعارض الاستصحابين ـ انتفاء حكم المطلق أي الحلّيّة بمجرّد ثبوت ما علّق عليه المعلّق أي الحرمة ، فالغليان في المثال كما كان شرطا للحرمة كان غاية للحلّيّة ، فإذا شكّ في حرمته المعلّقة بعد عروض حالة عليه شكّ في حلّيّته المغيّاة أيضا ، فيكون الشكّ في حلّيّته أو حرمته فعلا بعد عروضها متّحدا خارجا مع الشكّ في بقائه على ما كان عليه من الحلّيّة والحرمة بنحو كانتا عليه ، فقضيّة استصحاب حرمته المعلّقة بعد عروضها الملازم لاستصحاب حلّيّته المغيّاة حرمته فعلا بعد غليانه وانتفاء حلّيّته ؛ فإنّه قضيّة نحو ثبوتهما كان بدليلهما أو بدليل الاستصحاب كما لا يخفى بأدنى التفات على ذوى الألباب ، فالتفت ولا تغفل (١).

وقال في حاشية له في ذيل هذه العبارة : «كيلا تقول في مقام التفصّي عن إشكال المعارضة : إنّ الشكّ في الحلّيّة فعلا بعد الغليان يكون مسبّبا عن الشكّ في الحرمة المعلّقة».

فالظاهر من كلامه صدرا وذيلا إنكار السببيّة والمسببيّة رأسا ، فما ذكره الإمام رحمه‌الله ، من إرجاع ما ذكره في الكفاية إلى ما التزم به في الحاشية من السببيّة والمسببيّة (٢) بعيد جدّا.

وكان لبعض الأعلام رحمه‌الله بيان آخر بالنسبة إلى كلام صاحب الكفاية رحمه‌الله

__________________

(١) كفاية الاصول ٢ : ٣٢٢ ـ ٣٢٣.

(٢) الاستصحاب : ١٤٠.

٢٢٥

وبيانه بتوضيح منّا : أنّ الحلّيّة الثابتة للزبيب قبل الغليان غير قابلة للبقاء ، ولا يجري فيها الاستصحاب ؛ لوجود أصل حاكم عليه ، وذلك لأنّ الحلّيّة في العنب كانت مغيّاة بالغليان ؛ إذ الحرمة فيه كانت معلّقة على الغليان ، ويستحيل اجتماع الحلّيّة المطلقة مع الحرمة على تقدير الغليان كما هو واضح.

وأمّا الحلّيّة في الزبيب فهي وإن كانت متيقّنة إلّا أنّها مردّدة بين أنّها هل هي الحلّيّة التي كانت ثابتة للعنب بعينها حتّى تكون مغيّاة بالغليان أو أنّها حادثة للزبيب بعنوانه ، فتكون باقية ولو بالاستصحاب؟ والأصل عدم حدوث حلّيّة جديدة وبقاء الحلّيّة السابقة المغيّاة بالغليان ، وهي ترتفع به فلا تكون قابلة للاستصحاب ، فالمعارضة المتوهّمة غير تامّة.

ونظير ذلك ما ذكرناه في بحث استصحاب الكلّي من أنّه إذا كان المكلّف محدثا بالحدث الأصغر ورأى بللا مردّدا بين البول والمني فتوضّأ ، لم يمكن جريان استصحاب كلّي الحدث ؛ لوجود أصل حاكم عليه ، وهو أصالة عدم حدوث الجنابة وأصالة عدم تبدّل الحدث الأصغر بالحدث الأكبر ، والمقام من هذا القبيل بعينه (١).

والتحقيق : أنّه ليس في كلام صاحب الكفاية رحمه‌الله من أصالة عدم حدوث الحلّيّة الجديدة أثر ولا خبر ، وقد لاحظناه بدقّة بل حاصل كلامه : أنّ الشكّ في حرمة الزبيب وحلّيّته بعد الغليان هو الشكّ في بقاء الحرمة المعلّقة والحلّيّة المغيّاة ، ويمكن جريان استصحابهما ، ونتيجة جريانهما أنّ الزبيب بعد الغليان يكون محرّما بالحرمة الفعليّة ، وإن كان هذا لازما عقليّا إلّا أنّ ترتّبه على الأعم من الظاهري الواقعي لا إشكال فيه ، فتترتّب على استصحاب الحرمة التعليقيّة

__________________

(١) مصباح الاصول ٣ : ١٤٢.

٢٢٦

الحرمة الفعليّة بعد الغليان ، بلا فرق بين إثبات الحرمة التعليقيّة بالدليل أو بالاستصحاب ، فلا تعارض بين الاستصحابين حتّى تصل النوبة إلى بحث الحاكم والمحكوم أو السبب والمسبّب.

والجواب عن المعارضة الدائميّة بين الاستصحاب التعليقي والاستصحاب التنجيزي إمّا بعدم المنافاة بينهما كما ذكره صاحب الكفاية رحمه‌الله ، وإمّا بحكومة استصحاب الحرمة التعليقيّة على استصحاب الحلّيّة التنجيزيّة ؛ لتحقّق السببيّة والمسببيّة بينهما ، كما التزم به الشيخ الأعظم رحمه‌الله واختاره المحقّق النائيني رحمه‌الله والمحقّق الخراساني رحمه‌الله في الحاشية.

ويمكن أن يقال : إنّ تقدّم الاستصحاب الجاري في السبب على الاستصحاب الجاري في المسبّب لا إشكال فيه ، كما في مثل تطهير اليد المتنجّسة بالماء المشكوك الكرّيّة ، ويتحقّق هنا بالنظر البدوي استصحابان : استصحاب بقاء الكرّيّة في الماء ، واستصحاب بقاء النجاسة في اليد ، ولكن بعد دقّة النظر نلاحظ أنّ الأوّل حاكم على الثاني ، فإن بعد جريان استصحاب بقاء كرّيّة هذا الماء تصير نتيجته في الحقيقة صغرى للكبرى الشرعيّة ، وهو أنّ كلّ شيء متنجّس طهّر بماء الكرّ يكون طاهرا ، فهذه اليد تكون طاهرة وهذه الكبرى معارضة مع استصحاب بقاء النجاسة في اليد ، وبعد انطباق هذه الكبرى لا يبقى الشكّ في عدم بقاء النجاسة في اليد ، فجريان الأصل في السبب يزيل الشكّ في المسبّب شرعا وتعبّدا ، فيعتبر في تقدّم الأصل السببي على الأصل المسبّبي أن يكون الحكم في الشكّ المسبّبي من الآثار الشرعيّة للأصل السببي ، كما أنّ طهارة اليد من الآثار الشرعيّة لطهارة الماء.

لكن لا يتحقّق هذا المعنى في المقام ، فإنّ الشكّ في بقاء الحلّيّة التنجيزيّة

٢٢٧

للزبيب وإن كان مسبّبا عن الشكّ في بقاء الحرمة التعليقيّة له ، إلّا أنّ جريان استصحاب الحرمة التعليقيّة بعنوان الأصل السببي لا يوجب حرمة الزبيب بعد الغليان شرعا وتعبّدا ، فإنّها ليست من الآثار الشرعيّة لجعل الحرمة للعنب على تقدير الغليان مطلقا ، بلا اختصاص لها بحال كونه عنبا ، بل هي من اللوازم العقليّة ، فلا مجال للحكومة ، فيبقى التعارض بحاله(١).

وقال استاذنا السيّد الإمام رحمه‌الله : «والتحقيق في المقام أن يقال : إنّ استصحاب الحرمة التعليقيّة حاكم على استصحاب الإباحة كسائر الحكومات ؛ لأنّ شرط حكومة أصل آخر ـ كما أشرنا إليه ـ أمران : أحدهما : كون أحد الشكّين مسبّبا عن الآخر.

الثاني : أن يكون جريان الأصل في السبب رافعا للشكّ عن المسبّب تعبّدا ، فاستصحاب كرّيّة الماء يكون حكمه طهارة الثوب المغسول به بحسب الكبرى الشرعيّة من «أنّ الكرّ مطهّر» ، فيرفع الشكّ في أنّ الثوب طاهر أو لا ؛ لأنّ الشكّ في الطهارة والنجاسة متقوّم بطرفي الترديد ، فإذا وقع التعبّد بالبناء على أحد طرفي الترديد يرفع الشكّ قهرا.

وإن شئت قلت : إنّ الشكّ في الطهارة والنجاسة شكّ واحد وحالة ترديديّة واحدة يكون أحد طرفيها الطهارة والآخر النجاسة ، فإن قيست هذه الحالة الترديديّة بالنسبة إلى وجود الطهارة وعدمها تكون شكّا في الطهارة وعدمها ، وبالنسبة إلى وجود النجاسة وعدمها تكون شكّا في النجاسة وعدمها.

وإن قيست بالنسبة إلى الطهارة والنجاسة تكون شكّا فيهما ، فلا تكون في النفس إلّا حالة واحدة ترديديّة ، يكون أحد طرفيها الطهارة والآخر النجاسة ،

__________________

(١) مصباح الاصول ٣ : ١٤١.

٢٢٨

فإذا كان مفاد أصل هو الطهارة بلسان الأصل السببي يكون رافعا للشكّ المتقوّم بطرفي الترديد ، فيصير حاكما على الأصل المسبّبي.

وما نحن فيه يكون الحال كذلك ؛ لأنّ الشكّ في بقاء الإباحة الفعليّة للعصير الزبيبي المغلي مسبّب عن بقاء القضيّة الشرعيّة التعليقيّة بالنسبة إلى الزبيب قبل غليانه ، ولمّا كان التعليق شرعيّا تكون فعليّة الحرمة مع فعليّة الغليان بحكم الشرع ، كما أشرنا إليه سابقا ، فترتّب الحرمة على العصير المغلي ليس بعقلي ، بل شرعي ، فحينئذ يكون استصحاب الحرمة التعليقيّة حاكما ؛ لأنّ الحرمة متحقّقة بالفعل عند الغليان ، ومترتّبة على الغليان الفعلي ، فيرفع الشكّ في الحرمة والاباحة الفعليّتين ؛ لأنّ الشكّ في الحرمة والإباحة متقوّم بطرفي الترديد ، فإذا كان لسان جريان الأصل في السبب هو التعبّد بحرمة المغلي يرفع الترديد بين الحرمة والحلّيّة ، فيصير الأصل السببي حاكما على المسبّبي (١).

والحاصل : أنّه يترتّب بحكم الشرع على استصحاب الحرمة التعليقيّة الشرعيّة حرمة فعليّة شرعيّة بعد الغليان ، كأنّ الشارع حكم بأنّ الزبيب بعد الغليان حرام ، فلا مجال هنا لاستصحاب الحلّيّة المطلقة.

ثمّ قال استاذنا السيّد الإمام رحمه‌الله : وإن شئت قلت : إنّ استصحاب الحرمة على تقدير الغليان جار قبل حصوله ، فيتعبّد لأجله ببقاء المستصحب ، وهو الحرمة على تقدير غليان عصير الزبيب ـ مثلا ـ وهذا الحكم التعليقي قبل الغليان وإن كان ثابتا لعصير الزبيب الذي شكّ في حكمه لكن لسان المستصحب هو حرمة العصير على فرض الغليان لا حرمة المغلي المشكوك فيه ، فإذا حصل الغليان يكون لسان الدليل الاجتهادي المستصحب بضميمة الوجدان هو حرمة

__________________

(١) الاستصحاب : ١٤٣ ـ ١٤٥.

٢٢٩

المغلي ، لا المغلي المشكوك فيه ، واستصحاب الحلّيّة المنجّزة متقوّم بالشكّ ، فيكون لسانه إثبات الحلّيّة للمغلي المشكوك فيه بما هو كذلك ، ولا ريب في تقديم الأوّل على الثاني وحكومته عليه ، لأنه بإثبات الحرمة لذات المغلي يرفع الشكّ الذي هو موضوع استصحاب الحلّيّة ، فالاستصحاب الأوّل يجري قبل الغليان ، وبعد الغليان يكون المستصحب ـ أي الحكم التعليقي الذي يصير فعليّا متعلّقا بذات الموضوع ورافعا للشكّ ، فلا يبقى مجال لاستصحاب الحلّيّة التنجيزيّة (١).

والتحقيق : أنّ بيان الإمام رحمه‌الله في مقام الجواب عن المعارضة بيان دقيق لحكومة استصحاب الحرمة التعليقيّة على استصحاب الحلّيّة المطلقة ، إلّا أنّه صرّح بأنّ الحرمة التعليقيّة قبل تحقّق المعلّق عليه شرعيّة ، وهكذا الحرمة الفعليّة بعد تحقّق المعلّق عليه ، وهكذا ترتّبها عليها.

وهو لا يخلو عن مناقشة بأنّه كما أنّ الملازمة بين وجوب ذى المقدّمة ووجوب المقدّمة في باب مقدّمة الواجب تكون عقليّة ، كذلك لا يبعد أن يكون ترتّب الحرمة الفعليّة الشرعيّة بعد المعلّق عليه على الحرمة التعليقيّة الشرعيّة عقليّة ، ولكنّه لا يوجب الخلل في أصل غرضه من رفع الشكّ عن المسبّب تعبّدا بجريان الاستصحاب في السبب.

أمّا ما ذكره صاحب الكفاية رحمه‌الله من ارتباط الاستصحاب التنجيزي بالحلّيّة المغيّاة فهو أجنبي عن مراد المستشكل ، فإنّ مراده من الاستصحاب التنجيزي عبارة عن الحلّيّة المطلقة ، ويقول : إنّ الزبيب قبل الغليان حلال قطعا بالحلّيّة المطلقة ، وبعد الغليان نشكّ في بقائها وزوالها فنجري استصحاب بقاء الحلّيّة.

__________________

(١) الاستصحاب : ١٤٥ ـ ١٤٦.

٢٣٠

وبيان بعض الأعلام بعنوان الجواب عنه وإن لم ينطبق على كلام صاحب الكفاية كما ذكرناه ، ولكن يمكن جعله مؤيّدا لما ذكرناه في المقام ، وحاصله : أنّ بعد تبدّل العنب بالزبيب نسلّم أنّه حلال يقينا ولكن نشكّ في أنّ هذه الحلّيّة حلّيّة جديدة أو حلّيّة حال العنبيّة؟ وبأصالة عدم تحقّق حكم جديد له ينفى استصحاب الحلّيّة بعد الغليان ، فلا مجال له أصلا ، فلا مانع من جريان الاستصحاب التعليقى.

٢٣١
٢٣٢

التنبيه السادس

في استصحاب عدم النسخ

والمعروف صحّة جريان الاستصحاب عند الشكّ فيه ، بل عدّه المحدّث الأسترآبادي من الضروريّات ، ولكنّه قد استشكل فيه بإشكالين : الأوّل مشترك بين الاستصحاب في أحكام هذه الشريعة المقدّسة وبين الاستصحاب في أحكام الشرائع السابقة ، فلو تمّ لكان مانعا عن جريان الاستصحاب في المقامين.

الثاني مختصّ باستصحاب أحكام الشرائع السابقة.

أمّا الإشكال الأوّل فهو : أنّه يعتبر في الاستصحاب وحدة القضيّة المتيقّنة والمشكوكة ، كما مرّ مرارا ، والمقام ليس كذلك ؛ لتعدّد الموضوع في القضيّتين فإنّ من ثبت في حقّه الحكم يقينا قد انعدم ، والمكلّف الموجود الشاكّ في النسخ لم يعلم ثبوت الحكم في حقّه من الأوّل ، فالشكّ بالنسبة إليه شكّ في ثبوت التكليف لا في بقائه بعد العلم بثبوته ليكون موردا للاستصحاب ، فيكون إثبات الحكم له إسراء حكم من موضوع إلى موضوع آخر.

وهذا الإشكال يجري في أحكام هذه الشريعة أيضا ، فإنّ من علم بوجوب صلاة الجمعة عليه هو الذي كان موجودا في زمان الحضور ، وأمّا المعدوم في

٢٣٣

زمان الحضور فهو شاكّ في ثبوت وجوب صلاة الجمعة عليه من الأوّل.

وقد أجاب الشيخ الأنصاري رحمه‌الله عن هذا الإشكال بجوابين :

الأوّل : أنّا نفرض الشخص الواحد مدركا للشريعتين ، فإذا حرم في حقّه شيء سابقا وشكّ في بقاء الحرمة في الشريعة اللاحقة فلا مانع من الاستصحاب أصلا وفرض انقراض جميع أهل الشريعة السابقة عند تجدّد اللاحقة نادر ، بل غير واقع.

الثاني : أنّ اختلاف الأشخاص لا يمنع من الاستصحاب ، وإلّا لم يجر استصحاب عدم النسخ.

وحلّه : أنّ المستصحب هو الحكم الكلّي الثابت للجماعة على وجه لا مدخل لأشخاصهم فيه ، فإنّ الشريعة اللاحقة لا تحدث عند انقراض أهل الشريعة الاولى ؛ إذ لو فرض وجود اللاحقين في السابق عمّهم الحكم قطعا ، غاية الأمر احتمال مدخليّة بعض أوصافهم المعتبرة في موضوع الحكم ، ومثل هذا لو أثّر في الاستصحاب لقدح في أكثر الاستصحابات ، بل في جميع موارد الشكّ من غير جهة الرافع (١).

وقال صاحب الكفاية رحمه‌الله في مقام الجواب عن الإشكال : «بأنّ الحكم الثابت في الشريعة السابقة حيث كان ثابتا لأفراد المكلّف كانت محقّقة وجودا أو مقدّرة كما هو قضيّة القضايا المتعارفة المتداولة ، وهي قضايا حقيقيّة ، لا خصوص الأفراد الخارجيّة كما هو قضيّة القضايا الخارجيّة».

ثمّ قال : «يمكن إرجاع ما أفاده شيخنا العلّامة ـ أعلى الله في الجنان مقامه ـ في الذبّ عن إشكال تغاير الموضوع في هذا الاستصحاب من الوجه الثاني إلى

__________________

(١) فوائد الاصول ٢ : ٧٧١ ـ ٧٧٢.

٢٣٤

ما ذكرنا ، لا ما يوهمه ظاهر كلامه من أنّ الحكم ثابت للكلّي كما أنّ الملكيّة له في مثل باب الزكاة والوقف العامّ حيث لا مدخل للأشخاص فيها ؛ ضرورة أنّ التكليف والبعث والزجر لا يكاد يتعلّق به من حيث أنّه كلّي ، بل لا بدّ من تعلّقه بالأشخاص ، وكذلك الثواب والعقاب المترتّب على الطاعة والمعصية ، وكان غرضه من عدم دخل الأشخاص عدم أشخاص خاصّة ، فافهم» (١).

وقال استاذنا السيّد الإمام رحمه‌الله «هاهنا شبهة اخرى ، وهى : أنّه من الممكن أن يكون المأخوذ في موضوع الحكم الثابت في الشرائع السابقة عنوان على نحو القضيّة الحقيقيّة ، لا ينطبق ذلك العنوان على الموجودين في عصرنا كما لو اخذ عنوان اليهود والنصارى ، فإنّ القضيّة وإن كانت حقيقيّة لكن لا ينطبق عنوان موضوعها على غير مصاديقه ، ففي قوله تعالى : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما)(٢) ، إلى آخره كانت القضيّة حقيقيّة ، لكن إذا شكّ المسلمون في بقاء حكمها لهم لا يجري الاستصحاب ، كما لو ثبت حكم للفقراء وشكّ الأغنياء في ثبوته لهم لا يمكن إثباته لهم بالاستصحاب ، وهذا واضح جدّا» (٣).

وكان لبعض الأعلام رحمه‌الله أيضا نظير هذا الإشكال فإنّه قال : «إنّ النسخ في الأحكام الشرعيّة إنّما هو بمعنى الدفع وبيان أمد الحكم ؛ لأنّ النسخ بمعنى رفع الحكم الثابت مستلزم للبداء المستحيل في حقّه سبحانه وتعالى.

وقد ذكرنا غير مرّة أنّ الاهمال بحسب الواقع ومقام الثبوت غير معقول ، فإمّا أن يجعل المولى حكمه بلا تقييد بزمان ويعتبره إلى الأبد ، وإمّا أن يجعله

__________________

(١) كفاية الاصول ٢ : ٣٢٣ ـ ٣٢٥.

(٢) الأنعام : ١٤٦.

(٣) الاستصحاب : ١٤٨.

٢٣٥

ممتدّا إلى وقت معيّن ، وعليه فالشكّ في النسخ شكّ في سعة المجعول وضيقه من جهة احتمال اختصاصه بالموجودين في زمان الحضور.

وكذا الكلام في أحكام الشرائع السابقة ، فإنّ الشكّ في نسخها شكّ في ثبوت التكليف بالنسبة إلى المعدومين ، لا شكّ في بقائه بعد العلم بثبوته ، فإنّ احتمال البداء مستحيل في حقّه تعالى ، فلا مجال حينئذ لجريان الاستصحاب».

ثمّ قال : «وتوهّم أنّ جعل الأحكام على نحو القضايا الحقيقيّة ينافي اختصاصها بالموجودين مدفوع بأنّ جعل الأحكام على نحو القضايا الحقيقيّة معناه عدم دخل خصوصيّة الأفراد في ثبوت الحكم ، لا عدم اختصاص الحكم بحصّة دون حصّة ، فإذا شككنا في أنّ المحرّم هو الخمر مطلقا أو خصوص الخمر المأخوذ من العنب كان الشكّ في حرمة الخمر المأخوذ من غير العنب شكّا في ثبوت التكليف ، ولا مجال لجريان الاستصحاب معه.

والمقام من هذا القبيل ، فإنّا نشكّ في أنّ التكليف مجعول لجميع المكلّفين أو هو مختصّ بمدركي زمان الحضور ، فيكون احتمال التكليف بالنسبة إلى غير المدركين شكّا في ثبوت التكليف لا في بقائه».

ثمّ قال : «فالتحقيق : أنّ هذا الإشكال لا دافع له ، وأنّ استصحاب عدم النسخ ممّا لا أساس له ، فإن كان لدليل الحكم عموم أو إطلاق يستفاد منه استمرار الحكم فهو المتّبع وإلّا فإن دلّ دليل من الخارج على استمرار الحكم ـ كقوله عليه‌السلام : «حلال محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله حلال إلى يوم القيامة ، وحرامه حرام إلى يوم القيامة» ـ فيؤخذ به ، وإلّا فلا يمكن إثبات الاستمرار باستصحاب عدم النسخ (١).

__________________

(١) مصباح الاصول ٣ : ١٤٨ ـ ١٤٩.

٢٣٦

وجوابه : سلّمنا أنّ النسخ في الحقيقة دفع ، وهو عبارة عن انتهاء أمد الحكم ، لا أنّه رفع استمرار الحكم ، وسلّمنا أنّه لا مجال لاستصحاب أحكام الشرائع السابقة في زماننا هذا ، ولكن يمكن جريان استصحاب عدم النسخ في الشريعة المقدّسة ويتصوّر هذا على قسمين:

الأوّل : لو فرضنا أنّ شخصا أدرك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعاش في زمانه ـ مثلا ـ وعمل بالأحكام الشرعيّة ، ثمّ سافر إلى بلاد بعيدة ، وحصل له الشكّ بعد مدّة في أنّ حكم كذا الذي كان مورد عمله إلى الآن هل انتهى أمده أم لا؟ ومعلوم أنّه لا ملجأ له سوى استصحاب عدم النسخ.

الثاني : أنّ حكم كذا ومفاد آية كذا التي يكون عنوانها «الذين آمنوا» ولم يصرّح من حيث الدليل بتوقيته ، إن شككنا في زماننا هذا في انتهاء أمده ونسخه في زمان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأيّ مانع يمنع من استصحاب عدم نسخه؟ فالظاهر أنّه لا مانع من جريان استصحاب عدم النسخ في شريعتنا ، كما أنّه عند الشيخ والمحقّق الخراساني قدس‌سرهما وسائر المحقّقين مفروغ عنه.

وأمّا الإشكال الثاني على استصحاب عدم النسخ المختصّ باستصحاب أحكام الشرائع السابقة ، فهو ما يستفاد من كلام المحقّق النائيني رحمه‌الله من أنّ تبدّل الشريعة السابقة بالشريعة اللاحقة إن كان بمعنى نسخ جميع أحكام الشريعة السابقة ـ بحيث لو كان حكم في الشريعة اللاحقة موافقا لما في الشريعة السابقة لكان الحكم المجعول في الشريعة اللاحقة مماثلا للحكم المجعول في الشريعة السابقة لا بقاء له ـ فيكون مثل إباحة شرب الماء الذي هو ثابت في جميع الشرائع مجعولا في كلّ شريعة مستقلّا ، غاية الأمر أنّها أحكام متماثلة ، فعدم جريان الاستصحاب عند الشكّ في النسخ واضح ؛ للقطع بارتفاع جميع أحكام

٢٣٧

الشريعة السابقة ، فلا يبقى مجال للاستصحاب. وإن كان تبدّل الشريعة بمعنى نسخ بعض أحكامها لا جميعها فبقاء الحكم الذي كان في الشريعة السابقة وإن كان محتملا إلّا أنّه يحتاج إلى الإمضاء في الشريعة اللاحقة ، ولا يمكن إثبات الإمضاء باستصحاب عدم النسخ إلّا على القول بالأصل المثبت (١).

وجوابه : أنّ نسخ جميع أحكام الشريعة السابقة وإن كان مانعا عن جريان استصحاب عدم النسخ إلّا أنّ الالتزام به بلا موجب ، فإنّه لا داعي إلى جعل إباحة شرب الماء ـ مثلا ـ في الشريعة اللاحقة مماثلة للإباحة التي كانت في الشريعة السابقة ، والنبوّة ليست ملازمة للجعل ، فإنّ النبيّ هو المبلّغ للأحكام الإلهيّة.

وأمّا ما ذكره من أنّ بقاء حكم الشريعة السابقة يحتاج إلى الإمضاء في الشريعة اللاحقة فهو صحيح ، إلّا أنّ نفس أدلّة الاستصحاب كافية في إثبات الإمضاء ، وليس التمسّك به من التمسّك بالأصل المثبت ، فإنّ الأصل المثبت فيها إنّما هو إذا وقع التعبّد بما هو خارج عن مفاد الاستصحاب.

وفي المقام نفس دليل الاستصحاب دليل على الإمضاء ، فكما لو ورد دليل خاصّ على وجوب البناء على بقاء أحكام الشريعة السابقة إلّا فيما علم النسخ فيه يجب التعبّد به ، فيحكم بالبقاء في غير ما علم نسخه ، ويكون هذا الدليل الخاصّ دليلا على الإمضاء.

فكذا في المقام أدلّة الاستصحاب تدلّ على وجوب البناء على البقاء في كلّ متيقّن شكّ في بقائه ، سواء كان من أحكام الشريعة السابقة أو من أحكام هذه الشريعة المقدّسة أو من الموضوعات الخارجيّة ، فلا إشكال في

__________________

(١) فوائد الاصول ٤ : ٤٨٠.

٢٣٨

استصحاب عدم النسخ من هذه الجهة. والعمدة في منعه ما ذكرناه.

وأمّا ما قيل في وجه المنع ـ من أنّ العلم الإجمالي بنسخ كثير من الأحكام مانع عن التمسّك باستصحاب عدم النسخ ـ فهو مدفوع بأنّ محلّ الكلام إنّما هو بعد انحلال العلم الإجمالي بالظفر بعدّة من موارد النسخ التي يمكن انطباق المعلوم بالإجمال عليها ، فتكون الشبهة فيما عدا ذلك بدويّة ، ويجري فيها الاستصحاب بلا مزاحم (١).

والإشكال من ناحية العلم الإجمالي غير مختصّ بالمقام فقد استشكل به في موارد ، منها : العمل بالعامّ مع العلم الإجمالي بالتخصيص ، ومنها : العمل بأصالة البراءة مع العلم الإجمالي بتكاليف كثيرة ، ومنها المقام.

والجواب في الجميع هو ما ذكرناه من أنّ محلّ الكلام بعد الانحلال.

__________________

(١) كفاية الاصول ٢ : ٣٢٤.

٢٣٩
٢٤٠