دراسات في الأصول - ج ٣

السيد صمد علي الموسوي

دراسات في الأصول - ج ٣

المؤلف:

السيد صمد علي الموسوي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات مركز فقه الأئمة الأطهار عليهم السلام
المطبعة: ياران
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-7709-94-1
ISBN الدورة:
978-964-7709-96-5

الصفحات: ٥٤٣

لا تتحقّق بدونها.

وبالجملة ، فالأمر الإرشادي ليس بحيث لم يكن مستعملا في المعنى الحقيقي لهيئة الأمر ، بل الظاهر كونه كالأمر المولوي مستعملا في البعث والتحريك ، فإذا كان الحكم التكليفي مختصّا بحال الذكر لكانت الجزئيّة أيضا مختصّة به ، من غير فرق بين كون الدليل بلسان الأمر المولوي أو يكون بلسان الأمر الإرشادي.

وأمّا الجواب الثاني فيرد عليه ؛ أوّلا : ما عرفت سابقا من أنّه لا فرق فيما لو كان المخصّص عقليّا بين كون ذلك الحكم العقلي من العقليّات الضروريّة ، أو من العقليّات التي لا ينتقل الذهن إليها إلّا بعد الالتفات والتأمّل في المبادئ الموجبة له ، فإنّ في كلتا الصورتين يكون المخصّص كالقرينة المختصّة بالكلام مانعا من انعقاد الظهور.

وثانيا : أنّه لو سلّم ذلك في العقليّات الغير الضروريّة وأنّها من قبيل القرائن المنفصلة المانعة من حجّيّة الظهور لا من أصله ، فنقول : إنّ ما ذكره من التفصيل بين حجّيّة ظهور الأوامر في الإطلاق بالنسبة إلى الحكم التكليفي وبين حجّيّتها فيه بالنسبة إلى الحكم الوضعي إذا كان منتزعا من الحكم التكليفي وتابعا له يكون في السعة والضيق مثله ، ولا يمكن أن يكون الحكم التكليفي مختصّا بحال الذكر ، والحكم الوضعي المستفاد منه مطلقا وشاملا لحال الذكر وعدمه ؛ إذ ليس الظهوران ـ وهما الظهور في الإطلاق بالنسبة إلى الحكم التكليفي ، والظهور فيه بالنسبة إلى الحكم الوضعي ـ في عرض واحد حتّى لا يكون رفع اليد عن أحدهما مستلزما لرفع اليد عن الآخر ، بل الظهور الثاني في طول الظهور الأوّل ، ولا مجال لحجّيّته مع رفع اليد عنه.

٤٨١

وأمّا الجواب الثالث فيرد عليه : أنّ استفادة الملاك والمصلحة إنّما هو بملاحظة تعلّق الأمر ، بناء على ما ذكره العدليّة من أنّ الأوامر الواقعيّة تابعة للمصالح النفس الأمرية ، وإلّا فمع قطع النظر عن تعلّق الأمر لا سبيل لنا إلى استفادة المصلحة أصلا.

وحينئذ فنقول : بعد ما ثبت كون إطلاق الهيئة مقيّدا بحال الذكر لا مجال لاستفادة الملاك والمصلحة مطلقا حتّى في غير حال الذكر ، وتعلّق الأمر بالسجود ـ مثلا ـ إنّما يكشف عن كونه ذا مصلحة بالمقدار الذي ثبت كونه مأمورا به ، ولا مجال لاستفادة كونه ذا مصلحة حتّى إذا لم يكن مأمورا به ، كما في حال النسيان على ما هو المفروض بعد كون هذه الاستفادة مبتنية على مذهب العدليّة ، وهو لا يقتضي ذلك إلّا في موارد ثبوت الأمر ، كما هو واضح.

فالإنصاف أنّ هذا الجواب كسابقيه ممّا لا يدفع به الإيراد ولا ينهض للجواب عن القول بالتفصيل ، بل لا محيص عن هذا القول بناء على مذهبهم من انحلال الخطابات الكلّيّة بعدد المكلّفين وعدم إمكان كون الناسي مكلّفا ؛ لعدم شمول إطلاق الهيئة له ، وأمّا بناء على ما حقّقناه تبعا لاستاذنا السيّد الإمام رحمه‌الله من عدم انحلال الخطابات حسب تعدّد المخاطبين ، فلا مانع من كونه مكلّفا كالجاهل وغير القادر وغيرهما من المكلّفين المعذورين ، وحينئذ فلا يبقى فرق بين كون الأدلّة المتضمّنة لبيان الأجزاء بلسان الوضع أو بلسان الأمر ، كما لا يخفى.

فيستفاد من الدليل إطلاق الجزئيّة ولا تصل النوبة إلى الأصل الموافق أو المخالف.

٤٨٢

المقام الثاني : فيما يقتضيه الأصل الشرعي في النقيصة السهويّة

اعلم أنّ مورد البحث في هذا المقام ما إذا كان للدليل المثبت للجزئيّة إطلاق يشمل حال النسيان أيضا ، بحث لو لم يكن مثل حديث الرفع (١) في البين لكنّا نحكم بعدم الاكتفاء بالمركّب الناقص المأتي به في حال النسيان ؛ لكونه فاقدا للجزء المعتبر فيه مطلقا ، غاية الأمر أنّ محلّ البحث هنا : أنّه هل يمكن تقييد إطلاقات أدلّة الأجزاء بمثل حديث الرفع المشتمل على رفع النسيان حتّى يكون مقتضاه اختصاص الجزئيّة بحال الذكر وكون المركّب الناقص مصداقا للمأمور به أم لا؟ ولا يخفى أنّه لا بدّ في إثبات أجزاء المركّب الناقص أوّلا من الالتزام بكون حديث الرفع قابلا لتقييد إطلاقات أدلّة الأجزاء ، وثانيا من إثبات كون الباقي مصداقا للمأمور به ؛ لأنّه تمامه. وتنقيحه ليظهر ما هو الحقّ يتمّ برسم امور :

الأوّل : أنّك قد عرفت في إحدى مقدّمات الأقلّ والأكثر في الأجزاء أنّ المركّبات الاعتباريّة عبارة عن الأشياء المتخالفة الحقائق ، غاية الأمر أنّه لوحظ كونها شيئا واحدا وأمرا فاردا لترتّب غرض واحد على مجموعها ، وعرفت أيضا أنّ الأمر المتعلّق بالمركّب الاعتباري أمر واحد ، غاية الأمر يدعو إلى كلّ واحد من الأجزاء بعين دعوته إلى المركّب ؛ لأنّها هو بعينه ، ولا تغاير بينهما إلّا بالاعتبار ، ولا تتوقّف دعوته إلى جزء على كون الجزء الآخر أيضا مدعوّا ، بل دعوته إلى كلّ واحد من الأجزاء في عرض دعوته إلى الآخر ، ولا تكون مرتبطة بها ، كما لا يخفى.

الثاني : أنّ تقييد إطلاقات أدلّة الأجزاء بمثل حديث الرفع يكون مرجعه

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٦٩ ، الباب ٥٦ من أبواب جهاد النفس ، الحديث ١.

٤٨٣

إلى أنّ الإرادة الاستعماليّة في تلك الأدلّة وإن كانت مطلقة شاملة لحال النسيان أيضا ، إلّا أنّ حديث الرفع يكشف عن قصر الإرادة على غير حال النسيان ، وليس معنى رفع الجزئيّة فيه أنّ الجزئيّة المطلقة المطابقة للإرادة الجدّيّة صارت مرفوعة في حال النسيان ، فإنّ ذلك من قبيل النسخ المستحيل ، بل معنى الرفع هو رفع ما ثبت بالقانون العامّ الكلّي المطابق للإرادة الاستعماليّة ، وضمّ ذلك القانون إلى حديث الرفع ينتج أنّ الإرادة الجديّة من أوّل الأمر كانت مقصورة على غير صورة النسيان ، وهذا هو الشأن في جميع الأدلّة الثانويّة بالقياس إلى الأدلّة الأوّليّة.

فنفي الحكم الحرجي بقوله تعالى : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)(١) مرجعه إلى كون ذلك كاشفا عن انحصار مقتضى الأدلة الأوّليّة بغير صورة الحرج.

غاية الأمر أنّها ألقت بصورة الإطلاق قانونا ، كما هو كذلك في القوانين الموضوعة عند العقلاء ، وقد تقدّم في مباحث العموم والخصوص شطر من الكلام على ذلك وأنّ معنى التخصيص يرجع إلى التخصيص بالنسبة إلى الإرادة الاستعماليّة لا الجدّيّة ، فإنّها من أوّل الأمر لم تكن متعلّقة بما يشمل مورد المخصّص أيضا ، كما لا يخفى. وحديث الرفع يرفع الجزئيّة الثابتة على طبق الإرادة الاستعماليّة والحكم الكلّي القانوني ، لا الثابتة على طبق الإرادة الجديّة.

الثالث : أنّ معنى رفع النسيان ليس راجعا إلى رفع النسيان التي هي صفة منقدحة في النفس ، ولا إلى رفع الآثار المترتّبة عليها ، بل معناه هو رفع المنسي

__________________

(١) الحجّ : ٧٨.

٤٨٤

بما له من الآثار المترتّبة عليه ، فقد وقع في ذلك ادّعاءان :

أحدهما : أنّ المنسي هو ما تعلّق به النسيان ـ أي الجزء كالسورة ـ كما أنّ معنى الخطأ هو ما أخطئوا ، وهكذا.

وفيه : ـ مضافا إلى عدم ذكر كلمة «ما» في هذه الفقرة مع ذكرها في كثير من الفقرات ـ أنّه إذا تحقّق مانع نسيانا ـ والمفروض أنّ وجود المانع أمر اختياري ناش عن الالتفات والتوجّه ، ولا يعقل صدوره عن الغفلة ـ ، فلا محالة يكون متعلّق النسيان هو كونه مشتغلا بالعبادة وأنّه في حال الصلاة ، فالمرفوع هو اشتغاله بالصلاة ، ومعناه بطلان الصلاة ، مع أنّ حديث الرفع في مقام الامتنان والتسهيل على العباد ، لا في مقام التضييق وبيان المبطلات ، فهذا الاحتمال يكون قابلا للانطباق في باب الأجزاء والشرائط بخلاف باب الموانع.

ثانيهما : أن يكون المقصود منه ما صار النسيان سببا ومنشأ له ، وهو قد يكون ترك الجزء أو الشرط ، وقد يكون وجود المانع ، ومعنى رفعه أنّه لم يتحقّق ولم يوجد في عالم التشريع ، وهذا المعنى موافق للتحقيق وقابل للالتزام.

الرابع : أنّ النسيان المتعلّق بشيء الموجب لعدم تحقّقه في الخارج ، هل هو متعلّق بنفس طبيعة ذلك الشيء من غير مدخليّة الوجود أو العدم ، أو يتعلّق بوجود تلك الطبيعة أو يتعلّق بعدمها؟ وجوه ، والظاهر هو الأوّل ، فإنّ الموجب لعدم تحقّق الطبيعة في الخارج هو الغفلة والذهول عن نفس الطبيعة ، لا الغفلة عن وجودها ، كيف والمفروض أنّه لم يوجد حتّى يتعلّق بوجوده النسيان؟ ولا الغفلة عن عدمها ، كيف ولا يعقل أن تصير الغفلة عن العدم موجبا له؟

إذا تمهّدت لك هذه الامور تعرف أنّ مقايسة حديث الرفع المشتمل على رفع النسيان مع الأدلّة الأوّليّة المطلقة الدالّة على جزئيّة الجزء المنسي مطلقا

٤٨٥

يقتضى كون المركّب الناقص المأتي به في حال النسيان تمام المأمور به ؛ لأنّ المفروض كونه معنونا بعنوان الصلاة التي هي متعلّق الأمر ، وقد عرفت أنّ الأمر الذي يدعو إليها داع إلى جميع أجزائها ، ولا تتوقّف دعوته إلى جزء على كون الجزء الآخر أيضا مدعوّا.

وقد عرفت أيضا أنّ مقتضى حديث الرفع تقييد تلك الأدلّة بحال الذكر وكون السورة المنسيّة ـ مثلا ـ معتبرة في الصلاة في خصوص هذا الحال ، فالصلاة الفاقدة للسورة المنسية تمام المأمور به بالأمر المتعلّق بطبيعة الصلاة المشتركة بين التامّ والناقص.

ومن جميع ما ذكرنا ينقدح الخلل فيما أفاده العلمان النائيني (١) والعراقي رحمهما‌الله في هذا المقام في بيان عدم دلالة الحديث على رفع الجزئيّة في حال النسيان.

ومحصّل ما أفاده العراقي يرجع إلى وجوه ثلاثة :

أحدها : أنّ الحديث على تقدير كون المرفوع فيه هو المنسي لا يمكن التمسّك به لإثبات الاجتزاء بالمأتي به في حال النسيان ؛ لأنّ أثر وجود الجزء لا يكون إلّا الصحّة لا الجزئيّة ؛ لأنّها من آثار طبيعة الجزء لا من آثار وجود الجزء المنسي ، ورفع الصحّة يقتضي البطلان ووجوب الإعادة.

وثانيها : أنّه إن اريد برفع الجزئيّة والشرطيّة رفعهما عن الجزء والشرط المنسيّين في مقام الدخل في الملاك والمصلحة فلا شبهة في أنّ هذا الدخل أمر تكويني غير قابل لأن يتعلّق به الرفع التشريعي.

وإن اريد رفعهما بلحاظ انتزاعهما عن التكليف الضمني المتعلّق بالجزء والتقيّد بالشرط ، فيرد عليه ما تقدّم من اختصاص الرفع في الحديث برفع

__________________

(١) فوائد الاصول ٤ : ٢٢٣ ـ ٢٢٨.

٤٨٦

ما لولاه يكون قابلا للثبوت تكليفا أو وضعا ، وعدم شموله للتكاليف المتعلّقة بالمنسي في حال النسيان ؛ لارتفاعها بمحض تعلّق النسيان بملاك استحالة التكليف بما لا يطاق.

ثالثها : أنّه على تقدير تسليم دلالة الحديث فغاية ما يقتضيه إنّما هو رفع إبقاء الأمر الفعلي والجزئيّة الفعليّة عن الجزء المنسي في حال النسيان الملازم بمقتضى ارتباطيّة التكليف لسقوط الأمر الفعلي عن البقية أيضا ما دام النسيان ، وأمّا اقتضاؤه لسقوط المنسي عن الجزئيّة والشرطيّة في حال النسيان لطبيعة الصلاة المأمور بها رأسا على نحو يستتبع تحديد دائرة الطبيعة في حال النسيان بالبقية ويقتضي الأمر بإتيانها فلا ؛ بداهة خروج ذلك عن عهدة حديث الرفع ، لعدم تكفّل الحديث لإثبات الوضع والتكليف ؛ لأنّ شأنه إنّما هو التكفّل للرفع محضا (١) ، انتهى ملخّصا.

ويرد على الوجه الأوّل : ما عرفت من أنّ المرفوع في باب الأجزاء هو المنسي ، وهو طبيعة الأجزاء مع قطع النظر عن الوجود والعدم. ومعنى رفع الطبيعة هو رفع الأثر الشرعي المترتّب عليها وهي الجزئيّة ، وليس المنسي هو وجود الطبيعة حتّى يقال : إنّ أثر وجود الجزء هي الصحّة لا الجزئيّة.

هذا ، مضافا إلى أنّه يمكن منع ذلك أيضا ، فإنّ أثر الجزء الموجود أيضا هي الجزئيّة لا الصحّة ؛ لأنّها من الآثار العقليّة المنتزعة عن مطابقة المأتي به مع المأمور به ، وأمّا الأثر الشرعي فليس إلّا الجزئيّة ، كما لا يخفى.

ويرد على الوجه الثاني : أنّ ما ذكره في الشقّ الثاني من الترديد مخالف لما حقّقه سابقا من عدم الفرق في إطلاق أدلّة الأجزاء وشمولها لحال النسيان بين

__________________

(١) نهاية الأفكار ٣ : ٤٢٨ ـ ٤٢٩.

٤٨٧

كونها بلسان الوضع أو بلسان الأمر بالتقريب المتقدّم في كلامه وإن كان هذا التقريب محلّ نظر من وجوه ، كما عرفت.

ويرد على الوجه الثالث : ما حقّقناه من الامور المتقدّمة التي نتيجتها أنّ حديث الرفع كالاستثناء بالنسبة إلى الأدلّة الأوّليّة الدالّة على الأجزاء حيث إنّه يخصّصها ويقيّدها بحال الذكر ، ولازم ذلك كون المأمور به في حقّ الناسي هي الطبيعة المنطبقة على الناقصة ، ومع الإتيان بالمأمور به لا معنى لعدم الإجزاء ، كما هو واضح.

فانقدح من جميع ما ذكرنا : أنّ مقتضى الأصل الشرعي كالأصل العقلي هو الاجتزاء بالمركّب الناقص وعدم لزوم الإعادة ، سواء كان النسيان مستوعبا للوقت أم لم يكن.

وقد عرفت أيضا : أنّ قياس المقام بما إذا لم يأت بالمأمور به رأسا في النسيان الغير المستوعب ، حيث إنّه يجب الإتيان به بعد زوال النسيان قطعا ، قياس مع الفارق ؛ لأنّ في المقام قد أتى بما هو المأمور به واقعا ، غاية الأمر أنّ دائرته محدودة في حال النسيان بالبقية ، وهذا بخلاف ما إذا لم يأت به أصلا ، فإنّه لم يأت بشيء حتّى نحكم بالإجزاء ، كما هو واضح.

المقام الثالث : في حال الزيادة العمديّة أو السهويّة

وليعلم أنّ تحقّق زيادة الجزء في المأمور به بما هو مأمور به ممّا لا يتصوّر بنظر العقل ، وليست الزيادة كالنقيصة ؛ لأنّك قد عرفت سابقا أنّ الجزئيّة إنّما تنتزع من تعلّق أمر واحد بالمجموع المركّب من عدّة أشياء ملحوظة أمرا واحدا ، كما أنّ منشأ انتزاع الكلّيّة أيضا هذا المعنى ؛ لأنّ الكلّيّة والجزئيّة من الامور المتضايفة التي لا يعقل تحقّق واحد منهما بدون الآخر.

٤٨٨

وحينئذ فنقول في تصوير وقوع الزيادة في الأجزاء : إنّ معنى نقيصة الجزء عبارة عن عدم كون المركّب الواقع في الخارج واجدا له ، وأمّا معنى زيادته فلا تتحقّق إلّا بكون الزائد أيضا جزء للمأمور به ، ومع كونه جزء له أيضا ، كما هو المفروض لا تتحقّق الزيادة ، بل المأتي به هو عين المأمور به.

وبالجملة ، فلا يجتمع عنوان الزيادة مع كون الزائد أيضا جزء للمأمور به ؛ لأنّه على تقدير كونه جزء لا يكون زائدا ، وعلى تقدير كونه زائدا لا يكون جزء ، فزيادة الجزء بما هو جزء في المأمور به ممّا لا يتصوّره العقل.

نعم ، يتحقّق عنوان الزيادة بنظر العرف فيما إذا كان الجزء مأخوذا لا بشرط من الزيادة ، وأمّا على تقدير كونه بشرط لا من جهة الزيادة فقد يقال ـ كما قيل ـ بأنّ مرجع الزيادة حينئذ إلى النقيصة ؛ لأنّ الجزء المتّصف بالجزئيّة هي الطبيعة المتقيّدة بقيد الوحدة ، فهي بدونها لا تكون جزء للمركّب ، فهو حينئذ يصير فاقدا للجزء ولا يكون مشتملا على الزيادة.

ولكن لا يخفى أنّ الجزء في هذا الحال أيضا هي ذات الطبيعة ، وقيد الوحدة شرط للجزء ، فإيجاد الطبيعة مرّتين مرجعه إلى إيجاد ذات الجزء كذلك ، فذات الجزء قد زيد وإن كانت هذه الزيادة راجعة إلى النقيصة أيضا من جهة فقدان شرط الجزء ، فالإتيان بالحمد ـ مثلا ـ ثانيا زيادة لذات الجزء وموجبا لنقصان شرطه ، فتحقّقت به الزيادة والنقيصة معا. وحينئذ فلا وجه لما ذكروه من رجوع الزيادة حينئذ إلى النقيصة ، كما عرفت.

كلام المحقّق العراقي في تصوير وقوع الزيادة الحقيقيّة

ثمّ إنّ المحقّق العراقي رحمه‌الله أفاد في تصوير وقوع الزيادة الحقيقيّة في الأجزاء والشرائط كلاما أوضحه بتمهيد امور ثلاثة :

٤٨٩

الأوّل : لا شبهة في أنّه يعتبر في صدق الزيادة الحقيقيّة في الشيء أن يكون الزائد من سنخ المزيد عليه ، وبدونه لا يكاد يصدق هذا العنوان ، ولذا لا يصدق على الدهن الذي اضيف إليه مقدار من الدبس أنّه زاد فيه إلّا على نحو من العناية.

نعم ، الصادق إنّما هو عنوان الزيادة على ما في الظرف بعنوان كونه مظروفا ، لا بعنوان كونه دهنا ، فقوام الزيادة حينئذ في المركّبات إنّما هو بكون الزائد من سنخ ما اعتبر جزء أو شرطا لها. فإذا كان المركّب بنفسه من العناوين. القصديّة كالصلاة ـ مثلا ـ على ما هو التحقيق يحتاج في صدق عنوان الزيادة فيها إلى قصد عنوان الصلاتيّة بالجزء المأتي به أيضا ، وإلّا لا يكون المأتي به حقيقة من سنخ الصلاة ، فلا يصدق عنوان الزيادة.

الثاني : يعتبر أيضا في صدق عنوان الزيادة في الشيء أن يكون المزيد فيه مشتملا على حدّ مخصوص ولو اعتبارا حتّى يصدق بالإضافة إليه عنوان الزيادة وعدمها ، كما في ماء النهر ـ مثلا ـ ، فإنّه لا بدّ في صدق هذا العنوان من أن يفرض للماء حدّ مخصوص ، ككونه بالغا إلى نقطة كذا ليكون الزائد موجبا لانقلاب حدّه الخاصّ إلى حدّ آخر ، وإلّا فبدون ذلك لا يصدق عليه هذا العنوان ، وكذلك الأمر في المركّبات ، ففيها أيضا لا بدّ من اعتبار حدّ خاصّ فيما اعتبر جزء لها في مقام اختراع المركّب.

الثالث : أنّ أخذ الجزء أو الشرط في المركّب في مقام اعتباره واختراعه يتصوّر على وجه ثلاثة :

أحدها : اعتبار كونه جزء أو شرطا على نحو «بشرط لا» من جهة الزيادة في مقام الوجود والتحقّق.

٤٩٠

ثانيها : اعتبار كونه جزء على نحو «لا بشرط» من طرف الزيادة ، على معنى أنّه لو زيد عليه لكان الزائد خارجا عن ماهيّة المركّب باعتبار عدم تعلّق اللحاظ بالزائد في مقام اعتباره جزءا للمركّب ، كما لو فرض أنّه اعتبر في جعل ماهيّة الصلاة الركوع الواحد لا مقيّدا كونه بشرط عدم الزيادة ولا طبيعة الركوع ، فإنّ في مثله يكون الوجود الثاني من الركوع خارجا عن حقيقة الصلاة ؛ لعدم تعلّق اللحاظ في مقام جعل ماهيّة الصلاة.

ثالثها : اعتبار كونه جزءا على نحو «لا بشرط» بنحو لو زيد عليه لكان الزائد أيضا من المركّب ، وداخلا فيه لا خارجا عنه ، كما لو اعتبر في جعل ماهيّة الصلاة طبيعة الركوع في كلّ ركعة منها الجامعة بين الوحدة والمتعدّد.

وبعد ما عرفت ذلك نقول : إنّه على الاعتبار الأوّل لا شبهة في أنّه لا مجال لتصوّر تحقّق الزيادة ، فإنّه من جهة اشتراطه بعدم الزيادة في مقام اعتباره جزءا للمركّب تكون الزيادة فيه موجبة للاخلال بقيده ، فترجع إلى النقيصة.

وكذلك الأمر على الاعتبار الثاني ، فإنّه وإن لم ترجع الزيادة فيه إلى النقيصة ، إلّا أنّ عدم تصوّر الزيادة الحقيقيّة ، إنّما هو لمكان عدم كون الزائد من سنخ المزيد عليه ، فإنّه بعد خروج الوجود الثاني عن دائرة اللحاظ في مقام جعل ماهيّة الصلاة يستحيل اتّصاف الوجود الثاني بالصلاتيّة ، فلا يرتبط حينئذ بالصلاة حتّى يصدق عليه عنوان الزيادة.

وأمّا على الاعتبار الثالث فالظاهر أنّه لا قصور في تصوّر الزيادة الحقيقيّة ، فإنّ المدار في زيادة الشيء في الشيء على ما عرفت إنّما هو بكون الزائد من سنخ المزيد فيه مع كونه موجبا لقلب حدّ إلى حدّ آخر ، وهذا لا فرق فيه بين أن يكون الجزء مأخوذا في مقام الأمر والطلب بشرط لا ، أو على نحو

٤٩١

لا بشرط بالمعنى الأوّل ، أو اللابشرط بالمعنى الثاني.

وذلك على الأوليين ظاهر ، فإنّ الوجود الثاني من طبيعة الجزء ممّا يصدق عليه عنوان الزيادة بالنسبة إلى ما اعتبر في المأمور به من تحديد الجزء بالوجود الواحد ، حيث إنّه بتعلّق الأمر بالصلاة المشتملة على ركوع واحد تتحدّد طبيعة الصلاة بالقياس إلى دائرة المأمور به منها ، بحدّ يكون الوجود حدّا آخر وإن لم يصدق عليه عنوان الزيادة بالنسبة إلى المأمور به بما هو مأمور به ، غاية ما هناك أنّه على الأوّل يكون الوجود الثاني من الزيادات المضرّة بالمأمور به من جهة رجوعه إلى الإخلال به من جهة النقيصة ، بخلافه على الثاني ، فإنّه لا يكون من الزيادات المبطلة وإنّما غايته كونه لغوا.

وكذلك الأمر على الأخير ؛ إذ بانطباق صرف الطبيعي على الوجود الأوّل في الوجودات المتعاقبة تتحدّد دائرة المركّب والمأمور به قهرا بحدّ يكون الوجود الثاني بالقياس إليه من الزيادة في المركّب والمأمور به ، فتأمّل (١). انتهى ملخّصا.

ويرد عليه : أوّلا : أنّ الوجه الثاني من الوجوه الثلاثة المذكورة في كلامه غير قابل للتصوّر ، فإنّه كيف يمكن الجمع بين كون المعتبر في جعل ماهيّة الصلاة الركوع المتّصف بوصف الوحدة وبين كونه على نحو لا بشرط من جهة الزيادة ، فإنّه لو كان قيد الوحدة معتبرا لكان الركوع المعتبر بشرط لا من جهة الزيادة ، فيرجع إلى الوجه الأوّل ، وإن لم يكن كذلك فمرجعه إلى الوجه الثالث ، فلا يكون الوجه الثاني وجها في حيالهما.

على أنّ مقتضى الوجه الثالث ليس كون الزائد أيضا داخلا في المركّب ؛ لأنّه

__________________

(١) نهاية الأفكار ٣ : ٤٣٦ ـ ٤٣٨.

٤٩٢

لو فرض كون المعتبر في المركّب هي طبيعة الركوع بما هي هي لكان مقتضى ذلك هو صيرورة الوجود الأوّل جزءا ، واتّصاف الوجود الثاني بالجزئيّة موقوف على اعتبار شيء آخر مع الطبيعة ، والمفروض عدمه.

وثانيا : أنّ الزيادة التي هي مورد للبحث هي الزيادة في المكتوبة ـ أي المأمور به ـ وحينئذ فلا بدّ من ملاحظة مقام الأمر والطلب ، ومجرّد تصوير الزيادة بناء على الاعتبار الثالث في مقام التحديد والاعتبار لا يجدي بالنسبة إلى مقام الأمر والطلب ، فلو كان في هذا المقام قد اخذ الجزء بشرط لا أو لا بشرط بالمعنى الأوّل لا يمكن تحقّق الزيادة بناء على ما ذكره من عدم تصوّرها في الوجهين الأوّلين.

مضافا إلى أنّه لو كان الأمر مطابقا للاعتبار الثالث الذي تصوّر فيه الزيادة لا يكون أيضا من الزيادة المكتوبة بما أنّها مكتوبة ؛ لأنّ الزائد إن اتّصف بوصف الجزئيّة لا يكون حينئذ زائدا على المكتوبة ؛ وإن لم يتّصف به فلا يكون جزء ، ولا يتحقّق زيادة الجزء بناء على ما ذكره في الأمر الأوّل من أنّه يعتبر في صدق عنوان الزيادة كون الزائد من سنخ المزيد فيه ، كما لا يخفى.

فالإنصاف أنّه لا يمكن تصوّر الزيادة الحقيقيّة أصلا ، بل المتصوّر منها إنّما هي الزيادة بنظر العرف ، هذا بحسب الموضوع.

مقتضى الأصل في الزيادة

وأمّا الحكم المتعلّق بالزيادة فاعلم أنّ الأصل الأوّلي في الزيادة يقتضي عدم بطلان العمل بسببها ، سواء كانت عمديّة أو سهويّة ؛ لأنّ المعتبر في مقام الامتثال كون المأتي به مطابقا للمأمور به ، والبطلان إنّما ينتزع من عدم تطابقه معه ، والمفروض أنّ الزيادة غير دخيلة في المأمور به.

٤٩٣

نعم ، يمكن الشكّ في اعتبار عدمهما في الواجب ، وحينئذ يرجع إلى الشكّ في النقيصة ، وقد مرّ حكمها.

وبالجملة ، فالزيادة بما أنّها زيادة لا توجب الفساد والبطلان بخلاف النقيصة التي عرفت أنّ الأصل الأوّلي فيها هو الفساد والبطلان.

ثمّ إنّه ربّما يتمسّك لصحّة العمل مع الزيادة بالاستصحاب ، وتقريره من وجوه :

أحدها : استصحاب عدم مانعيّة الزيادة وعدم كونها مضادّة للمأمور به ، بتقريب أنّ ماهيّة الزائد قبل تحقّقها في الخارج لم تكن مانعة وقاطعة ، وبعد وجودها فيه نشكّ في اتّصافها بهذا الوصف ، فمقتضى الاستصحاب عدمه ، وأنّ الماهيّة الآن كما كانت قبل وجودها.

هذا ، وقد عرفت فيما سبق غير مرّة أنّ مثل هذا الاستصحاب لا يجري بناء على ما هو التحقيق كاستصحاب عدم قرشيّة المرأة وعدم التذكية في الحيوان ونظائرهما ـ لعدم اتّحاد القضيّة المشكوكة مع القضيّة المتيقّنة ؛ لأنّ القضيّة المتيقّنة هي السالبة الصادقة مع انتفاء الموضوع ، وهي الآن متيقّنة أيضا ، والقضيّة المشكوكة هي السالبة مع وجود الموضوع ، وهي كانت في السابق أيضا مشكوكة ، كما هو واضح.

ثانيها : استصحاب عدم وقوع المانع في الصلاة ؛ لأنّها قبل إيجاد الزيادة لم يقع المانع فيها ، والآن نشكّ بسبب إيجاد الزيادة في وقوعه فيها ، ومقتضى الاستصحاب العدم.

ولو نوقش في هذا الاستصحاب بتقريب أنّ عدم وقوع المانع في الصلاة لا يثبت اتّصاف الصلاة بعدم اشتمالها على المانع ، والأثر إنّما يترتّب على ذلك

٤٩٤

لا على عدم وقوع المانع في الصلاة ، نظير استصحاب العدالة لزيد ، فإنّه لا يثبت الموضوع للحكم الشرعي ، وهو كون زيد عادلا.

فيمكن الجواب عنه : بأنّا نستصحب الصلاة المتقيّدة بعدم وقوع المانع فيها لا مجرّد عدم وقوعه فيها ، كما أنّه يستصحب في المثال كون زيد عادلا ، لا عدالته حتّى يكون الأصل مثبتا.

هذا ، ولكن يرد على هذا التقرير من الاستصحاب أنّه أخصّ من المدّعى ؛ لأنّ مورده ما إذا حدث ما يشكّ في مانعيّته في أثناء الصلاة ، وأمّا لو كان مقارنا لها من أوّل الشروع فيها فلا يجري ؛ لعدم الحالة السابقة المتيقّنة ، كما هو واضح.

ثمّ إنّه قد يقال : بأنّ استصحاب الصلاة المتّصفة بخلوّها عن المانع إنّما يتمّ بناء على أن يكون المانع عبارة عمّا يكون عدمه معتبرا في المأمور به ، وأمّا لو كان المانع عبارة عمّا يكون وجوده مضادّا للمأمور به ومانعا عن تحقّقه ، فلا يتمّ لأنّ استصحاب أحد الضدّين لا يثبت عدم الضدّ الآخر ، وكذا استصحاب عدم المانع لا يثبت وجود الضدّ الآخر الذي هو الصلاة.

ولكن لا يخفى أنّ المضادّة بين الحدث ـ مثلا ـ وبين الصلاة التي هي مركّبة من التكبير والقراءة ونحوهما من الأقوال والأفعال التي هي من الامور التكوينيّة ممّا لا نتصوّرها ؛ لأنّ معنى المضادّة هو كون وجود أحد الضدّين مانعا عن تحقّق الضدّ الآخر كما في الامور التكوينيّة ، فإنّ تحقّق الرطوبة مانع عن تحقّق الإحراق. وهذا المعنى مفقود في مثل المقام ؛ ضرورة أنّ الصلاة يمكن أن تحقّق مع الحدث وبدونه ؛ لأنّها ليست إلّا عبارة عن بعض الأقوال والأفعال التي هي من الامور التكوينيّة ، فعدم تحقّقها مع الحدث لا بدّ وأن

٤٩٥

يكون مستندا إلى ثبوت قيد في الصلاة تمنع تحقّقه معه ، وإلّا مع عدم تقيّدها به لا مجال لعدم تحقّقها معه.

فمانعيّة الحدث ـ مثلا ـ إنّما هي باعتبار كون الصلاة متقيّدة بعدمه ، وإلّا فلا يتصوّر أن يكون مانعا أصلا ، ولا يلزم من ذلك أن يكون العدم مؤثّرا حتّى يقال بأنّ الأعدام لا تكون مؤثّرا ولا متأثّرة ؛ لأنّا لا ندّعي تأثير العدم ، بل نقول : إنّ المأمور به محدود بحدّ لا يتحقّق إلّا مع عدم المانع ، ولا يترتّب عليه الأثر إلّا معه.

ألا ترى أنّه لو أمر المولى بمعجون مركّب من عدّة أجزاء التي من جملتها مقدار خاصّ من السمّ ، بحيث كان الزائد على ذلك المقدار موجبا لعدم تأثير المعجون ، بل مهلكا ، فالزائد على ذلك المقدار مانع عن تحقّقه ، ومرجعه إلى كونه مقيّدا بعدمه ، ومن الواضح أنّ المؤثّر في تحقّق المعجون ليس هو ذلك المقدار مع عدم الزائد ، بل ليس المؤثّر إلّا ذلك المقدار الخاصّ ، والزائد مضادّ لتحقّقه من دون أن يكون عدمه مؤثّرا ، كما هو واضح.

فانقدح أنّه لا ملازمة بين كون دائرة المأمور به مضيّقة ومحدودة بحدّ لا يتحقّق إلّا مع عدم المانع وبين كون عدمه مؤثّرا في تحقّقه ، كما لا يخفى.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّه بناء على كون المانع عبارة عمّا يكون وجوده مضادّا للممنوع ومانعا من تحقّقه ، لا مانع من جريان استصحاب الصلاة ؛ لأنّها متقيّدة بعدمها وهذا المقيّد كان موجودا ، وبعد الإتيان بما يشكّ في مانعيّته نشكّ في بقائه ، والأصل يقتضي البقاء ولا يكون الأصل مثبتا.

ومن هنا يظهر أنّه لا مانع من استصحاب الهيئة الاتّصاليّة مع الشكّ في قاطعيّة الأمر الموجود ؛ إذ مرجع القاطعيّة إلى تقيّد الهيئة الاتّصاليّة بعدم

٤٩٦

القاطع ، وإلّا فلو فرض عدم التقيّد فلا وجه لكونه قاطعا لها ، وحينئذ فيستصحب هذا الأمر المقيّد.

نعم ، بناء على القول بعدم رجوع المانع إلى تقييد في الممنوع بعدمه لا مجال للاستصحاب ؛ لأنّ استصحاب عدم الضدّ لا يثبت وجود الضدّ الآخر ، وكذا العكس.

ثالثها : استصحاب الصحّة التأهّليّة للأجزاء السابقة ، بتقريب أنّ الأجزاء السابقة كانت صحيحة تأهّلا ، وقابلة للحوق الأجزاء الاخرى بها ، وبعد تحقّق ما يشكّ في مانعيّته نشكّ في بقاء صحّتها وقابليّتها ، فمقتضى الاستصحاب بقاؤها.

وأورد على هذا التقرير الشيخ رحمه‌الله في الرسائل بأنّ المستصحب إن كان صحّة مجموع الصلاة فلم تتحقّق بعد ، وإن كان صحّة الأجزاء السابقة فهي غير مجدية ؛ لأنّ صحّة تلك الأجزاء إمّا عبارة عن مطابقتها للأمر المتعلّق بها ، وإمّا ترتّب الأثر عليها ، والمراد بالأمر المترتّب عليها حصول المركّب بها منضمّة مع باقي الأجزاء والشرائط ، ولا يخفى أنّ الصحّة بكلا المعنيين ثابتة للأجزاء السابقة ؛ لأنّها بعد وقوعها مطابقة للأمر المتعلّق بها لا تنقلب عمّا وقعت عليه ، وهي بعد وقوعها على وجه لو انضمّ إليها تمام ما يعتبر في الكلّ حصل الكلّ ، فعدم حصوله لعدم انضمام تمام ما يعتبر في الكلّ إلى تلك الأجزاء لا يخلّ بصحّتها (١). انتهى.

والإنصاف أنّه بيان جيّد وعلمي ولكن يمكن دفعه بأنّه لا دليل على كون إيجاد المانع في الصلاة مانعا عن قابليّة لحوق الأجزاء اللاحقة بالسابقة

__________________

(١) فرائد الاصول ٢ : ٤٨٨.

٤٩٧

من دون أن يكون تأثير في الأجزاء السابقة أيضا ، بل يمكن أن يقال : بأنّ المانع كما يخرج الأجزاء اللاحقة عن اللحوق إلى السابقة ، كذلك يخرج الأجزاء السابقة عن قابليّة اللحوق بها ، فالمانع كالقاطع للحبل الرابط بين أجزاء السبحة يمنع عن القابليّة في جميع الأجزاء.

وحينئذ فمع تحقّق ما يشكّ في مانعيّته لا مانع من استصحاب التأهّليّة الثابتة للأجزاء السابقة قبل وجوده يقينا ، فتدبّر.

فمقتضى الأصل الأوّلي في باب الزيادة عدم البطلان ، وهكذا مقتضى الاستصحاب أيضا أنّ الزيادة لا توجب بطلان المأمور به.

المقام الرابع : فيما تقتضيه القواعد الثانويّة في الزيادة والنقيصة

قد عرفت : أنّ مقتضى الأصل العقلي في باب النقيصة هو البطلان ، وفي باب الزيادة هو العدم ، إلّا أنّه قد ورد في الزيادة في خصوص الصلاة روايات ظاهرة في أنّها توجب الإعادة ، وبإزائها حديث «لا تعاد» الدالّ على أنّ الصلاة لا تعاد من غير الامور الخمسة المذكورة في عقد المستثنى ، فلا بدّ أوّلا من بيان مدلول روايات الزيادة الدالّة على وجوب الإعادة ، ثمّ بيان مدلول حديث «لا تعاد» ثمّ ملاحظة النسبة بينهما ، كلّ ذلك على سبيل الإجمال ، والتفصيل في محلّه.

مقتضى الروايات الواردة في الزيادة

فنقول : إنّ الروايات الواردة في الزيادة كثيرة ، وأشملها من حيث الدلالة رواية أبى بصير ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» (١).

__________________

(١) وسائل الشيعة ٨ : ٢٣١ ، الباب ١٩ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، الحديث ٢.

٤٩٨

ولا يخفى أنّ عنوان الزيادة لا يتحقّق إلّا مع قصد كون الزائد من الصلاة ، وإلّا فبدون ذلك القصد يكون الزائد كالأجنبي ، فاللعب بالأصابع في أثناء الصلاة لا يكون زيادة فيها ، ولا يشترط أن يكون الزائد ركعة لا أقلّ ، كما أنّه لا يعتبر أن يكون من سنخ الصلاة ، بل كلّ ما يؤتى به بعنوان الصلاة ممّا يكون خارجا عنها يكون زيادة فيها ، سواء كان ركعة وجزء أو أمرا خارجا كالتأمين التكفير ونحوهما.

وما أفاده بعض الأعاظم من المعاصرين في كتاب صلاته في وجه عدم دلالة الحديث على زيادة غير الركعة من أنّ الظاهر كون الزيادة في الصلاة من قبيل الزيادة في العمر في قولك : «زاد الله في عمرك» فيكون المقدّر الذي جعلت الصلاة ظرفا له هو الصلاة ، فينحصر المورد بما كان الزائد مقدارا يطلق عليه الصلاة مستقلّا (١).

لا يخلو عن نظر ، بل منع ؛ لأنّ العمر أمر بسيط لا يكون له أجزاء ، ولا يعقل أن يكون الزائد من غيره كالزمان وبعض الزمانيّات وكالماء ونحوه ، وهذا بخلاف المركّب ، فإنّ الزيادة فيه إنّما تتحقّق بإضافة أمر إلى أجزائه وإن لم يكن من سنخها.

ألا ترى أنّه لو أمر المولى بمعجون مركّب من عدّة أجزاء معيّنة ، فزاد عليه العبد شيئا آخر من سنخها أو من غيرها يطلق عليه الزيادة بنظر العرف قطعا.

وبالجملة ، فلا ينبغي الارتياب في أنّ النظر العرفي لا يساعد على ما أفاده رحمه‌الله وأنّ عنوان الزيادة عامّ شامل في المقام لزيادة الركعة وغيرها.

__________________

(١) الصلاة للمحقّق الحائري رحمه‌الله : ٣١٢.

٤٩٩

نعم ، يبقى على ما ذكرنا من اعتبار القصد في تحقّق عنوان الزيادة في الصلاة أنّ ذلك مخالف لظاهر صحيحة زرارة (١) الناهية عن قراءة شيء من سور العزائم في الصلاة المعلّلة بأنّ السجود ـ أي السجود الواجب بسبب قراءة آية السجدة ـ زيادة في المكتوبة ، لأنّها تدلّ على أنّ السجود زيادة ، مع أنّه لم يؤت به بعنوان الصلاة وأنّه منها ، كما هو واضح.

هذا ، ولكن لا بدّ من توجيه الرواية إمّا بكون المراد هو الإلحاق بالزيادة في الحكم المترتّب عليها ، وإمّا بوجه آخر.

وقد تخلّص عن هذا الإشكال المحقّق المتقدّم بأنّ الزيادة عبارة عمّا منع الشارع إيجاده في الصلاة ، فالمرجع في تشخيص موضوعها هو الشرع لا العرف (٢).

ولكن يرد عليه بأنّ ذلك يستلزم جواز إطلاق الزيادة على جميع موانع الصلاة ، كالحدث والاستدبار والتكلّم والقهقهة ونحوها ، مع أنّه لا يعهد من أحد هذا الإطلاق ، كما هو غير خفيّ. هذا فيما يتعلق بأخبار الزيادة.

مقتضى حديث «لا تعاد»

وأمّا حديث «لا تعاد» (٣) فيقع الكلام في مدلوله من جهات :

الاولى : في شموله لحال العمد وعدمه :

فاعلم أنّ شموله لهذا الحال ممّا لا محذور فيه عقلا ، ولا يلزم منه كون أدلّة الأجزاء والشرائط غير الخمسة المذكورة في الحديث ـ أي الطهور ، والوقت ،

__________________

(١) وسائل الشيعة ٦ : ١٠٥ ، الباب ٤٠ من أبواب القراءة في الصلاة ، الحديث ٣١٤.

(٢) الصلاة للمحقّق الحائرى رحمه‌الله : ٣١٤.

(٣) وسائل الشيعة ٧ : ٢٣٤ ، الباب ١ من أبواب قواطع الصلاة ، الحديث ٤.

٥٠٠