دراسات في الأصول - ج ٣

السيد صمد علي الموسوي

دراسات في الأصول - ج ٣

المؤلف:

السيد صمد علي الموسوي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات مركز فقه الأئمة الأطهار عليهم السلام
المطبعة: ياران
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-7709-94-1
ISBN الدورة:
978-964-7709-96-5

الصفحات: ٥٤٣

المقام الأوّل

في تردّد المكلّف به بين أمرين متباينين أو امور متباينة

وقبل الخوض في ذلك لا بدّ من تقديم أمرين :

الأوّل : في ملاك حكم العقل لجريان قاعدة الاشتغال

إنّ تمام الملاك لجريان قاعدة الاشتغال التي يحكم بها العقل هو أن يكون الشكّ في المكلّف به مع العلم بأصل التكليف ، وأن يكون الاحتياط ممكنا ، وإذا تحقّق هذان الأمران يحكم العقل بالاشتغال ووجوب الاحتياط ، بلا فرق بين أن يكون التكليف المعلوم الذي شكّ في متعلّقه تكليفا وجوبيّا أو تحريميّا ، وبلا فرق بين أن يكون التكليف المعلوم هو نوع التكليف ـ كما إذا علم بأنّه مكلّف بتكليف وجوبيّ بعد الزوال من يوم الجمعة وشكّ في أنّ الواجب هل هو صلاة الجمعة أو صلاة الظهر ـ أو جنس التكليف ، كما إذا علم أنّه مكلّف بتكليف إلزامي ، ولكنّه لا يعلم هل هو وجوب هذا أو حرمة ذاك؟

وبلا فرق أيضا بين أن تكون الشبهة موضوعيّة والشكّ مستندا إلى الاشتباه في الامور الخارجيّة ، كما في تردّد الخمر بين الإنائين ، أو كانت الشبهة حكميّة منشؤها فقدان النصّ أو إجماله أو تعارض النّصين.

٣٤١
٣٤٢

الثاني : في إمكان الترخيص في أطراف العلم الإجمالي

إنّ تردّد المكلّف به قد يكون مع العلم الجازم بالتكليف الواقعي الفعلي ، بحيث تعلّقت الإرادة الحتميّة من المولى بذلك ، ففي مثل ذلك لا فرق بين الشبهة المحصورة وغيرها في عدم إمكان الترخيص ولو في بعض الأطراف ؛ ضرورة مناقضة الترخيص ولو كذلك مع الإرادة الجدّيّة الواقعيّة ، ولا يمكن اجتماعهما ، فالمولى إذا أراد حفظ ولده جدّا بحيث لم يرض بقتله أصلا كيف يمكن له حينئذ أن يرخّص في قتل فرد مشتبه ولو كانت الشبهة غير محصورة ، فضلا عمّا إذا كانت الشبهة محصورة ، سيّما إذا رخّص في جميع الأطراف؟!

والحاصل : أنّه لا شكّ في أنّ مع العلم بالتكليف الفعلي الواقعي الناشئ عن الإرادة الجدّيّة الحتميّة لا يعقل الترخيص من المولى أصلا ، فتحرم مخالفته القطعيّة ، كما أنّه يجب موافقته القطعيّة. ولا أظنّ أنّ أحدا يخالف في ذلك ، ومخالفة العلمين المحقّقين الخوانساري والقمّي رحمهما‌الله في حرمة المخالفة القطعيّة إنّما هو في غير هذه الصورة ؛ إذ وضوح ما ذكرنا بمكان لا يظنّ معه أنّ أحدا من العلماء يتوهّم المخالفة فضلا عن مثل هذين العظيمين ، وإن وقع الخلاف والاشتباه في بعض الكلمات.

وقد يكون تردّد المكلّف به مع العلم القطعي لا بالتكليف الفعلي الواقعي ،

٣٤٣

بل بقيام حجّة معتبرة شرعيّة عليه ، كشمول عموم أو إطلاق أو قيام أمارة كخبر الواحد وشهادة العدلين ونحوهما ، فهو على قسمين ، فإنّه قد يعلم بأنّه مع مصادفة الحجّة المعتبرة للواقع يكون الواقع مطلوبا للمولى ومرادا له بحيث لم يرفع يده عنه أصلا ، وقد لا يعلم ذلك.

ففي القسم الأوّل لا معنى للترخيص ؛ لأنّ الترخيص ولو في بعض الأطراف لا يجتمع مع إرادة المولى الواقع على تقدير المطابقة ، وإرادة المولى وإن لم تكن معلومة لعدم العلم بالمطابقة ضرورة ، إلّا أنّ احتمال المصادفة مع العلم بالترخيص مرجعه إلى احتمال اجتماع النقيضين وهو ـ كالقطع به ـ مستحيل بداهة ؛ إذ لا يمكن الجمع بين الترخيص في ترك بعض الأطراف والقول بأنّه لو كانت صلاة الجمعة بحسب الواقع واجبة لم يرض المولى بتركها أصلا ، فإنّ معنى الترخيص هو جواز ترك صلاة الجمعة ، ففي هذه الصورة أيضا يجب الاحتياط.

وأمّا القسم الثاني الذي مرجعه إلى العلم بقيام الحجّة المعتبرة وعدم العلم بكون الواقع مرادا جدّيّا على تقدير المصادفة ، فيحكم العقل أيضا بلزوم المشي على طبق الأمارة ووجوب الاحتياط ، ولا فرق في نظره من هذه الحيثيّة بين العلم التفصيلي والعلم الإجمالي ، فكما أنّ العالم تفصيلا بحجّة معتبرة شرعيّة لا يكون معذورا لو خالفها وصادف الواقع ، فكذلك العالم إجمالا بها لا يكون معذورا لو خالفها ولو بإتيان بعض الأطراف ، ويجب عليه الاحتياط بإتيان الجميع في الشبهات الوجوبيّة وبتركه في الشبهات التحريميّة.

ولكن مع ذلك يمكن ورود الترخيص فيه من المولى ولا تلزم المناقضة أصلا ، فإنّ مع عدم المصادفة لا تلزم المناقضة ؛ لعدم ورود الترخيص على

٣٤٤

مورد الحكم الواقعي ، ومع المصادفة يكون مرجع الترخيص إلى رفع اليد عن الحكم الواقعي لمصلحة أهمّ من مصلحة درك الواقع ، كما هو الشأن في الشبهات البدويّة ، فإنّ الترخيص في مطلقها مع ثبوت الحكم الواقعي في بعض مواردها إنّما هو لأجل أنّه رفع اليد عن الحكم الواقعي لمصلحة أهمّ.

وربّما يقال : إنّ الترخيص والإذن في الارتكاب يكون ترخيصا في المعصية التي هي قبيحة عند العقل ، وهو لا يصدر من الحكيم ، مضافا إلى لزوم المناقضة ؛ لعدم إمكان اجتماع المعصية مع الترخيص فيها بعد كونها متوقّفة على تكليف المولى.

وجوابه : أوّلا : بالنقض في الشبهات البدويّة ، بأنّ جريان حديث الرفع وترخيص شرب (التتن) مثلا ، كيف يكون قابلا للاجتماع مع حرمته بحسب الواقع؟ وبما ذكرت من الجواب هناك نقول به هنا.

وثانيا : بالحلّ بأنّ القبيح والموجب لاستحقاق العقوبة هي مخالفة التكليف الواقعي الذي كان مطلوبا للمولى ولم يرفع يده عنه لمصلحة اخرى أهمّ ، كما في مثال حفظ الولد ، وأمّا مخالفة التكليف الواقعي الذي يكون قد رفع اليد عنه لمصلحة التسهيل على العباد ـ مثلا ـ ، فلا تكون قبيحة ، ولا موجبة لاستحقاق العقوبة أصلا ، فالترخيص في مخالفة الإمارة التي هي طريق إلى الواقع وجواز عدم المشي على طبقها لمصلحة اخرى لا يكون معصية ولا قبح فيه ، ورفع المناقضة يكون بعدم تنجّز الحكم الواقعي في الشبهة ، وكذا في الشبهة المقرونة بالعلم الإجمالي.

والحاصل : أن العقل قبل ورود الترخيص وإن كان يحكم بلزوم العمل على طبق الحجّة الإجماليّة ووجوب المشي معها بالاحتياط ، إلّا أنّه لا مانع عنده

٣٤٥

من ورود الترخيص من المولى ولو في جميع الأطراف.

فلا نقول : بأنّ الأدلّة المرخّصة مقيّدة للإطلاق أو العموم الشاملين لحال العلم الإجمالي بصورة العلم التفصيلي بالحكم أو الموضوع ، وهكذا لا نقول بكونها مقيّدة لحجّيّة الأمارة بصورة العلم التفصيلي بقيامها ؛ لأنّ لازم ذلك اختصاص الإرادة الجدّيّة ومحدوديّتها بالمقيّد من الابتداء وكون الإطلاق أو العموم تخيّليّا ، بل نقول ببقاء الإطلاق أو العموم أو الأمارة بحاله من حيث الإرادة الجدّيّة ، إلّا أنّ المولى رفع اليد عنها وجعل الترخيص لمصلحة أهمّ.

٣٤٦

المخالفة القطعيّة

الروايات الدالّة على الترخيص في أطراف العلم الإجمالي

إنّما الكلام في صدور الدليل المرخّص من المولى في أطراف العلم الإجمالي المتعارف ـ أي المستند إلى الحجّة والأمارة الشرعيّة ـ ويمكن أن يقال باستفادة الترخيص في الارتكاب وجعل الحلّيّة فيها من أدلّة أصالة الحلّيّة الجارية في الشبهات التحريميّة.

منها : مرسلة معاوية بن عمّار عن رجل من أصحابنا ، قال : كنت عند أبي جعفر عليه‌السلام فسأله رجل عن الجبن ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : «إنّه لطعام يعجبني ، سأخبرك عن الجبن وغيره : كلّ شيء فيه الحلال والحرام فهو لك حلال حتّى تعرف الحرام فتدعه بعينه» (١).

ومنشأ توهّم الحلّيّة والحرمة في الجبن هي الأنفحة التي تكون جزءا من أجزاء الحيوان ، وتستفاد في صناعة الجبن ، ويمكن أن تؤخذ من الميتة ، فلذا ينقسم الجبن إلى الحلال والحرام ، ولكن لا خلاف بين علماء الشيعة في طهارة الجبن المأخوذ من أنفحة الميتة ؛ لكونها من الأجزاء المحكومة بالطهارة ، فلا بدّ من حمل الرواية على التقيّة ؛ إذ الجبن عندنا قسم واحد.

__________________

(١) الوسائل ٢٥ : ١١٩ ، الباب ٦١ من أبواب الأطعمة المباحة ، الحديث ٧.

٣٤٧

وقد وردت هذه الكلّيّة في رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «كلّ ما فيه حلال وحرام فهو لك حلال أبدا حتّى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه» (١).

والاحتمالات الواردة في صدر الروايتين مع قطع النظر عن الغاية المذكورة فيهما ثلاثة:

أحدها : أن يكون المراد بالشيء هي الطبيعة الواحدة التي يوجد فيها الحلال باعتبار بعض أنواعه والحرام باعتبار بعضها الآخر ، وحينئذ فيصير المراد أنّ هذه الطبيعة الواحدة لك حلال حتّى تعرف نوعها الحرام بعينه ، وحينئذ فيختصّ بالشبهات البدويّة ، ولا يشمل صورة العلم الإجمالي والشبهات المحصورة.

ثانيها : أن يكون المراد بالشيء مجموع الشيئين أو الأشياء التي يعلم بوجود الحرام بينهما أو بينها إجمالا ، وحينئذ فينحصر موردها بأطراف العلم الإجمالي.

ثالثها : أن يكون المراد به أعمّ من القسم الأوّل والثاني ، فتشمل الروايتان الشبهات البدويّة والمحصورة جميعا.

وأمّا بالنسبة إلى ذيل الروايتين ـ أي «حتّى تعرف الحرام» ـ فإن كان المراد بالشيء هو الاحتمال الأوّل فيمكن أن يكون المراد بالمعرفة أعمّ من المعرفة التفصيليّة والإجماليّة ؛ إذ العلم الإجمالي معرفة كما أنّ العلم التفصيلي معرفة ، فلا ترخيص في مورد العلم الإجمالي ؛ لدخوله أيضا في الغاية ، ولكن هذا الاحتمال أبعد الاحتمالات الثلاثة.

وإن كان المراد به هو الاحتمال الثاني فاللازم أن يكون المراد بالمعرفة ،

__________________

(١) الوسائل ١٧ : ٨٧ ، الباب ٤ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ١.

٣٤٨

المعرفة التفصيليّة ؛ لكون المغيّا عبارة عن العلم الإجمالي بوجود الحرام بين الأشياء ، فلا بدّ من كون الغاية عبارة عن العلم التفصيلي.

كما أنّه بناء على الاحتمال الثالث لا بدّ أن يكون المراد بها هذه المعرفة ؛ لاستهجان جعل الغاية للشبهة البدوية أعمّ من المعرفة الإجماليّة ، مع أنّ المغيّا شامل لصورة العلم الإجمالي أيضا ، فلا بدّ أن يكون المراد من الغاية بالنسبة إليها المعرفة التفصيليّة.

وكيف كان ، فالروايتان بناء على الاحتمالين الأخيرين تدلّان على جعل الحلّيّة والترخيص في أطراف العلم الإجمالي.

والظاهر أن الاحتمالين الأخيرين أقرب من الأوّل ؛ إذ المستفاد من قوله : «كلّ شيء فيه حلال وحرام» أنّه مورد ابتلاء المكلّف بالفعل من حيث الحلّيّة والحرمة.

ومثل الروايتين المذكورتين في الدلالة على جعل الحلّيّة والترخيص رواية مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : «كلّ شيء هو لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك ، وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة ، والمملوك عندك ، ولعلّه حرّ قد باع نفسه أو خدع فبيع قهرا ، أو امرأة تحتك وهي اختك أو رضيعتك ، والأشياء كلّها على هذا ، حتّى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البيّنة» (١).

فإنّ المراد بالشيء هو كلّ ما شكّ في حلّيّته وحرمته ، والغاية هو العلم بحرمة نفس ذلك الشيء المشكوك ، فتشمل الشبهة المحصورة المقرونة بالعلم الإجمالي ؛ لكون كلّ واحد من أطراف العلم الإجمالي مشكوك الحلّيّة والحرمة ،

__________________

(١) الوسائل ١٧ : ٨٩ ، الباب ٤ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٤.

٣٤٩

فلا إشكال بالنسبة إلى صدر الرواية من حيث جعل الحلّيّة والترخيص بعنوان الضابطة.

ولكنّها غير قابلة للاعتماد ؛ لأنّ الأمثلة المذكورة فيها لا تكون الحلّيّة فيها مستندة إلى قاعدة الحلّيّة المجعولة في الصدر ، بل الحلّيّة فيها لأجل وجود بعض الأمارات أو الاصول المتقدّمة على قاعدة الحلّيّة في موردها ، مثل : اليد في مورد احتمال سرقة الثوب ، وإقرار العقلاء على أنفسهم في مورد احتمال حرّيّة المملوك ، واستصحاب عدم كونها رضيعة له ، وكذا استصحاب عدم كونها اختا له ، بناء على جريانه على خلاف ما هو الحقّ.

والحاصل : أن جعل قاعدة كلّيّة ثمّ إيراد أمثلة لها خارجة عنها داخلة في قواعد أخر مستهجن لا يصدر عن مثل الإمام عليه‌السلام ، فالرواية من هذه الجهة موهونة جدّا.

وهكذا رواية معاوية بن عمّار ؛ لكونها مرسلة ، فلا يجوز الاعتماد عليها.

وهكذا رواية عبد الله بن سليمان الواردة في الجبن المشتملة على هذه القاعدة الكلّيّة ، فإنّ عبد الله بن سليمان مجهول ، فلم يبق في البين إلّا رواية عبد الله بن سنان المتقدّمة ، وهي صحيحة من حيث السند ، تامّة من حيث الدلالة ، خالية من احتمال الصدور تقيّة ؛ لعدم مورد لها.

ولقائل أن يقول بكفاية هذه الرواية لجواز الترخيص في أطراف العلم الإجمالي ، مع أنّ العقل لا يأبى عنه ؛ لعدم كون الترخيص فيه ترخيصا في المعصية بنظره.

وجوابه : أنّ المتّبع في مداليل الروايات هو فهم العرف والعقلاء ، والمتفاهم من مثل هذه الرواية عندهم هو الترخيص في المعصية ، وهو ـ مضافا إلى

٣٥٠

قبحه ـ غير معقول ؛ لاستلزامه التناقض كما عرفت سابقا فلا بدّ من رفع اليد عنها من حيث الحكم بالترخيص في أطراف العلم الإجمالي واختصاصها بالشبهات البدويّة.

وأضف إلى ذلك ما حكي عن صاحب الجواهر من ندور العامل بمثل هذه الرواية والأخذ بمضمونها (١) ، فكيف يمكن الاستناد إليها بعنوان الدليل المرخّص هنا مع ندرة العمل بها عند الإماميّة؟ فلا مجال لجريان أصالة الحلّيّة في موارد الشبهة المقرونة بالعلم الإجمالي. وكذا أصالة البراءة ؛ لأنّ مفاد أدلّتها هو جعل التوسعة للناس وعدم التضييق عليهم في موارد الجهل وعدم العلم ، والحكم في الشبهة المحصورة معلوم ، إجمالا ، ولا يجتمع الترخيص في جميع الأطراف عند العرف والعقلاء مع العلم بعدم الرخصة في بعضها إجمالا ، بعد كون مورد الترخيص هو صورة الجهل وعدم العلم.

رأي الشيخ الأعظم في وجه عدم جريان الاصول في أطراف العلم الإجمالي :

وقد اختلفت كلمات الشيخ رحمه‌الله في وجه عدم جريان الاصول في أطراف العلم الإجمالي ، فظاهر كلامه في مبحث الاشتغال (٢) وصريح كلامه في أواخر الاستصحاب (٣) أنّ المانع من جريان الاصول في أطرافه هو لزوم التناقض من جريانها على فرض الشمول ؛ لأنّ قوله : «لا تنقض اليقين بالشكّ ولكن انقضه بيقين آخر» ـ مثلا ـ يدلّ على حرمة النقض بالشكّ ، ووجوب النقض باليقين ، فإذا فرض اليقين بارتفاع الحالة السابقة في أحد المستصحبين فلا يجوز ، إبقاء

__________________

(١) جواهر الكلام ١ : ٢٩٤ ـ ٢٩٨.

(٢) فرائد الاصول ٢ : ٤٠٤.

(٣) فرائد الاصول ٢ : ٧٤٤ ـ ٧٤٥.

٣٥١

كلّ منهما تحت عموم حرمة النقض بالشكّ ؛ لأنّه مستلزم لطرح الحكم بنقض اليقين بمثله ، فالمانع عنده حينئذ هو جهة الإثبات وعدم شمول الأدلّة لأطراف العلم الإجمالي ؛ للزوم التناقض.

وعلى هذا المبنى لا فرق في لزوم التناقض بين كون الحالة السابقة في أطراف العلم الإجمالي عبارة عن الطهارة أو النجاسة.

ولكن يظهر من كلامه رحمه‌الله في بحث القطع (١) وفي بعض المواضع الأخر أنّ المانع هو لزوم المخالفة القطعيّة العمليّة ، وحينئذ فالمانع هو عدم إمكان الجعل ثبوتا ، ولازم هذا المبنى أنّ الحالة السابقة في الإنائين المشتبهين إن كانت النجاسة وعلمنا إجمالا بطهارة أحدهما ، وبعد جريان استصحاب النجاسة فيهما والاجتناب عنهما لا تلزم المخالفة العمليّة ، فينحصر لزوم المخالفة في صورة كون الحالة السابقة فيهما الطهارة.

وجوابه : أنّ المانع إن كان من جهة الثبوت وعدم إمكان الجعل فقد ذكرنا أنّ الترخيص في أطراف العلم الإجمالي لا يكون ترخيصا في المعصية ، وأنّ عنوان المعصية لا ينطبق على كلّ مخالفة ؛ لإمكان رفع اليد عن التكليف لمصلحة أهمّ ، بل ينطبق على مخالفة تكليف أحرزنا عدم رفع اليد عنه من المولى بأيّ نحو من الأنحاء ، كما مرّ بيانه.

وإن كان المانع من جهة الإثبات وقصور الأدلّة عن الشمول فنسأل : أنّ المراد باليقين المأخوذ في قوله : «لا تنقض اليقين بالشكّ» هل هو اليقين الوجداني أو الحجّة المعتبرة ، يقينيّا كانت أو غيره؟

فعلى الأوّل نقول : إنّ الحكم بحرمة نقض اليقين الوجداني بالشكّ وإن كان

__________________

(١) فرائد الاصول ١ : ٢٧.

٣٥٢

قابلا للجعل ، إلّا أنّ الحكم بوجوب نقض اليقين بيقين آخر مثله لا يكون قابلا للجعل بعد كون حجّيّة القطع غير قابلة للإثبات ولا للنفي كما تقدّم في مبحث القطع ، فقوله : «ولكن انقضه بيقين آخر» لا يكون بصدد جعل حكم آخر حتّى يتحقّق التناقض بينه وبين الحكم الأوّل على تقدير جريانه في أطراف العلم الإجمالي ، بل بصدد تحديد الحكم المجعول أوّلا ، وأنّ حرمة النقض بالشكّ تكون ثابتة إلى أن يجيء يقين آخر ، فظهر أنّه بناء على هذا الاحتمال لا تكون الرواية مشتملة على حكمين حتّى يتحقّق مورد التناقض وعدمه صدرا وذيلا.

وعلى الاحتمال الثاني أيضا لا تكون الرواية كذلك ؛ لأنّ الحكم بوجوب نقض الحجّة المعتبرة غير القطع بحجّة اخرى وإن كان قابلا للجعل والتشريع ، إلّا أنّه باعتبار كون القطع أيضا من أفراد الحجّة المعتبرة لا يمكن هذا التشريع ، وجعل الحكم بالنسبة إلى بعض أفراد الحجّة وبيان التحديد بالنسبة إلى بعضها الآخر ممّا لا يكون لهما جامع حتّى يمكن في استعمال واحد ، فلا يتحقّق في أدلّة الاستصحاب الحكمان حتّى يستلزم التناقض بينهما في المقام ، كما لا يخفى.

هذا كلّه ، مضافا إلى أنّه لو سلّم جميع ذلك نقول : ظاهر سياق الرواية أنّ المراد باليقين في قوله : «ولكن انقضه بيقين آخر» هو اليقين بما تعلّق به اليقين والشكّ في قوله: «لا تنقض اليقين بالشكّ» ، لا اليقين بأمر آخر ؛ ضرورة عدم وجوب النقض باليقين المتعلّق بشيء آخر.

وحينئذ نقول : في موارد العلم الإجمالي لا يكون العلم الإجمالي متعلّقا بنفس ما تعلّق به اليقين السابق ، فلا يجب نقضه به.

ألا ترى أنّه لو علم إجمالا بنجاسة أحد الإنائين اللذين علم بطهارتهما

٣٥٣

سابقا لا يكون العلم الإجمالي متعلّقا بنفس ما تعلّق به اليقين السابق ؛ ضرورة أنّ اليقين السابق إنّما تعلّق بطهارة هذا الإناء بالخصوص ، وبطهارة ذاك الإناء كذلك ، ولم يتحقّق بعد يقين بنجاسة واحد معيّن منهما حتّى يجب نقض اليقين السابق باليقين اللاحق ، بل الموجود هو اليقين بنجاسة أحدهما المردّد ، وهو لم يكن مسبوقا باليقين بالطهارة ، فمتعلّق اليقين السابق واللاحق مختلف ، فلا يجب النقض به.

والحاصل : أنّ أدلّة الاستصحاب تجري في المقام ولا يلزم التناقض أصلا.

ثمّ إنّ المحقّق النائيني رحمه‌الله فصّل بين الاصول التنزيليّة ـ كالاستصحاب ـ وغيرها ـ كأصالة الإباحة ـ وحكم بجريان الاولى مطلقا في أطراف العلم الإجمالي ، من غير فرق بين أن يلزم من جريان الأصلين مخالفة عمليّة أم لا ، وبعدم جريان الثانية إذا لزم من جريانها مخالفة عمليّة قطعيّة للتكليف المعلوم في البين.

وقال في وجه ذلك ما ملخّصه : إنّ المجعول في الاصول التنزيليّة إنّما هو البناء العملي والأخذ بأحد طرفي الشكّ على أنّه هو الواقع ، وإلغاء الطرف الآخر ، وجعل الشكّ كالعدم في عالم التشريع ، فإنّ ظاهر قوله عليه‌السلام : «لا تنقض اليقين بالشكّ» هو البناء العملي على بقاء المتيقّن وتنزيل حال الشكّ منزلة حال اليقين ، وهذا المعنى لا يمكن جعله بالنسبة إلى جميع الأطراف في العلم الإجمالي ؛ للعلم بانتقاض الحالة السابقة في بعض الأطراف ، فإنّ الإحراز التعبّدي لا يجتمع مع الإحراز الوجداني بالخلاف ، وهذا لا فرق فيه بين أن يلزم من جريان الاستصحابين مخالفة عمليّة أم لا ؛ لعدم إمكان الجعل ثبوتا.

وأمّا الاصول الغير التنزيليّة فلا مانع من جريانها إلّا المخالفة العمليّة

٣٥٤

للتكليف المعلوم في البين ، فهي لا تجري إن لزم من جريانها ذلك ، وتجري إن لم يلزم (١) ، انتهى ملخّصا.

ويرد عليه : أوّلا : أنّ كون الاستصحاب من الاصول التنزيليّة بالمعنى الذي أفاده محلّ نظر ، بل منع ، فإنّ الكبرى المجعولة في أدلّته ليست إلّا حرمة نقض اليقين بالشكّ ، وظاهرها هو وجوب ترتيب آثار المتيقّن في ظرف الشكّ ، وتطبيق عمله على عمل المتيقّن.

وأمّا البناء على أنّه هو الواقع وإلغاء الطرف الآخر وجعل الشكّ كالعدم فلا يستفاد من شيء من الأخبار الواردة في الاستصحاب ، كيف واعتبار إلغاء الشكّ وجعله كالعدم في عالم التشريع لا يجتمع مع اعتباره في الصغرى بقوله عليه‌السلام : «لأنّك كنت على يقين من طهارتك فشككت»؟ فلا يظهر من أخبار الاستصحاب إلّا مجرّد ترتيب آثار الواقع في مقام العمل ، لا الأخذ بالطرف الموافق للحالة السابقة بما أنّه هو الواقع.

وثانيا : لو سلّم كون الاستصحاب من الاصول التنزيليّة فلا نسلّم عدم جريانه في أطراف العلم الإجمالي ، فإنّ كلّا منها مشكوك فيه مسبوق بالحالة السابقة ، فلا مانع من جريان الاستصحاب فيه.

وما أفاده من أنّ الإحراز التعبّدي لا يجتمع مع الإحراز الوجداني بالخلاف ممنوع ؛ لعدم الدليل على عدم إمكان الاجتماع ، فإنّ للشارع في عالم التشريع أن يتعبّدنا بترتيب آثار الوجود على ما ليس بموجود ، أو بترتيب آثار الميّت على من ليس بميّت كما في المرتدّ الفطري ، وأن يتعبّدنا بالتفكيك بين المتلازمين الشرعيّين ، كطهارة البدن وبقاء الحدث عند الوضوء بمائع مردّد بين البول

__________________

(١) فوائد الأصول ٤ : ١٤ ـ ١٧.

٣٥٥

والماء ؛ لأنّ استصحاب بقاء الحدث وطهارة البدن ينافي العلم الإجمالي بعدم بقاء الواقع في أحدهما ؛ لأنّه إن كان المائع ماء فقد ارتفع الحدث ، وإن كان بولا فقد تنجّس البدن ، فالتعبّد بالجمع بينهما ممكن.

وهكذا التفكيك بين المتلازمين العاديّين ؛ فإنّ استصحاب حياة زيد وعدم نبات لحيته ينافي العلم العادي بمخالفة أحدهما للواقع ؛ للملازمة بين الحياة والنبات ، وهكذا التفكيك بين المتلازمين العقليّين كالتعبّد ببقاء الكلّي وعدم ترتيب آثار الفرد الطويل ، مع أنّ بقاء الكلّي ملازم عقلا مع تحقّق الفرد الطويل ونحو ذلك ، كما أنّه يستفاد من ذيل كلامه الالتفات إلى ذلك ، ففي عالم التعبّد لا مانع من الترخيص والتعبّد بخلاف العلم الإجمالي.

وأجاب عن هذا الإشكال بما ملخّصه : أنّه تارة يلزم من التعبّد بمؤدّى الأصلين العلم التفصيلي بكذب ما يؤدّيان إليه ؛ لأنّهما يتّفقان على نفي ما يعلم تفصيلا ثبوته ، أو على ثبوت ما يعلم تفصيلا نفيه ، كما في استصحاب نجاسة الإنائين أو طهارتهما مع العلم بطهارة أحدهما أو نجاسته ، فإنّ الاستصحابين يتوافقان في نفي ما يعلم تفصيلا من طهارة أحدهما أو نجاسته.

واخرى لا يلزم من التعبّد بمؤدّى الأصلين العلم التفصيلي بكذب ما يؤدّيان إليه ، بل يعلم إجمالا بعدم مطابقة أحد الأصلين للواقع من دون أن يتوافقان في ثبوت ما علم تفصيلا نفيه ، أو نفي ما علم تفصيلا ثبوته ، بل لا يحصل من التعبّد بمؤدّى الأصلين إلّا العلم بمخالفة أحدهما للواقع ، كما في الاصول الجارية في الموارد التي يلزم منها التفكيك بين المتلازمين الشرعيّين أو العقليّين أو العاديّين. والفرق بين القسمين ممّا لا يكاد يخفى ، والذي منع من جريانه في أطراف العلم الإجمالي هو الأوّل ، وأمّا الثاني فلا محذور فيه أصلا ؛ لأنّ التلازم

٣٥٦

بحسب الواقع لا يلازم التلازم بحسب الظاهر (١). انتهى.

والجواب عنه : أوّلا بالنقض بما إذا علم بجنس التكليف ، ودار الأمر بين وجوب شيء وحرمة شيء آخر ، مع كونهما مسبوقين بالعدم ، فيكون الأصلان متخالفين ، فإنّ أصل عدم الوجوب يخالف أصالة عدم الحرمة ، ولا يكون بينهما توافق كما هو واضح ، وحينئذ فيصير من قبيل القسم الثاني ، مع أنّه لا يلتزم بالجريان في هذه الصورة.

وثانيا : أنّ الفرق بين القسمين ليس بواضح ؛ لأنّ جريان الاستصحاب في القسم الأوّل في كلّ واحد من الإنائين لا ينافي العلم بالطهارة أو النجاسة ، ولا يكون المجموع من حيث هو مجموع موردا لجريان الاستصحاب حتّى يكون منافيا للعلم التفصيلي بالخلاف ، بل مورده كلّ واحد منهما بالخصوص ، ولا ينافي شيء من الأصلين للعلم الإجمالي ، غاية الأمر أنّه بعد جريانهما يقطع بكذب أحدهما ؛ للعلم الإجمالي بالطهارة أو النجاسة ، فلم يظهر فرق بينه وبين القسم الثاني.

ومجرّد توافق الأصلين في الأوّل وتخالفهما في الثاني لا يوجب الفرق بينهما بعد كون الأوّل أيضا مصداقين لحرمة النقض بالشكّ لا مصداقا واحدا.

والحاصل : أنّ المعلوم بالإجمال إن كان تكليفا فعليّا حتميّا لا يرضى المولى بتركه بأيّ وجه من الوجوه يكون العلم الإجمالي فيه علّة تامّة لحرمة المخالفة القطعيّة ووجوب الموافقة القطعيّة بمقتضى حكم العقل ، فلا يمكن الترخيص من المولى في هذا المورد ، وأمّا إن كان التكليف الفعلي المستفاد من الإطلاق أو العموم أو الدليل المعتبر أو الأمارة المعتبرة ، فيكون العلم الإجمالي فيه علّة

__________________

(١) فوائد الاصول ٤ : ٦٩٤ ـ ٦٩٥.

٣٥٧

تامّة لحرمة المخالفة القطعيّة بنظر العرف والعقلاء ، ولا يجوز الترخيص في جميع الأطراف عندهم ، بخلاف نظر العقل ؛ إذ لا مانع عقلا من الترخيص فيه.

ورفع اليد عن التكليف لمصلحة التسهيل على العباد ـ مثلا ـ كما في الشبهات البدويّة. هذا كلّه بالنسبة إلى حرمة المخالفة القطعيّة.

٣٥٨

الموافقة القطعيّة

أمّا بالنسبة إلى وجوب الموافقة القطعيّة فهل يكون العلم الإجمالي مقتضيا له أو علّة تامّة له عند العرف والعقلاء؟ وبعبارة اخرى : هل يجوز الترخيص في بعض الأطراف عرفا بعد جواز ارتكاب الجميع عقلا أم لا؟ والظاهر أنّه لا مانع منه عند العقلاء أيضا ؛ لعدم كونه ترخيصا في المعصية ، إنّما الكلام في أنّه هل يوجد دليل يمكن أن يستفاد منه الترخيص في بعض الأطراف أم لا؟

فنقول : قد عرفت أنّ ما يمكن الاستدلال به للترخيص هو خصوص صحيحة عبد الله بن سنان المتقدّمة ، وأمّا غيرها من الروايات فلا يصحّ الاعتماد عليها بعد وجود الخلل في متنها أو سندها ، وأمّا الصحيحة فقد عرفت أنّها تشمل صورة العلم الإجمالي بناء على كون المراد من الشيء المأخوذ فيها هو مجموع الشيئين اللذين أحدهما حلال والآخر حرام ، فهي تدلّ على حلّيّة ذلك الشيء ـ أي المجموع ـ وحيث إنّها غير قابلة للأخذ بمضمونها ؛ لدلالتها على الإذن في المعصية بحسب متفاهم العرف والعقلاء ، فلا بدّ من رفع اليد عنها ، وليس هنا شيء آخر يدلّ على حلّيّة بعض الأطراف.

نعم ، لو كان الدليل دالّا على حلّيّة كلّ مشتبه لكان للبحث في دلالته على الترخيص في بعض الأطراف مجال ، ولكنّه لم يدلّ دليل معتبر على ذلك عدا

٣٥٩

رواية مسعدة بن صدقة المتقدّمة التي عرفت عدم صحة الاعتماد عليها ؛ لاغتشاشها وعدم تطابق القاعدة مع الأمثلة المذكورة فيها.

ثمّ لو فرض دلالتها على حلّيّة كلّ مشتبه لكان الظاهر منها هو حلّيّة كلّ مشتبه معيّن ، ولا يمكن الأخذ به في المقام ؛ لأنّ إجراء هذه القاعدة في المجموع مستلزم للإذن في المعصية ، وفي البعض المعيّن ترجيح من غير مرجّح ، وفي البعض الغير المعيّن موجب للخروج عن الدليل الدالّ على اعتبارها ؛ لأنّه لم يدلّ إلّا على حلّيّة كلّ مشتبه معيّن ، وإن شئت قلت : إنّ البعض الغير المعيّن لا يكون من أفراد العامّ أصلا ، والدليل يتضمّن حلّيّة جميع أفراد العامّ.

ويمكن الذبّ عنه بوجوه :

منها : أن يقال : إنّ الدليل اللفظي وإن لم يدلّ على الترخيص في البعض الغير المعيّن ، إلّا أنّه يمكن استكشاف هذا الترخيص من الدليل اللفظي بضميمة حكم العقل ؛ لأنّ القضيّة المشتملة على حكم متعلّق بعنوان على سبيل الإطلاق أو العموم يفهم منها أمران :

أحدهما : ثبوت ذلك الحكم لتمام أفراد عنوان الموضوع.

ثانيهما : وجود الملاك في كلّ فرد منها.

ثمّ إن ثبت قيد يرجع إلى مادّة القضيّة فمقتضاه التضييق في ناحية الحكم والملاك معا ، فإذا ورد : «أكرم العلماء» ، ثمّ ورد قوله : «لا تكرم الفسّاق من العلماء» ، يفهم من ذلك التقييد والتخصيص اختصاص الحكم والملاك بما عدا مورد المخصّص ، وإن ثبت قيد يرجع إلى إطلاق الهيئة دون المادّة فلا بدّ من رفع اليد عن إطلاق الطلب دون المادّة.

كما إذا ورد خطاب دالّ على وجوب إنقاذ الغريق ، ثمّ وجد غريقان ، فإنّ

٣٦٠