دراسات في الأصول - ج ١

السيد صمد علي الموسوي

دراسات في الأصول - ج ١

المؤلف:

السيد صمد علي الموسوي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات مركز فقه الأئمة الأطهار عليهم السلام
المطبعة: ياران
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-7709-92-7
ISBN الدورة:
978-964-7709-96-5

الصفحات: ٦٧٠

العامّ فلا بدّ من انسباق الذهن إلى مفهوم الظرف بمجرّد سماع هيئة «مفعل» فإنّه معناها ، وهو خلاف المتبادر عند العرف ، وإن فرض بصورة الوضع العامّ والموضوع له الخاصّ ؛ بأنّ الواضع لاحظ مفهوم الظرف ووضع هيئة «مفعل» لمصاديقه وكان له في الخارج مصداقان، أي الزمان والمكان.

وفيه : أوّلا : أنّ لازم ذلك كون الوضع في جميع المشتقّات كذلك ، وهو كما ترى.

وثانيا : أنّ أصل الإشكال يعود بحاله ، فإنّ الوضع العامّ والموضوع له الخاصّ نوع من الاشتراك اللفظي كما مرّ ـ وإن كان أصل إمكان هذا القسم من الوضع مخدوشا عندنا ـ إذ يتحقّق عنوان الاشتراك اللفظي بلحاظ تعدّد موضوع له وإن لم يكن الوضع متعدّدا ، وكأنّه تحقّق هنا وضع مستقلّ لاسم الزمان ووضع مستقلّ آخر لاسم المكان ، فلا بدّ من خروج اسم الزمان عن محلّ النزاع ؛ إذ لا يتصوّر له من قضى عنه المبدأ.

وثالثا : أنّه إذا قلنا بأنّ يوم عاشوراء مقتل الإمام الحسين عليه‌السلام كان العاشوراء معنى كلّيّا ، وهو عبارة عن يوم العاشر من المحرّم الحرام ، وهو عنوان ثابت يتحقّق في كلّ سنة ، فاليوم العاشر من المحرّم سنة (٦١) تلبّس بالمبدإ ، واليوم العاشر من المحرّم في السنوات الأخر انقضى عنه المبدأ ، فيدخل اسم الزمان في محلّ النزاع.

وفيه : أنّ البحث هنا لا يكون في مفاد يوم العاشر ، بل البحث في معنى هيئة «مفعل» والقول بأنّ قتل الحسين عليه‌السلام وقع في يوم عاشوراء ، وعاشوراء كلّي قابل للدوام لا يوجب حلّ الإشكال ، فإنّ هذا نظير تلبّس الفرد بالمبدإ ، وانتساب بقائه إلى فرد آخر من ماهيّته ، وهو كما ترى.

٣٨١

ورابعا : أنّ الاتّصال مساوق مع الوحدة ، ولذا لا تعدّد في الزمان.

وفيه : أنّ هذا بحث فلسفي ، ولكنّ العرف يرى الزمان ممّا يوجد وينقضي.

فالحقّ أنّ الإشكال لا يكون قابلا للجواب ، فلا بدّ من الالتزام بخروج اسم الزمان عن محلّ النزاع.

٣٨٢

الأمر الثالث

في خروج الأفعال والمصادر من النزاع

لا شكّ في أنّ للمشتقّات تحقّق مادّة الاشتقاقي ، ويعبّر عنه بمشتقّ منه ، ولكنّ الاختلاف في أنّها عبارة عن المصدر أو الفعل ، وهكذا في كيفيّة وضعها ، وحكي عن الكوفيّين أنّها عبارة عن المصدر ، وعن البصريّين أنّها عبارة عن الفعل ، وكلا القولين واضح البطلان ؛ إذ لا بدّ في المادّة من كونها محفوظة بلفظها ومعناها في جميع المشتقّات ، ولا تتحقّق هذه الخصوصيّة فيهما ؛ إذ الظاهر من الفعل هاهنا هو الفعل الماضي ، وكان له معنى خاصّا وهيئة خاصّة ، وليس أحدهما موجودا في أحد المشتقّات ، فإنّ هيئته آبية عن ورود هيئة اخرى عليه ، ومعناه مباين لمعنى سائر المشتقّات كما لا يخفى.

وأمّا المصدر فإن كان معناه مشتملا على النسبة ـ مثل الضرب الذي يعبّر عنه بالفارسي ب «كتك زدن» ـ فهو أيضا لا يحفظ لفظه ولا معناه في سائر المشتقّات ، وأمّا إن كان معناه خاليا عن النسبة ـ مثل أن يعبّر عن الضرب بالفارسي ب «كتك» ـ فهو وإن كان معناه محفوظا في سائر المشتقّات إلّا أنّ هيئته ليست بمحفوظة.

فالتحقيق كما قال المحقّقون من المتأخّرين : إنّ مادّة المشتقّات عارية

٣٨٣

عن جميع الهيئات وليست لها هيئة خاصّة ، ولا تكون فيها خصوصيّة سوى ترتيب حروفها وعدم الزيادة والنقيصة فيها ، فوضع الواضع حروف «ض» و «ر» و «ب» لمعنى خاليا عن النسبة ، وحينئذ كان لفظ المادّة ومعناها محفوظين في جميع المشتقّات.

واورد على هذا الكلام إشكالات متعدّدة ، ولكنّ جميعها قابل للدفع.

منها : أنّ اللفظ عبارة عن المادّة والهيئة ، ولا يقال للمادّة بدون الهيئة : لفظا ؛ لأنّ المادّة الخالية عن التحصّل لا تكون قابلة للتلفّظ ، مع أنّ اللفظ الموضوع لا بدّ من كونه قابلا للتلفّظ به.

وجوابه : أنّ اللفظ لا يستعمل بدون الهيئة أبدا ، ولكن الغرض من وضع المادّة ليست الإفادة الفعليّة ، بل هي موضوعة بالوضع التهيّئي لاستعمالات اشتقاقيّة ، فلا يكون وضعها وضعا مستقلّا في قبال وضع المشتقّات ؛ إذ لا نحتاج إلى إفادة نفس المادّة إلّا قليلا ، وتهيّؤ الواضع لهذا الاستعمال النادر هيئة مخصوصة كما سيأتي في الجواب عن الإشكال الثاني.

ومنها : أنّ اسم المصدر وكذا المصدر موضوع لنفس الحدث الخالية عن النسبة ، كما هو المشهور بين النحويّين ، وعلى هذا لا فائدة في وضعه للحدث العارية عن النسبة بعد وضع المادّة له أيضا.

وجوابه : أنّ هيئة اسم المصدر لا تفيد معنى وراء ما تفيد مادّتها ؛ لأنّ المادّة وضعت لنفس الحدث ، لكن لا يمكن التلفّظ بها ، وربّما نحتاج إلى إظهار ذلك ، فوضعت هيئته لا لإفادة معنى من المعاني ، بل لكونها آلة للتلفّظ والتنطق بالمادّة.

ومنها : أنّ لازم ذلك هو دلالة المادّة على معناها وإن تحقّقت في ضمن هيئة

٣٨٤

غير الموضوعة ـ مثل «ضرب» بكسر وضم الضاد وسكون الراء ـ مع أنّه ليس كذلك.

وجوابه : أنّ للمادّة ثلاث خصوصيّات وهي عبارة عن الحروف الثلاثة «ض ، ر ، ب» ليس إلّا الترتيب ، والانحصار في الهيئات الموضوعة ، والمشتقّات المحدودة.

ومنها : أنّه يلزم على القول باستقلال كلّ من المادّة والهيئة في الوضع دلالتهما على المعنيين المستقلّين بتعدّد الدال والمدلول ، فيكون لفظ الضارب ـ مثلا ـ حين الاستعمال بمنزلة اللفظين الدالّين على المعنيين ، مع أنّه لا فرق بينه وبين لفظ «زيد» في وحدة الدال والمدلول.

وجوابه : أوّلا : أنّ هذا الإشكال مشترك الورود ؛ إذ لا تخلّص منه ولو قلنا بما قال به الكوفيّون أو البصريّون ، فإنّ كلّ لفظ كانت له حيثيّتان مستقلّتان يرد عليه هذا الإشكال ، وأمّا لفظ «زيد» فكان وضعه شخصيّا ؛ إذ الواضع لاحظ مادّة وهيئة مخصوصة ثمّ وضعها لهيكل مخصوص.

وثانيا : أنّ الإشكال مردود من أصله ، فإنّه وإن كان للمشتقّات حيثيّتان من جهة الوضع ولكن مع ذلك لا تكون لها دلالتان ؛ لأنّ المادّة متحصّلة بتحصّل الهيئة ، ولا تحقّق لها بدون الهيئة فهي متّحدة معها ، ودلالتها على المعنى مندكّة في دلالة الهيئة ، فيكون بين المادّة والهيئة نحو اتّحاد في الدلالة ، مثل اتّحاد الهيولى مع الصورة في عالم التكوين ، فالمادّة وإن كانت مستقلّة في قبال الهيئة حين الوضع ، إلّا أنّها ليست كذلك حين التحصّل والاستعمال.

والحاصل : أنّ ما قال به المتأخّرون في مادّة الاشتقاق ، وكيفيّة وضعها يناسب حقيقة الاشتقاق.

٣٨٥

واعلم أنّ المحقّق الخراساني قدس‌سره (١) بعد القول بخروج الأفعال والمصادر المزيد فيها عن حريم النزاع لكونها غير جارية على الذوات ولا تحمل عليها ، ذكر بالمناسبة أنّه قد اشتهر في ألسنة النحاة دلالة الفعل على الزمان حتّى أخذوا الاقتران به في تعريفه وجعلوه فارقا بينه وبين الاسم ، وهو اشتباه.

واورد على هذا الكلام إشكالات متعدّدة :

منها : أنّ جميع الأفعال لا تقترن بالزمان ولا تدلّ عليه ؛ إذ الأمر والنهي مع أنّهما من الأفعال لم تؤخذ في معناهما الخصوصيّة الزمانيّة أصلا ، فإنّهما وضعا لإنشاء طلب الفعل أو الترك من دون دلالتهما على الزمان ، غاية الأمر أنّ الإنشاء بهما وقع في الحال ، كما هو الحال في الإخبار بالجملة الاسميّة مثل : «زيد قائم» أو بالماضي أو المستقبل ، فلا تكون ظرفيّة زمان الحال للإنشاء والإخبار بالأفعال المذكورة دليلا على كونه جزء لمدلولها كما لا يخفى.

ومنها : أنّه يمكن منع دلالة الفعل الماضي والمستقبل على الزمان بالوضع بحيث يكون جزء لمدلولهما أيضا ، فإنّ الفعل إذا اسند إلى نفس الزمان ، مثل :

مضى الدهر والأيام والذنب حاصل

وجاء رسول الموت والقلب غافل

لزم تجريد الفعل عن الزمان والالتزام بالمجازيّة ؛ إذ الزمان لا يكون في زمان آخر.

وهكذا إذا اسند إلى المجرّدات مثل : «علم الله» و «خلق الله» ، فإن كان الزمان مأخوذا في مدلول الفعل فلا بدّ من تجريده عنه في هذه الأمثلة ، وكون استعماله فيها مجازا ، مع أنّه لا شكّ في أنّ هذه الاستعمالات حقيقة.

نعم ، إذا اسند إلى الزمانيّات ـ أي ما كان الزمان ظرفا لوجوده كغالب

__________________

(١) كفاية الاصول ١ : ٦١ ـ ٦٢.

٣٨٦

الموجودات ـ فتدلّ على الزمان ، لكنّ هذه الدلالة مستندة إلى الإطلاق والإسناد إلى الزمانيّات ، لا إلى الوضع الذي يقول به النحاة.

ثمّ استشهد صاحب الكفاية قدس‌سره (١) لتأييد هذه المسألة بشاهدين ، لكن لا نطيل الكلام بذكرهما ، بل نذكر متمّما ومكمّلا لبيانه ، وهو : أنّ الأساس والمحور في باب الأفعال هي الهيئة لا المادّة ـ مثل شيئيّة الشيء بصورته لا بمادته ـ فقد مرّ أنّ مداليل الهيئات معان حرفيّة ، ومعلوم أنّ للمعاني الحرفيّة واقعيّة متحقّقة ، إلّا أنّ سنخ وجودها مغاير لسنخ وجود سائر الموجودات ؛ لأنّ الوجودات على أقسام بعضها لا يفتقر في وجوده إلى شيء أصلا ـ مثل وجود الجوهر ـ وبعضها يفتقر في وجوده إلى شيء واحد ـ مثل وجود العرض ـ وبعضها في أدنى مراتب الوجود ؛ إذ يفتقر في وجوده إلى شيئين كالظرفيّة في جملة «زيد في الدار» ، فإنّها تفتقر في وجودها إلى الظرف والمظروف ، فكما أنّ جملة «الجسم له البياض» حاكية عن الواقعيّة العرضيّة ، كذلك جملة «زيد في الدار» حاكية عن الواقعيّة ، وهي المعنى الحرفي ، أي كون زيد في الدار ، وهو قائم بالطرفين.

وقد سبق أن ذكرنا نكتة في المعاني الحرفيّة ، ولا يخلو ذكرها في المقام عن فائدة ؛ لدفع ما توهّمه الأعاظم ، ومنهم صاحب الكفاية قدس‌سره فاعلم أنّ المشهور قائل بأنّ الوضع في المعاني الحرفيّة عامّ والموضوع له فيها خاصّ ، يعني لاحظ الواضع حين الوضع معنى كلّيّا فوضع اللّفظ لمصاديقه.

وقال المحقّق الخراساني قدس‌سره (٢) أنّه : إذا كانت الجملة خبريّة مثل : «سرت من

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) كفاية الاصول ١ : ١٣ ـ ١٤.

٣٨٧

البصرة إلى الكوفة» يكون الابتداء باعتبار الحكاية عن الواقعيّة الخارجيّة جزئيّا ، وأمّا إذا كانت الجملة إنشائيّة مثل : «سر من البصرة إلى الكوفة» فلا يكون الابتداء فيها جزئيّا ، بل هو كلّي باعتبار تعدّد الطريق وتعدّد كيفيّة طيّ الطريق ، فعلى المشهور أن يفرّق بين الجملتين من حيث عموميّة الموضوع له وخصوصيّته.

وجوابه : أنّ المراد من الخصوصيّة في كلام المشهور ليست الخصوصيّة الخارجيّة ، بل هي خصوصيّة الطرفين اللذين يتقوّم بهما المعنى الحرفي.

وبعبارة اخرى : أنّ الواضع حين الوضع لاحظ مفهوم الابتداء ، وهو مستقلّ في عالم المفهوميّة ، مثل : استقلال مفهوم البياض والإنسان ، إلّا أنّه إذا تحقّق في الخارج يحتاج إلى الطرفين ، كالسير والبصرة ، فيكون المراد من الخصوصيّة خصوصيّة السير والبصرة ، فإنّها غير خصوصيّة السير من طهران ، وهكذا.

وأمّا الخصوصيّات الخارجيّة ـ مثل زمان السير وطريق الحركة وأمثال ذلك ـ فلا تكون مرادة ولا تدلّ عليها الجملة حتّى الجملة الخبريّة ـ مثل سرت من البصرة إلى الكوفة ـ فإنّها حاكية عن الواقعيّة الجزئيّة ، وهي تحقّق ابتداء السير من البصرة فقط. ومعلوم أنّ الجملة الإنشائيّة ـ مثل : سر من البصرة إلى الكوفة ـ أيضا تدلّ على هذه الخصوصيّة ، فلا فرق بين الجملتين من حيث جزئيّة الابتداء أصلا ، فيكون الوضع في المعاني الحرفيّة عامّا ، والموضوع له فيها خاصّا.

إذا عرفت هذه المقدّمة فنقول : إنّ المادّة في باب الأفعال وضعت للحدث خالية عن النسبة والقيد ، إلّا أنّ بعد عروض هيئة من الهيئات عليها يضاف

٣٨٨

قيدا ونسبة إليه. وأمّا هيئة الأفعال فوضعت للدلالة على تحقّق الارتباط بين الحدث والفاعل مثل : «ضرب زيد» فإنّ هذه الهيئة وضعت للحكاية عن تحقّق صدور الحدث من الفاعل ، وهذا معنى حرفي يحتاج إلى شيئين ، فكما أنّ جملة «زيد في الدار» حاكية عن الواقعيّة المتقوّمة بالطرفين ، كذلك هيئة الفعل حاكية عن الواقعيّة المتقوّمة بالطرفين ، يعني صدور الحدث من «زيد» مثلا.

ولكنّ هيئتا فعل الماضي والمضارع مع اشتراكهما في المادّة والارتباط الصدوري والمعنى الحرفي كانت لها خصوصيّة توجب الافتراق بينهما ، وهي عبارة عن التحقّق والانطباق على زمان الماضي في فعل الماضي إذا كان فاعله زمانيّا ، وعن الترقّب والانطباق على زمان الاستقبال في فعل المضارع إذا كان فاعله كذلك ، لكن لا بمعنى وضع اللفظ بإزائهما ، بل بمعنى وضع اللفظ لمعنى ينطبق عليهما ، فيكون مفاد هيئة الفعل مستقلّا في عالم المفهوميّة ، وأمّا في تحقّقه الخارجي فيحتاج إلى الطرفين كالحروف ، إلّا أنّ وضع مادّة الحروف لا يكون مستقلّا في قبال وضع هيئتها ، بخلاف الأفعال ، فإنّه كان لكلّ من الهيئة والمادّة منها وضع مستقلّ ، ولكن مع ذلك يكون تحصّل المادّة بالهيئة ، فيما فهم من فعل الماضي مادّة وهيئة عبارة عن شيء واحد.

ثمّ إنّ استاذنا السيّد الإمام قدس‌سره (١) قائل بالفرق بين الفعل الماضي المتعدّي واللازم ـ على ما في تقريراته ـ من حيث الوضع ؛ بأنّ الارتباط المتحقّق بين المبدأ والذات في الأوّل ارتباط صدوري ، نحو «ضرب زيد» يعني صدر الضرب منه. وأمّا في الثاني حلوليّ بنحو «قام زيد» يعني اتّصف «زيد» بالقيام ، وحينئذ لا بدّ من القول بتعدّد الوضع في فعل الماضي.

__________________

(١) تهذيب الاصول ١ : ١٠٨ ـ ١٠٩.

٣٨٩

ولا يتوهّم أنّ القدر الجامع بينهما موجود ، فلا ضرورة بتعدّد الوضع ؛ بأنّ الواضع وضع اللفظ لكلّي الارتباط ، سواء كان صدوريّا أم حلوليّا ؛ لأنّه مردود ؛ إذ كلّي الارتباط يشمل الفعل الماضي المجهول أيضا ، مع أنّ الارتباط فيه وقوعيّ ، فلا يكون جامعا بين خصوص الارتباط الصدوري والحلولي ، فلا بدّ من تعدّد الوضع فيه وإن كانت الهيئة واحدة. وأمّا الفعل المضارع فيختلف في الدلالة ، فمنه ما يدلّ على المستقبل ، ومنه ما يطلق على الحال ، مثل : قول القائل : هل تعلم حكم هذه المسألة؟ والجواب : نعم أعلم حكمها ، وهكذا قوله : هل تقدر على الذهاب إلى المدرسة؟ والجواب : نعم أقدر على ذلك ، فاستعمل في هذين المثالين بمعنى الحال ، واستعماله في هذا المعنى كثير ، ولذا قال المحقّق النائيني قدس‌سره : إنّ الفعل المضارع وضع للحال ولا يستعمل في الاستقبال إلّا بالقرائن ، واستدلّ بقوله تعالى : (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً)(١).

وجوابه : أنّ الآية تدلّ على استعمال الفعل المضارع في الحال ، لا أنّه يستعمل فيه مطلقا ، وهو يكون معنى حقيقيّا له ، فلا شكّ في استعمال الفعل المضارع في الحال والاستقبال بدون القرينة ، إنّما الكلام في أنّ اشتراكه بينهما هل يكون معنويّا أم لفظيّا ، أو يكون في المسألة احتمال ثالث؟ ويستفاد من كلام صاحب الكفاية قدس‌سره (٢) أنّ اشتراكه بينهما يكون معنويّا ، ومن هنا ذكر تأييدا لما ادّعاه من عدم دلالة الفعل على الزمان بقوله : إنّ المضارع يكون مشتركا معنويّا بين الحال والاستقبال ، ولا معنى له إلّا أن يكون له خصوص معنى صحّ انطباقه على كلّ منهما ، لا أنّه يدلّ على مفهوم زمان يعمهما مثل

__________________

(١) الرعد : ٤٣.

(٢) كفاية الاصول ١ : ٦٢.

٣٩٠

الزمان غير الماضي.

كما أنّ الجملة الاسميّة ك «زيد ضارب» يكون لها معنى صحّ انطباقه على كلّ واحد من الأزمنة مع عدم دلالتها على واحد منها أصلا.

وحاصله : أنّ المشترك المعنوي ليس بمعنى وجود عنوان جامع بينهما ، بل يكون لمدلول فعل المضارع خصوصيّة تنطبق في الزمانيّات على الحال والاستقبال.

وقال استاذنا السيّد الإمام قدس‌سره (١) : «لا يبعد أنّ يقال : إنّ هيئة المضارع وضعت للصدور الاستقبالي ، لكنّها استعملت في بعض الموارد في الحال حتّى صارت حقيقة فيه».

ولكنّ الظاهر أنّه لا يبعد القول بتعدّد الوضع في الفعل المضارع أيضا ؛ بأنّ الواضع وضعه تارة للصدور الحالي واخرى للصدور الاستقبالي بصورة الاشتراك اللفظي ؛ إذ لا ترجيح لأحدهما على الآخر.

__________________

(١) تهذيب الاصول ١ : ١١٠.

٣٩١
٣٩٢

الأمر الرابع

في أنّ اختلاف مبادئ المشتقّات هل يوجب الاختلاف

في المبحوث عنه ـ يعني هيئات المشتقّات ـ أم لا؟

قال صاحب الكفاية قدس‌سره (١) : إنّ اختلاف المشتقّات في المبادئ وكون المبدأ في بعضها حرفة وصناعة ـ كالتاجر والصائغ ـ وفي بعضها قوّة وملكة ـ كالمثمر والمجتهد ـ وفي بعضها فعليّا ـ كالضارب والشارب ـ لا يوجب اختلافا في دلالة المشتقّات بحسب الهيئة أصلا ، ولا تفاوتا في الجهة المبحوث عنها كما لا يخفى ، غاية الأمر أنّه يختلف التلبّس به في المضي أو الحال ، فيكون التلبّس بالمبدإ فعلا لو أخذ حرفة أو ملكة ولو لم يتلبّس به إلى الحال أو انقضى عنه ، ويكون ممّا مضى أو يأتي لو أخذ فعليّا ، فلا يتفاوت في دلالة الهيئة أنحاء التلبّسات وأنواع التعلّقات.

والحاصل : أنّ المبدأ إن كان ملكة أو حرفة فالتلبّس به عبارة عن وجودهما وإن لم يتلبّس بهما بعد ، أو انقضى عنه بعد التلبّس بهما وإن لم يكن حين النطق متلبّسا بهما كالمجتهد إذا أكل مثلا ، وإن كان فعلا فالتلبّس بالمبدأ

__________________

(١) كفاية الاصول ١ : ٦٥.

٣٩٣

هو الاشتغال به ، فإطلاق المشتقّ على من لم يتلبّس به أو انقضى عنه يكون مجازا كالشارب والضارب ، فما يترتّب على اختلاف المبادئ هو طول زمان التلبّس بها وقصره ، فالشجرة المثمرة يصدق عليها عنوان المثمر في جميع فصول السنة ما دامت لها قابليّة الإثمار وشأنيّته ، وإذا زالت عنها هذه الشأنيّة فينقضي عنها المبدأ.

وهذا الكلام وإن كان صحيحا بحسب الظاهر والنظر الابتدائي ولكن الواقع والنظر الدقّي يقتضي خلافه ، فإنّ أكثر المبادئ يكون بنحو الفعليّة ؛ إذ التاجر ـ مثلا ـ مادّته عبارة عن التجارة لو أخذ فيه عنوان الحرفة ، كيف ينطبق في الآية الشريفة : (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ)(١) ، مع أنّه لا شكّ في أنّ المراد من التجارة فيها هو صدور التجارة وفعليّتها لا حرفته ، وهكذا الخيّاط ـ مثلا ـ مبدأه عبارة عن الخياطة ، ولا يؤخذ فيه عنوان الحرفة ؛ إذ لو نذر أحد أن لا يتحقّق منه الخياطة فلا شكّ في تحقّق المخالفة والحنث بتحقّق عنوان الخياطة ولو لم يجعل حرفته ذلك. وهكذا في مثال القوّة فمثلا : كما أنّ تنجيس المصحف يكون محرّما كذلك يحرم كتابته بالمركّب النجس ، ومعلوم أنّ المراد منه الكتابة الفعليّة لا الكتابة بالقوّة ، وهكذا في أكثر المبادئ أخذ عنوان الفعليّة حتّى في مبدأ المثمر ، فإنّ مبدأه عبارة عن الإثمار ، فلو أخذ فيه عنوان الشأنيّة كانت إضافة كلمة الشأنيّة إليه في الاستعمالات لغوا.

نعم ، كلمة الاجتهاد بوحدتها تكون في الاصطلاح بمعنى الملكة والقدرة على الاستنباط ، إلّا أنّها ليست في اللغة كذلك ، بل تكون بمعنى استفراغ الوسع

__________________

(١) النساء : ٢٩.

٣٩٤

والجدّ في طلب شيء ، فاخذ في جميع المبادئ عنوان الفعليّة.

ويؤيّده عدم أخذ العناوين المذكورة في الفعل الماضي والمضارع وأمثال ذلك ؛ إذ لم يؤخذ في «اتّجر» و «يتّجر» عنوان الحرفة أصلا ، ولكن اخذ في اسم فاعلهما ، مع أنّ المادّة في الجميع واحدة.

إنّما الكلام في أنّ ما فهم العرف من لفظ «ضارب» غير ما فهم من لفظ «تاجر» و «مثمر» وأمثال ذلك ، مع أنّ الهيئة في أكثرها واحدة ، فهل يوجب هذا الاختلاف الالتزام بتعدّد الوضع في هيئة واحدة ؛ بأن يقول : هيئة فاعل ـ مثلا ـ تارة وضعت لمعنى تدلّ على الفعليّة واخرى لمعنى تدلّ على الحرفة ، وهكذا؟

واستبعده استاذنا السيّد الإمام قدس‌سره (١) وقال بعد ذلك : يمكن أن يقال : إنّ ما يدلّ على الصنعة والحرفة وأمثال ذلك قد استعمل في تلك المعاني أوّلا بنحو المجاز حتّى صارت حقيقة تعيّنيّة ، ولكنّ هذا أيضا لا يخلو من بعد ، فإنّه يوجب الافتراق بين المبدأ والمشتقّ ، من حيث أخذ الحرفة ـ مثلا ـ في المشتقّ دون المبدأ.

وقال بعض الأعلام على ما في تقريراته : «إنّ موادّ المشتقّات ومبادئها تنقسم إلى أقسام : منها : ما يكون من قبيل الأفعال الخارجيّة كالقيام والقعود ، ومنها : ما يكون من قبيل الملكة والقوّة والاستعداد كالمجتهد والمهندس والمفتاح ، ومنها : ما يكون من قبيل الحرفة والصنعة كما في الخيّاط والبنّاء ... فيكون التلبّس بالمبدإ والانقضاء عنه في كلّ ذلك بحسبه».

ثمّ قال : إنّ كون التلبّس بالمادّة على نحو القوّة والاستعداد قد يكون

__________________

(١) تهذيب الاصول ١ : ١١١.

٣٩٥

من جهة أنّ المادّة موضوعة لذلك كما في الاجتهاد ونحوه ، وقد يكون من جهة استفادة ذلك من الهيئة كما في المكنسة والمفتاح ، فإنّ المادّة فيهما ـ وهي الفتح والكنس ظاهرة في الفعليّة لا في القابليّة والاستعداد ، ولكنّ الهيئة فيها موضوعة لإفادة تلبّس الذات بها شأنا واستعدادا ، فالمفتاح والمكنسة موضوعان لما من شأنه الفتح والكنس ، لا للمتلبّس بالكنس والفتح فعلا.

وفيه : أوّلا : أنّ ما ذكره في ذيل كلامه كان في الحقيقة عدولا عمّا ذكره ابتداء في عنوان البحث ومناقضا له.

وثانيا : سلّمنا أنّ هذا الكلام جار في اسم الآلة ، فإنّ له هيئة واحدة ، ولكنّ الاختلاف في هيئة الفاعل ـ كالتاجر والضارب ـ يرجع إلى خصوصيّة الهيئة أو المادّة ، مع أنّ الهيئة فيهما واحدة ولم يؤخذ في مادّتهما عنوان الحرفة ، فالإشكال في محلّه.

وقال البعض : إنّ عنوان كلّ من «التاجر» و «الضارب» و «المجتهد» ونحو ذلك قد يستعمل مجرّدا وبدون الجري على الذات ، وقد يستعمل بصورة القضيّة الحمليّة والجري على الذات ، وإذا كان بالصورة الاولى فلا فرق بين العناوين المذكورة من حيث تحقّق الفعليّة في الجميع ، وأمّا إذا كان بالصورة الثانيّة فيتحقّق لكلّ من العناوين معنى من المعاني المذكورة ، كالحرفة في قضيّة «زيد تاجر».

ونظيره قيل في الفقه في مسألة الماء الجاري ، فإنّ له خصوصيّات ، منها النبعان من الأرض ، فاحتمل هنا أنّ لفظ الجاري قد يستعمل مجرّدا فلا دخل للخصوصيّة المذكورة في مفهومه ، وقد يستعمل ويجعل صفة للماء مثل الماء الجاري ، فيكون لهذه الخصوصيّة دخلا فيه.

٣٩٦

ولكنّ كلا القولين ـ في الفقه وما نحن فيه ـ باطلان ، فإنّ القضيّة الحمليّة توجب الاتّحاد بين الموضوع والمحمول ، لا أنّها توجب تغيير المعنى المحمول كما لا يخفى ، مع أنّ لفظ «التاجر» وإن كان بصورة المجرّد يكون معناه التصوري عبارة عن حرفة التجارة.

وأمّا الجواب عمّا قيل في الماء الجاري فإنّه إذا لوحظ من حيث معناه اللّغوي فلا تكون فيه الخصوصيّة المذكورة ، وأمّا إذا لوحظ من حيث معناه الاصطلاحي فتكون فيه هذه الخصوصيّة ، كما مرّ مثله في لفظ المجتهد.

والظاهر هاهنا أنّ اسم الآلة وضع لما اعدّ للآليّة للمبدا الفعلي ولو لم يقع به التلبّس بالمبدإ أصلا ، فالمفتاح وضع لما من شأنه الفتح الفعلي ، ولذا يصدق لفظ «المفتاح» حقيقة على كلّ ما فيه قابليّة للفتح وإن لم يقع الفتح به خارجا ، فما دامت الشأنيّة موجودة فالتلبّس فعلي ، ويتحقّق الانقضاء بزوال القابليّة عنه ، فيجري النزاع فيه بأنّ إطلاق «المفتاح» على ما انقضى عنه المبدأ هل يكون بنحو الحقيقة أو المجاز؟

وهكذا اسم المكان ـ كالمسجد ـ وضع لما اعدّ لأن يتحقّق فيه السجود الفعلي الخارجي ، فيصدق هذا العنوان على كلّ ما اعدّ للسجدة فيه ما دام هذا التهيّؤ باقيا ، وعند زواله يصير منقضيا عنه المبدأ ، و «المحبس» يعني ما اعدّ لأن يحبس فيه المتخلّفون والمجرمون وهكذا ، إلّا أنّه لا يجري في بعض أسماء الأمكنة.

وحكى بعض الأعلام عن استاذه القول بخروج اسم المفعول عن محلّ النزاع ، بتقريب : أنّ الهيئة فيه وضعت لأن تدلّ على وقوع المبدأ على الذات ، وهذا المعنى ممّا لا يعقل فيه الانقضاء ؛ لأنّ ما وقع على الذات كيف يعقل

٣٩٧

انقضائه عنها؟! ضرورة أنّ الشيء لا ينقلب عمّا وقع عليه ، والمفروض أنّ الضرب قد وقع عليها ، فدائما يصدق أنّها ممّن وقع عليه الضرب ، فلا يتصوّر فيه الانقضاء.

ثمّ أجاب عنه حقّ جوابه بأنّه لو تمّ ما ذكره لجرى ذلك في اسم الفاعل أيضا ، فإنّ الهيئة فيه موضوعة لأن تدلّ على صدور الفعل عن الفاعل ، ومن المعلوم أنّه لا يتصوّر انقضاء الصدور عمّن صدر عنه الفعل خارجا ؛ لأنّ الشيء لا ينقلب عمّا وقع عليه ، والمبدأ واحد ـ كالضرب مثلا ـ لا يتفاوت حاله بالإضافة إلى الفاعل أو المفعول ، غاية الأمر أنّ قيامه بأحدهما قيام صدوري وبالآخر قيام وقوعي.

فالحقّ معه ؛ إذ المراد من الوقوع والصدور المذكورين هو الوقوع والصدور الفعليان ، ومعلوم أنّ الفعليّة تتصوّر بالنسبة إليهما ، فخروج اسم المفعول عن محلّ النزاع مستندا إلى الاستحالة غريب عنه.

وأمّا ما ينتهي دقّة النظر إليه في مثل التاجر أنّ مادته وضعت للتجارة الفعليّة ، وهكذا هيئته ؛ إذ لا فرق بينه وبين الضارب والشارب من حيث الهيئة ، إلّا أنّ العرف يستفاد من مجموع هيئته ومادّته ـ لكثرة الاستعمال أو غيره ـ معنى آخر ، ويطلق عندهم على معنى غير الموضوع له بنحو الحقيقة ، وهو من له حرفة التجارة إن لم تكن قرينة على خلافه ، فلا يرتبط هذا المعنى بمحلّ النزاع في باب المشتقّ ؛ إذ النزاع هاهنا يكون في مفاد الهيئة فقط.

٣٩٨

الأمر الخامس

في المراد من كلمة «الحال» في العنوان

أنّ المراد من الحال المأخوذ في عنوان المسألة هل هو حال النطق أو الجري أو التلبّس؟ إذ الحالات الثلاث قد تتّفق كقولنا : «زيد ضارب الآن» مع كونه ضاربا في حال النطق ، وقد يختلف حال النطق مع حالي التلبّس والجري ولكنّهما اتّفقا ، كقولنا : «كان زيد ضاربا أمس» و «زيد سيكون غدا ضاربا» إذا جعل الأمس والغد ظرفا للإطلاق والجري معا ، وقد تختلف حال التلبّس مع حال الجري والنطق ، كقولنا : «زيد ضارب أمس» إذا جعل الأمس قيدا للتلبّس فقط دون الجري ، وقد يختلف كلّ منها مع الآخر ، وهو فيما إذا كان التلبّس قبل الأمس والجري في الأمس والتكلّم الآن ، كقولنا : «كان زيد ضاربا أمس» فهو حقيقة عند الأعمّي ؛ إذ لا فرق عنده بين أن تكون النسبة في الأمس أو قبله أو بعده ، إذا كان التلبّس بالمبدإ قبل الأمس.

وقال المحقّق الخراساني قدس‌سره (١) : «إنّ المراد بالحال في عنوان المسألة هو حال النسبة ـ على ما صحّحه المشكيني قدس‌سره ـ لا حال النطق ؛ ضرورة أنّ مثل «كان زيد ضاربا أمس» أو «سيكون غدا ضاربا» ـ بشرط جعل الأمس والغد قيدا

__________________

(١) كفاية الاصول ١ : ٦٦ ـ ٦٧.

٣٩٩

للجري فقط ـ حقيقة إذا كان متلبّسا بالضرب في الأمس في المثال الأوّل ومتلبّسا به في الغد في الثاني ، فجري المشتقّ حيث كان بلحاظ حال التلبّس وإن مضى زمانه في أحد المثالين ولم يأت بعد في الآخر كان حقيقة بلا خلاف ، ولا ينافيه الاتّفاق على أنّ مثل «زيد ضارب غدا» مجاز ، فإنّ الظاهر أنّه فيما إذا كان الجري في الحال والتلبّس في الاستقبال».

لكنّ التحقيق : أنّ سرّ المسألة ـ كما قال به استاذنا السيّد الإمام قدس‌سره وغفله نوع من المحققين ـ عبارة عن أنّ المراد بالحال في عنوان البحث ليس أحد الأزمنة المذكورة ؛ إذ لا دخل للزمان أصلا في باب المشتقّ ، وأثبتنا مع التكلّف أنّه لا دخل للزمان في مدلول الأفعال ، وأمّا المشتقّات الداخلة في محلّ البحث ـ كاسم الفاعل والمفعول ـ فلا دخل للزمان في مدلولها قطعا.

على أنّ النزاع في باب المشتقّ يدور مدار معنى الهيئة والموضوع لها ، ومن المعلوم أنّ الحمل متأخّر عن مقام الوضع ، فإنّ حمل الإنسان على زيد ـ مثلا ـ متفرّع على العلم بمعنى الإنسان ، فلا دخل لحال النسبة في ما نحن فيه ، وهكذا التكلّم باللّفظ متأخّر عن اللفظ ووضعه ، فكيف يكون هناك دخل لحال النطق في الموضوع المتقدّم عليه من حيث الرتبة؟! مع أنّه لو كان المراد بالحال في العنوان حال التلبّس بأنّ المشتقّ حقيقة في المتلبّس بالمبدإ في حال التلبّس أو الأعمّ منه فهو يصدق على المنقضي قطعا ؛ إذ المنقضي أيضا كان متلبّسا بالمبدإ في حال التلبّس ، فيكون البحث هاهنا في المفهوم اللّغوي التصوّري ، وأنّ هيئة الفاعل ـ مثلا ـ وضعت لمعنى لا ينطبق إلّا على من يصدر منه المبدأ أو لمعنى أعمّ منه.

وبعبارة اخرى : أنّ الجامع الانتزاعي الموضوع له ينطبق على الفرد المتلبّس بالمبدإ فعلا فقط أو ينطبق على المنقضي أيضا.

٤٠٠