دراسات في الأصول - ج ١

السيد صمد علي الموسوي

دراسات في الأصول - ج ١

المؤلف:

السيد صمد علي الموسوي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات مركز فقه الأئمة الأطهار عليهم السلام
المطبعة: ياران
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-7709-92-7
ISBN الدورة:
978-964-7709-96-5

الصفحات: ٦٧٠

ولكن يرد عليه : أوّلا : أنّ الإشارة اللفظيّة وإن كانت مقترنة بالإشارة العمليّة في أكثر الموارد ، مع أنّه لا كلّيّة لها ، وهي تأكيد لها ، فإنّا نرى بالوجدان تحقّق إشارة لفظيّة مستقلّة ، ولم يلتزم أحد بعدم صحّة هذا الاستعمال أو مجازيّته.

وثانيا : أنّ الضمائر وأسماء الإشارة لا تنحصر بباب التكلّم فقط ، بل يستفاد منها في مقام الكتابة أيضا ، ولا معنى لاقترانها هاهنا.

وثالثا : أنّ لازم اقترانها بها دائما ـ مع أنّ الإشارة العمليّة مستقلّة في تحقّقها ـ أن تكون الإشارة اللفظيّة تأكيدا لها ، فكلمة «هذا» ـ مثلا ـ وضعت لتأكيد الإشارة.

والحاصل : أنّ كلّا منهما مستقلّة من حيث التحقّق ، وقد يجتمعان للتأكيد ، ولا ريب في أنّ مدلول حركة اليد ومفاد الإشارة العمليّة لا يكون المفرد المذكّر ، بل حركة نحو المشار إليه ، عمل وفعل يدلّ على الإشارة ، والدالّ هو الفعل ، والمدلول هي واقعيّة الإشارة ، كأنّه وضع بالوضع الطبيعي للدلالة على الإشارة ، وهي معنى حرفي تتقوّم بشخصين : المشير والمشار إليه ، وهكذا مدلول «هذا» ومفاد الإشارة اللفظيّة ، فإنّه أيضا يدلّ على الإشارة بلا فرق بينهما ، إلّا أنّه أخذ في مشار إليه كلمة «هذا» الخصوصيّتين ـ أعني : كونه المفرد المذكّر والحاضر ـ ولكن لا ربط لهما في حقيقة المعنى كما يؤيّده ابن مالك بقوله: «بذا لمفرد مذكّر أشر».

وأمّا ما قال به المحقّق الخراساني قدس‌سره : من أنّ كلمة هذا وضع لكلّي المفرد المذكّر ، فهو مخالف لفهم العرف منه ، ويخالف ما يفهم من سائر مرادفاته في باقي اللّغات ، ولا يكون بينهما اتّحاد مفهومي ولا اتّحاد من حيث الماهيّة.

١٨١

لا يقال : إنّه إذا كان مدلول كلمة «هذا» الإشارة مع كونها من المعاني الحرفيّة ، فلا يصلح لأن يقع مسندا ولا مسندا إليه ، مع أنّ وقوعه مسندا ليست قابلة للإنكار ، مثل جملة : «هذا زيد» و «هذا قائم».

لأنّا نقول : إنّ الموضوع والمسند والمبتدأ في هذه الموارد وهكذا في الإشارة العمليّة هو المشار إليه لا الإشارة ، أو أنّ المحمول قرينة على أنّ الموضوع هو المشار إليه ؛ إذ الإشارة ليست بقائم ، بل المشار إليه قائم.

والحاصل : أنّ الإشارة ـ سواء كانت إلى القريب أو البعيد ـ لها معان حرفيّة وإن عبّروا عنها بأسماء الإشارة.

مدلول الضمائر

ولا بدّ لنا من البحث في كلّ منها مستقلّا ، ولا دليل لاشتراكها في المعنى فنلاحظها مستقلّة ، أمّا ضمير الغائب ـ مثل كلمة «هو» و «هما» و «هم» و «هي» وأمثال ذلك ـ فالظاهر أنّه مشترك مع اسم الإشارة في المعنى ، كما أنّ أسماء الإشارة وضعت لحقيقة الإشارة ، كذلك ضمير الغائب وضع لحقيقة الإشارة ، إلّا أنّه قيّد في مرجع ضمير الغائب بمعهوديّته ذكرا أو ذهنا ، وهذه توجب صلاحيّته للإشارة وينزّله منزلة الحاضر ، وإلّا لا يمكن الإشارة اللفظيّة إلى الغائب ، كما أنّه لا يمكن إشارة عمليّة إليه ، مع أنّ الإشارة اللفظيّة أكثر ما تكون معها إشارة عمليّة ، سواء كانت إلى الغائب أو الحاضر ، فيكون لضمير الغائب كأسماء الإشارة معنى حرفي.

وأمّا ضمير المخاطب فلا يخفى أنّه لا تحقّق لعنوان الإشارة فيه ، وفي مدلوله احتمالان:

الأوّل : أنّه وضع للمخاطبة التي كانت لها واقعيّة متقوّمة بالطرفين ، فوضع

١٨٢

ضمير «أنت» و «إيّاك» وأمثال ذلك للمخاطبة ، فهو مشترك مع ضمير الغائب في المعنى الحرفي.

الثاني : أنّ الواضع في مقام الوضع لاحظ عنوان كلّي المخاطب ثمّ وضع لفظ المخاطب لهذا العنوان الكلّي ، ولفظ «أنت» و «إيّاك» لمصاديق هذا المفهوم ، ولذا إن سمع كلمة «أنت» من وراء الجدار يتصوّر مخاطبا جزئيّا ، بخلاف كلمة «المخاطب» ، وهذه عبارة عن الوضع العامّ والموضوع له الخاصّ ، فلا تنحصر مصاديقه بباب الحروف ، ولكنّ هذا الاحتمال مبنائي ، وهو ممنوع عندنا ـ كما مرّ ـ فيكون معنى الضمير المخاطب على هذا الاحتمال معنى اسمي.

وأمّا ضمير المتكلّم ففي مدلوله أيضا احتمالان :

أحدهما : أنّ لفظ «أنا» وكذا لفظ «نحن» وضع للإشارة بشرط أن يكون المشار إليه فيه نفس المتكلّم أو الأنفس ، ويؤيّده اقترانها غالبا مع الإشارة العمليّة إلى النفس أو الأنفس ، فيكون له معنى حرفي.

وثانيهما : أنّ الواضع حين الوضع لاحظ مفهوم كلّي المتكلّم ، ثمّ وضع كلمة «المتكلّم» لهذا المفهوم الكلّي ، وكلمة «أنا» لمصاديقه بنحو الوضع العامّ والموضوع له الخاصّ. ويؤيّده سماعهما من وراء الجدار ، فإنّ من السماع الأوّل ينتقل الذهن إلى المعنى الكلّي ، ومن السماع الثاني إلى المعنى الجزئي والخاصّ ، فيكون له معنى اسمي.

نكتة : أنّ المعاني الحرفيّة مع أنّها في تحقّقها تحتاج إلى الطرفين ، ولكن في مقام الإفادة وبيان المقاصد يتعلّق الغرض بها ؛ لأنّ غرض المتكلّم في جميع الجمل بيان هوهويّة متحقّقة بين الموضوع والمحمول ، فيكون لها في هذا المقام كمال الاستقلال.

١٨٣
١٨٤

الأمر الثالث

استعمال اللفظ في المعنى المجازي

اختلفوا في أنّ ملاك صحّة استعمال اللفظ في المعنى المجازي وما يناسب الموضوع له هل هو بالطبع أو بالوضع ، أعني ترخيص الواضع في الاستعمال لوجود علقة من العلائق؟ وجهان بل قولان ، أظهرهما أنّه بالطبع ، بشهادة الوجدان بحسن الاستعمال فيه ولو مع منع الواضع عنه ، وباستهجان الاستعمال فيما لا يناسبه ، ولو مع ترخيصه ، ولا معنى لصحّته إلّا حسنه ، هذا ما قال به صاحب الكفاية قدس‌سره (١).

لا يخفى أنّ أصل كلامه مؤيّد بوضع أعلام شخصيّة ؛ إذ الواضع ـ مثل الأب وغيره ـ يضع لفظ «حاتم» مثلا لابنه ، مع أنّه لا يعلم باتّصافه بصفة الجود في المستقبل ، وبعد اتّصافه بهذه الصفة يطلق هذا اللفظ على كلّ من اتّصف بصفة الجود بلا ترخيص من الواضع ؛ إذ الطبع يقبله ويحسّنه ، ولكنّ دليله قدس‌سره مجمل ، فإنّا لا نعلم أنّ التفسير من صحّة الاستعمال بحسن الاستعمال ينحصر في الاستعمالات المجازيّة أو يشمل الاستعمالات الحقيقيّة أيضا ، ولا بدّ من أعمّيّته في كلّ الاستعمالات ؛ إذ لا يعقل للصحّة معنيان ، وحينئذ هل يكون الحسن في

__________________

(١) كفاية الاصول ١ : ١٩.

١٨٥

مقابل القبح أو في مقابل عدم الحسن؟ فإن كان المراد هو الأوّل لكان استعمال الغلط قبيحا ، وهو كما ترى فإنّا لا نرى القبح في استعمال الغلط ، غاية الأمر هو باطل ، والباطل ليس بقبيح.

وإن كان المراد هو الثاني فإنّا لا نرى حسنا في الاستعمالات الحقيقيّة ، بل لعلّ استعمال اللفظ في المعنى الحقيقي لا حسن فيه ، ولذا يكون مقصوده من الاستدلال غير معلوم.

وذهب المشهور إلى أنّ المجاز استعمال اللفظ في غير ما وضع له ، وملاك الصحّة عبارة عن إذن الواضع وترخيصه ، سواء كان ممّا يقبله الطبع أم لا.

وخالفهم السكّاكي في قسم واحد من المجازات ، وهو الاستعارة ، وقال : إنّ ذلك حقيقة لغويّة ، بمعنى أنّ استعمال لفظ «أسد» ـ مثلا ـ في «الرجل الشجاع» بعلاقة المشابهة استعمال حقيقي لا مجازي ، ولكنّ العقل والذهن تصرّف وجعل ادّعاء ما ليس بفرد فردا ، فكأنّه كان للأسد فردان : أحدهما : فرد حقيقي ـ وهو الحيوان المفترس ـ والآخر : فرد ادّعائي ، وهو للرجل الشجاع.

واستدلّ عليه بأنّه لو لا هذا التصرّف لما صحّ التعجّب في قوله :

قامت تظلّلني ومن عجب

شمس تظلّلني من شمس

إذ الشاعر ادّعى معشوقته فردا من الشمس فتعجّب ، وإلّا لا يكون في تظلّل الجسم تعجّب ، وهذا لا يوافق قول المشهور ، وهو واضح (١).

ولا بدّ من توجيه كلامه بوجهين :

الأوّل : أنّ كلمة «أسد» اسم جنس مثل كلمة «إنسان» وضع لمفهوم كلّي ينطبق على جميع المصاديق ، وإن استعمل لفظ «أسد» في مصداق خاصّ فهذا

__________________

(١) مفاتيح العلوم : ١٥٦ ـ ١٥٨.

١٨٦

استعمال في غير ما وضع له ، كما أنّ لفظ «الإنسان» إن استعمل في فرد خاصّ بحيث يدلّ على معنى خاصّ فأيضا استعمال في غير ما وضع له ، ولذا قلنا في قضيّة «زيد إنسان» : إنّ الحمل فيها حمل شائع صناعي ، وملاكه الاتّحاد في الوجود لا في الماهيّة ، بمعنى أنّ «زيدا» فرد من الإنسان.

وإذا كان حال الكلّي مع مصداقه كذلك ، فكيف حال استعمال لفظ «أسد» في الرجل الشجاع ، مثل قولك : «زيد أسد» و «أسد عليّ وفي الحروب نعامة»؟! ومن المعلوم أنّ هذا الاستعمال بطريق أولى استعمال في غير ما وضع له ، فلا بدّ من توجيه كلام السكّاكي بأنّ لفظ «أسد» هاهنا استعمل في معناه الحقيقي ، وهي ماهيّة كلّيّة ، ولكن في مقام التطبيق ادّعى أنّ الرجل الشجاع أيضا كان من أفراد هذه الماهيّة ، وهكذا في سائر الموارد.

الثاني : أنّ استعمال الأعلام الشخصيّة بعلاقة المشابهة في غير ما وضع له يكون بادّعاء العينيّة ، مثل لفظ «حاتم» الذي وضع لشخص خاصّ ، وليس له معنى كلّي إذا استعمل في كلّ من اتّصف بصفة الجود بادّعاء العينيّة ، بمعنى : أنّ لفظ «حاتم» استعمل في معناه الحقيقي ، ولكن ادّعي أنّ «زيدا» هو «حاتم» ، وهكذا في قول الشاعر الّذي استدلّ به ، فإنّ الشاعر ادّعى أنّ معشوقته عين الشمس ، ولذا أطلق الشمس عليها.

وذكر الشيخ محمّد رضا الأصفهاني قدس‌سره في هذا المقام في كتاب وقاية الأذهان كلاما قابلا للتأييد ، وتبعه تلميذه الإمام الخميني ـ دام ظلّه ـ (١) ، ولكن لا بدّ لنا من ذكر مقدّمة لتوضيح كلامه قدس‌سره وهي : أنّ الاصوليّين اختلفوا في أنّ تخصيص العامّ يستلزم المجازيّة فيه أم لا؟ والمتقدّمون منهم يقولون : بالاستلزام ،

__________________

(١) وقاية الأذهان : ١٠١ ـ ١٣٥.

١٨٧

والمتأخّرون ـ ومنهم المحقّق الخراساني قدس‌سره (١) ـ يقولون : بعدم الاستلزام ، فإنّ لنا إرادة استعماليّة وإرادة جدّيّة ، ولا يخفى أنّهما قابلتان للتفكيك والتخالف ، مثل أنّ المقنن في مقام وضع القانون كان من عادته جعل القانون بصورة الكلّي ، ثمّ خرّج بعض الموارد بعنوان التبصرة ونحوها ، وليس معناه عدم استعمال ألفاظ القانون في معناها ، بل حاكية عن أنّ الإرادة الجدّيّة ليست تابعة للإرادة الاستعماليّة.

ومثل قول المولى : «أكرم كلّ عالم» ، ثمّ قوله بدليل منفصل : «لا تكرم زيدا العالم» ، ومن الممكن عدم تعلّق مراده من أوّل الأمر ب «إكرام زيد» ، ولكن ليس معناه عدم استعمال «أكرم كلّ عالم» في معناه ، بل المراد أنّ الإرادة الاستعماليّة تتعلّق بكلّ الأفراد والمصاديق حتّى «زيد العالم». وأمّا الإرادة الجدّيّة فلا تتعلّق بإكرامه ، فالتخصيص يختصّ في دائرة الإرادة الجدّيّة فقط.

وهكذا قال العلّامة الأصفهاني قدس‌سره في باب المجاز ، وملخّص كلامه : أنّ اللفظ في جميع المجازات لا يستعمل إلّا فيما وضع له ، ولكنّ ما هو المراد استعمالا غير ما هو المراد جدّا ، بمعنى أنّ في مقام تطبيق ما هو الموضوع له على غيره إمّا يدّعى كونه مصداقا له ـ كما في الكلّيّات ـ وإمّا يدّعى كونه عينه ـ كما في الأعلام ـ ثمّ استدلّ بأنّ حقيقة المجاز ليست إلّا التلاعب بالمعاني ، بحيث تحفظ بها لطائف الكلام وجمال الأقوال في الخطب والأشعار التي لا يكون في الاستعمالات الحقيقيّة منها خبر ولا أثر ، كما في قوله تعالى : (وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ)(٢) ؛ إذ لا يكون حسن المجاز بالتلاعب

__________________

(١) كفاية الاصول ١ : ٣٣٥ ـ ٣٣٩.

(٢) يوسف : ٣١.

١٨٨

بالألفاظ وإعارة لفظ الملك عارية عن معناه لوجود يوسف ، وجعلهما متّحدان في الاسم ، بل أنّ «الملك» استعمل في معناه الحقيقي ، وادّعي أنّ يوسف من مصاديقه ، مع أنّ جملة «حاش لله» لا يناسب لفظ «الملك» ، بل يناسب معناه.

وكما في قوله : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها)(١) ، فإنّه لا حسن للمجاز إن كان المراد من القرية أهلها ؛ إذ لا دليل لحذفه هاهنا ، بل القرية استعملت في معناها الحقيقي ، كأنّهم قالوا : تشهد على عدم سرقتنا الجمادات ، مثل قول الفرزدق :

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته

والبيت يعرفه والحلّ والحرم (٢)

فإنّ جعل هذا الشعر وأمثاله من المجاز بالحذف ـ مع أنّه لا يناسب البلاغة ـ مخالف لدليل وجود المجازات في الكلام ، وهكذا إطلاق العين على الربيئة ليس إلّا بادّعاء كونها عينا باصرة بتمام وجوده لكمال مراقبته وإعمال ما هو أثر خاصّ لها ، وهذا المعنى يوجب الحسن في الكلام واللطائف في الأقوال ، وأصل وجود العلائق ليس إلّا مجوّزا ومصحّحا للاستعمال.

ولا يخفى أنّ المجاز قد يكون في الكلمة مثل : استعمال لفظ «أسد» في الرجل الشجاع ، وقد يكون في الإسناد مثل : «أنبت الربيع البقل» ، فإنّ إسناد الإنبات ـ مع أنّه من أفعاله ـ تعالى إلى الربيع مجازيّ ، وقد يكون في المركّب ، وهو إرادة المعنى المجازي من الجملة ، مثل قولك للمتحيّر : «أراك تقدّم رجلا وتؤخّر اخرى» ؛ لأنّ ألفاظها استعملت في معانيها الحقيقيّة ، وليس للمركّب وضع على حدة ، ويدّعى أنّ هذا الشخص المتردّد والمتحيّر حاله وأمره يتجلّى في هذا

__________________

(١) يوسف : ٨٢.

(٢) الإرشاد للمفيد ٢ : ١٥١.

١٨٩

المثل كأنّه هو ، فتكون الإرادة الاستعماليّة هاهنا أيضا متعلّقة بالمعنى الحقيقي ، وأمّا الإرادة فتتعلّق بالمعنى المجازي ، وليس على مبنى المشهور توجيه للمجاز المركّب.

هذا ، والفرق بين قول السكّاكي وهذا القول : أوّلا : أنّ كلامه منحصر بباب الاستعارة فقط ، بخلاف هذا القول فإنّه لا يختصّ بباب دون باب ، بل يشمل جميع المجازات.

وثانيا : أنّ الإشكالين المذكورين في كلام السكّاكي في أسماء الأجناس والأعلام الشخصيّة ، ثمّ توجيه كلامه بالوجهين المذكورين غير وارد على هذا القول ، ولا يحتاج إلى التوجيه والتأويل أصلا.

وثالثا : أنّ ادّعاء العينيّة أو الفرديّة في باب الاستعارة على مذهب السكّاكي يقع قبل الاستعمال ، ثمّ يستعمل اللفظ في المصداق الادّعائي ، وعلى ما قال به العلّامة الأصفهاني قدس‌سره يقع بعد استعمال اللّفظ حين تطبيق طبيعة الموضوع له على المصداق.

ولا يخفى أنّ هذا المعنى مؤيّد بلفظ المجاز ؛ إذ الحقيقة عبارة عن الأمر الثابت ، والمجاز ما اخذ فيه عنوان المرور ، كما قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «الدنيا دار المجاز ، والآخرة دار القرار» (١) ، فإنّا نمرّ على هذا المعنى من ممرّ المعنى الحقيقي إلى المعنى المجازي. هذا أوّلا.

وثانيا : أنّ الدلالة اللفظيّة الوضعيّة على ثلاثة أقسام : المطابقيّة والتضمنيّة والالتزاميّة ، والمعنى المجازي لا يدخل في أحدها ؛ إذ المعنى المجازي معنى غير ما وضع له اللّفظ وغير مدلول له.

__________________

(١) نهج البلاغة : الخطبة ٢٠٣.

١٩٠

لا يقال : إنّ المجاز إن كان بعلاقة الجزء والكلّ يكون داخلا تحت الدلالة التضمنيّة.

لأنّا نقول : إنّ معناه عبارة عن دلالة اللفظ على الكلّ ، ولمّا كان الكلّ مركّبا من الأجزاء يدلّ على الجزء بتبع الكلّ ، وهكذا في الدلالة الالتزاميّة فإنّ مدلول اللفظ الملزوم وبتبع مدلوليّته يدلّ على اللازم ، لا أن يستعمل اللفظ الموضوع للكلّ في الجزء ، فلا بدّ من القول باستعمال اللفظ في معناه الحقيقي حتّى يكون داخلا تحت الدلالة المطابقيّة.

ويمكن أن يقال : إنّ المجاز محفوف بالقرينة ، مثل : «رأيت أسدا يرمي» ومعلوم أنّ للقرينة معنى مطابقيّا ، وتدلّ عليه بالدلالة المطابقيّة.

قلنا : إنّ هذا متّفق عليه ، ولكن على المبنى المشهور لفظ «الأسد» استعمل في الرجل الشجاع ، وهو ليس بمدلول مطابقي له ، مع أنّ القرينة قد تكون حاليّة ، فلا يكون الاستعمال المجازي في غير ما وضع له.

قال المحقّق الخراساني قدس‌سره (١) : لا شبهة في إطلاق اللفظ وإرادة نوعه به ، وله مثالان : الأوّل : ما يشمل نفسه أيضا مثل : «زيد لفظ» ، والثاني : ما لا يشمل نفسه ، مثل : «ضرب فعل ماض».

وكذا إطلاق اللفظ وإرادة صنفه ، وله أيضا مثالين : أحدهما : ما يشمل نفسه أيضا ، مثل : قولك : «زيد إذا وقع في ابتداء الكلام مبتدأ» ، وثانيهما : ما لا يشمل نفسه مثل : «زيد في ضرب زيد فاعل» إذا لم يقصد به شخص القول.

وكذا إطلاق اللفظ وإرادة مثله ك «زيد» في المثال المذكور ، أو إذا سمعت كلمة «زيد» وأنت تقول : «زيد علم شخصيّ».

__________________

(١) كفاية الاصول ١ : ١٩ ـ ٢٠.

١٩١
١٩٢

الأمر الرابع

إطلاق اللفظ وإرادة نوعه أو صنفه أو مثله أو شخصه

وهاهنا يتصوّر قسم رابع ، وهو : إطلاق اللفظ وإرادة شخصه ، ومثّله قدس‌سره ب «زيد لفظ» ، ولكنّ الأولى منه ما يقول به القائل بعد تكلّمه بكلام : «هذا لفظي» ، أو «هذا كلامي».

ولا بدّ لنا من البحث في مقامين :

الأوّل : في صحّة هذه الإطلاقات وعدمها. وناقش صاحب الفصول قدس‌سره (١) في القسم الأخير منها.

واستدلّ صاحب الكفاية قدس‌سره لصحّة الأقسام الثلاثة الاول بدليلين : الأوّل : ما اختاره (٢) في باب المجاز من أنّ صحّة الاستعمال عبارة عن حسنه ، وفي هذه الموارد أيضا لا يرى قبحا ، بل الحسن موجود ، فيكون الإطلاق صحيحا بالطبع لا بالوضع.

والثاني : أنّا نرى مثل هذه الإطلاقات في المهملات التي لا وضع لها أصلا ، مثل : «ديز لفظ» ، فلا يشترط في صحّة الإطلاق ترخيص الواضع.

__________________

(١) الفصول الغروية : ٢٢.

(٢) كفاية الاصول ١ : ١٩ ـ ٢٠.

١٩٣

ويؤيّده أوّلا : شيوع هذه الإطلاقات في المحاورات. وثانيا : انحصار بعض موارد التفهيم والتفهّم بهذه الإطلاقات ، مثلا : إذا أمر الاستاذ تلميذه بتركيب جملة «جاء زيد من السفر» فلا بدّ له من القول : بأنّ «جاء» فعل و «زيد» فاعله ، فلا دليل على انحصار الإطلاقات الصحيحة في الحقيقة والمجاز ، بل هذه الإطلاقات أيضا صحيحة.

وأمّا القسم الرابع ـ يعني إطلاق اللفظ وإرادة شخصه ـ كما إذا قال الاستاذ لتلامذته : «تلفّظوا كلّ واحد منكم بلفظ» ، وقال أحدهم : «زيد لفظي» ، وآخر مثلا : «بكر لفظي» ، وهكذا.

ولكن استشكل صاحب الفصول (١) في صحّته بأنّه إن اعتبر دلالته على نفسه حينئذ لزم اتّحاد الدال والمدلول. وإن قيل : لا دلالة له على شيء لزم تركّب القضيّة من جزءين ؛ لأنّ القضيّة اللفظيّة المركّبة من ثلاثة أجزاء تكون حاكية عن المحمول والنسبة لا الموضوع ؛ إذ لم يكن لكلمة «زيد» مفاد ومدلول ، ولم تكن حاكية عن شيء ، فتكون القضيّة المحكيّة بها مركّبة من جزءين مع امتناع التركّب إلّا من ثلاثة ؛ ضرورة استحالة ثبوت النسبة بدون المنتسبين.

وأجاب المحقّق الخراساني (٢) عن الأوّل بقوله : يمكن أن يقال : إنّه يكفي تعدّد الدال والمدلول اعتبارا وإن اتّحدا ذاتا ، فمن حيث إنّه لفظ صادر عن لافظه كان دالّا ، ومن حيث إنّه نفسه وشخصه مراده كان مدلولا.

وعن الثاني بقوله : إنّ حديث تركّب القضيّة من جزءين لو لا اعتبار الدلالة

__________________

(١) الفصول الغروية : ٢٢.

(٢) كفاية الاصول ١ : ٢٠.

١٩٤

في البين إنّما يلزم إذا لم يكن الموضوع نفس شخصه ، وإلّا كان أجزاؤها الثلاثة تامّة ، وكان المحمول فيها منتسبا إلى شخص اللفظ ونفسه ، غاية الأمر أنّه نفس الموضوع لا الحاكي عنه ، بمعنى أنّ الموضوع في القضيّة الملفوظة والمحكيّة هو كلمة «زيد» ولا إشكال فيه.

ولكنّ التحقيق في الجواب ـ بعد القول بأنّ كلام صاحب الكفاية في مقام الجواب كان في محلّه ـ : أنّ البحث هاهنا في مقام إثبات صحّة هذه الإطلاقات ، وأمّا البحث عن تسميتها فهل لها دخل بالاستعمال والدلالة أم لا فسيأتي إن شاء الله في المقام الثاني ، وهو متفرّع على إثبات أصل الصحّة.

وأمّا المقام الثاني : فهو هل أنّ لعنوان الاستعمال والدلالة دخلا في هذه الإطلاقات أم لا؟ وتوضيح المقام يتوقّف على بيان مقدّمة : وهي أنّ الاستعمال عبارة عن طلب عمل اللفظ في المعنى بحيث إن سمع لفظ «زيد» ينقش صورة منه في ذهن السامع لا عينه ، فإنّ عين اللفظ كالوجود الخارجي لا يمكن إتيانه في الذهن ، فإنّهما متباينان ولا يجتمعان ، وهذه الصورة الذهنيّة تكون بمنزلة المرأة للانتقال إلى المعنى.

إذا عرفت هذه فنبحث في كلّ واحد من الأقسام على حدة ، ونبدأ من القسم الأخير ، وهو أن يقول : «زيد لفظي» وأراد به شخصه ونفسه ، فهل ينطبق عنوان الاستعمال المذكور عليه بمعنى أنّه دالّ على شخصه ، وأنّ المتكلّم استعمل اللفظ في شخصه أم لا؟ والظاهر أنّه لا ينطبق ؛ إذ ملاك الاستعمال ليس بموجود ، فإنّ المتكلّم إذا قال : «زيد» يوجد في الذهن الصورة الذهنيّة منه ، ثمّ يتوقّف فينظر إذا كان المحمول مثل «قائم» وأمثال ذلك ينتقل منه إلى الوجود الخارجي ، وإن كان المحمول كلمة «لفظي» وأمثاله فيتوقّف فيه ولم

١٩٥

ينتقل إلى شيء ؛ إذ لا يوجد شيء حتّى ينتقل إليه.

ولا يخفى أنّ كلام صاحب الكفاية في مقام بيان المغايرة الاعتباريّة بين الدالّ والمدلول لا يخلو من إشكال ، فإنّ لازم كلامه تقدّم مقام الصدور على مرحلة الدلالة ، فإنّه يقال : إنّ لفظ «الأسد» بما أنّه لفظ صادر من المتكلّم فهو دالّ ، مع أنّ اللفظ الدال صدر من المتكلّم ، ومعلوم أنّه لم يقل : إنّ اللفظ صادر من المتكلّم يدلّ على معنى كذا ، ويشهد لذلك عدم اعتنائه قدس‌سره في مقام الاستعمال بهذه المغايرة ، وعدم قبوله الاستعمال في هذا القسم من الأقسام ، ولذا لا شكّ ولا شبهة في أنّ الاستعمال ليس بموجود هاهنا.

وأمّا القسم الثالث ـ وهو إطلاق اللفظ وإرادة مثله ـ والظاهر أنّ الاستعمال فيه متحقّق وإن خالف فيه بعض الأعاظم ؛ وذلك لأنّ الملاك المذكور للاستعمال موجود فيه ، فإنّ اللفظ الصادر من المتكلّم موجد للصورة الذهنيّة للمخاطب ، وينتقل منها إلى شيء آخر ، ولكنّه لا يكون من مقولة المعنى بل من مقولة اللفظ ، مثلا قال قائل : «جاء زيد من السفر» ، وأنت تقول : كلمة «زيد» في هذه الجملة تكون فاعلا ، وهذا الإطلاق إطلاق اللفظ وإرادة فرد آخر ، فالاستعمال يكون متحقّقا ، غاية الأمر أنّ المستعمل فيه غير الموضوع له.

ولكن ناقش فيه استاذنا المرحوم السيّد البروجردي قدس‌سره (١) بأنّ اللفظ الصادر من متكلّم غير اللفظ الصادر من متكلّم آخر ؛ لأنّ لهما خصوصيّتين بلحاظ متكلّميهما ، ولكنّ المخاطب يتوجّه ذهنه إلى صرف الطبيعة غافلا عن خصوصيّاتها ، وينتقل بقرينة الحكم إلى الحصّة المتحقّقة منها في ضمن الشخص المراد ، فلا يراد من إلقاء اللفظ إلى المخاطب وإيجاده في ذهنه أن ينتقل

__________________

(١) نهاية الاصول ١ : ٣٤ ، الحجّة في الفقه ١ : ٤٠ ـ ٤٤.

١٩٦

منه إلى شيء آخر ، فلا يكون في هذا المورد استعمال وإفناء للفظ في شيء آخر ، فلا يصحّ إطلاق لفظ الاستعمال ، فإنّ المقصود من ذكر اللفظ هو تحقّق نفس طبيعة اللفظ في ذهن المخاطب لا بما هي هي ، بل بما أنّها مرآة لأفرادها.

ولكنّ التحقيق أنّه ليس بتامّ ، فإنّ المتكلّم إذا قال : زيد في كلام القائل فاعل ، تصوّر «زيدا» الصادر من المتكلّم ، ثمّ استعمل كلمة «زيد» فيه ، وكان المستعمل والمستعمل فيه متعدّدا بالوجدان ، ولا دخل لغفلة المخاطب وتوجّهه في هذا المعنى ، ويشهد لتعدّدهما تعدّد المتكلّم ، وكلامه قدس‌سره خارج عن محلّ النزاع كما لا يخفى ، وهذا المعنى مسلّم كما قال به صاحب الكفاية قدس‌سره.

وأمّا القسم الأوّل والثاني ـ أي إطلاق اللفظ وإرادة نوعه أو صنفه ـ فحكمهما واحد ولا معنى للتفصيل بينهما.

وقبل بيان تحقّق الاستعمال وعدمه فيهما لا بدّ لنا من ملاحظة كلام المحقّق الخراساني (١) هاهنا ، وهو يقول ابتداء : إنّه يمكن أن يقال : إنّه ليس من باب الاستعمال ما إذا أطلق اللفظ واريد به نوعه أو صنفه ، كما تقول : «زيد لفظ» ، فإنّ كلمة «زيد» فرد من النوع ومصداقه ، لا أنّه لفظ ، والنوع معناه كي يكون مستعملا فيه استعمال اللفظ في المعنى ، فلا يكون في البين لفظ قد استعمل في معنى ، بل فرد قد حكم في القضيّة عليه بما هو مصداق لكلّي اللفظ ، لا بما هو خصوص الجزئي ، ونظيره قولك : «زيد متعجّب» ؛ إذ هو بما أنّه فرد من أفراد الإنسان كان موضوعا للتعجّب لا بما أنّه «زيد» ؛ إذ لا خصوصيّة فيه.

واحتمل ثانيا تحقّق الاستعمال في ما نحن فيه ، بمعنى أنّه إذا لوحظ خصوصيّة لفظ «زيد» بعنوان المستعمل ـ غاية الأمر أنّ المستعمل فيه هو

__________________

(١) كفاية الاصول ١ : ٢٢.

١٩٧

الطبيعي والكلّي ـ فيتحقّق الاستعمال ، كما إذا قصد به فرد مثله ، مثل استعمال لفظ «زيد» في طبيعي الإنسان.

ثمّ قال : وبالجملة ، وحاصل كلامه قدس‌سره عبارة عن أنّ لكلّ من إطلاق اللفظ وإرادة نوعه أو صنفه تتصوّر صورتان : فإذا اطلق واريد به نوعه أو صنفه كما إذا اريد به فرد مثله ـ يعني كان لفظ «زيد» الصادر عن المتكلّم مع خصوصيّته مستعملا ، والمستعمل فيه كلّ لفظ «زيد» الذي يتلفّظ به في أيّ كلام وأيّ حالة ـ كان من باب استعمال اللفظ في المعنى وإن كان لفظ «زيد» فردا منه ، وقد حكم في القضيّة بما يعمّه. وإن اطلق ليحكم عليه بما هو فرد كلّيّته ومصداقه ، لا بما هو لفظه وبه حكايته فليس من باب الاستعمال ، كأنّه في مقام جعل «زيد» موضوعا للّفظ تجرّد عن الخصوصيّات ، وجعل الموضوع طبيعي لفظ «زيد».

وقال في آخر كلامه : لكنّ الإطلاقات المتعارفة ظاهرا ليست من قبيل الثاني كما لا يخفى ، وفيها ما لا يكاد يصحّ أن يراد منه عدم الاستعمال ممّا كان الحكم في القضيّة لا يكاد يعمّ شخص اللفظ ، كما في «ضرب فعل ماض» ؛ لأنّ «ضرب» في مثل هذا التركيب مبتدأ لا فعل ماض ، فلا يعمّه الحكم في القضيّة ، بل إنّما يكون اسما حاكيا عمّا يكون محكوما به ، فلا بدّ من الاستعمال هاهنا ؛ إذ لا فائدة في تجريد الخصوصيّات.

وأمّا استاذنا المرحوم السيّد البروجردي قدس‌سره (١) فقد أنكر الاستعمال في هذين القسمين بطريق أولى بعد إنكاره فيما إذا اطلق اللفظ واريد به فرد مثله ، فإنّ خصوصيّة زيد» مغفول عنها هاهنا لدى المتكلّم والمخاطب ، فكأنّه ألقى طبيعي

__________________

(١) نهاية الاصول ١ : ٣٣ ـ ٣٤.

١٩٨

لفظ «زيد» واستمع المخاطب أيضا هذا الطبيعيّ ، فليس من الاستعمال خبر ولا أثر.

ولكنّ التحقيق : أنّ الاستعمال في هذين القسمين ليس قابلا للإنكار ، وتوضيحه يتوقّف على بيان مقدّمة ، وهي : أنّ للفرديّة والكلّيّة واقعيّتين بحيث لا يمكن انفكاك الفرديّة من الفرد والكلّيّة من الكلّي ، فلا تكون فرديّة «زيد» من الامور الاعتباريّة بحيث إذا لوحظ مع خصوصيّاته يصير جزئيّا ، وإن لوحظ بدونها يصير كلّيّا. هذا أوّلا.

وثانيا : أنّ الفرد والكلّي متباينان من حيث الماهيّة وإن اتّحدا من حيث الوجود ، ولذا كان الحمل فيهما حملا شائعا صناعيّا ، مثل «زيد إنسان».

إذا عرفت هذا فنقول : إنّ في قضيّة «زيد لفظ» لا إشكال في فرديّة «لفظ» لهذا الكلام ، فكيف يمكن تجريده منها فيكون اللّفظ فردا له ماهيّة وواقعيّة والمراد منه كلّي له واقعيّة وماهيّة اخرى؟! فالمستعمل شيء والمستعمل فيه شيء آخر ، فكان الاستعمال متحقّقا بلا إشكال.

إن قلت : سلّمنا أنّ المستعمل هو شخص «زيد» ولكن المستعمل فيه كلّي يشمل المستعمل أيضا ، فيلزم اتّحاد المستعمل والمستعمل فيه.

قلنا : إنّ المستعمل فيه هو نفس الكلّي ، وليس معنى انطباقه على المصاديق أن تكون الأفراد مستعمل فيه ، بل لا يكون المستعمل فيه هذا الفرد ولا سائر الأفراد ، فالمغايرة بينهما أوضح من أن يخفى ، فالاستعمال كان متحقّقا.

١٩٩
٢٠٠